الفقرة الثالثة .الطبقات الكبرى للشعراني الجزء الأول المسمى لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
الطبقات الكبرى للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني
الفقرة الثالثة الطبقات الكبرى للشعراني الجزء الأول
ومنهم عبد الله بن المبارك
رضي الله تعالى عنه ورحمه آمين
ولد رضي الله عنه سنة ثمان عشرة ومائة، وكانوا يقدمونه في الأدب على سفيان الثوري رضي الله عنه، وكان سفيان الثوري رضي الله عنه يقول: جهدت جهدي على أن أدوم ثلاثة أيام في السنة على ما عليه ابن المبارك فلم أقدر، وكان يقدم النظر في سير الصحابة والتابعين على مجالسة علماء عصره، وكان يقول: إذا كانت سنة مائتين ففروا من الناس إلا لحضور واجب، وكان يقول: إذا تعلم أحدكم من القرآن ما يقيم به صلاته فليشتغل بالعلم فإن به تعرف معاني القرآن،
وكان رضي الله عنه يقول: ما بقي في زماننا أحد أعرف أنه يأخذ النصيحة بانشراح قلب، وكان يقول: من شرط العالم أن لا تخطر محبة الدنيا على باله. وقيل له من سفلة الناس، قال: الذين يتعيشون بدينهم، وكان يقول: كيف يدعي رجل أنه أكثر علماً وهو أقل خوفاً وزهداً،
وكان رضي الله عنه يقول: من علامة من عرف نفسه أن يكون أذل من الكلب، وكان يقول: من ختم نهاره بذكر، كتب نهاره ذاكراً، وكان يتحرى هذا العمل،
وكان يقول: رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية، وكان رضي الله عنه يتمثل بهذين البيتين من كلامه:
وهل بدل الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها
لقد رتع القوم في جيفة ... يبين لذي العلم إنتانها
وكان رضي الله عنه يقول: مسكين ابن آدم، قد وكل به خمسة أملاك ملكان بالليل وملكان بالنهار يجيئان ويذهبان والخامس لا يفارقه ليلا ولا نهاراً، وكان إذا اشتهى شيئاً لا يأكله إلا مع ضيف ويقول: بلغنا أن طعام الضيف لا حساب عليه قالوا: وكانت سفرة المبارك تحمل على عجلة أو عجلتين
وقال: أبو إسحاق الطالقاني رأيت بعيرين مملوءين دجاجاً مشوياً لسفرة ابن المبارك
وكان رضي الله عنه يطعم أصحابه الفالوذج والخبيص ويظل هو نهاره صائماً، وما دخل رضي الله عنه الحمام قط، وقيل له مرة قد قل المال فقلل من صلة الناس.
فقال: إن كان المال قد قل فإن العمر قد نفد، وكان رضي الله عنه يقول: أربع كلمات انتخبن من أربعة آلاف حديث لا تثقن بامرأة ولا تغترن بمال ولا تحمل معدتك ما لا تطيق وتعلم من العلم ما ينفعك فقط، وكان إذا بلغه عن أصحابه أنهم أضافوا إليه مسألة يرسل إليهم بكشطها بالسكين، ويقول: من أنا حتى يكتب قولي، وكان يقول: كن محباً للخمول كارها للشهرة، ولا تحب من نفسك أنك تحب الخمول فترفع نفسك، وكان يقول دعواك الزهد من نفسك يخرجك عن الزهد، وكان يقول سلطان الزهد، أعظم من سلطان الرعية لأن سلطان الرعية لا يجمع الناس إلا بالعصا، والزاهد ينفر من الناس فيتبعوه، ولما قدم هارون الرشيد الرقة ورد عبد الله بن المبارك فانجفل الناس إليه وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة فأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج قصر الخشب،
فلما رأت الناس وكثرتهم قالت: ما هذا قالوا عالم خراسان فقالت: والله هذا هو الملك لا ملك هارون الرشيد الذي يجمع الناس إليه بالسوط والعصا والشرط والأعوان، وكان إذا قرأ شيئاً من كتب الوعظ كأنه بقرة منحورة من البكاء لا يجترئ أحد يدنو منه ولا يسأله عن شيء، وقيل له إن جماعة من أهل العلم يأخذون من الناس الزكوات
فقال: فما نصنع إن منعناهم، وقفوا عن طلب العلم وهان رخصنا لهم حصلوا العلم وتحصيل العلم أفضل، وكان يقول: لأن أرد درهماً من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بستمائة ألف ألف، وقيل له ما التواضع قال التكبر على الأغنياء، وبلغ ابن المبارك عن إسماعيل بن علية أنه قد ولي الصدقات فكتب إليه ابن المبارك:
يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد أموال السلاطين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنوناً بها بعدما ... كنت دواء للمجانين
أين رواياتك والقول في ... لزوم أبواب السلاطين
إن قلت كرهت فما هكذا ... زل حمار الشيخ في الطين
وذكر لعبد الله ما كان عليه يوسف بن أسباط من العبادة فقال: لقد ذكرتم قوماً يستشفي بذكرهم ولكن إن فعل الناس جميعهم ذلك فمن لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لعيادة المرضى وشهود الجنائز، وعد أنواعاً من القرب وقيل له: كيف تعلم الملائكة أن الإنسان قد هم بحسبه؟ فقال رضي الله عنه يجدون ريحها،
وكان يقول: عجبت طالب العلم كيف تدعوه نفسه إلى محبة الدنيا مع إيمانه بما حمل من العلم، وكان يقول: إن الرحمة تنزل عند ذكر الصالحين. ورجع رضي الله عنه من مرو إلى الشام في رد قلم كان أستعاره ونسيه في رحله، وكان يقول: كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين وكان قليل الخلاف على أصحابه وينشد:
وإذا تصحب فاصحب ماجداً ... ذا عفاف وحياء وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم
وكان يقول على العاقل أن لا يستخف بثلاثة: العلماء والسلطان والإخوان فإن من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته. وكان يقول: لا يقول أحدكم ما أجرأ فلاناً على الله تعالى فإن الله تعالى أكرم من أن يجترأ عليه، ولكن ليقل ما أغر فلاناً بالله، وكان يقول: محارم الرجال في اللحى والأكمام ومحارم النساء تحت القميص، وكان يقول ليس من الدنيا إلا قوت اليوم فقط. وكان يقول ما أودعت قلبي شيئاً قط فخانني. وكان ينشد إذا ودع شخصاً.
وهون وجدي أن فرقة بيننا ... فراق حياة لا فراق ممات
وكان رضي الله عنه يقول: لا يخرج العبد عن الزهد إمساك الدنيا ليصون بها وجهه عن سؤال الناس وقيل له: إن شيبان يزعم أنك مرجئ، فقال: كذب شيبان أنا خالفت المرجئة في ثلاثة أشياء فإنهم يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل، وأنا أقول هو قول وعمل، ويزعمون أن تارك الصلاة لا يكفر وأنا أقول: إنه يكفر، ويزعمون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأنا أقول إنه يزيد وينقص.
توفي رضي الله عنه سنة إحدى وثمانين ومائة ودفن بهيت مدينة معروفة على الفرات لما رجع من الغزو وكانت إقامته بخراسان رضي الله عنه ومولده سنة ثمان عشرة ومائة رضي الله عنه.
ومنهم عبد العزيز بن أبي رواد
رضي الله تعالى عنه
ذهب بصره عشرين سنة فلم يعلم به أهله ولا ولده وقال شعيب بن حرب جلست إلى عبد العزيز خمسمائة مجلس ما أحسب أن صاحب الشمال كتب عليه شيئاً، وقال: يوسف بن أسباط مكث عبد العزيز أربعين سنة لم يرفع طرفه إلى السماء، وقيل له: كيف أصبحت فبكى، فقيل له: في ذلك فقال: كيف حال من هو في غفلة عظيمة عن الموت مع ذنوب كثيرة قد أحاطت به وأجل يسرع كل ساعة في عمره ولا يدري أيصير إلى جنة أم إلى نار. توفي رضي الله عنه بمكة سنة تسع وخمسين ومائة.
ومنهم أبو العباس بن السماك
رضي الله تعالى عنه
كان يقول من شرط الزاهد أن يفرح بتحويل الدنيا عنه وكان يقول: قد صمت الآذان في زماننا هذا عن المواعظ وذهلت القلوب عن المنافع فلا الموعظة تنفع ولا الواعظ ينتفع، وكان يقول: يا أخي هب أن الدنيا كلها في يديك فانظر ما في يديك منها عند الموت، وكان يقول: كم من مذكر لله تعالى وهو له ناس وكم من داع إلى الله تعالى وهو فار من الله تعالى وكم من تال لكتاب الله تعالى وهو منسلخ من آيات الله تعالى.
وتوفي رضي الله عنه بالكوفة سنة ثلاث وثمانين ومائة.
ومنهم أبو عبد الرحمن محمد بن النضر الحارثي
رضي الله عنه
كان كثير العبادة راقبه شخص أربعين يوماً وليلة فما رآه نائماً لا ليلا ولا نهاراً، وقال يوسف بن أسباط شهدت غسل أبي عبد الرحمن حين مات فلو أخرج كل لحم عليه ما بلغ رطلا، وشغلته العبادة عن الرواية فكان إذا ذكر الآخرة اضطربت مفاصله ويقول: يا سلام سلم رضي الله عنه.
ومنهم محمد بن يوسف الأصفهاني
رضي الله تعالى عنه
كان ابن المبارك رضي الله عنه يسميه عروس العباد والزهاد، وكان يقول: لنفسه هب أنك قاض فكان يكون ماذا؟ هب أنك عالم فكان يكون ماذا؟ هب أنك محدث فكان يكون ماذا؟ الأمر من وراء ذلك، وكان إذا رأى نصرانياً كرمه وأضافه وأتحفه يبتغي بذلك ميله إلى الإسلام
وكان رضي الله عنه يقول: ذهب أصحابنا إلى رحمة الله تعالى ودفنا نحن إلى حشوش هذه الدنيا، وبعثوا إليه بمال ليفرقه فأبى وقال: السلامة مقدمة
وكان رضي الله عنه لا ينام الليل لا شتاء ولا صيفاً لكن يتمدد بعد طلوع الفجر ساعة ثم يقوم ويتوضأ وكان إذا أصبح كأن وجهه وجه عروس.
توفي رضي الله عنه وهو ابن نيف وثلاثين سنة في سنة أربع وثمانين ومائة رضي الله عنه.
ومنهم يوسف بن أسباط
رضي الله تعالى عنه
كان يقول غاية التواضع أن تخرج من بيتك فلا ترى أحداً إلا رأيت أنه خير منك، وكان رضي الله عنه يقول: لو أن شخصاً ترك الدنيا كما تركها أبو ذر وأبو الدرداء ما قلت له زاهداً، وذلك أن الزهد لا يكون لا في الحلال المحض والحلال المحض لا يعرف اليوم وأقام أربعين سنة ليس له إلا قميصان إذا غسل أحدهما لبس الآخر، وكان يعمل الخوص بيده ويتقوت حتى مات رضي الله عنه. ومرض مرة فأتوه بطبيب من أطباء الخليفة وهو لا يعلم فلما أراد الانصراف أعلموه فقال له: ما عادته فقالوا دينار فقال: أعطوه هذه الصرة ففتحوها فإذا فيها خمسة عشر دينار،
فقال: أعطوها له، وقال: إنما فعلت ذلك لئلا يعتقد أن الخليفة كبر مروءة من الفقراء، وكان يقول: ما أحسب أن أحداً يفر من الشر إلا وقع في أشر منه فاصبروا حتى يحوله الله تعالى عنكم بفضله، وكان يقول: من قرأ القرآن ثم مال إلى محبة الدنيا فقد اتخذ آيات الله هزواً، وكان يقول العالم يخشى أن يكون خير أعماله أضر عليه من ذنوبه،
وكان رضي الله عنه يقول: دخلت المصيصة فأقبل أهلها علي فما وجدت قلبي إلا بعد سنتين.
توفي سنة نيف وتسعين ومائة وليس على جسمه أوقية لحم رضي الله تعالى عنه.
ومنهم حذيفة المرعشي
رضي الله تعالى عنه ورحمه
كان رضي الله عنه يقول: والله لو قال لي إنسان والله ما عملك عمل من يؤمن بيوم الحساب، لقلت له صدقت فلا تكفر عن يمينك، وكان يقول إن لم تخف أن يعذبك الله على خير أعمالك فأنت هالك، وكان يقول: لولا أخشى أن أتصنع لأخي فلان لاجتمعت به ولكن بلغوه عني السلام وكان يقول لا أعلم شيئاً من أعمال البر أفضل من لزوم المرء بيته ولو كانت لي حيلة في عدم الخروج إلى هذه الفرائض تخلصني لفعلت.
توفي رضي الله عنه سبع ومائتين.
ومنهم اليمان بن معاوية الأسود
رضي الله تعالى عنه
كان يقول: كل إخواني خير مني لأنهم كلهم يرون لي الفضل عليهم، وكان يقول: يقبح علي حامل القرآن أن يسعى في تحصيل أقل من جناح بعوضة أو يزاحم عليها، وكان قد ذهب بصره فكان إذا أراد أن يقرأ في المصحف رد الله عليه بصره فإذا رد المصحف ذهب بصره واستطال شخص في عرضه فمنعه الناس،
فقال دعوه يشتفي ثم قال: اللهم اغفر لي الذنب الذي سلطت به على هذا وكان يلتقط الخرق من المزابل ويغسلها ثم يطبقها على بعضها ويستر بها عورته، ويقول: أمامنا اللبس إن شاء الله في دار البقاء، رضي الله تعالى عنه.
ومنهم مسلم بن ميمون الخواص
رضي الله تعالى عنه
مات بطبرية رضي الله عنه وكان رضي الله عنه يقول: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة فقلت لنفسي اقرئيه كأنك تسمعينه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت حلاوته، ثم أردت زيادة فقلت اقرئيه كأنك تسمعينه من جبريل عليه السلام ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم فزادت حلاوته، ثم قلت اقرئيه كأنك تسمعينه من رب العالمين فجاءت الحلاوة كلها، وكان يقول: عن طلب الحلال لم يجد رغيفاً كاملا يخرجه لضيف رضي الله عنه.
ومنهم أبو عبيدة الخواص
رضي الله تعالى عنه
كتب مرة إلى إخوانه إنكم في زمان قل فيه الورع وحمل العلم فيه مفسدة، وأحبوا أن يعرفوا بحمله وكرهوا أن يعرفوا بإضاعة العمل به فنطقوا فيه بالرأي ليزينوا ما دخلوا فيه من الخطايا فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها، ومكث رضي الله تعالى عنه سبعين سنة لم يرفع بصره إلى السماء حياء من الله عز وجل، وكان لا يستطيع أن يقرأ سورة القارعة ولا أن تقرأ عليه رضي الله تعالى عنه.
ومنهم أبو بكر بن عياش
رضي الله تعالى عنه ورحمه
كان رضي الله تعالى عنه يقول: مسكين محب الدنيا يسقط منه درهم فيظل نهاره يقول: إنا لله وإنا إليه راجعوا وينقص عمر، ودينه ولا يحزن عليه، وكان يقول: أدنى ضرر المنطق الشهرة وكفى بها بلية وكان زاهداً ورعاً
وكان رضي الله عنه يقول: رأيت عجوزاً مشوهة حدباء تصفق بيديها وحواليها خلق يتبعونها ويصفقون فلما جاوزتني أقبلت علي وقالت آه لو ظفرت بك صنعت بك ما صنعت بهؤلاء ثم بكى، وكان يقول ختمت ثمانية وعشرين ألف ختمة وأود لو كانت سبباً للصفح عن زلة واحدة وقعت فيها.
توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وتسعين ومائة وله ثلاث وتسعون سنة رضي الله تعالى عنه.
ومنهم أبو علي الحسين بن يحيى النخشبي
رضي الله تعالى عنه ورحمه
كان رضي الله عنه يقول: ما في جهنم من دار ولا مغار ولا قيد ولا غل ولا سلسلة إلا واسم صاحبها مكتوب عليها فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
وكان رضي الله عنه يقول من حكمة لقمان: لا يطأ بساطك إلا راغب أو راهب فأما الراهب منك فأدن مجلسه وتهلل في وجهه وإياك والغمز من ورائه وأما الراغب فيك فأظهر له البشاشة مع صفاء الباطن وأبذل له النوافل قبل السؤال فإنك متى ألجأته إلى السؤال أخذت من حر وجهه ضعفي ما أعطت رضي الله تعالى عنه.
ومنهم وكيع بن الجراح
رضي الله تعالى عنه ورحمه
وكان رضي الله تعالى عنه يقول: الزهد لا يكون إلا في الحلال والحلال قد فقد فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة وخذ منهاه يقيمك فإن كانت حلالا كنت قد زهدت فيها وإن كانت حراماً كنت أخذت منها ما يقيمك لأنه هو الذي يحل لك منها وإن كانت شبهات كان عتابها يسيراً. قلت: وقوله فقد أي بالنظر لحاله ومقامه فإنهم كانوا يعمون التفتيش لعاشر يد قبله واجباً ومن لم يفتش لعاشر يد لا يأكلون له طعاماً والله تعالى أعلم،
وكان رضي الله عنه يقول: طريق الله بضاعة لا يرتفع فيها إلا صادق وكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة، وكان إذا آذاه شخص يرفع التراب علي رأس نفسه، ويقول: لولا ذنبي ما سلطت هذا علي ثم يكثر من الاستغفار حتى يسكن ذلك المؤذي عنه.
ولد رضي الله عنه سنة تسع وعشرين ومائة وتوفي سنة سبع وتسعين ومائة ودفن بطريق العراق حين رجع من الحج وله ست وستون سنة رضي الله تعالى عنه.
ومنهم عبد الرحمن بن مهدي
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله تعالى عنه يختم القرآن كل ليلة ويتهجد بنصف القرآن، وكان إخوانه إذا جلسوا عنده كأنما على رؤوسهم الطير، وضحك واحد منهم في حلقته يوماً فقال: يطلب أحلى كم العلم وهو يضحك، لا يجلس هذا معي شهرين، فمنعه حضور شهرين، ثم استغفر فقال له: إنما ينبغي طلب العلم والعبد يبكي لأنه يريد به إقامة الحجة على نفسه وقل أن يريد به العمل وقام ليلة إلى الصباح ثم رمى بنفسه على الفراش فنام من لينه عن صلاة الصبح فمنع الفراش شهرين وكان يقول لا أغبط اليوم إلا مؤمناً في قبره.
ولد سنة خمس وثلاثين ومائة وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة رضي الله تعالى عنه.
ومنهم محمد بن أسلم الطوسي
رضي الله تعالى عنه
كان يقول عليكم باتباع السواد الأعظم قالوا له من السواد الأعظم، قال: هو الرجل العالم أو الرجلان المتمسكان بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته، وليس المراد به مطلق المسلمين، فمن كان مع هذين الرجلين أو الرجل وتبعه فهو الجماعة، ومن خالفه فقد خالف أهل الجماعة، وكان يخفي عمله التطوع ويقول لو أمكنني أن أخفيه عن الملكين لفعلت، وكان إذا دخل داره يبكي حتى يرحمه جيرانه فإذا خرج غسل وجهه واكتحل، وكان يخرج بصدقته بالليل وهو متلثم لا يعرفه أحد، وكان يأكل الشعير الأسود ويقول: أنه يصير إلى الكنيف يعني البطن، وكان يقول: لو أن أحدكم اشترى طعاماً وبالغ في طيب طعمه ورائحته، ثم ألقاه في الحش لقلتم هذا مجنون وأحدكم ليلا ونهاراً يطرح ذلك في الحش يعني بطنه فلا يضحك على نفسه. توفي رضي الله تعالى عنه سنة ست وعشرين ومائتين رضي الله تعالى عنه.
ومنهم محمد بن إسماعيل البخاري
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله تعالى عنه من العلماء العاملين تستنزل الرحمة عند ذكره كان صائم الدهر وجاع حتى انتهى أكله كل يوم إلى تمرة أو لوزة ورعاً وحياء من الله تعالى في تردده إلى الخلاء. ولد رضي الله عنه ببخاري سنة أربع وتسعين ومائة. وتوفي رضي الله عنه ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين ودفن بخرتنك قرية على فرسخين من سمرقند،
وكان رضي الله عنه يقول: المادح والذام من الناس عندي سواء، وكان يقول: أرجو أن ألقى الله تعالى ولا يطالبني أني اغتبت أحداً وما اشترى شيئاً ولا باعه قط وكان ورعاً زاهد كان ينام في الظلام وربما قام في الليل نحو العشرين مرة يقدم الزناد ويسرج ويكتب أحاديث، ثم يضع رأسه، وكان يصلي كل ليلة آخر الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر بواحدة منها، وكان يصلي بأصحابه في ليالي رمضان كل ليلة بثلث القرآن ويختم كل ثلاث، ويقول: عند كل ختم دعوة مجابة وما وضع حديثاً في الصحيح إلا وصلى عقبه ركعتين شكراً لله عز وجل،
وكان رضي الله عنه يأكل من مال أبيه لكونه حلالا،
وكان أبوه يقول ما أعلم من مالي درهماً حراماً ولا شبهة ومناقبه كثيرة مشهورة رضي الله تعالى عنه.
ومنهم يزيد بن هارون الواسطي
رضي الله تعالى عنه
قال أحمد بن سنان ما رأيت عالماً قط أحسن صلاة منه كان يقوم كأنه أسطوانة، وكان رضي الله عنه يقول: من طلب الرياسة في غير أوانها حرمها وقت أوانها، وكان إذا صلى العشاء لا يزال قائماً يصلي حتى الغداة نيفاً وأربعين سنة، وكانت عيناه جميلتين، فلم يزل يبكي حتى ذهبت إحداهما وعمشت الأخرى، وقال له مرة إنسان أين تلك العينان الجميلتان، فقال ذهب بهما بكاء الأحزان في الأسحار.
توفي رضي الله عنه سنة ست وثمانين ومائتين رضي الله عنه.
ومنهم يونس بن عبيد
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله عنه يقول: يعرف ورع الرجل في كلامه إذا تكلم،
وكان رضي الله عنه يقول: البر كله قد يشوبه شيء إلا ما كان من حفظ اللسان، فإنه من البر ولا يشوبه شيء، وذلك لأن الرجل قد يكثر الصلاة والصيام ويفطر على الحرام ولقوم الليل ويرائي بذلك ويقع في اللغو وشهادة الزور، وإذا حفظ لسانه أرجو أن يبر عمله كله، وكان يقول: لو أني وجدت درهماً من حلال لاشتريت به براً ثم جعلته سويقاً ثم سقيته للمرضى، فكل مريض شرب شيئاً شفاه الله عز وجل، وكان رضي الله عنه يقول: خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سراهما أمر صلاته ولسانه،
وكان يقول: ما صلح لسان أحد إلا وصلح سائر عمله، وكان يقول: إني لأعرف مائة خصلة من البر ما في واحدة منها. توفي رضي الله عنه سنة تسع وثلاثين ومائة.
ومنهم عبد الله بن عون
رضي الله تعالى عنه
قال بكار رحمه الله تعالى كان ابن عون يقول: لا ينبغي للعاقل أن يعاتب أحداً في زماننا هذا فإنه أن عاتبه أعقبه بأشد مما عاتبه عليه، وكان ابن بكار يقول: ما رأيت ابن عون يمازح أحداً قط لشغله بنفسه وبما هو صائر إليه،
وكان رضي الله عنه إذا صلى الغداة جلس في مجلسه مستقبل القبلة يذكر الله عز وجل إلى طلوع الشمس، ثم يقبل على أصحابه، وكان مالكاً للسانه يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان طيب الريح حسن الملبس وكان يخلو في بيته صامتاً متفكراً وما دخل حماماً قط وكان يكره أن يطلع أحد على شيء من أعماله وأخلاقه الحسنة، وكان ابن مهدي رضي الله عنه يقول: صحبت عبد الله بن عون أربعاً وعشرين سنة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة واحدة، وكان باراً بوالديه لم يأكل معهما قط في وعاء فقيل له في ذلك فقال أخاف أن يسبق بصرهما إلى لقمة فآخذها ودعته أمه يوماً في حاجة فأجابها برفع الصوت، فأعتق ذلك اليوم رقبتين كفارة لرفع صوته على صوتها، وكان له ثور كثيرة يبيحها للسكان ولا يكريها لأحد من المسلمين خشية أن يروعهم عند طلب الأجرة.
توفي رضي الله عنه سنة إحدى وخمسين ومائة رضي الله عنه.
ومنهم عبد الله الصوري
رضي الله عنه
كان رضي الله عنه يقول: أعمال الصادقين بالقلوب وأعمال المرائين بالجوارح
وكان رضي الله عنه يقول: في القلب وجع لا يبرئه إلا حب الله تعالى
وكان رضي الله عنه يقول من ألزم نفسه شيئاً لا يحتاج إليه ضيع من أحواله ما يحتاج إليه،
وكان يقول: إذا لم تنتفع بكلامك كيف ينتفع به غيرك، وكان يقول: من تهاون بالسنن ابتلى بالبدع، وكان يقول: من ادعى أنه من أهل الطريق ضعف عن فعل آدابها ولم يمت حتى يفتضح، ومن محي اسمه من أهلها لم يمت حتى تشد إليه الرحال، وكان يقول: كم من يضمر دعوى العبودية ولا تظهر عليه إلا أوصاف الربوبية، وكان يقول من أعظم أخلاق الرجال أن يسلم الناس من سوء ظنك رضي الله عنه.
ومنهم عبد الله بن عبد العزيز العمري
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله عنه متعبداً يسكن المقابر، وكان تاركاً لمجالسة الناس ويقول: ما رأيت أوعظ من قبر ولا أسلم للدين من الوحدة، وكان يقول: من غفلتك عن الله تعالى أن تمر على ما يسخط الله عز وجل فلا تنهى عنه خوفاً من الناس، ومن ترك الأمر بالمعروف خوفاً من المخلوقين نزعت منه هيبة الله عز وجل،
وكان رضي الله عنه يقول: إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه فكيف بمن يسرف في أموال المسلمين. توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة أربع وثمانين ومائة وهو ابن ست وستين سنة رضي الله عنه.
ومنهم أبو إسحاق إبراهيم الهروي
رضي الله تعالى عنه
صحب إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه، وكان من أهل التوكل والتجريد. توفي رضي الله عنه بقزوين، وكان أهل هراة يعظمونه فحج متجرداً فكان من دعائه في تلك الحجة اللهم اقطع رزقي في أموال أهل هراة وزهدهم في وكان بعد رجوعه من الحج يأتي عليه الأيام الكثيرة لا يطعم فيها شيئاً فإذا مر بسوق هراة سبوه وقالوا إن هذا ينفق في كل يوم وليلة كذا وكذا درهماً، وكان يقول أقمت في البادية لا آكل ولا أشرب ولا أشتهي شيئاً فعارضتني نفسي أن لي مع الله عز وجل حالا فلم أشعر أن كلمني رجل عن يميني فقال: يا إبراهيم ترائي الله عز وجل في سرك، ثم قال أتدري كم لي هاهنا لم آكل ولم أشرب ولم أشته شيئاً وأنا زمن مطروح. قلت الله أعلم قال ثمانين يوماً وأنا أستحي من الله عز وجل أن يقع لي خاطرك ولو أقسمت على الله تعالى أن يجعل لي هذا الشجر ذهباً لفعل فكان ذلك تنبيها لي رضي الله تعالى عنه.
ومنهم أبو نعيم الأصفهاني
رضي الله تعالى عنه
صاحب الحلية والطبقات وغيرهما. ولد رضي الله عنه سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وتوفي بأصفهان سنة ثلاثين وأربعمائة عن أربع وتسعين سنة أخرجه أهل أصفهان ومنعوه من الجلوس في الجامع فتولى على أصفهان السلطان محمود بن سكبتين وولى عليهم والياً من قبله ورحل عنها فوثب أهل أصفهان وقتلوه فرجع محمود إليها وأمنهم حتى اطمأنوا ثم قتلهم حتى أتى على أكثر من نصفهم وكانوا يعدون ذلك من كرامات أبي نعيم رضي الله عنه وأملى كتابه الحلية من صدره بعد أن نيف على الثمانين سنة.
فصل في ذكر جماعة من عباد النساء
رضي الله عنهن
منهن معاذة العدوية
رضي الله عنها ورحمها
كانت إذا جاء النهار قالت هذا يومي الذي أموت فيه فما تنام حتى تمسي وإذا جاء الليل قالت هذه ليلتي التي أموت فيها فلا تنام حتى تصبح وكانت إذا غلبها النوم قامت فجالت في الدار وهي تقول يا نفس، النوم أمامك ثم لا تزاد تدور في الدار إلى الصباح تخاف الموت على غفلة ونوم وكانت تصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة ولم ترفع بصرها إلى السماء أربعين عاماً ولما مات زوجها لم تتوسد فراشاً حتى ماتت، أدركت معاذة رضي الله عنها عائشة رضي الله عنها وروت عنها.
ومنهن رابعة العدوية
رضي الله تعالى عنه
كانت رضي الله عنها كثيرة البكاء والحزن وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زماناً. وكانت تقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار وكانت ترد ما أعطاه الناس لها وتقول: مالي حاجة بالدنيا، وكانت بعد أن بلغت ثمانين سنة كأنها شن بال تكاد تسقط إذا مشت، وكان كفنها لم يزل موضوعاً أمامها، وكان بموضع سجودها وكان موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها.
وسمعت رضي الله عنها سفيان يقول: واحزناه فقالت له: واقلة حزناه ولو كنت حزيناً ما هناك العيش، ومناقبها كثيرة رضي الله تعالى عنها ومشهورة.
ومنهن ماجدة القرشية
رضي الله تعالى عنها
كانت رضي الله عنها تقول: ما حركة تسمع ولا قدم يوضع إلا ظننت أني أموت في أثرها وكانت رضي الله عنها تقول: يا لها من عقول ما أنقصها سكان دار أوذنوا بالنقلة وهم حيارى يركضون في المهلة كأن المراد غيرهم والتأذين ليس لهم ولا عني بالأمر سواهم وكانت رضي الله عنها تقول لم ينل المطيعون ما نالوا من حلول الجنان ورضا الرحمن إلا بتعب الأبدان.
ومنهن السيدة عائشة بنت جعفر الصادق
رحمها الله
المدفونة بباب قرافة مصر رضي الله عنها: كانت رضي الله عنها تقول: وعزتك وجلالك لئن أدخلتني النار لآخذن توحيدي بيدي وأدور به على أهل النار وأقول لهم وحدته فعذبني.
توفيت سنة خمس وأربعين ومائة رضي الله عنها.
ومنهن امرأة رباح القيسي
رضي الله عنها
كانت رضي الله عنها تقوم الليل كله وكانت إذا مضى الربع تقول له قم يا رباح للصلاة فلا يقوم فتقوم، ثم تأتيه وتقول له قم يا رباح فلم يقم فتقوم الربع الآخر، ثم تأتيه وتقول: قم يا رباح فلا يقوم فتقوم الربع الآخر إلى تمام الليل ثم تأتيه وتقول قم يا رباح قد مضى عسكر الليل وأنت نائم، فليت شعري من غرني بك يا رباح ما أنت إلا جبار عنيد.
وكانت رضي الله عنها تأخذ تبنة من الأرض وتقول والله للدنيا أهون علي من هذه وكانت إذا صلت العشاء تطيبت ولبست ثيابها ثم تقول لزوجها: ألك حاجة فإن قال لا نزعت ثياب زينتها وصلت إلى الفجر رضي الله عنها.
ومنهن فاطمة النيسابورية
رضي الله تعالى عنها
كان ذو النون المصري رضي الله عنه يقول: فاطمة أستاذتي وكانت رضي الله عنها تقول من لم يراقب الله تعالى في كل حال فإنه ينحدر في كل ميدان ويتكلم بكل لسان ومن راقب الله تعالى في كل حال أخرسه إلا عن الصدق وألزمه الحياء منه، والإخلاص له وكانت تقول: من عمل لله على مشاهدة الله إياه فهو مخلص وكان أبو يزيد يقول: عنها ما رأيت امرأة مثل فاطمة ما أخبرتها عن مقام من المقامات إلا الخبر كان لها عياناً.
ماتت في طريق العمرة بمكة سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
ومنهن رابعة بنت إسماعيل
رضي الله عنها
كانت تقوم من أول الليل إلى آخره وكانت رضي الله عنها تقول: إذا عمل العبد بطاعة الله تعالى أطلعه الجبار على مساوئ عمله فتشاغل بها دون خلقه وكانت تصوم الدهر وتقول ما مثلي يفطر في الدنيا، وكانت تقول لزوجها لست أحبك حب الأزواج وإنما أحبك حب الإخوان، وكانت تقول ما سمعت الأذان قط إلا ذكرت منادي يوم القيامة ولا رأيت الثلج قط إلا ذكرت تطاير الصحف، ولا رأيت حراً إلا ذكرت الحشر، وكانت رضي الله عنها تقول: ربما رأيت الجن يذهبون ويجيئون وربما رأيت الحور العين يستترن مني بأكمامهن.
ومناقبها كثيرة رضي الله عنها.
ومنهن أم هارون
رضي الله تعالى عنها
كانت من الخائفين العابدين وكانت تأكل الخبز وحده وكانت تقول: ما أنشرح إلا بدخول الليل فإذا طلع النهار اغتممت وكانت تقوم الليل كله وتقول إذا جاء السحر دخل قلبي الروح. وخرجت مرة فسمعت قائلا يقول خذوها فوقعت مغشياً عليها وما دهنت رأسها بدهن منذ عشرين سنة، وكانت إذا كشفت رأسها وجد شعرها أحسن من شعور النساء، وكانت إذا عرض لها الأسد في البرية قالت له: إن لك في رزقاً فكل فيولي راجعاً عنها رضي الله عنها.
ومنهن عمرة امرأة حبيب
رضي الله تعالى عنها
كانت تقوم الليل، كله فإذا جاء السحر قالت لزوجها قم يا رجل قد ذهب الليل وجاء النهار وانقض كوكب الملأ الأعلى وسارت قوافل الصالحين وأنت متأخر لا تدركهم. واشتكت من عينيها مرة فقيل لها ما حال وجع عينيك، قالت وجع قلبي أشد رضي الله تعالى عنها.
ومنهن أمة الجليل
رضي الله تعالى عنها
كانت من العابدات الزاهدات، واختلف مرة العابدون في تعريف الولاية على أقوال فقالوا امضوا بنا إلى أمة الجليل فقالوا لها ما الذي عندك من تعريف الولاية؟ فقالت ساعات الولي ساعات شغل عن الدنيا، ساعة لا يتفرغ منها لشيء دون الله عز وجل ثم قال لواحد منهم من حدثكم أن ولياً لله تعالى له شغل بغير الله تعالى فكذبوه رضي الله عنها.
ومنهن عبيدة بنت أبي كلاب
رضي الله تعالى عنها
كانت تتردد إلى مالك بن دينار.
وسمعت شخصاً يقول لا يبلغ المتقي حقيقة التقوى حتى لا يكون شيء أحب إليه من القدوم على الله عز وجل فخرت مغشياً عليها، وكانت تقول: لا أبالي على أي حال أصبحت أو أمسيت وكان الناس يقدمونها على رابعة رضي الله عنهما.
ومنهن حفيرة العابدة
رضي الله عنها
دخل عليها العابدون رضي الله عنهم يوماً يزورونها فقالت لهم: ما شأنكم قالوا نسألك الدعاء قالت لو أن الخاطئين خرسوا ما تكلمت عجوزكم من البكم ولكن الدعاء سنة، ثم قالت جعل الله قراكم من نبق الجنة، وجعل ذكر الموت مني ومنكم على بال، وحفظ علينا الإيمان إلى الممات وهو أرحم الراحمين.
ومنهن شعوانة
رضي الله تعالى عنها
كانت رضي الله تعالى عنها لا تفتر عن البكاء فقيل لها في ذلك قالت والله لوددت أن أبكي حتى تنقطع دموعي ثم أبكي دماً حتى لا يبقى جارحة من جسدي فيها دم وكانت تقول من لم يستطع البكاء فليرحم الباكين، فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بنفسه وما جنى عليها وما هو سائر إليه، وكانت تبكي وتقول: إلهي إنك لتعلم أن العطشان من حبك لا يروى أبداً، وكانت التي تخدمها تقول من منذ وقع بصري على شعوانة ما ملت قط إلى الدنيا ببركتها ولا استصغرت في عيني أحداً من المسلمين وكان الفضيل بن عياض رضي الله عنه يأتيها ويتردد إليها ويسألها الدعاء.
ومنهن آمنة الرملية
رضي الله عنها
كان بشر بن الحارث رضي الله عنه يزورها ومرض بشر مرة فعادته آمنة من الرملة فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه يعوده كذلك فنظر إلى آمنة رضي الله تعالى عنها فقال لبشر من هذه؟ فقال له بشر هذه آمنة الرملية بلغها مرضي فجاءت من الرملة تعودني،
فقال أحمد لبشر رضي الله عنهما فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر: ادعي الله لنا فقالت اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين، قال الإمام أحمد رضي الله عنه فلما كان من الليل طرحت إلى رقعة من الهواء مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم قد فعلنا ذلك ولدينا مزيد. رضي الله عنهم.
ومنهن منفوسة بنت زيد بن أبي الفوارس
رضي الله تعالى عنها
كانت إذا مات ولدها تضع رأسه على حجرها وتقول والله لتقدمك أمامي خير عندي من تأخرك بعدي ولصبري عليك أولى من جزعي عليك ولئن كان فراقك حسرة فإن في توقع أجرك لخيرة ثم تنشد قول عمرو بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه.
وإنا لقوم لا تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن قصم الظهر
ومنهن السيدة نفيسة ابنة الحسن
بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
ولدت رضي الله عنها بمكة وكان مولدها سنة خمس وأربعين ومائة ونشأت في العبادة وتزوجت بإسحاق المؤتمن ورزقت منه بولدين القاسم وأم كلثوم وأقامت رضي الله عنها بمصر سبع سنين وتوفيت إلى رحمة الله تعالى سنة ثمان ومائتين وخرج زوجها من مصر بولديها القاسم وأم كلثوم ودفنوا بالبقيع على خلاف في ذلك، قاله ابن الملقن.
ولما دخل الإمام الشافعي رضي الله عنه مصر كان يتردد إليها، ويصلي بها التراويح في رمضان في مسجدها رضي الله تعالى عنهما.
ولنرجع إلى ما كنا فيه أولا من ذكر أولياء الرجال رضي الله عنهم أجمعين
ومنهم سعدون المجنون
رضي الله تعالى عنه
كان يجن ستة أشهر ويفيق ستة أشهر وكان إذا هاج صعد السطح ونادى بالليل بصوت رفيع يا نيام انتبهوا من رقدة الغفلة قبل انقطاع المهلة فإن الموت يأتيكم بغتة رضي الله عنه.
ومنهم بهلول المجنون
رضي الله تعالى عنه
اجتمع به هارون الرشيد فقال له الرشيد كنت أشتهي رؤيتك من زمان فقال لكني أنا لم أشتق إليك قط، فقال له عظني فقال بم أعظك هذه قصورهم وهذه قبورهم ثم قال: كيف بك يا أمير المؤمنين إذا أقامك الحق تعالى بين يديه فسألك عن النقير والفتيل.
والقطمير وأنت عطشان جيعان عريان، وأهل الموقف ينظرون إليك ويضحكون! فخنقته العبرة وكان بهلول مجاب الدعوة وأمر له الرشيد بصلة فردها عليه، وقال ردها إلى من أخذتها منه قبل أن يطالبك بها أصحابها في الآخرة فلا تجد لهم شيئاً ترضيهم به فبكى الرشيد
وكان رضي الله عنه ينشد:
دع الحرص على الدنيا ... وفي العيش، فلا تطمع
ولا تجمع من المال ... فما تدري لمن تجمع
فإن الرزق مقسوم ... وسوء الظن لا ينفع
فقير كل ذي حرص ... غني كل من يقنع
.
يتبع