قول الشيطان لقريش تعالوا لقتال أحمد فسوف أساعدكم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
قول الشيطان لقريش تعالوا لقتال أحمد على مدونة عبدالله المسافر باللهقول الشيطان لقريش تعالوا لقتال أحمد فسوف أساعدكم المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
قول الشيطان لقريش : تعالوا لقتال أحمد فسوف أساعدكم
واستنفر قبيلتى للعون وهروبه عند لقاء السصفين
“ 1 “
- إن هذا علي مثال الشيطان ، صار “ كأنه قائد “ للجيش ، ووسوس لهم قائلا : “ إنني جار لكم “ .
4040 - وعندما تجهزت قريش اعتمادا علي قوله ، والتقي الجيشان .
- رأي الشيطان جيشا من الملائكة في الطريق إلي صف المؤمنين .
- وأولئك الذين ورد ذكرهم في الآية الكريمة جُنُوداً لَمْ تَرَوْها *قد اطفوا ، استعرت النيران في روحه خوفا .
- فأخذ في التقهقر قائلا : إنني أري جيشا عجبا ! !
- إني أخاف اللّه ما لي منه عون ، اذهبوا إني أري ما لا ترون “ “ 2 “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 584 : مثل الشيطان من وسوستة لقريش ، لقد وسوس لهم قائلا : تعالوا بالجيش
- حتى نوقع الهزيمة بأحمد ، ونقتلع جذوره من الأرض .
وعندما تجمعت الجيوش ، تحدث معها بالحيلة . قائلا : سوف أتي بقبيلتي ، حتى أكون ظهيرا لكم في الهيجاء ، وأقوم لكم بالعون والمساعدة ، حتى أهزم جيش عدوكم .
( 2 ) بالعربية في المتن .
“ 346 “
4045 - قال الحارث : يا من أنت علي شكل سراقة انتبه ، لماذا لم تكن تقول هذا بالأمس ؟
- قال : إني أري الهلاك الآن ، قال “ الحارث “ : تري أيضا حقراء العرب .
- ولا تري غير هذا لكن يا من أنت عار ، كان ذلك وقت النفاج والآن وقت القتال .
- كنت تقول بالأمس : ما دمت قد صرت قائد الجيش ، فإن النصر لكم والفتح “ تحت راياتكم “ قدما بقدم .
- وبالأمس كنت قائد الجيش أيها اللعين ، والآن لست برجل ولست بشيء بل أنت مهين .
4050 - حتى نجرعنا خديعتك وأتينا فمضيت بنا إلي الأتون ، وصرنا نحن حطبا .
- وعندما توجه الحارث إلي سراقة بهذا الخطاب ، استشاط اللعين غضبا من هذا اللوم والعتاب .
- وسحب يده بغضب من يده ، فقد كان الألم شديدا في قلبه من هذا الحديث .
- ووكزه الشيطان في صدره ، وانطلق هاربا ، وسفكت دماء كثير من المساكين من مكره .
- مثلما ألحق الخراب بعوالم لا حصر لها ، ثم “ نكص منها “ قائلا إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ.
4055 - وكزه في صدره فألقي به أرضا، وركن إلى الفرار عندما أخذ منه الخوف كا مأخذ.
- والنفس والشيطان كلاهما كانا جسدا واحدا ، لكنهما ظهرا في صورتين .
- مثل الملاك والعقل كانا “ في الأصل “ كيانا واحدا ، ثم صار لحكمة
“ 347 “
يعلمها - جل شأنه - صورتين .
- وعدو كهذا كامن لك في سرك ، هو حائل دون العقل وخصم للروح والدين .
- إنه يحمل عليك دفعة واحدة كما يحمل الضب ، ثم يفر هاربا إلي جحره .
4060 - وقد صار له الآن في القلب جحور وجحور ، إنه يطل برأسه من كل جحر منها .
- لقد صار اسم الشيطان “ الخناس “ ، لاختفائه هكذا داخل النفوس وكونه في ذلك الجحر .
- فإن خنوسه مثل خنوس القنفذ ، فهو كرأس القنفذ يظهر ويختفي .
- ولقد سمي اللّه تعالي ذلك الشيطان بالخناس ، لأنه يشبه رأس هذا القنفذ .
- فذلك القنفذ يخفي رأسه لحظة بلحظة خوفا من الصياد والقط .
4065 - وعندما يجد الفرصة يطل برأسه ، ومع مثل مكره هذا تكون الحية ضعيفة أمامه .
- وإن لم تكن النفس قد قطعت عليك الطريق من الداخل ، فمتي كان لقطاع الطريق يد طولي عليك ؟
- من قبيل ذلك ، ذلك الشيطان الملحاح المسمي بالشهوة ، إنه يجعل القلب أسيرا للحرص والطمع والآفة .
- ومن ذلك الشيطان الخفي صرت لصا فاسدا ، حتى وجدت بقية الشياطين طريقا إلي قهرك .
- فاستمع من الخبر النبوي الشريف إلي هذه النصيحة الطيبة : “ بين جنبيكم لكم أعدي عدو “ “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
“ 348 “
4070 - فلا تستمع إلي جعجعة هذا العدو ، وجد في الفرار منه ، فهو مثل إبليس في لجاج وخصومة .
- لقد سهل عليك ذلك العذاب السرمدي من أجل الدنيا وبهرجها وزينتها .
- فأي عجب أن جعل عليك الموت سهلا ، إنه بسحره يفعل أضعاف أضعاف ذلك .
- إن السحر يجعل القشة بفنه جبلا ، ثم يجعل الجبل يبدو كأنه القشة .
- ويقلب القبائح كلها إلي محاس بفنه ، ويقلب المحاسن كلها إلي قبائح بظنه .
4075 - وهذا هو عمل السحر عندما يتنفس ، إنه يقلب الحقائق في كل نفس .
- إنه يبدي الإنسان حمارا في لحظة ، ويجعل الحمار بشرا أية للناس .
- ومثل هذا الساحر موجود في داخك وفي سرك ، “إن في الوسواس سحرا مستترا“ “1“.
- وفي هذا العالم الذي يوجد فيه هذا السحر ، هناك سحرة لكنهم يبطلون هذا السحر .
- وتلك الصحراء التي تحتوي علي السم الزعاف ، تحتوي أيضاً علي الترياق يا بني .
4080 - ويناديك الترياق قائلا : “ لذ بي واطلب وجاء مني ، فأنا أقرب إليك من السم “ .
- إن كلام “ ذلك الشيطان “ سحر وعدو لك ، وكلامي أيضا سحر لكنه دفع لذلك السحر .
..............................................................
( 1 ) . . .
“ 349 “
تكرار العاذلين النصيحة لضيف ذلك المسجد القاتل للضيوف
- لقد قال الرسول عليه السلام : إن من البيان لسحرا ، وحقا قاله ذلك البطل العظيم “ 1 “ .
- هيا لا تتظاهر بالشجاعة وامض يا أبا الكرم ، ولا تلق علينا أو علي مسجدنا بالتهم .
- فسوف يتحدث كاشح نقلا عن كاشح ، ويضرم بيننا نار “ الغيبة “ أحد الأدنياء .
4085 - وسوف يقولون : إن مجرما قد قام بخنقه ، والمسجد مجرد ذريعة والرجل كان صحيح الجسم .
- وإنهم يضعون التهمة علي المسجد ، ما دام المسجد سيىء السمعة ، وبهذا ينجو القاتل المجرم .
- فلا تضع التهم علي كواهلنا أيها العنيد ، فلسنا بالآمنين من مكر الأعداء .
- وهيا لا تتظاهر بالشجاعة ، ولا تضخم في نفسك الأماني ، فلا يمكن قياس “ كوكب “ عطارد بالذراع .
- فمثلك كثيرون قد تشدقوا عن الحظ ، فاقتلعوا لحيهم قبضة قبضة .
4090 - هيا امض ، وكف عن هذا القيل والقال ، ولا تلق بنفسك وبنا في الوبال .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
“ 350 “
جواب الضيف عليهم وضربه المثل بدارس المزرعة
الذي دفع بصوت الدف الجمل الذي كانوا يدقون عليه
طبول السلطان محمود
- قال : أيها الرفاق ، لست من أولئك الشياطين ، بحيث تهن قدمي من الحوقلة .
- لقد كان هناك طفل يحرس مزرعة ، وكان يدق طبله صغيرة لزجر الطيور .
- وكانت الطيور تفر من المزرعة من صوت تلك الطبلة الصغيرة ، فأصبحت المزرعة امنة من طيور السوء .
- وعندما مر السلطان محمود الكريم بتلك الناحية ، وضرب معسكرا كبيرا .
4095 - وكان معه جيش كنجوم الأثير لجب ومظفر وشاق للصفوف ومستول علي الملك .
- وكان معه أيضا جمل يحمل الطبول ، كان جملا ذا سنامين متبخترا يمشي كالديك .
- كانوا يدقون عليه الكوسات والطبول ليل نهار ، في الرواح والغدو وعند تجميع الجند .
- ودخل ذلك الجمل تلك المزرعة ، فدق ذلك الطفل تلك الطبلة الصغيرة لكي يحافظ علي قمحة .
- فقال له أحد العقلاء : لا تقرع هذه الطبلة الصغيرة فهو متمرس علي الطبول معتاد عليها .
4100 - وما ذا يكون لوحاك هذان بالنسبة له أيها الطفل ؟ إنه يحمل طبل السلطان التي تبلغ أضعاف أضعاف طبلتك .
“ 351 “
- وكذلك أيضا العلم والفنون والحرف، يبقي في هواها ما لم يجد شيئا يزيد عليها في الشرف.
- وما لم يكن هناك أفضل من الروح تظل الروح عزيزة ، وإن وجد ما هو أفضل منها تنقلب إلي شيء لا قيمة له.
- إن اللعبة الميتة تكون بمثابة الروح عند الطفلة ، طالما لم تكبر وتصير هي نفسها ولودا للأطفال.
4115 - وكل هذه الصور والخيالات بمثابة اللعبة ، وأنت بحاجة إليها طالما ظللت طفلا .
- وعندما تنجو الروح من الطفولة فإنها تصير في وصال ، فارغة من التصور والحس والخيال .
- وليس ثم مسموح له وإلا تحدثت بلا مواربة ، ومن هنا أسلم والله أعلم بالوفاق .
- فالمال والجسد بمثابة الثلج المتساقط نحو الفناء ، والحق مشتريهما مصداقا لقوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى.
- والثلج يبدو لك أفضل من الثمن ، لأنك لا تزال في شك ولا يقين لديك .
4120 - وهذا الظن عجيب فيك أيها المهين ، فهو لا يحلق “ بك “ نحو بستان اليقين .
- وكل ظن ظمان لليقين يا بني يضرب بجناحيه وقوادمه بشكل متزايد .
- وعندما يصل إلي العلم يصير الجناح قدما ، ويصير علمه هذا مدركا لليقين .
- ذلك أنه في طريق المفتون يكون العلم أقل من اليقين لكنه فوق الظن .
- فاعلم أن العلم يكون باحثا عن اليقين ، وذلك اليقين يكون باحثا عن الرؤية والعيان .
“ 352 “
- “ قال الضيف “ : إنني عاشق قتيل فداء “ لا . . إله إلا اللّه “ وروحي هي موضع نوبة طبول البلاء .
- أما الطبلة الصغيرة فهي هذه التهديدات ، وطالما أبصرتها العيون من قبل .
- أيها الرفاق ، إنني لست من أولئك النفر ، بحيث أقف في هذا الطريق من أوهام .
- إنني من “ الإسماعيلية “ ليس عندي ذرة من حذر ، لا ، بل أن مثل إسماعيل عليه السلام فارغ من رأسي .
4105 - إنني فارغ من الطنطنة والهباء ، لقد قال : “ قل تعالوا “ ولقد نادي روحي قائلا لها “ تعالي “ .
- وقال الرسول عليه السلام “ لقد جاد في السلف بالعطية من تيقن بالخلف “ “ 1 “ .
- وكل من يري في العطاء مائة عوض ، يغامر بالعطاء سريعا لهذا الغرض .
- وكل الناس لهذا السبب قبعوا في الأسواق، لكي يقدموا أموالهم إن كان ثم كسب “من ورائها“.
- لقد جلسوا منتظرين والذهب في أكياسهم، حتى يبذلوه عن طيب خاطر إن عنَّ لهم كسب منه.
4110 - فعندما يري “ أحدكم “ بضاعة ذات ربح أكثر ، يقل عنده عشق البضاعة التي بين يديه .
- لقد بقي في هوي بضاعته طالما أنه لم ير عليها ربحا ولم ير فيها مزيدا .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
" 353 "
4125 - فابحث الآن عن هذا المعني فيأَلْهاكُمُ، واقرأ من “ بعدها “كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ.
- فالعلم يفضى إلي الرؤية أيها العليم ، فإن تيقنت اقرأ بعدها “ ترون الجحيم “ .
- ذلك أن الرؤية تتولد من اليقين بلا إمهال ، كما أن الخيال يتولد من الظن .
- وانظر فيأَلْهاكُمُإلي تفسير هذا الأمر ، إن علم اليقين يصير هو نفسه عين اليقين .
- وأنا أعلي من الظن وأعلي من اليقين ، ومن الملام لا “ أرجع “ عما في رأسي .
4130 - وعندما تذوق فمي طعم حلواه ، صرت مجلو البصر ناظرا دوما إليه .
- فأخطو حيثما أخطو بجرأة كأنني ذاهب إلى منزلي ، ولا ترتعد قدماي إذ لا أمشي بعمى .
- وما قاله الحق للورد وجعله ، ضاحكا ، قد أسر به إلي قلبي وجعله أضعاف ما يكون “ الورد “ عليه .
- وما جعله للسرور وجعل قده ممشوقا به ، ما غذى به زهور النرجس والنسرين .
- وما جعل به البوص حلو القلب والروح، وما خلق به من التراب صور حسان مدينة “شكل“.
4135 - وما جعل به الحاجب فاتنا إلي هذا الحد، وجعل الوجه في لون الورد وزهر الرمان.
- وما أعطى به اللسان مائة نوع من السحر ، وأعطي به للمنجم الذهب النضار “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) حرفيا الحيفرى .
“ 354 “
- إنه عندما انفتح باب خزانة السلاح ، صارت نظرات العين رامية بالسهام .
- لقد أصمي قلبي بسهم وجعلني مفتونا ، وجعلني عاشقا للشكر قاضما للسكر .
- إنني عاشق لذلك الذي كل أن له ، والعقل والروح حبة واحدة من جوهره “ 1 “ .
4140 - وأنا لا أتقول، وإن تقولت فأنا كالماء، ليس عندي أدني اضطراب من وضعي في النار.
- وكيف أسرق وهو على هذا المخزن حفيظ ؟ ولماذا لا أكون جريئا مصرا وهو ظهيري ؟
- وكل من يكون له من الشمس ظهير ونصير ، يكون مصرا وملحا فلا خوف يطرأ عليه ولا خجل .
- فهو مثل وجه الشمس لا يأبه بشئ ، وقد صار وجهه محرقا للخصم ممزقا للحجب .
- وقد كان كل رسول مصرا في هذه الدنيا، وهجم نسيج وحدة في الميدان على جيوش الملوك.
4145 - لم يحول وجهه من خوف أو من حزن ، بل هاجم وحده عالما .
- والحجر يكون صلب الوجه جريء العين ، ولا يخاف من عالم ملىء بالمدر .
- فإن ذلك المدر قد صار قطعة واحدة بفعل ضارب الطوب ، أما الحجر فقد صار صلبا من صنع الله .
- والخراف وإن كانوا عديدين فلا حساب لهم ولا شأن ، ومتي يخاف ذلك القصاب من كثرة عددهم ؟
..............................................................
( 1 ) رواية نيكلسون ( ص 23 ) : العقل والروح حارسان لحبة واحدة من كتوزه .
“ 355 “
- كلكم راع ، والنبي بمثابة الراعي ، والخلق كالقطيع وهو الساعي “ في خيرهم “ .
4150 - والراعي لا يخاف من القطيع عند الوغي ، لكنه حافظ لهم من الحر والبرد .
- والراعي إذا صاح بغضب على القطيع ، فاعلم أن هذا يكون من الحب الذي يكنه للجميع .
- وفي كل لحظة يهمس لي الإقبال المتجدد ، إنني أنا الذي أجعلك حزينا فلا تحزن .
- إنني أجعلك حزينا باكيا حتى أخفيك عن عيون الأشرار .
- أجعل طبعك مرا من الأحزان ، حتى تتحول عنك عين السوء .
4155 - ألست أنت صيادا طالبا إياي ، ألست عبدا تابعا لرأيي ؟
- ولا تفتأ تحتال حتى تصل في ، ومن فراقك إياي بلا أهل وبلا أنيس .
- والمك في أثري باحث عن علاج ، وليلة الأمس كنت أستمع إلي اهاتك الحزينة .
- وأستطيع - بدون هذا الانتظار منك - أن أبدي الطريق وأن أدلك على طريق العبور .
- حتى تنجو من هذه الدوامة الدوارة ، وتضع قدمك على رأس كنز وصالي .
4160 - لكن لذائذ المقر وحلاوته ، تكون علي قدر تعب السفر .
- إنك تتمتع بمدينتك وأهلك حين تكون قد قاسيت من الغربة الآلام والمحن “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 78 : ( محمد تقي جعفري : تفسير ونقد وتحليل فتوي جلال الدين محمد بلخي
- قسمت چهارم از دفتر سوم وقسمت أول از دفتر چهارم . ط 11
- طهران 1366 هـ . ش فيما بعد ج / 39 وكل ما وجدته بسهولة تمنحة بسهولة ، وتضع على الروح الألم الذي يدرك المشاكل .
“ 356 “
تمثيل هرب المؤمن وعدم صبره على البلاء باضطراب
الحمص والحوائج الآخرى وقلقها في غليان القدر
وإسراعها للخروج منه “ 1 “
- انظر إلي حبة الحمص في القدر كيف تهرب إلى أعلي ؟ لقد صارت في أذي من النار .
- وفي كل لحظة ترتفع حبة الحمص وقت الغليان إلي حافة القدر وتصرخ كثيرا قائلة :
- لماذا تضرمين النيران في ؟ وكيف قمت بشرائي ثم تغلينني هكذا ؟
4165 - فتمد السيدة مغرفتها قائلة : لا ، اغلي جيدا ، ولا تنفري من واقد النار .
- إني لا أغليك لأنك مكروهة لدي ، بل لكي تكتسبي لذة وطعما .
- لكي تتحولى إلي غذاء وتمتزجي بالروح ، وليس هذا الامتحان من أجل إذلالك .
- كنت ترتوين خضراء نضرة في البستان ، كان ذلك الري من أجل هذه النار .
- لقد سبقت رحمته غضبه ، وذلك حتى يجعل من رحمته أهل الامتحان .
4170 - ولقد سبقت رحمته غضبه ، حتى يمكن الحصول على رأسمال
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 90 : استمع إلى هذا المثل وأعرف قدر نفسك ، ولا تحول وجهك عن البلايا أيها الفتى .
“ 357 “
“ 1 “ الوجود .
- وذلك أنه بلا لذة لا ينمو لحم أو جلد ، وكيف لا ينمو إذن ؟ وماذا يذيب عشق الحبيب ؟
- ومن ذلك الطلب يتأتي القهر ألوانا ، وذلك حتى تؤثره برأس المال ذاك
- ثم يأتي اللطف تعويضا عن ذلك القهر ، أي : أنك قد اغتسلت ووثبت من النهر .
- وتقول السيدة : يا حبة الحمص لقد تغذيت في الربيع ، وقد نزل عليك الألم ضيفا فأكرميه !
4175 - حتى يعود الضيف من عندك شاكرا ، ويقص للملك عما وجده من إيثارك .
- حتى يعوضك المنعم عن نعمتك “ التي أثرت غيرك بها “ ، فتحسدك على ذلك كل النعم .
- إنني كالخليل وأنت ابني أمام السكين ، فضعي رأسك : إني أراني أذبحك .
- طأطئي الرأس أمام القهر والقلب مطمئن ، حتى أذبحك وأقطع حلقك كإسماعيل .
- أقطع الرأس ، لكن الرأس الذي أقطع هو ذلك الرأس الذي لا يصيبه قطع أو موت .
4180 - ذلك أن المقصود منذ الأزل هو تسليمك ، فاطلب التسليم إذن أيها المسلم .
- ويا حبة الحمص داومي على الغليان في الابتلاء حتى لا يبقي لك وجود أو ذات .
..............................................................
( 1 ) رواية نيكلسون ( ص 23 ) : العقل والروح حارسان لحبة واحدة من كنوزه .
“ 358 “
- وإذا كنت ضاحكة في ذلك البستان ، فأنت “ الآن “ زهرة بستان الروح والبصر .
- وإذا صرت منفصلة عن بستان الماء والطين ذاك ، فقد تحولت إلي لقمة ودخلت إلي “ عالم “ الأحياء .
- فتحولي إلى غذاء وقوة وفكر ، لقد كنت عصارة ، فتحولي إلي أسد في الغابات .
4185 - ولقد نبت من صفاته - والله - منذ البداية ، فعودي إلي صفاته مسرعة متجلدة .
- لقد جئت من السحاب والشمس والفلك ، ثم تحولت إلي صفات وصعدت إلي الفلك .
- جئت في صورة مطر وحرارة ، وتمضين في الصفات التي تستطاب وتستحسن .
- كنت جزءا من هالة الشمس والسحاب والأنجم ، فصرت نفسا وفعلا وقولا وأفكارا .
- لقد صار وجود الحيوان من موت النبات ، وصدقت “ قوله القائل “ “ اقتلوني يا ثقات “ .
4190 - وما دمت قد كسبت هكذا بعد الممات، فقد صدقت القولة الثانية “ إن في قتلي حياة“.
- وقد صار الفعل والقول والصدق قوتا للملك ، حتى عرج بها إلي “ أوج “ الفلك .
- مثلما صارت مادتك غذاء للبشر ، فتسامي عن مرحلة الجمادية وصار حيا .
- إن لهذا الكلام تفسيرا مفصلا فانتبه ، فإنه سوف يأتي في موضع اخر .
- وإن القافلة تصل تباعا من الفلك ، تقوم هنا بالتجارة ثم تعود “ إلي حيث جاءت “ .
“ 359 “
4195 - إذن فامض سعيدا مرحاً ، امض طوعا ، لا كرها ولا مرارة كما يمضي اللص .
- إنني أحدثك بهذا الحديث المر ، كي أغسل قلبك من المرارة “ الكامنة فيه “ .
- فالعنب المتجمد يخلص من الماء البارد ، وتنتفي عنه البرودة والتجمد .
- وعندما تجعل القلب داميا من المرارة ، تخرج منه كل أنواع المرارة “ 1 “ .
تمثيل صبر المؤمن عندما يصير واقفا على
سر البلاء وخيره
- من ليس بكلب صيد لا يكون علي عنقه طوق ، وليس الساذج ومن لم ينضج إلا بلا ذوق .
4200 - قالت حبة الحمص : ما دام الأمر هكذا يا سيدتي، فلأغل جيدا، وساعديني بصدق.
- إنك في هذا الإنضاج بمثابة المعمار لي ، قلبيني إذن بالمغرفة ، فما أجمل تقليبك !
- إنني كالفيل فاضربيني علي رأسي ، قومي بوسمي بالميسم ، حتى لا أحلم ثانية بالهند أو الرياض .
- حتى أعطي نفسي “ كلية “ للغليان ، وحتى أجد النجاة في أحضان ذلك الغليان .
- ذلك أن الإنسان يطغي في الغني ، ويتمرد كما يتمرد الفيل الحالم “ بموطنه القديم “ .
4205 - وعندما يري الفيل الهند في الأحلام ، فإنه لا يسمع صوت الفيال ويحزن “ علي الدوام “
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 91 : وفي ذلك الزمان تصبح حلوا كالعسل ، فارغا ( من الهم ) وإن صبوا فوقك الخل
- وكل من لم يصبح صابرا في البلاد ، لم يصبح مقبلا علي هذه العتبة الفاخرة .
“ 360 “
اعتذار السيدة لحبة الحمص وحكمة غلى السيدة لها
- تقول تلك السيدة لها : لقد كنت مثلك قبلا من أجزاء الأرض .
- وعندما احتسيت “ شراب “ الجهاد الناري ، صرت قابلة “ للسمو “ جديرة به .
- فغليت فترة في الأرض ، وغليت فترة أخري داخل قدر الجسد .
- ومن هذين الغليانين اكتسبت قوة الأحاسيس ، ثم صرت روحا ومن بعدها صرت سيدة لك .
4210 - وكنت أقول في “ مرحلة “ الجمادية : إنك ستعبرينها مسرعة ، لكي تتحولي إلي عدم وصفات معنوية .
- وعندما أصير روحا يكون لي غليان آخر ، أعبر به مرحلة الحيوانية .
- فداومي على الدعاء إلي الله حتى لا تضلي عن هذا السير ، وحتى تصلي إلي المنتهي .
- ذلك أن كثيرا من الناس قد ضلوا من “ تحيرهم في “ القران ! ، ومن ذلك الحبل المتين سقط قوم في البئر .
- وليس للحبل المتين ذنب أيها العنود ، فلم تكن لديك الرغبة في رفع الرأس والترقي والصعود ! “ 1 “
بقية قصة ضيف ذلك المسجد القاتل للضيوف وثباته وصدقه
4215 - قال ذلك الغريب عن المدينة والذي هو بأجمعه طلب : سوف أنام في هذا المسجد ليلا .
- أيها المسجد : لو صرت لي كما كانت كربلاء “ بالنسبة للحسين “ ، فإنك أنذاك تصبح كعبتي قاضية الحاجات .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 99 : فسق نحو ذلك العاشق الغائب عن نفسه ، ماذا فعل في ذلك المسجد من الامتحان ! ! .
“ 361 “
- هيا علقيني أيتها المشنقة المختارة “ 1 “ حتى أتلاعب بالجبال “ كما فعل المنصور “ .
- وإن صار جبريل ناصحا لك ، فإن الخليل لن يطلب الغوث وهو في لهب النار .
- فامض يا جبريل ، فأنا في حرقة ولهيب ، ومن الأفضل لي أن أحترق كالعنبر والعود .
4220 - ويا جبريل ، إنك وإن كنت تقدم العون لي ، وإن كنت حافظا لي كالأخ الشفيق .
- فأنا مسرع إلي النار أيها الأخ ، لا . . . ليس أنا “ الذي يسرع إليها “ بل تلك الروح التي تقبل الزيادة والنقصان .
- إن الروح الحيوانية تتزايد من الغذاء ، إنها نارية ومن هنا فإنها قد تلفت كالحطب .
- وإن لم تتحول إلي حطب لكانت مثمرة ، وكانت معمورة وعامرة إلي الأبد .
- فاعلم أن هذه النار “ مجرد “ ريح محرقة ، إنها ضوء تلك النار وليست تلك النار بذاتها .
4225 - والنار الحقيقية موجودة في الأثير يقينا ، وهذه التي فوق الأرض ضوؤها وظلها .
- فلا جرم أن الضياء لا يثبت من الاضطراب ، بل يعود إلي أصله علي عجل وفي إسراع .
- فاجعل قامتك في حالة ثبات ، سوف تجد ظلك قصيرا حينا وطويلا حينا آخر .
..............................................................
( 1 ) ترجم المولوي ( ص 540 من مجلد 3 ) والأنقروي ( 700 مجلد 3 ) ونيكلسونiii ) ( P . 235دار هنا بمعني دار وهي فارسية بمعني المشنقة ورأيتها أنسب للسياق .
“ 362 “
- ذلك أن أحدا لا يجد في الشعاع الثبات ، فقد ارتدت الصور إلي الأمهات .
- انتبه وأغلق فمك ، فقد بدأت الفتنة في الحديث ، وانته من هذا والله أعلم بالرشاد “ 1 “ .
ذكر سوء ظن قاصرى الفهم
4230 - قبل أن تصل هذه القصة إلي نهايتها ، هب دخان نتن من أهل الحسد .
- وأنا لست ضائقا ، لكن هذه الرفسة ، تشوش خواطر امرئ قد يكون ساذج القلب .
- وما أحسن ما بيّنه ذلك الحكيم الغزنوي ، من أجل “ التعبير “ عن المحجوبين عن المثال المعنوي .
- إذا كانوا لم يبصروا من القرآن إلا المقال ، فليس هذا بعجيب من أصحاب الضلال .
- فمن شعاع الشمس الفياض بالضياء ، لا تدرك عين الأعمي إلا “ لفح “ الحرارة .
4235 - لقد أطل أحمق كبير البطن “ 2 “ ، كالمرأة العيابة فجأة من حظيرة الحمر .
- قائلا : إن هذا كلام دني - يقصد المثنوي - ، إنه “ مجرد “ سيرة للرسول ، وهو مقلد فيه .
- وليس فيه ذكر لتحقيقات أو أسرار عالية ، حتى يسوق الأولياء جيادهم إلي تلك الناحية .
- “ وليس فيه شئ “ من مقامات التبتل حتى الفناء درجة درجة حتى لقاء الله سبحانه وتعالي .
- و “ لا يحتوي “ علي شرح كل مقام ومنزل وحديهما ، بحيث يحلق صاحب قلب بجناح منه .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 105 : لقد تولدت الفتنة وخربت العالم ، واضطرب فيها الشرق والغرب
- وعندما تضاعفت ضاقت بها القلوب ، وتقاتل كل منها مع الآخر ولقد كثر النقاش فصمت ، ونظمت القضية واستلمت ، وإذا سألت ما سبب الفتنة لأعد فيها القول فأستمع فقد زاد الحزن .
( 2 ) حرفيا : خربط وهو طائر مائي كبير غير متناسق الجسم .
“ 363 “
4240 - وعندما نزل كتاب الله ، هكذا طعن فيه أولئك الكفار .
- قالوا : إنه أساطير الأولين وخرافاتهم ، وليس فيه عمق أو تحقيقات عالية .
- إن الأطفال الصغار يفهمونه، إنه لا يحتوي إلا علي أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر “1“.
- وذكر يوسف وذكر جديلته المتثنية ، وذكر يعقوب وحزنه وزليخا وهيامها “ 2 “ .
- إنه سطحي يفهمه كل إنسان ، فأين ذلك البيان الذي يحار فيه العقل ؟
4245 - فكان الرد : إذا كان القرآن يبدو لك سهلا هكذا ، فأت بسورة من ذلك الذي يبدو لك سهلا إلي هذا الحد !
- وقل لجنكم وإنسكم وأصحاب الفنون عندكم ، هاتو آية واحدة من هذا “ البيان “ السهل !
تفسير هذا الخبر عن المصطفى صلّى اللّه عليه وسلم وهو :
أن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن
- اعلم أن حروف القرآن وألفاظه ظاهرة ، وتحت كل ظاهر باطن شديد القهر .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 111 : لقد ذكر آدم والحنطة وإبليس والحية ، وذكر هود والريح وإبراهيم والنار ، وذكر نوح والسفينة وطوفان الجسد ، وذكر كنعان وعصيانه .
( 2 ) ج / 9 - 111 - 112 : وذكر إسماعيل والذبح وجبريل ، وذكر قصة الكعبة وأصحاب الفيل ، وذكر داود بلقيس وسليمان وسبأ ، وذكر داود والزبور وأوريا وذكر طالوت وشعيب وخوفه ، وذكر يونس وذكر لوط وقومه ، وذكر حمل مريم والنخل والمخاض ، وذكر زكريا ويحيي والرياض وذكر صالح والناقة وقسمة الماء ، وذكر إدريس والمناجاة والجواب .
وذكر إلياس وعزير وموته ، وذكر قارون وخسفه وذكر أيوب وصبره في البلاء وذكر بني إسرائيل في تيه النفي وذكر موسى والسحرة والشجرة والطور والعصا وخلع النعلين والخطابات والعطاء وذكر عيسى وعروجه في السماء ، وذكر ذي القرنين والخضر واورمياء وذكر فضل أحمد والخلق العظيم : الذي شطر القمر نصفين بمعجزة منه .
“ 364 “
- وتحت هذا الباطن باطن ثالث ، تتوه فيه العقول بأجمعها .
- والبطن الرابع من القرآن لم يدركه شخص قط ، ولا يعلمه إلا الله الذي لا نظير له ولا ند .
4250 - فلا تنظر يا بني من القرآن إلي ظاهره ، فإن الشيطان لا يري من آدم إلا أنه من طين .
- والقران مثل شخص الإنسان ، صورته ظاهرة لكن روحه شديدة الخفاء .
- ويكون المرء للمرء عما وخالا لمائة سنة ، لكنه لا يري من أحواله مثقال ذرة "1" .
بيان إن ذهاب الأنبياء والأولياء عليهم السلام إلى الجبال والمغارات
ليس من أجل إخفاء أنفسهم وليس خوفا من إزعاج الخلق ،
بل من أجل إرشاد الخلق والدعوة إلى
الانقطاع عن الدنيا بقدر الإمكان
- هناك من يقول إن الأولياء قد لجأوا إلي الجبال ، حتى يختفوا عن أنظار الخلق!!
- إنهم وهم بين الخلق أعلي من مائة جبل ، إنهم يخطون بأقدامهم فوق الفلك السابع .
4255 - إذن لماذا يختفون ويطلبون اللجوء إلي الجبال، وهم “مستترون“ خلف مائة جبل وبحر .
- ولا حاجة بهم إلي الهروب إلي الجبل ، ومن اقتفاء آثارهم أهلكت كرة الفلك مائة نعل !
..............................................................
( 1 ) حرفيا : مثقال طرف شعرة .
“ 365 “
- لقد دار الفلك ولم ير غبار الحبيب ، والسماء من ذلك قد ارتدت ملابس الحداد “الزرقاء“.
- وبالرغم من أن الجني خفي في الظاهر ، فإن الإنسان أكثر خفاء في الحقيقة من الجني!
- والعاقل يري أن الإنسان أكثر استتارا من هذا الجني الذي “ يوصف “ بأنه مستتر!
4260 - وإذا كان الإنسان ، في رأي العاقل - خفيا، فكيف بآدم الذي هو صفي له في الغيب؟
تشبيه صورة الأولياء وصورة كلام الأولياء بصورة عصا موسى
وصورة دعاء عيسى عليهما السلام
- فمثل الإنسان مثل عصا موسى ، ومثل الإنسان مثل رقية عيسى .
- وفي كف الحق من أجل العدل ومن أجل الزين ، يكون قلب المؤمن بين إصبعين .
- إنها في ظاهرها “مجرد“ عصا، لكن الكون كله أمامها بمثابة لقمة واحدة عندما تفتح فمها!!
- ولا تنظر من رقية عيسى إلي الألفاظ أو الصوت ، بل انظر منها إلي “ فعلها “ وهو هروب الموت .
4265 - لا تنظر من دعائه إلي هذه اللهجات الدنية ، لكن انظر إلي أن الميت قد هب منها “ حيا “ وجلس .
- ولا تنظر إلي أن هذه العصا سهلة الصنع ، بل انظر إلي أنها قد فلقت البحر .
- لقد رأيت من علي البعد مظلة سوداء ، فتقدم خطوة وانظر إلي الجند .
“ 366 “
- إذ لا تري من بعد إلا الغبار ، فتقدم قليلا لتري الرجال بين الغبار .
- وإن غبارهم ليجلون بصر العيون ، وتقتلع رجولتهم “ رواسخ “ الجبال .
4270 - ذلك أن موسي عندما جاء من أقصي الصحراء ، صار طور سيناء راقصا في مقدمه ..
يتبع