منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:52 pm

المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر
بسم الله الرحمن الرحيم
مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر
أشهدني الحق بمشهد نور الصخرة ، وطلوع نجم البحر .
وقال لي : يا أيتها الصخرة المشرفة ، إليك أوى من كل كبد أبيّه مع منكر البحر الأخضر . فخبريني ما أكل عليك ؟
قالت : الشطر .
قال لها : والشطر الآخر ؟
قالت : غاب في البحر .
قال : ميتا أو حيا ؟
قالت له : حيا .
قال : والشطر المأكول ؟
قالت : ميتا .
قال : حلالا أو حراما ؟
قالت : حلالا .
قال : فقولي حيا .
قال : كم قعدوا عليك ؟
قالت : النهار كله .
قال : والليل ؟
قالت له : فارقوني بالليل ، وانبسط عليّ البحر الأخضر ، فغمرني بمادة القمر . فلما أبصر الشمس انحسر عنى ، فانكشفت للشمس .
قال لها : والنجوم ما كانت تصنع عند محادثة البحر الأخضر للقمر .
قالت : انكدرت .

“ 78 “


قال : ويحق لها أن تنكدر .
يا أيها القمر اطلع من بحر الغرب فإذا وازيت " قبة أرين " “ 1 “ فاسقط فيها ، ولا تغب في الشرق فتكن مطرودا .
يا أيها القمر شرف الشرق بطلوعك ولو مرة واحدة في السنة .
يا أيها القمر حرمت عليك الطلوع ما دامت المشارق والمغارب باقية .
يا أيها القمر غص في البحر الأخضر ، ولا تظهر إلا لحيتانه ، ولا تخرج منه أبدا .
يا أيها القمر ، قل للبحر الأخضر يضم عليك أكنافه عن أمري ، ولا يتموج ولا يتراكم . فيسمع دويه ، وأنا أغار عليه . بلّغه عني وقل له : إن تموّج وأظهر نفسه ، أو رمى بك على ساحله ، أو حجبك عن حيتانه ، أسلط عليه دابة من دوابي تشربه . 
ثم ترمي به من دبرها في العدم .
أخرجك منه ، وألقيك في البحر الأبيض ليكون أبلغ في نكايته .
يا أيها القمر ، قل للصخرة أن تنفجر اثنتي عشرة عينا ، فإذا تفجرت فانغمس في كل عين غمستين كاملتين ، واغمس ثلثك في ثالث غمسة .
فالثالث محل الكم .
يا أيها القمر ، لا تنظر إلى الصخرة فتنسى ما قلت لك ، يعني أن توصله للبحر الأخضر .
يا أيها القمر ، لا تسقط في " قبة أرين " حتى تكون قمرا . إن كنت بدرا فلا تطلع ، أو هلالا فلا تطلع . ولكن اطلع قمرا ، ولا تفارق " قبة أرين " تقف على سر الأنهار ، إن شاء اللّه تعالى .
...............................................
( 1 ) تقدم الكلام على قبة أرين .
.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:53 pm

المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 303 “
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المشهد الثامن
قال الشيخ رحمة اللّه عليه :
( ص ) [ قوله : ( أشهدني الحق بمشهد نور الصخرة وطلوع نجم البحر ، وقال : يا أيتها الصخرة المشرفة إليك أوى من أكل كبد أبيه مع منكر البحر الأخضر ) ] .
( ش ) أقول : يريد بمشهد الصخرة المحل الذي يمكن شهود الحق فيه من القوة الحجرية ، وهذا الشهود قد حصل له في إلقاء الجسد وقيام صورته في الجزء الترابي الذي فيه ، فشهوده للحق في هذا المحل مثل شهود أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ [ الأعراف : 172 ] وخطابه له بلسان الاتحاد الذي بين الرب وعبده ، وهذا الشهود مثل شهود الهوية لأنه لا تمييز فيه سوى انفراد الصفة من الموصوف ، ولهذا يشهد بالنسبة إلى الظاهر ظلمانية ، ولهذا عبّر عن نوره بنور الصخرة لأن نور الصخرة ليس كهذا النور ، لكنه أشبه بنور الباطن الذي هو ظلماني في الحقيقة ، لكن نور الصخرة مائل إلى الصفاء لأجل القوة التي فيه سيما إن مال إلى الخضرة ، وقد قلنا : إن الخضرة ، تقتضي الصفاء ، فلو لا أنه صاف بريء عن الكدر أعني الشهود ، وهو ممتزج بالقوة لما عبّرنا عنه بالصفاء الموري عنه بالصخرة وهذا الشهود يقارب شهود الفناء الذي هو شهود المحو ، لكن شهود المحو ليس فيه تمييز صفة من موصوف ، فهو يباينه في هذا المقدار ويماثله في الظلمة وشدة الاشتراك والنورانية التي هي هذه الظلمة أعني ظلمة الفناء ، ولهذا قال : بمشهد نور الصخرة فعرفنا بذلك أن في هذا الشهود نورانية تباين هذا النور المحسوس وهي نورانية تمييز بين الصفة والموصوف فقط ، فكأنه عند إلقاء جسده لهذا الشهود وقيامه في العنصر الترابي الذي في ذاته شهد التمييز الذي بينه وبين الموصوف بالنور الذي عبرّ عنه بنور الصخرة ، فقد كان في هذا الشهود صفة متصفة بالقوة والصلابة والصفاء ، وليس بين الصفة والموصوف بها ثالث سوى هذا النور المميز بينهما ، فكأنه قال :
أشهدني الحق ذاته في حال إلقائي لهذا الجسد وقيامي في الجزء الترابي ، وهذا شهود ذاتي والخطاب فيه سر ، أي مختص باللّه تعالى وصفاته من قوله : وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ البقرة : 29 ] .
قوله : ( وطلوع نجم البحر ) حيث ذكر الصخرة اضطر إلى ذكر الماء إذ كان قد ذكر الصخرة متميزة عن باقي العناصر ، إذ البحر ممد الحياة ، فلما كان حيّا شاهدا في هذا المحل عرف أن الحياة متميزة عن المحل بحصول الإدراك المفرّق بين الشاهد والمشهود ، وكل

“ 304 “


شاهد حي ضرورة ، وحياته مستمدة من الحياة الحقيقية الموري عنها بالبحر إذ الماء ممد الحياة ، وقد قال في كتابه الفتوحات المكية : إن اسم الحيّ يتوجه على الماء ، فلما حصل له الإدراك في هذا الشهود ، وليس مثل هذا الإدراك عرف أنه حي يستمد الحياة من الحي الذي لا تنفذ حياته ، فووري عن هذه الحياة بالبحر الذي لا ينفذ إلا بالنسبة إلى الكلمات الإلهية ، وقد ووري عن صورة هذه الحياة بطلوع النجم لأنه حين ألقى الجسد قد حصلت له بهتة أو غفلة عن إدراكه بهذه الحياة لأنه ووري عنها بالطالع ، والطالع لا يكون في مفتتح الشهود ، وإنما يكون في حال الجري ليمكن الشهود كما قررناه ، فعرفنا أنه الحاصل له في مفتتح هذا الشهود بهتة أغفلته عن إدراك نفسه إلى حيث أنه استعجم عليه أنه حّي ، ولهذا قلنا : إنه يشبه شهود المحو الذي لا يحكم للشاهد فيه على نفسه بحياة ولا موت ، ولا وجود ، ولا عدم ، لأجل البهت الذي يتضمنه هذا الشهود والسلب إلى غير ذلك مما يختص به من الأحوال الخارجة عن المألوف ، فلما حصل له ما يشبه هذا البهت في هذا الشهود وجب أن يشهد النور الممكن في صورة طالع داخل على هذا الشهود في ضمن الجري ، فلما سلب بالبهت عن حياته اللائقة بهذا الشهود عبرّ عن الطالع نجم البحر ، لأن الحياة دخلت عليه بصورة هذا الطالع عن نزع البهت ، فكأنه جرى من الشهود الذي استصحب فيه البهت إلى محل شهود الطالع ، فحكم لنفسه بالحياة ، فكان الطالع ممكنا لهذه الحياة فقط إذ ووري عنه بنجم البحر ، والبحر هو ممد الحياة ، ولكن هذا الطالع مناسب للشهود الموري عن محله بالصخرة ، لأن الحياة من شرط الشهود كما أن الحياة إحدى شروط الإنسان ، فلما ثبت شاهد ومشهود وهما حيّان متخاطبان عرفنا أن الشاهد مفتقر إلى الحياة ضرورة ، ولهذا خرج من حكم البهت إلى حيز التمكين حتى إنه لو رجع من هذا الخلع ، ولم يشهد الطالع لم يحكم لنفسه بالشهود ، فكان الطالع ممكنا للحياة لا غير إذ هو في صورة البحر ، فكأنه قال : أشهدني الحق صورته في الجزء الترابي الذي في ذاتي ومكّن لي هذا الشهود طالع نجم البحر الذي هو ممد الحياة .
وقوله : ( وقال لي : يا أيتها الصخرة المشرفة إليك أوى من أكل كبد أبيه مع منكر البحر الأخضر ) . أقول : إنه لما شهد نفسه في هذا الجزء الموري عنه بالصخرة خطب بالصفة المرادة لتعريفها وتمييزها عن باقي العناصر ، ولهذا قال : المشرّفة إشارة إلى استعلائها على باقي العناصر .
قوله : ( إليك أوى من أكل كبد أبيه ) يشير به إلى انتماء الوارث إلى هذا الجزء الترابي لأن هذا الشهود يحصل لكل كامل لكن قد يكون الخطاب فيه على غير هذه

“ 305 “


الصفة يكون مختلفا حقيقة ، لأنه جعل خطاب الصخرة كالتذكير بتكرار الوارثين ، ولئلا يحصل لها النفور عند كل وارث يرد في قوله : ( إليك أوى ) ، فلمّا كان النازل في هذا الآن هذا الشاهد في محل العرفان ، وقد حصل الخطاب للصخرة ، بخلاف المعهود زجرها اللّه تعالى بقوله في ضمن الخطاب إليك أوى ، فكأنه قال لها في حال الزجر عند إرادة النفور :
إن قدوم هذا العارف ألم تكوني محل الوارثين لأن آكل كبد أبيه هو الوارث لأن الكبد محل تكوّن الدم والوارث عبارة عن من شرب من دم أبيه ، وفيه إشارة إلى أحادية الوجود ، لأنه من حين فتق العماء بصورة الكامل الواحد عادت الموجودات المستودع فيما يخلف عن المرآة فروعه ، وهي له منزلة الأولاد ، ولهذا لا يفتقر في حال انتقاله إلى وجود الولد وارث يحدث الصورة ، لكن يكون هذا الوارث من جملة الفروع التي وحّدت مع أبيها ، وهو لأبيه بمنزلة الظل حتى إذا انتقل الأب قام الولد الذي هو بمنزلة الظل بصورة الوارثة ، وتأخر إلى خلاف حتى وطئ محل أبيه الموري عن باطنه بالصخرة ، فهذا الوارث كان يستمد من أبيه الحياة دائما ، ويمد بها إخوانه المتفرقين في المرآة فهو لا يتغذى إلا من دم أبيه حقيقة ولا يشترط أن يكون ولد الصلب ، ولهذا ذكرنا الأحدية في الضمن حتى يكون الوارث الآتي شاربا من دم أبيه ، وإن لم يكن من ولد الصلب ، لكن الأحدية تقتضي القرب ، وإن كان الوارث بعيدا ، فمن حين انتقال هذا الوارث إلى مقام أبيه الكامل ، كانت حقيقة نقلته عين إيوائه إلى الصخرة ، لأن هذا شهود يشترط لكل عارف كامل كما قررناه ، والمعرفة وارثة من الأب الكامل للابن الآخذ في الكمال “ 1 “ فإذا استوى على هذا المحل الموري عنه بالصخرة ، وخوطب بلسانها اللائق بها كان قد اتصف بأوصاف أبيه كلها ، وهو الذي يرث منه المعرفة عند ظهور كل عارف يحصل لها هذا النفور فيفتقر إلى الزجر كالحال في هذا الشاهد ، والعلّة في حصول النفور لها هو أنها لا تتيقن في زمان العارف أنه موروث من أجل اتصافه بأحدية الوجود وبراءته عن التنويه في حال هذا الوصف ، فكما أنها لا تعلم أن مع اللّه ثانيا ، فكذلك هي في حق العارف ، ولا يعلم أن اللّه يتطور في كل آن ، ويتحول في صورة لم يكن فيها ، لكن ليس في قوة الصخر أكثر من هذا
..........................................................................................
( 1 ) الكمال : التنزية عن الصفات وآثارها ، أي : عن كل ما يقيد ذات الحق وحقيقته فيخرجها عن إطلاقها صفة ، وتجردها عن الاعتبارات مطلق أبقاها على الإطلاق الذاتي ، والذي حكمه مع سائر القيود على السواء ، وذلك هو الكمال الحقيقي . . فافهم .

“ 306 “


العلم ، فإذا تحول اللّه تعالى في صورة أخرى آن انتقال العارف حصل لها النفور ، لأجل الجهل بمعرفة اللّه ، والعجب أن هذه الصورة التي قد تحول اللّه فيها تشبه الصورة الأولى التي كان عليها أولا صورة ومعنى ، ومع ذلك يحصل لها النفور ونفورها هو بعينه نفور العارف في آن شهود المحو ، ولهذا من لم يكن مرادا للكمال ، رجع مسلوب العقل والمراد بالكمال لا يسلم من البهت والرعب والخوف مع حفظ عقله عليه ، لكن من حين يرجع يرفع عنه جميع الأوصاف المخوفة بهذه الزجرة ، فكأنه يقول له بلسان الحقيقة : ( ألم تكن ظل أبيك ) ، مرادا للمعرفة وفي الظاهر قال له بلسان التأنيث : ( ألم تكوني محل كل وارث أبيه ) وهو الموري عنه بأكل الكبد ، وهذا الخطاب ظاهره مناسب لباطنه ، وهذا الإرث إشارة إلى
قوله صلى اللّه عليه وسلم في جواب اليهود : “ إن أول طعام أهل الجنة زيت كبد حوت
“ 1 “ “ . لأن الحوت ينشأ في الماء ، وهؤلاء أعني أهل الجنة قد اتصفوا بحياة الأبد من حين بعثه اللّه إليهم من الحي إلى الحي ، وقد قلنا : إن الماء ممد الحياة ، فلما اتصفوا بالحياة اتصافا وجب أنهم يطعمون من دم الكثيفة التي تكونت في هذا الماء حتى يكون وصفهم بالحياة حقيقة ومعنى ، أمّا الحقيقة : فيجعل اللّه لهم بمراده أحياء ، وأمّا المعنى : فإرثهم حياة من اسم اللّه الحي الاتحاد الذي بينهم وبينه ، وهم آكلون لزيت الكبد حتى يتحقق لهم هذا الإرث عيانا ، ولا يتحقق الإرث إلا بأكل الدم ، وليس لنا عضو مكوّن للدم إلا الكبد ، فأكلهم لها تحقيق للاستمداد من اسم اللّه الحي عيانا .
وقوله : ( مع منكر البحر الأخضر ) ، إشارة إلى نفور العارف في آن المحو لأن الخضرة للصفاء وهذا الشهود لا كدر فيه ، بل لا كثافة ليحصل لها التمييز ، لكنه لطف صرف ، ولهذا يوصف بالخضرة ، وأما توريته عنه بالبحر فلأنه إذا ولج الشاهد في حال إلقاء الجسد يقصر حفظه عن حصر ذلك الشهود حتى لا يجد له ابتداء ولا انتهاء وأيضا فإن الشاهد حّي مدرك بذاته إدراكا فقط ، والإدراك هو حقيقة الحياة ، فلهذا عبّر عن هذا الشهود الذي اقترن بالإنكار بالبحر الأخضر لأنه حي مدرك إدراكا لطيفا لا كدر فيه ، وهذا يحصل لكل عارف قبل الكمال ، وتسمية المرتبة الثانية الموري عنها بشهود المحو ، ومن قبلها كان الشاهد ينكرها إنكار عدم ، ومضادة الإنكار وجود وخفاء ، لأن غير العارف لا يتيقن أن هذه الموجودات فانية معدومة بل يتيقن أن هذه الموجودات فانية
..........................................................................
( 1 ) رواه البخاري ( 3 / 1433 ) وأحمد في المسند ( 3 / 27 ) ، والطيالسي ( 1 / 273 ) .

“ 307 “


معدومة ثابتة موجودة يقينا عيانيا وإدراكا حقيقيا ، وكذلك العارف قبل معرفته ، فإذا ولج في مثل هذه الأوصاف التي هي من شروط الكمال تيقن أنه كان على غاية الجهل وإنكار أحادية الوجود الموري عن صفاتها بالبحر الأخضر ، فكأنه قال له في الخطاب المؤنث بلسان الصخرة في حال الزجر عند وقوع الإنكار : ( ألم تكوني التي آوى إليها الوارث ؟ ) وهو بعينه منكر البحر الأخضر أي الذي كان متصفا بأوصاف الجهل ، وهو الآن متصف بأوصاف المعرفة التي تتضمن الكمال .
( ص ) [ قوله : ( فخبرني ما آكل عليك ؟ قالت : الشطر ، قال لها : والشطر الآخر ، قالت : غاب في البحر ، قال : ميتا أو حيا قالت له : حيا ) ] .
( ش ) أقول : إن خطابه للصخرة بالتذكير إشارة إلى المتصف بها ، وهو المخاطب الشاهد ، فإنه من حين خوطب بلسان الصخرة حصل له الاتصاف بتحقيقها ، وهو لفظة الوراثة ، ثم إنه استعلى على أوصافه وعلمه استعلاء للذكور على الإناث ، وهو استعلاء استواء وقيوّمية ، وظهر بصفاته اللائقة بالاستعلاء ، واختفت أوصافه المخصوصة بالصخرة وهي التي مالت به إلى الهبوط النسبي حتى خوطب بالتأنيث ، فلما حصل له هذا الاستواء مقترنا بالاستعلاء كان نفس استعلائه رفع اسم التأنيث عنه إذ التأنيث من أسماء الذات ، وهو في حال استنطاقه بلسان الصخرة كان في خفاء يكاد يلحقه بالذات ، فلما حصل الاستعلاء ظهر تقييده واختفاء إطلاقه والاستعلاء والهبوط منوط بالتقييد ، فلمّا ظهر هذا التقييد عليه خوطب بالتذكير لأن التذكير ينشأ عن حقيقة التقييد ، والتأنيث ينشأ عن الذات المباينة لهذه الأوصاف ، فخطابه بالتذكير خطاب حقيقي ، ويلحظ منه في الظاهر تناقض ، وليس كذلك لأن نسبة معناه إلى ظاهره نسبة خافية ، لكن لا تناقض فيه ، وإنما لما سبق بالتأنيث في الخطاب الأول وكرر الخطاب مذكرا استبهم وهو ظاهر لأن الخطاب لواحد أولا وآخرا ، وموجب ذلك أنه ليس في عالم الباطن تذكير وتأنيث ، فلهذا ساغ أن يخاطب الشاهد بالتذكير والتأنيث لأجل اصطحابه للصفات الظاهرة إلى الباطن .
وقوله : ( فخبرني ما آكل عليك ) بالتذكير امتحان للاتصاف على طريق الاستفهام لأنه يلحظ منه كأنه يقول له : خبرني هل اتصف بمجموع الأوصاف أم لا ؟ فقال لا في جوابه بالشطر ، لأنه قبل الوراثة كان متصف بالتقييد ، فعند الأكل اتصف بصفة الإطلاق نصف صفة الوجود وهو النصف المأكول ، فليس يرث آكل كبد أبيه منه سوى الإطلاق إذ كان الوارث قبل الوراثة موجودا وكل موجود مقيد ، فقد كان متصفا بالتقييد الذي هو

“ 308 “


أحد صفتي الوجود ، فعند تحقيق الإرث يتصف بالصفة الأخرى التي هي المعرفة ، ولهذا يفني صورة العارف في حال اتصافه فناء عدم وبقاء وهي غاية معرفته إذ هي صفة الذات على الإطلاق ، وفي ذاته صفتان أحدهما مأكولة وهي الموروثة ، والأخرى مرمية في البحر وهو التقييد المتخلف عن العارف عند إطلاقه ، فالمتخلفة غاطسة في بحر التقييد الذي هو ممد الحياة ، والمتصف بها هي ممدة لأن الإطلاق ليس فيه كثرة ولا بقاء تقييد ، والتقييد فيه الكثرة ، فالنصف المأكول مائل إلى الفناء “ 1 “ وهو البقاء الحقيقي والنصف الغاطس في البحر مائل إلى البقاء وهو الفناء حقيقة إذ هو مقيد والتقييد فاني .
وقوله : ( ما آكل عليك ؟ قالت : الشطر ) يريد به حقيقة الاتصاف بالوراثة .
وقوله : ( الشطر الآخر ، قالت : غاب في البحر قال ميتا أو حيا ) . يريد به ما تخلف من الجهل في صورة العارف المقيدة ، لأن كل متخلف مستغنى عنه ، لكن لما كان العارف مفتقر إلى صورته ، وجب أن يكون الشطر الآخر الذي هو صورته مستودعة في محل الحياة إذ المجموع حي ، فكأنه قال له على لسان الصخرة : كم ورثت من أبيك ؟ قال : نصف صفاتي ، قال : والنصف الآخر ؟ قال : خلفته حيّا في حال كمالي .
وقوله : ( ميتا أو حيا قالت له : حيا ) يريد به حياة صورته في حال انفرادها بالتقييد الذي هو بحر الحياة المتجزئة .
( ص ) [ قوله : ( قال : والشطر المأكول ، قالت : ميتا قال : حلالا أو حراما ؟ قالت :
حلالا قال : فقولي ميتا ، قال : فقولي حيا ) ] .
( ش ) يريد به إظهار حقيقة العدم “ 1 “ في عين الوراثة لأن كل ميت معدوم بالنسبة
.......................................................................
( 1 ) منه فناء القلب الذي يصير في تجليات الأفعال الإلهية يعني رؤية أفعال ما سوى الحق آثار فعله تعالى ، وإذا غلبت هذه الرؤية على السالك يرى أيضا صفات الممكنات وذواتها مظهر صفات الحق وذاته ، ويترنم بالتوحيد الوجودي ، وهو عبارة عن رؤية وجود الممكنات أمواج وجوده ، ويرى ذاته تموجه في بحر وجود حضرة الحق ، ويقال لهذا : أرباب التوحيد الوجودي ، الفناء في اللّه ، وإذا استغرق السالك في هذا البحر لم يجد لبصيرته مشهودا سوى البحر ، وكلما نظر إلى جانب لا يرى غير البحر وأمواجه ، بل يجد ذاته قطرة من هذا البحر ويرتفع من نظره امتياز القطرة أيضا لكمال استغراقه . ( الجامع ص 100 ) .
( 1 ) العدم : ما ثبت للعبد في علم الحق ، من باب السعادة أو الشقاوة ، فإن اختص بالسعادة ، فهي قدم صدق ، وبالشقاوة ، فقدم الجبار ، فقدم الصدق وقدم الجبار هما منتهى رقائق أهل السعادة

“ 309 “


إلى الأحياء ، فلما كان عين الاتصاف بالأكل ولوج في الموت ، جعلت المتصف ميتا حيث اتصف بالعدم الذي هو حقيقة الوراثة .
وقوله : ( والشطر المأكول ، قالت : ميتا قال : حلالا أو حراما قالت : حلالا قال :
فقولي حيا ) أقول : قد تقدم القول في الشطر المأكول ، وقد قلنا : إنه حقيقة الاتصاف بالوراثة لأنه من حين أكل كبد أبيه اتصف بأوصافه التي لم تكن في ذاته قبل هذا الإرث ، فإنه كان متصفا بنصف الوجود وعند الوراثة اتصف بالنصف الآخر المعبّر عنه بالإطلاق لأنه كان موجودا مقيدا ، وعند الوراثة عاد موجودا مطلقا ، فالإطلاق هو الذي ورث من أبيه وهو الشطر المأكول ، والتقييد هو الصفة التي كان فيها وهو النصف الغائب في البحر .
قوله : ( حلالا أو حراما ، قالت : حلالا ) يريد بهذا الخطاب إظهار حقيقة نفور الصخرة في حال الاتصاف ، لأن الحرام هو الممنوع عنه بجعل جاعل ، فلما منع هذا صارت النفس تنفر منه طبعا ، فكأنه قال لها : ما تعافه النفس أو ما تقبل عليه ؟ قالت : بل ما تقبل عليه .
قوله : ( قال : فقولي حيا ) يريد به إظهار حقيقة تحريم الميت ، وتحليل الحي ، لأن الحي مقبول عليه والميت تنفر النفوس عنه ، فلما قالت في الخطاب الأول : هو الذي تقبل النفس عليه وجب أن ينبهها على أن تصفه بالحياة ، هذا كله ، والشاهد قد امتاز مستعليا على جزئه الترابي الموري عنه بالصخر ، وهي تخاطب اللّه ويخاطبها والشاهد سامع وهي تنطق بلسانه وهو في هذا الآن لا يتكلم إلى حين رجوعه من هذا الشهود ، وأراد الإخبار عما شهد ، فقال : ( رأيت جزئي الترابي يخاطب اللّه بلساني ، ويخبره عن مجموع أوصافي الموروثة وغير الموروثة ) .
( ص ) [ قوله : ( قال : كم قعدوا عليك ؟ قالت : النهار كله ، قال : والليل ؟ قالت له :
فارقوني بالليل وانبسط علي البحر الأخضر ، فغمرني بمادة القمر ، فلما أبصر الشمس انحسر عني ، فانكشفت للشمس ) ] .
( ش ) أقول : هذا أيضا خطاب تأنيث على لسان الجزء الترابي الموري عنه بالصخرة مترجم عن لسان الشاهد الذي استعلى على عنصره في حال هذا الشهود .
............................................................................
- وأهل الشقاوة في عالم الحق ، وهما مركز إحاطتي المحق والمضل .

“ 310 “


فقوله : ( كم قعدوا عليك ، قالت : النهار كله ) إشارة إلى الآن الذي حصل لهذا الشاهد فيه الكمال الذي هو حقيقة الوراثة ، والقاعدون هم الوارثون ، من عهد آدم عليه السلام إلى الآن الذي كمل فيه هذا الوارث ، ولهذا سألها بلفظ الجمع ، وقولها في جوابه النهار كله يشير إلى الآن كما قلناه وهو أن التقييد الذي مال فيه هذا الشاهد إلى الاتصاف لأنهم ما داموا قاعدين لم يتحقق لهم الاتصاف إلى حين الزوال لكنهم في حال القعود آخذون في طريق الاتصاف ، فإذا تحقق لهم الزوال كان عين الزوال هو حقيقة الاتصاف .
وقوله : ( قال : والليل ؟ قالت له : فارقوني بالليل ) يريد به تمكين الاتصاف بالإطلاق في أنه الموري عنه بالليل ، لأنه لم يتحقق لهم هذا الاتصاف إلى حين ولوجهم في الظلمة ورجوعهم منها ، والرجوع هو عين مفارقة الصخرة التي يشبه نورها نور الليل ، لأن نورها لا يميز مثل نور الليل الذي لا يحكم له بأنه للتمييز ، وإن كان في ذاته مميز اسم فاعل فتميزه مثل تمييز الكثرة في حكم الإطلاق فيه ، أعني هذا الإطلاق يشهد الكثير واحدا ، والواحد كثيرا ، فمفارقة المتصف لعناصره المتمايزة يكون عند رجوعه من هذا الشهود ، ولهذا قالت : ( فارقوني بالليل ) أي : اتحدت بإخواني من العناصر ، وعاد الكل واحدا ، وفي هذا الحال “ 1 “ يفارق كل واحد من العناصر صاحبه لأجل الاتحاد .
.......................................................................
( 1 ) الحال : ما يرد على القلب الأخذ في السير إلى اللّه من غير تعمد ولا اجتلاب ، وهو نعت إلهي كوني حيث أنه تعالى مع كونه واحد العين : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [ الرحمن : 29 ] . وأصغر الأيام الزمن الفرد ، وهذا أصل كونه نفيا كونيا فإن في الشؤون ، وعين تحول القلب بالأحوال . فإن أحوال القلب شؤونه ، ومن شرطه أن يزول في كل زمن فرد . يعقبه المثل إلى أن يصفو وينتهي إلى غايته ، فهو إلى عدم بفنائه زمانين :
إما بتعاقب الأمثال ، أو بحكم تعاقب الضد ، ولذلك قال قدس سره : “ وقد لا يعقبه المثل “ كحال الفرح ، فإنه يستمر زمانين أو أكثر ، وينقطع فيعقبه الترح ، ومن هنا نشأ الخلاف بين القوم .
- فمن أعقبه المثل : أي : رأى استمرار تعاقب الأمثال قال بدوامه .
- ومن لم يعقبه المثل ، بل حول انقطاعه لورود ضده عليه ، قال بعدم دوامه .
والحق أن حال الكون يتجدد مع الأنفاس ، ولا يبقى زمانين ، ولذلك قال تعالى فيمن يجهل ذلك : بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ ق : 15 ] .
وقد قيل : الحال تغير الأوصاف على العبد ، كأنه يزيد ظهوره في السر ، والتحلي بالأخلاق الإلهية وأسرارها ، وذلك هو ظهور الآثار الخارقة من همته الفاعلة في الكون بالقوة الإلهية المستندة إلى الأسماء التي يتحقق العبد بها ، وتولى بعد تحققه التصرف بحسبها حتى ظهر في العالم بالهمة الفاعلة

“ 311 “


قوله : ( وانبسط علي البحر الأخضر ) تأييد ما ذكرناه من اتحاد العناصر عند رجوع كل عارف من خطابه بلسان جزئه الترابي ، فإنه من حين هذا الاتحاد وإن كان من الرجوع تسري الحياة في المتحدين سريان بسط وغمر ، مثل غمر البحر الأخضر لهذه المخاطبة ، وهذا البحر هو الذي يغمر عنصر كل عارف إذ هو صفاء وحياة ممتزجة بلطف خصوصا ، والعارف بعد هذا الرجوع واجتماع عناصره إلى حيث بقاؤها واحدا يكون قد اتصف بسر الحياة ، وقد فني فناؤه ، وعاد بقاء الحياة مستمدة من الماء ، وقد قالت الحكماء الأقدمون مثل هرمس وغيره : “ سر كل شيء وحياته الماء “ ، فهذا البحر هو ظاهر هذا السر الذي اتصف به العارف ، وكيفية هذا الاتصاف غمره .
وقوله : ( فغمرني بمادة القمر ) ، يعني نور الذات إذ هو أعني : القمر آية الليل ، والليل صفة الذات من حيث هو ظلماني ، فلما كان القمر آية الليل ، وجب أن يكون نوره يستمد من الذات ، لأن صورته تشبه صفتها ، فكأنه قال : فارقوني بعد اتصافهم بالوراثة انبسطت علي الحياة وغمرتني بنور الذات التي هي مادة القمر .
وقوله : ( فلما أبصر الشمس انحسر عني فانكشفت للشمس ) يريد بالشمس النور المميز حقيقة ، وهو الذي قامت به الكثرة وثبتت أعيانها ، فنشأته بالحقيقة من إرادة التقييد وصورته وكيفية فعلها فعلى الإطلاق لولا النور الموري عنه بالشمس لما تميزت الكثرة ولا تسمى الوجود بالاسم الظاهر ، فكأنه عن لسانها لما أبصرت مادة الحياة صور النور المميز .
قوله : ( انحسر عني ) أي : انكشفت عني مادة الحياة ، فظهرت للنور المميز ، وهذا يكون للشاهد عند رجوعه من اتصافه بالوحدة والكثرة ، فإنه يثبت الكثرة بخلاف ما كان عليه آن شهود المحو ، فكشف عنصره الترابي من مادة الحياة هو عين إثباته للكثرة حتى يثبتها للعناصر أيضا ، فكأنه قال : عند رجوعي من اتصافي بالكمال الذي هو غير مفارقة الصخرة وغمر عناصري بمادة الحياة ، وظهر لي النور المميز للكثرة انكشفت مادة الحياة
......................................................................................
والتحكم ، والقهر ، والسلطان ، وإن أراد تغير بكل ما يمكن أن يتصف به كل حال من الأوصاف .
فالمعنى يرجع إلى الوجه الأول ، فإن الأوصاف : أحوال يتقلب العبد فيها ، إما بحكم تجدد الأمثال أو الأضداد .

“ 312 “


عن عناصري حتى ثبتت لي بالنور المميز الموري عنه بالشمس ثبوتا حقيقيا .
( ص ) [ قوله : ( قال لها : والنجوم ما كانت تصنع عند محادثة البحر الأخضر للقمر ؟
قالت : انكدرت ويحق لها أن تنكدر ) ] .
( ش ) أقول : مراده بالنجوم ، النور المتجزئ الذي ليس له عند ظهور سلطان الظاهر حكم ، وسلطان الظاهر هو الشمس وكل نور يتميز به أعني بنور الشمس أو القمر أو بنور الوجود الذي ليس هو شمس ولا قمر نسميه نجوما ، إذ النجوم أنوار متميزة وهذا التمييز هو لشدة كثافة هذا النور والقمر ألطف منه ، ولهذا لا يتميز نوره بغيره أي : لا يتجزأ ، فكأنه حين انبساط البحر الغامر بمادة القمر حصل لهذه الصخرة المستمدة للحياة خطاب سر نطق بلسان الحال ، لأن النطق فيض العبارة ، وهو من شروط الحياة ، وهذه قد أفيض عليها سر الحياة في صورة فيض العبارة ، وقد كان القمر مباينا للبحر ليمده فيض الحياة ويستمد البحر منه هذا الفيض ويمد الصخرة بالغمر ، فلأجل مباينته للبحر أعني القمر حصل المخاطبة ، والخطاب هو فيض العبارة كما قلناه ومن شروط القمر أن لا يفيض فيضا متجزئا إذ هو مستمد النور من الشمس استعارة إلى حين ظهورها ، ولهذا يخبىء أنواره آن ظهورها فوجب أن يكون نوره مستعارا لئلا يخلو الوجود الظاهر من نور الشمس ، والقمر مفاوض عليه فيضا واحدا وهو يفيض أيضا فيضا واحدا وليس فيضه كفيض الشمس لكنه يمد إمدادا باطنا ، فلما كان فيضه الواحد على البحر الغامر للصخرة تخلفت النجوم عن الاستمداد ونقص نورها الذي هو مميزها ، فانكدرت لأجل النقص وعدم الاستمداد وعدم بقاء النور على حاله ، لأن الأنوار كلها تنشأ عن الحياة ، فإذا لم يستمد الحياة نقصت مادتها ووجب لها الانكدار ، فلما كان القمر يستمد من نور الوجود الحقيقي وهو ممد كلها يتميز في صفة الذات التي هي الليل وجب أنه إذا أقبل على محل القابل للنور قبل منه هذا الفيض ، وإذا أدبر عن محله قابل نقص نور هذا المحل لأجل استمداد القمر ما دام قد أفاض عليه ، وهذا النقص هو الانكدار حين إدبار القمر عن النجوم وإقباله على الحياة .
( ص ) [ قوله : ( يا أيها القمر اطلع من بحر الغرب ، فإذا وأريت قبة أرين فاسقط فيها ولا تغب في الشرق فتكن مطرودا ) ] .
( ش ) أقول : إنه لما غمر البحر الصخرة بمادة القمر الذي هو نور الذات كان القمر هو الظاهر على هذا البحر الغامر ، والظهور هاهنا بمعنى الاستعلاء فكأن القمر هو المخاطب

“ 313 “


اسم فاعل عن لسان الصخرة ، وذلك أن الشاهد المخاطب اسم مفعول بجزئه الترابي قد أخذ في اللطافة إلى جهة الاستعلاء ، لأن جزأه الترابي قد أخذ من الخطاب نصيبه واكتفى من حين غمره غمرة بالبحر ، ولما كان الغامر هو الماء وجب أن يخاطب كما خوطب الجزء الترابي ويكون هذا الخطاب على لسان القمر ليكون ترجمانا عن الماء ، وقد سمّت الحكماء الأقدمون الماء بالقمر رمزا لأجل مناسبة الرطوبة ، فكأن القمر في حال هذا الشهود ترجمانا عن الحياة التي يستمد منها كل شيء بالأمر وهو قوله : ( اطلع من بحر الغرب ) .
وقوله : ( اطلع من بحر الغرب ) يريد ببحر الغرب حياة الذات التي من صفتها الليل ، ولهذا كان القمر آية الليل إذ الذات هي الفياضة وهي المفاض عليها ففي حال كونها فياضة توصف بالشرق لأنه منبع النور ، وفي حال كونها مفاضا عليها تسمى غربا لأنه أخذ بغير عطاء إذ هو مفيض النور ، فلما كان الليل محل الجذب وهو متصف بأوصاف الغرب ، وكان القمر آيته قيل له : اخرج من بحر الغرب أي : من محل الأخذ المباين للعطاء لأن الليل لا يفيض الظلمة وإنما يفاض عليه النور آن ظهور الشمس التي هي ذات الفيض ، فمن حيث انتماؤه إلى الليل الموري عنه بالغرب لا يصدق عليه الفيض ولا العطاء بل يصدق عليه الجذب ولهذا كان نوره مستمدا من نور الشمس ، فبحر الغرب على الحقيقة هو محل الجذب والقبول بشرط الحياة ، وبحر الشرق هو محل العطاء والفيض بشرط الحياة أيضا ، فكأنه قال للقمر في حال هذا الخطاب : اخرج من محل الافتقار الموري عنه بالغرب وإظهاره بصفته التي هي الليل .


قوله : ( فإذا وأريت قبة أرين فاسقط فيها ) يريد بقبة أرين محل الاعتدال ، وقد قيل :
إنها بنيت بجزيرة ترنديب علامة لقطع الشمس في خط الاستواء ، وأخرى أن يكون موضع هذه القبة الحد “ 1 “ المشترك بين الحضرات كلها ، فهي مستودعة في الأولية والطالع الذي يمر عليها يجري في الحد إلى حيث الآخر ، والآخر هاهنا بمعنى الغرب وهي الصفة التي يظهر القمر فيها ، والأولية بمعنى الشرق وهي التي ينشأ عنها خط الاعتدال المار من الشرق إلى الغرب ، فإذا ظهر القمر من بحر الغرب الذي هو محل القبول من الذات يوازي هذه القبة التي هي محل الاعتدال ضرورة .
وقوله : ( فاسقط فيها ) لا فائدة فيه إلا امتثال الأمر ، وعدم الفائدة هو أنه إذا ظهر من
......................................................................................
( 1 ) الحد : الفصل بينك وبينه ، لتقيدك وانحصارك في الزمان والمكان المحدودين .
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 8:54 pm

المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 314 “


بحر الغرب الذي هو محل الجذب ولم يكن بينه وبين محل الاعتدال حاجز ولا حد ولا فاصل ، فيسقط اضطرارا ، فليس فيه فائدة سوى الامتثال للأمر .
وقوله : ( ولا تغب في الشرق فتكن مطرودا ) يريد بهذا النهي وقوف القمر الذي هو نور الذات في محله الذي هو حقيقة الجذب ، لأن نور الجذب غير نور الفيض والعطاء ومحله يباينه أيضا ، وقد قلنا : إنّ الغرب هو محل القبول ونوره هو القمر الذي هو نور الذات ونور الذات الخافية يبين نور ظاهرها الذي هو الشمس ، والمتباينان هاهنا ضدان لا يجتمعان وجودا وعدما ، ولهذا كان ظهور الشمس لا يجامع ظهور القمر ، فكأنه أمر نور الذات الموري عنه بالقمر بالإقامة في محله اللائق بظهوره ، ونهاه عن الجري الذي يفضي به إلى المغيب في الشرق لأنه إذا حل الشيء في غير محله يكون مطرودا ضرورة ، خصوصا إن كان فعله الصادر عنه مناقضا لفعل المحل ، والطرد وعدم القبول ، فإذا كان الشرق ليس محل القبول والأخذ بل هو محل الفيض والعطاء فإن ذاته تنفر من حيث هي من كل ما يأتي من الغرب راجعا ، ونفورها عدم القبول لأجل المناقضة التي بينها .
( ص ) [ قوله : ( يا أيها القمر شرف الشرق بطلوعك ولو مرة واحدة في السنة يا أيها القمر حرمت عليك الطلوع ما دامت المشارق والمغارب باقية ) ] .
( ش ) أقول : إنه نبه نور الذات الموري عنه بالقمر على الطلوع في الشرق ، وإنما ورد التنبيه لأن القمر في حكم الخطاب السابق مستودع في الغرب وهو ظاهر منه ، والمستودع في محله لا يظن أنه يخرج منه بل يقطع بالإقامة على هذا النهج ، فلما كان في محله اللائق به وهو مخاطب وجب أن ينبه على عادته المستمرة ، لأن الشرق هو محل الطلوع وفيض الطوالع والقمر من جملتها ، فعلى الحقيقة الشرق محل طلوع القمر لأن الطوالع مفاوضة عن الذات ، فإذا كانت الذات فياضة كان الشرق محل طلوع القمر إذ هو من جملة الطوالع ، وإذا كانت الذات متصفة بالجذب مسماة بالقبول يكون القمر مستودعا في الغرب ، إذ هو نور الذات في حال براءتها عن الفيض وهي لا تكون بريئة عن هذا الفيض في كل زمان إلا مرة واحدة ، وهو أن اتصاف الكامل بالفناء ، فالنور الذي يدرك الكامل فيه ذاته في حال فنائها هو نور الذات الموري عنه بالقمر ، وهو الذي نسميه ظلمة بالنسبة إلى الظاهر ، فهو يظهر للكامل المراد للفناء في آن إلقائه للجسد وولوجه في الفناء في صورة نورانية ، كطالع يشبه هذا القمر .
فقوله : ( شرف الشرق بطلوعك ولو مرة في السنة ) يريد به ظهور نور الذات آن

“ 315 “


فناء العارف في حال فناء التمييز وبقاء الإدراك ، فكأنه يقول لنور الذات : اطلع من محل الشرق لهذا الشاهد في زمانه ولو مرة واحدة ، وهذا مما حصل لهذا الشاهد قبل الكمال .
وقوله : ( يا أيها القمر حرمت عليك الطلوع ما دامت المشارق والمغارب باقية ) أقول : هذا تأييد ما ذكرناه في قولنا : إن القمر هاهنا عبارة عن نور الذات الذي يظهر للعارف آن فنائه ، فلهذا قال له : حرمت عليك الطلوع لأنه من حين فني في الذات مرة واحدة لا يعاوده هذا الفناء قصدا من اللّه تعالى ، وإن شهده ، فإنه يكون على سبيل الاقتصاد ولا يكون فناء حقيقيا ومن هاهنا قال : إن اللّه لا يتجلى لأحد مرتين والتجلي في هذه الصورة حرام أي : ممنوع بتلك الحقيقة للكامل لأنه لا فائدة فيه ، والقصد في التجلي الأول هو الاتصاف بأوصاف اللّه كلها ، فإذا للعارف هذا الاتصاف يستغني عن الافتقار إلى هذا التجلي الذي هو بنور الذات الموري عنه بالقمر .
قوله : ( ما دامت المشارق والمغارب باقية ) يريد بالمشارق محال فيض العارف المخصوص بالكمال ، والمغارب هي المقابلة لهذا الفيض بواسطة الافتقار الذي ينشأ عن النقص ، فمن حين اتصافه المتمكن بلفظ الخلافة عاد فياضا ، وفيضه بعينه هو فيض الذات ومن حيث الافتقار الذي يتضمن ذاته الكاملة هو جاذب ، ففي ذاته الشرق صفتان كامنتان وهو من قوله تعالى : رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [ الرحمن : 17 ] .
( ص ) [ قوله : ( يا أيها القمر غص في البحر الأخضر ولا تظهر إلا لحيتانه ولا تخرج منه أبدا “ 1 “ ، يا أيها القمر قل للبحر الأخضر يضم عليك أكنافه عن أمري ، ولا تتموج ولا تتراكم ، فتسمع دويه ، وأنا أغار عليه ، بلغه عني وقل له : إن تموج وأظهر نفسه ، أو رمى بك على ساحله أو حجبك عن حيتانه أسلط عليه دابة من دوابي تشربه ، ثم ترمي به من دبرها في العدم ، وأخرجك منه وألقيك في البحر الأبيض ليكون أبلغ في نكايته ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب تنبيه نور الذات الموري عنه بالقمر على الكمون في ذات هذا الشاهد عند إرادة الاتصاف ؛ لأن القمر هو نورها في حال إطلاقها عند وجود كل عارف ، لأنه لابد لهذا النور من التنبيه على الكمون في ذات هذا الموجود ، والبحر الأخضر هو الحياة الخالصة الصافية التي اتصف بها العارف آن فنائه والغوص في هذا البحر
...............................................................
( 1 ) هكذا في المشاهد ، وفي الشرح : يظهره ، ويخرج له .

“ 316 “


بمنزلة الكمون ، فكأنه يقول للنور الذاتي الموري عنه بالقمر : أكمن في ذات هذا العارف المتصفة بالحياة المعبر عنها بالبحر الأخضر عن أمري .
قوله : ( ولا يظهر إلا لحيتانه ) يريد بالحيتان مجموع العارفين الذين قد صدق عليهم سر الحياة ، وعادت أجسامهم ذاتية الصفة “ 1 “ ومعانيهم في اللطافة شبه الماء الصافي الموري عنه بالبحر الأخضر ، فعلى الحقيقة لا يظهر هذا النور الذاتي الموري عنه بالقمر إلا لهؤلاء الذين قد صدقت عليهم الحياة الحقيقية ، وقد عادوا فيها بمنزلة الحيتان ، فهذا النور لا يفتقر إلى التنبيه على الظهور لهؤلاء الموري عنهم بالحيتان إلا لأنه عرف باسم القمر ، والقمر قد جرت سنّة اللّه أنه يشهده عالم الظاهر كما يشهده عالم الخفاء الموري عنهم بالحيتان ، لكنه نبّه في هذا التنبيه أنه ليس في عالم الظاهر حقيقة فلما كان القمر مشهودا لهم قيل له :
لا يظهر إلا لحيتانه أي : لا يظهر باسمك النور الذاتي إلا لهذه الحيتان ، ولهذا لا يظهر في الظاهر إلا مسمى بالقمر ، بل لا يعلم أحد من عالم الظاهر أنه نور الذات في حال إطلاقها ، سوى الواحد المنفرد في العصر وهو أحد الحيتان .
قوله : ( ولا يخرج منه أبدا ) يريد بهذا الأمر كمون النور في ذات العارف المنفرد بغير ظهور إلى حين زواله المعهود ، فإنه لا يزول على الحقيقة ، وإن زال جسمه فيكون خفاء بالنسبة إلى الظاهرين ، فلأجل هذه النسبة يقوم مستخلف آخر مشهودا دائما بدوام اللّه تعالى ، فإلى هذا الدوام أشار بقوله : ( ولا يخرج منه أبدا ) يعني ما دام هذا العارف موجودا .
وقوله : ( يا أيها القمر قل للبحر الأخضر يضم عليك أكنافه عن أمري ولا يتموج ولا يتراكم ، فيسمع دويه وأنا أغار عليه ) أقول : مراده بهذا الخطاب إرسال أمر إلى الحياة على لسان القمر الموري عنه بنور الذات ، والبحر الأخضر هو الحياة الصافية ، فوقت كمال العارف يحصل المزاج بين هذه الحياة وبين النور الذاتي الموري عنه بالقمر ، وهذا المزاج بمنزلة الضم إلى حين كمون النور فعند هذا المزاج يحصل للعارف الفناء الحقيقي ، ولا يكون الفناء إلا بإخفاء النور وظهور الحياة المعبّر عنها بالبحر ، فكأنه أرسل إلى الحياة صورة هذا المزاج على لسان النور الذاتي المسمى بالقمر ، وهذا يكون قبل كمال العارف
........................................................................
( 1 ) الصفة : ما طلب المعنى كالعالم يقال له : رجل عالم ، فلأنه طلب العلم ، وهو المعنى الكاشف عن حقائق المعلومات كما هي .

“ 317 “


بآن واحد .
قوله : ( ولا يتموج ولا يتراكم ) يريد بالتموج استعلاء الحياة بعضها على بعض في حال ازدحامها عند قدوم العارف ، فإنه إذا قدم في آن فنائه على هذه الحياة عاد البحر له بمنزلة المحال ، وتعود جهاته متهافتة لتضم أكنافها على هذا العارف ، لأن قدومه زيادة حياة ، وسعة في هذا البحر ، فكأن اللّه تعالى بعث إلى هذا البحر الذي هو حياة الذات صورة المزاج على لسان نورها ، وهو الذي يحصل بين الحياة والعارف في حال فنائه ، واتبع هذا الأمر بأن قال للبحر : لا يتموج أي لا يحصل بين جهاتك تهافت فإن عارفا يقدم الآن ، وهذا مما حصل لهذا الشاهد قبل كماله وكذلك قوله : ( ولا يتراكم ) .
قوله : ( فيسمع دويه ، وأنا أغار عليه ) يريد بدويه : الصوت الذي يحصل في آن التهافت ، واللّه يغار على هذا الصوت أن يسمعه إلا هو ، والسامعون هم المشاهدون للصورة وأصحاب الأحوال والمقامات إلى غير ذلك ، فاللّه تعالى يغار عليهم أن يتعالوا على محالهم بسماع هذا الصوت ، فإنه من حين يسمع ، يحصل للسامع الاستعلاء ، وهؤلاء لا يلحقون درجة الاستعلاء الحقيقي ، فلهذا يغار اللّه على ذوي البحر أن يسمعوه فإن كلا له مقام معلوم .
وقوله : ( بلغه عني وقل له : إن تموج أو أظهر نفسه أو رمى بك على ساحله أو حجبك عن حيتانه أسلط عليه دابة من دوابي تشربه ، ثم ترمي به من دبرها في العدم ، وأخرجك منه وألقيك في البحر الأبيض ، ليكون أبلغ في نكايته ) أقول : مراده بهذا التنزل إرسال أمر على لسان النور الذاتي الموري عنه بالقمر إلى البحر الذي عبرنا عنه بسر الحياة ، فإنه قبل هذا الخطاب أرسل هذا الأمر بعينه إليه ، فكأنه لم يتمثل هذا الأمر ، وذلك لأنه آن إرادة اتصاف الشاهد بالكمال قبل الاتصاف يشهد الصورة وهي تعلمه بالكمال ملاحظة على سبيل الإشارة ، فيحصل له تردد ما على سبيل الشك لأنه لم يشهد الآن ، وقد يشهد الآن شيئا ، وقد خوطب بما سيكون ، فعدم قبوله بعينه لهذا الخطاب هو عدم قبول البحر في حكم الإرسال الأول ، فبعد هذا يحصل للشاهد يقينا بأنه لابد له من الكمال وهو افتقار ما يدركه الشاهد في ذاته ، فهذا اليقين الذي حصل له الآن هو الأمر الثاني ، وهو قوله : ( بلغه عني وقل له ) وهذا الأمر قد اصطحب تخويفا ، وهو تخويف الشاهد إن أراد الكمال ، وكأنه يقول له : في هذا الآن بلسان الغضب : لا تجزع فإنك ستقع فيما هو أشد خوفا وأكثر ظلمة فسر بإرادتي ، فإذا سمع الشاهد هذا الخطاب حصل

“ 318 “


له اليقين المذكور ، وهذا الإرسال المذكور كله على لسان النور مارّا إلى الحياة ، ومن حيث أن المرسل آن الإرسال يغيب عن المرسل ظاهرا آن قضاء الحاجة ، وغيبته هو إخفاؤه في الصخرة المذكورة التي هي الجزء الترابي الذي في جسم هذا الشاهد قيل له :
بلغه عني وقولي له ، لأنه في حكم الخطاب السابق كان مخاطبا للنور بلفظ التذكير ، لأننا قلنا : إنه استعمل النور على الصخرة آن إرادة الخطاب له ، ولأجل ظهور النور على الأجسام الكثيفة يخاطب بالتذكير لما فيه من الاستعلاء ومن حيث أن الكثيف سفلي خوطب بالتأنيث ، وقد جعل اللّه الذّكر قيوما على الأنثى والقيومية بمعنى الاستعلاء ، فلما كان هذا النور الموري عنه بالقمر عند الخطاب مستعليا على الصخرة المخاطبة بالتأنيث وجب أنه عند الغيبة التي هي الإرسال يكتمن لأنه متعلق بها من حيث قيام الأجسام بالعناصر الأربعة ، فعند هذه الغيبة ظهرت الصخرة على النور لأجل كمونة فيها ، فخوطب بالتذكير أولا قبل الكمون ، ثم عطف على الصخرة آن ظهورها فخاطبها بالتأنيث ، فهذا كيفية قوله :
( بلغه عني وقل له : إن تموج ، أو أظهر نفسه أو رمى بك على ساحله ، أو حجبك على ساحله ، أو حجبك عن حيتانه أسلط عليه دابة من دوابي تشربه ) يريد به أمرا منوطا بالتخويف ، وذلك صورة الإلقاء في العدم ، فإن التموج إن قلنا : إنه تهافت الحياة آن قدوم هذا الشاهد على الفناء ، وليس هو من شروط الحياة آن القدوم لكنه يقع على سبيل الفرض ، وقد أراد اللّه نفي هذا الفرض الذي هو التهافت عند ولوج هذا الشاهد فيها ، لئلا يحصل له الظهور أعني للبحر ، ولا الاستعلاء بعضه على بعض ، وقد سبق قوله : إنني أغار عليه ، فأرسل إليه قائلا : إن تموّج خرج عن حكمي وكذلك باقي الأوصاف إلى آخرها فأي شيء ارتكب منها سلطت عليه دابة “ 1 “ تشربه أي تخفيه عن كمونة في هذا الشاهد ، لأن كمونة زيادة حياة ، ومنعه موت عدمي النسبة ، وهذه هي الاسم المنتقم مع ظهور شيء من العزة ، فلا يمنع الكامل عن كماله لكنه “ 2 “ يخفي الحياة فيه إخفاء بحيز ، لئلا يظهر عنها منه فيض إلى شيء من الموجودات ، ولهذا يكون بعض الكاملين صاحب كرامة ، وبعضهم ليس كذلك ، ولا يكون صاحب الكرامة أكمل من الآخر ، لأن كليهما متصفان
.....................................................................................
( 1 ) ليست ( في ) موجودة في الأصل ، ولكن يقتضيها السياق .
( 2 ) هكذا في الأصل : لكان ، والأصح ( لكنه ) .

“ 319 “


بسر الحياة من حين الفناء في الذات لكن الواحد منها يفيض الحياة ظاهرا ، وهو صاحب الكرامة والآخر بعضها ما تدرك الأبصار للناظرين ، وسبب ذلك أنه ربما حصل له شيء من المنع آن الجمع بين الصفتين ، فلم يتركه مفيضا للحياة على هؤلاء الجاهلين أولي المسكنة ، وهذا المنع هو الدابة المذكورة ، فكأنه كلما أراد الكامل فيض الحياة ظاهرا حصل هذا المنع فيمكنها في ذاته ، وهو العدم المذكور ، لأن ذاته من حين فنائها اتصفت بالعدم المعهود ، وهذا المنع يحصل لبعض الكاملين لأجل غيره يتضمن شحا ما ، وهذا الشاهد رحمه اللّه بريء عن ذلك ضرورة لأنه حاتمي النسب طائي الأصل ، فيلزمه الكرم ظاهرا وباطنا .
وقوله : ( يرمي به من دبرها في العدم ) يريد بالدبر ضد القبل ، والفيض لا يكون إلا من أمام ، لأن الحق تعالى له صفاء الإطلاق والتقييد ، فالإطلاق هو المعبرّ عنه بالدبر وهو العدم المذكور ، والتقييد هو المعبر عنه بالقبل ، فعليه الفيض من الإطلاق الموري عنه بالعدم ، ولهذا يعود الشاهد عند كماله إلى خلاف ليتصف بالعدم الذي هو بقاء حقيقي ، وقد نقل الإمام القشيري رحمه اللّه في رسالته عن بعض المحققين في كلامه أنه قال : يعود آخر العبد إلى أوله ، يريد به عود النهاية على البداية .
وقوله : ( وأخرجك منه وألقيك في البحر الأبيض ليكون أبلغ في نكايته ) يريد به غاية تحذير البحر عن الأفعال السابقة من التموج والظهور إلى غير ذلك ، فإن البحر يخاف من خروج هذه الصخرة منه لئلا تنقص حياته التي دخلت عليه وقت امتزاجه بجزئه الترابي المعبرّ عنه بالصخرة إذ الحياة التي في الإنسان حال حميته العنصرية أكبر وأظهر ، وهذا التفريق يكون للشاهد قبل فنائه بآن واحد أو آنين ، فعند محوه يحصل الجمع الحقيقي الذي لا انفصال منه ، وهذا التفريق قد حصل لهذا الشاهد وقت خطابه من الجزء الترابي الموري عنه بالصخرة ، وهو قبل ولوجه في البحر الأخضر ، فمن حين يصدق هذا الولوج يعود هذا البحر الأخضر المعبرّ عنه بالحياة خائفا لئلا يحصل له هذا التفريق الأول مرة ثانية ، وهذا بجهل يتضمنه ذاته ولا يعلم أن هذا الجمع لا يطرأ عليه التفريق ما دام الأبد ، فخوف عن ارتكاب الأوصاف المذكورة بخروج الصخرة منه وإلقائها في البحر الأبيض ، والبحر الأبيض هو النور ، والبحر الأخضر من حيث هو ظلماني لا نور فيه فهو ينفر عن النور ، كما تنفر الظلمة عن الضوء طبعا ، فمن حين ولجت الصخرة في البحر الأخضر برئت عن النور ، وحصل لها الجمع فهو يخاف على الجمع من التفريق ، فإنه إذا

“ 320 “


حصل التفريق كانت الأجزاء ملقاة في النور الموري عنه بالبحر الأبيض ولا نكاية للظلمة التي هي صفة البحر الأخضر أعظم من مزاجها بالنور لأنه الظلمة ، وهو صفة الذات المطلقة التي هي حقيقة الوجود ، فإذا ظهر هذا النور عادت الحقيقة المطلقة مقيدة ، وانطلق عليها اسم الكثرة والحقيقة المطلقة تضاد هذا التقييد مضادة لا اجتماع لها ، وهي التي يخاف البحر منها .
( ص ) [ قوله : ( يا أيها القمر قل للصخرة : تنفجر اثنتي عشرة عينا ، فإذا انفجرت فانغمس في كل عين غمستين كاملتين ، واغمس ثلثك في ثالث غمسة فالثالث محل الكم ) ] .
( ش ) أقول : يريد بهذا الخطاب تنبيه الصخرة على إظهار الحياة في اثني عشر سرا ، وهي سر الإرادة ، وسر النقض ، وسر الحد ، وسر الظهور ، وسر المقابلة ، وسر الفيض ، وسر الإطلاق ، وسر التقييد وهما النقيضان اللذان يجتمعان في الشهود عند كمال العارف وسر الأولية ، وسر الآخرية وسر الباطن ، وسر الظاهر ، فالصخرة بهذه الأسرار عند إظهار إرادة إخفاء النور الذاتي الموري عنه بالقمر فيها ، لأن هذه الاثني عشر تتضمن مجموع الوجود ، فوقت اجتماع النور والظلمة التي يشترط فيه إخفاء النور في الظلمة التي هي نور الصخرة تظهر هذه الصخرة بما أكمن فيها فيكمن مرة واحدة يتصف فيها بالتقييد ، ولهذا يعود إلى الظهور ، ثم إنه يكمن مرة ثانية ، فيتصف بالإطلاق ويمتزج بالصخرة ممازجة تناقض إذ النور والظلمة لا يجتمعان في بداية العقول فالإطلاق الذي هو منشأ ظلمة الصخرة يريد فناء هذا النور إلى حين عدم التمايز بظهوره يريد الاستعلاء والظهور على الظلمة ، والصخرة بظلمتها لا تدعه يصل إلى هذه الغاية فيقهر النور بظهوره تلك الظلمة ويخلص بالقهر ثلث نوره ويستعلي به على الظلمة لأنه من حين اتصف بكلا صفتي الإطلاق والتقييد ، صار قسط الصفتين من جسم النور ثلثاه ، وعاد الثلث الآخر ظاهرا لا يخفى إلا بكمون جديد ، ولهذا قال له : ( فاغمس ثلثك في ثالث غمسة ) فلا يقدر النور من هاهنا على الكمون في سر الصخرة إلا بغمسة ثالثة فلا تصافه بالإطلاق غمسة وبالتقييد ثانية وبالخفاء الكلي ثالثة .


وقوله : ( فالثالثة محل الكم ) يريد بالكم محل الانقسام والتجزؤ ، وإذا اتصف بهذا التجزؤ قدر على الحصر فكأنه يقول للقمر : أكمن في أسرار الصخرة في كل عين منها ثلاث مرار حتى يحصل لك القدرة على الحصر والانقسام ، وحصر العدد الثلاثة أقل جمع



“ 321 “


وإنما عاد إلى خطاب التذكير بعد قوله : ( قولي له ) خطابا مؤنثا لأن القمر حال انفجار الصخرة وغمسه في أسرارها عاد مستعليا عليها بالثلث الظاهر بعد الغمستين وهو المراد لغمسة ثالثة ، فلأجل استعلائه عليها بثلثه خوطب بالتذكير لأن النور لفظ مذكر وخصوصا القمر .
( ص ) [ قوله : ( يا أيها القمر لا تنظر إلى الصخرة ، فتنسى ما قلت لك أن توصله للبحر الأخضر ) ] .


( ش ) أقول : هذا الخطاب ورد قبل أداء الرسالة المخّوفة إلى البحر على لسان القمر .
قوله : ( لا تنظر إلى الصخرة ) يريد بالنظر هاهنا ملاحظة تقضي إلى الممازجة ، فكأنه يقول للقمر : لا تنظر إلى الصخرة بعين الاتحاد فتجنك في باطنها ، ومتى حصل الاجتنان نسي المجتن كلما كان عنده ظاهرا ، وإذا أوقع النسيان امتنع وصول التخويف إلى البحر فيخاف عليه من ارتكاب الأوصاف المنهي عنها من التراكم والظهور إلى غير ذلك .
( ص ) [ قوله : ( يا أيها القمر لا تسقط في قبة أرين حتى تكون قمرا ، إن كنت بدرا فلا تطلع أو هلالا فلا تطلع ، ولكن اطلع قمرا ولا تفارق أرين تقف على سر الأنهار إن شاء اللّه تعالى ) ] .


( ش ) أقول : إنه لما تحقق الجمع الحقيقي في ذات هذا الشاهد رحمه اللّه انفرد النور عن الظلمة عند رجوعه من الخلع الذي كمن فيه ، وإذا امتاز النور عن الظلمة يعود كل واحد منهما ناقصا ، وإن كان كاملا في ذاته بالنسبة إلى الآخر ، والناقص يحذر من المخاوف ، وليس هذا التحذير إلا للنور ، لأن الظلمة بإطلاقها عارية عن الخوف ، والنور يخاف من العدم الذي هو الإطلاق ، فحين تميز هذا النور الذاتي نهي عن السقوط المتصف بالإشراق على قبة أرين لأنها محل الاعتدال ، وهذا قد باين الاعتدال ، بكماله والكامل لا يقدر على مواراة الكامل الموري عنه هاهنا بقبة أرين لاعتداله وكماله ، فكأنه قال له : لا تظهر ما دمت كاملا ولا تبغ الكمال ، ولو ظهرت بأوصافك مجموعها فإن كانا كاملين لا يتقابلان ، وأعني بالكاملين البدر ، ومحل الاعتدال ، فلا بد أن يكون أحدهما ناقصا بالنسبة إلى الآخر والأولى نقص البدر ، ولهذا قال له : إن كنت بدرا فلا تسقط على القبة المذكورة إلا أن تكون قمرا .


قوله : ( ولكن اطلع قمرا ، ولا تفارق أرين تقف على سر الأنهار إن شاء اللّه تعالى ) يريد بذلك التخويف للقمر وتنبيهه على الاطلاع على صورة الفيض وكيفية تحري

“ 322 “


الموري عن أسراره بالأنهار ، فإنه إذا كان طالعا على القبة المذكورة يكون مستودعا في الحد الفاصل بين الذات الفياضة وبين المقيدات ، فما دام في الحد يقف على هذا الفيض اضطرارا ، والأنهار هي مادة كل فيض وحضرة ، وهذه المادة نسميها نهرا أو بحرا إلى غير ذلك مما يدل على الحياة .
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشهد الحادي عشر مشهد نور الألوهية بطلوع نجم “ لا “ .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الخامس مشهد نور الصمت بطلوع نجم السلب .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثالث عشر مشهد نور العمد بطلوع نجم الفردانية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد السادس مشهد نور المطلع بطلوع نجم الكشف .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الرابع عشر مشهد نور الحجاج بطلوع نجم العدل .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: