قصة أهل ضروان وحسدهم للفقراء .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
قصة أهل ضروان وحسدهم للفقراء على مدونة عبدالله المسافر باللهقصة أهل ضروان وحسدهم للفقراء المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
قصة أهل ضروان وحسدهم للفقراء قائلين : كان أبونا من طيبته يعطي أغلب
دخل الحديقة للمساكين ،
فعند ما كان العنب ينضج كان يعطي عشرة ، وعندما كان يتحول إلى زبيب ودبس كان يزكي بعشره ، وعندما كان يصنع منه حلوى وفالوذج كان يعطي عشره ، وكان يعطي من القصيل " المحصول بالسنابل " العشر ، وعندما يجهز حبوبه في البيدر يزكي بعشرها ، وعندما كان يفصل القمح عن التبن ، كان يزكي بعشره ، وعندما كان يطحنه كان يعطي العشر ، وعندما كان يعجنه كان يعطي أيضا العشر ، وعندما كان يخبزه ، كان يعطي العشر أيضا . فلا جرم أن الحق تعالى كان قد وضع البركة في هذه المزرعة والحديقة ، بحيث صار كل أصحاب الحدائق يحتاجون إليه سواءٌ في الثمر أو في المال ، ولم يكن هو محتاجا إلى أحد منهم ، وكان أبناؤه يرون إخراج هذا العشر المتكرر ، ولم يكونوا يرون تلك البركة . . مثل تلك المرأة الشقية التي كنت قد رأت ذكر الحمار ولم تكن قد رأت القرعة
- كان هناك رجل صالح رباني ، كان كامل العقل ، متدبرا للعواقب .
1475 - وكان شهيرا في قرية ضروان بالقرب من اليمن ، بالتصدق والخلق الحسن .
- كان الحي الذي يسكن فيه قبلة للفقراء ، وكان المحتاجون يفدون إليه .
- كان يعطي العشر من السنابل دون رياء ، كما كان يعطي العشر من القمح عندما يفصله عن التبن .
- وعندما كان يطحنه كان يعطي أيضا العشر ، وعندما كان يخبزه ، كان يعطي العشر من الخبز . “ 1 “
- لم يكن يغفل عطاء العشر من كل دخل ، كان يخرج " الزكاة " أربع مرات على كل ما يزرع .
1480 - وكان ذلك الفتى الجواد يكثر من وصاياه لأولاده كل لحظة وهم مجتمعين ،
- ويقول لهم : الله بيني وبينكم في نصيب المسكين " بعد وفاتي " ، إياكم أن تمنعوه من حرص أنفسكم .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 485 : - كان يعطي العشر من العنب ثم من الزبيب ، وكان يعطي أيضا العشر من الدبس .
- وكان يعطي العشر من حلوه ومن الفالوذج ، ولم يكن يغفل شيئا قل أو كثر .
“ 180 “
- حتى يبقى لكم الزرع وتبقى لكم الثمار ، دائمين ثابتين في حمى طاعة الحق .
- إن كل الثمار والدخول من الغيب ، لقد أرسلها سبحانه وتعالى دون ظن أو ريب .
- وإذا أنت أنفقت في موضع الكسب وفي أوانه فقد ربحت .
1485 - والتركي يقوم بغراس أغلب المحصول في مزرعته ثانية ، فهو أصل الثمار .
- إنه يزرع معظمه ، ويأكل منه القليل ، فليس لديه أدنى شك في أنه سينمو ثانية ويربو .
- ومن هنا فإن التركي يفرط في البذار ، ذلك أن تلك الغلة نتجت بدورها من تلك الأرض .
- والإسكاف يشترى الجلد والأديم والجلد غير المدبوغ مما يزيد على قوته
- إنه يقول لنفسه : لقد كانت هذه الأشياء هي أصول دخلي ، ومنها أيضا يحل قيد الرزق .
1490 - لقد جاء الدخل من ذلك الباب لا جرم ، ومن ثم فهو على ذلك الباب يقوم بالعطاء ، ويبدي الكرم .
- وهذه الأرض " للزراع " والجلد غير المدبوغ " للإسكاف " مجرد دريئة وحجاب فحسب ، واعلم أن أصل الرزق في كل نفس من الله .
- ذلك أنك تزرع في الأرض التي هي أصل العمل والزرع ، حتى تنبت لك من كل حبة مائة ألف حبة .
- فلأفرض أنك إذا قمت الآن بزراعة الحب ، في الأرض التي ظننتها سببا ،
“ 181 “
- ماذا تفعل إن ظلت عامين أو ثلاثة لا تنبت ، إلا أن ترفع كفيك داعيا متضرعا ؟
1495 - وتضرب رأسك بكفيك أمام الإله ، وهذه اليد وهذه الرأس تكونان شاهدتين على إعطائه الرزق .
- وذلك حتى تعلم أنه أصل الرزق ، حتى يبحث عنه كل من هو باحث عن الرزق .
- فاطلب الرزق منه ، لا من زيد ومن عمرو ، واطلب السكر منه ، لا من المخدر ولا من الخمر .
- واطلب الغنى منه ، لا من الكنز والمال ، واطلب النصرة منه ، لا من العم والخال .
- إنك سوف تفارق هؤلاء كلهم ، انتبه . . . من سوف تدعو في تلك اللحظة .
1500 - فادعه من الآن ، ودعك من الباقين ، حتى تصبح وارثا لملك الدنيا .
- فما دام يومٌ سوف يأتي يفر المرء فيه من أخيه ، ويهرب المولود من أبيه ،
- ولذلك يصبح كل صديق آنذاك عدوا ، إذ كان صنما لك ومانعا في طريقك " إلى الله " .
- وأنك كنت تشيح بوجهك عن الذي صور الوجه " الحسن " ، لأنك كنت تجد أنس القلب من صورة .
- والآن إذا انقلب أصحابك أعداء لك ، وتحولوا عنك ، ولجوا في الخصومة ،
1505 - فهيا قل : الآن سعد زماني ، أن ما كان سيحدث في الغد قد حدث اليوم
- لقد صار أهل الدار أعداءً لي ، حتى صارت القيامة بالنسبة لي واقعا مسبقا
“ 182 “
- وذلك قبل أن أخسر أيامي ، وأنهي عمرى وأنا بينهم .
- لقد كنت شاربا لبضاعة معيوبة ، والحمد لله أن اكتشفت عيبها مبكرا .
- وذلك قبل أن تضيع ثروتي من يدي ، وفي النهاية أفاجأ بأنها معيوبة .
1510 - " ويقال لي " : لقد ضاع المال وضاع العمر أيها الحسيب النسيب ، لقد بذلت المال والروح من أجل سلعة فاسدة .
- و " أرى " أنني أعطيت المال وأخذت ذهبا مغشوشا ، وأخذت أمضي به فرحا سعيدا نحو الدار .
- فالشكر " لله " أن هذا الذهب المزيف قد كشف الآن ، وذلك قبل أن يمضي من عمرى أكثر " مما مضى " .
- ويبقى الزائف في رقبتي إلى الأبد ، وأتحسر على أنني قد أضعت عمرى فيه
- وما دام الذهب قد أبدى زيفه لي مبكرا ، لأبتعد عنه إذن بأسرع ما يمكنني .
1515 - وعندما يبدي صديقك لك العداوة ، ويطفح عليه جرب حقده وحسده .
- لا تصرخ أنت شاكيا من إعراضه هذا ، ولا تجعل نفسك بهذا جاهلا أبله .
- بل أشكر الله ، ووزع الصدقات “ 1 “ ، أنك لم تعمر معه طويلا في جوال واحد
- وأنك خرجت من جواله سريعا ، حتى تبحث عن رفيق الصدق السرمدي .
- ذلك الصديق المخلص الذي من بعد موتك ، يصبح حبل صداقته أكثر إحكاما وقوة .“2 “
1520 - وربما يكون ذلك الصديق سلطانا أو ملكا رفيع الشأن ، أو مقربا لدى السلطان ، مقبولة شفاعته .
- لقد نجوت من المزور المحتال الماكر ، ورأيت زيفه عيانا بيانا قبل الأجل
..............................................................
( 1 ) حرفيا : الخبز .
( 2 ) حرفيا : ثلاثي الخيط .
“ 183 “
- وذلك الجفاء الذي يبديه لك الخلق في الدنيا - لو تعلم - هو كنز ذهبي خفي من أجلك .
- ولقد جعل الناس يكونون معك على هذا النسق من سوء الخصال ، حتى تضطر إلى اللجوء إلى تلك الناحية .
- واعلم يقينا أنهم جميعا في النهاية ، سوف يتحولون إلى خصوم وأعداء ، وعصاة لك .
1525 - وتبقى أنت في صراخ وعويل وأنت في اللحد ، داعيا الأحد قائلا :رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً.
- يا من جفاؤك أفضل من عهود الأوفياء ، كما أن شهد الأوفياء من عطائك أيضا .
- فاستمع إلى نصائح " عقلك " يا صاحب الأهراء ، وأودع قمحك أرض الله .
- حتى يأمن اللص ويأمن السوس ، واقتل شيطان " الهوى " سريعا وأرضة " العقل والتدبير " .
- فهو الذي يخوفك في كل لحظة من الفقر ، فصده كالقطا أيها الصقر الشجاع .
1530 - ومن العار لبازى السلطان العزيز الموفق ، أن يكون صيدا لقطاة .
- لقد أوصاهم " ذلك الأب " كثير أو ألقى ببذور الوعظ ، لكنه لم يجد نفعا ، فقد كانت أرضهم بورا .
- فإنه إن كان للناصح مائة " نصيحة " داعية ، ينبغي لنصحه أذن واعية .
- وإلا فإنك تنصح المرء بمائة تلطف ورقة ، وهو يهز كتفيه استهانة بنصحك .
- وإن إنسانا واحدا معرضا عن الاستماع من جدله ورفضه ، يصيب بالإحباط مائة من المتحدثين .
“ 184 “
1535 - ومن يكون ألطف لهجة وأكثر نصحا من الأنبياء ، أولئك الذين أثرت أنفاسهم الربانية حتى في الحجر
- ذلك أن الجبل والصخر قد تأثروا بهم وجاوبوهم ، لكن قيد المدبر لم يفك عنه
- وكذلك تلك القلوب التي ديدنها " الإحساس بالذات " وقول أنا ونحن ، صار الوصف " الصادق " عليها أنها أشد قسوة " من الحجارة " .
بيان أن عطاء الحق والقدرة ليسا موقوفين على القابلية ، لأن العطاء قديم والقابلية حادثة ، والعطاء صفة الحق والقابلية صفة المخلوق ، ولا يكون القديم متوقفا على الحادث ، وإلا استحال الحدوث .
- والحل بالنسبة لذلك القلب " القاسي " عطاءٌ مبدل ، والقابلية ليست شرطا لعطائه .
- لكن عطاءه هو الشرط للقابلية ، فالعطاء لب ، والقابلية هي القشر .
1540 - وأن تصير العصا لموسى عليه السّلام ثعبانا ، وتصير كفه مشرقة كأنها الشمس ،
- ومئات الآلاف من معجزات الأنبياء ، تلك التي لا تستوعبها ضمائرنا وعقولنا ،
- ليست من الأسباب ، لكنها من تصريف " المشيئة " الإلهية ، ومتى كانت هناك قابلية للمعدومات ؟
- وإذا كانت القابلية شرطا لفعل الحق ، لما خُلق موجود قط من العدم .
- ولقد وضع سنة للطالبين تحت هذه الخيمة الزرقاء وأسبابا وطرقا ! !
1545 - والأمور بأغلبها تجرى طبقا لسنة " الله " ، لكن القدرة أحيانا تخرق السنة .
“ 185 “
- لقد وضع سنة وعادة ذات نسق ونظام ، ثم خلق المعجزة كخرق للعادة و " السنة " .
- وإذا كان العز لا يصل إلينا دون سبب ، فإن القدرة على عزل السبب ليست منتفية .
- فيا أسير السبب ، لا تحلق بفكرك خارج السبب ، لكن لا تظن أن " فعله " عاجز عن الاستغناء عن السبب .
- فإن كل ما يشاءه هذا المسبب يفعله ويأتي به ، فإن القدرة المطلقة تمزق الأسباب .
1550 - لكنه يجعل " نفاذ " أمره جاريا على الأسباب ، حتى يعلم الطالب البحث عن المراد .
- فإن لم يكن ثم سبب ، فأي طريق يبحث عنه المريد ؟ ومن هنا ينبغي أن يكون السبب واضحا في الطريق .
- وإن هذه الأسباب مجرد حجب على صنعه ، فليست كل الأنظار جديرة بالنظر إلى صنعه .
- إذ تنبغي بصيرة نفاذة فيما وراء الأسباب ، حتى تقشع الحجب من جذورها وأصولها .
- حتى تبصر المسبب في اللامكان ، وتعتبر الجهد والكسب والتجارة من قبيل الهزل .
1555 - وأن الخير والشر كليهما يصلان من المسبب ، فلا أسباب هناك ولا وسائط أيها الأب .
- اللهم إلا خيالات وأوهام متراكمة على طريق الحياة ، حتى يبقى عهد الغفلة ردحا من الزمان .
“ 186 “
في ابتداء خلق جسد آدم عليه السّلام عندما أمر الحق سبحانه وتعالى
جبريل بأن يمضي ويأخذ من هذه الأرض قبضة من التراب وفي رواية :
من كل ناحية منها قبضة من التراب
- عندما أراد الصانع الخالق خلق البشر ، من أجل ابتلائهم بالخير والشر .
- قال لجبريل الصدق : إمض ، وخذ قبضة من تراب الأرض ، و " ايت به " كرهينة .
- فشمر عن ساعد الجد ، ونزل إلى الأرض حتى ينفذ أمر رب العالمين .
1560 - ومد يده نحو التراب ذلك الحامل لأمر الله ، فجمع التراب نفسه وانكمش حذرا خائفا .
- ثم انطلق في الحديث متضرعا قائلا : بحق حرمة الخلاق الفرد .
- دعني وامض ، وهبني روحي ، وحول عنى عنان جوادك الأشهب .
- فبالله دعني ، ولا تحملني في مزالق التكاليف والمخاطر .
- بحق ذلك اللطف الذي به اصطفاك الحق ، وجعل علم اللوح الكلي مكشوفا لك
1565 - حتى أصبحت معلما للملائكة ، وكنت دائما متكلما مع الحق .
- و " بحق " أنك سوف تصير سفيرا للأنبياء ، وأنك حياة نور الوحي ولست بالبدن .
- والفضل لك على إسرافيل لأنه حياة الجسد وأنت حياة الروح .
- وإن نفخة الصور هي نشأة الأجساد ، لكن نفختك أنت نشأة للقلب الفريد .
- وروح روح الجسد حياة للقلب ، ومن ثم فإن عطاءك أفضل من عطائه .
1570 - ثم إن ميكائيل هو الذي يوزع رزق الجسد، لكن سعيك أنت يهب رزق القلب المنير.
“ 187 “
- إنه قد ملأ الحجر من عطاء يكال بالكيل ، لكن عطاء رزقك أنت لا يستوعبه كيل .
- وأنت أيضا أفضل من عزرائيل صاحب القهر والغضب ، ذلك لأن للرحمة سبقت الغضب .
- وأنتم الأربعة حملة العرش ، وبانتباهك ، أنت أيها المليك أفضل هؤلاء الأربعة .
- ومن يحملون العرش يوم القيامة ثمانية ، وأنت أفضل الثمانية في ذلك الوقت .
1575 - وهكذا لأخذ يعدد " مناقبه " ويبكي ، وكان هو يفهم طرفا من المقصود من هذا " الرجاء " .
- وكان جبريل معدنا للحياء والخجل ، وسدت عليه الأيمان السبل .
- ومن كثرة ما تضرع إليه " التراب " وأقسم عليه بالأيمان ، عاد " جبريل " وقال : يا رب العباد ،
- لم أكن أنا بالذي يهمل تنفيذ أوامرك ، لكنك أعلم بما جرى .
- لقد ذكر الاسم الذي من هوله أيها البصير ، تتوقف الأفلاك السبعة عن المسير .
1580 - فاستحييت ، وخجلت من اسمك ، وإلا فنقل قبضة من الطين أمر يسير .
- ذلك أنك قد وهبت الملائكة ، قوة يستطيعون بها تحطيم هذه الأفلاك “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 501 : - وأي قدر لقبضة التراب وأية قوة لها للوقوف أمامك ، لكن الرحمة غلبت .
“ 188 “
إرسال ميكائيل لقبض حفنة من التراب من الأرض من أجل تصوير الجسد المبارك
لأبي البشر خليفة الحق الذي سجدت له الملائكة
الذين علمهم آدم عليه السلام
- قال لميكائيل : إهبط أنت ، واختطف من الأرض قبضة من التراب كالأسد .
- وعندما انتقل ميكائيل إلى الأرض ، مد يده لكي يختطف تلك القبضة .
- فارتعد التراب ، وأخذ يجد في الهرب ، وصار متضرعا نائحا ذارفا للدمع .
1585 - ولقد تضرع بجد وجهد وصدر محترق ، وأقسم عليه ، يسبقه دمعه الدامي .
- وقال : بحق الإله اللطيف الذي لا ند له ، والذي جعلك حاملا للعرش المجيد .
- ومشرفا على كيل الأرزاق في الدنيا ، ومغرقا " بالفضل " للظامئين إلى فضل الإله .
- ذلك أن اسم ميكائيل قد اشتق من الكيل ، ومن هنا صار كيال للرزق .
- " بحقه " هبني الأمان ، ودعني حرا ، وانظر إليّ أخاطبك وأنا مضرج بالدماء .
1590 - وقال الملاك "المخلوق" من معدن رحمة الإله : كيف أنثر الملح على هذا الجرح؟
- وهكذا فكما أن الشيطان هو معدن القهر ، إذ يجعل بني آدم يجأرون بالصراخ .
“ 189 “
- والرحمة قد سبقت الغضب أيها الفتى ، كما أن اللطف يغلب على وصف الإله .
- ولابد لعبيده أن يتخلقوا بخلقه ، ما دامت قربهم مليئة بماء جدوله .
- وذلك الرسول الحق مرشد السلوك قد قال : الناس على دين ملوكهم .
1595 - فذهب ميكائيل صوب رب الدين ، خاوى اليد ، خالى الوفاض مما طلب منه .
- وقال : يا عالما بالسر ، أيها الملك الفرد ، لقد قيد التراب " يدي " ببكائه ونواحه .
- ودمع العين عندك - يا إلهي - ذو قدر ، وأنا لم أستطع تجاهل سماع " ضراعته " .
- وللآهة والنواح عندك قيمة كبيرة ، لم أستطع أنا التجاوز عن حقوقها
- والعين الدامعة ذات احترام كبير عندك ، فكيف أعاند أنا وأجادل بشأنها .
1600 - إن الدعوة إلىَّ لضراعة موجودة خمس مرات في اليوم ، إنها تقول للعبد : أدخل في الصلاة ، ونح ضارعا .
- وإن المؤذن ليصيح حي على الفلاح ، وهذا الفلاح هو التضرع ، واستجلاب الفضل .
- وذلك الذي تريد أن تؤلمه من حزنه وهمه ، فإنك تسد طريق الضراعة أمام قلبه .
- حتى ينزل به البلاء دونما شيء يدفعه ، عندما لا يكون لديه شفيع من الضراعة .
- وذلك الذي تريد أن تشريه من البلاء ، تدفع روحه دفعا إلى التضرع والاستغاثة .
“ 190 “
1605 - وقلت في القرآن أن تلك الأمم التي حل بها ذلك الغضب الجبار " والعذاب الهون " .
- لأنهم لم يكونوا يتضرعون في ذلك الوقت ، " إلى الله " حتى يرد عنهم البلاء .
- ولأن قلوبهم كانت قد قست ، كانت ذنوبهم هذه تبدو عبادة " لله " .
- وما لم يعرف نفسه ذلك المجرم العنيد ، فمن أين له أن يعلم أن يجرى الدمع من عينيه .
قصة قوم يونس عليه السّلام بيان وبرهان على أن التضرع والنواح دافعان للبلاء السماوي ، والحق تعالى فاعل مختار ، ومن ثم يفيد التضرع والنواح لديه .
ويقول الفلاسفة هو فاعل بطبع وعلة وليس مختارا ، ومن ثم فإن التضرع لا يغير الطبع
- عندما ظهر البلاء لقوم يونس عليه السّلام ، انفصل عن السماء سحابٌ مليءٌ بالنار .
1610 - وأخذ يلقي بالبرق والصواعق فيحرق الحجارة ، وأخذ السحاب يرعد فتشحب الوجوه .
- كانوا جميعا على سطوح " منازلهم " ليلا ، عندما ظهرت تلك الكرب والكوارث من فوقهم . “ 1 “
- فنزلوا جميعا من فوق السطوح ، ومضوا عراة الرؤوس إلى الخلاء .
- وأخرجت الأمهات أطفالهن ، حتى يقوموا جميعا بالضراعة والدعاء والاستغاثة .
- ومنذ صلاة العشاء وحتى طلوع الفجر ، أخذ هؤلاء الناس جميعا يحثون رؤوسهم بالتراب .
1615 - ومن بعد اليأس والآهات المرة ، أخذ السحاب في الانقشاع قليلا قليلا .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 512 : - عندما كان يونس عليه السّلام قد مضى عنهم ، وذلك من جحودهم لله وحقدهم .
- لكنهم عندما رأوا أمارات البلاء ، بدأوا في الضراعة والدعاء . . .
“ 191 “
- إن قصة يونس عليه السّلام طويلة مفصلة ، والوقت وقت " قصة " تراب " آدم " والحديث المستفيض عنه .
- وإذا كان للتضرع هذه الاقدار عند الله ، ففي أي مكان آخر يكون للنواح قيمته هناك ؟
- فهيا ، إنهض ، واستعد سريعا للرجاء والأمل ، وانهض أيها الباكي ، واضحك دائما . “ 1 “
1620 - فإن الملك المجيد ، يسوى الدمع في الفضل بدم الشهيد . “ 2 “
إرسال إسرافيل عليه السّلام إلى الأرض قائلا له : خذ حفنة من التراب
من أجل تركيب جسد آدم عليه السّلام
- قال إلهنا لإسرافيل : إمض ، واملأ كفك من التراب ، وتعال .
- فجاء إسرافيل بدوره صوب الأرض ، وبدأت الأرض مرة أخرى في التوسل قائلة :
- يا ملاك الصور ، ويا بحر الحياة ، ويا من نفخك الصور ، يجد الموتى الحياة والنشور .
- ومن نفخة واحدة في الصور ينطلق صوت عظيم ، ويمتليء المحشر بالخلاق ، بعد أن كانوا من الرميم .
1625 - إنك تنفخ في الصور مناديا : هلموا إليّ ، إنهضوا يا قتلى كربلاء " الدنيا " .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 512 : - وكن ملازما للضراعة حتى تصبح فرحا ، وابك ، حتى تصير ضاحكا بلا فم .
( 2 ) ج / 11 - 512 : - وكلتضرع يكون مع حرقة وألم يؤثر في المرء . لقد تضرع وذرف الدمع من عينيه ، فعلت الرحمة وسكنت ذلك الغضب .
“ 192 “
- يا من هلكتم بسيف الموت ، أطلوا برؤوسكم من التراب " كما تطل " الأغصان والأوراق .
- وبرحمتك ونفختك الجذابة تلك ، يمتليء العالم بمن قد أحياهم " نفيرك " .
- إنك ملاك الرحمة ، فأظهر الرحمة ، وأنت حامل للعرش ، وقبلة للعطايا
– والعرش موضع لمعدن العطاء والعدل ، وتحته أربعة أنهار من المغفرة .
1630 - نهر من لبن ونهر من عسل خالد ونهر من الخمر ونهر كدجلة من الماء الجاري العذب .
- ثم تجرى من تحت العرش داخل الجنة ، ويظهر منها النذر اليسير في الدنيا .
- بالرغم من أن هذه الأنهار الأربعة ملوثة هنا ، مم ؟ من سم الفناء المهلك غير السائغ .
- ولقد صبت من تلك الأنهار الأربعة على التراب الكدر ، وأثيرت بذلك الفتنة
- حتى يبحث عن أصولها أولئك الأخساء ، لكنهم قنعوا بالأربعة الموجودة هنا ، هؤلاء الأدنياء .
1635 - ولقد أعطى اللبن من أجل تربية الأطفال ، وفجر عينا من صدر كل امرأة .
- وجعل عينا من الخمر في الكرم ، لكي يجترىء بعضهم ، ويشربون منها لدفع الحزن والهم .
- وجعل من باطن النحل عينا للعسل ، وفيه شفاءٌ للأبدان المريضة .
- وأعطى الماء للناس جميعا بأصولهم وفروعهم ، من أجل التطهر ومن أجل الشرب .
- حتى تتتبع آثارها حتى الأصول ، لكنك قنعت بما هو هنا يا ذا الفضول .
“ 193 “
1640 - فاستمع الآن إلى قصة التراب ، ماذا يقول من رجاء يحرك " القلوب "
- لقد قطب وجهه وعبس أمام إسرافيل ، وأخذ يقوم بمائة نوع من التشكل والنفاق
- وقال له : بحق ذات الجلال الطاهرة ، لا تجعل هذا القهر حلالا علىّ .
- إنني أشم رائحة ما من تقليبك إياي ، وثمة ظن سئ يسرع إلى ذهني .
- إنك ملاك الرحمة فارحم ، فإن الطائر الملكي لا يؤذى طائرا صغيرا .
1645 - يا شفاء ورحمة لأصحاب الألم ، إفعل أنت أيضا ما فعله ذلك المحسنان .
- فعاد إسرافيل سريعا إلى المليك ، وقص عليه ما حدث واعتذر له " قائلا " :
- إنك أمرت في الظاهر أن خذه ، لكنك ألهمت الضمير بعكس أمرك هذا .
- لقد كان أمرك للأذن أن إمض واقبضه ، لكنك نهيت اللب عن القسوة . “ 1 “
- والرحمة سبقت الغضب وغلبته ، يا بديع الأفعال ، ويا أيها المحسن الرب .
إرسال عزرائيل ملك الحزم والعزم لحمل حفنة من التراب من أجل أن يسوى
منها سبحانه وتعالى جسم آدم عليه السّلام على وجه السرعة
1650 - قال الإله على وجه السرعة لعزرائيل ، أنظر ذلك التراب صاحب الخيال والأوهام .
- والحق بتلك الضعيفة الظالمة العجوز ، واحضر إليّ سريعا قبضة من التراب
- وذهب عزرائيل قائد القضاء نحو كرة التراب من أجل المطالبة والاقتضاء .
- فبدأ التراب على عادته في الصراخ ، وأقسم عليه ، وأغلظ في الأيمان
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 516 : - ورحمته بلا حد ولا نهاية ، إنه حكيم وكريم ورحيم .
“ 194 “
- قائلا : أيها العبد المقرب ، يا حمال العرش ، ويا مطاع الأمر في العرش والفرش .
1655 - إمض بحق حرمة الرحمن الفرد ، إمض بحق ذلك الذي تلطف معك .
- بحق المليك الذي لا معبود سواه ، والذي لا ترد عنده ضراعة أحد . “ 1 “
- قال : إنني لا أستطيع بهذا الرجاء والدعاء ، أن أعصى آمر السر والعلن .
- قال " التراب " : إنه أمر بالحلم آخرا ، وكلاهما أمر ، فخذ الأمر بالحلم عن طريق العلم .
- قال " عزرائيل " : هذا تأويل وقياس ، وعليك في الأمر الصريح أن تقلل البحث عن الغموض والالتباس .
1660 - ومن الأفضل لك أن تؤول ما يعن لك من فكر ، من أن تقوم بتأويل غير المتشابه هذا .
- وإن قلبي ليشفق من ضراعتك ، ومن دمعك ، إمتلأ صدري دما .
- ولست خاليا من الرحمة، بل إنني أكثر رحمة من أولئك الثلاثة على ألم الذي يعاني ويقاسى.
- وبالرغم من أني أقوم بصفع ذلك اليتيم ، وبالرغم من أن ذلك " الرجل " الحليم يعطيه الحلوى ،
- فإن هذه الصفعة ألذ من تلك الحلوى ، وإن خدعته الحاوي ، فالويل له .
1665 - إن كبدي ليحترق شفقة وتأثرا بضراعتك ، لكن الحق لا يفتأ يعلمني اللطف .
- وهناك لطفٌ خفي في أنواع القهر ، وهناك عقيق لا يقدر بثمن مخفيٌ في الحدث .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 519 : - وبحق حق الحق أن ترفع يدك عنى ، يا من لك من الحق فضائل بلا عدد .
“ 195 “
- وقهر الحق أفضل من مائة حلم منى ، ومنع الروح عن الحق ، هو بمثابة نزع الروح .
- وأشد قهر منه أفضل من حلم الكونين ، فنعم رب العالمين ، ونعم العون .
- وهناك ألطاف مضمرة في قهره ، وتسليم الروح من أجله ، يمد في العمر .
1670 - فهيا ، انتبه ، ودعك من سوء الظن والضلال ، واجعل الرأس قدما " ساعيا إليه " ما دام قد قال لك تعال .
- والاستدعاء منه يهب كثيرا من العلو والسمو ، إنه يهب النشوة والقرين والبسط والزرابي .
- وإنني لا أجرؤ على تجاهل هذا الأمر السني أو الاستهانة به ، أو أن أكون معوجا ضالا بشأنه .
- ولقد سمع التراب المسكين كل هذا ، لكن كان في أذنيه وقر ، من الظن السيء .
- ثم إن ذلك التراب أخذ يبكي ويتضرع بطريقة أخرى ، ويسجد ويتمايل كأنه السكران .
1675 - قال : لا ، إنهض ، فلن يحيق بك ضرر من هذا الأمر ، وأنا ضامن لك هذا برأسي وروحي .
- لا تفكر عبثا ، ولا تتضرع ثانية ، اللهم إلا إلى ذلك الملك الرحيم العادل .
- إنني عبد للأمر ، ولا أجرؤ على مخالفة أمره ، ذلك الأمر الذي أثار الغبار من قلب البحر .
- ولا أسمع إلا من ذلك الخالق للسمع والبصر والعقل ، ولا أسمع - حتى من نفسي - إلى الخير والشر .
- إن أذني صماء إلا عن قوله ، وهو عندي أعز من الروح الحلوة .
“ 196 “
1680 - فقد وهبت الروح منه ، ولم يوهب هو من الروح ، وهو يهب مئات الآلاف من الأرواح بالمجان .
- وماذا تكون الروح حتى أختارها على الكريم ؟ وماذا يكون البرغوث حتى أحرق من أجله الكليم ؟
- فأنا لا أعلم خيرا إلا خيره ، وأنا بدونه أصم وأبكم وأعمى .
- وأذني صماء عن أولئك الذين يستغيثون ، فأنا في كفه كأنني السنان . “ 1 “
بيان أن المخلوق الذي يحيق بك ظلم منه هو في الحقيقة كالآلة ، والعارف هو الذي يرجع إلى الحق لا إلى الآلة ،
وإذا رجع إلى الآلة فذلك في الظاهر فحسب ، ومن أجل مصلحة ،
كما قال أبو اليزيد : لي سنوات لم أتحدث مع مخلوق ولم أسمع كلمة واحدة من مخلوق ،
لكن الخلق يحسبون أني أتحدث معهم وأسمع منهم ، لأنهم لا يرون المخاطب الأكبر ،
فهم عند حالي بالنسبة له كالصدى ،
ولا يهتم المستمع العاقل بالصدى . كما يقول المثل المعروف قال الجدار للوتد لم تشقني ،
قال الوتد : أنظر إلى من يدقني
- لا تطلب الرحمة بحمق من السنان ،بل أطلبها من ذلك المليك الذي يكون السنان في يده . “ 2 “
1685 - فما بالك تتضرع إلى السنان والسيف ، مع أنه أسيرٌ في يد ذلك السني
- إنه " آزر " في صنعته وأنا الصنم ، والآلة التي يجعلني إياها أكون إياها .
- فإن جعلني كأسا ، أكون كأسا ، وإن صنع منى خنجرا أصير حنجرا .
- وإن جعلني نبعا فإنني أفيض بالماء ، وإن جعلني نارا ، أهب الدفء .
- وإن جعلني مطرا أهب البيادر ، وإن جعلني سنانا أنفذ في الأجساد .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 520 : الشطرة الثانية : وأمضي إلى فم الأفعى من أجله .
( 2 ) ج / 11 - 520 : - لا تطلب الرحمة من حد السيف ، بل من الملك الذي هو له في يده كالصولجان .
“ 197 “
1690 - وإن جعلني حية أنفث السم ، وإن جعلني عونا وسندا أقوم بالخدمة . “ 1 “
- إنني كالقلم بين الإصبعين ، ولست بالمتوسط في صف الطاعة .
- ولقد شغل التراب بالكلام - ثم اختطف قبضة من ذلك التراب القديم .
- لقد اختطفها بسحر من موطن التراب ، والتراب يهذى بالكلام كمن فقدوا الوعي .
- وحمل حتى حضرة الحق التراب الذي لا إرادة له ، حمله كما يحمل الطفل الهارب من المكتب .
1695 - قال الله سبحانه وتالي : بحق علمي المطلق ، لأجعلن منك جلادا لهؤلاء الخلق .
- قال : يا رب ، إن القوم سوف يعادونني ، عندما آخذ بحلوقهم عند الموت .
- فهل ترضى أيها الإله السني ، أن تجعلني عدوا مبغوضا كريه الوجه ؟
- قال : بل لأجعلن " للموت " أسبابا ظاهرة للعيان ، من الحمى والقولنج والدوار و " طعان " السنان . “ 2 “
- حتى أحول أنظارهم عنك ، إلى الأمراض والأسباب والعلل المتداخلة .
1700 - قال : يا رب ، هناك أيضا من العباد ، من يمزقون حجب الأسباب أيها العزيز .
- تتجاوز عيونهم الأسباب وتتجاوز الحجب من فضل الرب .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 526 : - وإن جعلني سكرا ، أصبح حلوا ، وإن جعلني حنظلا أمتليء حقدا .
- وإن جعلني شيطانا أعصى وأتمرد ، وإن جعلني محرقا أصبح نارا .
( 2 ) ج / 11 - 527 : - ومن الصداع والورم الدموي والخناق ، والزكام والجذام والفواق .
- والسدة والديدان والاستسقاء والسل ، وكسر ذات الصدر واللدغ ووجع القلب .
“ 198 “
- ومن وجد كحل التوحيد من كحال الحال ، فقد خلص " من التفكير " في العلة والاعتلال .
- فهم لا ينظرون إلى الحمى والقولنج والسل ، ولا يتركون سبيلا لهذه الأسباب إلى قلوبهم .
- ذلك أن لكل واحد من هذه الأمراض دواءا ، وعندما لا يقبل المرض الدواء ، فالفعل إذن هو فعل القضاء .
1705 - فاعلم يقينا أن لكل داء دواء ، مثلما يكون علاج البرد بلبس الفراء .
- وعندما يريد الله لامريء أن يتجمد من البرد ، فإن البرد ينفذ حتى من مائة فراء .
- ويضع في جسده رعدة ، لا تذهب عنه بثوب أو بدار .
- وعندما يحم القضاء ، يصبح الطبيب أبله لا يعي شيئا ، بل ويضل ذلك الدواء طريق النفع .
- بحيث يصبح إدراك البصير محجوبا ، عن هذه الأسباب التي هي خداعٌ للأبله .
1710 - وإن العين ترى الأصل عندما تكون كاملة ، وعندما يكون المرء أحول لا يرى إلا الفروع .
جواب الله على عزرائيل : إن من لا وجه نظره إلى الأسباب والأمراض
والطعن بالسيف فإنه لا يقع عليك أيضا ، لأنك سبب مهما كنت أخفى من تلك الأسباب ،
وربما يكون خفيا على المريض لقوله تعالى : وهو أقرب إليكم ولكن لا تبصرون “ 1 “
- قال الله : ذلك الذي يكون عالما بالأصل ، متى يراك إذن بيننا ؟
..............................................................
( 1 ) هكذا في النص ، والآية الكريمة هي :وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ. الواقعة / 85 .
“ 199 “
- وبالرغم من أنك أخفيت نفسك عن العوام ، فإنك أمام المستنيرين " مجرد " حجاب و " سبب " .
- وأولئك الذين يكون الأجل بالنسبة لهم كالسكر ، ما دامت أنظارهم نشوى بأنواع الإقبال .
- لا يكون موت الجسد بالنسبة لهم أمرا مرا ، فإنهم يمضون من الجب والسجن إلى البساتين والرياض .
1715 - لقد نجوا من الدنيا المليئة بالإلتواء والضلال ، ولا يبكي أحد على فوات هباء الهباء .
- فلو أن نقابا حطم برج السجن وهدمه ، لا يضيق بذلك أبدا قلب السجين .
- ولا يتحسر قائلا : وا أسفاه ، لقد حطم هذا الحجر المرمرى ، بحيث نجت نفوسنا وأرواحنا .
- ذلك الرخام الجميل وذلك الحجر الأصيل ، كان بهيا بالنسبة لبرج السجن منسجما معه .
- فكيف حطمه حتى نجا السجين ؟ ينبغي أن تقطع يده في هذا الجرم .
1720 - ولا يوجد سجين قط يتحدث بهذا الهراء ، اللهم إلا ذلك الذي يؤخذ من السجن إلى المشنقة .
- ومتى يكون مرا على الإنسان ، أن يُحمل من " موطن " سم الأفاعي إلى الشهد والسكر ؟
- لقد صارت الروح مجردة عن ضجة الجسد وضوضائه ، إنها تحلق بجناح القلب ، لأقدم الجسد .
- مثل ذلك السجين في الجب، الذي يقضى الليالي " الطوال " راقدا يحلم بالرياض والبساتين.
.
يتبع