منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:40 pm

المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

“ 66 “
المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب
بسم الله الرحمن الرحيم 
أشهدني الحق بمشهد نور الصمت ، وطلوع نجم السلب . 
فأخرسني ، فما بقي في الكون موضع إلا ارتقم بكلامي ، وما سطر كتاب إلا من مادتي وإلقائي .
ثم قال لي : الصمت حقيقتك .
ثم قال لي : الصمت لا غيرك ، والصمت ليس إليك .
ثم قال لي : إن كان الصامت معبودك لحقت بأصحاب العجل، وانتظمت مع أهل الشمس والقمر ، وإن لم يكن الصامت معبودك ، كنت لي ولم تكن له .
ثم قال لي : على الكلام فطرتك ، وهو حقيقة صمتك . فإذا كنت متكلما فأنت صامت .
ثم قال لي : بك أتكلم ، وبك أعطي ، وبك آخذ ، وبك أبسط ، وبك أقبض ، وبك أرى ، وبك أوجد ، وبك أعلم .
ثم قال لي : لك أتكلم ، ولك أعطي ، ولك آخذ ، ولك أبسط ، ولك أقبض ، ولك أرى ، ولك أوجد ، ولك أعلم .
ثم قال لي : أنت موضع نظري وأنت صفتي ، فلا تتكلم إلّا إذا نظرتك ، وأنا أنظرك دائما . فخاطب الناس على الدوام ، ولا تتكلم .
ثم قال لي : صمتي ظاهر ، وجودك وكونك .
ثم قال لي : لو كنت أنا صامتا لم تكن أنت ، ولو تكلمت أنت ما عرفت أنا .
فتكلم حتى أعرف .
ثم قال لي : الألف صامت ، والحروف ناطقة ، والألف ناطق في الحروف وليست الحروف ناطقة في الألف . والحروف مدبرة عن الألف ، والألف مستصحبة لها ، وهي لا تشعر .

“ 67 “


ثم قال لي : الحروف موسى والألف العصا .
ثم قال لي : في الصمت وجودك ، وفي النطق عدمك .
ثم قال لي : ما صمت من صمت ، وإنما صمت من لم يصمت .
ثم قال لي : تكلمت أو صمت فأنت متكلم . ولو تكلمت أبد الآباد ما دامت الديمومية ، فأنت صامت .
ثم قال لي : إن صمت اهتدى بك كل شيء ، وإن تكلمت ضل بك كل شيء .
فاطلع ، تكشف .


.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:41 pm

المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 216 “
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المشهد الخامس
قال الشيخ “ 1 “ رحمة اللّه عليه :
( ص ) [ قوله : ( أشهدني الحق بمشهد نور صمت ، وطلوع نجم السلب فأخرسني ) ] .
أقول : معناه أيقظ لي الدراكة بزيادة ناظر إلى جهة الباطن ، لأن كل ذي عقل ينطق بالظاهر ، فإنه ينعزل له ضدا ، فهذا الضد هو المعبر عنه بالباطن وفي حال قوله : ( أشهدني ) عرفنا أن مرآة هذا الشهود بوجهين : وجه يشهد به تمييز الظاهر ، والوجه الآخر يشهد به تمييز الباطن ، فالشهود الدائم الذي ينشأ عن الطبع بغير تكرار يكون في مرآة الظاهر ، وهو أحد الوجهين المذكورين فالشهود المكرر ، بقوله : ( أشهدني ) يكون في الوجه المنسوب إلى الباطن وقد تكلمنا على قوله : أشهدني في عدة مواضع وهي أوائل المشاهد التي قد سلف شرحها واستوفيناه هناك غاية الاستيفاء ، ورأينا أنه لا فائدة في التكرار إلا الإبهام فقط ، فألفينا ذكره من هاهنا اعتمادا على ما سبق ، فمن أراد الاطلاع عليه ، فلينظره فيما مرّ من الشرح فيجده إن شاء اللّه تعالى ، ويجد الفرقان هناك أيضا بين الوقفة والشهود والاطلاع ، وكيفية ذلك كله إن شاء اللّه تعالى .
فقوله : ( بمشهد نور الصمت ) يريد به المحل اللائق بالصمت ، وهو محل شهود المحو وقد تميز له هذا الشهود في صورة حضرة ، ولهذا عبر عنه ، وإلا فشهود المحو من حيث حقيقته لا عبارة عنه ، فلما شهده متمايزا دون ذاته وجب أن يعبر عنه ، فعبر عنه بالصمت هو ظهور صفة من صفات المحو على هذه الحضرة وأظهر الصفات عليها هو الصمت ، لأنه قلما يجد الشاهد فيها نفسه إلا عادم السمع أو عادم البصر ، فلما قرنه بالنور عرفنا أنه كان عادم للسماع ولم يعدم البصر لأنه متى عدم البصر كان شهود هذه الحضرة ظلمانيا ، وقد قال : ( بمشهد نور الصمت ) فلما ذكر النور دل على بقاء البصر وعدم
..........................................................................................
( 1 ) الشيخ : هو الإنسان الكامل في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة ، والبالغ إلى حد التكميل فيها لعلمه بآفات النفوس وأمراضها وأدوائها ، ومعرفته بدوائها وقدرته على شفائها والقيام بهداها إن استعدت ، ووفقت لاهتدائها .

“ 217 “


السمع إذ الكلام يكون بين مخاطب مسمع ومخاطب سامع ، وهذه الحضرة بريئة عن هذا كله إذ هي صفة من أوصاف الذات ، فلا يعبّر عنها كما قلنا إلا في حال التمييز ، فإذا تميزت وجب أن تشهد مستنيرة فنورها يباين هذه الأنوار إذ هي بالحقيقة ظلمانية لكن نفس التمايز يفتقر إلى النور ، فنورها يشبه نور القلب ويميز كتمييز المعلومات فيه والغالب عليه الظلمة “ 1 “ لأنها أصل حقيقته ، فالشاهد في هذا النور لا يدرك إدراكا إما واحدا وإما متجزئا ، فبحسب اختلاف المتجزئات وإن كان واحدا ، فإدراك لائق بالأحدية ، ونصيب الشاهد هاهنا من الصفات ، قوله : “ كان اللّه ولا شيء “ والغالب عليه الإدراك الأحدي لكنه لما تميز هذا الشهود بصفة الصمت خرج من صفات الذات إلى صفة الهوية ، لأنه شهد فيه تمييزا والذات لا تتميز والهوية اسم للذات لكن بعد اتصافها بالتمييز فكأنه شهد هاهنا إدراكا لا عيانا .
وقوله : ( وطلوع نجم السلب ) يريد به تمييز نور آخر داخل على هذا النور المختص بالإدراك ، فلما كان في شهود الصمت مشاهدا للنور جرى فيه إلى شهود آخر لائق بالطالع ، فلما كان النور فيه متميزا لا مميزا ووري عنه بالطالع لأنه لا يرد الشاهد عليه في حال جريه من شهود ، إلى شهود ، وإنما يرد هو على الشاهد ليتمكن له الشهود ، ولأجل هذا التمكين مع ثبوت النور المختص بالجري يسمى النور الوارد طالعا لأنه يظهر شبيها بالنجم المائل إلى السعود ، فهو بالحقيقة طالع تمكين لكنه يختلف باختلاف المحال ، فلما كان هذا الشهود مختصا بالصمت عرفنا أن هذا الطالع الممكن لهذا الشهود هو نور مختص بالهوية ، ولهذا قرنه بالسلب لأن الهوية متى ظهرت استهلكت حقيقة الشاهد إلى حيث فناؤه ، ويسمى هذا الفناء سلب التحري مقرونا ببقاء الأحدية ، وهذا الطالع يمكن هذا البقاء ، ويكون نوره في هذا المحل شبيها بنور الكواكب في حال عدم الشمس والقمر ، وهو هذا الشهود المختص بالهوية فقط ، فمتى حصل التمييز في الهوية يجب أن يعبر عنه بالطالع ، وإلا فمن حيث حقيقتها لا طالع لها ولا فيها وتوريته عنه بالطالع السلب ، لأنه قد يشهد فيه فناء جزئيته ، وقد كان مائلا إلى الإطلاق لأنه من يشهد حضرة من حضرات
..........................................................................................
( 1 ) الظلمة : قد تطلق على العلم بالذات الإلهية ، فإن أي علم لا يكشف معها غيرها ، إذ العلم يعطي ظلمة لا يدرك بها شيء كالبصر حين يغشاه نور الشمس عند تعلقه بوسط قرصها الذي هو ينبوعه ، فإنه حالتئذ لا يدرك شيئا من المبصرات .

“ 218 “


الهوية ، والهوية بمجموع حضراتها ، وحينما تكون الهوية بريئة عن الحضرات يكون الشهود مائلا إلى الإطلاق ، فشهوده لطالع السلب قد وقع له في آخر آن التقييد ، فابتدأ في هذا الشهود بصفة من صفات الهوية ، وهو الصمت وجرى إلى حيث قطع مجموع الصفات المذكورة إلى حين ورود الطالع تيقن بالتمكين ، فلما تيقن بالتمكين شهد حضرة السلب مقرونة بطالع التمكين ، وليس لنا تمكين أشد من التمكين الذي يتيقن في ذات اللّه ، وله الاتصاف بمجموع أوصافه ولأجل هذا التمكين في الفناء ، قال : ( أخرسني ) لأن الفناء الحقيقي يستهلك الشاهد والمشهود ولا يعود هناك خطاب ولا سمع ولا نطق ، فالحاصل من هذا الشهود هو أنه قد شهد صفة الحق المختصة بالحقيقة في حضرة من حضرات هويته متمكنة بطالع مختص بها مائلة إلى الإطلاق .
( ص ) [ قوله : ( فما بقي في الكون موضع إلا ارتقم بكلامي ، وما سطر كتاب إلا من مادتي وألقابي “ 1 “ ) ] .
( ش ) أقول : إنه لما تيفن بالاتصاف بمجموع أوصاف اللّه اطلع على صورة الفيض والاستمداد المختصة به والانفعال الذي قد ألجئ أمره إليه في حال كماله ، والظاهر من هذه الحقائق له في هذا الشهود هي صورة الانفعال متمكنة مستندة إلى التكوين وصورة هذا الارتقام هو الانطباع في مرآة الظاهر ، وهي في هذا المحل ترى بوجوه لا تحصر عددا بحسب المجال والإمكان والمقامات ، فكل كلمة في وجه من أوجه هذه المرآة قد سماه رقما وهو صورة نقلة شبيهة بالفيض مسماة بالتكوين ، فأي شيء انتقل من الأولية إلى الظاهر ينطبع في مرآته فإذا اطلع الفاعل عليه اطلاع نظر لا اطلاع علم يوري عنه بالرقم ، لأنه يشهد فعله طبعا ، وهذا الارتقام صورة تكوين لا صورة انفعال ، والفرق بين التكوين والانفعال هو أن التكوين يكون طبعا لا يعمل فيه ولا اختيار يقارنه ، لكنه من حين اتصاف الشاهد بالكمال يعود مكونا طبعا بعلم وغير علم حاضرا وغائبا ، فالعلم للشهادة وغير العلم للغيب ، فكأننا قلنا : إنه يكون غيبا وشهادة ، والصفتان لا يفتقران إلى فعل ، والانفعال قد يصدر بمراد الشاهد ، لأنه انطباع النقلة وهي على قدر ما يصدر من هيئة الإنسان من الميل والانتصاب والوقفة والجري والسجود والركوع ، فكل صورة من هذه
.......................................................................................
( 1 ) هكذا في نسخة من المشاهد وكذلك الشرح ، وفي غير هما ( إلقائي ) وعليه شرح اللفظة ، واللّه أعلم بالصواب .

“ 219 “


الصور تنطبع في مرآة الظاهر تسمى انفعالا لأنه ليس نقلة من الأولية حتى يصدق عليه اسم التكوين ، ولا فعل ظاهر من الغيب إلى الشهادة ، وإنما هو تطور الإنسان في الظاهر من صورة إلى صورة ، فلما كان مختصا بالظاهر ، وليس هو نقلة من الأولية ، وإنما خصصناه باسم الانفعال ، وقد قلنا في كتاب الختم أن النقلة توجب الانفعال ، ولم نقل هي نفس الانفعال ، والحاصل من الفرق هو أن التكوين المسمى بالنقلة يكون طبعا والانفعال يقارنه اختيارا عن غيره إذا صدقت عليه النقلة يشهد الفاعل مرتقما في مرآة الظاهر ، فلما كان هذا الشاهد متيقنا بالاتصاف مسمى بالفاعل قال : ( فما بقي في الكون موضع إلا ارتقم بكلامي ) فقد مثّل الوجود مع كثرته وتعدد صوره واختلاف أنواعه بصورة الكلام ، لأن الكلام يلحظ منه صورة الفيض والوجود عبارة عن قوله : ( وما سطر كتاب إلا من مادتي وألقابي ) يريد به أنه وإن انفردت الأشخاص بتقييد المعاني في الكتب ، فاللّه تعالى هو الفاعل لهذا التقييد ، وهو المفيض على هذه القلوب المتعددة ، والمادة هو علم الذات ويتفرع منه صورة الفيض المختلف باختلاف القلوب ، والإلقاء “ 1 “ اسم من أسماء الفيض .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : الصمت حقيقتك ، ثم قال لي : الصمت لا غيرك والصمت ليس إليك ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب إعلام هذا الشاهد بأصل نشأته وإسنادها إلى الحقيقة ، لأنه في الحقيقة لا خطاب ولا سامع ، وهذا أصل الوجود ، فإذا اتصف الكامل بهذا الوصف تيقن أن حقيقته ذاتية لا خطاب فيها ولا سمع ، لأنه لا تمييز هناك فلا افتقار إلى تعريف لكن اليقين هاهنا ليس هو يقين إدراك ، وإنما هو يقين مشوب بعيان ولهذا عرف به تعريفا ولم يعلمه طبعا ، فلو أنه بريء عن البصر والسمع كان يعلمه طبعا ، فلما افتتح في هذا الشهود بالارتقام مظهر الحقيقة العبارة والنطق نبّه على أصل حقيقته في صورة زجر يلحظ منه أنه لا حقيقة للعبارة المظهر للكثرة التي لا حقيقة لها .
وقوله : ( الصمت حقيقتك ، ثم قال لي : الصمت لا غيرك ، والصمت ليس إليك ) .
أقول : مراده بهذا الخطاب تمكين تعيينه بحقيقته ، فإن الإنسان قد يكون له حقيقة ولا يتيقن بها ، فلما قال له : الصمت حقيقتك عرف أن له حقيقة ولم يتيقن أن حقيقته غير ذاته المخاطبة عبارة عن صمت
.................................................... .
( 1 ) أشرنا آنفا لاختلاف النسخ في هذه اللفظة ، وقد أشار لذلك كاتب الشرح مثل ما ذكرنا .

“ 220 “


قوله : ( والصمت ليس إليك ) يريد به أن حقيقة صورتك المشهودة لك ليس وجودها إليك ، وإنما هي مفتقرة إلى الفاعل وأنا الفاعل ، وأيضا فإنني قد أظهرتك على حقيقتك بعد أن لم تكن متيقنا بها ، فالحاصل من هذا كله : إن الصمت عبارة عن أن لا خطاب ولا سمع ، فكأنه قال له : ليس في ذاتك الأحدية كثرة تفتقر إلى التعريف ، وأنا الفاعل لك بهذه الصفات .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : إذا كان الصامت معبودك ، لحقت بأصحاب العجل وانتظمت مع أهل الشمس والقمر ، وإن لم يكن الصامت معبودك ، كنت لي ولم تكن له ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا التنزل التخويف والرهبة لئلا يتحقق الشاهد أن الحقيقة مبنية على الصمت وهو صفة من صفاتها لأن بقوله : ( الصمت حقيقتك ) الشاهد أن الحقيقة عبارة عن صمت وليس كذلك ، وإنما حقيقة الصمت صفة من الصفات فإذا انتمى الإنسان إلى هذه الصفة كان قد استقل بجانب الوجود ، وقد دخل تحت حوطة الشرك مثل أصحاب العجل والشمس والقمر ، لأن كلا من هؤلاء قد وقف عند جهة من الجهات ، فاعتقد أن اللّه محصور فيها وهو يتعالى عن الحصر والأبنية ، فحذّر هذا الشاهد من الوقوف عند صفة الصمت لئلا يصدق عليه الشرك ، فمراده بالأول أي : قوله إن :
( الصمت حقيقتك ) يريد بها حقيقة المعنى .
وقوله : ( وإن لم يكن الصامت معبودك كنت لي ولم تكن له ) يريد به أنه إن لم يقف الشاهد عند صفة من الصفات كان له مجموع الوجود الذي هو عبارة عن اسم اللّه تعالى لأنه اسم جامع لكل ما ينطلق عليه الوجود ، فإذا استقل الشاهد بجهة بعد عنها هذا الاسم الجامع الناطق بالآنية المفهومة من قوله : ( لي ) .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : على الكلام فطرتك ، وهو حقيقة صمتك ، فإذا كنت متكلما فأنت صامت ) ] .
( ش ) أقول : يريد بهذا التنزل إظهار فضيلة الإنسان بحقيقة النطق ، فإنه بهذه الحقيقة امتاز عما بقي من الوجود ، فلما قال في الخطاب الأول : ( أخرسني ) علم اللّه أن حقيقة الإنسان ممتازة من النطق وهو طبع لا تعمل له فيه لأنه من نفس الفطرة ، فكأنه حصل عند الشاهد تردد في حقيقة النطق عند وجود الخرس ، فخوطب بهذا التنزل سكر اليقين النطق بأنه موجود في نفس الفطرة ، فإنه وإن وجد الإنسان غير ناطق في الظاهر كان عدم

“ 221 “


نطقه لعارض عرض في سبيل النقلة الكمالية المختصة بالإنسان كالخرس الذي عرض لهذا الإنسان الشاهد في حال شهود الصمت ، ( وهو حقيقة صمتك ) يريد به أن الإنسان مختصر الوجود والوجود من حيث هو صامت من أجل أحديته ، لأن الخطاب لا يكون إلا مستصحبا للثنوية ، والوجود قد ثبتت أحديته علما وعيانا ، فإذا كان هذا الشاهد مفطورا على الكلام ، وهو متصف بمجموع الوجود فتكون فطرته الجزئية ناطقة ، وحقيقته الجمعية صامتة .
قوله : ( فإذا كنت متكلما فأنت صامت ) يريد به معنى ما تقدم عليه من الشرح لكنه يفتقر إلى زيادة إيضاح ، فنقول : إنا قد قلنا : إن هذا الشاهد متصف بمجموع الوجود من حين كماله فمن صفاته الإطلاق ومن صفاته التقييد ، فحقيقة التقييد هي الإنسانية الموصوفة بالنطق وحقيقة إطلاقه هي الوجود الموصوف بالصمت ، فإذا نطقت جزئيته الإنسانية كانت جمعيته العامة صامتة ، ولهذا جعل اللسان عضوا صغيرا بالنسبة إلى جسم الإنسان وجعل الإنسان جزءا صغيرا بالنسبة إلى مجموع الوجود ، فالإنسان يستمد من الوجود النطق ويمد به لسانه ، فإذا كان الإنسان ناطقا لم يصدق على جسم الإنسان النطق ، وإذا كان الإنسان ناطقا صدق على مجموع الوجود الصمت لأنه حقيقة صفته .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : بك أتكلم ، وبك أعطي ، وبك آخذ ، وبك أبسط وبك أقبض ، وبك أرى ، وبك أوجد ، وبك أعلم ) ] .
( ش ) أقول : يريد به التنبيه على اختصار الإنسان من الموجود ، فإذا كمل الإنسان كان قد اتصف بالمجموع عموما وخصوصا ، فمادام هذا الكامل موجودا وهو متصف كما قلناه والوجود من حيث هو فان في حقيقة اللّه تعالى ، فيكون في الحقيقة عند عدم دوام هذا الكامل به ينطق وبه يسمع وبه يبصر كما ورد في صحيح الحديث ، وسبيل اللّه إلى الوجود وهو الكامل المذكور .
وقوله : ( وبك أعطي ) يريد بالعطاء هاهنا فيض العبارة من حيث الجزئية ، وفيض التكوين والتصوير من حيث الجمعية ، ففيض العبارة هو أنه بواسطة عبارة العارف الواردة من العلم عرف الجاهلون اللّه ، وبواسطة وجوده الصوري وجد الإنسان كالحال في آدم عليه السلام ، فعبارته يعطي اللّه العلم ، وبوجوده يوجد اللّه المخلوقات ، فهو في الظاهر واسطة بين اللّه وخلقه ، وفي الحقيقة متصف .
وقوله : ( وبك آخذ ) معناه أنه لما أراد اللّه أن يتصف بالتقييد بعد ما كان ولا شيء مطلقا مظهر بالحقيقة الآدمية مقيدة في هذه الصورة ، وهي مختصرة كما قلنا ، فصدق على

“ 222 “


اللّه تعالى صفة التقييد ، فما بقي إلا نقلة الإنسان إلى حضرة ليتسمى اللّه بالأسماء الأربعة ، والنقلة صورة أخذ من اسم إلى اسم ، فلا تصدق هذه النقلة الموري عنها بالأخذ للأسماء الأربعة ، وجود الإنسان الكامل ، وهذا ظاهره .
وأما حقيقته : فإن كل إنسان كامل مأخوذ مستهلك في حقيقة اللّه فلا بد للوجود في كل عصر من واحد كامل لا يخلو منه زمان أبدا ، فكل واحد من الكاملين يؤخذ بواسطة كامل آخر بعده أي : يفنى ويتصف بالأوصاف كلها ، فكأنه قال : بواسطتك آخذ من بعدك مراد للكمال قوله : ( وبك أبسط ) يريد بالبسط هاهنا بسط الإطلاق فإن الإطلاق عبارة عن نفي التقييد والحصر ، فسعة الإطلاق لا يحصرها في حال العبارة إلا البسط ، والمعنى هو السابق بعينه ، فكأنه قال له : بواسطتك أصف الكامل الآتي بعدك بالإطلاق .
قوله : ( وبك أقبض ) معنى القبض هاهنا صورة التقييد عن التصوير فبواسطة صورة آدم ظهرت المقيدات ، وتمكنت في تقييدها الصوري ، وكذلك الحكم في كامل يأتي بعده مع هذا العارف المذكور إلى حيث انقضاء الوجود الظاهر على ما قرره النبي صلى اللّه عليه وسلم قوله :
( وبك أرى ) مثل قوله : ( وبك أتكلم ) فإنه لما وجدت الكثرة افتقرت إلى النطق تعريفا ، وكذلك الرأي فمن حين صدق عليها هذا الاسم شهد بعضها بعضا وشهدها اللّه تعالى .
قوله : ( وبك أوجد ) يريد به أنه بواسطة الكامل يوجد المخلوقات كالحال المذكور في آدم عليه السلام ، وقد قلنا في مكان آخر : إن المخلوقات فروع الكامل في عصره وكلا المعنيين واحد .
قوله : ( وبك أعلم ) يريد به أنه من حين أراد اللّه الاتصاف بالتقييد علم الموجودات ، فكانت الإرادة سابقة على العلم كسبق الإنسان على جميع الموجودات وأعني بالإنسان هاهنا هو خصوص بالاتصاف ، فمن حين أراد اللّه الاختصاص للإنسان بسبق وجوده على باقي المعلومات ، ويريد بالوجود وجود الخصوص لا الوجود الصوري فبهذا الوجود المخصوص علم اللّه باقي الموجودات .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : ولك أتكلم ، ولك أعطي ، ولك آخذ ، ولك أبسط ولك أرى ، ولك أوجد ، ولك أعلم ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب المماثلة بين اللّه والمخلوقات كقوله : إن اللّه خلق آدم على صورته ، فهذه المماثلة تكون لاسم اللّه الذي قد صدق عليه التقييد ، فلهذا عزاه إلى اسم اللّه تعالى ، فإذا صدقت هذه المماثل كان الخطاب للإنسان والقبض عليه وهو العطاء

“ 223 “


المذكور والنقلة له وهي على سبيل إرادة الكمال ، فإنه إذا انتقل الإنسان كملت الأسماء الأربعة وحين النقلة تتسع دائرته المحصور فيها ، فتكون هذه السعة بسطا له وعند وجوده الصوري صدق عليه التقييد الذي عبر عنه بالقبض وكل هذا الصدق في المماثلة ظاهرا وحقيقة ، فالظاهر ما سبق ، والحقيقة هي أن اللّه لما أراد الاتصاف بالتقييد بعد الإطلاق ظهر أولا بالنور واختصر من ذاته صورته المسماة وجعل النور “ 1 “ مرآة فرأى صورته المسماة منطبعة فيها مميزة عن ذاته الظلمانية ، فكانت الصورة المنطبعة هي صورة آدم عليه السلام وهي التي صدق عليها الرأي في قوله : ( لك أرى ) فكل حامل يقوم مقام آدم ، أعني في محله المقابل يكون مرئيا للّه تعالى رؤية خصوص المماثلة ، ولما كانت المعلومات مخاطبة في محلها اللائق بالعلم ، فعند فناء الشاهد يكون أكثر شهوده في محله المذكور ، فعند خروجه من هذا الخلع يكون وجوده وجودا مستأنفا ، وهو معنى قوله : ( ولك أوجد ) وقد جرى من هذا الشهود إلى شهود آخر في هذا الخلع الواحد ، فقيل له في هذا الشهود ( لك أعلم ) يريد به علم الظهور لا العلم المختص بالأولية .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : أنت موضع نظري وأنت صفتي ، فلا تتكلم إلا إذا نظرتك ، وأنا أنظرك دائما ، فخاطب الناس على الدّوام ولا تتكلم ) ] .
( ش ) أقول : يريد به المحل المختص بالإنسان بنظر اللّه إلى الموجودات ، فكأنه قال :
أنت محل نظري إلى مجموع الوجود العارف المختصر من المجموع ، فإذا نظر اللّه إليه كان قد نظر إلى جميع الموجودات .
قوله : ( وأنت صفتي ) يريد به تقييد العارف في الصورة المعهودة ، فإذا كان في التقييد فهو صفة ، وإذا كان في الإطلاق فهو موصوف .
فقوله : ( أنت ) يقتضي الثنوية ، والثنوية تصدق التقييد ، فقد كان هذا الشهود حاصلا له وهو في صفة التقييد وكشفه هاهنا مختص بالظاهر دون الأسماء الثلاثة الباقية ، فقلما يشهد العارف نفسه في هذا الشهود صفة غير موصوف ، لأن الظاهر محل التقييد ، فإذا خلع الإنسان الشاهد خلعا مختصا بالظاهر ، فإنه تحقق فيه التقييد لا غير فهو صفة ما دام في هذا الشهود .
..................................................................
( 1 ) النور : كل وارد يطرد الكون عن القلب ، ولا بد أن يكون عين الحق ينبوعه ، فلا يثبت معه الكون .

“ 224 “


وقوله : ( فلا تتكلم ) فيه إشكال ينزع إلى المغالطة إما من الشاهد وإما من المشهود ، وذلك لأن الصفة محل الكلام لأنها متمكنة في التقييد المضاد للإطلاق البريء عن الخطاب ، فلولا تقييد الصفات لما كان مخاطبا ومخاطبا ، فقوله : أنت صفتي مقتضى الكلام .
وقوله : ( فلا تتكلم ) يوهم التناقض على رأينا ، لكن له وجه خاف إلى الحقيقة يفهم من قوله : ( إلا إذا نظرتك ) ، فكأنه قال له : أنت صفتي فلا تتكلم إلا إذا نظرتك ويريد بالنظر هاهنا نظر الإرادة ، فبالحقيقة لا تتكلم الصفة إلا بمراد الموصوف .
قوله : ( وأنا أنظرك دائما ) يريد بهذا النظر الإدراك ، فمادام اللّه متصفا بهذه الصفة المخاطبة ، فهو مدرك لها ، وهذا كله في صفة التقييد المباين للإطلاق ، وهي صفة تفني الشاهد والمشهود .
قوله : ( فخاطب الناس على الدوام ولا تتكلم ) يريد بالخطاب هاهنا صورة الفيض إما في الحقيقة ، وإما في الظاهر ، فإن كان في الحقيقة فهو صورة ما ذكرنا من مماثلة الكامل للصورة المسماة ، فالصورة تفيض على الكامل مظاهر وصفات ، والكامل يفيضه على الوجود إذ هو سبيل اللّه إليه وموضع نظره كما قال : وإن كان الذي في الظاهر فكامل يفيض العبارة طبعا وتعملا فمن حيث هو ناطق نسميه متعملا ومن حيث هو عالم “ 1 “ فياض نسميه متطبعا إلى يفيض طبعا فهذا الفيض الطبيعي المنسوب إلى العلم لا يفتقر فيه إلى النطق وهو المراد ، بقوله : ( فخاطب الناس ولا تتكلم ) وأما الخطاب المتعمل في اصطلاحنا ، فيفتقر فيه إلى النطق اضطرارا من أجل التقييد الظاهر .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : صمتي ظاهر وجودك وكونك ، ثم قال لي : لو كنت أنا صامتا لم تكن أنت ، ولو تكلمت أنت ما عرفت أنا فتكلم حتى أعرف ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب تمكين فناء الموجودات وعدم النطق إذ النطق مباين للإطلاق ، وبواسطة المقيدات عرف الإطلاق ، فهذا الخطاب المدرك للمقيدات والوجود المقيد ليس له حقيقة ، فعين هذا الخطاب المدرك للمقيدات هو حقيقة فنائها إذا كانت دليلا على الإطلاق المحقق لكمالها ، فالصمت في عين الخطاب والخطاب في عين الصمت ، وهذا مثل قوله : ولو علموا أن في شدة الوضوح لغز الأشياء ورمزها لسلكوه ، فكأنه قال :
...............................................................................
( 1 ) العالم : هو من أطلعه اللّه على ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله لا عن شهود بل عن يقين .

“ 225 “


ظاهر وجودك يبين حقيقة صمتي ، لأن حقيقة هذه الكثرة المقيدة الناطقة والصامتة واحدة بريئة عن النطق ، فمن تحقق هذه الكثرة علم أن خطابها لا حقيقة له وهو عين صمتها ، وقد قيل له في مثل هذا : فإذا كنت متكلما فأنت صامت ، قوله : ( وكونك ) يريد به تمكين الوجود الفاني البريء عن الخطاب في الحقيقة ، فالكون تمكين ظهور الصمت في الحقيقة كما أنه تمكين وجود الخطاب الظاهر للجاهل .
قوله : ( ثم قال لي : لو كنت أنا صامتا لم تكن أنت ، ولو تكلمت أنت ما عرفت فتكلم حتى أعرف ) أقول : مراده بهذا التنزل إثبات الثنوية وارد في صفة التقييد ، لأنه إذا عدم الخطاب انتفت الثنوية لأن ( أنت ) لا تكون إلا بين متخاطبين ، فلو كان المخاطب صامتا لما ثبت للمخاطب خصوص تقييد لأن قوله : ( أنت ) يقتضي الخصوص والخصوص هاهنا تمكين التقييد ، فكأنه قال : لو كنت صامتا لما تمكن لك هذا الخصوص الخطابي ولم تثبت الثنوية فيما بيننا ، وهذا مثل قوله رحمه اللّه في بعض كتبه : فلولاه ولولانا لما كنا ولا كان ، ويريد به لولا صفة التقييد لما تميز الرب من العبد .
قوله : ( ولو تكلمت أنت ما عرفت ) يريد بالمعرفة هاهنا التمييز ، فإن الوجود من حيث هو إذا نطق نطق بلسان واحد ، وهذا النطق يكون عند اختصار الصورة المماثلة فإذا كانت الصورة المختصرة صامتة فيكون المماثل المنطبع متكلما ، وإذا صمت المنطبع المماثل لم تعرف الصورة المختصرة وهي صورة اللّه لأننا قلنا : إن العارف سبيل اللّه إلى الوجود ، وهو موضع نظره كما قال : فإذا صمت العارف لا يعرف أحد الحق تعالى ، ولذلك فقد نبّه هاهنا على النطق الدائم حتى يعرف اللّه تعالى على الدوام ، ويريد بالنطق هاهنا فيض العبارة ، فكأنه قال له : افض العبارة حتى أعرف أنني مفيضها عليك فهذا معنى قوله : ( فتكلم حتى أعرف ) .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : الألف صامت والحروف ناطقة ، والألف ناطق في الحروف ، وليست الحروف ناطقة في الألف ، والحروف مدبرة عن الألف ، والألف مستصحب لها ، وهي لا تشعر ) ] .
( ش ) أقول : معنى هذا التنزل تعريف الإطلاق والتقييد ، فتعريف الإطلاق بالألف لأنه نشأ عن الأحدية ، والأحدية اسم للذات المطلقة البريئة عن الحصر والتقييد وعن النطق أيضا ومضادتها للثنوية ، فلما تسمت بالأحدية كان اسمها أيضا بهذا المثابة فلما نشأ الألف عن هذا الاسم ، وجب أن يكون صامتا لبراءة الاسم والمسمى عن النطق ، وإنما قلنا : إن

“ 226 “


الألف نشأ عن الأحدية لدلالته عليها من وجهين :
الأول : كونه أولا ، والواحد للظاهر بهذه الأشياء كان قبلها .
والثاني : أن حظه من العدد واحد وهذا نصيبه صورة انفعاله ، فإنه إذا شهد أحد نفسه في مرآة لا يريد انطباعه على صورته ، والمرآة تمكن التمييز وتعطي نصيب المتمكنين من الانطباع والظل “ 1 “ ، فظل الألف واحد وهو ناطق وصورته المنطبعة واحدة وهي نصيبه من العدد وليس صمته من أجل الانطباع ولا الظل ، وإنما صمته لكونه ناشئا عن الأحدية بغير واسطة سوى الإرادة ، وقد قررنا في كتاب الختم عند كلامنا على سر الحروف .
وقوله : ( والحروف ناطقة ) يريد به دليلا على التقييد مباينا للإطلاق ، فإن النطق موضوع لحاجة التعريف وافتقار المقيدات ، فمن حين صدق عليها التقييد افتقرت إلى النطق ، وظهر تعالى للمقيدات بصورة جذب وعطاء وقبول ، وقد ضادت الإيجاد بتمكين تقييدها ، فجعل العطاء صورة فيض ، وجعل النقص صورة تلقي ، وجعل السمع صورة قبول انطباع ثابت ، فأفاض الناطق الممتلئ على المفتقر الجاذب صورة لطف ناشئ عن الجمال ومكنه ، فصار شبيها بالمعنى ، فلما حصل في محل السمع صار صورة معلوم ثابت في قابلية السمع ، وليس دالا على معنى ، لكنه مكملا للمفتقر الجاذب أولا ، فلما كمل هذا المفتقر نشأ عن كماله إرادة ، وتمكنت الإرادة وصارت علما ، والعالم به ممتلئ مريد للتكوين ، وليس هو هاهنا مفتقر إلى كماله بالنطق ، فيكون العالم بذلك العلم صورة حرف ، فكأن الحرف مترجما عن معناه أي دالا عليه ، فمن حيث ترجمة الحروف عن معانيها هي ناطقة وصورة نطقها دلالتها ، فلما كانت دالة على معانيها أي مترجمة كان الألف دالا غير مترجم لأنه دال على المعنى الصامت كما ذكرنا .
وقوله : ( والألف ناطق في الحروف ) يريد به الدلالة المذكورة ، فإن كل حرف مميز نطق عليه واحد في الظاهر ، ويقبل هذا قبولا ملائما ، فلما رأيناه قائلا لهذا الاسم عرفنا أن الألف باتحاده بالحروف في الحقيقة دال على معانيها فيها ، ويريد بالألف هاهنا لفظة
....................................................................................
( 1 ) الظل : وجود الراحة خلف الحجاب ، هذا من باب إطلاق الملزوم ، وإرادة اللازم ، فإنه قد أطلق الظل وأراد الراحة التي يجدها المستظل به ، فإذا كانت السبحات الذاتية محترقة ، فالحجاب الذي يمنع سوايتها كظل يعطي الراحة .

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:42 pm

المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 227 “


الواحد ، فإنها نطق على كل مقيد هذا ظاهره وأما حقيقته فإن الألف متحد بالحروف اتحاد مفني كما قررناه أي حرف تمييز أطلق عليه واحد لفظا ، فالأحدية المعرفة للإطلاق وإن كانت مضادة للتقييد ، فإنها متحدة به ، ولهذا أي منهما ظهرت أفنت الأخرى ، ولولا أننا نطلع على جميع المتضادين عيانا وإدراكا واتصافا لما أثبتنا ؛ لأن الإطلاق والتقييد متحدان ، وعرفنا من ذلك أيضا أنه في حال ظهور واحدة منها لا تعدم الأخرى ، وإنما تخفى خفاء في ذات الظاهرة خفاء اتحاد ، فكل منفرد متمايز في الظاهر هو متحد في الحقيقة التي أصلها منشأ الألف ، ففي الظاهر إذا نطقت الحروف كانت بصورة آحادها ناطقة وليست بمعانيها .
قوله : ( وليست الحروف ناطقة في الألف ) يريد به أنه ليس التقييد دالا على الإطلاق ، فإننا لو نشهد فناء المقيدات لما حكمنا لها بالواحد ، فمن حيث تقييدها الظاهر تضاد الإطلاق ، ولهذا كلاهما لا يظهران في الظاهر ، ولا ندركهما ، ونحن في عالم البشرية .
ومن هاهنا قال تعالى : وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [ الشورى : 51 ] ، فإذا قال العارف : رأيت اللّه أو قال لي فلا يظن أن هذا له في حكم البشرية ، فالمقيدات من حيث ظاهرها مضادة للإطلاق الذي هو صفة الحق “ 1 “ فلا تدل على معناه ، وإن نطقت بصورته ، فالنطق في ذواتها لا في ذات الألف إذ ليس في معناه كثرة .
قوله : ( والحروف مدبرة عن الألف ، والألف مستصحب لها وهي لا تشعر ) يريد بهذا التدبير تكوين الصور الحرفية الناشئة عن ذات الألف فنشأ فيض ، كما أن المقيدات صادرة عن الواحد أيضا نشأ فيض ، فهي مدبرة في صورها لا في معانيها ، فإن معانيها من حيث هي كثرة دالة على التقييد ، فلو دلت على معنى الألف كان الحاصل منه إطلاقا ، فتدبيرها عن الألف تدبير انفعال لا نشأة ، فإن الألف كلما ظهر اللّه بمظهر ينطلق عليه حرف كان الألف ناظرا نفسه في مرآة ذلك الحرف ، وهذا النظر يوجب ثبوت الانفعال ، فهذا تدبير ظاهر لا تدبير حقيقة إذ هو صورة انفعال ، وكونه مستصحبا لها هو
..........................................................................................
( 1 ) الحق : ما وجب على العبد من جانب اللّه تعالى ، فيما أمره به ، ونهاه عنه ، وأوجب الحق على نفسه كما قال اللّه تعالى : كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [ الأنعام : 12 ] ، وهي الرحمة المختصة بأهل الإيمان ، فإن حظهم من الوجود ما قيده الاسم الهادي .

“ 228 “


استصحاب صوري لا حقيقي ، ولهذا عند انفرادها يطلق عليها الواحد كما قلنا ، فهو بصورته المراد للتعريف مستصحبا لها لا بمعناه ، وكونها لا تشعر باستصحابه لأجل تمكين التقييد المراد للكمال ، فإن المقيدات لو علمت أن ذواتها واحدة لكان نفس العلم مباينا للتقييد ، ولو أدركت أحدهما إدراكا لكانت متضادة للتقييد حقيقة ، ولم يكن الكمال حاصلا لكون الوجود إطلاقا صرفا لكمال عبارة عن الإطلاق والتقييد متباينا أو متضادا ، ففي آن التضاد إذا ظهر التقييد يجب اضطرارا أن لا تشعر المقيدات بكونها واحدة ولا تدرك أيضا ذلك .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي الحروف موسى ، والألف العصا ، ثم قال لي : ما صمت من صمت ، وإنما صمت من لم يصمت ، ثم قال لي : تكلمت أو صمت ، فأنت متكلم ، ولو تكلمت أبد الآباد ما دامت الديمومية فأنت صامت ) ] .
( ش ) أقول : بتورية الحروف عن موسى النطق وأيضا ، فإن نفس البعثة تمكين التقييد إذ لا يكون مبعوثا إلا مع ثنوية ، وشيمة الرسل إثبات رب وعبد ، وكل هذا من صفة التقييد فالحروف من حيث هي تقييدها لا تدل على الإطلاق بل تضاده ومن حيث هي لا تعلم الإطلاق ، وقد نزل في الكتاب أن الخضر “ 1 “ قال لموسى : وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [ الكهف : 68 ] ، فموسى من حيث الإرسال كان لا يشعر بالإطلاق ، بل بنيت ضده وإن كانت الرسل كلها من حيث الإرسال بهذه المثابة لكن موسى مختص بالعصا دون غيره ، فلهذا ووري عنه بالحروف لأنها ملائمة للألف في التسمية الحرفية فهي مقترنة به اقتران موسى بالعصا ، فليس في الأنبياء من يترجم عنه بهذه الترجمة سوى موسى إذ العصا معجزة وهي مقرونة بالظاهر له صلى اللّه عليه وسلم .
قوله : ( والألف العصا ) معناه دلالتها على الأحدية لأنها صامتة ، وليس توريته عنها بالألف إلا من أجل الصمت ، وهي تورية حقيقية لأنها كانت ذات حياة وهي صامتة كما أن الأحدية التي هي منشأ الألف يعرف بها حي صامت ، فليس لنا من الموجودات الخارقة
..................................................................................
( 1 ) الخضر : كناية عن البسط وإلياس عن القبض ، وأما كون الخضر عليه السلام شخصا إنسانيا باقيا من زمان موسى عليه السلام إلى هذا العهد ، أو روحانيا يتمثل بصورته ، فلم يرشد إليه نقل وغير محقق عقلا ، بل قد يتمثل معناه له بالصفة الغالبة عليه ، ثم يضمحل ، وهو روح أو روح لك أو روح القدس هذا عند العامة ، وأما عند المحققين وجوده ثابت .

“ 229 “


للعادة شيء حي غير ناطق إلا عصا موسى ، فلهذا ووري عن الألف بها .
وقوله : ( ثم قال لي : في الصمت وجودك ، وفي النطق عدمك ) أقول : مراده بهذا الخطاب إظهار وصف الشاهد بالأحدية المذكورة البائنة عن الثنوية ، فإن وجود الشاهد حقيقة يكون في حال ظهور الصمت عليه ، لأنه يكون قد اتصف بالمجموع الذي لا يحصر ولا يطلق عليه التقييد ، ووجود العارف الكامل هو الوجود المجموع ، فلا تظهر حقيقة العارف الوجودية إلا بوجود الصمت ظاهرا عليه تنزلا كالتذكير للشاهد ، فإنه من حين اتصف بالفناء الذي هو المحو كان وقد شهد لنفسه هذا الوجود ، فلا فائدة لهذا التنزل من التحذير عن النسيان .
وأقول : إن العارف لا تطرأ عليه هذه الصفة ، فقد خوطب بهذا الخطاب وهو في خلع مختص بالتقييد والتقييد هناك مباين للإطلاق ، فللنسيان هناك وجه ما ولكل هذه الصفات واردة لأجل إحاطته بالكمال ، فإن اللّه تعالى قد أطلق النسيان على نفسه في كتابه بقوله تعالى نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [ التوبة : 67 ] ، قوله : ( وفي النطق عدمك ) يريد بالنطق صورة افتقار المقيدات فإنها صفة لا تظهر إلا في حال التقييد المباين للإطلاق ، فعدم إطلاقه الكمالي في صورة افتقاره المعرف بالنطق ، فإنه متى نطق الإنسان وهو متيقن بالثنوية كان نطقه افتقارا كما قررناه ، فكأنه قال له : عدم وجودك الناشئ عن الكمال في صورة افتقارك الدال على التقييد البائن عن أحديتك .
قوله : ( ثم قال : ما صمت من صمت ، وإنما صمت من لم يصمت ) أقول : يريد بهذا الخطاب إظهار حقيقة النطق في جميع الموجودات ، فالصامت يظن به أنه ليس محلا للنطق والحركة وليس كذلك ، وإنما سعة العظمة مع كمال الواحد تعالى أوجبت مشهودا صامتا ومشهودا ناطقا ، وهاهنا يحصل للشاهد الحيرة ، فإنه قبل الشهود كان يشهد صمت ما يعهد منه الصمت في الظاهر ، فلما شهد الحيرة سارية في المجموع تيقن أن هذا الصامت بعينه هو الناطق المعهود ، واستدل بقوله تعالى : وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [ النمل : 88 ] ، ومثال هذا الحكم الحقيقة الإنسانية ، فلو فرضنا أن إنسانا متكلما أو إنسانا صامتا كان المتكلم عين الصامت ، لأن الحقيقة الإنسانية في النطق كما هي في الصمت ، فإذا شوهد صامتا وناطقا كان الصامت في الحقيقة ناطقا والناطق صامتا .
فقوله : ( ما صمت من صمت ) يريد به أن المعهود بالصمت ناطق عن الحقيقة لأحدية الحياة في مجموع الوجود .

“ 230 “


وقوله : ( إنما صمت من لم يصمت ) يريد به خصوص الإنسان بالفناء في ذات اللّه تعالى كما اختص بالنطق دون غيره من الموجودات ، فحقيقة الإنسان ناطقة طبعا ، وعند الفناء المذكور في الحقيقة يعود الإنسان صامتا يقطع بعدم الثنوية يقينا ، ويصير في محل لا خطاب فيه ولا سمع ، والمعرفة مختصة بالإنسان ، فكأنه قال : ما صمت المعهود بالنطق الذي يدركه الإنسان عند الفناء في الحقيقة ، وهذا الصمت يكون للإنسان في المرتبة الثانية المعبر عنها بالوقفة وشهود المحو وهو الاتصاف بالأحدية ، فكل إنسان عارف لابد أن يقوم في هذا المقام “ 1 “ ويتصف بهذا الوصف قوله : ( ثم قال لي : تكلمت أو صمت فأنت متكلم ، ولو تكلمت أبد الآباد ما دامت الديمومية ، فأنت صامت ) أقول : يريد بهذا التنزل إظهار معنيين أحدهما : حقيقة النطق في الإنسان ، والثاني : حقيقة الصمت في الإنسان العارف .
فقوله : ( تكلمت أو صمت فأنت متكلم ) ظاهر المعنى لأن الحقيقة الإنسانية عبارة عن الحي الناطق .
وقوله : ( ولو تكلمت أبد الآباد فأنت صامت ) يريد به أن الإنسان العارف الكامل وإن شوهد منه النطق ، فإن نطقه عين صمته ، ويكون نطقه كقول اللّه على لسان عبده :
سمع اللّه لمن حمده ، وهذا مثل ما يشاهد في التقييد وحقيقته مطلقة ، وقد قلنا : إن تقييده بمعنى النزول في الثلث الآخر من الليل ، والحقيقة الإلهية “ 2 “ من حيث هي لا تطرأ عليها
...........................................................................
( 1 ) المقام : عبارة عن استيفاء حقوق المراسم الشرعية مما تعين عليه بأمر الشارع من المعاملات ، وصنوف العبادات على التمام والكمال ، بحيث لا يفوته شرط من شروطها ولا لازم من لوازمها .
والمقامات على أقسام :
منها : ما يثبت شروطها ، ويزول بزوالها ، كالورع مثلا ، فإنه في المحظورات والمتشابهات ، فحيث فقدت فقد الورع ، وكذلك التجريد ، وإنما يكون بقطع الأسباب مهما فقدت التجريد ، ومنها : ما يثبت إلى الموت ثم يزول ، كالتوبة ، والتكاليف المشروعة ، ومنها : ما يثبت مع الداخل فيها إلى الأبد . كالأنس ، والبسط ، والظهور بصفات الجمال .
( 2 ) ويقال أيضا الألية : كل اسم إلهي مضاف إلى ملك أو روحاني ، فالملك كجبريل ، وميكائيل عليهما السلام ، فإن الجبر ، والميكا من أسماء الملائكة ، وقد أضيف إلى إيل ، وهو بالسريانية والعبرية ، بمعنى اللّه ، ولذلك قام مقام البسملة في التوراة قوله تعالى : “ إي أجون شداي “ ، والروحاني مثل الجن ، فإن أسماءهم أيضا تضاف إلى إيل ، إن كانوا من أهل النور ، ويضافوا إلى

“ 231 “


الحركة آخذة إلى التقييد وحقيقته لا تحصر ، وإنما النزول مختص بحقيقة التقييد ، ولهذا كان مقيدا بسماء الدنيا ، وهي قلب السماوات على ما تشهده ، فلو تقيد العارف ما دام حيا ظاهرا كانت حقيقة تقييده عين إطلاقه ، ولو تكلم أيضا كانت حقيقة كلامه عين صمته ، وكان الكلام منه معهودا كالمماثلة فيه ، وهو مختص بالفناء دون بني جنسه ، فمن حين صدق عليه هذا الفناء عاد إذا صحت كان قد ظهر بحقيقة الإطلاق ، وإذا تكلم كان قد ظهر بصفة التقييد والأصل في الحقيقة هو الإطلاق ، والديمومة هي زمان هذا الإطلاق المختص بحقيقة اللّه ، والأبد عدم انقضائه فمن اتصف بهذه الحقيقة المطلقة يعود صامتا لفنائه فيها ، والأصل لها هو الصمت فإن تكلم كان الكلام عارضا عليه كما يطرأ عليه التقييد ، وهذا العارض ضروري لازم عن الكمال .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : إن صمت اهتدى بك كل شيء ، وإن تكلّمت ضل بك كل شيء ، فاطلع تكشف ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب تنبيه هذا العارف عن حقيقته الكاملة الفانية لأنه قد كان في هذا المحل في وصفه التقييد وهي مباينة لصفة الإطلاق ، ومتى انفرد العارف في بعض شهوده بصفة من الصفات نبهه المشهود على الصفة الخافية لئلا يحصل له عارض نسيان لاعتقاده أن الصفة الثانية معدومة هاهنا ، وقد كان تنبيهه على سبيل الزجر مائلا إلى الجهة الفانية المقصودة ، فكأنه قال له : ( إن صمت ) أي : إن أطلقت بعد هذا التقييد ( اهتدى بك كل شيء ) أي فني في ذاتك الباقية الموصوفة بالإطلاق ، ( وإن تكلمت ) أي إن عدت إلى التقييد ، ( ضل بك كل شيء ) يعنى يميز عنك ، وعادت الموجودات شاهدة للقرب متيقنة للبعد ، وهذا عين الضلال إذ الحقيقة لا قرب فيها ولا بعد وخروجه من صفة إلى صفة وعوده إليها هو من شروط كماله لأن الوجود الحقيقي يتقيد أنا وينطلق أنا ، والعارف قد اتصف بالمجموع ، فإن إطلاقه يتحد بالأشياء ويظهر عليها حقيقة الفناء في ذاته ، فيتصف بالبقاء الخالص ، وهذه حقيقة الهداية وآن تقييده يتميز عن الموجودات ، ويعود شاهدا ومشهودا وكثيرا ومتمايزا ، ثم يطرأ النقص عن المقيدات والنقلة وتقتضي
الشين إن كانوا من المردة كقوش قليوش ، وإن كان الروحاني إنسانا تروحن ، وبلغ في التقديس حد الحق له التسمية ، سمي بمثل هذه الأسماء كهابيل ، وإسماعيل .

“ 232 “


الزمان وهذه حقيقة الضلال .
وقوله : ( فاطلع تكشف ) يوهم أن هاهنا سرا غامضا خافيا عن العارف ، وليس كذلك ، وإنما مراده بهذا القول تحريض له يميل به إلى الجهة المقصودة بالهداية ، وهي جهة الإطلاق لأنه إذا حصل في هذا الإطلاق المذكور ، لم ينبه هذا التنبيه فلا يطرأ عليه التحريض لأجل الاستعجال لأنه ليس في هذه الجهة ثنوية حتى يكون منبه ومتنبه فلا يحصل هذه التنبيه إلا في جهة التقييد .
* * *
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشهد الحادي عشر مشهد نور الألوهية بطلوع نجم “ لا “ .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثاني مشهد نور الأخذ بطلوع نجم الإقرار .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: