مقدمة المحقق كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية
مقدمة المحقق كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية
مفتتح الشيخ ابن العربيأشهدني الحق بمشهد نور الألوهية وطلوع نجم “ لا “ . فلم تسعها العبارة وقصرت عنها الإشارة ، وزال النعت والوصف ، والاسم والرسم .وقال وقلت . وائت ، وأقبل ، وأدبر ، وقم ، واقعد . وبدا لي كل شيء ، ولم أر شيئا . ورأيت الأشياء ، ولم أر رؤية . زال الخطاب وانعدمت الأسباب وذهب الحجاب ، ولم يبق إلّا البقاء ، وفني الفناء عن الفناء بأنا .محيي الدين ابن العربي "6" “ 7 “مقدمة التحقيق ( 1 )بسم الله الرحمن الرحيم
" اللهمّ إني أقدم إليك بين يدي كل نفس ، ولمحة ، ولحظة ، وطرفة يطرف بها أهل السماوات ، وأهل الأرض ، وكل شيء هو في علمك كائن ، أو قد كان . أقدم إليك بين يدي ذلك كله ، وقبل ذلك كله ، وبعد ذلك كله ، ومع ذلك كله ، وعند ذلك كله ، وفي ذلك كله :اللهم لك الحمد حمدا دائما مع خلودك ، ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون مشيئتك ، ولك الحمد حمدا لا يزيد قائلها إلا رضاك ، ولك الحمد حمدا مليا عند كل طرفة عين وتنفس نفس . . ملء ما علم ، وعدد ما علم ، وزنة ما علم " . ثم ." اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، ناصر الحق بالحق ، والهادي إلى صراطك المستقيم ، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم " . صلاة فائقة جميع صلوات خلق اللّه ، دائمة بدوام ملك اللّه ، مضروبة في كل عدد في علم اللّه ، بعدد كل ما في علم اللّه ، وعرّفنا بها إياه ، معرفة أبدية بمحض فضلك يا أللّه . ملء ما علم ، وعدد ما علم ، وزنة ما علم .ثم أمّا بعد :هذا كتاب في الكلام عن المشاهدات للأسرار القدسية ، له من الخصوصيات العظيمة لكاتبه وقارئه على السواء ، فالكتاب مليء بالأسرار ، كما أنه مليء أيضا بالإشارات والرموز ، ولا يصح في هذا المقام إلّا استخدام الإشارات والرموز ، لضرورة الستر ، فالستر أولى .وابن العربي يعرف طبعا معنى التستر فستر الكثير والكثير من الأسرار ، وتبدى ذلك في وصاياه داخل الكتاب ، وحرصه الدائم على أن من يقع في يده مثل هذا الكتاب فعليه أن يبادر بأن يضعه عند أهله الذين يعرفون ماذا يجب “ 8 “عليهم أن يقدموا لنا . لأن الكتاب أمانة ، يقول ابن العربي أول الكتاب : " ولا سبيل إلى أن يقف على هذه المشاهد إلّا أربابها ، وهي أمانة بيد كل من حصلت عنده . فإن كان من أهلها حصل له مراده ، وإن كان من غير أهلها فليبحث عن أربابها وأهلها .فإن اللّه تعالى يقول :* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها “ 1 “والعجيب أنه يختم الرسالة بنفس الأمر تقريبا فيقول : " ثم لتعلم أن لهذه الحضرات أسرارا ظاهرة وأسرارا باطنة . فالأسرار الظاهرة لأهل الاستدراج ، والباطنة لأهل الحقائق . فليس كل حكيم حكيما . بل الحكيم من حكمته الحكمة ، وقيدته بالوقوف عند فصل الخطاب ، ومنعته أن ينظر إلى سوى خالقه ، ولازم المراقبة على كل أحيانه فليس من نطق بالحكمة ولم تظهر آثارها عليه يسمى حكيما .فالنبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قد قال : ( ربّ حامل فقه ليس بفقيه ) “ 2 “ .إنما هي أمانة عنده ، يؤديها إلى غيره ، فإذا صدرت منك حكمة ، فانظرها في نفسك . فإن كنت قد تحليت بها ، فأنت صاحبها ، وإن رأيت نفسك عارية عنها فأنت لها حامل ومسؤول عنها . وتحقيق هذا أن تنظر إلى استقامتك على الطريق الأوضح ، والمهيع “ 3 “ السديد والميزان الأرجح في قولك وفعلك وقلبك " “ 4 “ .ولذا كان لا بد لهذا الكتاب أن يكون من الكتب الشديدة الخصوصية بالذوق الصوفي ، ويطلب من الذين يحبون قراءته أن يكونوا ممن يعتقدون في هذا العلم وفي.....................................................................................( 1 ) الآية رقم ( 58 ) من سورة النساء .( 2 ) حديث : ( رب حامل فقه ليس بفقيه ) : انظر تخريج الحديث نهاية هذا الكتاب .( 3 ) ( المهيع ) : وطريق مهيع : واضح واسع بيّن ، وجمعه مهايع . وفي حديث عليّ ، رضي اللّه عنه :اتّقوا البدع والزموا المهيع ؛ هو الطريق الواسع المنبسط ، انظر : لسان العرب لابن منظور ( مادة : هيع ) .( 4 ) انظر خاتمة هذه الرسالة فلا يزال في هذه الإشارة بقية . “ 9 “أهله ، وأن يكونوا ممن يكثرون الذكر ، حتى تحدث مشاكلة بين أنوارهم وأنوار الكتاب ، ولا يكون العلم غريبا عنهم فيحكّمون فيه العقل فيضل ، ويضلوا معه . لأن هذا فوق طوق العقل ، فلا يدرك إلّا بذوق ، والذوق من عمل الروح ، والروح تسعد بالذكر ، وتهنأ بمشارب الأنوار فتستغرق فيها ، فيشعر العقل بعد ذلك بما تخلله ويعبر عنه ، كما يحدث للنائم . أقول كما . . . . . لأنهم يقظى ليسوا بنائمين ، فمشاهداتهم كلها يقظة ، وأين كل ذلك من مشاهدة الحبيب ( صلى اللّه عليه وسلم ) فإنهم يشاهدونه يقظة لا مناما ! “ 10 “( 2 ) شرح عنوان الكتابلماذا سمّي هذا الكتاب بهذا الاسم ( ) وما معنى كل هذا ، وهل الكتاب يفي فعلا بهذا العنوان أم لا ؟ وماذا نفهم من هذه التفاصيل التي ربما اصطد منا بها لعدم فهمنا لها ؟ وماذا يمكننا أن نعمل لفهم هذا على حقيقته .أسئلة كثيرة في الحقيقة تتبادر إلى ذهن كثير من الناس حينما يقدمون على قراءة عمل من أعمال سيدي محيي الدين بن عربي ( رضي اللّه عنه ) .وخاصة إذا تميّز هذا العمل بشدة إبحاره في الرمز والإشارة ، وربما يغلق على كثيرين أيضا أسباب فهمه ، حتى بعد الشروح والتذييلات .في البدء ينبغي أن يعلم القارئ - أيّ قارئ - أنه هو السبب الأول والرئيسي الذي وضع الكتاب من أجله ، وأنه هو أيضا السبب الأول والرئيسي الذي يتوقف عليه فهم الكتاب ، وعدم فهمه . فللكتاب أنوار ما في ذلك شك ، ولكل واحد من القرّاء الأعزاء نور مختلف أيضا ما في ذلك شك ، وهذا النور الخاص للقارئ ، هو الذي يفهم به هذا الكتاب من غيره ، بل يفهم به أصلا مسألة العلوم ، وتنوّعها . وهذا العلم - أي علم أهل اللّه كله - لا يمكن فهمه على حقيقته ، أو الدخول فيه ما لم تكن ذاكرا للّه تعالى ، بل مكثرا من الذكر ، بل يصير الذكر عندك أهم شيء في حياتك . فلا يعطيك كتاب ما أسراره كلها أو أهمها ما لم تهيئ نفسك لاستقبال هذه الأسرار ، على الوجه الذي يليق بها . فإن لم تر الأسرار نفسها أنك أهل لها ، أعطتك بعض نفسك ، وهواك في هذا الكتاب ، أو غيره . فتظن أن زادك وفير وهو غير ذلك وما قرأت على الحقيقة إلّا بعض أفكارك . أمّا إذا أردت حقيقة الأسرار ذاتها التي هي حقيقتها كما أراد اللّه لها فلا بد أن تدخل عليها باللّه ، وعلى قدر نورك تكشف لك الأسرار عن مكنونها . فلم تتهيأ الفرصة لنشر هذه الكتب وغيرها ، ولم ينشر العلم عموما إلّا لكي يستفيد الناس من“ 11 “هذه العلوم ، وغيرها . ويترتب على ذلك ثواب الناس في الأعمال عند اللّه سبحانه وتعالى ، ويشترك في هذا الثواب الجميع : الكاتب والقارئ ، والناشر ، والموزع ، والبائع ، والمهدي ، كل حسب نيته وقربه مع اللّه ، فمن طلب بهذا العمل علما ناله ، ومن طلب بها دنيا كذلك ، ومن طلب به قربا للّه فبخ بخ . فكل على حسب مطلوبه ، وهو الذي ينبني على النية الصادقة للعبد ، مع الأعمال طاعة للّه في المقام الأول لا شهوة للنفس ، وإن فاتنا شيء فلنستعيده بأجمل ما يكون ، ولنجدد فيه النية ونستغفره مما سلف . فكل عملك في الدنيا إمّا طاعة ، وإمّا معصية . فإذا أردت أن تنظر فيه ، فانظر كيف يرضى ربك عنك فيه ، واعلم أنه لا يقبل من العمل إلا جيده لقوله ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( إن اللّه يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) “ 1 “ . واعمل على قدر جهدك وطاقتك ، فهذا من أفضل الأعمال ؛ لأنه ذكر للّه تعالى .وقد سئل " محمد بن خفيف “ 2 “ " ( رضي اللّه عنه ) عن الذكر فقال :...........................( 1 ) حديث : ( إن اللّه يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) .عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( إن اللّه يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) .رواه أبو يعلى وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وعن عاصم بن كليب عن أبيه أنه خرج مع أبيه إلى جنازة شهدها النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنا غلام أعقل فقال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( يحب اللّه العامل إذا عمل أن يتقن ) رواه الطبراني في الكبير ، وفيه قطبة بن العلاء ، وهو ضعيف .وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به . وجماعة لم أعرفهم .ابن حجر الهيتمي 1 / 41 ، 4 / 98 .( 2 ) ( محمد بن خفيف ) هو : الشيخ الإمام العارف الفقيه القدوة ذو الفنون أبو عبد اللّه محمد بن خفيف بن اسفكشار الشيرازي شيخ الصوفية ، ولد قبل السبعين ومائتين وستين ، وحدث عن حماد بن مدرك وهو آخر أصحابه وعن محمد بن جعفر التمار والحسين المحاملي وجماعة ، وتفقه على أبي العباس بن سريج حدث عنه أبو الفضل الخزاعي والحسن بن حفص الأندلسي وإبراهيم بن الخضر الشياح والقاضي أبو بكر بن الباقلاني ومحمد بن عبد اللّه بن باكويه قال السلمي أقام بشيراز وأمه نيسابورية وهو اليوم شيخ المشايخ وتاريخ الزمان لم يبق للقوم أقدم منه ، ولا أتم حالا .روى حديث :عن أبي ذر قال قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( إذا صنعت قدرا فأكثر من مرقها وانظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم بمعروف ) .“ 12 “- اعلموا أن المذكور واحد .- والذكر مختلف .- ومحل قلوب الذاكرين متفاوت .- وأصل الذكر : إجابة الحق من حيث اللوازم ، لقوله ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( من أطاع اللّه فقد ذكره ، وإن قلت صلاته ، وصيامه ، وتلاوته للقرآن ، ومن عصى اللّه فلم يذكره ، وإن كثرت صلاته ، وصيامه ، وتلاوته للقرآن ) “ 1 “ .زاد في رواية ، وصنيعه للخير ، قال القرطبي : هذا يؤذن بأن حقيقة الذكر طاعة اللّه في امتثال أمره وتجنب نهيه . وقال بعض العارفين : هذا يعملك بأن أصل الذكر إجابة الحق من حيث اللوازم . لأنه كالمستهزئ والمتهاون . وقال أبو عثمان النهدي : إني لأعلم الساعة التي يذكرنا اللّه فيها .فقيل له : ومن أين تعلمها ؟ قال : يقول اللّه عز وجل : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ “ 2 “ .وقال السدي : ليس من عبد يذكر اللّه إلا ذكره اللّه عز وجل ، ولا يذكره مؤمن إلّا ذكره اللّه برحمته ، ولا يذكره كافر إلا ذكره اللّه بعذاب .وسئل أبو عثمان فقيل له : نذكر اللّه ولا نجد في قلوبنا حلاوة ؟ فقال : احمدوا اللّه تعالى على أن زيّن جارحة من جواركم بطاعته !..............................................................انظر : الذهبي سير أعلام النبلاء : 16 / 342 .( 1 ) حديث : ( من أطاع اللّه فقد ذكره . . . ) .عن واقد مولى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال ( من أطاع اللّه - عز وجل - فقد ذكره وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ، ومن عصى اللّه لم يذكره وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ) رواه الطبراني في الكبير ، وفيه الهيثم بن جماز وهو متروك . انظر ابن حجر الهيتمي : مجمع الزوائد 2 / 259 .وانظر أيضا السيوطي : جامع الأحاديث : 6 / 104 الحديث رقم ( 20283 ) .والبيهقي في شعب الإيمان ، 1 / 452 والزهد لابن المبارك 1 / 17 .والديلمي : في الفردوس : 3 / 561 .( 2 ) الآية رقم ( 152 ) من سورة البقرة .ص “ 13 “وقال ذو النون المصري “ 1 “ رحمه اللّه : " من ذكر اللّه تعالى على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شئ ، وحفظ اللّه عليه كل شيء ، وكان له عوضا من كل شيء " .وأعتقد أنني هنا أشرت إلى جملة من هذه المعاني الخاصة بالذكر ، لمحاولة الدخول إلى فهم الكتاب وقراءته .أمّا شرح هذا العنوان فهو :المشاهد ، جمع : مشهد . والمشهد من المشاهدة .والمشاهدة : هي رؤية الحق من غير تهمة ، ويطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ، ويطلق بإزاء التوحيد ، ويطلق بإزاء رؤية الحق في الأشياء ويطلق بإزاء حقيقة اليقين من غير شك . وقد يفهم من قولهم في المشاهدة بأنها تطلق بإزاء اليقين أن اليقين هو الذي يقال له مشاهدة . وإنما المشاهدة إدراك بغير منازعة فهي أقوى من الإدراك اليقيني .أمّا الشاهد : فهو ما تعطيه المشاهدة من الأثر في قلب المشاهد ، وهو على حقيقة ما يضبطه القلب من صورة المشهود . ولمّا كانت المشاهدة عندهم هي شهود الحق من غير تهمة فإن لفظ الشاهد على ما يشهد العبد ، وهو المراد بقولهم الشاهد هو ما تعطيه المشاهدة من الأثر في القلب ، أو في قلب المشاهد . فإنّ حال من شاهد الحق لا يكون حاله كمن لم يشاهده ولذلك أثر إما حصول علم لدني ، أو حصول وجد .وهكذا فقد قالوا : علامة من شاهد الحق هو شاهده .وشاهده هنا هذا العلم اللدني الذي يطل علينا خلال الألفاظ ، التي نتنقل بها كل........................................( 1 ) ( ذو النون المصري ) شيخ الديار المصرية ثوبان بن إبراهيم وقيل فيض بن أحمد وقيل فيض بن إبراهيم النوبي الإخميمي الغرماء أبا الفيض ويقال أبا الفياض ولد في أواخر أيام المنصور ، وروى عن مالك والليث وابن لهيعة وفضيل بن عياض وسليمان الخواص وسفيان بن عيينة وطائفة . وروى عنه أحمد بن صبيح الفيومي وربيعة بن محمد الطائي ورضوان بن محيميد وحسن بن مصعب والجنيد بن محمد الصاحب ومقدام بن داود الرعيني وآخرون كان عالما فصيحا حكيما توفي في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين . انظر : الذهبي : سير أعلام النبلاء : 11 / 532 . “ 14 “ لحظة من مشهد إلى مشهد ، ومن معنى جديد إلى آخر ، ومن عبارة حاسمة إلى أخرى .وهناك تفاصيل أخرى “ 1 “ .أمّا الأسرار القدسية : فالأسرار مفردها سرّ . والسّر : يعني به حصة كل موجود من الحق بالتوجه الإيجادي ، لأن السر يطلق على أمرين :أحدهما : أمر خفي ضد العلانية .والآخر : القلب ، وهذا من باب إطلاق لفظ الحال على المحل ؛ كإطلاق لفظ الخاطر الموضوع في الباب على محله ، فإن القلب محل السر . يقال ظهر سرّ قلبي . والسّرّ بالمعنى الثاني مختلف فيه ، فهو عند طائفة فوق الروح والقلب . وعند طائفة فوق القلب ودون الروح ، وعند المحققين أنه هو القلب ، وأن ما زعموه فوق الروح ، والقلب هو عين الروح المتجلي في النهاية بوصف غريب .ويقال : السّرّ محل المشاهدة ، والروح محل المحبة .وتوجد تفاصيل أخرى ففيه : سر العلم ، وسر السر ، وسر التجليات ، وسر العبادات ، وسر التقديس ، وسر القدر ، وسر الكمال والأكملية ، وسر الربوبية ، وسر سر الربوبية ، وغير ذلك . فالأسرار لا تنتهي .أمّا وصف الأسرار بالقدسية ، فهذا راجع إلى ضرورة تقديس الحق .عن العلوّين : وهما : العلوّ المكاني ، والعلو الرّتبي .فالتقديس عن العلو المكاني : ظاهر بديهي لاستحالة تحيّزه سبحانه وتعالى .أمّا التقديس عن العلو الرّتبي : وهو علو المكانة ، فذلك أنه مهما توهّم علوّ ثم أضيف إلى الحق ، كان الحق بلا أدنى شك أعلى من ذلك . وإليه الإشارة بقوله تعالى :سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( 1 ) “ 2 “ . أي : عن كل علو والسر في ذلك أن الحق سبحانه وتعالى في كل متعين غير متعين به ، ومع كل شيء غير مشارك له في رتبته ......................................................( 1 ) انظرها في : القاشاني : معجم المصطلحات والإشارات الصوفية 2 / 35 ، 306 بتحقيقنا ، طبعة دار الكتب المصرية .( 2 ) الآية رقم ( 1 ) من سورة الأعلى .“ 15 “ فالإشارة الحسية والعقلية في هذا منفيتان لاستحالة تقيده بمكانة مخصوصة . ولمن أراد الزيادة في هذه النقطة فلينظر هذه المصادر “ 1 “ .أمّا مطالع الأنوار الإلهية : فالمطلع ( بتخفيف الطاء ) يعنون به : حضرة الجمال ، أو حضرة الجلال ، أو الحضرة الجامعة بينهما وهي حضرة الكمال ، كما أشار بذلك سيدي عمر بن الفارض “ 2 “ بقوله :ومطلع أنوار بطلعتك التي * لبهجتها كلّ البدور إستسرّتووصف كمال فيك أحسن صورة * وأقومها في الخلق منك استمدّتونعت جلال منك يعزب دونه * عذابي وتحلو عنده لي قتلتيوسرّ جمال عنك كلّ ملاحة * به ظهرت في العالمين وتمّت..........................................................................................( 1 ) القاشاني : معجم المصطلحات والإشارات الصوفية . بتحقيقنا 2 / 14 ، 341 وما بعدها .وانظر أيضا التهانوي : كشاف اصطلاحات الفنون باب الراء فصل السين .( 2 ) ( عمر بن الفارض ) هو : عمر بن علي بن المرشد بن علي الحموي الأصل ، المصري ، المعروف بابن الفارض ، شرف الدين ، أبو حفص ، سلطان العاشقين ، الشاعر الصوفي الشهير صاحب التائية الكبرى والشعر الراقي الرائق الجميل . ولد ( رضي اللّه عنه ) بالقاهرة في الرابع من ذي القعدة سنة 576 ه - ونشأ بها واشتغل بفقه الشافعية ، وأخذ الحديث عن ابن عساكر ، وأخذ عنه الحافظ .المنذري ، وغيره . ثم حبب إليه طريق السادة الصوفية ، فمضى في الطريق حتى بلغ فيه ما بلغ .شهد له بذلك الكثيرون من علمائه وأولياء اللّه تعالى ، وشهد له نموذجه الفريد لهذه الأشعار العذبة الممتلئة ، بل والمكتنزة بالمعاني ، المشعة بالأنوار ، فضلا عن كراماته الشهيرة التي نقلها أهل زمانه .ترك ديوانا من الشعر الرائق وتوفّي ، رحمه اللّه ، بالقاهرة سنة 632 ه - ودفن بالقرافة .انظر : كحالة : معجم المؤلفين : 7 / 301 . ابن خلكان 1 / 483 .ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة : 6 / 288 . د / محمد مصطفى حلمي : ابن الفارض والحب الإلهي . يوسف النبهاني : جامع كرامات الأولياء 2 / 218 .“ 16 “وحسن به تسبى النّهى دلّني على * هوى حسنت فيه لعزّك ذلّتيومعنى وراء الحسن فيك شهدته * به دقّ عن إدراك عين بصيرتيلأنت منى قلبي وغاية مطلبي * وأقصى مرادي واختياري وخبرتيوفي هذه الأبيات يتبدى الحسن ، والجمال ، والملاحة ، والرقّة ، والعذوبة ، وغير ذلك من مطالع الأنوار الإلهية التي ينالها المطّلع الذي يحصّل الترقي بحسب صفائه ، وبحسب رتبته ونصيبه ، من القرب إلى حضرة العلام ، فإن اللّه سبحانه وتعالى يمنح لكل قلب من الفهم في كلامه على قدر صفائه وقربه تعالى ، فيرفع له علم في العلم طلع منه لصفاء الفهم على دقيق المعنى ، وغامض السر . وليس كلّ ما يعرف يقال .وتارة يعنون بالمطلع : موضوع طلوع شمس الحقيقة بأسمائها الذاتية ، وبمفاتيح .أي : مراتب تعيناتها ، كمرتبة الغيب المغيب .وتارة يعنون بالمطلع : موضع الطلوع في أقصى مراتب الظهور ، الذي هو عالم الشهادة ، المسمى بعالم الأجسام ، وعالم الحس .فأمّا طلوع هذه المفاتح ، والأسماء الذاتية في المرتبة الأولى التي هي مرتبة الغيب المغيب فهي اجتلاء التجلي الذاتي الأحدي الجمعي في منصته ومجلاه ، الذي هو عين القابلية والبرزخية الكبرى في المرتبة الأولى .وأمّا طلوعها ، وظهورها في عالم الشهادة المحسوس ، فهو ظهورها في المجلى ، إلى أن ظهرت هذه الحقيقة البرزخية في عالم الشهادة بصورتها التي هي الصورة المحمدية القابلة بقابلية قلبها التقي النقي المطهّر لمظهرية تلك البرزخية الكبرى .وأمّا المطلع الثالث لهذه المفاتح : فهو صورة تلك الحقيقة التي هي قابلية قلب هذه الصورة المحمدية التي هي مظهرها في عالم الشهادة .ويمكن أن تستمر في قراءة الكتاب على ضوء هذه المعاني . .
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT