منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:57 pm

المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم
بسم الله الرحمن الرحيم
مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم
أشهدني الحق بمشهد الحيرة ، وطلوع نجم العدم
وقال لي : ارجع .
فلم أجد أين .
فقال لي : أقبل .
فلم أجد أين .
فقال لي : قف .
فلم أجد أين .
قال لي : ولا تخلو .
فحيرني .
ثم قال لي : أنت أنت ، وأنا أنا .
ثم قال لي : أنت أنا ، وأنا أنت .
ثم قال لي : لا أنت أنا ، وأنا أنت .
ثم قال لي : لا أنا أنت ، وأنت أنا .
ثم قال لي : لا أنت أنت ، ولا أنت غيرك .
ثم قال لي : الإنية متحدة ، والهوية متعددة .
ثم قال لي : أنت في الهوية ، وأنا في الإنية .
ثم قال لي : شهود الحيرة حيرة .
ثم قال لي : الحيرة مع الغيرة .
ثم قال لي : الحيرة مع الغيرة .
ثم قال لي : الحيرة حقيقة الحقيقة .
ثم قال لي : من لم يقف في الحيرة لم يعرفني ، ومن عرفني لم يدرك الحيرة .

“ 83 “
 
ثم قال لي : في الحيرة تاه الواقفون ، وفيها تحقق الوارثون ، وإليها عمل السالكون ، وعليها اعتكف العابدون ، وبها نطق الصديقون . 
وهي مبعث المرسلين ، ومرتقى همم النبيين . فلقد أفلح من حار . 
فمن حار وحد ، ومن وحد وجد ، ومن وجد فني ، ومن فني بقي ، ومن بقي عبد ، ومن عبد جازى ، ومن جازى فهو الأعلى . 
وأفضل المجازاة الإنية ، وفيها الحيرة . 
ثم قال لي : ليس الحيرة حيرة ، وإنما هي غيرة مني عليك . فغر عليّ ، واسترني واحجبني ، ولا تظهر في الوجود غيري . 
ثم قال لي : أوقفهم في الحيرة ولا تدل عليّ أحد ، أو وصّلهم إليّ وعرفهم بي ، ولا تعرفهم بمكاني ، وعرفهم بمكاني ولا تعرفهم بي . 
فإذا لازموا مكاني يجدوني ، وإذا وجدوني لم يروا شيئا . 
وإذا رأوا شيئا لم يروا مكاني . 
وإذا لم يروا مكاني ، فأحرى أن يروني . 
ثم قال لي : هذا ثوبي . سر به إليهم ، فمن لبسه فهو مني وأنا منه ، ومن لم يلبسه فليس مني ولست منه . 
ثم قال لي : ارم به في النار ، فإن احترق فهو ثوبي ، وإن سلم فليس ثوبي . 
ثم قال لي : إن احترق فليس ثوبي ، وإن سلم فهو ثوبي . 
ومن لبس ثوبي فليس مني ، ومن تركه فهو مني . 
ثم قال لي : شهد العدم للحيرة .إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا” 1 “ .
................................................................
( 1 ) الآية رقم ( 14 ) من سورة طه ، ونصّها كاملا هو :إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي( 14 ) .
.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:58 pm

المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 341 “
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المشهد العاشر
قال الشيخ رحمة اللّه عليه :
( ص ) [ قوله : ( أشهدني الحق “ 1 “ بمشهد نور الحيرة ، وطلوع نجم العدم ، وقال لي :
ارجع ، فلم أجد أين ، فقيل لي : اقبل ، فلم أجد أين ، فقال لي : قف ، فلم أجد أين ، قال لي : ولا تخلو ، قال : فحيرني ) ] .


( ش ) أقول : مراده بمشهد نور الحيرة شهود للحق في محل يشهد فيه الحيرة ، وهو ضرب من شهود المحو لكن فيه شاهد ومشهود بخلاف شهود المحو ، فإن هناك لا شاهد ولا مشهود ولا نور وهذا المحل فيه نورانية تميز بين الشاهد والمشهود لكنه يشبه المحو في نفي الأبنية والمبدأ والنهاية وشهود الشاهد لكيفية الدخول ، فلما كانت أوصاف هذا الشهود تشبه أوصاف العدم الذي هو المحو جعل طالعه بعينه طالع نجم المحو ، فلما كانت هذه الحيرة تصطحب نورانية متميزة عنها ، وجب فيها شاهد ومشهود ومخاطب ومخاطب ، لأن هذه النورانية بعينها هي المميزة بين الشاهد والمشهود ، وهذا الشهود لا يكون في حضرة من الحضرات الجامعة للوجود ولا في الحدود المميزة لها ولا في الحدود المشتركة بينها لكنه في المحيط من وراء الأولية ، وهو أعني الشاهد ناظر إلى الذات بعين العدم وإلى الحضرات بعين الوجود ، وهذا المحل لا يشهد فيه سوى الحيرة والجمع بين النقيضين ، وهما في محل واحد ولا يجتمعان في شهود واحد ولا تحصل الحيرة عند اجتماع النقيضين ، بل يحصل ضدها وهو استجلاب المعاني والاتصاف بالمعرفة التي تتضمن كل شيء والجري الذي هو ضد وقفة الحيرة وعموم الشهود والاطلاع على مجموع الوجود المتكثر الذي هو واحد ، وهذه كلها أوصاف تضاد الحيرة ، فإنها ليس فيها شاهد ومشهود ، أعني الحيرة وليس فيها محل ولا كثرة ولا عبارة ولا اطلاع ، لكن لأجل حصول الثنوية فيها وجب

“ 342 “


الخطاب ، وإلا فالتحري أن لا يكون فيها خطاب ولا يحصل الخطاب فيها إلا لمن يكون باطنه بريئا عنها ، وهي مصاحبة لظاهره لأجل الكمال الذي هو الاتصاف بكل شيء ظاهرا وباطنا ، وهذا لا يكون إلا للمنفرد في عصره بالمعرفة اتصافا وإحاطة حتى إذا ألقى جسده في المحيط الفاصل بين الوجود المقيد وبين العدم المطلق حصل له هذا الشهود ، فلو لا المحيط الذي هو محل الشاهد في هذا الشهود لكان جمعا بين النقيضين لا شهود حيرة ، لكن المحيط أوجب للواقف فيه شهود الحيرة ، لأنه قد تيقن قبل هذا الشهود أن الأشياء واحدة متكثرة ، ولا انفصال للوحدة عن الكثرة ، فلما وقف في هذا المحيط المذكور شهد الوحدة منفصلة عن الكثرة انفصال صفة من موصوف لا انفصال مباينة وتباعد ، لكنه تمييز صفتين بظهور واحدة منهما على الأخرى ، وقد كانت الظاهرة هي صفة التقييد هاهنا ، ولهذا حصلت الحيرة في هذا الشهود ، فموجبها ظهور مقيد محصور على مطلق لا ينحصر ولا يتجزأ ، فظهور المتجزئ مخفيا للمطلق أوجب الحيرة لهذا الشاهد إذ أصل الأشياء عنده الإطلاق إذ هو صفة للذات التي لا تنحصر ، تعالى اللّه عن ذلك ، وموجب النور في هذا المحل كما قلناه هو إرادة شاهد ومشهود ، لأن هذا المحل لا يسع إلا واحدا ، فيكون الشاهد مستودعا فيه والمشهود محمول على الشاهد أشبه الأشياء باستواء الرب على العبد .


وقوله : ( وطلوع نجم العدم ) الممكن لهذا الشهود ، وهذا الطالع لا يشهد إلا في حال الجري ، وهذا الشاهد قد جرى في محله في هذا الشهود إلى جهة العدم الذي قلناه فيه : إنه يشهد بعين ، ويشهد الوجود بعين أخرى ، ولما كان أصل الأشياء هو العدم ووجب أن يكون الممكن لهذا الشهود طالع يختص بالعدم الذي هو إطلاق الذات الظلمانية ، ولهذا كان الفناء فيها عدما ، فلما جرى من هذا المحيط الذي هو الحد إلى الإطلاق الذي هو العدم وجب أن يشهد هذا الطالع المختص بتمكين فصل العدم من الوجود ليمكن له هذا الشهود ذو الحيرة ، وهذا الطالع يكون أشد ظلمانية من كل الطوالع “ 1 “ المذكورة في هذا الكتاب وغير المذكورة لأنه مشهود في محله الذي هو العدم
..........................................................................................
( 1 ) الطوالع : أنوار التوحيد ، يريد بها الأنوار الشهودية التي تنكشف بها صرافة التوحيد عندما يطلع أهل المعرفة الذين أدركوا الشيء بعينه ، فيطمس سائر صحو المعلومات ، فيثبت كشفا ، ما كان ينفيه عقله المجرد .

“ 343 “


وأصل العدم الظلمة وهو ظلماني ، فوجب أن يكون هذا الطالع يشبه محله صفة ، لأنه ليس لنا شيء يشبه محله سوى هذا الطالع ، لأنه ممكن لشهود محله ، فمحله مفتقر إليه وهو كذلك فيشارك محله صفة لا طبعا وصفة محله الظلمة ، فلما كانت الحيرة تشبه محل الطوالع في الظلمة وعدم الأينية وتباينها بوجود شاهد ومشهود ، وجب أن يكون هذا الطالع ممكنا لشهود الحيرة لأجل المشابهة في الظلمة لا لأجل المباينة بشاهد ومشهود ، فكأنه يقول : أشهدني الحق ذاته في محل شهود الحيرة ، ومكّن لي هذا الشهود طلوع نجم العدم .
قوله : ( وقال لي : ارجع ، فلم أجد أين يريد به ) أقول : يريد به إنه لما كان في حكم هذا الخطاب مستودعا في العدم والعدم بريء عن الأينية والحصر إذ هو حقيقة الذات ، وقيل له : ارجع فما وجد أين ، وكذلك قوله : اقبل ، وقوله : قف لأن هذا المحل مباين للتقييد ، وهذه كلها من أوصاف التقييد حتى الخطاب والشاهد والمشهود ، ولما كان هذا التقييد من صفات هذا العدم الذاتي وجب في هذا الشهود مخاطب ومخاطب وإلّا فلا يسوغ الخطاب .
وقوله : ( وقال لي : لا تخلو فحيرني ) يريد به تجويز الخطاب الحاصل له في هذا الشهود ، فإنه لو لم تكن الأينية جائزة في هذا المحل جوازا معنويا لما أمكن الخطاب في هذا المحل العدمي ، وهذا هو الذي قلناه : إن التقييد من صفات العدم ، فلا بأس أن يظهر المطلق بصفته التي هي التقييد في هذا المحل ، فلمّا ظهرت هذه الصفة لهذا الشاهد في هذا المحل كان من ظهورها شاهد ومشهود ليثبت التقييد ، ويلزم من الشاهد والمشهود وقوع الخطاب ، فلابد عند ظهور العدم بصفته التي هي التقييد من شيء ما ، ولو شاهد بغير مشهود ، فهذا معنى قوله : ( ولا تخلو ) وهذه كلها مما يمكن الحيرة ، ولهذا قال : ( فحيرني ) .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : أنت أنت ، وأنا أنا ، ثم قال لي : أنت أنا ، وأنا أنت ، ثم قال لي : لا أنت أنا ، وأنا أنت ) ] .


( ش ) أقول : مراده الإشارة إلى ما ذكرناه من أنه ليس في هذا المحل سوى شاهد ومشهود وإلا كان هذا الخطاب عاريا عن الفائدة لكنه يبين وجود الاثنينية فقط .
قوله : ( ثم قال لي : أنت أنا وأنا أنت ) أقول : مراده بهذا الخطاب الإشارة إلى أحدية الوجود ، فإن الشاهد والمشهود واحد من حيث عدم الصفات ، واثنان من أجل بقاء الصفات التي تفضى إلى التقييد ، فحقيقة الشاهد والمشهود واحد مطلق ، فإذا أراد الاتصاف بالتقييد بكيفية هذه الحقيقة بكيفية إرادية مائلة إلى الظهور ، فيشهد هذه الحقيقة اثنين ، وهما شاهد ومشهود ، وصورة هذا التكيف هو أن اللّه من حيث حقيقته مطلق ، فإذا

“ 344 “


أراد الاتصاف بالتقييد مال ميلا إراديا فيحصل لذاته الصفات ، فإذا أراد الظهور لهذه الصفات جعل نور ذاته مرآة ، ونظر فيها نفسه فكان المنطبع صورة الشاهد والناظر صورة مشهود ، فهذه الكيفية ظاهرة والأصل واحد ، وفي الحقيقة لا شاهد ولا مشهود ، لكن هذه الكيفية التي تنشأ عن التقييد أوجبت القول بأنت وأنا ، وهو خطاب بين صفة وموصوف ، والحقيقة الأحدية تنافي هذا كله .
فقوله : ( أنت أنا وأنا أنت ) يريد إخفاء ظاهر باطن ، وإظهار باطن حق .
وقوله : ( ثم قال لي : لا أنت أنا وأنا أنت ) أقول : إنه يشير به إلى ما ذكرناه من إظهار الحق وإخفاء الباطن ، فإن الشاهد والمشهود في الآن كامل ، وأحدهما ناقص بالنسبة إلى الآخر ، فإذا ظهرت الحقيقة الواحدة خفي النقص وظهر الكمال الحقيقي ، فيكون المشهود قد ظهر بصفة الأحدية هاهنا ، وخفي النقص في ذات الشاهد ، فاللّه تعالى بريء عن النقائص ، فلا يتصرف أحديته بصورة هذا الشاهد ، لأنها متضمنة لمجموع النقص وهي التي تخاطب بأنت ، لأنها في الحقيقة فانية باطلة الحكم ، ولهذا قال له : ( لا أنت أنا ) معناه إنك ناقص ، وأنا أنت لأنك في الحقيقة كامل ، وكمالك هو كمالي هذا بعينه وهو مفاض عليك وأنت لا تقدر على فيض النقص إلي .
وقوله : ( ثم قال لي : لا أنا أنت ، وأنت أنا ) أقول : مراده به أن العارف ، وإن اتصف بالفناء ، فلا يطلق عليه اسم اللّه ، واللّه مع كونه مطلقا يظهر بصفات يحكم عليه التقييد والشاهد من جملة الصفات ، وقد قال فيما مرّ من المشاهد ( من وجدك وجدني ومن فقدك فقدني ) إشارة إلى معرفة الحق بواسطة صفاته .
فقوله : ( لا أنا أنت ) أي : لا تعرف باسمي وأنت أنا ، أي : أعرف بك لأنك من جملة الصفات في حال التقييد .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : لا أنت أنت ، ولا أنت غيرك ، ثم قال لي : الآنية متحدة والهوية “ 1 “ متعددة ، ثم قال لي : أنت في الهوية وأنا في الآنية ) ] .
( ش ) أقول : إنه أشار إلى حقيقة هذا الشاهد ، وهي البريئة عن التقييد ، فإنها ليس فيها مخاطب ولا مخاطب ، والقول بأنت يقتضي الثنوية المباينة لهذه الحقيقة .
...........................................................................
( 1 ) الهوية : الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق ، ولحوق الواو من الحروف الدورية بهو ، دليل دور الهوية في تجليها أزلا ، وأبدا ، من نفسها على نفسها ، فإن الغيب المطلق من حيث هو غيب لا ينتهي إلى حد ينقلب فيه شهادة قطعا .

“ 345 “


فقوله : ( لا أنت أنت ) أي : ليس في حقيقتك تقييد يقتضي الخطاب ( ولا أنت غيرك ) أي : ليس ذاتك غير حقيقتك .
قوله : ( ثم قال لي : الآنية متحدة والهوية متعددة ) أقول : يريد به إظهار حقيقة الكيفية التي ذكرناها وهي النظر في مرآة الذات ، وأيضا إظهار حقيقة التقييد كله ، فالنظر في المرآة المذكورة يوجب الثنوية التي تقتضي الآنية ، ولما لم يكن لهذه الكيفية حقيقة في الحقيقة كان الناطق بالآنية متحدا بالسامع ، والخطاب بينهما متحد والحقيقة محيطة بهذا الاتحاد إذ يشتمل على الخاص والعام والمختص وغير المختص ، فالمختص هو الناطق بالآنية ، وغير المختص هو السامع ، والخصوص هو اللفظ بها ، وقد قلنا : إن الحقيقة تشتمل على القائل والسامع ، فوجب أن يكونا متحدين ، وأيضا فإن الاتحاد لا يكون إلا بين اثنين ، فإذا صدق الاتحاد أطلق عليهما الواحدية ، وهو بعينه إظهار حقيقة وإخفاء باطل ، فكل شاهد ومشهود متحدان صورة ولفظا إذ هو عبارة عن ظهور واحد لصفاته ، وليس الصفة غير الموصوف في اتصافه بها إلا في اللفظ ، وهو بعينه النطق بالآنية .
وقوله : ( والهوية متعددة ) يشير به إلى عموم التقييد كما قلناه ، فإن الهوية يطلق على المقيد الذي قد ظهر بكل شيء لينطلق عليه الجمعية والعلم بكل شيء ، فيقال هو كل شيء وليس كل شيء هو لأنه في حال الظهور بالأشياء كان هو الظاهر ، فإذا انفردت الأشياء ، وامتازت عنه تكون مفعولة في الظهور ، والفاعل مسمى بالهوية وهو الذي يطلق عليه الكثير لأجل عظمته ، ولا يطلق هذا الاسم على الأشياء من حيث هي مفعولة ، فلمّا كان هو الظاهر بها كانت هويته متكثرة .


قوله : ( ثم قال لي : أنت في الهوية وأنا في الآنية ) أقول : إنه يشير بهذا الخطاب إلى خصوصه بالاعتلاء دون غيره من الموجودات ، فإن الآنية لا فائدة فيها سوى الخصوص ويلزم من هذا الخصوص الاعتلاء ضرورة ، فقوله : أنا في الآنية أي أنا في غاية الخصوص ، وقوله أولا أنت في الهوية ، يشير به إلى بقاء الشاهد بالكثرة اتصاف ، لأن الهوية لا يقال إلا بعد الكثرة والشاهد من حيث هو صفة في الظاهر مقيد يضطر إلى البقاء في الكثرة لأنها تقتضي التقييد .

“ 346 “


( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : شهود الحيرة حيرة ، ثم قال لي : الحيرة مع الغيرة “ 1 “ ، ثم قال لي : من لم يقف في الحيرة لم يعرفني ، ثم قال لي : من عرفني لم يدر الحيرة ) ] .
( ش ) أقول : هذا ظاهر المعنى وهو شهود مخصوص وصورته أن يشهد الإنسان الذات ولا يقدر أن يحكم عليها بوجود ولا بعدم ، لأن الأشياء معدومة فيها ، وقد وجد نفسه موجودا مع حكمه على العدم ، فوجب أن يتحير هناك .


وقوله : ( ثم قال لي : الحيرة مع الغيرة ) أقول : إنه يشير إلى الخطاب السابق ، إذ هو وجود في عدم ، ومنه يحصل للشاهد الحيرة ، ويلزم الحيرة هنا الغيرة لزوما ، لأنه يخاف الشاهد على وجوده الصوري الذي يسمى به شاهدا من العدم ، لأن هذا المحل عدمي ، وإذا عدمت الأشياء فيه ينتفي شاهد ومشهود ، وهذا المحل ينبغي الاطلاع فيه ، والشهود له والقرب منه إذ منه نشأة الاتصاف والعلم والإحاطة به والقدرة والقيومية وما أشبه هذا ، فإذا انتفى الشاهد والمشهود ، فلا يعود للشاهد قدرة على ما ذكرناه اطلاعا ، ولا شهودا ، فهو يغار على وجوده من العدم في هذا المحل ، ليحصل له هذا الشهود المذكور ، وهذه الغيرة مخصوصة بهذا المحل المذكور ، دون غيره من المحال التي تنشأ فيه الحيرة ، فإنه ليس كل حيرة تصطحب الغيرة إلا في هذا المحل لأجل وجود الشاهد الصوري فقط .
قوله : ( ثم قال لي : الحيرة حقيقة الحقيقة ) أقول : يريد بالحيرة شهود الذات بصفة العدم في
........................................................................
( 1 ) الغيرة : غيرة في الحق لتعدي الحدود ، الغيرة تشعر بثبوت الغير ، ومشاهدته ، ومن حيثية الغيرة تظهر الفواحش ، والغيرة إنما تظهر عند رؤية المنكر والفواحش ، والأغيار الثابتة ، فكثرتها إما نسب وأحوال مختلفة معقولة قائمة بعين واحدة لا وجود لها إلا في تلك العين ، وإما آثار استعدادات المظاهر في الظاهر فيها ، فعلى التقديرين لا وجود في الأغيار مع ثبوت حكمها في العين الظاهرة بها .
فخذ من هذا التقريب من أين ثبوت نشأة الفواحش ؟ ولم حرمت ؟ والإنسان مأمور بأن يجعل نفسه وقاية للظاهر فيه ، والعبرة محمودة ومذمومة .
فالمحمودة : هي التي اتصف بها الحق ، والرسل ، وصالحو المؤمنين على أنها مرموزة في الطبع ، فلابد منها .
وغيرة تطلق بإزاء كتمان الأسرار : الأولى غيرة في الحق ، وهذه غيرة على الحق ، وهذه حالة الأولياء الأصفياء الذي يسعون في ستر أحوالهم ومقامهم على الحق ، فلا يتميزون بعادتهم وعبادتهم عن العامة . وهذه غيرة من الحق ، ولهم خلف حجب العوائد الواصلة الدائمة ، وعندية الحق معهم تقتضي أن يكون التمييز بين الظاهر ، والمظاهر أخفى ، فهم عنده كهو عندهم ، فأخفى العين في العين .

“ 347 “


عين الوجود ، فإن حقيقة الذات عدمية بعدم الأشياء ، فإذا تحقق لها هذا العدم اتصفت بالبقاء الحقيقي الذي عرف أوله بالأزل الذي لا ابتداء له وآخره بالأبد الذي لا نهاية له ، فكل هذه أوصاف استمدها من الذات في حال عدمها فيها ، فهذه الحيرة تنشأ من شهود الذات المفنية للأشياء ، وهي التي ينشأ عنها العلم والاتصاف به والإحاطة على المعلومات فيه ، وهي المحققة أعني الذات عند كمال العارفين ، وتحقيق أحديتها هي الحقيقة وشهود هذه الحقيقة الذاتية هي الحيرة المذكورة ، لكنها تعرف بالحيرة باعتبار ، وتعرف بالحقيقة باعتبار ، أمّا معرفتها بالحيرة ، فعند وجود شاهد فيها عند ظهورها بالعدم في عين الوجود ، وأما معرفتها باعتبار الحقيقة ، فهو أن يتصف الشاهد بها ويتيقن أنها واحد صمداني لا خلاء فيه حق بريء عن الباطل ، فكلا المعرفتين واحد لكن يختلف الاعتبار بتكرار الشهود ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ رب زدني فيك تحيرا “ 1 “ “ ، 
وأما حقيقة الحقيقة فهو تحقيق الأحدية المذكورة بشرط الاتصاف ، فإن الحقيقة هي علم بالذات شهودا واطلاعا من غير اتصاف ، وتحقيق الحقيقة هو الاتصاف المذكور مع بقاء الشهود والاطلاع .


وقوله : ( ثم قال لي : من لم يقف في الحيرة لم يعرفني ) أقول : يريد بهذا الخطاب تأييد ما ذكرناه من أن الحيرة شهود الذات في حال ظهوره بالعدم في عين الوجود ، وهذا لكل كامل قبل أن يجمع له بين النقائض حتى إنه لو شهد المحو ، واستمر عليه وفاته هذا الوقوف لم تصل درجة الكمال ، وهذا لا يكون إلا لمن هو مهيأ للمحو فقط ولهذا يكون متصفا بالمعرفة ، ولا يتيقن أنه عارف ، أما توريته عن هذا الشهود بالوقوف لأنه لا يكون إلا في الحد الفاصل بين العدم والوجود ، وهو الذي نسميه الفاصل بين الإطلاق والتقييد ، لأن التقييد وجود والإطلاق عدم ، فهذا الشهود أعني شهود الحيرة لا يكون إلا عند ولوج الشاهد في الحد المذكور ، فإن مال عنه لا يسمى واقفا في الحد ومن شرط هذا الشهود أن يكون الشاهد له في الحد ليشهد العدم والوجود ، فلهذا عبرّ عنه بالوقفة لأنها مقتضى الحد ، فكأنه قال : من لم يقف في الحد متحيرا لم يعرف ذاتي أي لا يشهدها ولا يحققها ، وليس مراده بهذه الوقفة العامة ، وهي قول بعض الشاهدين أوقفني وقال لي ، وإنما مراده الوقوف في الحد لأنه قرنه بالحيرة ، وهذا خصوص يباين الوقفة العامة لأن من شروطها شاهد ومشهود ومخاطب ومخاطب ، وهذه أوصاف تنافي الوقفة في شهود الحيرة ، فإنه شهود عدم
.......................................................
( 1 ) لم أقف عليه .

“ 348 “


لا خطاب فيه ولا سماع .
قوله : ( ثم قال لي : من عرفني لم يدر ما الحيرة ) أقول : إنه يشير في هذا الخطاب إلى الحاصل الحاضر بعد الكمال ، فإنه يحصل له العلم بكل شيء ، وكل معلوم محاط عليه فهو حاضر ، ومع حضور كل شيء مع الاتصاف بأحدية الأشياء فلا حيرة لأن الحيرة لا تكون إلا في وجود وعدم مجتمعين ، وإما في عدم فقط مع بقاء الإدراك ، وهذا الفاني في حقيقة اللّه وهو العارف به قد انتفى عن معرفته الوجود المتكثر ، وقد حصل له العدم المتحد الذي هو وجود حقيقي وقد صار له العدم وجودا والوجود المعهود عدما ، وهما صفتان كامنتان في ذاته ينظر كل واحدة منهما باعتبار ، فكما لهما باعتبار وعدمهما باعتبار ، فلا يحصل لها الحيرة أبدا .

( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : في الحيرة تاه الواقفون ، وفيها تحقق الوارثون ، وإليها عمل السالكون ، وعليها اعتكف العابدون ، وبها نطق الصديقون ، وهي مبعث المرسلين ، ومرتقى همم النبيين ) ] .

( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب إظهار حقيقة صفة الذات العدمية وهي المحيرة ، إن كان الوقوف عليها في الحد الذي ذكرناه ، وقلنا : إنه الفاصل بين العدم والوجود والأصل في هذا الخطاب كله إظهار حقيقة الذات التي توجب في حال شهودها الحيرة، وهذه الذات هي المطلوبة لهؤلاء المذكورين.

فقوله : ( في الحيرة تاه الواقفون ) يريد بهم هاهنا أرباب شهود المحو ، فإنهم بواسطة الحيرة حصل لهم التيهان لأنهم شهدوا عدما ظلمانيا وتيقنوا بهذا الشهود ورجعوا من خلفهم المخصوص وشهدوا وجودا ، فحصلت لهم الحيرة في وجود هو حقيقة العدم وعدم هو حقيقة الوجود ، ونشأ عن هذه الحيرة التيهان المذكور لهؤلاء الواقفين ، وإنما تسموا بالواقفين لأنهم في حال شهودهم لا يقدرون على الجري إذ لا أين لهذا الشهود وفي حال رجوعهم منه لا يقدرون على العبادة ، وهذا كله مما يقضي التقييد الذي يستحق إطلاق اسم الوقوف ، ووقفة هؤلاء تباين وقفته في الحيرة ، لأنها تقتضي شاهد العدم وقفة هؤلاء التائهين ، ووقفة هؤلاء تقتضي نفي الشاهد والمشهود والخطاب والسماع والنور يقتضي وجود الظلمة “ 1 “ ، وهذه الأوصاف كلها تباين وقفة الحيرة وكلا الوقفتين تباينان وقفة من
.............................................
( 1 ) الظلمة : قد تطلق على العلم بالذات الإلهية .

“ 349 “

قال : أوقفني وقال لي ، ومن شروط هذه الوقفة شاهد ومشهود وخطاب وسماع ونور مميز فليس مراده بالتائهين الواقفين المخاطبين ولا الواقفين في الحيرة وإنما يريد به الواقفين في المحو فقط .
قوله : ( وفيها تحقق الوارثون ) يريد بالوارثين العارفين المحققين آحاد الأعصار وأفراد الأدهار وهم الذين قيل فيهم “ العلماء ورثة الأنبياء “


، فهم يرثون الجري على منهاج التشريع من الرسل بالمماثلة في الخصوص ويرثون الكمال من آدم بالأبوة ، فمن جملة تحقيقهم هذا الإرث ، وهذا أيضا مما ينشأ عن الحيرة ، لأنه لا يكون هذا الإرث إلا بواسطة الاتصاف بأحدية الوجود ، ومتى حصلت الأحدية في غير الكثرة تحققت الحيرة .


قوله : ( وإليها عمل السالكون ) يريد بالسالكين المجتهدين في طلب التحقيق وهم الفاحصون عن أحدية الوجود وحقيقته إلى غير ذلك .


قوله : ( وعليها اعتكف العابدون ) يريد بالعابدين القائمين بتحقيق اسم الذات المعروف بالرب ، فإن العابدين مختصون بالقيام بهذا الاسم والفحص عنه بخلاف السالكين ، فإنهم يطلبون ذاتا حقيقية عامة لا اسما مخصوصا ، والعابدون يطلبون هذه الحقيقة بواسطة الاسم الرب .
قوله : ( وبها نطق الصديقون ) يريد بالصديقين المسلمين إلى آحاد مخصوصة بالإرسال ، فإن المنطق المخصوص بالتسليم ضرب من الألوهية إذ الألوهية اسم ينشأ عن التسليم ، وقد جاءت بمعنى الحيرة ، فمراده هذا المعنى والتسليم الذي ينشأ عنه وهو المخصوص بنطق الصديقين ، لأنه نطق مخصوص مقترن بالتسليم ، والحيرة في الألوهية مقترنة بالتسليم أيضا ، فنطق الصديقين المخصوص من الحيرة المخصوصة بالألوهية والاشتراك بينهما في التسليم وهو الذي ينشأ منه معنى الألوهية عندنا .
وقوله : ( وهي مبعث المرسلين ) يريد به أن بعثة المرسلين من اسمه الرب وهي أحد أسماء هذه المحيّرة فكل من قام باسم وظهر منه تحقيقه أو تحقق به فلابد أن يكون فيه صفة من الحيرة خافية لأن المقصد من الأسماء تحقيق مسمّاها أو معرفته والمسمى هو عين الحيرة .
فإنه ، أي علم ، لا يكشف معها غيرها ، إذ العلم يعطي ظلمة لا يدرك بها شيء كالبصر حين يغشاه نور الشمس عند تعلقه بوسط قرصها الذي هو ينبوعه ، فإنه حالتئذ لا يدرك شيئا من المبصرات .

“ 350 “


وقوله : ( ومرتقى همم النبيين ) يريد بالهمم همم النبيين إلى الإرسال ، وهم مرادون للنبوة فقط ، فلا يحصل لهم من هذه الهمة “ 1 “ سوى الحيرة .
( ص ) [ قوله : ( فلقد أفلح من حار ، فمن حار وحّد ، ومن وحّد وجد ، ومن وجد فني ، ومن فني بقي ، ومن بقي عبد ، ومن عبد جازى ، ومن جازى فهو الأعلى وأفضل المجازاة الآنية ، وفيها الحيرة ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب إظهار حقائق ما يحصل للمتحيرين وهم المنتمون إلى الذات من المحققين وغيرهم ، فالمحققون هم الذين يحصل لهم الحيرة اتصافا وغيرهم يحصل لهم عرضة في معرض الانتماء .
وقوله : ( فلقد أفلح من حار ) يريد به ما ذكرناه من الحاصل للمنتمين إلى الذات المحيرة .
قوله : ( فمن حار وحّد ) يشير به إلى المتصفين بالحيرة ، فإن الحاصل لهم من الحيرة جعل الأشياء واحدة ، وإن كانت متكثرة ، فالحيرة سبب توحيد الكثرة ، لأن التوحيد حاصل بعد الاتصاف بها .
قوله : ( ومن وحّد وجد ) يريد به وجودهم للحقيقة بعد هذا التوحيد ، فإن التوحيد المخصوص بالعارفين هو جعل الأشياء واحدا والتحقيق الذي هو وجود هذا الواحد هو الاتصاف به ، فكأن الوجود هو الاتصاف بمجموع الوجود بشرط الفناء الذي هو وجود النفس فقط .
...............................................................................
( 1 ) الهمة : تطلق بإزاء تجريد القلب بالمنى . ممكنا كان ذلك أو محالا ، وعلى صاحب هذه الهمة أن ينظر فيما يتمناه ، ويحرره ، فإن أعطاه الرجوع عن طلبه بكونه محالا رجع ، وإن أعطاه الغريمة غرم .
وتطلق بإزاء أول صدق المريد : وتسمى هذه الهمة ، همة الإرادة ، وهي همة جمعية وتنحصر النفس عليها فلا يقاومها شيء حتى إنه لو تصور شيئا ، وأراد وقوعه ، لوقع في الحين ، والنفس إذا انحصرت على الجمعية ، وأحيطت فيها بالقوة والملكة انتقلت لها أجرام العالم والأرواح ولا قصاص عليها بشيء ، وليس من شروط هذه الجمعية الإيمان ، ولذلك ظهرت آثارها على بعض كفار الهنود ، ولهم في الكون الأسفل تصرفات عجيبة ، ويزعمون أنهم أهل التروحن والتقديس .
وتطلق بإزاء جمع الهمم بصفاء الإلهام ، وهذه الهمة إنما تسمى بهمة الحقيقة ، وهي همة الكمال من أهل اللّه تعالى ، حيث جمعوا الهمم المتعلقة بأنحاء الكمال على الحق ، واطلعوا بصفاء الإلهام توحيده الذاتي وتوحيده الجمعي الأسمائي من مشاهدة التفصيل في جمعه كما هو .

“ 351 “


وقوله : ( ومن وجد فني ) يريد به الفناء في الذات بعد تحقيق وجود النفس ، فإنه قبل الفناء يحقق أنه موجود ، ولما تحقق له هذا الوجود كان عين التحقيق مصدّقا عليه للفناء لأنه إن لم يتحقق الوجود لا يتحقق الفناء .
وقوله : ( ومن فني بقي ) يريد به أنه من اتصف بأوصاف الذات المفنية له حق له البقاء الحقيقي إذ الدوام للّه تعالى ، وهذا هو الذي يعطي سر الحياة لأن سر الحياة عبارة عن الاتصاف بمجموع أوصاف الذات التي من جملتها الحياة .
وقوله : ( ومن بقي عبد ) يريد به أن من أسماء الذات المعبود فيها يفضي إلى الاتصاف بمجموع أوصافها وأسمائها فيصير فيها بمنزلة الصفة ، ومحال أن يعبد اللّه تعالى إلا بواسطة أسمائه وصفاته ، فإذا صار هذا الفاني صفة ، فقد صار معبودا ويحق عليه جزاء المعبودين العابدين وهذا معنى قوله : ( ومن عبد جازى ) .
قوله : ( ومن جازى فهو الأعلى ) يريد بالعلو اعتلاء الرب على عبده ولا معبود إلا الرب في الحقيقة ، وهو القادر على الجزاء وقدرته تنشأ عن القيومية ، وقيوميته حقيقة استعلائه ، وكل هذه الأوصاف تنشأ عن القدرة على الجزاء والقادر مستعل على المقدور عليه .
قوله : ( وأفضل المجازاة الآنية وفيها الحيرة ) يريد بالآنية المعروفة بخصوص النفس حتى إذا نطق الناطق بها يكون نطقه متمكنا من أجل الخصوص ، وخصوص الآنية لا يكون إلّا للعارف ولهذا لا يلفظ إلا بحق إما ظاهرا وإما باطنا ، لأنه تيقن بالخصوص ، فوجب تمكين لفظه ، لأننا قد قلنا في مفتتح هذا الكتاب إن معنى الآنية خصوص يكون للناطق بها في قوله : ( إني ) والعارف لما تيقن مخصوص نفسه عاد تمكين خصوصه بالمعرفة بلفظ الآنية ، ولا يخلو العارف من الاتصاف بالحيرة لأنها لفظ واقع في الوجود وهو متصف بكل واقع في الوجود لفظا كان أو حقيقة .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال : ليس الحيرة حيرة ، فإنما هي غيرة مني عليك ، فغر عليّ واسترني واحجبني ولا تظهر في الوجود غيري ، ثم قال لي : أوقفهم في الحيرة ، ولا تدل علي أحدا ووصلهم إليّ وعرفهم بي ولا تعرفهم بمكاني وعرفهم بمكاني ولا تعرفهم بي ) ] .
( ش ) أقول : يريد بهذا الخطاب ما يتفرع عن الاتصاف بالحيرة من العارف والإحاطة بالعلوم ، لأننا قلنا : إن شهود هذه الحيرة الذي هو الوقوف يكون للكامل قبل كماله وبعد قطعه للمرتبتين الأولى والثانية ، فيقف في شهود الحيرة قبل قطعه للمرتبة الثالثة التي يقطعها يتصف بالكمال ، فليس يصيب هذه الحيرة اسمها لكن يصيبها ما ينشأ عنها ، وكلما ينشأ عنها للعارف غيرة من اللّه عليه ليخرجه من حال الجهل إلى حال العلم ، قوله ( فغر علىّ ) يريد به وصفه له بغيرته عليه ، فإنه إذا غار اللّه على العبد والعبد فان في حقيقته
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:58 pm

المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 352 “

فيكون غيرة الرب بعينها هي غيرة العبد ، لكن قد يكون في اللّه تعالى ظاهرة وفي العبد خافية ، فعند كمال هذا الفاني يريد اللّه يظهرها عليه .
فقوله له : ( فغر عليّ ) معناه اتصف بغيرتي ، وهذا مما حصل له قبل الكمال .
وقوله : ( واسترني واحجبني ، ولا تظهر في الوجود غيري ) يريد بالستر حجابه عن الجاهل وبالحجاب “ 1 “ عن مطلق الموجودات إلا للشاهد لأنه منفرد بالمعرفة في عصره ، فلا يظهر اللّه بحقيقته لشيء من الموجودات إلا له إذ هو مخلوق على الصورة وهو بينها وبين الخلق ، فهو يشاهد الصورة بحقيقتها والشاهدون في عصره يشهدونها من حيث اسمها ، فكأنه يقول : له استرني عن الجاهل واحجب حقيقتي بصورتك عن الموجودات هذا في الحقيقة ، وأما في الظاهر هو أن اللّه تعالى مستودع في قلبه بدليل الحديث ، فإذا ثبت هذا الحكم كان جثمانه حجابا بين اللّه وخلقه ، وأما قوله : ( ولا تظهر في الوجود غيري ) فهو تأييد ما شرحناه إذا كان اللّه في قلبه ، وهو متصف بمجموع الوجود ظاهر لأوصافه ، فليس في الوجود ظاهر إلا اللّه ، لأن العارف وقلبه وما أودع فيه وجثمانه ظاهر لأوصافه ، وأوصافه عبارة عن المجموع ، فليس في الوجود إلا اللّه ظاهرا وباطنا .
وقوله : ( ثم قال لي : أوقفهم في الحيرة ولا تدل عليّ أحدا وأوصلهم إلي وعرّفهم بي ولا تعرفهم بمكاني ، وعرفهم بمكاني ، ولا تعرفهم بي ) أقول : مراده بهذا الخطاب تأييد ما ذكرناه من التحاق العارف بعد فنائه في الذات الفاعلة بها ، فيصير بمنزلة الفاعل في الموجودات ، فبواسطة فعله يشهد اللّه في عصره للشاهدين المخاطبين المرادين للمحو ، فإذا انتقل لمكانه هيأ عارفا آخر يكون هذا التهيؤ بواسطة المنتقل المتصف بالذات الفاعلة التي توقف الناس في الحيرة ، ولم تدلهم بواسطة ، فما عليها ما داموا فيها لكن عند الرجوع منها يكون الشهود بعينه دليلا على الذات ، وليس مراده بعد الرجوع ، وإنما مراده في حال الوقفة ، فإنها تكون مانعة عن الذات .
وقوله : ( وأوصلهم إلي وعرفهم بي ) يريد به إخباره عن إظهار ما حصل له من التحقيق وتنبيهه للسامعين على حقيقة اللّه المعروفة بأحدية الوجود ، فإن هذه الأحدية هي حقيقة اللّه ويجب على العارف أن ينبه على هذه الحقيقة على سبيل الهداية ، وينشأ عن هذا التنبيه المشوب بالهداية من عدم الخصوص .
......................................................
( 1 ) الحجاب : كل ما ستر مطويك عن عينك ، وذلك منك ، ومن انحصارك في كل ما تراءى لك من عالم النور ، أو الظلمة ، لا من غيرك .

“ 353 “


قوله : ( ولا تعرّفهم بمكاني ) يريد به ستره المستودع في قلبه له ، فإنه إذا أظهر حقيقة هذا المستودع ظهر محله للعامة ، وربما أفضى إلى الحسد والغيرة والإنكار وغير ذلك ويحصل للنفوس النفور من هذه الصورة التي قيل : إن اللّه مستودع في قلبها ، فمنهم النافر لأجل المألوف من الكذب ، وهذا يقع لمن هو في غاية الجهل ، ولم يؤمن بقوله :
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ يوسف : 76 ] ، ومنهم النافر على سبيل الرهبة والخوف “ 1 “ من صورة هذا العارف المعروفة بالمحل ، فالأولى للعارف أن لا يكثر من إظهار هذه الأسرار التي اختصت به دون غيره .
وقوله : ( وعرّفهم بمكاني ولا تعرفهم بي ) يريد به ضد ما ذكرناه ، وإخباره على الإعلان بما استودع في قلبه لكن خوفه هناك عن دوام الإظهار ، وأخبره هاهنا على إظهار ما عنده ولو مرة فهو يناقض ما تقدم في الظاهر ، وربما كانت مراده في الباطن ليجمع له بين النقيضين ليتحقق كماله .
( ص ) [ قوله : ( فإذا لازموا مكاني يجدوني ، وإذا وجدوني لم يروا شيئا ، وإذا رأوا شيئا لم يروا مكاني ، وإذا لم يروا مكاني فأحرى أن يروني ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب التنبيه على مجالسة العارف ، فإذا استمرت هذه المجالسة تحققوا هؤلاء أنهم ، فإنه لا حقيقة له ، وقد انتفت عنه الشيئية لفنائه ، وهذه الحقيقة الصورية للّه تعالى ، وهذا مثل قوله : فيما سبق من المشاهد ( من رآك فقد رآني ) ، فإذا تحقق المجالسون حقيقة هذا العارف كما هي تيقنوا أنها للّه تعالى بغير واسطة صورية ، وعرفوا أن رائي صورته ، مثل
قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ رأيت ربي في أحسن صورة “
فيها يكون النزول في الثلث الآخر من الليل ، واللّه سبحانه قد انتفت عنه الشيئية إذ هي منوطة بالتقييد ، واللّه من حيث حقيقته لا يتقيد ، فكأنه يقول : إذا لازموا مكاني لم يروا شيئا إذ الشيء مقيد .
قوله : ( وإذا رأوا شيئا لم يروا مكاني ) يريد به أن الملازمين متى حكموا على هذا العارف بالشيئية المنوطة بالتقييد انتفى أن يكون محلا للّه تعالى إذ هو بريء عن التقييد ، فلا يحصره مكان مقيد ، والحاصل من هذا الحكم أن الملازمين للعارف المعبرين إليه لا يسوغ لهم أن يطلقوا عليه الشيئية إذ هي مقيدة كما قلناه ، وهذا مطلق من حين فنائه في الذات ، ومثل هذا قيل له فيما سبق من الكتاب ، فأنت لا شيء .
...........................................................................
( 1 ) الخوف : ما يحذر من المكروه في المستأنف أي : المستقبل ، وجاز أن يتعلق بالماضي حيث يتذكر فواته في سيئات أعماله .

“ 354 “


قوله : ( وإذا لم يروا مكاني ، فأحرى أن يروني ) يريد به أنه متى انتفى المكان المنوط بالتقييد ، فأولى أن يظهر اللّه تعالى لأنه لابد للبصر من مستند في حال وجوده ، فإذا لم يشهد البصر شيئا مقيدا ، وحيث أن يشهد البصيرة شيئا مطلقا والبصيرة هي عين القلب ، فإذا لم يشهد الناظر شيئا مقيدا ظاهرا انعكس إلى باطن ، وقام في معونة البصيرة ، فشهدت مطلقا خافيا ، إذ اللّه من حيث حقيقته المطلقة لا يشهد بالعين الظاهرة ، فإن شوهد فيها كان مقيدا ، فإذا انتفت الصورة المقيدة عن العارف في نظر العاكفين عليه انعكست الأبصار على البصائر ، وشوهد إطلاقه الذي هو حقيقته .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : هذا ثوبي سر به إليهم ، فمن لبسه فهو مني وأنا منه ، ومن لم يلبسه ، فليس مني ولست منه ) ] .
( ش ) أقول : يريد بهذا الخطاب التنبيه على أن صورة العارف هي ظاهرا للّه وأمر بإظهارها إلى الظاهرين على سبيل الابتلاء ، فكأنه قال له : ( أنت صورتي فاظهر بها إليهم ) .
وقوله : ( من لبسه فهو مني ) أي : من يقبل صورة هذا العارف فهو للّه واللّه له فهذا الظهور هو حقيقة الاختبار للمتقبلين ، وهذا مثل قوله تعالى : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ هود : 7 ] .
وقوله : ( ومن لم يلبسه فليس مني ولست منه ) ، هذا هو الحاصل من الامتحان والقصد فيه توقيف هذا العارف وأمثاله عن الحقائق الظاهرة كما أوقف على الحقائق الباطنة ويظهر له الإخلاص من الظاهرين كما ظهر له من عالم الباطن ، فالمخلصون هم السابقون المقربون .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : ارم به في النار فإن احترق فهو ثوبي وإن سلم فليس ثوبي ، ثم قال لي : إن احترق فليس ثوبي ، وإن سلم فهو ثوبي ، ثم قال لي : شهد العدم للحيرة أني أنا اللّه لا إله إلا أنا ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب امتحان هذا العارف بإلقاء نفسه الظاهرة في المهالك المؤدية إلى الضرر ، فإن صبر عند هذا الإلقاء ظهر على حقيقة الاتحاد “ 1 “ الذي بينه وبين الصفات المهلكة وعلم أن نفسه تهلك نفسه فهذا يحصل له عند صبره آن الإلقاء ، ويتيقن أن أحديته ظاهرة على وجوده وأسمائه يقوي بعضها على بعض ، فإن هلك ظاهره الذي
.............................................................
( 1 ) الاتحاد : تصيير الذاتين واحدة ، ولا يكون إلا في العدد من الاثنين فصاعدا ، وهو حال لا يعول عليه ، فإنه يشاهد كذلك ، ولا يكون له حقيقة فيزول .

“ 355 “


هو الثوب علم بأحديته أن اسمه المنتقم قد قوي على اسمه الظاهر المقيد وقد أفناه بواسطة الهلاك ، وهذا الخطاب يحصل لكل عارف قبل اتصافه ببقاء البقاء ، فإنه يقوي اسمه المنتقم الذي هو في الوجود حقيقة النار على أسمائه الأخرى المنوطة بالتقييد ، فيجعلها فانية فيكون هذا الفناء الثاني ممكنا للبقاء ، ومن هاهنا يتصف ببقاء البقاء أي : يتمكن البقاء .
قوله : ( وإن سلم فليس ثوبي ) ، يريد به أن العارف إذ لم يقدم على الإلقاء في المهالك قبل هذه الحالة المذكورة ، فيؤخر عنها إلى وقت آخر ، ويكون في حال هذا التأخر ليس متصفا بالأبد ، وهو اسم يختص باللّه حقيقة ، وكأنه في حال هذا التأخر ينقص عنه شيء من الأسماء ، مكمنة فيه وليس ظاهرة له ، واللّه ليس عنه شيء خاف من الأسماء ، فإذا خفي شيء من الأسماء المتأخرة في هذا الآن لم يكن متصفا بكمال الظهور وعدم هذا الكمال عبارة عن بقاء هذا الثوب في النار ووجوده عبارة عن فنائه الموري عنه بالاحتراق ، فكأنه قال له : ( إن فنيت فأنت ظاهري المتصف بالكمال ، وإن بقيت على سبيل التأخر عن ظهور الكمال فلست ظاهري ) .
قوله : ( ثم قال لي : إن احترق فليس ثوبي ، وإن سلم فهو ثوبي ومن لبس ثوبي ، فليس مني ، ومن تركه فهو مني ) أقول : مراده بهذا الخطاب الإشارة إلى اتصاف هذا العارف بالأوصاف التي قلنا : إنها مخبوئة له قبل هذا الخطاب ، فلمّا اتصف بها يعد له ظاهر منفصل عن باطنه ولا صورة مقيدة منفصلة عن حقيقته المطلقة ، وتعود مجموع أسمائه متصفا بالبقاء والثبوت الذي لا اختلال فيه ، ثم يبرأ عن العوارض المهلكة والصفات المفنية ، فلا يعود يطرأ عليه فناء آخر إذ هو فان في الحقيقة والفناء لا يدخل على الفاني ، لكن يعود هذا الفاني مفنيا للأشياء ، وهو باقي ولا يحكم على ظاهره اسمه المنتقم الذي هو حقيقة النار ، فكأنه يقول له : إذا وجدت هذه الصفات فيك بعد تيقنك أنها لي ولاءم ظاهرك الانتقام ، فاعلم أن صفاتك صفاتي وأسماءك أسمائي وتكون قد اتصفت بالبقاء الذي لا يدخل عليه فناء آخر ، ومتى باين مزاجك النقمة مباينة ما ، فاعلم أنه قد تخلف عنك شيء من الصفات خافية كامنة في ذاتك ، فانتظر لها الظهور ، وهذه علامة على اتصاف العارف ببقاء البقاء الذي ذكرناه ، فإن وجد في ذاته شيئا من المباينة ، فتيقن أنه لم يظهر له هذه الأوصاف الصادرة عن البقاء المتمكن ، وليس له شيء أشد قبولا من ظاهره للآفات ، فإن لم يطرأ عليه شيء ، وهو عدم الحريق الذي قاله في حق الثوب ، فيتيقن بالاتصاف الفاني ، وإن ورد عليه شيء من العوارض التي من جملتها حريق الثوب ، فلا يتيقن بالغاية الحقيقية ، ويتوقع إظهار ما كمن في ذاته .
وقوله : ( ومن لبس ثوبي ، فليس مني ومن تركه فهو مني ) يريد به إظهار حقيقة

“ 356 “


التقييد النزرة وتخويف العارف عن الاتصاف بها ظاهرا فإنها صفة يلحظ منها النقص ، وحيث ذكر الثوب هاهنا أشار إلى ظاهر الوجود المقيد فكأنه قال : من اشتمل بظاهر التقييد اشتمال اتصاف ، فليس هو من ذاتي المطلقة ، ولهذا قال : ( ومن تركه فهو مني ) أي :
من خفي ظاهره خفاء عدميا وانتفت عن ظاهره صفات التقييد الذي هو ترك الثوب فهو من ذاتي إذ حقيقتها تنافي هذه الصفات .
قوله : ( ثم قال لي : شهد العدم للحيرة إنني أنا اللّه لا إله إلا أنا ) أقول : مراده بهذا الخطاب حصور الحيرة شاهدة للعدم شهودا عيانيا ، لأننا قلنا في أوائل هذا المشهد : إن الواقف في الحيرة هو في الحد الفاصل بين العدم والوجود ، وينظر إلى العدم باعتبار وإلى الوجود باعتبار ، فمن حيث هو واقف في الحيرة صار متكيفا بها ، ومن حيث هو ناظر إلى العدم ، فإن العدم ينظره بعين الإدراك العام ، فبواسطة هذا النظر يشهد للواقف في الحيرة بها ، ويحصل من بينهما حقيقة التوحيد النسبي الذي ليس هو جعل الوجود ، وإنما هو علمه بأن اللّه واحد من جملة الآحاد ، ومرجع حكم الآحاد إليه وهو معنى الإله عند علماء الظاهر ، وليس هو معنى الإله عندنا في الحقيقة ، فإننا عالمون بباطن ما قاله الرسول صلى اللّه عليه وسلم والظاهرون يعلمون بظاهره ، فالألوهية عندنا هي تسليم حكم الرب على العبد وباطن الحكمين واحد ، ويختلف في الظاهر وكلانا يشترك في أن الإله واحد من الجملة عند الأحكام لأن الأسماء تقيد مسماها ، فمتى أطلقنا عليه اسم الإله كان مقيدا وكل مقيد يشارك في الوجود ، فالشهود للحيرة أوجب هذا التوحيد لأن الحقيقة قيّدت نفسها في حال هذا الشهود قسرا ، وقد قيل : إن التألّه هو الحيرة والإله هو المحيّر وقد أريد لهذا الشاهد الجمع بين أصناف اللغات العربية .
والحاصل من هذا الخطاب أن شهود العدم للحيرة هو جعلها عليها إلها وهذا رأي من قال : إن الإله هو المحير ، وكأنه يقول : شهد العدم للحيرة بتحقيق الإله للمتحير .
* * *
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشهد الحادي عشر مشهد نور الألوهية بطلوع نجم “ لا “ .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد السادس مشهد نور المطلع بطلوع نجم الكشف .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الرابع عشر مشهد نور الحجاج بطلوع نجم العدل .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: