منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 9:04 pm

المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية
بسم الله الرحمن الرحيم
المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية
أشهدني الحق بمشهد نور العمد ، وطلوع نجم الفردانية “ 1 “ .
وقال لي : حجبته عن الرؤية في الفناء ، وأظهرته في البقاء . حجبته فيما ظهر ، وأظهرته فيما غاب وخفي .
ثم قال لي : أظهرتك في الفناء وألقيت الأغطية على الأبصار حتى لا تدركه
ثم قال لي : ضربت القبة ، وأركزت العمد “ 2 “ .
وأوثقت الأوتاد “ 3 “ ، وأبحت الدخول لجميع من في الوجود فيها :
................................................................
( 1 ) ( الفردانية ) : إن أنبياء الأولياء مقامهم من الحضرات الإلهية الفردانية والاسم الإلهي الذي تعبدهم الفرد وهم المسلمون الأفراد فهذا هو مقام نبوة الولاية لا نبوة الشرائع وأما مقام الرسل الذين هم أنبياء فهم الذين لهم خصائص على ما تعبدوا به أتباعهم كسيدنا محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) فيما قيل له :
( خالصة لك من دون المؤمنين ) في النكاح بالهبة . فمن الرسل من لهم خصائص على أمتهم .
ومنهم من لا يختصه اللّه بشيء دون أمته ، وكذلك الأولياء فيهم أنبياء . أي : خصوا بعلم لا يحصل إلا لنبي من العلم الإلهي ويكون حكمهم من اللّه فيما أخبرهم به حكم الملائكة . ولهذا قال في نبي الشرائع ما لم تحط به خبرا أي ما هو ذوقك يا موسى مع كونه كليم اللّه فخرق السفينة وقتل الغلام حكما وأقام الجدار مكارم خلق عن حكم أمر إلهي كخسف البلاد على يدي جبريل ومن كان من الملائكة ولهذا كان الأفراد من البشر بمنزلة المهيمين من الملائكة وأنبياؤهم منهم بمنزلة الرسل من الأنبياء . . انظر : الفتوحات المكية إجابة السؤال التاسع على أسئلة الحكيم الترمذي .
( 2 ) ( العمد ) : هم الأوتاد ، علما بأنه ذكر الأوتاد مرة أخرى ربما لتفصيل وإظهاره .
( 3 ) ( الأوتاد ) هم أربعة رجال من أزلام القطب ، وأركان دولته في ولاية التدبير .
منازلهم على منازل الأربعة أركان من العالم شرق ، وغرب وشمال وجنوب ، وقام كل واحد منهم مقام تلك الجهة . بمعنى : أن يكون كل رجل منهم مورد الفيض الوارد من عندية الحق إلى عندية الغوث اللائق بتلك الجهة ، والوافي لما فيها من أصناف الخلائق ، لا بمعنى أن يكون كل -

“ 89 “
- فمن طائفة حجبوا بذات القبة “ 1 “ ، وحسنها ، وجمالها .
- ومن آخرين حجبوا بالأوتاد فاستمسكوا بها .
- ومن طائفة حجبوا بأسباب القبة ، فبقوا معها .
- ومن آخرين حجبوا بأثاثها ومتاعها
والكل ما رأوا عمد القبة حتى دخلت ، فقالوا : قبة من غير عمد محال . فجثوا حتى وجدوا العمد ، فنظروا من أين حجبوا هؤلاء عن العمد ، فوجدوا على أعينهم أغطية ، فاستمسكوا بالعمد ، واقتلعوه من الأرض وأخرجوه ، فسقطت القبة على من بقي .
فلو رأيتهم يموجون فيها ، ويدخلون بعضهم بعضا ، ويؤذي بعضهم بعضا ، وهم لا يهتدون ، كالحيتان في شبكة الصائد . فلما رأيت تخبطهم أرسلت عليهم نارا ، فأحرقتهم وأحرقت القبة ، والأساس ، والأثاث والأوتاد . ثم أحييتهم ، فقلت لهم : انظروا إلى ما استمسكتم به فنظروا ، فوجدوا هباء منثورا .
ثم قال لي : كن مع أصحاب العمد ، وإن لم تكن معهم هلكت ، وإن صاحبتهم هلكت .
ثم قال لي : من رأى العمد فقد حجب . وإياك واللجاج فإنه يورث الهلاك .
......................................................................
- منهم بنفسه في جهة تعينت له بالمناسبة الإلهية ، والروحانية ، والطبيعية . وتوزيع هذه الأقسام من أركان الكعبة ، فإنها مطمح قرار القطب ، وإذا تشرف أو تقرّب ، فإنها قلب جامع مستند إلى اسم “ اللّه “ كما دلّ عليه قوله تعالى : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ تلويحا . آية ( 97 ) آل عمران ، والقطب عند اللّه تعالى ، إن عصم عن التنكير والخفاء عن الخليقة في حجاب الصون ، وهو من بعض وجوهه الفوائد والرسوم المعهودة بينهم ، وعند الإله إن لم يعصم عن ذلك فالاسم قلب الأسماء ، والكعبة قلب الأرض ، والقطب قلب الكون ، فجمع القلب بين القلبين بالنسبة الذاتية .
انظر : القاشاني : ( رشح الزلال في شرح الألفاظ المتداولة بين أرباب الأذواق والأحوال ) بتحقيقنا ص 63 ، القاشاني : ( معجم المصطلحات والإشارات الصوفية ) بتحقيقنا أيضا : 1 / 256 ، دكتور / حسن الشرقاوي : معجم الألفاظ الصوفية 62 .
( 1 ) انظر ما قيل حول قبة أرين . من هذا الكتاب .
.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: شرح المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 9:04 pm

شرح المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 378 “
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المشهد الثالث عشر
قال الشيخ رحمه اللّه تعالى :( ص ) [ قوله : ( أشهدني الحق بمشهد نور العمد ، وطلوع نجم الفردانية ، 
وقال لي : حجبته عن الرؤية في الفناء وأظهرته في البقاء ، حجبته فيما ظهر وأظهرته فيما غاب وخفي ) ] .
( ش ) أقول : يريد به شهود الحق تعالى في محل تمييز العمد وهو النور المخصوص بتمييز المنفردين ، وهو يشبه محل المقابلة الذي هو مرآة الوجود ، لكن هذا المحل الذي هو مرآة الوجود يتميز فيه مجموع الوجود بخلاف هذا المحل ، فإنه لا يتميز فيه إلا المنفردات بأمر من الأمور كالعمد والعرش على الماء ، والعرش المحيط الذي هو محل الاستواء ، وكالعماء وما أشبهه وكل هذه لا تتميز إلا بهذا النور المخصوص ، وهو نور ناشئ عن التفرد ، ولهذا تتميز به المتفردات ، وهذا نور ينشأ عن الذات في حال انفرادها بغير صفة فهو نور مستدير واستدارته مأخوذة من استدارة الإطلاق ، وكامل وكماله ناشئ عن الذات البريئة عن الافتقار ، فلما كان كاملا باستدارته وجب أن يتميز فيه العمد لأنه لا يتميز إلا في نور مستدير ليتحقق فردانيته واستقلاله بحمل محمول الأفلاك ، وقد يتميز أيضا هذا العمد في ظاهر الحقيقة في مرآة مربعة لكن يشترط أن تكون محتوية على الاستدارة معنى وصورة ، فظاهره متميز بهذه المرآة وحقيقته في المرآة المستديرة لأن المربعة مرآة القلب ، وهذا العمد مستودع فيه لأن السماء الأولى وهي سماء الدنيا هي بمنزلة القلب ، إذ كانت بيت المختصر الذي هو الإنسان ، 
لأننا قلنا في كتاب الختم : إن بيته كالقلب ، وقلبه كالبيت ، فهي قلب الوجود الظاهر ، كما أن القلب الوجود الحقيقي ، ما وسعها ، وهو عرش الاستواء الرحماني ، وبالجملة فقلب الوجود على الإطلاق هو الذي وسع الرب ، وفيه حقيقة العمد ، فإذا كان القلب مستديرا يكون التربيع خافيا ، وهو بعينه خفاء تعداد أوجه المرآة ، ويتميز فيه العمد على حقيقته بمجموع الوجود ، وإذا خفيت الاستدارة بظهور التربيع تميز هذا العمد وشهده قوم دون آخرين ، ويكون الشاهد له مستويا على العرش المائي .
وأقول : يجب أن يكون المستوى محيطا به لأن العمد ينشأ من أسفل العرش

“ 379 “


الموضوع على الماء ، بل من قبل الماء ، ولا يمكن أن يكون شاهده إلا كاملا متصفا بمجموع الوجود حتى يشهد محل نشأة العمد ونهايته وحقيقته ، فإنه أشبه الأشياء بالنقطة ، ولهذا كان في الحقيقة مركزا ، ويجب أن يكون الشاهد له إن كانت مرآة الوجود في آن الشهود ظاهرة بالتربيع في الوجه الذي يلي الوجود أماما لئلا يكون ناظرا إلى العدم ، لأن في حال الشهود العمد يكون الوجود والعدم مجتمعان في حقيقة الشاهد ولا يفتقر إلى الاطلاع على الخلاف الذي هو الوراء ، لأنه محل العدم وهذا قد وقع لهذا الشاهد ، وهو محمول على الأسماء والصفات والحد المشترك بين الحضرات كلها لأن من شروط شهوده أن يكون الشاهد محمولا على هذه الحضرات وليس بينه وبين اللّه تعالى حجاب ولا حد ولا اسم سوى النور وهو بعينه المميز للعهد في قوله : ( بمشهد نور العمد ) ، فعند إلقائه للجسد قد أخذ إلى جهة الاستعلاء في صورة الانحطاط ، لأننا قلنا : إنه مستودعا على العرش المائي ، وهذا العرش هو سفلي الوجود ، وقلنا أيضا : إنه محمول على الحضرات ، والمحمول هو المنزه ، وقد يكون عند حمله مستويا على مجموع الوجود ، وهذا الاستواء في صورة الاستعلاء ، فوجب عند إلقاء جسده قد أخذ في الاستعلاء بصورة الانحطاط ليحوز الجهتين ، أعني العلوية والسفلية ، وهذا خاص بشهود العمد حتى يشهد متميزا محققا ، ولهذا قلنا : إن هذا الشهود لا يكون إلا للكامل المحيط بكل شيء علما وعملا ، لأن المشهود أعني العمد لا يشهد إلا للمتصف بالنور ، ومتى اتصف الشاهد بالنور قدر على التمييز ، ومنه تمييز المعاني والفرق بينها وبين وضعها في محلها من القابلية لئلا يكون لفظة متسعة المعنى قد أحاط بها محل ضيق ، وذلك ليس من العدل لقوله تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [ القمر : 49 ] ، وهذه الفروق والنسب والأوضاع لا يعطيها العارف إلا بعد اتصافه بالنور ، فوجب تمييز المنفردات ومن جملتها العمد ، وكل متميز مشهود له عيانا وغير المتميزات إدراكا ، ولما كان في حال هذا الشهود مستويا على العرش المائي وجب أن يشهد من المتميزات المخصوصة بالتفرد سوى العمد ، إذ لم يكن بينه وبين اللّه تعالى من الصفات والأسماء .
وقوله : ( وطلوع نجم الفردانية ) يريد به النور الممكن لاتصافه بهذا الشهود ، ولما كان العمد من جملة الأشياء المنفردة ، وجب أن يكون طالعه نجم الفردانية لأن نور الطالع لطيفة منتزع من نور الشهود ، لكن قد يسوغ لنا تسمية هذه اللطيفة ، وقد لا نسميها إلا في بعض الشهود وهو شهود يضطر فيه اضطرارا مثل هذا الشهود ، ومثل شهود نور

“ 380 “


الوجود وطلوع نجم العيان ، فإذا اضطررنا إلى تسمية هذا النور باللطيفة أظهرناه في محله ، وحيث كان هذا الطالع مناسبا للشهود ، وجب تسميته هذه باللطيفة ولما كانت مستنزعة من نور هذا الشهود ، وجب أنها تكون في صورة طالع ممكن للمتصف بالشهود ، لكن هذا الطالع لا يشهد إلا في حال الجري ، فلما كان هذا الشاهد في مفتتح هذا الشهود مستويا على العرش المائي وجب أنه عند إرادة ظهور هذا الطالع يجري مارا إلى جهة الفوقية ، ووافاه هذا الطالع في حال الجري وهو نورانية متميزة بنور الشهود المقرون بها ، ولهذا لم تكن مميزة لكنها ممكنة ، ولما كان طلوع هذا النور يؤول بالشاهد إلى الشهادة والفوز بالاتصاف ، وجب أن يسمى طالعا ، ولما كان هذا الشهود مرادا للاتصاف بالتفرد ، وجب أن يكون ممكن الاتصاف بنجم الفردانية فهو يظهر مفيضا لليقين على الشاهد بالاتصاف ، فكأنه قال : أشهدني الحق ذاته في النور المميز للعمد ، وهو محل تمييز المنفردات ويمكّن لي هذا الشهود بطلوع نجم الفردانية وهذا في غاية المناسبة بهذا الشهود .
وقوله : ( وقال لي : حجبته عن الرؤية في الفناء وأظهرته في البقاء ) أقول : المحتجب هاهنا هو العمد ، والإشارة إليه إذ كان هذا الشهود إليه مختصا به ، والفناء هو للمقيدات وهم المحجوبون عن رؤية هذا العمد وظهوره في البقاء للفانين المتصفين في الحقيقة بالبقاء وهم العارفون ، فالمحجوبون هم الفانون بالحقيقة والعارفون وهم الذين ظهرت لهم رؤية هذا العمد فانون الصور ، والتقييد باق والحقائق والإطلاق ، وهو تأييد قولنا : إن هذا العمد لا يشهده إلا الكامل لأنه لا يظهر إلا في البقاء ، وهذا الكامل قد فني عن الفناء وقد اتصف بالبقاء ، فيظهر له اضطرارا هذا المتصف بالتفرد المسمى بالعمد ، وأما المحجوبون عن رؤيته ، فلكونهم لا حقائق لهم خفي عنهم كل ماله حقيقة ، فهم فناء عن الحقيقة ، وهذا الخافي لا يظهر إلا في البقاء كما قال ، وذلك لأنه إذا اتصف الكامل بالبقاء الأبدي ظهر له كل باق مفتقرا إليه في الوجود ، وهذا العمد من جملة الأشياء التي ينطلق عليها البقاء ، فلا يزول إلا بزوال الاسم الظاهر ، وهذا الاسم في الحقيقة لا يزول لتوقف كمال الوجود عليه ، فوجب أن يكون هذا العمد مما أطلق عليه البقاء ، وهو الوجود الحقيقي ، ولهذا كان مشهود للعارف على الدوام ظاهرا وباطنا ، فكأنه قال له : أظهرته لك من أجل اتصافك بالبقاء ، وأخفيته عن الجاهل لأجل فناء حقيقته .
وقوله : ( حجبته فيما ظهر وأظهرته فيما غاب وخفي ) أقول : يريد بذلك احتجابه بحقيقة التقييد لأنه الظاهر المقيد فاحتجب هذا بنفس التقييد لا حقيقة له ، وهذا المحتجب

“ 381 “


الذي هو العمد متصف بالبقاء فيجب احتجابه عمن لا بقاء له وهو الوجود المقيد ، ولما كان البقاء هو للإطلاق ، وهو خاف عن المقيدات وجب ظهوره في الإطلاق ولكل مطلق إذ هو متصف بالبقاء ، وهو في حال هذا الظهور يكون متصفا بالمركزية على تقدير استدارة الوجود ، وليست هذه الاستدارة كاستدارة الكرات الفلكية ، وإنما هي صورة دائرة مرتسمة بين يدي الناظر فيها ، ويكون الفيض آتيا من اليمين مارا إلى الأمام الذي يقابل الناظر في الدائرة ، ثم من الأمام إلى الشمال ، ومن الشمال يتخذ باليمين ، فإذا فرض الوجود على هذا النمط علم منه أبنية العمد ، بل تشاهد حقيقة أخرى ، ولا يكون هذا الارتسام في القلب ، وهو قلب العارف ، وهذا القلب هو الخافي عن الأبصار ، لأنه حقيقة العارف ، وقد
قال صلى اللّه عليه وسلم : “ المرء بأصغريه : قلبه ولسانه
“ 1 “ “ ، وإنما قدّم القلب في الذكر لأن مبنى حقيقة الصورة عليه ، وهذا تقديم شرفي والحقيقة تتقدم بإطلاقها على التقييد ، وهذه الحقيقة خافية عن الأبصار والعمد فيها ظاهر ، وهذه هي حقيقة العارف ، فكأنه قال :
أخفيته في التقييد الذي هو ظاهر وأظهرته في الإطلاق الذي هو خاف ، أو قال لهذا العارف : أخفيته في تقييدك الذي هو ظاهرك ، وأظهرتك في إطلاقك الذي هو حقيقتك .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : أظهرتك في الفناء ، وألقيت الأغطية على الأبصار حتى لا تدركه ، ثم قال لي : ضربت القبة ، وأركزت العمد وأوثقت الأوتاد ، وأبحت الدخول لجميع من في الوجود فيها ) ] .
( ش ) أقول : يشير بهذا الخطاب إلى حقيقة هذا الشاهد ، فإن حقيقته ظاهرة في الفناء الحقيقي الذي هو بقاء ، وليس هذا الفناء هو فناء الأعيان ، وإنما هو فناء في الذات ، فالذات من حيث تحجب الأبصار عن شهودها بالتقييد ولا يظهر إلا لمن انطلق فيها ، وهو الظاهر في الفناء ، والظاهر في الفناء لا يشهد حقيقة لأجل اتصافه بأوصاف الذات الخافية ، فلا يظهر حقيقة للمقيدات أصحاب الأبصار لئلا يشهدوا فناءه ولا ظهوره في الحقيقة ، لأن فناءه عين ظهوره ، فمتى شوهد هذا الفناء فاضطرارا يشهد الظهور ، وظهوره عين حقيقته لإدراكه ، والأغطية التي على الأبصار هي حجب التجري حدود المتجريات ، فنفس تجريها بعينه حجب على أبصارها لئلا تشهد فناء حقائقها ، فلو شهد هذا الفناء لكان أولى أن يشهد فناء هذا العارف ، فكأنه قال له : أظهرتك في الفناء الذي هو البقاء ،
...............................................................................
( 1 ) رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( 4 / 27 ) ، وأورده العجلوني في كشف الخفاء ( 2 / 391 ) .

“ 382 “


وحجبت هذا الظهور عن الأبصار بنفس التجري لئلا يشهد ، أو قال : حجبت فناءك في التقييد ، لئلا يشهده المقيدات فتعود فانية .
وقوله : ( ثم قال لي : ضربت القبة ، وأركزت العمد ، وأوثقت الأوتاد ، وأبحت الدخول لجميع من في الوجود فيها ) ، أقول يشير بهذا الخطاب إلى حقيقة السماوات على ما قرره النبي صلى اللّه عليه وسلم فإنها على ما شهدها صور قبات وكذلك شهدها هذا الشيخ رحمه اللّه وأمثاله من المحققين ولم يشهدها أحد منهم إلا محمولة على العمد وهذا خصوص بهم ، وتوريته عن هذه الصيغة بالضرب إشارة إلى نفوذ الكلمة في خلق السماوات فإن الكلمة تنفذ فيما أريد له الخلق نفوذ السهم هذا في الحقيقة ، وأمّا في الظاهر فيقال ضربت الخيمة أي أحكمت نصبها وهذا مراده ، ولذلك قال : أركزت العمد وأوثقت الأوتاد ، والعمد هو ما يمسك السماء على تقدير كونها قبة والإمساك هو نفوذ اللّه بحفظها قال تعالى :
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [ فاطر : 41 ] ، والأوتاد هي الجبال على تقدير أن جوانب القبة مماسة للأرض وكذلك رسمها رحمه اللّه في الفتوحات المكية ، وقد قال تعالى : وَالْجِبالَ أَوْتاداً [ النبأ : 7 ] فلما افتقرت القبة إلى الأرض وجب أن تكون لها أسبابا أعني الجبال ، ولهذا وجدت الأرض قبل وجود السماوات ، وكان بيوت الأرض واسطة في إمساك السماوات وهي لا تثبت إلا بالجبال ، وقد قال الشاعر في هذا المعنى :
ويعلم من سوى السماوات سبعها * بأيد وأرسى الشامخات الرواسيا
قوله : ( وأبحت الدخول لجميع من في الوجود فيها ) ظاهر المعنى ويشير به إلى الوجود الظاهر ، فإنه في جوف السماء المحيطة به وهو الكرسي ، فإنه في الظاهر من جملة القباب هذا إن حمل هذا التنزل على ظاهره ، وأمّا في الحقيقة ، فيشير به إلى صورة الوجود بمجموعه ، فإنه لمّا تصور الوجود في صورة شخص بعد العماء استودعت المعلومات كلها في قلبه ، وقلبه هو باطن القبة المشار إليها بالضرب ، وهذا القلب هو محل المعلومات التي قد أبيح لها الدخول .
( ص ) [ قوله : ( فمن طائفة حجبوا بذات القبة وحسنها وجمالها ، ومن آخرين حجبوا بالأوتاد فاستمسكوا بها ، ومن طائفة بأسباب القبة فبقوا معها ، ومن آخرين حجبوا بأثاثها ومتاعها ) ] .
( ش ) أقول : يريد بهذه الطوائف علما حقيقة الظاهر ، وما يتضمنه من الحكم على السماوات والأرض ، فإن كل شيء يطلق عليه الوجود بشرط تمييزه من غيره لابد له من

“ 383 “


عالم يقوم به ، ولمجموع المتميزات عالم واحد يستقل بعلمها شهودا واتصافا ، وهو المنفرد في عصره وذاته ، يحتوي على هؤلاء العلماء إذ هم مستقلون بعلم ربع الوجود ولهذا قلنا :
إنهم علماء بحقيقة الظاهر ، والظاهر ربع الوجود ، والمتوالي على هؤلاء أحد الأوتاد الأربعة ، لأنه لا معنى للوتد إلا واحد متفرد بعلم ربع الوجود ، فالذين حجبوا بذات القبة هم الذين أحكموا بعقولهم حقيقة السماوات والأرض حكما وعيانا ، ومنهم المنفردون في التصريف في حسن هذه القبة والمتحيرّون في كيفية صنعتها ومدبّرون بإيمانهم بالقدرة على تكوينها ، وفي حقهم قال تعالى : وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا [ آل عمران : 191 ] ، فنفي الإيمان ينشأ من حقيقة إيمان هؤلاء ، فإنه متى صدق الإيمان تيقن المؤمن أن للّه تعالى في هذا تدبيرا ومشيئة بالغة ، فهم في تفكر دائم في تدبير نافذ باهتون في ظهور القدرة متحيّرون في صنعة الجمال الغامرة للسماوات والأرض دأبهم قوله تعالى : إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [ الصافات : 6 ] .
وقوله : ( ومن آخرين حجبوا بالأوتاد ، فاستمسكوا بها ) ، يريد بهؤلاء العالمين بالدوام والقائلين بعدم زوال السماوات فثبوتهم على علمهم مستمد من ثبوت الأوتاد ، فهم متمكنون في علمهم كتمكين هذا الخلق بالقدرة ، وينسحب هذا الحكم على علماء التسيير والقائلين منهم بفيض الأفعال من العلويات ، فبتمسكهم بهذه العلوم يقرون بالدوام والثبوت في الوجود لأنهم لا يقرون بالانحلال النظامي ، بل يقولون بسرمدية هذا الوجود ولهذا كانوا نافعين بعقولهم مع الأوتاد .
وقوله : ( ومن طائفة حجبوا بأسباب القبة فبقوا معها ) ، يريد بالأسباب هاهنا ما علا من الأفلاك بشرط فيض الأفعال وهم المفضّلون للعالم العلوي على العالم السفلي ، فهم مقرّون أن بواسطة العالم “ 1 “ العلوي وجد هذا العالم ، وإنما قلنا : إن الأسباب هاهنا هي ما علا لقوله تعالى : وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ [ غافر 36 : 37 ] ، وأراد به كيفية فيض الأفعال عنها ، فإن هذه الكيفية بمنزلة السبت ، إذ كانت على زعمهم الواسطة في وجود العالم السفلي ، فهم باقون مع هذه الكيفية منتظرين لما يصدر عنها من الأفعال المفاضة عليهم ، وهؤلاء هم أظهر استعلاء من الطوائف السابقة ، لأنهم مؤيدون بجعل النجوم آيات ، ومنها آية الليل وآية النهار .
.........................................................................
( 1 ) في الأصل للعالم وتم تغييرها لمناسبة السياق .

“ 384 “


وقوله : ( ومن آخرين حجبوا بأثاثها ومتاعها ) ، يريد به المؤمنين المنذرين في خلق الإنسان ، وهم الذين يفضلون السفليات على العلويات ، ومنهم القائل : إن الأفلاك تدور بأنفاس بني آدم وهو الإمام العالم أبو طالب المكي رحمه اللّه ، وينسحب هذا الحكم على الأولياء الكاملين ، فإننا نجزم بأنه لم يخلق اللّه تعالى خلقا أفضل من الإنسان ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [ الإسراء : 70 ] ، وقوله :
“ إن اللّه خلق آدم على صورته “
، ولم يؤيد شيء من الموجودات بهذا التأييد ، وعلى الإطلاق أثاث القبة هو الإنسان إذ هو قيوم الموجودات ، ولهذا كان محله قلب الوجود ، والقلب يحتوي على المعلومات الممتازة بالجلالة والحقارة ، فالإنسان معلوم بفرد الجلالة وما دونه بالنسبة إليه من الموجودات يشتمل عليه اسم الحقارة ، فلهذا الإنسان علماء منه قائمون بهذا العلم متفكرون في هذا الخلق معظمون لهذه الهيئة الإنسانية دأبهم قوله تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [ التين : 4 ] .
( ص ) [ قوله : ( والكل ما رأوا عمد القبة حتى دخلت ، فقالوا : قبة من غير عمد محال ، فبحثوا حتى وجدوا العمد ، فانظروا من أين حجبوا هؤلائك عن العمد ، فوجدوا على أعينهم أغطية ) ] .
( ش ) أقول : يشير بهذا التنزل إلى عدم تحقيق الطوائف السابقة للوجود ، فإنهم ممنون عن التحقيق بالانتماء إلى جهة دون جهة ، ومن هؤلاء من استقل بعلم العلويات فقط ومنهم من استمسك بالأوتاد ، ومنهم من حجب عن هذا التحقيق بالأسباب ، ومنهم المدبّر في خلق الإنسان كما قلناه ، وهذه كلها جهات متباينة متعددة والحقيقة تأبى هذا التباين والتعداد وهؤلاء ليسوا مرادين للتحقيق ، لأنهم مهيأون للاستقلال بحمل الجهات المتفرقة ليثبت عالم الفرق فالكل لا يطلّعون على الفردانية التي يتصف بها الوجود آن دخول العارف بالمعرفة فيه ، فإنه إذا اتصف العارف بالكمال يكون قد اتصف مجموع الوجود بالأحدية اتصاف حدوث ، لكن لا يظهر هذه الأحدية إلا لهذا الكامل المسمى ، فإذا اطّلعت حقيقة هذا الكامل على الفردانية ، يكون هذا الاطلاع قد حصل لمجموع الوجود من حيث هو موجود لا من حيث آحاده المقيدة ، وهذه الآحاد تعود للكامل بمنزلة الأوصاف ، والأوصاف تشهد موصوفها ، فعند وجود هذا العارف بالمعرفة يتيقن الوجود باتصاف هذا العارف يقينا على سبيل العلم ، وأيضا فإنه لم يكن الوجود قبل الكامل متصفا بالفردانية ، فإذا وجد الكامل اتصف اضطرارا فكأنه قال : والكل لم يتصفوا

“ 385 “


بالفردانية حتى ظهرت بالكمال .
وقوله : ( فقالوا قبة من غير عمد محال ) يشير إلى اعتقاد هؤلاء بعد وجود الكامل أنّ خلو العلم من الكامل محال ، وهذا اليقين حاصل من الاتصاف بالفردانية وآن وجود الظاهر بها واستمر هذا اليقين في الوجود بأن العصر لا يخلو منه .
وقوله : ( فبحثوا حتى وجدوا العمد ) ، يريد به الفاحصين عن صورة الكامل خصوصا السامعين قوله له : ( من رآك فقد رآني ) فهم العالمون بالحقيقة تقليدا فلأجل عدم اتصافهم بالتحقيق يفحصون عن صورة هذا المتصف ولأجل الافتقار الكامن في نفوسهم يجدونه ، ليكمل الناقص ويفيض على الطالب .
وقوله : ( فنظروا من أين حجبوا عن العمد فوجدوا على أعينهم أغطية ) ، يريد به أن الفاحصين عن صورة الكامل إذا وجدوه حصل لهم التفكر في منعهم عن الكمال وفي الكيفية التي كانت سبب تفرده به ، فيلحظ الكامل هذا بعين باطنه ، فيفيض عليهم اليقين بأن نفس التجري أوجب الاحتجاب ، فكأنه يقول لهم في معرض الفيض : ( لو فني أحدكم عن التقييد حصل له ما حصل لي لكنني انفردت بالمقابلة فحق التفرد ) ، وهذه الأغطية هي صورة التقييد ، فيتيقنون هؤلاء أنه لو فني تقييدهم حصل مقصودهم .
( ص ) [ قوله : ( فاستمسكوا بالعمد ، وفازوا به واقتلعوه من الأرض ، وأخرجوه فسقطت القبة على من بقي ، فلو رأيتهم يموجون فيها ، ويدخلون بعضهم في بعض ويؤذي بعضهم بعضا وهم لا يهتدون ) ] .
( ش ) أقول : يشير بهذا الخطاب إلى الفاحصين الذين سبق ذكرهم ، فإنهم إذا حصل لهم الاجتماع بالإنسان الكامل يعودون منزهيه عن النقائص التي من جملتها الانخفاض خلاف ما كانوا عليه ، وأيضا فإنهم يلجؤن بعض الأمور إليه اقتداء بقول الإمام العارف أبي يزيد رحمه اللّه لبعض تلاميذه : إذا عسرت عليكم الحوائج فادعوا أبا يزيد ، ومن جملة تنزيههم أنهم يرفعونه عن أماكن الهبوط ، وهذا الرفع هو الاقتلاع المذكور ، فلشدة هذا الرفع والتحاقه بالتنزيه يغار اللّه تعالى عليه ، فيأخذه إليه أخذ نقلة وإخفاء في عين الظهور ، وبهذه النقلة يخرب الوجود ، ويجعله في حكم العدم لا يحسن المقيدات به وبطلان الإحساس به لأجل عدمها في الآن الذي أنقل فيه العارفين ، وخراب الوجود هو فناء المقيدات في الذات ، واتصافه بالبقاء الحقيقي الذاتي ، وهذا الآن هو الذي يمنحني فيه المهيأ للمعرفة الآخذ في طريق الكمال ، وهذا أقوى دليل على حدوث الموجودات المقيّدة ، فإنها

“ 386 “


تذهب أعينها وتتصف بحقيقتها الذاتية ، وتعود بمنزلة المعلومات في العلم والأوصاف للذات .
وقوله : ( فلو رأيتهم يموجون فيها ، ويدخل بعضهم في بعض ) يشير به إلى أن الموجودات أحياء مع فنائها في الذات ، وهذا ضروري لأننا إذا قلنا : إن الموجود واحد وحقيقة حياة وجب أن يكون الأشياء الفانية في الذات أحياء بحياتها ، وأمّا وصفه لهم بالتموج فلأن الموجودات في العالم أجسام ليست كهذه الأجسام لكنها لطائف قادرة على النفوذ ، فلا يمتنع على أجسامها دخول بعضها في بعض .
قوله : ( ويؤذي بعضهم بعضا وهم لا يهتدون ) يريد بهذه الآية استعلاء بعضهم على بعض والسافل يشهد العالي فيحصل له هذه الأذية “ 1 “ وليس له عقل يحكم بالقدر ولا للمستعل عقل بحكم بالوهب لكن هم “ 2 “ بريئون عن العقل متصفون بالبصر ، فالفرق هاهنا يحصل لهم بالبصر لا بالعقل .
( ص ) [ قوله : ( كالحيتان في شبكة الصائد ، فلما رأيت تخبطهم أرسلت عليهم نارا فأحرقتهم وأحرقت القبة والأساس والأثاث والأوتاد ، ثم أحييتهم ، فقلت لهم : انظروا إلى ما استمسكتم به ، فنظروا فوجدوا هباء منثورا ، ثم قال لي : كن مع أصحاب العمد ، وإن لم تكن معهم هلكت ، وإن صاحبتهم هلكت ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب تأييد ما ذكره في حق أصحاب القبة عند سقوطها ، فلما ذكر تموجهم ودخول بعضهم في بعض مثلهم بالحيتان في شبكة الصائد وهذا الضيق الداخل عليهم آن سقوط القبة عند محو العارف الحادث ، فإنه يتزعزع له الوجود ، ويتغير في آن واحد تغيرا إلى الفساد العدمي ، ويكون هذا الآن بعد انتقال العارف المقدم ذكره ، ويستمر هذا الخراب آنا واحدا ، وتأخذ الأشياء في المحو ليتصف هذا المحدّث به .
وقوله : ( أرسلت عليهم نارا فأحرقتهم ) ، يريد به صورة الانتقام ، فإن حقيقة المنتقم هي النار ، ومنها تنبعث النقمة إلى من أريدت له ، وهذا الخراب الذي يستولي على الوجود آن ظهور هذا العارف المهيأ للكمال يكون بالنقمة التي تنبعث إلى المقيدات ، ويزول بها كيفية التقييد وصورة التمايز ، فهي تحرق الموجودات بذهاب تقييدها ويبقى حقائقها
............................................................................
( 1 ) في الأصل الآية وتم تغييرها لمناسبة السياق .
( 2 ) في الأصل هما : وتم تعديلها .

“ 387 “


الفانية في الذات ، ثم يستولي بعد هذا الآن ظلمة بعدم التقييد فيفني حقائق الأشياء المتميزة في الذات ، ويعود ذاتا بغير اسم ولا صفة ، فهناك يتصف هذا المراد للكمال بالمحو مع سائر الموجودات ، وهذا معنى :
قوله : ( وأحرقت القبة والأساس والأثاث والأوتاد ) ، يشير به إلى فناء جميع المتميزات .
وقوله : ( ثم أحييتهم فقلت لهم : انظروا إلى ما استمسكتم به ، فنظروا فوجدوا هباء منثورا ) ، أقول : يريد بإحيائهم بقاؤهم في الذات ، فإن الحياة على الإطلاق لها وعين المحو والفناء هو الاتصاف بأوصافها التي من جملتها الإطلاق ، فإذا محيت الأشياء تعود “ 1 “ في الذات بمنزلة الصفات أو المعاني ، وكل هذه المعاني مكمنة في ذات هذا المتصف بالمحو ولا يقدر على إظهارها من أجل [ أن ] الموجودات فانية عنده آن محوه ، فلا يقدر على العبادة إلى حيث يتميز له الموجودات ، ويتصف بالعدم والوجود معا ، وهو الجمع الجامع بين النقيضين ، فما دام ممحوا تكون الأشياء في ذاته بمنزلة المعاني لكنها متصفة بالبقاء الحقيقي ، فكأن اللّه تعالى يقول لهذه المعاني : انظري إلى وجودك الذي كنت عليه ، وكان حقيقة عدمك ، فنظرت إليه من حيث اتصاف الذات بالتقييد ، فوجدته هباء منثورا .
قوله : ( ثم قال لي : كن مع أصحاب العمد ، وإن لم تكن معهم هلكت ، وإن صاحبتهم هلكت ) أقول : مراده بهذا الخطاب أن ينبه هذا الشاهد على مصاحبة الأولياء السابقين بالمعية والاتحاد ، فالمعية هي جريه مقتفيا لآثارهم ، والاتحاد ضرورة الاتصاف بمجموع الوجود ، فإن كل واحد من الكاملين المتصفين بمجموع الوجود ، كل يعود الأولياء السابقون له بمنزلة الصفات ، فهو معهم من حيث الاتصاف بهم ، وهم أصحاب العمد لأجل تفردهم في الأعصار واتصاف كل منهم بالفردانية لأجل أن وجودهم واحد ، فهو معهم في حال اتصافه بهم اتحادا ، وفي حال جريه على منهاجهم “ 2 “ معية .
وقوله : ( وإن لم تكن معهم هلكت ) ، يريد به أن العارف لا يتصف بالكمال حتى يتصف بمجموع الوجود ، فإذا حصل هذا الاتصاف ضرورة اشتمل على الكاملين المتقدمين عليه بالزمان ، وإن لم يحصل له هذا الاتصاف يكون من حزب الجاهلين والجهل
.......................................................................
( 1 ) في الأصل يعود وتم تغييرها لمناسبة السياق .
( 2 ) غير واضحة في الأصل .

“ 388 “


هو الهلاك على الحقيقة .
وقوله : ( وإن صاحبتهم هلكت ) ، يريد به أن ما سوى العارف في عصره يطلق عليه الجهل سحبا ، وأيضا فإن عارفين كاملين لا يجتمعان في عصر واحد ولا في زمان بل ولا في آن ، ولو اجتمعا لكان أحدهما أفضل من الآخر ولا يجوز ذلك إذ الكمال ليس فيه تفاضل لأن المقابل واحد وهو انطباع صورة اللّه في مرآة الوجود التي هي النور ، ومحال أن ينطبع في الصورة الواحدة صورتان ، فلهذا لا يجتمع الكاملان في عصر واحد ، ولا يجتمع مع الكامل في عصره إلا من دونه ومن دونه بالنسبة إليه هالك ، فكأنه قال له : ( إن صاحبت الكامل لم يكن كاملا ) ، وهذا مما حصل له قبل الكمال .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : من رأى العمد فقد حجب ، وإياك والحجاج ، فإنه يورث الهلاك ) ] .
( ش ) أقول : يريد به المعنى الذي تكلمنا عليه فيما تقدم على هذا القول ، وهو قوله :
( وإن صاحبتهم هلكت ) ، لأن رائين العمد هم المصاحبون للكامل في وجوده ، لأن صورة العمد ، ومعناه هي صورة الكامل بعينها ، فإنه لا معنى للعمد إلا ذات متصفة بالفردانية مستقلة بحمل الوجود ، وهذه حقيقة الكامل ، فمن صحب هذا الكامل في الوجود حجب عن الكمال لأننا قررنا أنه لا يمكن وجود كاملين معا ، وهذا الخطاب يلحظ من باطنه تناقض ، ما في قوله : ( من رأى العمد فقد حجب ) ، فإن الموجودات في زمانه تكون محجوبة عن الكمال ، ولا يبعد أنه في حال انتقاله لكل واحد منها ، بل كذلك هو ضرورة ، لأنه لا يخلو الوجود من كامل سوى آن واحد ، ويكون هذا المهيأ قد أخذ في الكمال في هذا الآن ، فلا يخلو الزمان منه أبدا .
فقوله : ( من رأى العمد فقد حجب ) ، يريد به المغايرة في المعنى في حقيقته ، وأمّا في الظاهر فمناسب بالتقريب ، لأنه جعل الحكم للبصر ، فكأنه يقول : ( ما دامت الموجودات مبصرة لهذا العارف فهي محجوبة به ) ، قوله : ( وإياك والحجاج فإنه يورث الهلاك ) ، يريد بالحجاج هاهنا الجدل بغير حق ، وهو حقيقة الاعتراض على اللّه تعالى ، فكأنه يقول له :
هذه أفعالي وإياك أن تعترض ، فإن الاعتراض والجدل في اللّه بغير علم يورث الهلاك ، ومنه قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ [ الحج : 8 ] ، وهذا أيضا مما حصل له قبل الكمال .
* * *
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشهد الثالث مشهد نور الستور بطلوع نجم التأييد .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الحادي عشر مشهد نور الألوهية بطلوع نجم “ لا “ .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد السابع مشهد نور الساق بطلوع نجم الدعاء .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: