مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما على مدونة عبدالله المسافر باللهمثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا
- لقد أبدى العدم وجودا شديد الاحترام ، وأبدى الوجود على شكل العدم .
- لقد أخفى البحر وجعل لك الزبد ظاهرا ، وأخفى الريح وأبدى لك الغبار .
- " أبداه لك " كمئذنة من التراب الملتف المتصاعد ، فكيف يصعد التراب من تلقاء نفسه ؟
- لكنك ترى التراب متصاعدا أيها العليل ، ولا ترى الريح إلا بتعريف الدليل .
1030 - ترى الزبد رابيا من كل صوب وناحية ، والزبد لا يتحرك دون وجود البحر .
- إنك ترى الزبد بالحس والبحر بالدليل ، والفكر خفي ، وما هو واضح هو القال والقيل .
- ولقد كنا نظن النفي إثباتا ، وكانت لنا عيون ترى ما ليس موجودا .
“ 138 “
- وذلك الذي ظهر لنا في نوم ونعاس ، ماذا يمكن أن يكون إلا خيال ، وليس برؤية حقيقية ؟
- فلا جرم أننا صرنا دائري الرؤوس من الضلال ، وعندما اختفت الحقيقة ، ظهر الخيال .
1035 - وعندما وضع هذا العدم أمام النظر ، كيف أخفى تلك الحقيقة عن البصر ؟
- فالثناء عليك ، أيها الأستاذ الساحر ، الذي أبديت الكدر للمعرضين صفاءً .
- إن السحرة يقيسون على وجه السرعة ضوء القمر أمام التاجر ، ويقبضون الذهب ربحا .
- ويختطفون الفضة على هذا النسق أكداسا أكداسا ، وضاعت الفضة من اليد ، ولا كرباس هناك .
- وهذه الدنيا ساحرة ونحن تجار ، نشترى منها ضوء القمر الذي تم قياسه
1040 - إنها تقيس على وجه السرعة خمسمائة ذراع من الكرباس ، وبشكل ساحر ، من ضوء القمر .
- وعندما سلبت فضة عمرك أيها السالك ، هل تحولت الفضة إلى كرباس ؟ لا ، والكيس فارغ .
- وينبغي لك أن تقرأقُلْ أَعُوذُأيها الأحد ، هيا أبد شكواك من النفاثات في العقد .
- إن أولئك الساحرات ينفثن في العقد ، فالغياث أيها المستغاث من سوء المآل .
- لكن فلتقرأ أيضا بلسان العقل ، فإن لسان القول لسان واهن ، أيها العزيز .
1045 - وهناك ثلاثة رفاق لك في العمر ، أحدهم وفي والآخران غادران .
“ 139 “
- أحدهما صحبتك ، وثانيهما متاعك ومالك ، وثالثهما الوفي هو حسن فعالك .
- إن المال لا يخرج معك من القصور ، ويأتي معك الصاحب حتى " باب " القبر
- ذلك أنه في يوم مماتك يقول لك ذلك الصاحب بلسان حاله :
- لست رفيقا لك أكثر من هذا ، ولأقف برهة على قبرك .
1050 - لكن فعلك هو الوفي فالزمه ، فهو الذي يدخل معك إلى قاع اللحد .
في تفسير قول المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم : لابد من قرين يدفن معك وهو حي
وتدفن معه وأنت ميت ، إن كان كريما أكرمك ، وإن كان لئيما أسلمك ،
وذلك القرين عملك ، فاصلحه ما استطعت . صدق رسول الله
- ومن هنا قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : من أجل هذا الطريق ، ليس هناك من رفيق أوفى من العمل .
- فإن كان طيبا ، يكون رفيقا لك إلى الأبد ، وإن كان سيئا ينقلب عليك حية في اللحد .
- وهذا هو العمل والكسب في طريق السداد ، ومتى يمكن فعله أيها الأب دون تعليم من أستاذ ؟
- وأدنى حرفة تجرى في هذه الدنيا ، لا تكون أبدا دون إرشاد أو أستاذ .
1055 - إن أولها علم ومن بعدها يأتي العمل ، حتى تعطي الثمر من مهلة أو أجل .
- " استعينوا في الحرف يا ذا النهى ، من كريم صالح من أهلها
“ 140 “
- أطلب الدر أخي وسط الصدف ، واطلب الفن من أرباب الحرف - إن رأيتم ناصحين أنصفوا ، بادروا التعليم ، لا تستنكفوا " “ 1 “
- وإن لبس المرء الملابس الخلقة عند قيامه بصنعة الدباغة ، فإن ذلك لا يقلل من سيادته ، إن كان سيدا .
1060 - وعند النفخ " في الكور " إن لبس الحداد الملابس الممزقة ، فإن احترامه لم يقل أمام الخلق .
- فاخلع إذن لباس الكبر عن الجسد ، وعند التعلم ، إلبس لباس الذل .
- والطريق إلى تعلم العلم هو القول ، لكن تعلم الحرفة يكون عن طريق عملي .
- وإن كنت تريد " علم " الفقر فهو قائم بالصحبة ، فلا لسانك يعمل " لاكتسابه " ولا يدك . “2"
- إن معرفته تتلقاها الروح من الروح ، لا عن طريق الكتاب ولا عن طريق اللسان .
1065 - وإن كان موجودا في قلب السالك بشكل غامض ، فليس عند السالك معرفة بالرموز بعد .
- حتى يشرح قلبه ذلك الضياء ، ومن هنا قال تعالى :أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
- أي أننا أعطيناك الشرح داخل الصدر ، ووضعنا نحن الشرح داخل صدرك .
- لكنك لا زلت تطلبه حتى الآن من خارجك ، وإذا كان لديك اللبن ، فكيف تحلبه من آخرين ؟
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) ج / 11 - 337 : - والمعرفة أنوار في أرواح الرجال ، لا عن طريق الدفتر والقيل والقال .
“ 141 “
- وهناك عين لبن في داخلك بلا ضفاف ، فكيف تطلب ذلك اللبن " المصبوب في قدر ؟
1070 - وإن لديك منفذا إلى البحر يا طالب السقيا ، فاشعر بالعار من طلبك الماء من الغدير .
- فمن " ألم نشرح " لا شرح لك بعد ، ما دمت باحثا عن الشرح متكديا إياه
- فانظر إلى شرح القلب من داخلك ، حتى لا يأتينك الوصف ب " لا تبصرون " .
تفسير وَهُوَ مَعَكُمْ
- هناك سلة مليئة بالخبز فوق رأسك ، وأنت لا تفتأ تتكدى كسرة خبز من باب إلى باب .
- فعرج على رأسك ، ودعك من دوار الرأس ، وامض ، واطرق باب القلب ، لماذا أنت على كل باب ؟
1075 - إنك واقف في جدول ، ماؤه يصل إلى ركبتيك ، وغافل عن نفسك ، وباحث عن الماء من هذا وذاك .
- فالماء أمامك وخلفك ، وذو مدد ، لكن العيون من بين أيديها سد ، ومن خلفها سد .
- فالجواد موجود تحت الفخذ ، والفارس باحثٌ عن الجواد ، وإن " سئل " :
ما هذا ؟ قال : جواد ، ولكن أين الجواد ؟
“ 142 “
- انتبه ، أليس هذا الذي يبدو تحتك جواد ؟ قال : نعم ، لكن من رأى جوادا قط ؟
- إنه ثمل بشيء ، وأمام وجهه ذلك الشيء ، وهو غافل عنه ، وغافل عن تفصيلاته أيضا .
1080 - وهو ثمل شوقا إلى الماء وهو أمام وجهه ، إنه في الماء ، لكنه غافل عن هذا الماء الجاري .
- كالدر في البحر ويتساءل : أين البحر ؟ وذلك خيال ، لأن ، الصدف جدار أمامه " دون البحر " ! !
- وتساؤله هذا يصبح حجابا له ، يصبح سحابا على شعاع شمس " حقيقته " .
- إن عينه الرمداء المريضة هي ختم بصره ، إن ما ينبغي أن يرفع السدود من أمامه ، صار سدا له .
- إن لبه نفسه قد صار ختما على سمعه ، فليكن لبك مع الحق ، يا حائرا في آلائه .
في تفسير قول المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم : من جعل الهموم هما واحدا ،
كفاه الله سائر همومه ، ومن تفرقت به الهموم ، لا يبالي الله في أي واد أهلكه
1085 - لقد وزعت لبك على " كثير " من الجهات ، بينما لا تساوى شروى نقير “ 1 “ تلك الترهات .
- وكل جذر لشوكة يمتص ماء لبك ، ومتى يصل ماء لبك إلى الثمار ؟ “ 2 “
..............................................................
( 1 ) حرفيا : فجلة واحدة .
( 2 ) ج / 11 - 348 : - إن كل نبات لا قيمة منه يجذب الماء منك ، ومتى يصل ماء ذهنك إلى الإله .
“ 143 “
- هيا فلتقطع ذلك الغصن السيء ولتقم بتقضيبه ، ولترو هذا الغصن الحسن الطيب ، ولتجعله نضرا .
- إن كليهما أخضر في هذه اللحظة ، لكن أنظر إلى العاقبة ، فإن ذلك يذوى ، ومن هذا تنمو الثمار .
- وماء البستان لهذا حلال ولذاك حرام ، وسوف ترى الفرق في آخر الأمر ، والسلام .
1090 - وما هو العدل ؟ ؟ إنه سقيا هذه الأشجار ، وما هو الظلم ؟ إنه إهدار الماء على تلك الأشواك .
- إن العدل هو وضع النعمة في موضعها ، لا أن تكون ساقيا لكل جذر يكون .
- وما هو الظلم ؟ إنه وضع الشيء في غير موضعه ، وهذا في حد ذاته لا يكون إلا منبعا للبلاء .
- فأعط نعمة الحق للروح والعقل ، لا إلى الطبع كثير الهموم كثير العقد .
- ولتجعل أحمال الحزن كلا على " كاهل " جسدك ، ودعك من وضعها على كاهل الروح ، فإنها تحطم روحك
1095 - لقد وضع " أحدهم " على أم رأس عيسى " الروح " حملا ثقيلا ، بينما يبرطع حمار " الجسد " في المروج .
- وليس من المعقول وضع الكحل في الأذن ، وليس من المعقول أن تطلب من الجسد أعمال القلب .
- فإذا كنت قلبا تبختر وتدلل ولا تتحمل الذل ، وإذا كنت جسدا ، لا تتلذذ بالسكر ، وتذوق السم .
- فالسم نافع للجسد ، لكن السكر ضار له ، ومن الأفضل للجسد أن يبقى بلا مدد .
“ 144 “
- إن الجسد هو حطب جهنم ، فلتصبه بالنحول ، والحطب إن نبت ، إذهب واقتلعه .
1100 - وإلا صرت حطبا وحمالا للحطب ، في الدارين مثل زوج أبي لهب .
- ولتميزن بين غصن سدرة " المنتهى " وبين الحطب ، وإن كان كلاهما أخضر ، أيها الفتى .
- فأصل ذاك الغصن هو السماء السابعة ، وأصل هذا الغصن من النار والدخان
- وهما يتشابهان في الصورة أمام الحس ، فإن عين الحس تخطئ النظر ، وهذا ديدنها .
- لكن الفرق شديد الوضوح أمام عين القلب ، وجاهد " ولو " جهد المقل ، وتعال نحو القلب .
1105 - وإن لم يكن لك قدم ، فحرك نفسك ، حتى ترى كل قليل وكل كثير . “ 1 “
في معنى هذا البيت : إن مضيت في الطريق ، فإنهم يفتحون لك الطريق
وإن صرت عدما ، يتجهون بك إلى الوجود “ 2 “
- إذا كانت زليخا قد غلقت الأبواب من كل طرف ، فإن يوسف عليه السّلام وجد من الحركة المنصرف .
- فانفتح القفل والباب ، واتضح الطريق ، عندما توكل يوسف عليه السّلام وتحرك .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 349 : - فإن هذه الحركة قد صارت مفتاحا للبركة ، ومن الحركة تستفيد أيها القلب .
( 2 ) العنوان عند جعفري " 11 - 356 " : في معنى هذه الرباعية ، ثم بيت لإكمال الرباعية بعد البيت المذكور :
وإن تواضعت لا يسعك العالم ، وآنذاك يبدونك لنفسك دون نفسك .
“ 145 “
- وإن لم تكن فرجة واحدة ظاهرة وموجودة ، فينبغي السعي على العشواء ، كما فعل يوسف عليه السّلام .
- حتى يفتح القفل ، ويبدو الباب ، ويصبح لك منفذٌ إلى اللامكان .
1110 - لقد جئت إلى هذه الدنيا أيها الممتحن ، فهل تراك رأيت قط الطريق الذي جئت منه ؟
- لقد جئت من مكان ما ومن موطن ما ، فهل علمت طريق المجيء قط ؟ أبدا ، على الإطلاق .
- وإذا كنت لا تعلم ، وحتى لا تقول : لا طريق ، فإن من هذا الطريق الذي لا طريق فيه ، ذهابنا .
- إنك في النوم تمضي سريعا إلى اليسار وإلى اليمين ، فهل تعلمن على الإطلاق أين هذا الميدان الذي " تركض فيه " ؟
- فلتغمض هذه العين ، ولتسلم نفسك ، حتى ترى نفسك في تلك المدينة القديمة .
1115 - وكيف تغلق عينيك ومائة عين ذات خمار ، هي غرورا سد أمام عينيك من هذه الناحية .
- وأنت شديد القلق والانتظار عشقا لأولئك الذين يشترون " ما تعرض " وأملا في العظمة والسيادة .
- وإن نمت ، فإنك ترى أولئك المرجوين في النوم ، ومتى تحلم بومة النحس إلا بالخرائب ؟ !
- إنك تريد من يشترى منك كل لحظة ، وفي غاية السعي والقلق ، وماذا لديك لكي تبيع ؟ لا شيء على الإطلاق ! !
- فلو كان لقلبك خبزٌ أو أُدم ، لفرغت تماما من أولئك المشترين . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 356 : وإن كان ثم خبز في كيسك ، لفرغت تماما من مشتريي قلبك .
“ 146 “
[ حكاية ذلك الشخص الذي كان يدعي النبوة ]
قصة ذلك الشخص الذي كان يدعي النبوة ، فقالوا له : ماذا أكلت حتى صرت أحمق تهذى ؟ فقال : لو وجدت شيئا آكله ، لما تحولت إلى أحمق ، ولما هذيت ، فإن أي كلام طيب لو قيل لغير أهله يكون من قبيل الهذيان ، وإن كانوا مأمورين بقول هذا الهذيان
1120 - طفق أحدهم يقول " إنني رسول الله ، وأنا أكثر فضلا من كل الرسل والأنبياء .
- فقيدوا عنقه ، وأخذوه إلى الملك ، وقالوا : إن هذا يقول إنه رسول من الإله .
- وتجمع عليه الخلق ، كالنمل والجراد ، قائلين : ما هذا المكر ؟ ما هذا الاحتيال ؟
وما هذا الكيد ؟
- فإن كان رسولا ذلك الذي يأتي من العدم ، فنحن كلنا رسل وفي غاية الاحترام
- لقد جئنا كلنا من هناك ، ونحن هنا كلنا غرباء ، فلماذا خصصت أنت بها ، أيها البليغ المفوه ؟ “ 1 “
1125 - ألم تأتوا أنتم إلى هنا كالأطفال النائمين ، وكنتم غافلين عن الطريق ، وعن المنازل .
- لقد مررتم بالمنازل نياما ثملين " بالنعاس " ، غافلين عن الطريق ومرتفعاته ومنخفضاته .
- لكننا غذونا السير في اليقظة سعداء " منتبهين " ، مما وراء " الحواس " الخمسة و " الجهات الستة " حتى أرضها وموضعها .
- ورأينا المنازل من الأصل والأساس ، مثل الأدلاء الخبراء العارفين بالطريق .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 363 : وأجابهم ذلك الرسول الطيب قائلا : يا جماعة من العمى والجهال وأرباب الفضول .
- إنكم لم تعلموا أيها القوم أنه قد قضي عليكم بالوصول إلى هنا ، وهذا من عماكم .
“ 147 “
- فقالوا للملك : قم بتعذيبه ، حتى لا يقول أحد على شاكلته هذا الكلام أبدا .
1130 - فرآه الملك شديد النحول والضعف ، بحيث يموت من صفعة واحدة ، ذلك المسكين - فكيف يمكن تعذيبه أو ضربه ؟ وبدنه كان قد صار كالزجاج .
- " وقال في نفسه " : علىّ أن تحدث إليه بالحسنى ، وأسأله : لماذا أنت آخذ في التجديف بالعصيان والكفر ؟
- فإن الشدة لا تجدى هنا نفعا ، وبالحسنى واللين ، تطل الحية برأسها من جحرها .
- وأبعد الناس من حوله . كان ملكا رقيقا ، ديدنه اللطف والملاينة .
1135 - فأجلسه ، ثم سأله عن موطنه ، ومن أين يتعيش ؟ وإلى أين يلجأ ويأوى ؟
- قال : أيها الملك ، إنني من دار السلام ، وجئت من الطريق إلى هنا ، دار الملام .
- وأنا لا دار لي ، ولا جليس واحد أجالسه ، ومتى تتخذ السمكة من اليابسة مسكنا ؟ !
- ثم سأله الملك مازحا : إذن ماذا أكلت ؟ وبم ائتدمت ؟
- وهل تشتهي شيئا ؟ وماذا أكلت هذا الصباح ، بحيث إنك منتش إلى هذا الحد ، كثير النفاج شديد الكبرياء ؟
1140 - أجاب : لو كان عندي خبز ، جافا كان أو طريا ، فمتى كان لي أن أدعي النبوة ؟
- إن ادعاء النبوة مع هذا القبيل من الناس ، أشبه بطلب القلب من صخر أو من جبل .
“ 148 “
- ولم يطلب أحد من جبل أو من صخر عقلا وقلبا ، ولم يسأله عن فهم نكتة من النكات أو ضبطها .
- فإن كل ما تتفوه به يردده الجبل بعينه ، يردده ترديد الرقية هازئا مازحا .
- فأين هؤلاء القوم من الرسالة ؟ ومن الذي يكون عنده رجاء الروح في جماد ؟
1145 - فلو أنك جئت إليهم برسالة عن النساء والأموال ، لطأطأوا كلهم رؤوسهم طاعة أمامك ، ولسلموك أموالهم .
- ولو قلت لأحدهم إن في موضع كذا حسناء تدعوك ، فقد صارت عاشقة لك ، يعترف بك آنذاك .
- ولو أنك أتيت برسالة من الله كأنها الشهد ، داعيا : تعال إلى الله ، يا طيب العهد ،
- وامض من دنيا الموت نحو الزاد ، وإذا كان البقاء ممكنا ، لا تصر فانيا
- فإنهم يهبون سعيا لسفك دمك وقطع رأسك ، لا حمية للدين ، ولا غيرة على الفضل .
سبب عداوة العوام لأولياء الله الذين يدعونهم إلى الحق وإلى ماء الحياة الأبدية . .
وعيشهم غرباء عنهم
1150 - بل إن ذلك يكون من التصاقهم بالمال والأهل ، ويكون سماع هذا البيان مرا بالنسبة لهم .
- إن خرقة قد التصقت التصاقا شديدا بجرح الحمار ، وعندما تريد أن تنزعها منه قطعة قطعة ، - فإن ذلك الحمار يرفس بقدميه يقينا من الألم ، وما أفضل من اتقاه وابتعد عنه .
“ 149 “
- خاصة إذا كان هناك خمسون جرحا ، وفي كل موضع خرقة ، ملتصقة برأسه ، غارقة في العرق .
- وإن الأهل والأملاك كالخرقة ، وهذا الحرص هو الجرح ، وكلما ازداد الحرص ، ازدادت الجراح .
1155 - إن الأهل والأملاك بمثابة بومة " ملازمة " للخراب فحسب ، فهي لا تسمع أوصاف بغداد وطبس .
- ولو أن بازيا سلطانيا عاد من الطريق ، وأتى بمائة خبر لهذا البوم عن المليك
- وتحدث مفصلا عن دار الملك والبساتين والأنهار ، إذن لسخر منه آنذاك مائة عدو .
- قائلين : لقد أتى لنا البازي بأساطير الأولين ، وإنه يختلق الكلام هاز لا مجدفا .
- والأساطير القديمة هي هم ، وهم المهترئون إلى الأبد ، وإلا فإن ذلك الحديث من البازي ، يجعل القديم جديدا .
1160 - إنه يهب الروح للموتى الذين ماتوا منذ زمن ، ويهب تاج العقل ونور الإيمان .
- فلا تسرق القلب من الفاتن الذي يهب الروح ، فهو الذي يجعلك تمتطي ظهر الجواد الأصيل . “ 1 “
- ولا تسرق الرأس من الرفيع العظيم الذي يهب التاج ، فهو الذي يفك مائة عقدة من حول قدم القلب .
- ومع من أتحدث ؟ فأين حي واحد في القرية ؟ وأين ساعٍ واحد نحو ماء الحياة ؟
..............................................................
( 1 ) حرفيا : رخش وهو اسم جواد رستم .
“ 150 “
- إنك بذلة واحدة هارب من العشق ، وماذا تعرف من العشق سوى الاسم ؟
1165 - وإن للعشق مائة دلال واستكبار ، واليد لا تحصل عليه إلا بعد تدلل كثير منه .
- ولأن العشق وفي ، فإنه يشترى الوفي ، ولا ينظر أبدا إلى الرفيق الغادر .
- فالإنسان بمثابة الشجرة ، وجذورها العهد ، وينبغي للجذور أن تُتعهد بالرعاية ، وبجهد .
- وإن العهد الذي يكون فاسدا جذر مهترىء ، قد انقطع عن الثمار ، وعن اللطف .
- وبرغم أن فروع النخلة وأوراقها خضراء ، لا نفع فيها ، ما دام جذرها فاسدا .
1170 - وإن لم تكن فيها أوراق خضراء وجذرها موجود ، فإنها في النهاية تخرج مئات الأوراق .
- فلا تكن مغرورا بالعلم وابحث عن العهد ، فالعلم بمثابة القش ، والعهد بمثابة لبه .
في بيان أن الرجل الطالح عندما يتمكن في الشر ، ويرى آثار إقبال الطيبين ، ينقلب إلى شيطان ، ويصبح مانعا للخير من الحسد مثل الشيطان الذي احترق بيدره ، يريد أن يكون جميع الخلق محترقي البيادر ( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى )
- وعندما ترى الأوفياء قد حازوا النفع ، تصبح آنذاك حسودا كالشيطان .
- وكل من ساء مزاجه ووهن طبعه ، لا يريد لأحد قط أن يكون صحيح الجسد .
- فإن لم تكن تريد أن يكون لديك حسد إبليس ، فتعال من باب الدعوى إلى عتبة الوفاء .
“ 151 “
1175 - وما لم يكن لديك وفاء لا تتحدث ، فإن أغلب حديث الادعاء مكون من " أنا " و " نحن " .
- وهذا الكلام الموجود في الصدور بمثابة الدخل للألباب ، ومن ثم ففي الصمت مائة نماء للب الروح .
- وعندما يتفوه به اللسان ، فقد صار إنفاقا من اللب ، فقلل الإنفاق حتى يبقى اللب ألمعيا .
- ولمن قل كلامه ذهن عبقري ، وعندما زاد قشر الكلام ، فقد ضاع اللب .
- ذلك أنه عندما يزيد القشر يقل اللب ، ويرق القشر عندما يكتمل اللب ويتضخم .
1180 - فانظر إلى هذه الثمار الثلاثة فقد نجت من الفجاجة : الجوز واللوز والفسدق .
- وإن كل من يعصى يكون شيطانا ، ويكون حسودا لدولة الأخيار وإقبالهم .
- وما دمت قد وفيت بعهد الله ، فإن الله تعالى من كرمه يحفظ عهدك .
- وأنت مغمض العينين عن وفاء الحق ، ولم تسمع ( اذكروني أَذْكُرْكُمْ) .
- وأنصت ، واستمع إلى (أَوْفُوا بِعَهْدِي) حتى تأتي (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) من الحبيب .
1185 - فأي عهد وأي قرض منا نحن أيها الحزين المسكين ، إنه من قبيل وضع الحبة المتيبسة في الأرض .
- لا يكون منها للأرض ضياءٌ أو نعمة ، ولا لرب الأرض منها الدخل والغنى .
- اللهم إلا أن يتضرع إلى الله قائلا : يا إلهي ينبغي لي دخل من هذه الحبة ، فقد أعطيت أنت أصلها من العدم .
“ 152 “
- لقد أكلت أنا " من المحصول " وأتيت بهذه الحبة كدليل ، فقد سقت هذه النعمة إلينا فسقها ثانية .
- فدعك إذن من هذا الدعاء الجاف الذي لا معنى له ، واعلم أن إلقاء البذرة في التراب يريد شجرة .
1190 - وإن لم تكن لديك حبة ، فإن الله سبحانه وتعالى من هذا الدعاء ، يهبك نخلا ، فنعم سعيك الذي سعيت .
- مثل مريم البتول ، كان لديها الألم ، ولم يكن لديها حب ، لكن صاحب الفضل ، جعل لها تلك النخلة خضراء .
- وذلك لأن تلك السيدة العظيمة كانت وفية ، فأعطاها الله مائة مراد ، دون أن تطلب .
- وتلك الجماعة التي كانت ذات وفاء ، زادهم الله في كل شيء عمن هم من جنسهم .
- لقد صارت البحار مسخرة لهم والجبال ، والعناصر الأربعة عبيد أيضا عند تلك الجماعة .
1195 - إن هذا الإكرام في حد ذاته بمثابة الدليل ، حتى يراها أهل الإنكار عيانا بيانا .
- لكن كراماتهم الخفية لا تدركها حواس ، ولا يعبر عنها بيان .
- إن هذا هو ديدنه ، ويكون هذا إلى الأبد ، على سبيل الدوام ، لا ينقطع ولا يسترد . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 431 : - بل يبقى لحظة بعد لحظة في رقي ، ذلك أن واهبها صاحب كرم وعطاء .
“ 153 “
مناجاة
- يا واهب القوت والتمكين والثبات ، ألا فلتخلصن الخلق يا إلهي من عدم الثبات هذا .
- وعلى ذلك الأمر الذي ينبغي الثبات عليه ، اجعل النفس مقيمة ، فهي نزاعة إلى الهوى .
1200 - وامنحهم - يا الهي - الصبر وكفة الميزان الثقيلة ، وخلصهم - يا إلهي - من فن من يصورون لهم السوء .
- واشرهم ثانية من الحسد أيها الكريم ، حتى لا يتحول كل منهم من الحسد إلى شيطان رجيم .
- وفي النعيم الفاني للمال والجسد ، لا يفتأون يحترقون جميعا من الحسد .
- فانظر إلى الملوك الذين يجرون الجيوش ويسوقونها ، ويقتلون أقاربهم من الحسد .
- والعشاق للحسان المليئات بالقذر والدنس، أخذوا يسعون في دماء بعضهم البعض وأرواحهم.
1205 - فأقرأ " ويس ورامين " و " خسرو وشيرين " ، وماذا فعل من جراء الحسد أولئك البلهاء .
- ولقد فنى العاشق كما فنى المعشوق ، فهم ليسوا بشيء ، وهواهم ليس بالشيء الذي يذكر .
- والإله الطاهر الذي يضرب العدم ببعضه ، هو الذي يجعل العدم عاشقا للعدم .
- ومن القلب الذي ليس بقلب تطل أنواع الحسد ، وهكذا يجعل العدم مضطرا إلى أن يبدو وجودا .
“ 154 “
- وهؤلاء النساء اللائي هن أكثر شفقة ، أليس من الحسد تأكل إحداهما الأخرى عندما تكون ضرة لها ؟
1210 - فما بالك بالرجال وهم بطبعهم قساة القلوب، ترى في أي منزل هم من منازل الحسد؟
- ولو لم يقدم من الشريعة رقية تلطف " هذا الجحيم " لمزق كل خصم جسد خصمه .
- فإن الشرع يشير بالرأي من أجل دفع الشر ، ويحبس الشيطان في قارورة الحجة .
- فلا يزال بالبرهان والأيمان والنكوص " عن الادعاء " ، حتى يدخل شيطان الفضول في القارورة .
- مثل الميزان الذي يجمع رضا الضدين ، على سبيل اليقين في الجد وفي الهزل .
1215 - فاعلم أن الشرع بمثابة الميزان والمكيال على وجه اليقين ، فبه ينجو الخصمان من القتال ومن الحقد .
- وإن لم يكن ثم ميزان ، فمتى كان الخصم من الجدال ، يتخلص من وهم أنه " قد تعرض " للحيف والاحتيال .
- ومن هنا ففي هذه الجيفة القبيحة التي لا وفاء عندها ، يوجد كل هذا الحسد وكل هذه الخصومة وكل هذه القسوة .
- إذن فمن أين يكون فيها إقبالٌ ودولة ، والجنى والإنسي ماضيان في الحسد ؟
- وأولئك الشياطين أنفسهم حسودون قدماء ، وهم لا يتوقفون لحظة واحدة عن قطع الطريق .
“ 155 “
1220 - وأولئك الآدميون الذين زرعوا العصيان ، تحولوا بدورهم من الحسد إلى شياطين .
- فاقرأ من القرآن أن شياطين الإنس ، قد صاروا من مسخ الإله لهم ، من نفس جنس الشياطين .
- وعندما يصبح الشيطان عاجزا عن الفتنة ، فإنه يطلب العون من هؤلاء الإنس
- قائلا لهم : أنتم أعوان لي ، فالعون العون ، وأنتم إلى جانبي ، فقدموا لي المساعدة والتأييد .
- وإن قُطع الطريق على أحد في الدنيا ، فإن هذين النوعين من الشياطين يهبان فرحين .
1225 - وإن نجا أحد بروحه ، وصار عاليا في الدين ، فإنهما ينوحان ، كلا الحاسدين .
- وكلاهما يصر على أسنان الحسد ، على كل من وهبه الله العقل .
سؤال الملك مدعي النبوة هذا عن الرسول الصادق وماذا يكون معه يهبه لأتباعه
وماذا يجدونه في حضرته وصحبته غير النصيحة التي يقولها بلسانه
- فسأله الملك : بماذا أوحى إليك ؟ وأي نفع يتأتى أصلا من ذلك الذي يكون نبيا ؟ “ 1 “
- قال : قل لي أنت ما الذي لم ينزل به الوحي بعد ؟ وأية دولة بقيت ، ولم يصل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إليها ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 447 : - وأي شيء يهبه للمرء في حديثه ؟ غير النصح وغير الأوامر والنواهي .
- وأي نفع من محضرة وصحبته ، وفي أي رتبة ودرجة يكون من يتبعه ؟
“ 156 “
- ولنفرض أن الوحي الذي نزل عليّ ليس هو وحي الرسول خزانة " المعرفة " ، إنه ليس أقل من الوحي الذي نزل على النحل .
1230 - وعندما نزلت (أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ، جعل منزل وحيه مليئا بالشهد .
- وهو بنور وحى الحق عز وجل ، جعل عالما مليئا بالشمع والعسل .
- وذلك الذي نزلت في حقه (كَرَّمْنا) ، وهو يمضي إلى أعلى عليين ، متى يكون وحيه أقل من وحي النحل
- وألم تقرأ أنت (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، إذن فلماذا بقيت جافا متيبسا ظمآنا ؟
- أو ربما كنت أنت فرعون ، والكوثر كالنيل ، قد تحول من أجلك إلى دم كدر أيها العليل .
1235 - فهيا، تب، وكن ضائقا نفورا من كل عدو ، ليس لديه ماء الكوثر في وعائه .“1“
- وكل من رأيته أحمر الوجه من ماء الكوثر ، فهو في طبع محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قد تطبع بطبعه .
- حتى تأتى في حساب [ أحبه الله ] ، فإن معه تفاحا من الشجرة المحمدية .
- وكل من تراه ظاميء الشفة من الكوثر ، عاده كأنه الموت أو كأنه الحمى . “ 2 “
- حتى ولو كان أباك ولو كان أمك ، فإنه في الحقيقة شاربٌ لدمك .
1240 - وتعلم هذه السيرة من إبراهيم الخليل عليه السّلام ، فقد صار في البداية ضائقا من أبيه ، نفورا من " مسلكه " .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : قرعته .
( 2 ) ج / 11 - 447 : - فقد صار لك كأبي جهل وأبي لهب ، إبتعد عنه حتى لا تسقط في الكرب .
“ 157 “
- حتى تكون أمام الحق ممن قيل فيهم [ ابغض الله ] ، حتى لا يصيبنك حسد العشق بالنحول والسل .
- وما لم تقرأ " لا " و " إلا الله " ، فإنك لن تجد منهاج هذا الطريق .
قصة ذلك العاشق الذي أخذ يعدد لمعشوقه أنواع إخلاصه ووفائه والليالي الطويلة ليالي ( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ )
وقلة الزاد وظمأ الكبد في الأيام الطويلة .
وأخذ يقول : لا أعرف وفاءً إلا هذا ، فإن كانت هناك خدمة أخرى وطاعة أخرى أرشدني إليها فأنا مطيع لكل ما تأمر به سواء كان الدخول في النار كالخليل عليه السّلام أو السقوط بين فكي الحوت كيونس عليه السّلام أو العمى
من البكاء كشعيب عليه السّلام أو التعرض للقتل سبعين مرة مثل جرجيس عليه السّلام ،
ولا حد لوفاء الأنبياء وتضحياتهم ولا حصر . . .
وجواب المعشوق عليه - أخذ أحد العشاق يعدد أمام معشوقه ، أحواله وأموره والطاعات التي قام بها له .
- قائلا : لقد فعلت من أجلك كذا وكذا ، وتعرضت للسهام والرماح في هذه الموقعة .
1245 - وذهب المال وهدت القوة وفقدت السمعة ، وكم من الخسائر حاقت بي من عشقك .
- لم يرني صبح قط ضاحكا أو نائما ، ولم يرني مساء قط مستقرا ساكنا .
- وأخذ يعدد له ما احتساه من أجله من ألم وكدر ، واحدا واحدا وبالتفصيل .
- لا من أجل أن يمنن عليه ، بل كان يقدم على صدق محبته مائة شاهد .
- والعقلاء تكفيهم إشارة واحدة ، ومتى يذهب ظمأ العاشقين منها ؟
“ 158 “
1250 - فهو يكرر القول بلا ملال ، وبإشارة واحدة متى يكتفي الحوت من الماء الزلال .
- ولقد أسهب في القول عن هذا الألم القديم ، وما زال يشكو قائلا : لم أنطق بكلمة واحدة ! !
- كان يحس بنار لم يكن يعلم كنهها ، لكنه كان يبكي من لهيبها وكأنه الشمع . “ 1 “
- قال المعشوق : لقد فعلت كل هذا ، لكن افتح أذنيك تماما وافهم جيدا :
- إنك لم تفعل أصل أصل العشق والولاء ، وكل ما فعلته هو مجرد فروع .
1255 - قال له العاشق : قل لي ، ما هو هذا الأصل ؟ قال : إن أصله هو أن تموت وتتحول إلى عدم .
- لقد فعلت كل هذا ولم تمت ، وما زلت حيا ، فهيا مت أيها الحبيب المضحي بالروح . “ 2 “
- فاستلقى في التو واللحظة وأسلم الروح ، وقامر برأسه كأنه الوردة ضاحكا وسعيدا .
- فصارت هذه الضحكة وقفا عليه إلى الأبد ، مثل عقل العارف وروحه بلا نصب ولا كبد .
- ومتى يتلوث نور القمر ، وإن سطع هذا النور على الصالح والطالح إلى الأبد .
..............................................................
( 1 ) ج : 11 / 451 - 452 وبعد أن بكى قال : كل هذا مضى ، لكن أرشدني الآن يا صديقي الطيب .
- إنني ممتثل بروحي لكل ما تأمر به ، إنني وفق أمرك ، فقد ألقيت بالرأس والقدم .
فإن كان ينبغي على أن أمضي إلى النار كالخليل ، أو أن أجعل دمي مسفوكا مثل يحيى .
- أو أن أصير أعمى من البكاء مثل شعيب ، أو أمضي إلى فم الحوت كيونس .
أو ترسلني كيوسف إلى الجب والسجن ، أو تجعلني كعيسى بن مريم في فقره .
- فإنني لا أحول الوجه عنك ولا أرجع ، فإن روحي وجسدي من أجل أمرك .
( 2 ) ج / 11 - 452 : عندما سمع ذلك العاشق المنسلخ عن ذاته ، أطلق آهة حزينة من روحه وقلبه .
“ 159 “
1260 - إنه يعود صوب الإله بريئا طاهرا منهم جميعا ، كأنه نور العقل ونور الروح .
- وتظل صفة الطهر وقفا على القمر ، وإن كان سطوعه على أقذار الطريق .
- ومن نجاسات الطريق والأوضار الموجودة فيه ، لا فساد هناك يحصل للنور .
- ولقد سمع نور الشمس نداء " ارجعي " ، فعاد إلى أصله على وجه السرعة .
- فلا بقي عليه عار من المزابل التي " سطع عليها "، ولا بقي عليه لون من الرياض . “1 “
1265 - وعاد نور العين إلى منبع الضياء ، وبقيت الصحارى والوديان في ولهها عليه .
..............................................................
( 1 ) هنا بيت زائد عن جعفري "11 - 452" وهو في رأيه ليس خاليا من الإبهام "11 - 457"
وإن كنت أراه شديد الوضوح : وعندما عاد نوره من الأرض الخراب ، ظل منتظرا عودته إليها ، أي أن سطوع النور على المزابل لا يجعله ينفر منها بل يظل مشتاقا إلى العودة إليها .
.
يتبع