إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس على مدونة عبدالله المسافر باللهإنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك المثنوي المعنوي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك ،
وألا تتأخر ( في اللحاق به ) .
- هيا يا بلقيس وإلا ساء الأمر ، يصبح جندك خصما لك ويتمرد عليك .
- ويهتك حاجبك بابك ، وتكون روحك خصيمة لك بكل قواها .
- وكل ذرات الأرض والسماء ، تكون جندا للحق عندما ( يحين ) الامتحان .
- لقد رأيت ماذا فعلت الريح بقوم عاد . ورأيت ماذا عمل الماء في الطوفان .
785 - وما صنعه ذلك البحر المنتقم لفرعون ، وما أبدته تلك الأرض لقارون .
- وما فعل طير الأبابيل بالفيل ، وكيف أن بعوضة افترست رأس النمرود .
- وأن داود ألقى بيده حجرا ، فتحول إلى ستمائة قطعة وهزم جيشا .
- وكيف أمطر قوم لوط بالحجارة ، حتى غاصوا في المياه السوداء .
- وإن تحدثت عن جمادات العالم ، وعن العون الذي قدمته للأنبياء .
790 - لزاد هذا المثنوى بحيث ينوء أربعون بعير تحت ثقله الشديد .
- إن اليد تشهد على الكافر ، وتصبح من جند الحق ، فيطأطئ ( الكافر ) رأسه .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : مائتين .
« 108 »
- ويا من أبديت في فعلك درسا معاديا للحق ، أنت بين عسكره ، فخف .
- إن أجزاء جسدك جزءا جزءا جند له في وفاق ، إنهم مطيعون لك الآن من النفاق .
- وأن أمر العين قائلا : عذبيه ، لدمرك تماما ألم العين .
795 - ولو أمر الأسنان قائلا : صبي عليه الوبال ، لرأيت العقاب الشديد من الأسنان .
- فافتح كتاب الطب واقرأ باب العلل ، حتى ترى جند العقل في عمل .
- وإذا كان هو روح الروح لكل شئ ، فمتى تكون العداوة سهلة مع روح الروح .
- واحسبى جند الشياطين والجن على حدة ، وهم بجماع قلوبهم يشقون الصفوف من أجلى .
- فاتركى الملك يا بلقيس من البداية ، وعندما تلحقين بي فالملك كله لك .
800 - وسوف تعلمين أنت نفسك عندما تأتين إلىَّ ، إنك بدونى كنت صورة في حمام .
- والصورة سواء كانت صورة سلطان أو غنى ، فهي مجرد صورة لا طعم لها في حد ذاتها من الروح .
- وزينتها وزخرفها من أجل الآخرين ، لقد فتحت بلا جدوى العين والفم .
- ويا من قامرت بنفسك في النزال ، إنك لم تميز بين الآخرين وبين نفسك .
- أنك تقف إمام كل صورة تصل إليها قائلا : هذه أنا ، والله إنها ليست أنت .
« 109 »
805 - وإنك إن بقيت لحظة واحدة بعيد عن الخلق ، تبقى في حزن وقلق حتى الحلق .
- وهذا هو أنت ، فمتى تكون . . ذلك الأوحد ، وأنت جميل بنفسك ثمل بنفسك حلو بنفسك .
- أنت طائر نفسك وفخ نفسك وصدر نفسك ، وأرض نفسك وسماء نفسك .
- والجوهر فحسب هو الذي يكون قائما بنفسه ، ويكون عرضا ذلك الذي يكون فرعا له .
- فإذا كنت ابن آدم فاجلس مثله ، وأنظر في نفسك إلى كل الذرية .
810 - وماذا يكون في الدن غير موجود في النهر ؟ ! وماذا يكون في الدار غير موجود في المدينة .
- وهذه الدنيا دن والقلب مثل جدول الماء ، وهذه الدنيا مجرد حجرة والقلب مدينة ( العجب ) العجاب .
إبداء سليمان عليه السلام ( ما في نفسه ) قائلا : إن جهدي في إيمانك خالص لأمر الله
وليس عندي ذرة من غرص لا في نفسك ولا في حسنك ولا في ملكك . .
وسوف ترين أنت نفسك عندما تنفتح منك عين الروح بنور الله
- هيا تعالى فأنا رسول داعية ، لست رجل شهوة ، فأنا كالأجل أقتل الشهوة .
- وإن كان ثم شهوة فأنا أمير عليها ، ولست أسيرا لها من أجل وجه حسناء .
- كان أصلنا الأكبر محطماً للأصنام ، وأنا مثل خليل الحق وكل الأنبياء .
815 - وإذا دخلنا أيها العبد إلى معبد الأصنام ، فإن الصنم هو الذي يسجد لنا عابدا ولا نسجد نحن له .
« 110 »
- لقد دخل أحمد عليه السلام وأبو جهل بيت الأوثان ، وهناك فرق شاسع بين هذا الذهاب وذاك الذهاب .
- فذاك يدخل فتسجد له الأصنام ، وهذا يدخل فيسجد هو كبقية الأميين .
- وعالم الشهرة هذا معبد للأصنام ؟ وهي عش للكافرين ، والأنبياء أيضا .
- لكن الشهوة تكون أمة للأطهار ، فالذهب لا يحترق لأنه نقد للمنجم .
820 - والكفار مزيفون والأطهار كالذهب ، وكلاهما له البوتقة هذان الفريقان .
- وعندما دخلها الزيف اسود في لحظة واحدة ، لكن الذهب عندما دخلها ظهرت طبيعته عيانا .
- لقد ألقى الذهب بيده وقدمه في البوتقة سعيدا ، تضحك منه العروق في وجه النار .
- لقد صارت أجسادنا ستارا علينا في الدنيا ، ونحن كالبحر تحت هذا التبن في الخفاء .
- فلا تنظر أيها الجاهل إلى ملك الدين ( بعين ) الطين ، فهكذا نظر إبليس اللعين .
825 - فمن الذي يمكن له أن يدهن هذه الشمس بكف من الطين قل لي آخر الأمر .
- وأنت إن نثرت التراب ومائة ( نوع ) من غباره في وجه النور فإنه يرتفع عنه .
- وماذا يكون القش حتى يخفى وجه الماء ؟ ! وماذا يكون الطين حتى يغطى وجه الشمس ؟ « 1 » .
..............................................................
( 1 ) بعد البيت عنوان في نسخة جعفري ( 10 / 28 ) باقي قصة إبراهيم بن أدهم قدس الله سره .
« 111 »
- إنهضى يا بلقيس مثل أدهم بملوكية ، واحرقى هذا الملك الذي يدوم يومين أو ثلاثة أيام .
بقية قصة إبراهيم بن أدهم قدس الله سره
« 1 »
- سمع ذلك الطيب الاسم وهو في فراشه ، ضجة وصخبا وصيحات في الليل قادمة من فوق السطح .
830 - كانت هناك خطوات مسرعة على سطح القصر ، قال لنفسه أترى من تكون له مثل هذه الجرأة ؟ !
- فصاح من فتحة ( سقف ) القصر قائلا : من هناك ؟ ، لا يمكن أن يكون هذا إنسان فلعله من الجان ؟ !
- فأطل قوم برؤوسهم . . ويا للعجب ، قائلين : إننا نطوف ليلا نطلب ( ضائعا ) .
- فقال لهم : ويحكم . . عما تبحثون ؟ ! قالوا : إبل ، قال : من الذي يبحث عن الإبل فوق السطح . . انتبهوا ! !
- فقالوا له : كيف تطلب أنت لقاء الله . . وأنت ( متربع ) على عرش الجاه ؟ !
835 - كان هذا هو كل ما حدث ، ولم يره أحد بعدها ، اختفى كما يختفى الجنى عن عيون الناس .
- إن معناه خفى مستور وهو أمام الناس ، ومتى يرى الخلق إلا اللحية والخرقة ؟ !
..............................................................
( 1 ) يوجد بيت زائد في نسخة جعفري ( 10 / 28 ) :
تحدث عن أحوال إبراهيم سريعا * وقل لأي سبب هجر ملكه
« 112 »
- وعندما اختفى عن عيون أهله وعيون الخلق ، صار مشهورا في الدنيا كأنه العنقاء .
- وإن روح كل طائر جاء صوب جبل قاف ، كل الدنيا تثرثر عنه ادعاءاً أو تزيدا .
- وعندما وصل إلى سبأ هذا النور المشرقي ، وقعت الضجة في ( وجود ) بلقيس وفي كل الخلق .
840 - وقد رفرفت الأرواح الميتة بأجنحتها ، وأطل موتى الجسد برؤوسهم من القبور .
- وظل كل منهم ينقل البشرى للآخر قائلا له : إن ثمة نداءً ينزل من السماء الآن .
- ومن هذا النداء سوف تصير أديان ( الناس ) في رفعة وسمو ، وسوف تخضر أغصان القلوب وأوراقها .
- إن هذا النفس من سليمان كأنه نفخ الصورة ، لقد خلص الموتى من القبور .
- ولتكن لك السعادة من بعد هذا ، لقد مضى ( دوره ) والله أعلم باليقين .
بقية قصة أهل سبأ ونصيحة سليمان عليه السلام لقوم بلقيس وإرشاده لكل واحد بما يناسبه من مشكلات دينه وقلبه ، وحين تحدث أي كل نوع
من طيور الضمير بصفير ذلك النوع من الطيور
845 - إنني أروى عن سبأ كالمشتاق ، عندما هبت رياح الصبا على مزرعة الشقائق ،
« 113 »
« لاقت الأشباح يوم وصلها * عادت الأولاد صوب أصلها
أمه العشق الخفي في الأمم * مثل جود حوله لؤم السقم
ذلة الأرواح من أشباحها * عزة الأشباح من أرواحها
أيها العشاق السقيا لكم * أنتم الباقون والبقيا لكم
850 -أيها السالون قوموا واعشقوا * ذاك ريح يوسف فاستنشقوا »« 1 »
- وتعال يا منطق الطير السليماني ، وتغن بتغريد كل طائر يحضر ! !
- إذ أن الحق عندما بعثك إلى الطيور ، وهبك مسبقا « فهم » تغريد كل طائر . .
- فتحدث مع الطائر الجبري بلغة الجبر ، وتحدث إلى الطائر كسير الجناح عن الصبر ! !
- وهنئ الطائر الصابر على العافية ، وأتل على طائر العنقاء أرصاف جبل قاف .
855 - وقل للحمامة أن تأخذ حذرها من البازي . . وحدث البازي عن الحلم والتقى ! !
- وذلك الخفاش الذي بقي محروما ، إجعله دوما قرينا للنور مؤتلفا معه ! !
- وعلم الحجل المقاتل السلام ، وأشرح للديكة أشراط الصبح ( الصادق ) .
- وهكذا فامض من الهدهد حتى العقاب ، أرشدهم إلى الطريق والله أعلم بالصواب .
تحرر بلقيس من الملك وسكرها من شوق الإيمان والتفات همتها
عن الملك عند هجرتها . . إلا عن العرش
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في الأصل .
« 114 »
- عندما صفر سليمان مرة واحدة تجاه طيور سبأ قيدها وأسرها بأجمعها .
860 - اللهم إلا طائراً بلا رورح أو جناح ، أو كان كالسمكة أصم من الأصل .
- لا . . لقد أخطات ، فإن الأصم لو استسلم أمام وحى الكبرياء لرد إليه سمعه .
- وعندما صح من بلقيس العزم بالقلب والروح ، تأسفت على ما مضى من الزمان . .
- لقد تركت المال والملك كما يترك هؤلاء العاشقون الفخر والعار .
- لقد صار أولئك الغلمان والجواري المنعمات أمام عينيها كالبصل المهترئ .
865 - ومن العشق . . كانت البساتين والقصور والمياه الجارية تبدو أمام عينيها كالمستوقد .
- والعشق عند الاستيلاء والتسلط ، يجعل الأشياء اللطيفة قبيحة أمام العين .
- إنه يبدي الزمرد كأنه الكراث . . وهذه هي غيرة العشق ومعنى ( لا ) .
- هذه هي ( لا إله إلا هو ) أيها الملاذ ، هي التي تبدى لك القمر كأنه قدر أسود .
- لم تكن تأسف على مال قط ولا على كنوز ولا على ثياب ، لم تكن تأسف إلا على العرش .
870 - فعلم سليمان خبر قلبها فقد كان هناك طريق بين قلبه وقلبها ! !
- وهذا الذي يسمع أصوات النمل ، لابد وأن يسمع صرخات قلوب البعيدين ! !
« 115 »
- وذلك الذي يتحدث بسر ( قالت نملة ) ، لا بد وأن يعلم سر هذا الطاق القديم ( الدنيا ) .
- رأى من على البعد أن تلك التي ديدنها التسليم ، صعب عليها فراق عرشها ذاك .
- ولو أنني ذكرت السبب . . لطال الأمر . . أقصد السبب في عشقها للعرش وألفتها به ! !
875 - وبالرغم من أن هذا القلم نفسه بلا حس ، وليس من جنس الكاتب إلا أنه مؤنس له ! !
- وكذلك كل آلة لحرفى . . بلا روح . . لكنها مؤنسة لروح المرء . . .
- ولو لم تكن عين فهمك قد أصيبت بالرطوبة ، لشرحت لك السبب في هذا الأمر .
- فسر عظمة العرش التي كانت تزيد عن الحد ، أنه لم يكن في الإمكان نقل هذا العرش . .
- كان عملا دقيقا . . . وجله أمر خطير ، وكأنه أوصال البدن ( يتصل ) بعضها ببعضها الاخر .
880 - قال سليمان : بالرغم من أن ( عشق ) العرش والسرير ( الملكي ) سوف يبرد عندها في النهاية ،
- وعندما تطل الروح إطلالة واحدة من الوحدة ، لا يبقى مع هذا المجد مجد للجسد على الإطلاق .
- وعندما يستخرج الجوهر من قاع البحار ، تنظر إلى الزبد والغثاء بكل احتقار .
- وعندما تطل الشمس ذات الشرر ، من الذي يجعل ذنب العقرب مستقرا له ؟ !
« 116 »
- لكن مهما يكن من أمر ، ينبغي في التو واللحظة ، البحث عن وسيلة لنقل عرشها .
885 - وحتى لا تكون في ضيق عند اللقاء ، ينبغي قضاء حاجتها الطفولية هذه ! !
- إنه بالنسبة لنا أمر سهل لكنه شديد الصعوبة بالنسبة لها ، مثلما يكون الشيطان ( موجودا ) على موائد الحور .
- إن عرش النعيم هذا يكون عبرة لروحها ، مثلما كان دلق إياز بالنسبة له وحذاؤه الريفي .
- وحتى تعلم تلك المبتلاه في أي شئ كانت . . وإلى أين وصلت مما كانت فيه ! !
- وإن الله سبحانه وتعالى يحفظ التراب والنطفة والمضغة أمام أعيننا .
890 - وذلك لكي يقول لنا . . من أين أتيت بك يا سئ النية ، مما تبدى له كل ذلك الاشمئزاز .
- لقد كنت في فترة هذا عاشقا له . . وكنت منكرا لما أنت فيه الآن من فضل ، وذلك الزمان .
- وهذا الكرم كأنه دفع لذلك الإنكار منك ، الذي كنت تبديه من البداية وأنت في المرحلة الترابية . .
- لقد صار خلقك حجة على إنكارك ، وصار مرضك هذا أكثر سوءا بعد تناولك الدواء
- فمن أين يكون للتراب تصور هذا الأمر ، ومن أين للنطفة الخصومة والإنكار .
895 - وكنت في تلك اللحظة بلا قلب ولا سر ، فكيف كنت منكرا للفكر والإنكار ؟ !
« 117 »
- وعندما نجا إنكارك من مرحلة الجمادية . . من نفس هذا الإنكار صار حشرك صحيحا ! !
- وأنت على مثال قارع الباب ، ويقول له السيد من الداخل إن السيد ليس موجوداً ! !
- والقارع على الباب يدرك من نفس هذا الإنكار أنه موجود ، فلا يرفع يديه عن الحلقة على الإطلاق ! !
- ومن ثم فإن إنكارك في حد ذاته يبين ، إنه يقوم من الجماد بمائة من الحشر .
900 - لقد تمت كثير من الصنائع أيها المنكر حتى أنكر الماء والطين مفهوم «هَلْ أَتى» . .
- كان الماء والطين يقول : ليس في الأمر في حد ذاته إنكار لكن الغافل كان يصيح : لا اقرار . .
- وأنا أفسر هذا الأمر بمانة طريق ، إلا أن الخاطر يحيد عن القول الدقيق . « 1 »
توسل سليمان عليه السلام في إحضار
عرش بلقيس من سبأ
- قال عفريت أنا آتيك بعرشها . . بفنى . . قبل أن تقوم من مقامك هذا .
- قال آصف : وأنا باسمه الأعظم آتيك قبل أن يرتد إليك طرفك .
905 - وبالرغم من أن العفريت كان أستاذا في السحر . . لكن الأمر تم من نفس آصف ! !
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 42 :
فلأكف عن شرحه أيها العظيم ، من أجل « الحديث عن » نقل عرش بلقيس من سبأ .
« 118 »
- لقد حضر عرش بلقيس في تلك اللحظة . . لكن من آصف وليس من فن المنسوبين إلى الجان !!
- قال سليمان : حمدا لله على هذا . . وعلى مائة منه أمثال هذا أتانيها رب العالمين .
- ثم نظر سليمان إلى العرش . . وقال : نعم . . إنك صيادة الحمقى أيتها الشجرة .
- وأمام الخشب وأمام الحجر المزخرف بالحفر . . ما أكثر الحمقى المخدوعين الذين يطأطئون الرؤوس . .
910 - والساجد والمسجود له كلاهما لا خبر عن الروح ، وإن كان قد رأى من الروح حركة وأثرا قليلين .
- لرأى أنه عندما صار ذاهلا مبهوتا . . أن الحجر تكلم وأشار !!
- وعندما لعب نرد الخدمة في غير موضعه ، اعتبر الشقي الأسد الحجري أسدا ( حيا ) . .
- ومن كرمه أبدى الأسد الحقيقي الجود ، وألقى بالعظام سريعا أمام الكلب .
- وقال : بالرغم من أن هذا الكلب ليس على قوام الأمر إلا أن العظام عندنا لطف عام .
قصة استعانة حليمة بالأصنام عندما فقدت المصطفى صلى الله عليه وسلم
عقب فطامه ، وارتعاد الأصنام وسجودها ، وشهادتها بعظمة أمر
المصطفى صلى الله عليه وسلم
« 119 »
915 - إنني سوف أروى لك قصة سر حليمة ، حتى تمحو هذه القصة الحزن عنك .
- عندما فطمت المصطفى عن الرضاع ، حملته على كفها كالريحان والورد .
- كانت تجعله بعيدا عن كل خير وكل شر ، حتى تسلم ذلك المليك إلى جده . .
- وعندما كانت تأتى بالأمانة ( إلى ذويها ) اتجهت من خوفها إلى الكعبة ودخلت الحطيم .
- فسمعت هاتفا ينادى من الهواء قائلا . . أيها الحطيم ، لقد أشرقت عليك شمس شديدة العظمة .
920 - يا حطيم . . اليوم توهب سريعا مئات الآلاف من الأنوار من شمس الجود .
- يا حطيم ، اليوم ينزل فيك ، ملك ذو هيبة رسوله الإقبال . .
- يا حطيم أنك اليوم تصير بلا ريب ومن جديد منزلا للأرواح السامية .
- وسوف تأتيك أرواح الأطهار جماعة بعد جماعة وفوجا بعد فوج من كل فج ثملة بالشوق .
- فتحيرت حليمة من هذا الصوت ، فلم يكن هناك أحد من قدامها أو من ورائها .
925 - كانت الجهات الست خالية من الصورة ، لكن ذلك النداء صار متواليا . .
لتكن الروح فداء له ! !
- فوضعت المصطفى على الأرض ، حتى تبحث عن ذلك الصوت الحسن .
- وأخذت تلقى بنظراتها من ناحية إلى أخرى ، متسائلة : أين ذلك المليك المتحدث بالأسرار ؟!
« 120 »
- إن هذا الصوت العالي يصل ( إلى ) من يمين ويسار ، فأين الذي يبلغه إياي يا الله . .
- وعندما لم تبصر شيئاً . . تحيرت . . وأصابها القنوط وارتعد جسدها كأغصان الصفصاف .
930 - ثم عادت نحو ذلك الطفل الرشيد . . لكنها لم تر المصطفى في مكانه !!
- فداخلت قلبها حيرة فوق حيرة ، وأظلم عليها منزلها ظلمة شديدة من الحزن .
- فأسرعت نحو بقية المنازل ونادت . . صائحة ملتاعة ؟ من سلب منى حبة الفؤاد العزيز ؟!
- فقال لها أهل مكة : لا علم لنا ، ولم نعلم أن هناك طفلا .
- فذرفت الدمع الثخين . . وازداد صراخها . بحيث بكى الآخرون لبكائها .
935 - أخذت تبكى بشدة وتدق صدرها ، بحيث بكت الكواكب لبكائها .
حكاية ذلك الشيخ العربي الدى دل حليمة على الاستعانة بالأصنام
- فتقدم منها شيخ متوكئا على عصاه . . وسألها : ما الذي جرى لك آخرا يا حليمة ؟
- بحيث أشعلت نارا كهذى في القلب ، وأحرقت هذى الأكباد غما وألما .
- قالت : لقد أحضرت رضيعي المعتمد أحمد حتى أسلمه لجده .
- وعندما وصلت إلى الحطيم أخذت أصوات تبلغ مسمعى . . كنت أسمعها قادمة من الهواء .
940 - وعندما سمعت هذه الألحان من الهواء ، وضعت الطفل هناك . . بسبب هذه الأصوات ! !
« 121 »
- حتى أرى صوت من يكون هذا النداء ، إنه نداء لطيف جدا وشهى جدا .
- فلم أكن أرى ما يدل على وجود أحد حولى ، ولم يكن النداء ينقطع لحظة واحدة . .
- وعندما عدت من حيرة القلب ، لم أر الطفل في مكانه فويلاه لقلبى .
- قال لها : لا تغتمى يا ابنتي ، فإنني سوف أدلك على أحد الملوك .
945 - يحدثك إن أراد عن حال الطفل ، فهو يعلم مزل الطفل وترحاله .
- فقالت حليمة : جعلت فدالك أيها الشيخ الطيب حسن النداء .
- دلني على ذلك المليك العظيم الذي يكون عنده خبر عن حال طفلى .
- فاصطحبها إلى ( العزى ) قائلا لها : إن هذا الصنم مغتنم فيما يختص بأخبار الغيب .
- لقد وجدنا آلاف المفقودين عن طريقه . . عندما أسرعنا إليه طائعين .
950 - فسجد له الشيخ وقال متلهفا : يا إله العرب ويا بحر الجود .
- ثم قال : أيتها العزى لقد قمت بكثير من الإكرام حتى نجونا من الشباك .
- وحق على العرب تبجيلك ، وفرض على العرب أن يخضعوا لك .
- هذه حليمة السعدية ، جاءت إليك راجيه ، واستظلت بظلال صفصافك .
- لقد ضاع منها طفل ، واسم ذلك الطفل محمد .
955 - وعندما نطق باسم محمد ، انقلبت تلك الأصنام وسجدت في التو واللحظة ،
- قائلة امض أيها الشيخ ، ما هذا السعي والبحث عن محمد هذا الذي يكون عزلنا على يديه ،
« 122 »
- منه سوف ننقلب وسوف نقذف بالأحجار ، ومنه تكسد سوقنا ونبقى بلا اعتبار .
- وتلك الخيالات التي كان أهل الهوى يرونها منا بين الآن والآخر .
- تضيع منا عندما يهل ( زمان ) بلاطه ، لقد حضر الماء فأبطل التيمم .
960 - ابتعد أيها الشيخ وكفاك إشعالا للفتنة ، وهيا لا تحرقنا حسدا من أحمد ! !
- وابتعد بالله أنت أيضا أيها الشيخ ، حتى لا تحترق أنت أيضا بهذه النار المقدرة .
- أي تحريك هذا لذيل الأفعى ، ألا تعلم أي إخبار هذا ؟ !
- فمن هذا الخبر يغلى قلب البحر والمنجم ، ومن هذا الخبر ترتعد السماوات السبع .
- وعندما سمع الشيخ هذا الكلام من الأصنام ، ألقى ذلك الشيخ المهدم عصاه .
965 - ومن الرعدة والخوف والرعب من هذا النداء ، أخذت أسنان الشيخ تصطك
- مثلما يكون الإنسان عاريا في الشتاء ، أخذ يرتعد ويدعو ثبورا .
- وعندما رأت الشيخ على هذه الحالة ، أفقدتها دهشتها التدبير .
- وقالت : أيها الشيخ بالرغم من أنني في محنة ، فأنا في دهشة شديدة وفي حيرة من أمرى .
- فحينا تخطب في الريح ، وحينا تحدثني الحجارة وكأنها أديب ( مفوه ) .
970 - توجه إلى الحجارة الأحاديث بكلام ، وتفهمنى الحجارة والجبال الأشياء .
- وأحيانا يختطف أهل الغيب طفلى ، أهل الغيب ذوو الأجنحة الخضر من السماء .
- فمن أي شئ أنوح ؟ ولمن أشكو ، لقد صرت مصابة بالجنون مشتتة القلب .
« 123 »
- لقد عقدت غيرته شفتى عن شرح الغيب ، فيكفي أن أقول : ضاع طفلى
- ولو أنني قلت شيئا آخر الآن ، لقيدنى الخلق بسلسلة الجنون .
975 - قال لها الشيخ : فلتسعدى يا حليمة ، اسجدى سجدة شكر ولا تلطمى وجهك .
- لا تحزني فإنه لن يضيع منك ، بل إن العالم ( بأجمعه ) سوف يحار فيه
- وفي كل لحظة ، حسدا للغيرة ، هناك أمامه ووراءه مئات الآلاف من الخفر الحرس .
- ألم ترى كيف أن تلك الأصنام ذات الفنون ، قد انقلبت عندما ذكر اسم طفلك ؟ !
- إن هذا لقرن عجيب على وجه الأرض ، لقد شخت لكني لم أر له مثيلا من قبل .
980 - وإذا كانت الحجارة قد أنت من هذه الرسالة ، فما بالك بما سوف يلحق منها بالمذنبين .
- وإن الحجر لبرئ من كونه معبودا ( وليس هذا من اختياره ) ، لكنك لست مجبرا على عبادته .
- إن المضطر قد صار خائفا إلى هذا الحد ، فما بالك بما سوف يتهمون به المجرم ( الذي عبدها ! ) .
علم جد المصطفى عبد المطلب عن فقدان حليمة لمحمد عليه السلام
وبحثه عنه حول المدينة وتضرعه علي باب الكعبة ودعائه للحق
وعثوره على محمد عليه السلام
- عندما علم جد المصطفى خبر حليمة وصراخها على الملا .
- وعن هذه الأصوات العالية والصرخات ، إذ كان تفجعها يصل إلى بعد ميل .
« 124 »
985 - علم عبد المطلب سريعا ما حدث ، فأخذ يدق صدره بيده وبكى .
- ومن الحزن جاء إلى باب الكعبة بحرقة قائلا : يا خبيرا بسر الليل وسر النهار .
- إني لا أرى في نفسي أي حول وميزة ، حتى يكون نجيا لك من هو مثلي
- إنني لا أرى نفسي فضلا ، حتى أصبر مقبولا لهذا الباب المسعود .
- أو إنه لطأطأة رأسي وسجدتي قدرا ، أو أنه بدموعى سوف يضحك لي الإقبال .
990 - لكنني قد شاهدت لطفك أيها الكريم ، في سيماء هذا الدر اليتيم .
- إنه لا يشبهنا بالرغم من أنه منا ، إننا كلنا نحاس وأحمد هو كيمياء ( التبديل ) .
- ولكن العجائب التي رأيتها فيه ، لم أرها قط في حبيب أو عدو .
- وما وهبه فضلك إياه في طفولته ، لا يهديه أحد في مائة سنة من الجهاد
- وعندما شاهدت عناياتك على وجه اليقين ، وإنه هو الدرة ( الفريدة ) في بحرك .
995 - فإنني أتشفع به إليك ، فأخبرني عن أحواله يا عالما بالأحوال .
- فجاءه صوت من داخل الكعبة سريعا ، هاتفا : إنه الآن سوف يسفر عن وجهه .
- إنه محفوظ منا بمزيد « 1 » من الإقبال ، وهو محفوظ لدينا بمائتى كتيبة من الملائكة .
- ونجعل ظاهره مشهورا في العالم ، لكننا نحفظ باطنه ونجعله ( مستورا ) عن جميع ( الناس ) .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : بمائتي .
« 125 »
- لقد كان ذهب المنجم مجرد ماء وطين ، ونحن الصاغة أحيانا نجعل منه خلخالا وأحيانا نجعل منه خاتما .
1000 - أحيانا نجعل منه حمائل سيف ، وأحيانا نجعل منه طوقا لأسد .
- أحيانا نجعل منه أترجة للعرش ، وأحيانا نجعل منه تاجا على مفرق باحث عن الملك ( الأزلي ) .
- إننا نشعر بألوان من الحب نحو هذا التراب ، لقد خلق في حال من أحوال الرضا « 1 » .
- أحيانا يخلق منه مثل هذا الملك ، وأحيانا نجعل منه والها أمام الملك العظيم .
- وهناك مئات الآلاف من العشاق والمعشوقين ، هم منه في صراخ ونفير وفي سعى وبحث .
1005 - إن هذا هو عملنا . . برغم ذلك الذي لا يميل بكل روحه إلى عملنا .
- إننا نعطى هذه الفضيلة للتراب ، لكي نجعله عطاء لمن لا زاد لهم .
- ذلك لأن هذا التراب ذو ظاهر أغبر ، لكنه في الباطن ذو صفات نورانية .
- وقد اشتبك ظاهره مع باطنه في جدال ، فباطنه كالجوهر وظاهره كالحجر .
- يقول ظاهره : هذا نحن . . فحسب ( ولا شئ آخر ) ، فيقول باطنه : أنظر جيدا قدامك ووراءك .
1010 - ظاهره منكر قائل إن الباطن لا شئ قط ، فيقول باطنه انتظر حتى تبدى لك الأيام .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : خلق في « قعدة الرضا » .
« 126 »
- إن ظاهره في عراك مع باطنه ، فلا شك أن الذي ينتصر منها من له قدرة على الصبر
- ومن هذا التراب العبوس نصنع الصور ، ونجعل ضحكه الخفي ظاهرا .
- ذلك أن ظاهر التراب ( الأرض ) حزن وبكاء ، وفي باطنه مئات الآلاف من الضحكات
- ونحن كاشفو الأسرار ، هذا هو عملنا ، هو أن نخرج هذه الخفايا من مكامنها .
1015 - وبالرغم من أن اللص يصر على الإنكار ، فإن الشرطي يبدي ما يخفيه عن طريق تعذيبه .
- وقد سرقت هذه ( المخلوقات ) من تراب هذه الأنواع من الفضل حتى نجعلها تقربها عن طريق الابتلاء .
- ولقد كان لهذا التراب أبناء عجيبون ، لكن أحمد قد زاد عليهم جميعا .
- صارت الأرض والسماء ضاحكين سعيدين قائلين لقد ولد مثل هذا الملك منا زوجين .
- فالسماء تنشق من فرحتها ، والأرض صارت كالسوسن من الحرية التي منحها لها .
1020 - ولما كان ظاهرك وباطنك أيها التراب الطيب في قتال وفي عراك .
- هكذا من يكون مع نفسه في حرب من أجل الحق ، يصير المعنى فيه دائما خصما لرائحته ولونه .
- تكون ظلمته في قتال مع نوره ، فلا يكون لشمس روحه زوال .
- وكل من يجاهد من أجلنا عند الامتحان ، تنحني السماء تحت قدمه .
- وظاهرك من الظلمة يكون صارخا ، بينما يكون باطنك روضة في روضة .
« 127 »
1025 - وإنه ليفعلها عن قصد كالصوفية العبوسين ، وذلك حتى لا يتعاشروا مع كل قاتل للنور .
- والعارفون عبوسون كالقنافذ ، لقد أخفوا السرور تحت ( غطاء ) من الشوك الحاد .
- إن الحديقة مستورة وذلك الشوك المنتشر حولها يقول : أيها العدو اللص ابتعد عن هذا الباب ! !
- ويا أيها القنفد لقد جعلت الشوك حارسا لك ، ووضعت رأسك في جيب ( ثوبك ) كالصوفى .
- فإن إحدى أولاد الحسان ذوات الوجنات الموردة والطباع الشوكية لن تستطيع أن تقلل مقدار ذرة « 1 » من سرورك .
1030 - وبالرغم من أن طفلك كان في طبع الأطفال ، فإن كلا العالمين كانا طفيليين عليه « 2 » .
- إننا نحيى به عالما . . ، ونجعل الفلك عبدا في خدمته .
- فقال عبد المطلب : أين هو في هذه اللحظة ، ويا عالما بالسر أبد لنا الطريق الصحيح .
طلب عبد المطلب أمارات موضع محمد عليه السلام متسائلا أين أجده ؟
ومجئى الجواب من داخل الكعبة وتلقيه الأمارات
- وصل إليه الجواب من داخل الكعبة قائلا : يا باحثا عن ذلك الطفل الرشيد « 3 » .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : نصف الربع
( 2 ) البيت في نسخة جعفري ( 10 / 88 ) بعد العنوان .
( 3 ) ج 10 - 88 : قال له الهاتف لا تغتم ففي التو واللحظة سأدلك علي موضع مليك العالم هذا .
« 128 »
- إنه في وادى كذا تحت تلك الشجرة ، فانطلق إليها مسرعا أيها الشيخ المقبل .
1035 - كان في ركابه أمراء قريش ، ذلك أن جده كان من أعيان قريش .
- وكان كل أسلافه حتى آدم سادة الحرب والجمع والملحمة .
- كان هذا النسب - في حد ذاته - نسبا لبدنه ، فقد صفى من ملوك عظام
- أما لبه وحقيقته فقد كان بعيدا عن النسب منفيا عنه ، وليس هناك أحد من جنسه من باطن الأرض السابعة « 1 » إلى السماك .
- ولا يبحث أحد عن نور الحق في النسب ، وأية حاجة لخلعة الخالق إلى السدى واللحمة
1040 - وإن أقل خلعة يهبها على سبيل الثواب ، إنما تزيد على ( خلعة ) الشمس المطرزة .
بقية قصة دعوة الرحمة لبلقيس
- انهضى يا بلقيس ، وتعالى ، وشاهدي الملك ( الحقيقي ) ، واجمعى الدر من شاطئ بحر الإله .
- إن أخواتك ساكنات في الفلك السنى . . فأي سلطان لك تزاولينه على جيفة ؟ ! !
- وهلى لديك أدنى علم بما وهبه ذلك السلطان من هدايا سنية لأخواتك ؟ ! « 2 » .
..............................................................
( 1 ) حرفيا ، السمك والمقطود السمكة التي تحمل الأرض في المأثور القديم .
( 2 ) ج / 10 - 90 :
أنهض يا بلقيس وأدخلي بحر الجود وفي كل لحظة اظفري بكسب دون رأسمال .
إن إخوانك كلهن في لهو وطرب . . فكيف صار حلوا عليك هذا النصب والتعب .
انهضي يا بلقيس وكوني رفيقة للسعادة ، ولتشعري بالضيق من كل ملك سبأ هذا .
« 129 »
- فكيف أخذت من فرحك في قرع الطبول قائلة : إنني أنا الملكة ورئيسة مستوقد الحمام !!
.
يتبع