فصل في خاتمة الكتاب في تأييد هذه المكاشفات العلمية والمشاهد القدسية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية
“ 95 “فصل في خاتمة الكتاب في تأييد هذه المكاشفات العلمية والمشاهد القدسيةبسم الله الرحمن الرحيم
وما يتعلق بها بالآيات ، والأخبار ، والآثار . لعلك تطلب - أيها الباحث عن هذه الأسرار والباغي اقتباس هذه الأنوار - شواهد عليها من الآيات والأخبار ، والآثار ، لتقوى طلبك عليها وتكون ممن ينتدب إليها . نعم ! سددك اللّه بنظره الصائب ، وجعلك ممن جمع في معرفته بين الشاهد والغائب . ونمهدها لك أحسن تمهيد ، ونفرق لك بين المعوج منها والسديد ما إذا عملت بمقتضاه كوشفت على حقيقته ومعناه ، وشاهدت هذه المشاهد القدسية ، والمكاشفات العلمية التي أوردت منها في هذا الكتاب على قدر ما حد لي في الخطاب ، حتى لو بثثت ما أسدى إليّ سبحانه من أسراره العلية ، وأنواره السنية وغيوبه الأزلية . وتكون الأبحر مدادا ، والشجر أقلاما ، لفنيت الأدوات ، وبقيت الأسرار والواردات فألق سمعك إن كنت على الحقيقة طالبا . ولا تكن عمّا أورده عليك راغبا . أمّا الآيات : فقوله تعالى :وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً” 1 “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ” 2 “يُؤْتِي...............................................................( 1 ) الآية رقم ( 65 ) من سورة الكهف ونصّها :فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً( 65 ) . ( 2 ) الآية رقم ( 282 ) من سورة البقرة . “ 96 “الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ “ 1 “ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا “ 2 “ .وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ( 83 ) “ 3 “ .أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ “ 4 “ وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا “ 5 “ .وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا “ 6 “ .وأما الأخبار : فقوله ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( من عمل بما علم أورثه اللّه علم ما لم يعلم ) “ 7 “وقال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( العلم نور يضعه اللّه في قلب من يشاء ) “ 8 “ ...............................................................................( 1 ) الآية رقم ( 269 ) من سورة البقرة .( 2 ) الآية رقم ( 12 ) من سورة مريم .( 3 ) الآية رقم ( 83 ) من سورة الأنعام .( 4 ) الآية رقم ( 122 ) من سورة الأنعام .( 5 ) الآية رقم ( 69 ) من سورة العنكبوت( 6 ) الآية رقم ( 175 ) من سورة الأعراف .( 7 ) حديث : ( من عمل بما علم أورثه اللّه علم ما لم يكن يعلم ) .انظر القرطبي في التفسير : 13 / 364 ، وابن كثير في التفسير أيضا : 4 / 529 .والدارمي في السنن 1 / 118 ، وابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم 1 / 342 .والمناوي في فيض القدير : 4 / 388 ، وأبو نعيم في حلية الأولياء 6 / 163 ، وانظر أيضا العجلوني في كشف الخفاء : 2 / 287 ، 347 .( 8 ) حديث : ( العلم نور يضعه اللّه في قلب من يشاء ) .عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنه قال ليس العلم عن كثرة الحديث ولكن العلم من كثرة الخشية وقال أحمد بن صالح المصري عن ابن وهب عن مالك قال إن العلم ليس بكثرة الرواية وإنما العلم نور يجعله اللّه في القلب قال أحمد بن صالح المصري معناه أن الخشية لا تدرك بكثرة الرواية وإنما العلم الذي فرض اللّه عز وجل أن يتبع فإنما هو الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابة “ 97 “وقال ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( العلم علمان : علم باللسان فذلك حجّة اللّه على ابن آدم .وعلم في القلب فذلك العلم النافع ) “ 1 “ .وقال ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( إن من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه إلا العالمون باللّه ) “ 2 “ .وقال ( صلى اللّه عليه وسلم ) - حكاية عن ربه - : ( لا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى- .......................................................................رضي اللّه عنهم ومن بعدهم من أئمة المسلمين فهذا لا يدرك إلا بالرواية ويكون تأويل قوله نور يريد به فهم العلم ومعرفة معانيه . انظر : ابن كثير 3 / 555 وقال المناوي في فيض القدير : المراد أصالة العلم العيني الذي لا رخصة للمكلف في تركه وما عداه من كمال التقوى ، وقال ابن القيم وللمعاصي من الآثار القبيحة ما لا يعلمه إلا اللّه فمنها حرمان العلم فإن العلم نور يقذف في القلب والمعصية تطفئه . وكتب رجل إلى أخيه إنك أوتيت علما فلا تطفئن نوره بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم .( 1 ) حديث : ( العلم علمان : علم باللسان . . . . . . )الحديث ورد بنفس نصه هذا في مسند الربيع بن حبيب الأزدي عن جابر بن زيد عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) 1 / 365 الحديث رقم ( 947 ) وأورده الإمام القرطبي في التفسير ، ولكن أورد جملة القلب قبل اللسان انظر : 7 / 321 ، وأورده ابن أبي شيبة في مصنفه : 7 / 82 ، والبيهقي في شعب الإيمان : 2 / 294 والحكيم الترمذي في نوادر الأصول : 2 / 303 وفي فيض القدير أورد المناوي حديثا عن ابن عمر بن الخطاب قال : ( العلم علمان فعلم ثابت في القلب وهو ما أورث الخشية وأبعد عن الكبائر الظاهرة والباطنة فذلك هو العلم النافع لصاحبه وعلم على اللسان ولا قرار له لأنه شرارة من شرار الإيمان فذلك حجة اللّه على ابن آدم قوله ) علم في القلب دل على كونه مرغوبا فيه فرتب عليه ما بعدها وفي عكسه قوله فذلك حجة اللّه فإن صاحب العلم اللساني الذي لم يتأثر منه فإنه محجوج عليه ويقال له : ( لم تقولون ما لا تفعلون ) ( الصف / 2 ) ويمكن حمل الحديث على علمي الظاهر والباطن . انظر المناوي : فيض القدير : 4 / 390 .( 2 ) حديث : ( إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء باللّه ) وله تكملة كما أورده المنذري في الترغيب والترهيب وهي : وروي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء باللّه تعالى فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة باللّه عز وجل . انظر المنذري في الترغيب والترهيب : 1 / 58 الحديث رقم ( 141 ) ، وأورده الديلمي في مسند الفردوس 1 / 210 ، والمناوي في فيض القدير 4 / 326 ، وأورده صاحب كشف الظنون 1 / 49 .“ 98 “أحبه . فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ) “ 1 “ الحديث .وفي حديث أبي سعيد : ( القلوب أوعية : قلب أجرد فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن ) “ 2 “ .وأمّا الآثار :فقد قال " علي “ 3 “ " ( رضي اللّه عنه ) ، وضرب بيده على صدره : ( إن هنا لعلوما جمة ، لو.........................................................................( 1 ) حديث : ( لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه . . . ) سأنقل هنا رواية الإمام البخاري وهي : حدثني محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد اللّه بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم إن اللّه قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته . انظر : صحيح البخاري 5 / 2384 الحديث رقم ( 6137 ) وانظر : صحيح ابن حبان 2 / 58 ، والبيهقي في السنن الكبرى 3 / 346 ، والطبراني في معجمه الكبير 8 / 206 ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول : 2 / 232 وتحفة الأحوذي : 8 / 483 .( 2 ) حديث : ( القلوب أوعية : قلب أجرد . . ) سأورد هنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده تحت رقم ( 10750 ) يقول : حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية يعني شيبان ، عن ليث ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) :( القلوب أربعة : قلب أجرد ، فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح . فأما القلب الأجرد : فقلب المؤمن سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف : فقلب الكافر . وأما القلب المنكوس : فقلب المنافق عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم ، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه ) .( 3 ) ( علي بن أبي طالب ) بن عبد المطلب بن هاشم القرشي ، أبو الحسن ، أمير المؤمنين ، ورابع الخلفاء الراشدين ، وابن عم النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) وصهره وأول الناس إسلاما بعد خديجة ولد بمكة سنة 13 ق ه - وبويع بالخلافة بعد عثمان بن عفان سنة 35 ه - طالب بعض الصحابة بالقبض على قتلة عثمان بن عفان فحدثت الفتنة فكانت وقعة الجمل سنة 36 ه - ، وصفين سنة 37 ه - بين على ومعاوية ثم قتله عبد الرحمن بن ملجم غيلة في مؤامرة رمضان المشهورة وما بين تاريخ الميلاد والوفاة أسرار عظيمة ، روح عالية كان لها عظيم الأثر ، قال عنه النبي ( صلى “ 99 “وجدت لها حملة ) “ 1 “ .وقال " ابن عباس “ 2 “ " في قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ( 12 ) "3" (لو ذكرت تفسيره لرجمتموني) “4 “وفي رواية : لقلتم إني كافر .......................................................- اللّه عنه ) " أنا مدينة العلم وعلىّ بابها " كرم اللّه وجهه . انظر ترجمته في : ابن قنفد القسنطينى :كتاب الوفيات ص 28 . المحب الطبري : الرياض النضرة ج - 4 ، العقاد : عبقرية الإمام على عبد الفتاح عبد المقصود : ( الإمام على ) .أحمد زكى صفوت : ترجمة الإمام على . . ومصادر كثيرة جدا .( 1 ) أورده القنوجي في كتاب " أبجد العلوم " بلفظه : أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه ولا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله كما قيل كلموا الناس على قدر عقولهم وأشار علي ( عليه السلام ) إلى صدره : ( إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة ) انظر : 1 / 129 .( 2 ) ( ابن عباس ) هو عبد اللّه بن عباس ن عبد المطلب القرشي الهاشمي الحبر البحر ابن عم سيدنا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) أبو الخلفاء العباسيين ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ونشأ في بدء عصر النبوة فصحب النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) وروى عنه الأحاديث الصحيحة فله في الصحيحين فقط ( 1660 ) حديثا . دعا له سيدنا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل . ) كان ( رضي اللّه عنه ) يقول : ( أعول أهل بيت من المسلمين شهرا أحب إلي من حجة بعد حجة ) مات ( رضي اللّه عنه ) بعد أن كف بصره بالطائف سنة 68 ه - . انظر ترجمته : في ابن قنفد القسنطينى : كتاب الوفيات 76 ، أبو نعيم : حلية الأولياء : 1 / 314 ، ابن العماد : شذرات الذهب : 1 / 75 ، المناوي : الكواكب الدرية : 1 / 124 ، ابن حجر : الإصابة : الترجمة رقم ( 4772 ) الدياربكري : تاريخ الخميس 1 / 167 ، ابن الجوزي : صفة الصفوة : 1 / 314 .( 3 ) الآية رقم ( 12 ) من سورة الطلاق .( 4 ) حديث : ( لو ذكرت تفسيره لرجمتموني . . ) أورده السيوطي في كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور وفيه أيضا : أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن الضريس ، من طريق مجاهد عن ابن عباس قال لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم ، وكفركم بتكذيبكم بها . وفي رواية أيضا : قال للرجل : ما يؤمنك إن أخبرتك بها فتكفر . “ 100 “وقال علي ( رضي اللّه عنه ) : ( لو أذن لي أن أتكلم في الألف من الحمد للّه ، لتكلمت فيه سبعين وقرا ) “ 1 “ .إلى أمثال هذا مما لا يحصى كثرة .وهذه هي العلوم التي اختص اللّه بها بعض عباده ونهى عن كشفها لغير أهلها في الكتاب والسنة . وفقك اللّه وسددك .شروط الحصول على هذه العلوم “ * “وسبيل حصول هذه العلوم المذكورة في قلوب أهل الحقائق له شروط جمة ، لا يفي بها إلا أهل العناية والتوفيق ، والسالكين سواء الطريق .فنقول : إن القلب على خلاف بين أهل الحقائق والمكاشفات ، كالمرآة المستديرة . لها ستة أوجه - وقال بعضهم ثمانية . هذا محل خلاف ، ولولا التطويل وخروجنا عما قصدناه من الاختصار ، لأزلنا الخلاف ، وبينا وجه الجمع بين هذين المقامين بأدلة قاطعة . لكنا تممنا هذا المقصد في كتابنا المترجم : ب - " جلاء القلوب “ 2 “ " . ولا يلتفت إلى من زاد لها وجها تاسعا ، لأن الحكمة الإلهية منعت من ذلك - ولا في الإمكان أن يوجد لها من الوجوه ما لا يتناهى ، إذ صفات الجلال لا تحصى .ولعلك تقول : أستشعر من هذا القول الذي ذكرته مناقضة الإمام أبي حامد “ 3 “ حيث قال : ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ...........................................................................................( 1 ) قول الإمام " علي " : ( لو أذن لي أن أتكلم في الألف من الحمد للّه ، لتكلمت فيه سبعين وقرا ) .( * ) العنوان من المحقق .( 2 ) كتاب : ( جلاء القلوب ) : هذا الكتاب لم يكتمل تأليفه كما قال سيدي محيي الدين ابن العربي انظر : الرسالة الأولى من المجلد الأول لرسائل ابن العربي طبعة مؤسسة الانتشار العربي .( 3 ) ( أبو حامد الغزالي ) هو : محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي ، المعروف بالغزالي زين الدين ، حجة الإسلام ، أبو حامد حكيم ، متكلم فقيه ، أصولي ، صوفي ، مشارك في أنواع من العلوم . ولد بالطابران إحدى قصبتي طوس بخراسان ، وطلب الفقه لتحصيل القوت ، ثم ارتحل إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرجان ، ثم إلى إمام الحرمين أبي المعالي الجويني بنيسابور ، فاشتغل عليه ولازمه . وحضر مجلس نظام الملك ، فأقبل عليه نظام الملك ، فعظمت منزلة الغزالي ، “ 101 “نعم ! يشعر ذلك عند من يقصر إدراكه عن الاطلاع إلى هذه العلوم السماوية .وأما عند من فحص عن كلامنا ، وبحث عن حقيقة ما أشرنا إليه يرى أن لا مناقضة بينهما . وقد أشبعنا القول بالأدلة الواضحة في شرح كلام الإمام أبي حامد ( رضي اللّه عنه ) ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم في كتاب ( الجمع والتفصيل في معاني التنزيل ) “ 1 “ لما تكلمنا على قوله تعالى :وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً “ 2 “ثم نقول : قد جعل اللّه في مقابلة كل وجه من وجوه القلب حضرة تقابلها من أمهات الحضرات الإلهية تقابله . فمتى جلي وجه من هذه الوجوه تجلت تلك الحضرة فيه . فإذا أراد سبحانه وتعالى أن يمنح عبده من هذه العلوم شيئا ، تولى سبحانه بتوفيقه- وندب للتدريس بنظامية بغداد ، ثم أقبل على العبادة والسياحة ، فخرج إلى الحجاز فحج ، ورجع إلى دمشق فاستوطنها عشر سنين ، ثم سار إلى القدس والإسكندرية ، ثم عاد إلى وطنه بطوس ، ثم إن الوزير فخر الدين ابن نظام الملك طلبه إلى نظامية نيسابور فأجاب إلى ذلك ، ثم عاد إلى وطنه ، وابتنى إلى جواره خانقاه للصوفية ومدرسة . توفي رحمه اللّه سنة 505 ه –............................................................................................ .ابن الأثير : اللباب 2 : 170 ، ابن العماد شذرات الذهب 4 : 10 - 13 ، ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة 5 : 203 ، اليافعي : مرآة الجنان 3 : 177 - 192 ، مختصر دول الإسلام 2 : 23 ، 24 ، ابن هداية : طبقات الشافعية 69 - 71 ، أبو الفداء : المختصر في أخبار البشر 2 : 237 ، ابن كثير : البداية والنهاية 12 : 173 ، 174 ، مجير الدين الحنبلي : الأنس الجليل 1 : 265 ، طاش كبري : مفتاح السعادة 2 : 51 ، 191 - 210 ، حاجي خليفة : كشف الظنون 12 ، 23 ، 24 ، 36 ، وكثير غيرها . وانظر هدية العارفين 2 / 79 - 81 .انظر ترجمة وافية له في الذهبي : سير أعلام النبلاء 19 / 322 .( 1 ) قال ابن العربي في الرسالة التي أرسلها إلى بهاء الدين غازي الملك المظفر سنة 632 ه - : ولقد وقفنا عند سورة الكهف ولم نتمه حتى الآن ولكنه قال فيه إنه فسّر الآية من ثلاثة أوجه : وجه الجمال ، ووجه الجلال ، ووجه الكمال وأنه سار هكذا مع كل آية . انظر المجلد الأول من رسائل ابن العربي .بتحقيقنا طبع مؤسسة الانتشار العربي . وانظر أيضا الكتاب الهام عن مؤلفات ابن العربي للدكتور عثمان يحيى ففيه عن المؤلفات الكثير والكثير ترجمة الدكتور احمد الطيب .( 2 ) الآية رقم ( 30 ) من سورة البقرة . “ 102 “مرآة قلبه ، فيطهّرها بعين اللطف والتوفيق ، وأمدها ببحر التأييد . فاهتدى ذلك الموفق للرياضات والمجاهدات ، ووجد الإرادة والمحبة من قلبه ، فبادرت الجوارح بالطاعة للقلب ، إذ هو مالكها وسيدها . فاستعمل الأذكار “ 1 “ ، وعلق الهمة ، وتخلق بأخلاق اللّه ، وغسل قلبه بماء المراقبة حتى يتخلى عن القلب صدأ الأغيار ، وتتجلى فيه حظائر الأسرار .الوجه الأول : ينظر إلى حضرة الأحكام ، وصقالة “ 2 “ ذلك الوجه بالمجاهدات .والوجه الثاني : ينظر إلى حضرة الاختيار والتدبير ، وصقالة ذلك الوجه بالتسليم والتفويضوالوجه الثالث : ينظر إلى حضرة الإبداع ، وصقالة ذلك الوجه بالفكر والاعتبار .والوجه الرابع : ينظر إلى حضرة الخطاب ، وصقالته بخلع الأكوان .والوجه الخامس : ينظر إلى حضرة الحياة ، وصقالته بالتبرؤ ، والفناء .والوجه السادس : وهو الثامن عند من أثبتها ثمانية . ينظر إلى حضرة ما لا يقال ، وصقالته ب - يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ “ 3 “وأما الوجهان اللذان هما محل الخلاف ، فأهل السنة صرفوهما إلى حضرة الأحكام .وغيرهم قال :- إن أحدهما : ينظر إلى حضرة المشاهدة ، وصقالته ببيع النفس . “ 103 “- والآخر : ينظر إلى حضرة السماع وصقالته بالصمت والأدب . وليس ثم وجه تاسع ، ولا كشف لها سبحانه حضرة زائدة على هذه الثمانية . فكانت تجهلها إذ ليس لها وجه تتجلى فيه للحكمة الإلهية التي سبقت بالإرادة القديمة . وهنا موضع نزاع بين الأشعرية “ 1 “ والصوفية “ 2 “ ، دقيق لا يتفطن له إلا صاحب ذوق .....................................................( 1 ) ( الأشعرية ) : نسبة إلى الإمام أبو الحسن الأشعري وهو : أبو الحسن : علي بن إسماعيل بن أبي بشر المتكلم البصري صاحب المصنفات وله بضع وستون سنة أخذ عن زكريا السجي وعلم الجدل والنظر عن أبي علي الجبائي ثم على المعتزلة ذكر ابن حزم أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفا وأنه توفي في هذا العام وقال غيره توفي سنة ثلاثين وقيل بعد الثلاثين وكان قانعا متعففا قاله في العبر قلت ومما بيض به وجوه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج مناظرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مرائي وهي كما قال ابن خلكان سأل أبو الحسن المذكور أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة كان أحدهم مؤمنا برا تقيا والثاني كان كافرا فاسقا شقيا والثالث كان صغيرا فماتوا فكيف حالهم فقال الجبائي أما الزاهد ففي الدرجات وأما الكفار ففي الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة فقال الأشعري إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له فقال الجبائي لا لأنه يقال له أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات فقال الأشعري فإن قال ذلك التقصير ليس مني فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة فقال الجبائي يقول الباري جل وعلا كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقا للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك فقال الأشعري فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلم راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي ولهذه المناظرة دلالة على أن اللّه تعالى خص من شاء برحمته وخص آخر بعذابه وإلى أبي الحسن انتهت رياسة الدنيا في الكلام وكان في ذلك المقدم المقتدى الإمام قاله في كتابه الإبانة في أصول الديانة وهو آخر كتاب صنفه وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند من يطعن عليه . انظر ابن العماد : شذرات الذهب ك 1 / 303 . ( 2 ) ( الصوفية ) : هم قوم اصطفاهم اللّه سبحانه وتعالى بكل صفة جميلة شرعا من الزهد والانقطاع للعبادة وغير ذلك من الأخلاق المحمدية فوصفهم لا يضاهى وفضلهم لا يتناهى . أمّا الصوفي : فهو من تصفى من الكدر ، وامتلأ من العبر ، واستوى عنده الذهب والمدر . وأول درجات التصوف الإعراض عن الدنيا حلالها وحرامها ، ليندفع عن ذلك سائر الأخلاق الذميمة التي من جملتها الشح ، ويتفرغ للتخلق بالأخلاق الحميدة من التوكل ، والرضا ، والمراقبة ، والمحبة ، والأنس وغير ذلك . انظر : الشيخ محمود خطاب السبكي : أعذب المسالك“ 104 “ ثم لتعلم أن لهذه الحضرات أبوابا في مقابلة ما على وجه المرآة من الصدأ . تسمى أبواب المشيئة ، فعلى قدر ما تكون الصقالة يكون التجلي ، وعلى قدر ما يفتح من الأبواب يكون الكشف . فليس كل مرآة مجلوة يكشف لها ، لكنها معدة لقبول الصور . كذلك ليس كل من سلك هذا الطريق يكشف له . قد يدخر له إلى يوم القيامة أعني قيامته ، كما تدخر المرآة المحسوسة ليوم ما ، أو لأي معنى صقلت ، أو لأي فائدة وجدت . لكن يلوح لها بوارق من المطلوب ، وإن كانت لا تخلى عن صورة لكن الصور التي قصدنا في هذا الباب صور مخصوصة انفردت بها مرآة أهل الحقائق . فإذا رقيت إلى هذه المنازل ، واطلعت على هذه المقامات ، صارت الغيوب مشاهدة في حقك : أعني غيوب ما بطن في ظاهر علوم الدين ، لا في يجيء فلان ، وزنى فلان . فإن تلك مكاشفات السالكين ، وإن تشوش عليك خاطرك ، ولم ترزق الإيمان بهذه المقام ، فقد أجرى اللّه لك في ظاهر الكون مثالا ترتقي به إلى ما ذكرناه ، وهي المرآة المحسوسة تتجلى فيها صور المحسوسات على قدر صقالتها وجلائها . وقد نبه على ذلك سيد البشر ( صلى اللّه عليه وسلم ) حيث قال : ( إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد . قيل : فما جلاؤها ؟ قال : ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ذكر اللّه وتلاوة القرآن ) “ 1 “...........................................................- المحمودية إلى منهج السادة الصوفية ص 48 ، وقد أورد القاشاني في معجمه : إن الصوفي إنما سمي صوفيا لأنه في الصف الأول عند اللّه تعالى . بارتفاع همته ، وإقباله على ربه بقلبه ، ووقوفه بسريرته بين يديه ، وأنه هو الذي اتصف بصفة الصفوة من عباد اللّه تعالى . وبالجملة فهو صاحب الأخلاق الصافية من الأدناس . انظر القاشاني : لطائف الإعلام . معجم المصطلحات والإشارات الصوفية 2 / 70 . ( 1 ) حديث : ( إن القلوب لتصدا كما يصدا الحديد ) . أخبرنا سهل بن أبي بكر الشجاعي ثنا محمد بن الحسين الصوفي ثنا حامد بن محمد الرفاء ثنا محمد بن صالح وعثمان ثنا عبد اللّه بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع عن ابن عمر “ 105 “فقديما نصبت الأمثال أدلة لعلوم ربانية ، فمن وقف مع المثال ضل ، ومن رقي عنه إلى الحقيقة اهتدى . ثم لتعلم أن لهذه الحضرات أسرارا ظاهره وأسرارا باطنة . فالأسرار الظاهرة لأهل الاستدراج ، والباطنة لأهل الحقائق . فليس كل حكيم حكيما . بل الحكيم من حكمته الحكمة ، وقيدته بالوقوف عند فصل الخطاب ، ومنعته أن ينظر إلى سوى خالقه ، ولازم المراقبة على كل أحيانه فليس من نطق بالحكمة ولم تظهر آثارها عليه يسمى حكيما . فالنبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قد قال : ( ربّ حامل فقه ليس بفقيه ) “ 1 “ ، إنما هي أمانة عنده ، يؤديها إلى غيرهكَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً” 2 “ فإذا صدرت منك حكمة ، فانظرها في نفسك فإن كنت قد تحليت بها ، فأنت صاحبها ، وإن رأيت نفسك عارية عنها فأنت لها حامل ومسؤول عنها وتحقيق هذا أن تنظر إلى استقامتك على الطريق.............................................................- قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إن هذه القلوب تصدا كما يصدا الحديد قيل يا رسول اللّه فما جلاؤها قال ذكر الموت وتلاوة القرآن . أورده الشهاب في مسنده 1 / 198 ، 199 الحديث رقم ( 1178 ) و ( 1179 ) . والبيهقي في شعب الإيمان 2 / 353 ، وأبو نعيم : حلية الأولياء : 8 / 197 . ( 1 ) عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه أن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحوا من نصف النهار فقلنا ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه فقمت إليه فسألته فقال أجل سألنا عن أشياء سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : ( نضر اللّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا إخلاص العمل للّه ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم وقال من كان همه الآخرة جمع اللّه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت نيته الدنيا فرق اللّه عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له وسألناه عن الصلاة الوسطى وهي الظهر ) . هذه رواية الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : 5 / 183 الحديث رقم ( 21630 ) الطبراني : المعجم الأوسط 5 / 234 ، ومسند الشهاب 2 / 307 . ( 2 ) الآية رقم ( 5 ) من سورة الجمعة .يتبع
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT