منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:13 am

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي على مدونة عبدالله المسافر بالله

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي
- كان هناك زاهدٌ في غزنة عنده مزية من العلم ، كان اسمه محمد وكنيته سررزى .
- كان إفطاره في كل ليلة طرف غصن من الكرم " سر رز " ، وظل سبع سنوات ساعيا في أثر مطلب واحد .
 
2670 - كان قد رأى كثيرا من العجائب من مليك الوجود ، لكن هدفه ومطلبه ، كان " إجتلاء " جمال " المليك .
- فصعد إلى قمة جبل ذلك الملول من نفسه ، وقال : فلتتجل لي ، أو لألق بنفسي إلى الهاوية .
 
“ 286 “
 
- فكوشف أن لم يأت أوان هذه المكرمة ، وإن سقطت ، فلن تموت ، ولن أقتلك .
- فألقى بنفسه من فرط المودة والعشق ، لكنه سقط في ماء عميق .
- وعندما لم يمت ، ناح هذا الرجل الملول من روحه على نفسه ، من الخيبة ، وفراق الموت .
 
2675 - فقد كانت هذه الحياة تبدو له كالموت ، وكانت الأمور بأجمعها قد انقلبت أمام ناظريه .
- لقد كان يستجدى الموت من الغيب ، وكان يصيح : " إن في موتي حياتي " .
- كان مستقبلا للموت وكأنه الحياة ، وكان مصمما على هلاك روحه .
- كان السيف والخنجر ريحانة له ، وكأنه على المرتضى رضي اللّه عنه ، والنرجس والنسرين أعداء روحه .
- فهتف به الهاتف قائلا : إمض من الخلاء إلى المدينة ، كان هاتفا عظيما مما وراء السر والجهر .
 
2680 - فقال له : يا عالما بسرى شعرة بشعرة ، ماذا علىّ أن أفعل في المدينة ؟ قل لي .
- قال : إن ما ستفعله ، أن تجعل من نفسك فترة " كعباس الدبس " من أجل إذلال النفس .
- فداوم على تكدى المال فترة من الأغنياء ، لكن داوم أيضا على توصيله إلى الفقراء .
- هذه هي خدمتك التي تقوم بها لفترة من الزمن . فقال : السمع والطاعة ، يا ملاذ الروح .
 
“ 287 “
 
- وكان هناك سؤال وجواب وحوار طويل ، بين الزاهد وبين رب الورى .
 
2685 - بحيث امتلأت السماء والأرض بالنور ، وكل هذا مذكور في المقالات .
- لكنني اختصرت ذلك المقال ، حتى لا يحتسي كل خسيس الأسرار .
 
مجيء الشيخ بعد عدة سنوات من الخلاء إلى مدينة غزنة ، وطوافه بالزنبيل " متكديا "
طبقا للأوامر الغيبية ، وقيامه بتوزيع كل ما يجمعه على الفقراء كل من
كان لروحه عز لبيك * تتوالى عليه الرسائل واحدة بعد الأخرى ورسول بعد رسول
كما تكون كوة الدار مفتوحة ، لا ينقطع عنها نور الشمس أو ضياء القمر
أو المطر أو الرسائل وما إليها
 
- اتجه إلى المدينة ذلك المطيع للأمر ، فنورت مدينة غزنة بوجهه .
- وذهب جمع غفير لاستقباله فرحا به ، لكنه تسلل سريعا من طريق غير مطروق .
- ونهض كل الأعيان والعظماء ، وزينوا قصورهم من أجله .
 
2690 - فقال : إنني لم آت من أجل إظهار النفس ، لم آت إلى هنا إلا من أجل الذل والتكدى .
- ولست عازما على إلقاء المواعظ والدروس ، لكني عازمٌ على الطواف من باب إلى باب ، والزنبيل في يدي .
- إنني عبد للأمر ، وهذا أمر الله ، أن أكون متسولا ، فلأكن إذن متسولا .
- وعلىّ أيضا ألا تلفظ أثناء التسول بلفظ نادر ، وألا أسلك إلا طرق الشحاذين الأخساء .
- حتى أصبح غريقا تماما في المذلة ، وحتى أسمع الشتائم من خاصة الناس وعامتهم .
 
“ 288 “
 
2695 - إن أمر الحق روح ، وأنا تبع له ، لقد أمر بالطمع ، وذل من طمع
- وما دام سلطان الدين يريد مني الطمع ، فليكن التراب إذن على مفرق القناعة
- إنه يريد الذل ، فمتى أطوف حول العز ؟ وهو يريد الكدية ، فكيف أقوم بالإمارة .
- ومن الآن فصاعدا ، ليكن التكدى والذل لروحي ، وليكن هناك عشرون " من أمثال " عباس في خرجي .
- وأخذ الشيخ يطوف والزنبيل في يده صائحا : شيئا لله يا سيدي ، وفقك الله .
 
2700 - إن أسراره أعلى من الكرسي والعرش، وعمله هو التسول قائلا : شيئا لله ، شيئا لله.
- وهذا هو نفسه عمل الأنبياء ، إنهم يتكدون من الخلق المفلسين .
- إنهم يصيحون : أقرضوا الله ، أقرضوا الله ، إنهم يتحدثون على العكس ويقولون : أنصروا الله .
- وهذا الشيخ يتضرع من باب إلى باب ويلح ، وفوق الفلك ، هناك مائة باب مفتوحة أمامه .
- فإن تلك الكدية التي كان يقوم بها بجد ، كانت في سبيل الله ، ولم تكن من أجل الحلق .
 
2705 - وحتى إن كان يقوم بها من أجل الحلق ، فإن ذلك الحلق كان ساميا من نور الله .
- فإن أكل الخبز وشرب اللبن من جانبه، أفضل من أربعينية أو طي لثلاثة أيام من مائة فقير.
 
“ 289 “
 
- إنه يحتسي النور ، فلا تقل أنه يأكل الخبز ، إنه يزرع الشقائق ، وإن كان يأكلها ظاهرا .
- إنه كاللهب الذي يشرب الزيت من الشمع ، ويزداد النور من أكله إياه ، بين الجمع .
- ولقد قال الله بشأن أكل الخبزلا تُسْرِفُوا، لكنه لم يقل بشأن أكل النور : اكتفوا .
 
2710 - إن ذلك الحلقوم من أجل الابتلاء، وهذا الحلقوم فارغ من الإسراف وآمن من الغلو.
- كان أمرا ، لم يكن حرصا وطمعا ، فمثل تلك الروح ، لا تكون للحرص تبعا .
- فإن قالت كيمياء " التبديل " للنحاس : إعطني نفسك ، لا يكون طمعا ، بل علو همة . “ 1 “
- كان قد عرض كنوز الأرض أمام شيخ الحق حتى الطباق السابع .
- فقال الشيخ : أيها الخالق ، إنني عاشق ، وإذا بحثت عمن سواك ، أكون فاسقا
 
2715 - وإذا وضعت الجنان الثمانية في الحسبان ، أو قمت بالخدمة والطاعة خوفا من سقر ،
- أكون مؤمنا باحثا عن السلامة ، وهاتان كلتاهما من حظ البدن .
- والعاشق الذي أكل قوته من عشق الله ، لا يساوى مائة بدن عنده خردلة . “ 2 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 211 : - إن ذلك التكدى الذي كان يقوم به بجد ، كان من آثار حكمته هو .
( 2 ) حرفيا : توتة فجة .
 
“ 290 “
 
- وهذا البدن الذي كان لذلك الشيخ الفطن ، كان قد صار شيئا آخر فلا تسمه بدنا .
- فهل ثم عاشق لله و " طمع في الأجر " ؟ وهل يتفق أن يكون جبريل مؤتمنا ثم يكون لصا ؟
 
2720 - إن العالم في نظر عاشق ليلى ذلك المضطرب الحزين ، لا يساوى شروى نقير . “ 1 “ 
- لقد تساوى عنده التراب والذهب ، وماذا يكون الذهب عندما لا يكون للروح نفسها خطر ؟
- ولقد فهمه الأسد والذئب والوحش ، فتحلقوا جميعا حوله ، كالأهل والأقارب .
- ذلك أنه قد صار بريئا تماما من طبع الحيوان، إمتلأ بالعشق وصار لحمه وشحمه مسممين.
- وإن ما يصبه العقل من سكر يكون سما بالنسبة للحيوان ، ذلك أن الطيب تماما يكون ضد الشرير .
 
2725 - ولا يجرؤ الوحش على التهام لحم العاشق ، فإن العشق معروف لدى الصالح والطالح .
- وإن أكله الحيوان على سبيل الفرض ، يكون لحم العاشق سما بالنسبة له ويقتله .
- فكل ما هو سوى العشق صار مأكولا للعشق ، والعالمان كحبة واحدة أمام " منقار " طائر العشق .
- فهل أكلت حبةٌ طائرا قط ؟ ، وهل رعى مزودٌ جودا قط ؟
- فقم بالعبودية علك تصبح عاشقا ، فالعبودية كسب ، يتأتى من العمل
..............................................................
( 1 ) حرفيا : ورقة كراث .


“ 291 “
 
2730 - والعبد يطمع في الحرية " إن سمح " إقباله ، لكن العاشق لا يريد الحرية إلى الأبد .
- والعبد دائما ما هو طالب للخلعة والأجر ، وخلعة العاشق دائما هي رؤية الحبيب .
- والعشق لا يستوعبه مقال أو بيان ، فالعشق بحرٌ لا يبدو له قرار .
- ولا يمكن عد قطرات البحر وحصرها ، والبحار السبعة صغيرة أمام هذا البحر .
- وهذا الكلام لا نهاية له يا فلان ، فعد بنا إلى قصة شيخ الزمان
 
في معنى  [ لولاك لما خلقت الأفلاك ]
 
2735 - صار شيخ كهذا متسولا من حي إلى حي ، فقد جاء العشق وهو لا يبالي ، فاتقوه .
- إنه يجعل البحر يغلي وكأنه القدر ، كما أنه يبرى الجبل ، فكأنه الرمل .
- والعشق يصيب الأفلاك بمائة شق ، والعشق يزلزل الأرض زلزالا ولا يأبه بها .
- لقد كان عشق الطاهر قرينا لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن أجل هذا العشق، قال له الله :
لولاك .
- ولما كان في العشق فردا ، فقد خصه صلّى اللّه عليه وسلّم من بين كل الأنبياء .
 
2740 - فلو لم يكن من أجل العشق الطاهر ، متى كنت أخلق الأفلاك ؟
- ولقد رفعت الفلك السني ، ذلك لكي تفهم علو العشق .
- وهناك منافع أخرى تتأتى من الفلك ، تابعة له ، كما تتبع البيضة الفرخ .
- ولقد جعلت التراب بأجمعه ذليلا ، حتى تفهم شيئا ما من ذل العاشقين .
- وأعطيت التراب أيضا الخضرة والنضرة ، حتى تصبح عارفا بتبديل الفقير .
 
“ 292 “
 
2745 - وتحدثك أيضا تلك الجبال الراسيات ، عن أحوال العشاق في ثباتهم .
- وبالرغم من أن كل هذه صور وذاك معنى يا بني ، إلا أنها هكذا من أجل أن تكون أقرب إلى فهمك .
- ولقد شبهوا الأحزان بالأشواك ، وهي ليست على شكلها ، لكنه تنبيه إلى المعنى .
- وذلك القلب القاسي الذي سموه حجرا ، لم يجدوا الوصف مناسبا ، فضربوا لك مثلا .
- وإن لم يُتصور عين الشيء المراد، يكون العيب منصبا على الصورة ، لكن إياك أن تنفيها.
 
ذهاب ذلك الشيخ كل يوم أربع مرات إلى منزل أحد الأمراء متكديا بزنبيله
إطاعة لإشارة الغيب ، ولوم الأمير له على هذه
الوقاحة واعتذاره للأمير
 
2750 - ذهب الشيخ ذات يوم أربع مرات إلى قصر أحد الأمراء ، يتكدى وكأنه " المتسول " الفقير .
- الزنبيل في يده وهو يصيح : شيئا لله ، إن خالق الروح يطلب لقمة من الخبز .
- إنها أفعال تجرى عكس ما ينبغي يا بني ، تجعل العقل الكلى بدوره دائر الرأس .
- وعندما رآه الأمير قال له : أيها الوقح ، سوف أقول لك شيئا ولا تسمني شحيحا . “ 1 “
- ما هذا الجلد السميك وهذا الوجه الصفيق وهذا الفعل السوء بحيث تأتى في اليوم الواحد أربع مرات ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 300 : - أيها الخسيس معدوم الحياء حتام هذا الإلحاف في الطلب ، وإلام تنحني هكذا من أجل الرزق ؟
 
“ 293 “
 
2755 - وما هذا أيها الشيخ الذي تعلقت به وارتبطت ؟ إنني لم أر شحاذا فحلا مثلك ؟
- لقد قضيت على حرمة الشحاذين وأرقت ماء وجوههم ، فما هذا التسول القبيح كتسول عباس " الدبس " الذي قمت به ؟
- إن عباس الدبس تابع من أتباعك ، فلا كان لملحد قط هذا النفس النحس .
- قال الشيخ : أيها الأمير ، إنني عبد للأمر فاصمت ، لست عارفا بنارى فكفاك غليانا .
- فلو أنني رأيت في نفسي حرصا على الخبز ، لمزقت هذا البطن الذي يطالب بالخبز .
 
2760 - ولسبع سنوات من حرقة العشق التي تشوى الجسد ، قد أكلت في الخلاء أوراق الكرم .
- وكان من أكلى للأوراق الخضراء واليابسة ، أن أخضر لون جسدي هذا .
- وما دمت أنت موجودا في حجاب أبي البشر ، فقلل النظر باستهانة إلى العاشقين .
- والأذكياء الذين دققوا كثيرا في الأمور ، قد أدركوا علم الهيئة بأرواحهم .
- وعلم النير نجات والسحر والفلسفة ، بالرغم من أنهم لا يعرفونها حق المعرفة .
 
2765 - إلا أنهم جاهدوا بقدر إمكانهم ، حتى بزوا فيها كل أقرانهم .
- لكن العشق أحس بالغيرة ، وأخفى نفسه عنهم ، وغابت عنهم مثل تلك الشمس .
 
“ 294 “
 
- ونور العين الذي رأى النجم في وضح النهار ، كيف أخفت شمس نفسها عنه ؟
- دعك من هذا ، واقبل مني هذه النصيحة : أنظر إلى العاشقين بعين العشق 
- والوقت ضيق ، والروح في مراقبة ، ولا يمكنني أن أبث عذرى لك الآن
 
2770 - فافهم ، ولا تكن موقوفا على ذلك القول ، وقلل من خمش صدور العاشقين .
- فليس الأمر كما ظننت، من جراء هذا الاندفاع ، فلا تفرط في الحزم، وداوم على الاحتياط.
- فهناك واجب وجائز ومستحيل ، فتوخ الوسط من بينها ، عند الحزم أيها الدخيل .
 
بكاء الأمير من نصيحة الشيخ ، وانعكاسا لصدقه ، وإيثاره إياه بخزانته
جزاء هذه الوقاحة ، واستعصام الشيخ ، وعدم قبوله إياها ،
وقوله : لا أستطيع أن أتصرف دون أمر
 
- قال هذا وانفجر في البكاء والعويل ، وسال الدمع على خديه ، موضعا بموضع .
- فأثر صدقه في ضمير الأمير ، والعشق يطبخ قدرا طريفة في كل لحظة .
 
2775 - إن صدق العاشق يؤثر على الجماد ، فأي عجب أن يؤثر في قلب العالم ؟
- لقد أثر صدق موسى عليه السّلام على العصا وعلى الجبل ، بل أثر على البحر الخضم المهيب .
 
“ 295 “
 
- وصدق أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم أثر على جمال القمر ، بل إنه قطع الطريق على الشمس الساطعة بالضياء .
- كانا كل منهما في مواجهة الآخر ، وكلاهما في صياح وعويل ، سواءٌ الأمير والفقير .
- وعندما بكيا فترة طويلة ، قال له الأمير : إنهض أيها المكرم العزيز ! !
 
2780 - اختر ما تشاء من الخزانة ، وإن تستحق مائة ضعفها .
- إن الدار دارك ، فخذ ما تريد وتختار ، فالعالمان شيء قليل " بالنسبة لقدرك " .
- قال : لا إذن لي بمثل هذا ، وأن أكون آخذا لشيء بيدي مختارا إياه .
- ولا أستطيع أن أقوم من تلقاء نفسي بهذا الفضول ، وأن أتدخل بنفسي " أدنى " تدخل .
- وهكذا تعلل ، وأغلق مجال الحديث ، فهل كان ما يمنعه أن العطاء لم يكن صادقا ؟
 
2785 - لا ، بل كان صادقا خاليا من الغل والانفعال ، لكن كل صدق لم يكن يبدو للشيخ مقبولا .
- فقال : هكذا أمرني الله قائلا لي : إمض ، وتسول الخبز كما يفعل الشحاذون . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 310 : - لقد طلبنا من هذا الباب بتسول ، وإلا فإننا لا نهتم بما فيه من أموال
 
“ 296 “
 
وصول الأمر إلى الشيخ من الغيب قائلا له : لقد أخذت طوال العامين الماضيين وأعطيت ،
ومن الآن إعط ولا تأخذ ،
داوم على وضع يدك تحت الحصير ، فقد جعلناه كهميان أبي هريرة من أجلك ، فإنك تجد تحتها ما تريد ، حتى يؤمن الناس أن وراء هذا العالم عالما تمسك فيه التراب بيدك فيصير ذهبا ويدخل إليه الميت فيصير حيا ، كما يدخل إليه النحس الأكبر فيصير سعدا ،
ويأتي إليه السم فيصير ترياقا ، وهو ليس داخل هذا العالم ولا خارجه ، ولا تحته ولا فوقه ، ولا متصل به ولا منفصل عنه ، فهو بلا كيف أو كيفية ، وكل لحظة تأتي منه آلاف الآثار والنماذج كصنعة اليد مع صورة اليد ، وغمزة العين مع صورة العين ، وفصاحة اللسان مع صورة اللسان ، لا هي داخلة فيه ولا خارجة عنه ، ولا متصلة به ، ولا منفصلة عنه .
واللبيب تكفيه الإشارة
 
- لقد قام هذا الرجل الجدير بهذا الأمر لمدة عامين بما أُمر به ، ثم أتاه أمر آخر من الخالق ،
- بعد الآن ، داوم على العطاء ، لكن لا تطلب شيئا من أحد ، لقد أعطيناك من الغيب هذه القدرة .
- وكل ما يطلبه أحد منك ، قليلا أو كثيرا “ 1 “ ، ضع يدك تحت الحصير وأخرجه .
 
2790 - هيا ، داوم على العطاء من كنز الرحمة بلا مراء ، فإن التراب يتحول في كفك إلى ذهب ، فأعط .
- أعط كلما يطلب منك ، ولا تفكر فيه ، واعلم أن عطاء الله في ازدياد .
- وفي عطائنا لا تخسير ولا نقص ، ولا ندم ولا حسرة ، من هذا الكرم .
- ضع يدك تحت الحصير أيها السند ، وذلك من أن يكون في الأمر حجاب ودريئة لعين السوء .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : من واحد إلى ألف .
 
“ 297 “
 
- ثم املأ قبضتك مما هو موجود تحت الحصير ، وضعه في يد السائل كسير الظهر .
 
2795 - من بعد " التكدى " أعط من الأجر الذي لا منة فيه ، إعط لكل من يريد الجوهر المكنون .
- إمض ، وكن مصداقا ليَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، ووزع الرزق كيفما أتفق ، كيد الحق .
- وخلص المدينين من ديونهم ، واجعل بساط الدنيا أخضر نضرا كأنك المطر .
- وظل الشيخ عاما " آخر " وهو يقوم بهذا العمل ، كان يهب الذهب من كيس رب الدين .
- كان التراب الأسود يصير ذهبا في كفه ، وكان حاتم الطائي شحاذا في صفه .
 
معرفة الشيخ ضمير السائل دون أن يتحدث ، ومعرفته مقدار دين المدينين
دون حديث منهم ، وهذا دلالة على مصداق
 
[ أخرج بصفاتي إلى خلقي ]
 
2800 - وذلك الفقير ، وإن لم يكن يذكر حاجته ، كان يعطيه إياها ، وكان يعرف ما في ضميره .
- وما كان في قلب ذلك الكسير الظهر ، كان يعطيه مقداره ، دون زيادة أو نقصان .
- ثم قيل له : أي علم لك يا عماه بذلك القدر الذي يفكر فيه ؟
- فكان يقول : إن منزل القلب خلوة ، وهو خال من الكدية ، وكأنه الجنة .
 
“ 298 “
 
- وليس فيه من عمل إلا عشق الله ، وما فيه من ديار إلا خيال الوصال .
 
2805 - لقد كنست منزل " القلب " مما فيه من خير وشر ، فأصبح منزل " قلبي " مليئا بعشق الأحد .
- وكل ما أراه فيه غير الله ، لا يكون ملكا لي ، بل انعكاس لضمير السائل 
- فإذا ظهر في الماء صورة عرجون أو نخلة ، فإنه لا يكون إلا انعكاسا لنخلة خارج الماء .
- وإن رأيت صورة في قاع النهر ، فإن تلك الصورة تكون انعكاسا لشيء موجود في الخارج أيها الفتى .
- لكن هذا الأمر يحدث عندما ينقى الماء من القذى ، فالتنقية في نهر البدن شرط لهذا الأمر .
 
2810 - حتى لا يبقى فيه كدر أو غثاء ، حتى يصبح أمينا يعكس صور الوجوه .
- وليس في بدنك إلا ماء مكدر بالطين أيها المقل ، فصف الماء من الطين يا خصم القلب .
- وإنك مستمر في كل لحظة من الأكل والنوم ، في طمس هذا البئر بالتراب أكثر .
 
سبب معرفة ضمائر الخلق
 
- وعندما يكون قلب ذلك الماء خاليا من هذه الأشياء ، تنعكس فيه صور الوجود من خارجه .
- وإلا فإن لك باطنا لم يُصف بعد ، والمنزل مليء بالشياطين والقردة والوحوش .
 
2815 - أيها الحمار الذي بقي في حماريته من العناد ، متى تعرف شيئا عن الأرواح التي تشبه روح المسيح
 
“ 299 “
 
- وأي علم لك إن أطل خيال ، من أي مكمن يطل ؟
- إن الجسد ليصير خيالا من الزهد ، حتى " يتاح له " كنس الخيالات من الباطن . “ 1 “
 
غلبة مكر الثعلب على استعصام الحمار
 
- لقد جاهد الحمار كثيرا ودفعه بالقول ، لكن الجوع الشديد كان ملازما للحمار .
- وغلبه حرصه ، وكان احتماله ضعيفا ، وما أكثر الحلوق التي ذبحها عشق الرغيف .
 
2820 - وقد ورد عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم الذي تيسرت له كل الحقائق " قوله " [ كاد الفقر أن يكون كفرا ] .
- كان ذلك الحمار قد صار رهين الجوع ، فقال في نفسه : إن كان في الأمر مكر ، فهي ميتة واحدة .
- فأنجو أيضا من عذاب الجوع هذا ، وإن كانت هذه هي الحياة فالموت أفضل لي .
- وإذا كان الحمار قد تاب في البداية وأقسم ، فقد تخبط في النهاية من حماريته .
- والحرص يجعل المرء أعمى وأحمق وجاهلا ، ويجعل الموت سهلا على الحمقى .
 
2825 - والموت ليس بالأمر السهل على أرواح الحمير ، فليس لديهم ماء الروح الخالدة .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 318 : - فاكنس هذا الخيال الضال من الباطن ، حتى لا يجعلنك من أهل الظاهر .
 
“ 300 “
 
- ولأنه لا يملك روحا خالدة فهو شقي ، وجرأته على الأجل من جراء حمقه .
- فجاهد حتى تكون لك روح خالدة ، حتى يكون لك زادٌ يوم الموت .
- ولم يكن اعتماده على الرزاق ، وأنه ينثر الجود عليه من الغيب .
- لم يكن الفضل حتى الآن قد حرمه يوما من الرزق ، بالرغم من أنه كان يسلط عليه الجوع بين الآن والآخر .
 
2830 - وإن لم يكن ألم الجوع فهناك مائة ألم آخر ، يحيق بك من جراء التخمة .
- وألم الجوع أفضل من كل تلك العلل ، سواءٌ في لطف " حدته " أو في خفته أو " من أجل " العمل .
- وألم الجوع أكثر طهرا ولطفا من كل الآلام ، خاصة وفي الجوع مائة نفع وفضل .
 
في بيان فضيلة الحمية والجوع
 
- إن الجوع في حد ذاته هو سلطان الأدواء ، فاستمسك به بروحك ، ولا تستهن به . “ 1 “
- وكل المرضى قد شفوا بالجوع ، وكل المتع مردودة ، إن لم يجرب الجوع .
 
مثل
 
2835 - كان أحدهم يأكل خبز الشعير ، فسأله أحدهم : كيف تأكل هذا الخبز بهذا الشره ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 323 : - والجوع يكون نورا للعين عند الإبصار ، ويكون قابلية في النظر والفكر .
 
“ 301 “
 
- فقال : عندما يكون الجوع قد أصبح ضعف الصبر ، يصبح خبز الشعير أمامي كالحلوى .
- ومن ثم أستطيع أن ألتهم كل شيء وكأنه الحلوى ، عندما أصبر ، وأنا بلا شك صبور .
- والجوع بالنسبة لكل شخص ليس من عدم الحيلة أو اضطرارا ، فإن مواضع الطعام تفوق الحد والحصر .
- ولقد وهب الله سبحانه وتعالى الجوع للخاصة ، حتى يصبحوا من الجوع أسودا قوية .
 
2840 - ومتى يعطي الجوع لكل جلف شحاذ ، ما دام الطعام ليس قليلا فإنه يضعه أمام المرء ، 
- قائلا له : هيا كله ، فأنت تستحقه ، إنك طائر خبز ولست بطائر ماء . “ 1 “
 
حكاية المريد الذي وقف الشيخ على حرصه وضميره فنصحه باللسان ،
وفي خلال النصيحة وهبه قوة التوكل بأمر الحق
 
- أخذ الشيخ يمضي مع أحد مريديه دون تلكؤ ، نحو مدينة كان الخبز فيها شحيحا .
- كان الخوف من الجوع والقحط مسيطرا على فكر المريد ، ومن غفلته ، كان هذا الخوف يبدو عليه في كل لحظة .
- وكان الشيخ عارفا وواقفا على الضمير ، فقال : حتام وأنت في قلق وخوف ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 324 : - لا يوجد في رأسك إلا التفكير في الخبز ، ولا يأتي إلى خاطرك إلا ذكره . 
- فماذا يكون محصولك بعد عدد من السنين ؟ إن الموت جوعا أفضل لك من هذه الحياة .
 
“ 302 “
 
2845 - لقد احترقت من أجل هم الخبز ، وخطت عين التوكل والصبر .
- وأنت لست من أولئك المدللين الأعزاء ، بحيث تحفظ عندهم دون جوز أو زبيب .
- فالجوع هو رزق أرواح خواص الله ، فمتى يكون نصيبا لمسكين مثلك وشحاذ ملحاح ؟
- فكم مطمئنا ، فأنت لست منهم ، وأنت في هذا المطبخ لست " محروما " من الخبز .
- إن الطبق فوق الطبق والخبز فوق الخبز على الدوام ، من أجل هؤلاء الشرهين العوام .
 
2850 - وعندما يموت يتقدم الخبز قائلا : يا من قتلت نفسك خوفا من الحرمان ،
- لقد مضيت، وبقي الخبز : من بعدك "فانهض وخذه ، يا من قتلت نفسك خوفا وهلعا. “ 1 “
- هيا وتوكل ، ولا تصب اليد والقدم بالرعدة والرعشة ، إن رزقك أكثر عشقا لك منك له .
- إنه عاشق ، لكنه يتلكأ عليك ، لأنه يعلم انعدام صبرك أيها الفضولي
- ولو كان عندك صبر لأتاك الرزق ، ولألقى بنفسه عليك ، كما يفعل العشاق .
 
2855 - فما هذه الحمى ذات الرعشة خوفا من الجوع؟ ما دام العيش ممكنا بشبع في التوكل.
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 326 : - وعلى كل لقمة مكتوب بوضوح ، أنها لفلان بن فلان بن فلان .
 
“ 303 “
 
حكاية تلك البقرة التي كانت وحيدة في جزيرة كبيرة ، والحق تعالى يملأ تلك الجزيرة
بالأعشاب والرياحين وهي علف البقرة ،
وحتى دخول الليل كانت البقرة تأكل وتسمن كأنها قطعة من الجبل ،
وعندما يجن الليل لا تنام من القلق والخوف محدثة نفسها قائلة :
لقد أكلت كل المرعى فماذا أرعى غدا ؟
حتى تصاب بالنحول من هذا القلق كأنها عود الخلال ، وتنهض صباحا فترى المرعى أكثر نضرة وأكثر خصبا مما كان عليه بالأمس ، فترعى ثانية وتسمن ، ثم يحل بها نفس الغم ليلا ، ولسنوات وهي ترى نفس ما تراه ولا تطمئن
 
- هناك جزيرة خضراء في الدنيا ، فيها بقرة وحيدة حسنة الفم .
- وهي تقوم برعي كل المرعى حتى الليل ، حتى تصبح سمينة ضخمةً فخمة .
- وفي الليل من كثرة تفكيرها فيما سوف تأكله في الغد ، تصير نحيلة كالشعرة من الغم .
- وعندما يسفر الصباح ، يصير الوادي شديد الخضرة ، ويصل القصيل الأخضر والعشب حتى وسطها .
 
2860 - فتنهال البقرة عليه من شدة جوعها ، وتظل قائمة بالرعي حتى يأتي الليل .
- فتصبح مرة ثانية سمينة ممتلئة ضخمة ، ويمتليء جسدها شحما وقوة .
- وفي الليل تصاب مرة ثانية بالحمى من الفزع ، حتى تصير نحيلة من الخوف الذي يلم بها .
 
“ 304 “
 
- وتتساءل : ماذا آكل في الغد عندما يحين أوان الطعام ؟ وهذا هو ديدن تلك البقرة لسنوات .
- إنها لا تفكر أبدا ولا تقول لنفسها : إنني أرعى لسنوات من هذا المرعى وهذه الروضة .
 
2865 - ولم ينقص رزقي منها ذات يوم قط ، فما هذا الخوف والحزن والقلق الذي لدى ؟ !
- لكنها عندما يحل الليل ، فإن تلك البقرة الضخمة لا تفتأ تئن وتتوجع قائلة : لقد انقطع الرزق .
- إن النفس هي تلك البقرة ، وذلك الوادي الأخضر هو الدنيا ، فهي لا تزال تصاب بالنحول خوفا على الخبز .
- قائلة : عجبا ! ! ماذا سآكل في المستقبل ، ومن أين أطلب الدسم في الغد ؟
- لقد أكلت لسنوات ، ولم ينقص الطعام ، ودعك من التفكير في الغد ، وانظرى إلى الماضي .
 
2870 - وتذكرى ما قد أكلت من لحم وشحم ، ولا تفكرى في المستقبل البعيد ، وكفاك نواحا . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 328 : - فلتلق بقصة هذه البقرة جانبا ، وأرسل رسالة إلى ذلك الحمار وذلك الأسد الفحل .
 
“ 305 “
 
صيد الأسد لذلك الحمار ، وظميء الأسد بعد افتراسه للحمه ، فذهب ليشرب من عين ماء
وحتى عودته كان الثعلب قد أكل القلب والكبد والكلى وهي ألذ ما فيه ،
فطلبها الأسد ولم يجدها ، وسأل الثعلب : أين القلب والكبد ؟
فقال الثعلب : لو كان له قلب أو كبد ثم رأى ذلك الرعب في ذلك اليوم ونجا بنفسه بألف حيلة ، فمتى كان سيعود إليك ؟
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ، ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ
 
- لقد اصطحب الثعيلب الحمار حتى الأسد ، ، فمزقه إربا ذلك الأسد الهصور .
- وظميء من لحمه ملك الوحوش ، فذهب صوب النبع ليشرب الماء .
- فأكل الثعيلب كبده وقلبه في تلك اللحظة ، عندما سنحت له الفرصة .
- وعندما عاد الأسد من النبع إلى الطعام ، بحث في " جثة " الحمار عن القلب ، فلم يجد لا قلبا ولا كبدا .
 
2875 - فقال للثعلب : أين الكبد ؟ وماذا حدث للقلب ؟ فلابد لكل حي من وجود هذين ! !
- فأجاب : متى كان سيعود إلى هنا ، إن كان له قلب أو كبد ؟
- كان قد رأى تلك القيامة والحشر ، وسقوطه من الجبل والهول والفرار ، 
- فلو كان له كبد أو كان له قلب ، متى كان سيعود إليك ثانية ؟
- وعندما لا يكون نور في القلب ، لا يكون قلبا ، وعندما لا تكون روح ، ليس ثم إلا طين .
 
2880 - وتلك الزجاجة التي لا تحتوى على نور الروح ، هي قارورة بول ، لا تسمها قنديلا .
- ونور المصباح عطية من ذي الجلال ، وذلك الزجاج والخزف هو صنعة الخلق .
 
“ 306 “
 
- فلا جرم أن يكون التعدد موجودا في الآنية ، ولا يكون في اللهب والنور إلا الوحدة .
- ذلك أنه عندما تمتزج أنوار قناديل ستة ، لا يكون في أنوارها عد أو حصر .
- لقد أشرك ذلك اليهودي لأنه " وقف " على الآنية ، لكن ذلك المؤمن رأى النور وأدركه . “1“
 
2885 - وعندما يقع بصر الروح على الوعاء ، تراهما اثنين شيث ونوح عليهما السلام .
- والجدول الحقيقي هو الذي يحتوى على ماء ، والإنسان هو الذي يكون ذا روح .
- أما هؤلاء " الذين تراهم " فليسوا برجال ، إنهم صور ، فهم موتى الخبز وقتلى الشهوة .
 
حكاية ذلك الراهب الذي كان يطوف نهارا بمصباح وسط السوق
مما كان يعانيه من حال
 
- كان أحدهم يطوف بالسوق نهارا وهو يحمل مصباحا ، وقلبه مليء بالعشق والحرقة .
- فقال له فضولي : هيا ، قل لي ، عم تبحث وتمضي صوب كل حانوت ؟
 
2890 - هيا ، قل ، عم تطوف باحثا بالمصباح في رابعة النهار المضيء ، فأي بحث هذا ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 330 : - وعندما ينظر المرء إلى الروح ، يجدهما واحدا ، المصطفى والخليل عليهما السلام .
 
“ 307 “
 
- قال : إنني أبحث في كل صوب عن إنسان ، يكون حيا بحياة تلك النفخة " الإلهية " “ 1 “
- فهل ثم رجل ؟ فأجاب : هذا السوق مليء بالرجال آخرا أيها الرجل الحر
- قال : أريد رجلا على الجادة في طريقين ، إن وجد في طريق الغضب ، وإن وجد في طريق الشره والشهوة .
- فأين رجل عند الغضب وعند الشهوة ، إنني أسرع من حي إلى حي طالبا لرجل ! !
 
2895 - فأين رجل واحد في الدنيا إن وجد في هاتين الحالتين ، حتى أفديه بروحي اليوم .
- قال : إنك تبحث عن شيء نادر ، لكنك غافل عن الحكم والقضاء ، فانتبه .
- وأنت ناظرٌ إلى الفرع غافلٌ عن الأصل ، ونحن فروع ، والأصل هو أحكام القدر .
- والقضاء يجعل الفلك الدوار ضالا ، والقضاء يجعل من مائة عطارد بلهاء .
- ويجعل دنيا من الحيل شديدة الضيق ، ويجعل الحديد والصخر ماء .
 
2900 - فيا من رسمت " وخططت " للطريق خطوة بخطوة ، إنك ساذج سذاجة شديدة .
- فما دمت قد رأيت دوران حجر الطاحون ، أنظر آخرا إلى ماء الجدول وتعال .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 333 : - قال : لقد صرت باحثا عن إنسان ، ولا أجد إنسانا على الإطلاق ، وصرت حائرا .
 
“ 308 “
 
- ورأيت التراب قد ارتفع في الهواء ، فانظر إلى الريح من بين التراب .
- وإنك لترى قدور الفكر وهي آخذة في الغليان ، فانظر أيضا إلى النار بوعي ويقظة .
- وقد قال الحق لأيوب عليه السّلام " وهو يحدثه " عن مكرماته له : لقد أعطيتك صبرا بكل شعرة فيك .
 
2905 - فانتبه ولا تنظر إلى صبرك هذا كثيرا ، لقد رأيت الصبر ، فانظر إلى عطاء الصبر .
- وحتام تنظر إلى دوران الساقية ، أطل برأسك ، وانظر أيضا إلى الماء المندفع .
- وأنت لا تفتأ تقول : إنني أراه ، لكن رؤيته ذات علامات وأمارات واضحة .
- ولما كنت قد رأيت شيئا من دوران الزبد ، فإن كنت تريد الحيرة ، فأمعن النظر في البحر .
- فذلك الذي رأى الزبد ، يكون متحدثا بالأسرار ، وذلك الذي رأى البحر ، يكون حائرا .
 
2910 - وذلك الذي رأى الزبد ينتوى النوايا ، وذلك الذي رأى البحر خاطر وتهور وأقدم .
- وذلك الذي رأى الزبد يكون مشغولا بالعدد ، وذلك الذي رأى البحر ، صار بلا اختيار .
- وذلك الذي رأى الزبد ، يكون في دوار وطواف ، وذلك الذي رأى البحر ، يكون صافيا لا كدر فيه . “ 1 “
..............................................................

( 1 ) ج / 12 - 334 : - وذلك الذي رأي الزبد جعله عاطلا ، وذلك الذي رأى البحر حمله إلى المشنقة .
- وذلك الذي رأى الزبد صار ثملا به ، وذلك الذي رأى البحر غرق في ذاته هو .
- وذلك الذي رأى الزبد أخذ  في الحديث ، وذلك الذي رأى البحر ، فرغ من " أنا " و " نحن " .
- وذلك الذي رأى الزبد صار مصفى " من الكدر " ، وذلك الذي رأى البحر ، إستراح من كل شيء .
.
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:14 am

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي على مدونة عبدالله المسافر بالله

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي
[ حكاية المسلم مع المجوسي ]
دعوة المسلم للمجوسي
- قال أحدهم لمجوسي : هيا يا فلان ، أدخل في دين الإسلام ، وكن من المؤمنين .
- قال : إن شاء الله أصير مؤمنا ، وإن زادني من فضله ، أكون أيضا موقنا .
 
2915 - فقال له : إن الله يريد إيمانك ، حتى يخلص روحك من بين براثن الجحيم .
- لكن النفس الشؤم وذلك الشيطان القبيح ، يجرانك نحو الكفران ونحو معبد النيران .
- فقال له : أيها المنصف : إذا كان هذان غالبين ، فلأكن رفيقا لمن يكون قويا .
- إنني أستطيع أن أكون رفيقا لذلك الذي يكون غالبا ، وأنضم إلى ناحيته فالغالب جاذب .
- فإذا كان الله يريد مني الصدق القوى العظيم ، فأي نفع لإرادته هذه إن لم تتقدم وتغلب ؟
 
2920 - والنفس والشيطان قد أرادا ونفذا ، أما تلك العناية فقد هزمت وتحطمت ، وصارت بددا .
- و " هب " أنك قد بنيت قصرا شامخا ، وقمت بتزيينه بمئات الصور الجميلة .
- وقد أردت أن يكون ذلك المكان مسجدا للخير ، فجاء آخر وجعل منه ديرا
 
“ 310 “
 
- أو أنك نسجت كرباسا لتجعل منه قباءً تلبسه سعيدا ،
- وكنت تريده قباء ، فجاء خصمك معاندا وجعل من الكرباس سروالا بالرغم منك ،
 
2925 - فما حيلة الكرباس يا روحي إلا الاستسلام لذلك الرأي الغالب ؟
- وإذا كان الكرباس قد أرغم ، فما ذنبه ؟ ومن ذلك الذي لا يكون مغلوبا لمن يكون غالبا ؟
- وإذا كان أحدٌ قد هاجم أحدهم رغم إرادته ، وغرس أجمة شوك في منزله وفي ملكه ،
- ويكون صاحب الدار على هذه الدرجة من الضعف والذلة ، بحيث يجرى عليه هذا الأمر خلافا لرغبته ،
- أأصير أنا مهانا خلقا لمثل هذا الذليل حتى وإن كنت نضرا فتيا ؟ !
 
2930 - وما دامت رغبة النفس قد انتصرت ، فإن قولك " ما شاء الله كان " يكون سخرية .
- وأنا وإن كنت عارا على المجوس كافرا ، فلست بالذي أظن في الله هذا الظن .
- وهو أن يكون أحدٌ على غير مشيئته ورغبته نافذ الأمر في ملكه .
- وتقوم النفس بالاستيلاء على ملكه هذا ، ولا يستطيع خالق النفس أن ينبس بحرف .
- إنه يريد دفعه وهكذا ينبغي له ، لكن الشيطان يزيد له في الأحزان في كل لحظة .
 
2935 - فينبغي أن يكون المرء إذن عبدا للشيطان، ما دام الشيطان هو الغالب في كل محفل.
 
“ 311 “
 
- وذلك حتى لا ينتقم الشيطان منى ، ولا كان ذلك ، وأي عون يسديه لي آنذاك ذو المنن ؟ !
- وما دام ما يريده ذلك " الشيطان " يتحقق له ، فمن أي شيء إذن ينصلح حالي وأمرى ؟
 
مثل الشيطان على باب الرحمن
 
- حاشا لله ، بل ما شاء الله كان ، هو الحاكم " الفرد " في المكان واللامكان .
- ولا أحد يزيد في ملكه بمقدار طرف شعرة واحدة ، اللهم إلا كان هذا بأمره .
 
2940 - فالملك ملكه ، والأمر له ، وذلك الشيطان هو أقل الكلاب على بابه .
- ذلك أن التركماني إن كان له كلب على بابه ، فإنه إنما ييمم وجهه ورأسه شطر هذا الباب .
- فيقوم أطفال الدار بشدة من ذيله ، ويكون ذليلا بين أيدي أولئك الأطفال .
- لكن عندما يمر غريب بهذه الديار ، يهجم عليه وكأنه الأسد الهصور .
- إنه يعمل مصداقا لأَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، إنه ورد على الولي شوك على العدو .
 
2945 - ومن الماء بالدقيق أو النخالة الذي يطعمه إياه التركماني ، صار وفيا إلى هذا الحد وحارسا .
- ومن هنا فإن الكلب الشيطان الذي يخلقه الحق ، يجدل " في خلقته " مائة فكرة ومائة حيلة .
 
“ 312 “
 
- ويجعل طعامه من ماء وجوه " البشر " ، حتى يريق ماء وجه الصالح والطالح
- والماء بالنخالة بالنسبة له هو ماء وجه العموم ، إذ يجد منه الكلب الشيطان القوت والطعام .
- فكيف لا تكون روحه فداءً للحكم على باب مخيم القدرة ؟ ألا فلتخبرني .
 
2950 - والحاكمون والمحكومون قطيعا قطيعا ، كالكلاب " على هذا الباب " باسطو أذرعهم بالوصيد .
- إنه على باب كهف الألوهية كأنه الكلب ، ممتثلا للأمر بكل كيانه ، نافر العرق " تحفزا " .
- ويا أيها الكلب الشيطان ، داوم على الامتحان ، حتى ترى كيف يضع الخلق أقدامهم في هذا الطريق
- وداوم على الهجوم والمنع ، وانظر ، حتى يتميز الذكر من الأنثى في الصدق .
- فمن أي شيء تكون " المعوذة " ؟ عندما يصبح الكلب من التوقح سريع الهجوم .
 
2955 - فإن المعوذة تعني : أيها التركي الخطائي ، استدع كلبك ، وافتح الطريق .
- حتى آتي على باب مخيمك ، وأطلب حاجة من جودك ومن جاهك .
- وإذا كان التركماني عاجزا أمام سطوة الكلب ، فإن هذه " المعوذة " وهذا الصياح لا يجوزان .
- وهل يقول التركي أيضا : إنني استعيذ الله من الكلب ، فإنني أيضا قد ضقت ذرعا بالكلب في موطني ؟
 
“ 313 “
 
- وإنك لا تجرؤ على المجيء إلى هذا الباب، كما أنني لا أجرؤ على الخروج من نفس الباب.
 
2960 - فلتحث التراب إذن على رأس التركي ورأس ضيفه ، ذلك أن كلبا يأخذ بخناقيهما .
- حاشا لله ، إن التركي ليصيح صيحة واحدة ، وماذا يكون الكلب بعدها ؟ إن الأسد الهصور ليقيء دما .
- وأنت يا من سميت نفسك أسد الله ، لقد مضت سنوات وأنت عاجز من كلب .
- وإذا كان هذا الكلب يقوم بالصيد من أجلك ، فكيف أصبحت صيدا للكلب على الملأ ؟
 
جواب المؤمن السني على الكافر الجبري ، وإيراده الدليل على إثبات الاختيار للعبد ، والسنة طريق سلكه الأنبياء عليهم السلام ،
وعلى يمين ذلك الطريق صحراء الجبر التي لا ترى لنفسها اختيارا وتنكر الأمر والنهي وتقوم بتأويلها ، وإنكار الأمر والنهي يستلزم إنكار الجنة والنار ،
فإن الجنة هي جزاء مطيعي الأمر ، والنار جزاء مخالفين الأمر ، ولا أقول إلام يتطور الأمر فالعاقل تكفيه الإشارة ،
وعلى يسار ذلك الطريق صحراء القدر التي تعتبر قدرة الخالق مغلوبة لقدرة الخلق ، ومن ذلك تتولد أنواع من الفساد يعددها ذلك المجوسي الجبري .
 
- قال المؤمن : استمع أيها الجبري إلى الخطاب ، لقد قلت ما عندك ، وآتيك عليه الآن بالجواب .
 
2965 - ولقد رأيت لعبتك يا لاعبا بالشطرنج ، فانظر إلى لعبة خصمك نظرة شاملة متمعنة .
- ولقد قرأت كتاب اعتذارك ، فاقرأ كتاب السني ، ولأي شيء عجزت .
 
“ 314 “
 
- لقد ذكرت نقطة عن القضاء كما يقول الجبريون ، فاستمع إلى سرها الآن ، فيما حدث .
- فإن لنا اختيارا دون أدنى شك ، وإنك لا تستطيع أن تنكر الحس ، عيانا بيانا . “ 1 “
- فإن أحدا لا يقول للحجر تعال ، ومن مدر لا يطلب أحدٌ الوفاء .
 
2970 - ولا يقول أحد لإنسان : هيا ، طر ، أو تعال أيها الأعمى وانظر إليّ .
- فقد قال الله :لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ *، فمتى يضع على أحد حرجا رب الفرج ؟
- ولا يقول أحد لحجر لماذا تأخرت في المجيء ، أو يقول : أيتها العصا ، لماذا قمت بضربي ؟
- فهل يطالب أحدٌ مجبرا بأشياء ، أو هل يلومن أحد معذورا أو يضربه ؟
- فالأمر والنهي والغضب والعقاب والثواب ، لا تكون إلا للمختار يا طاهر الجيب .
 
2975 - وهناك اختيار في الظلم والضيم ، وأنا الذي أردتهما من الشيطان والنفس .
- وهناك اختيار كامن في باطنك ، ما لم ير مثيل يوسف ، لا يقوم بجرح اليد .
- كان الاختيار وكان الداعي موجودا في النفس ، رأى وجهه ففتح الجناح والقوادم .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 357 : - فانظر إلى اختيارك ولا تكن جبريا ، ولقد تركته فعد إليه ، ولا تمش باعوجاج .
 
“ 315 “
 
- فالكلب قد نام وضاع منه اختياره ، وعندما رأى السقط بصبص بذنبه .
- والحصان يصهل عندما يرى الشعير ، والقطة تموء عندما يتحرك اللحم .
 
2980 - فالرؤية تحريك لهذا الاختيار ، كالنفخ يثير من النار الشرار
- ومن هنا فإن اختيارك قد تحرك ، عندما صار إبليس رسول غرام ، وأتاك برسالة من محبوبك . “ 1 “
- وعندما يعرض الشيء المشتهى على امرئ ما ، فإن الاختيار النائم يتمطى وتتفتح أعطافه .
- ثم إن ملائكة الخير - برغم أنف الشيطان - تعرض هي الأخرى ما لديها وتقيم ضجة في القلب .
- حتى يتحرك اختيار الخير لذلك ، فقبل العرض ، تكون هاتان الخصلتان نائمتين داخلك .
 
2985 - إذن فالملاك والشيطان كلاهما عارض عليك ، وذلك من أجل أن تتحرك عروق الاختيار فيك
- فمن أنواع الإلهام وأنواع الوسوسة ، يكون اختيار الخير والشر عندك ، بقدر ما يكون عند عشرة أشخاص .
- ومن هنا فعند ختم الصلاة أيها المليح ، ينبغي منك السلام على الملائكة .
- وكأنك تقول : إنه من دعائكم وإلهامكم الطيب ، كان اختياري لهذه الصلاة مشمولا بالنفاذ .
- ثم إنك من بعد ارتكاب الذنب تلعن إبليس ، الذي صرت من وساوسه منحنيا هكذا .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : من ويس ، وويس هو محبوب رامين في القصة المشهورة .
 
“ 316 “
 
2990 - إن هذين الضدين يقومان بعرض " ما لديهما " عليك في الباطن ، جاءا من حجاب الغيب عارضين عليك .
- وعندما يرتفع حجاب الغيب من أمامك ، فإنك ترى وجوه من يقومون باقتيادك
- وتعلم ثانية من كلامهم دون أدنى أذى أو ضرر ، أنهم هم الذين كانوا يتحدثون إليك في السر .
- فيقول لك الشيطان : يا أسير الطبع والجسد ، لقد كنت أعرض عليك ، ولم أجبرك .
- ويقول لك ذلك الملاك : لقد قلت لك أنك سوف تزداد حزنا من هذا السرور " الذي أنت فيه " .
 
2995 - وألم أقل لك في يوم كذا أن طريقك إلى الجنان موجود من هذه الناحية ؟
- ونحن محبوك بالروح ، ونحن الذين نطيل في عمرك ، ونحن الذين سجدنا بإخلاص لأبيك .
- ونحن الآن لا زلنا في خدمتك ، ونحن الذين ندعوك نحو السيد " العظيم "
- وتلك الجماعة كانت عدوة لأبيك ، وقد رفضت الخطاب الإلهي القائلاسْجُدُوا لِآدَمَ *.
- ولقد أخذت ما قدموا ، وتركت ما قدمناه ، ولم تعرف لنا حق الخدمة والاحترام .
 
3000 - فانظر الآن عيانا إلينا وإليهم ، وأمعن النظر ، وتعرف من اللهجة والبيان .
- إنك عندما تستمع إلى سر في منتصف الليل من صديق ، تعرف من هو هذا الصديق عندما يتحدث عند انبلاج الصيح .
 
“ 317 “
 
- وإذا جاءك شخصان بخبر بليل ، فإنك تعرفهما في ضوء النهار عندما يتحدثان .
- لقد بلغ مسمعه زئير الأسد ونباح الكلاب في الليل ، لكنه لم ير شكل أيهما في الظلمة .
- وعندما انبلج الصبح ، وأطلق كل منهما صوته المعهود ، فإنه يعرفهما من الصوت ، ذلك الذكي الأريب .
 
3005 - الخلاصة ، أنهما كلاهما الشيطان والروح عارضان ، كلاهما موجود من أجل إتمام الاختيار .
- وهناك اختيار في وجودنا مستتر غير ظاهر ، وعندما يرى موضوعين يزداد
- والأساتذة يقومون بضرب الأطفال "تأديبا" ، ومتى يقومون بتأديب الحجارة السوداء هكذا؟
- وإنك لا تقول أبدا لحجر : تعال غدا ، وإن لم تأت عاقبتك عقابا شديدا .
- فهل يضرب عاقل قط مدرا ؟ وهل يعاقب أحد قط حجرا ؟
 
3010 - والجبر في نظر العقل أكثر افتضاحا من القدر ، ذلك أن الجبري ينكر حسه .
- لكن القدري ليس منكرا للحس ، إنه يقول : إن فعل الله لا يكون حسيا يا بنى .
- والمنكر لفعل الإله الجليل ، هو قائم على إنكار المدلول الذي قام عليه الدليل .
- إنه - أي القدري - يقول : هناك دخان ولا نار ، وهناك نور شمع ، دون شمع مضيء .
 
“ 318 “
 
- أما هذا - أي الجبري - فيرى النار جهارا نهارا ، ويقول أنها غير موجودة لمجرد الإنكار .
 
3015 - إن ثوبه يحترق ، ويقول : لا توجد نار ، وهو يخيط ثوبه ، ويقول : لا يوجد خيط .
- ومن ثم فدعوى الجبر هذه من قبيل السفسطة ، ومن هنا فهي أسوأ في هذه الناحية من دعوى القدر .
- والجبري يقول : هناك عالم ، لكن لا رب ، وذلك لأنه يقول : يا رب ، ولا يستجاب له .
- والآخر يقول : الدنيا في حد ذاتها عدم وهباء ، فهو سوفسطائي في التواء واعوجاج .
- فالعالم بأجمعه مقر بالاختيار ، والأمر والنهي ، وافعل هذا ولا تفعل ذاك .
 
3020 - وهو يقول بأنه لا أمر ولا نهي ولا اختيار ، وهذا كله هباء .
- والحيوان مقر بالحس أيها الرفيق ، لكن إدراك الدليل " بالنسبة له " دقيق .
- ذلك أن الاختيار محسوس لنا ، ويجمل أن يأتي عليه التكليف بالأمر .
 
في بيان أن الإدراك الوجداني كالاختيار والاضطرار والغضب والاصطبار والشبع والجوع في محل الحس الذي يعلم الأصفر من الأحمر ويفرق بينهما ،
والصغير من الكبير والمر من الحلو والمسك من البعر والخشن من الناعم بحس اللمس ، والحار من البارد والمحرق من الفاتر واللين من الخشن وملمس الجدار من ملمس الشجرة إذن فمنكر الوجدان هو منكر الحس ، ونزيد على ذلك بأن الوجدان أظهر من الحس لأنه من الممكن قطع الطريق على الحس ومنعه من الإحساس ، وليس ممكنا قطع الطريق على الوجدانيات ومدخلها ، والعاقل تكفيه الإشارة
  
“ 319 “
 
- إن الإدراك الوجداني يا عماه هو في موضع الحس ، كلاهما يجريان في جدول واحد .
- وبهذا يلطف الأمر والنهي والتكليف وما يجرى وما يقال .
 
3025 - وقولك : أأفعل هذا " الأمر " غدا أو ذاك الأمر هو دليل الاختيار أيها الوسيم الحسن .
- وذلك الندم الذي يعتريك أنك أكلت من ذلك " الطعام " السيء ، قد صرت مهتديا إليه باختيارك أيضا .
- وكل القرآن أمر ونهي و " وعد " ووعيد ، ومن رأى حجرا من المرمر قد وجه إليه أمر ؟
- ولا يوجد عالم أو عاقل قط يغضب من حجر أو مدر أو يحقد عليه .
- قائلا : لقد قلت لكم افعلوا هذا أو افعلوا ذاك ، فكيف لم تقوموا بفعله ، أيها الموتى العجزة ؟
 
3030 - ومتى يحكم العقل على الخشب أو الحجر ، ومتى ينشب الإنسان مخالبه في صورة مخلب ؟
- أو يقول : أيها الغلام المقيد اليد المبتور القدم ، هيا خذ الرمح وتعال صوب الوغى ؟
- والخالق الذي يخلق الكواكب والأفلاك ، كيف يقوم بأمر أو نهي يدل على جهل ؟
- لقد محوت احتمال العجز عن الحق ، ثم اعتبرته - جل وعلا - جاهلا ذاهلا سفيها .
- والعجز لا يكون من القادر وإن نسبته إليه ، وإن الجهل ليكون أقبح من العجز .
 
“ 320 “
 
3035 - والتركي يقول لضيفه من كرمه ، تعال إلى بابي بلا كلب ولا خرقة .
- وتعال من ناحية كذا بتؤدة وأدب ، حتى يصرف الكلب عنك أسنانه وفمه .
- وأنت تفعل عكس ما يقول وتمضي نحو الباب ، فلا جرم أن تجرح من عضة الكلب .
- كذلك فامض كما مضى الغلمان ، ليصبح كلبه حنونا مؤدبا .
- وإنك إن اصطحبت معك كلبا أو ثعلب ، فإن كل كلب يثور ويهيج من داخل كل خيمة .
 
3040 - وإن لم يكن هناك اختيار لغير الحق ، فكيف تغضب أنت على المجرم ؟
- وكيف تصر بأسنانك غضبا على العدو ، عندما ترى منه ذنبا وجرما ؟
- وإذا انكسر لوح خشب من سقف المنزل ، وسقط عليك وجرحك ،
- فإنك لا تغضب أبدا على هذا اللوح من الخشب ، ولا تكون حياتك كلها وقفا على الانتقام منه .
- وأنت تتساءل : لماذا سقط علىّ وكسر يدي ؟ لقد كان عدوا لي وخصما لروحي .
 
3045 - وكيف تضرب الأطفال الصغار ، ما دمت تنزه الكبار عن " ارتكاب الجرم " ؟
- ومن يسرق مالك ، تقول : اقبضوا عليه ، واقطعوا يده ورجله ، واسجنوه .
 
“ 321 “
 
- ومن يقصد حريمك بالسوء ، يتفجر فيك عليه مئات الآلاف من أنواع الغضب .
- وإن أتى سيل وجرف متاعك ، فهل ينتقم عاقل قط من سيل ؟
- وإن هبت الريح واختطفت عمامتك ، متى أبدى قلبك ضيقا من تلك الريح ؟
 
3050 - لقد صار غضبك بيانا للاختيار ، حتى لا تقوم - كما يفعل الجبريون بالاعتذار .
- وإن ضرب جمالٌ جملا ، فإن ذلك الجمل يهاجم الجمال الضارب .
- ولا ينصب غضب الجمل على العصا التي ضربته ، إذن فقد فهم البعير شيئا عن الاختيار .
- وهذا الكلب إن رميته بحجر ، فإنه ينثني عليك أنت بالهجوم .
- وإن أبدى بعض الغضب على الحجر ، فلأنك بعيد ولا تطولك يداه .
 
3055 - وإذا كان عقل الحيوان قد فهم الاختيار، فلا تقل هذا القول يا عقل الإنسان ، واخجل.
- وهذا شديد الوضوح ، لكن طمعا في السحور ، يغمض ذلك الآكل عينيه عن النور .
- ولما كان كل ميله منصبا على الطعام ، فإنه يتجه إلى الظلام ، قائلا : لم يطلع النهار .
- وإذا كان الحرص يخفي الشمس ، فأي عجب أن يعطي ظهره للبرهان ؟
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:15 am

شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي على مدونة عبدالله المسافر بالله

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي
( 2667 - 2677 ) : يقدم مولانا في كل كتاب من كتب المثنوى سيرة عن شيخ من المشايخ كنموذج للولاية الكاملة ( قدم الدقوقى في الكتاب الثالث وعبد الله المغربي في الكتاب الرابع وها هو يقدم محمد سرزى الغزنوي في الكتاب الخامس وسوف يقدم أبا الحسن الخرقانى في الكتاب السادس ) والملاحظ أنه يقدم أولياء من غير المشاهير ، فقد كانت الولاية " المكتومة " تجذب أنظار مولانا عن الولاية الظاهرة . 
وكان محمد سررزى فيما يبدو من معاصري بهاء ولد والد مولانا جلال الدين إذ ذكره في المعارف ( 2 / 75 ) لقد أمضى سبع سنون في جوع مستمر ، إفطاره طرف غصن من كرم " سر رز " ويرى رزين كوب " سرني 1 / 314 " أن الأحوال المذكورة هنا تذكر بأحوال أبى عثمان المغربي المذكورة في كشف المحجوب للهجورى ص 232 ومن هنا اكتسب كنيته ، 
وكان الشيخ مثل الدقوقى ( انظر الكتاب الثالث البيت 1926 وما بعده ) عاشقاً جوالا ، أبدى له الله كثيراً من العجائب ، لكنه كان عاشقاً لاجتلاء جمال الحبيب ، وكان يطلب هذا ،
ويلح فيه ، لدرجة أنه صعد إلى جبل وقال : إما أن تتجلى لي وإما أن أقتل نفسي " نوع من البسط الشديد " ، لكنه سمع النداء بأن هذه المكرمة لم يأن أوانها بعد ، وحتى إن أسقط نفسه من فوق الجبل فلن يموت ، ولأن جمال الله لا يجتلى إلا بعد الموت
 مصداقاً للحديث النبوي [ إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " ] ( انقروى 5 / 581 )
ألقى الشيخ بنفسه من فوق الجبل لكنه سقط في ماء عميق ، لقد ناح لأنه لم يمت ، فالحياة
 
“ 556 “
  
الدنيا كانت تبدو له كما يبدو الموت بالنسبة لنا ، ولأنه يعلم أن في الموت لقاء الحبيب كان يستجدى هذا الموت ، كان يتغنى بما تغنى به الحلاج : اقتلونى اقتلونى يا ثقات إن في قلبي حياةً في حياة ، كان كعلى رضي الله عنه يتغنى :السيف والخنجر ريحاننا * أفٍ على النرجس والآس .ومن أقوال الإمام على رضي الله عنه أيضاً " والله ما فاجأنى من الموت وارد كرهته ولا طامع أنكرته وما كنت إلا كقارب ورد وطالب وجد وما عند الله خير للأبرار " وله أيضاً " والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدى أمه " ( عن جعفري 12 / 208 ) .
 
( 2678 - 2685 ) : وهذا البسط ، وهذه الجرأة لم تمر بلا عقاب ، تظن نفسك ولياً وتريد المشاهدة أجراً ؟ !
إنك مجرد شحاذ متسول والحكم عليك بأن تذل هذه النفس الطموح بأن تتحول إلى شحاذ ملحاح ثقيل وسمج مثل " عباس الدبس " الذي يضرب به المثل في الفارسية للشحاذين الملحاحين السمجين ، ولكن إياك أن تستولى على ما يجود به الناس عليك ، بل ستوصله للفقراء ، هيا ، هذه هي عبادتك التي سوف تقوم بها فترة من الزمن ، لقد كان الحوار طويلًا ، هذا الحوار الذي ملأ السماء نوراً ، وهذا كله مسطور في الكتب ، فلأختصره هنا حتى لا أضع الأسرار العليا أمام من لا يستحقونها .
 
( 2686 - 2694 ) : البيت المذكور في العنوان ذكر استعلامى أنه لسنائى لكنه لم يذكر مصدراً ( استعلامى 5 / 344 ) ولبيك إشارة إلى أن الدعاء مقرون بالإجابة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 190 - 199 وشروحها ) ذلك أن كوة الدار مفتوحة أي أن القلب مستعد لتلقى الإفاضات ، وها هو الشيخ يدخل المدينة لممارسة التسول امتثالًا للأمر : ليكن شحاذا طامعاً لتصير نفسه ذليلة " لأنه عز من قنع وذل من طمع " وما دام الله سبحانه وتعالى قد جعل هذا الطمع سبباً للذل فليمتثل .
 
( 2699 - 2708 ) : انظر إلى ذلك الرجل الذي اطلع على أسرار الكون ، وأشرف قلبه على العرش والكرسي ، انظر إلى الغيرة الإلهية جعلت منه شحاذاً ذليلًا ليعرف القيمة الحقيقية لنفسه ، ولا يكلف فوق ما تستدعى البشرية ، لكنه في تسوله أيضاً ولي يقوم بما كان الأنبياء يقومون به إنهم يقولون للبشر المفلسين : أقرضوا الله " والله هو الذي يرزق ، و " انصروا الله " والله هو الذي ينصر ، فالأمور معكوسة مثلما هي معكوسة مع هذا الشيخ ، الذي يقف على أبواب البشر وكل أبواب السماء مفتوحة أمامه ، إنه يتكدى ، لكن بأمر الله ، إنه يمتثل
  
“ 557 “ 
 
للأمر ، وحتى عندما كان يتكدى من أجل حلقه فإن هذا الحلق مملوء بنور الله ، وهكذا الأولياء حتى ولو طعموا من نعمة الدنيا فإن هذه النعمة تتحول عندهم إلى نور وتزيد في قوتهم المعنوية ، إن طعامه أفضل من صوم الآخرين ، إن طعامه الحقيقي هو نور الله ، ومن طعامه ومن أكله تنمو أزهار المعرفة ، فهو كنور الشمع لا يزداد من أكله للشمع ، لكنه يضئ للجميع ، وهذا النور يباح الإسراف في تناوله فالله تعالى لم يقل في شأنه : اكتفوا .
 
( 2709 - 2716 ) : لقد وضع الله لنا شهوة الطعام من أجل أن يبتلينا ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1695 - 1700 وشروحها ) لكن ذلك الحلقوم الذي للأولياء لا تنطبق عليه هذه القاعدة ، وإذا كان الشيخ يتكدى فإنه يتكدى امتثالًا للأمر لا حرصاً ولا طمعاً ، إن الشيخ من القائمين بكيمياء التبديل إنه يأخذ من أناس كالنحاس ليحولهم إلى ذهب ، أي تكدٍ وهو من عرضت عليه كنوز الدنيا ففضل عليها المشاهدة ، وهذا هو ديدن العاشق إن فضل أي شئ على المعشوق يكون فاسقاً وليس بعاشق " والله ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك " ، ( الامام على رضي الله عنه ، ثم رابعة العدوية ) ( استعلامى 5 / 345 ) ويضيف مولانا إن الجنة والنار هما من حظ البدن ، والعاشق لا يأبه بالبدن ، بل لو كان له مائة بدن لأذابها في عشق الحبيب .
 
( 2717 - 2724 ) : وهكذا فإن شيخنا لم يكن جسداً ، لقد تحول " جسده " إلى شئ آخر ، وانظر إلى المجنون الذي أنست إليه الوحوش عندما تساوى أمامه التراب والذهب أمام عشق ليلى ، لقد هجر البشرية ، بحيث لم يعد جسده " لحماً " يغرى الوحوش ، إن أجساد الأولياء معجونة بالنور ( انظر الكتاب الثالث 7 - 10 ) وهي أيضاً مسمومة مصداقا للقول القائل ( لحوم العلماء مسمومة من أكل منها هلك ) والأكل هنا أي الذم والغيبة ( انقروى 5 / 589 ) والعشق معروف ، أي لا يخفى على أحد ( عدم إخفاء العشق انظر الكتاب الثالث 4735 - 4740 وشروحها ) .
 
( 2726 - 2733 ) : إن العشق عندما يحل فإنه يمحو كل شئ فالعشق مثل طائر يحمل في منقاره العالمين كأنهما حبة واحدة ، فهل رأيت حبة ابتلعت طائراً ، أو هل رأيت مزود أكل جواداً ، والعشق وسيلة العبودية ، فكن عبداً لعلك تصبح عاشقاً وترزق العشق ، والعبودية كسب وعمل ، عبد الدنيا هو الذي يريد الحرية لكن العاشق يرى كل ما سوى معشوقه قيداً وسجناً ، عبد الدنيا أجير ، إنه يريد أجراً على كل ما يقوم به من عمل ، لكن العاشق هديته
  
“ 558 “
  
رؤية الحبيب ، تراني قادر حقاً على وصف العشق مما أطلت في الحديث ، مطلقاً فكيف يمكن أن يوصف بحر بلا قرار ، فهل تستطيع أن تعد قطرات هذه البحر والبحار السبعة ضئيلة إلى جواره .
 
( 2734 - 2748 ) : تفسير الحديث : خلقت الأفلاك من أجل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أي من أجل عشق الرسول ، ولقد كانت عند الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم طاقة تحمل هذه العشق ، فالعشق قوة جبارة وهو لا يبالي ماذا يفعل بالمعشوق ، فإن كنت تتحمله فاعشق ، وإن لم تكن فحذار منه ، إنك لا تدرى ماذا يفعل العشق إنه يجعل البحر يغلى والجبل يندك ( انظر الكتاب الأول 26 : أيها العاشق ذاق الطور عشقاً رقص الجبل وموسى خر صعقا ) ، إن الأفلاك لتشق ( شق القمر للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ) والأرض تتزلزل ، ولأن العشق كان قريناً لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم اقترن به عشق الحق ، ولذلك فضل على كل الأنبياء وما رفعت هذا الفلك السنى إلا لكي تفهم علو العشق وسموه وما ذلك التراب إلا لتعلم ذلة العاشق ، لكن الذلة لا تستمر فكما منح التراب خاصية الإنماء والإحياء ، يبدل الفقير الدرويش بالعشق فتصبح أنفاسه مانحة للحياة ، والجبال الراسيات أيضاً هي من أجل أن تفهم كيف يكون العاشق ثابتاً على محبوبه ( تزول الجبال ولا يزول ) ، كل هذه صور يا بنى فلا تقف عند الصورة وافهم المعنى ، فهل الأحزان كالأشواك ، وهل القلب القاسى كالحجر ، كلها صور ، وها أنا وأنا أصف العشق أقدم لك مجرد صور وإن لم تفهم المراد من الصور وإن لم تدرك هذه المعاني فلا تنكرها ، لأن العيب قد يكون في أسلوب تعبيرى عن هذه الصور .
 
( 2750 - 2751 ) : المقصود بالشطرة الثانية : أي أنني أتسول لقمة من الخبز بأمر من خالق الروح ، ولأن الأمور تجرى على عكس المنطق عند أهل الحق ، ويكون هدفها غامضاً على أولئك العاديين من الناس ، بل إن العقل الكلى نفسه يحار في أمرها .
 
( 2761 - 2766 ) : حجاب أبى البشر هو الجسد ، والمتحدث هنا قد يكون الشيخ وقد يكون مولانا نفسه على عادته في التدخل بإفاضاته دون تمهيد . أي ما دمت أيها الإنسان محجوباً ببشريتك فلا تنظر هوناً إلى العاشقين ، والعشق ليس أمراً بالذكاء أو المهارة أو حدة الذهن ، وليس بالدراسة والمطالعة ، وليس بالقيل والقال :امح الدفاتر إذا كنت زميلًا لنا * فعلم العشق لا يوجد في دفتر
 
“ 559 “
  
هؤلاء الأذكياء العباقرة استطاعوا التوصل إلى أسرار العلوم الخفية " النيرنجات والسحر " والعلوم الظاهرة " الفلسفية " وعم الهيئة " الفلك والنجوم " أو هم في الحقيقة ادعوا معرفتها لأنهم في الحقيقة يعلمون منها قشوراً ، لقد جاهدوا واجتهدوا لكن العشق الإلهى أخفى وجهه عنهم واستتر ودق غيرة على المعشوق من أن يكون مجرد جزء من اهتمام أحد وليس هو الاهتمام الوحيد ، وهؤلاء المنجمون بمراصدهم أبصروا النجوم في وضح النهار ورصدوها ، فكيف غابت شمس الحقيقة عن عيونهم .
 
( 2767 - 2771 ) : أيها الأمير تقبل منى نصيحة لوجه الله ، انظر إلينا بمعيار أهل المعنى ، أنظر إلى العاشقين بعين العشق ، فإن عين الدنيا وعين المتعة لا تجدى هنا ، ولا أطيل عليك فالوقت ضيق ، والروح " مترصدة " ناظرة إلى ربها تنتظر أوامره أو إنعاماته ، فكفاك تجبراً وإيذاءً للعاشقين ، ألست هكذا مسروراً من تمتعك بالدنيا فانطلقت هكذا في شتمى وإيذائى ؟ !
إن ما أفعله لا يخرج عن أمور ثلاثة : إما أنه واجب أي أنني مأمور به من قبل الله تعالى ، وأما أنه جائز أي لا نستطيع عدم القيام به ولا ثواب عليه ولا عقاب ، وأما غير مقبول ، فإن لم تقم بما يكلفك به الشرع من إعطاء للسائل ، فلا تؤذه ، احزم أمرك واختر الوسط أيها الغريب والدخيل على عالم الأولياء وتمثل بقول ابن سينا : إن من عجزك أنك في كل وقت تسمع ولا تستطيع أن تدرك تقول على الفور : هذا محال ( عن جعفري 12 / 308 ) .
 
( 2772 - 2776 ) : لقد قال الشيخ هذا القول وانفجر في البكاء لقد عزت عليه نفسه ، أنه يريد القول لكنه لا يستطيع ، فقد عقدت الغيرة الإلهية لسانه ، ولأن الصدق مؤثر أو على حد قول ذي النون " الصدق سيف الله في أرضه ما وضع على شئ إلا قطع " ، ( أنقروى 5 / 599 )
 
فقد فعل هذا الصدق فعله في الأمير فانطلق في البكاء وهذا كله من تأثير العشق ويطبخ قدراً طريفة أي يتجلى ويظهر للعيان ويكون مشهوداً وألا يستطيع عشق الأولياء الصادقين أن يؤثر على الجماد ، فما بالك بالإنسان ، وما بالك إذا كان هذا الإنسان عالماً وانظر إلى الأمثلة ألم تتحول العصا إلى أفعى من فرط عشق موسى ، وألم يصبح الجبل دكاً من تجلى العشق ألم يؤثر عشق موسى على البحر فانفلق ألم ينشق القمر لأحمد ، ألم تتأخر الشمس في المغيب بأمره حتى يلحق صلاة العصر مع رفاقه ؟
( لتفسير هذا الخبر ومناقشته انظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة الترجمة العربية لكاتب هذه السطور البيت 334 وشروحه ) .
 
“ 560 “
 
( 2781 - 2785 ) : يعتذر الشيخ بأن لم يؤذن بعد في أن يأخذ عطايا كبيرة من أحد ، أو أن يختار عطيته ، إن كل عمل يقوم به الشيخ دون اذن إنما يكون من قبيل الفضول ، ويتساءل مولانا تراه أحس بعدم الصدق في بذل الأمير ، لا ، كان الأمير صادقاً في بذله ، لكن ليس الصدق الذي كان الشيخ ينتظره ، أو لم يكن في درجة الصدق المقبول لدى الشيخ ، ذلك أن الأمر هو أن يمضى ويتسول الخبز كالشحاذين لا أن يأخذ من قرائن الأمراء والكبراء .
 
( 2786 - 2798 ) : هميان أبي هريرة أو خرج لأبى هريرة رضي الله عنه يقال أنه كان يجد فيه كل ما يطلبه بأمر الله تعالى ( مولوى 55 / 404 ) ويفسر الأنقروى 5 / 602 والمولوي 5 / 404 هذه العلاقة بعالم الغيب بأنها كالدهن في السمسم وكالنار في الحديد وكرائحة الورد في الورد ، وهو عالم التغيير والتبديل يصبح فيه النحس سعدا والسم ترياقاً والميت حياً ، وإياك أن تحاول معرفة كنه علاقة هذا العالم بعالم الغيب ، فلا تستوعبها جهات ، ولا تصلح اللغة للتعبير عنها ، وعالم الغيب هذا هو أصل الوجود ، آلاف الآثار تتأتى منه كل لحظة . لقد ظل هذا الشيخ لمدة عامين ممتثلًا للأمر ، ثم جاءه الأمر الآن ذهب أوان الأخذ وجاء أوان العطاء ، وهكذا تقوم كيمياء التبديل بعجائب كثيرة ، كان رأس المتسولين فأصبح رأس المحسنين من عطاء الله سبحانه وتعالى الذي لا منة فيه ولا انقطاع له ، كن صورة ليَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ( الفتح 10 ) كنت يدي التي تبذل بأمري ومن عطائي وبالطريقة التي أريد .
 
( 2799 - 2811 ) : " أخرج بصفاتى إلى خلقي " من معراج أبى اليزيد البسطامي ( انظر تفسير البيت 2018 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والحديث هنا عن سر معرفة الشيخ لباطن المريد والذي يعبر عنه في مصطلح الصوفية بالفراسة ( انظر 2704 من الكتاب الثالث وانظر 1851 - 1855 من هذا الكتاب وشروحها ) فالرجل الكامل الواصل لا تخطر الدنيا بباله ، فمنزل قلبه خال من الكدية وليس فيه إلا عشق الأحد ، وما يكون فيه ويمت إلى الدنيا بصلة فإنه يكون انعكاساً لما في ضمير السائل ، إنها رغبة الآخرين ، ومن هنا يستطيع أن يدرك ما يريده السائل ( انظر كمثال آخر لنفس هذه الفكرة الكتاب الثالث الأبيات 3252 - 3255 وشروحها ) ، ويضرب مولانا مثلًا آخر : هب أنك ترى صورة في الماء ، ألا تكون هذه الصورة انعكاساً لشئ موجود في الخارج ومتى يحدث هذا ؟ الجواب : عندما يكون الماء صافياً قد " نقيت منه القذى " إذن فالتنقية شرط لهذا الأمر : وإن نقيت البدن من الصفات الذميمة ووساوس النفس الشيطانية ، استطاع القلب أن يكون " عاكساً " ، ومن ثم أيها المقل الذي لا
 
“ 561 “ 
 
تظفر بانعكاس الصور وتبدو لك هذه الأمور من قبيل الخرافة ، إن ماءك مكدر بالطين طين الأكل والنوم والحرص والحسد وتسويلات النفس الشيطانية ، ومن هنا فإن ذلك البئر ( القلب ) يطمس دائماً بالتراب ، وتلك المرآة تكدر بصدأ الطمع .
 
( 2812 - 2816 ) : لا يزال مولانا يفسر كيفية معرفة الشيخ لضمير سائله وها هو يخاطب المريدين إذا كان قلب هذا الماء خالياً من الكدر فإن الوجوه تنعكس عليه ، لكن ما لك وهذا ، إنك لم تقم بتصفية الباطن بعد ، ومنزلك أي قلبك ملىء بالوحوش والشياطين والقردة أي بالشهوات والوساوس والنزوات والأحقاد ، وكيف تفهم الأرواح الواصلة ، من أمثال روح المسيح التي كانت تحيى الموتى وأنت كمثل الحمار ، وتعلم أنك حمار ، ولا تحاول - عناداً - أن تخرج عن حماريتك ، وتتابع الأخطار التي تترصدك ، وتعرف مكانها ومن أي الأماكن تترصدك وتقطع عليك طريقك وتخوفك من الطريق ، وما ذلك إلا لأنك تنمى هذا الجسد وتسمنه وتجعل له الغلبة على القلب ، في حين أن الباطن لا يكنس من كل ما يكدره إلا إذا صار الجسد " خيالًا " من زهده في دسم الدنيا وقوتها .
 
( 2817 - 2822 ) : يعود مولانا إلى قصة حمار القصار التي تركها في البيت 2667 : إن الحمار قد قاوم كثيراً ودفع حجج الثعلب ودحضها ، لكن الجوع كان غالباً عليه ، كان ضعيف الاحتمال ، والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم نفسه قال : كاد الفقر أن يكون كفراً ، ونسب القول أيضاً إلى الإمام الصادق رضي الله عنه " كاد الفقر أن يكون كفراً وكاد الحسد أن يغلب القدر " ( جعفري :
12 / 319 ) وهو مروى عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في كتب الحديث ( جامع 2 / 74 ) ، وهكذا فقد فضل الحمار الذهاب مع الثعلب ، على أسوأ الفروض سوف يموت ميتة واحدة بدلًا من موته جوعاً كل يوم ، هذا مع توبته ومع قسمة ، ومع رؤيته للخطر ماثلًا أمام عينه .
 
( 2823 - 2826 ) : وهذه هي نتائج الحرص ، فالحرص يعمى ويصم ويجعل المرء جاهلًا ، ومن جرأته يكون موت الحمقى سهلًا عليهم ، وللحمر يكون الموت صعباً فلا حياة تملك غير هذه الحياة الدنيا ، وأرواحهم ليست مرتبطة بالخالق ، ولا تترقى بعد الموت ، ومن هنا فالأحمق لا يلقى بنفسه في التهلكة إلا من جراء حمقه وليس أملًا في حياة خالدة ورقى وسمو لأنه لا يعرف شيئاً عن هذه الأمور ، فجاهد في طريق الله حتى تترقى روحك بعد الموت ولا تصير كأرواح الحمير والدواب والوحوش
 
“ 562 “ 
 
( 2827 - 2833 ) : الحديث عن حمار القصار ، كان يعاني الجوع لكنه لم يحرم يوماً من الزاد ، ولم يمت جوعاً بالرغم من أن الجوع كان " يسلط " عليه بين الآن والآخر ، وهكذا فإذا كان في الجوع ألم واحد ففي الامتلاء والتخمة مئات الآلام ، يعد ألم الجوع أفضل منها جميعاً " فالجوع طعام الصديقين " ، لقد سمى الله الجوع ابتلاء ، لكنه قال في نفس الآية " وبشر الصابرين " وكان سهل بن عبد الله لا يأكل الطعام إلا كل خمسة عشر يوماً فإذا دخل رمضان لا يأكل حتى يرى هلال شوال وإنما يفطر كل ليلة على الماء وحده ، وكان يقول " جعل الله في الشبع الجهل والمعصية وفي الجوع العلم والحكمة " ( مولوى 5 / 410 ) إنه لم يكن معتمداً على الرزاق ، رغم أنه تشدق بهذا كثيراً ، وليته كان قد تحمل الجوع ف " المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء " كما قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فالجوع يوصف كشفاء المرض ، وكيف تستطيع أن تحس بلذة المتع إن لم تجرب الجوع ؟ ( انظر الجوع رزق أرواح خاصة الله في البيت 2846 من هذا الكتاب ) .
 
( 2837 - 2840 ) : طائر الخبز كناية عن المرتبط بالمنافع الدنيوية وطائر الماء هو الذي يستطيع أن يغوص في بحار المعرفة ، وأنت تستحقه أي أنك لست صالحاً لعوالم الغيب فأنا أعطيك ما تستحقه ، فالجوع عطية الله لمن يصطفيهم ، لأنهم من الجوع يتغلبون على كل عقبات الطريق ويصبحون أسداً قوية ، ومن ثم لا يعطى الجوع لمدعى التصوف من الدراويش الكذابين " كلوا أكل البهائم وارقصوا لي " ، ومتى كان الطعام قليلًا في الدنيا ؟ إن مائدة إنعام الله مبسوطة أمام الجميع .
 
( 2841 - 2854 ) : الحكاية المروية هنا تشبه ما حدث للجنيد البغدادي عندما شكى أحدهم أمامه الجوع والعرى فقال له اذهب واطمئن فإنه لا يهب أحدهم الجوع والعرى حتى يشنع عليه ويملأ الدنيا بالشكوى " ( تذكرة الأولياء 431 ) ومن أقوال الفضيل بن عياض ما معناه : يا نفس مم تخافين من الجوع لا تخاف لست عزيزة عند الله إلى هذا الحد الذي يرزقك فيه رزق محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وصحبه ( عبد الباقي 449 ) فأي جوع يخشاه ذلك الدرويش المتسول ، إنه طعام الصديقين ورزق خاصة الله ، لكن العوام دائماً ما هم يرزقون الطعام [ والرزق أشد طلباً للعبد من أجله ] كما يقول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وكون الرزق عاشقاً للمرء كما يعشق المرء فكرة مأخوذة عن سنائى بل أن معظم الصور التي يعبر بها عن هذه الفكرة مأخوذة عن حديقة
  
“ 563 “
  
سنائى ( انظر حديقة الحقيقة لسنائى الغزنوي الأبيات 796 - 822 وشروحها ) المتوكلون على الله حقيقة لا يحسون بالجوع "انظر عن التوكل الأبيات 912 - 955 من الكتاب الأول".
 
( 2855 - 2869 ) : الحكاية الواردة في هذه الأبيات وردت قبل مولانا جلال الدين في ( الهى نامه ) لفريد الدين العطار عن حيوان كان يعيش فيما وراء جبل قاف وأنه كان يرعى في اليوم عشب سبعة أودية ويشرب ماء سبعة بحار ، وفي الليل يحمل هم الغد " ( الهى نامه للعطار ص 237 بتحقيق فؤاد روحاني ، تهران ، زوار ، 1351 ه . ش . ) 


( 2867 - 2869 ) : المستفاد من الحكاية : البقرة هي النفس التي لا تشبع من الدنيا وبرغم أنها لم تحرم من الخبز في يوم من الأيام إلا أنها تعيش في هم مقيم من أجله لكنها تنسى ذلك ، ولا تتعظ بماضيها الذي لم تحرم فيه يوماً من الخبز .
 
( 2870 - 2877 ) : عودة إلى قصة حمار القصار التي تركها مولانا في البيت 2822 ، والآية المذكورة في العنوان من سورة الملك : وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ، تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ( آيات 6 - 10 )
 
( 2870 - 2886 ) : يترك مولانا القصة التي انتهت بالطبع عند هذا الحد لينطلق في تعاليمه وإفاضاته . إن القلب هو ذلك الذي يوجد فيه نور الله ، وليس هذا الشكل الصنوبري ، فهو قطعة من اللحم ألقها للكلاب بتعبير الحكيم سنائى والمقصود به بالطبع الباطن المدرك لعالم الغيب ، إن هذا القلب المفتقر إلى النور مثل زجاجة ليس فيها نور الروح ، إنها أشبه بقارورة بول ، وهكذا فإن افتقر الجسد إلى مثل هذا القلب فهو ليس سوى جوال من طين ، وإياك أن تظن أن نور هذا المصباح من فعل الخلق ، إنه من فعل الله ، أي أن نور معرفة الغيب من الله وليست من علوم الخلق
( وعن وحدة النور رغم تعدد المصابيح انظر الكتاب الأول الأبيات 681 - 685 والكتاب الثالث الأبيات 1255 - 1259 )
ومن هنا فقد أشرك اليهود ولم يؤمنوا برسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لأنهم نظروا إلى الأنية ولم ينظروا إلى النور ، أي نظروا إلى الأنبياء وفرقوا بينهم ولم ينظروا إلى أن الرسالة واحدة صدرت عن مصدر واحد ، ولا فرق هناك بين شعيب ونوحلا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ *إن الإنسان هو الذي يتكامل بالروح وبالمعنى لا 
 
“ 564 “
  
بالصورة وبالجسد ، لكن أولئك الذين يقفون على الصور ليسوا برجال ، إنهم موتى في سبيل الخبز وقتلى في سبيل الشهوة فلا روح ولا قلب ولا بحث عن المعنى ، ولا طموح إلى العالم الأعلى .
 
( 2887 - 2896 ) : " الحكاية التي تبدأ بهذا البيت موجودة في التراث البوذي القديم وفي التراث اليوناني القديم منسوبة إلى ديوجين الكلبي " يحكى أنه خرج ونادى بأعلى صوته في الحارات يا رجال وصار يكررها حتى انقضت إليه جملة من العالم فطردهم بعصاه وقال لهم أنا أطلب الرجال وما لكم " ( مآخذ 182 ) وقد عبر مولانا عن نفس هذا المعنى في غزلية في ديوان شمس الدين التبريزي :
بالأمس كان الشيخ يطوف المدينة بمصباحة صائحاً مللت الوحوش والشياطين ضاق صدري بأولئك الرفاق الذين بهم خور أريد أسد الله ورستم بن دستان قلت : أيها الشيخ انك تبحث عما لا يوجد قال : إن هذا الذي لا يوجد هو طلبي ( كليات ديوان شمس غزل 441 ص 203 ) ولقد عبر حافظ الشيرازي عن هذا المعنى تعبيراً رائعاً بقوله :
إن المرء لا يحصل على إنسان ( حقيقي ) في عالم التراب * ينبغي خلق عالم آخر وخلق إنسان من جديد ( ديوان حافظ ، ص 247 ) والتعبير بأن الرجل الحقيقي هو الذي يملك نفسه عند الشهوة والغضب تعبير متكرر في المثنوى وورد بالطبع عند سنائى ( على سبيل المثال لا الحصر البيت 6071 من الحديقة ) كما ورد عند العطار ونظامى
( انظر أيضاً الكتاب الثاني 1467 - 1468 )


وعن العيش بالنفخة الإلهية انظر الكتاب الرابع الأبيات 411 - 415 وشروحها ) وفي البيت 2896 يرد عليه الرجل : إن الحرص والشهوة هما ظاهر القضية وينبغي أن تنظر إلى أصلها وهو : على أي شكل يريدنا الخالق وكيف يخلقنا ، إن الأمر كله قضاء وقدر ( عن هذا الموضوع انظر الكتاب الثالث الأبيات 380 - 390 وشروحها وعن الشهوة انظر أيضاً الكتاب الثالث الأبيات 818 - 820 وشروحها ) .
 
( 2897 - 2900 ) : من هذا البيت يبدأ المبحث الكلامي الأكبر في هذا الكتاب وهو مبحث الجبر والاختيار والذي جعلت منه موضوعاً للمقدمة ، ويبدأ مولانا بفكرة دق عليها كثيراً وهي
 
“ 565 “ 
 
أن قضاء الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يغير العوامل الموجودة في الطبيعة ويقلب تأثيرها ، بل يجعل عطارد هو في اعتقاد القدماء الكوكب الخاص بالذكاء والحكمة لا يعي شيئا ( انظر عندما يعمم القضاء تنام المعرفة 1241 من الكتاب الأول ) والبيت التالي ناظر إلى المثل المعروف : إذا جاء القضا ضاق القضا ( انظر البيت 99 من الكتاب الأول والبيت 381 من الكتاب الثالث ) فتعال يا من رسمت حياتك خطوة بخطوة بحيث تقضى كل خطوة إلى ما بعدها ، إنك أبله شديد البلاهة وساذج ، ذلك أنك تقوم برسم حياتك وكأنه ليس فيها سواك ، كأنها خالية من الغيب والقدرة ، صحيح أنك تستطيع أن ( تخطط ) لحياتك ، لكن كم من البشر ( خططوا ) لحياتهم ثم سارت خطوات حياتهم كما خططوا لها ، لم تصادف في الطريق مانعاً أو حادثة لم تخطر له ببال عند التخطيط .
 
( 2901 - 2905 ) : إنك ترى ظواهر الأمور ولكنك لا ترى القدرة الخفية التي تسيرها ، رأيت دوران حجر الطاحون لكنك لم تر ماء الجدول ، ورأيت التراب يثار في الهواء لكنك لم تنظر إلى الهواء الذي يرفع التراب ورأيت الفكر يغلى ، لكنك لم تر من الذي يشعل تحته ناراً ليغلى قدر فكرك ( قلبك ) كل هذا الغليان ، وإن النسبة بين هذه الأمور غير المرئية إلى ما تراه من نتائجها كنسبة العطاء الذي أعطى لأيوب عليه السّلام بالنسبة لصبره 


( أنظر الكتاب الأول 2108 - 3109 والكتاب الذي بين أيدينا 3689 - 3691 والكتاب السادس 876 ، 4839 ، 4836 وانظر أيضاً لعطاء أيوب حديقة الحقيقة لسنائى الترجمة العربية البيت 707 وشروحه ) 
وفي البيت التالي وضع الساقية بدلًا من الطاحون ، لأن الماء من نتائج الساقية وليس سبباً لها وربما كانت ضرورة القافية .
 
( 2906 - 2911 ) : إنك تدعى الرؤية أي رؤية ما وراء الظواهر ، لكن كل ما رأيته من البحر هو الزبد ( المظاهر بالنسبة للحقائق كالزبد بالنسبة للبحر ) ولو كنت رأيت البحر لكان نصيبك الحيرة ( الحيرة عند الصوفية مرادفة للمعرفة انظر لتفسير هذه الفكرة انظر الكتاب الثالث البيت 1116 وشروحه ) إن النتيجة الحتمية لهذه المعرفة ولهذه الحيرة هي الصمت المطبق لأن من عرف الله كل لسانه ( استعلامى 35 ) 
وذلك الذي يتحدث بالأسرار لا يكون قد رأى سوى ظواهر الأمور ، وهذه الرؤية تؤدى إلى نتائج مختلفة ، فالناظر إلى المظاهر يخطط وينوى النوايا ، والذي يرى الحقائق يخاطر ويتهور ويقدم ولا يرى نفسه نية ولا خطة والناظر إلى المظاهر يرى الكثرة والقلة والأعداد و " يحسب لها " أما الناظر إلى الحقائق فهو
  
“ 566 “
  
الذي يضع نفسه بين يدي المشيئة الإلهية كالميت بين يدي الغسال وينفى اختياره تماماً ، والناظر إلى الظواهر يطوف بها ويبحث فيها دون أن يصل إلى حقيقة ، أما الناظر إلى الحقائق فهو غير ملوث بهذه الظواهر غير مهتم بها .
 
( 2912 - 2919 ) : ذكر فروزانفر أن الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت في عيون الأخبار للدينوري وفي أخبار الطرفاء والمتماجنين لابن الجوزي وبالطبع دون المناقشات الطويلة الواردة بها بل في مجرد سطرين أو ثلاثة أسطر ( مآخذ 182 ) ويذكر زركوب ( سر نى 1 / 447 ) أن الحوار بين المسلم والمجوسي هو في الواقع حوار بين عمرو بن عبيد أحد أئمة المعتزلة ومجوسي ركب معه في سفينة وهي واردة في العقائد النسفية وفي شرح التعرف على مذهب أهل التصوف ، والرواية الواردة في عيون الأخبار وأخبار الظراف والمتماجين :
 
حدثني رجل من أصحابنا قال صاحب رجل من القدرية مجوسياً في سفر فقال له القدري يا مجوسي مالك لا تسلم قال : حتى يشاء الله قال : قد شاء الله ذلك ولكن الشيطان لا يدعك قال المجوسي : أنا مع أقواهما . ويجعل مولانا من هذه الحكاية منطلقاً نحو تفصيل معتقدات الجبريين وآرائهم الذين كانوا يرون أن الأعمال خيرها وشرها من قبل الله تعالى ولا يروون أنفسهم مستحقين للعقاب ، وكان مولانا يرى أن العبد مختار ومسؤول بدليل الأمر والنهى والتكليف والعقل . ويقول المجوسي " المجوس قدرية هذه الأمة " أي من القائلين بالقدر ، أنه وإن كان كافراً فإنه لا يجيز على الله تعالى أن يريد شيئاً لإنسان ثم تتدخل قوة ما أياً كانت هذه القوة وأياً كان اسمها الشيطان أو النفس أو الأهواء أو الشهوات أو ما إلى ذلك ، فتغير مشيئة الله ، فإذا كانت هذه القوى منتصرة وغالبة إلى هذا الحد بحيث تتغلب على المشيئة الإلهية فما ذنب العبد إن تبعها .
 
( 2920 - 2936 ) : ويضرب المجوسي الأمثال : هب أنك بنيت بناءً عظيماً أردت أن يكون مسجداً فجاء أحدهم وجعل منه برغم أنفك ديراً ، أو أنك نسجت كرباساً أردت أن تجعل منه قباء فجاء أحدهم وجعل منه سروالًا : أي إن الله تعالى خلق هذا الإنسان ( القصر والمسجد والقباء ) ليكون موضعاً للمعرفة فجاء الشيطان وجعل منه ألعوبة في يده وموضعاً للشهوات ومحلًا للوساوس وآلة للحرب والفساد وسفك الدماء ، فما ذنب هذا الإنسان يا حبيبي ؟ ما ذنب هذا الإنسان وهو ضعيف أمام الشيطان ، وفي نفس الوقت فإن الذي أراد أن يجعل منه معبداً ساكت ومستسلم وصامت ولا يتدخل ليدافع عن صنعه ؟ أأكون أنا مهاناً ومضطراً ومهزوماً
  
“ 567 “ 
 
إذا تبعته أيضاً وألا أخشى في ذلك الوقت انتقام الشيطان ( القوى ، المنتصر ، الغالب ) متى ؟
عجيب ، ما معنى قولك إذن : ما شاء الله كان ، فمتى كان إذن هذا الذي يشاءه ، أتقوم النفس بالاستيلاء على صنعه ولا يتحرك صانع النفس ؟ أيستولى الشيطان على الإنسان ويسكت خالق الإنسان والشيطان معاً ، وإذا كان الشيطان ينتصر ويتحقق له ما يريد ، والخالق يسكت على هذا الأمر ، فكيف ينصلح حالي إذن ؟ ومن يساعدني في هذا القتال الذي حكم على فيه بالهزيمة ؟ !
 
( 2936 - 2944 ) : يتدخل مولانا في النقاش فقد كان يرى أن الإنسان هو مجال للامتحان الإلهى ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 743 - 746 وشروحها ) وفي معركة الروح والنفس يعتبر جواذب الحياة المادية وسيلة امتحان الحق وعلى هذا الأساس يعتبر عصيان الشيطان أحد ألا عيب القضاء الإلهى ( انظر الكتاب الثاني 2655 - 2656 )
ومع هذا فالمسؤولية لا تسقط عن أي مذنب ، ثم يرد على ذلك المجوسي الذي يرى الشيطان غالباً بهذا المثل ، إن هذا الشيطان هو أقل الكلاب على باب الله ، أنه مثل كلب التركماني ، ينبح الغريب ، فالشيطان متسلط على الغرباء عن باب الحق ، لكن أنظر إلى كلب التركماني مع القرباء ! !
( أنظر إلى الشيطان مع الأولياء ) إن الأطفال يشدونه من ذيله ( الأولياء أطفال الحق ) ( انظر البيتين 80 و 81 من الكتاب الثالث ) ويكون ذليلًا في أيديهم لكنه يكون أسداً هصوراً على الغرباء ، إنه " الكلب والشيطان " مصداق الآية الكريمةأَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ( الفتح 29 )
 
( 2945 - 2950 ) : وهكذا فالشيطان هو كلب الحق ، وقد خلقه هكذا في جبلته الوسوسة ، وإلا فكيف يميز الله الخبيث من الطيب والصالح من الطالح ، وكيف يتغذى الشيطان إن لم يكن موسوساً للخلق " كمال كل مخلوق في قيامه بصنعه وكمال الشيطان في قيامه بما كلفه الله به " ليس الشيطان نداً لله وجل وعلا ومقابلًا له بل عبد من عباده ينفذ ما أمره الله به ، وكيف لا ينفذ ما أمره به وروحه مقيمة على باب الإله تنتظر أوامره ، وكل من في الخلق من ملوك ورعايا كلاب باسطو أذرعهم بالوصيد ؟ لا ، ليس الشيطان نداً لله أو مقابلًا له أو طرفا في معركة معه مواضعها نفوس العباد ، إنه تماماً كالكلب على باب التركماني مستعد نافر العرق يتسلط على من يسلطه عليه سيده .
 
( 2951 - 2962 ) : يخاطب مولانا جلال الدين بصفته رجلًا من رجال الله ، الشيطان ، أو الكلب الشيطان بأنه لا يستطيع أن يمتحين المخلصين من عباد الله ، ويسأله أن يداوم امتحاناته
 
“ 568 “
  
من أجل أن يتميز ذوو الصلابة في الطريق من أرباب الوهن ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل للشيطان سلطة علينا فلماذا علمنا قتاله لماذا أعطانا السلاح الذي نقاتله به لماذا أعطانا المعوذة " نلجأ إليها عندما يشتد طرق الشيطان على بابنا ، ويهم ذلك الكلب بعقر أقدامنا ، فنطلب من الله تعالى أن يستدعى كلبه ، حتى نجد الطريق مفتوحاً إلى بابه ، نسأله حاجاتنا ، فهل يعقل أن يكون التركي الخطائى ( من قبائل الخطا وهي من أشد قبائل الترك بأساً ) عاجزاً عن استدعاء كلبه وعن كبح جماحه ، إذن فما فائدة المعوذة وما فائدة الصياح ، معقول أن يقول لك التركي لا ، لا أستطيع أن أعقل هذا الكلب ، أنا أيضاً أستعيذ منه ، إنه يمنعني من الخروج كما يمنعك من الدخول ، هل هذا معقول ، حاشا لله ، إن التركي ليصيح صيحة ، تفقد بها أسد الوغى قلوبها لا الكلاب فحسب ، وأنت يا من تدعى أنك أسد في هذا الطريق ، كيف تغلب عليك كلب النفس وهو مخلوق لخدمتك ، هو يصيد من أجلك هو أي القوى النفسية حافظة بدنك ، فكيف صرت أنت صيداً لها .
 
( 2963 - 2974 ) : يرد السنى - ودائماً يقرن مولانا جلال الدين عقائده بأنها مجموع عقائد أهل السنة ولذلك يجعل السنى هنا مرادفاً للقائل باختيار للعبد - ويقدم مولانا في هذه الأبيات دلائل أن للعبد اختياراً وأول هذه الدلائل الحواس التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان يسعى بها ويستخدمها ويستطيع أن يستخدمها في الخير ويستطيع أيضاً أن يستخدمها في الشر ، وقد يكون المقصود بالحس الوجداني الضمير الذي عبر عنه مولانا بالإدراك الوجداني وقال أنه محل الحس ( جعفري 12 / 362 )
والدليل الثاني هو الأمر والنهى والتكليف بوجه عام والثواب والعقاب كلها لا تكون إلا للمختار والمسؤول ، وشرط التكليف القدرة ، والقدرة هي التي تدل على الاختيار فلا يقول أحد لإنسان طر ، أو يقول لأعمى أنظر إلى ثم إن الملام والعتاب والمدح دليل على القدرة أيضاً والاختيار وإلا فهل يقول أحد لحجر لماذا تأخرت ، أو يلوم عصا على أنها ضربته ؟ نعم إن الرغبة في الظلم كامنة فيك ومن ثم انجذبت للشيطان وللنفس الأمارة ، وليس العكس كما تدعى أنك " مجبور " عليها من الشيطان والنفس الأمارة .
 
( 2975 - 2981 ) : تريد أن تعلم كيف يكون الاختيار كامناً فيك إذن فاعلم أنك الشيطان والملاك معاً ، وداعى الخير وداعى الشر موجودان في داخلك لكنها في حاجة إلى ما يحركها ، ورؤية يوسف محرك وجرح اليد وتقطيعها نتيجة للمحرك ، كانت موجودة في نفوس النسوة في المدينة ، كن مستعدات للغواية ، فما إن رأين يوسف حتى قطعن أيديهن ، يظل
 
“ 569 “ 
 
كلب النفس قائماً في داخلك حتى تحركه شهوة من الشهوات فيستيقظ ويبصبص بذيله ، وهكذا حتى في الحيوان ، وفي السلوك الحيواني ، تتحرك الشهوة عندما يوجد محرك لها ، إنها كالنفخ في الشرر ، ( انظر الكتاب الثالث موسى وفرعون في وجودك ، البيت 1254 ) وهكذا يتمطى الاختيار النائم فيك والكامن في وجودك عندما يعرض الشئ المشتهى .
 
.
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:16 am

شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي على مدونة عبدالله المسافر بالله

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي
( 2982 - 2988 ) : [ إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالخير وأما لمة الملك فإيعاز بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله تعالى فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ] ( جامع 1 / 95 ) . ليس الأمر خاصاً بدواعى الشر فحسب ، بل تتدخل فيه أيضاً دواعي الخير ، تعرض عليك الملائكة ملائكة الخير ما لديها برغم أنف الشيطان ، إلهام بالخير في مقابل وسوسة الشيطان بالشر ، وأنت وما تختار ، لديك الميزان في داخلك ، وما يستوجب العقاب ومن ثم فأنت المسؤول ، وأنت الذي تنطلق بكل قواك ملبياً داعى الخير وداعى الشر ثم ما معنى التسليم في الصلاة ؟
إنك تسلم على الملائكة أنك صرت مختاراً لهذه الصلاة من إلهامها الطيب تماماً مثلما تقوم بلعن إبليس بعد كل ذنب لأنه قضى عليك وقصم ظهرك من وسوسته ، نعم فهذان الضدان يقوما بعرض ما لديهما عليك وداعى الخير وداعى الشر مصطلحان موجودان في هذا الحديث النبوي .
 
( 2989 - 3005 ) : وكلاهما داعى الخير وداعى الشر ، الملاك الملهم والشيطان الموسوس جاءا إليك من وراء حجب الغيب ، وعندما ترتفع هذه الحجب يوم القيامة ، ترى عياناً من كان يقودك وتعلم من حديثهم أنهم هم الذين كانوا يحدثونك في الدنيا يلهمونك أو يوسوسون لك .
يقول الشيطان : لقد كنت أعرض عليك فحسبوَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ( إبراهيم 22 ) ويقول الملاك : ألم أقل لك كفاك سروراً بمعصيتك وتدبر قول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم [ من عصى الله وهو يضحك يدخل النار وهو يبكى ]
 
( مولوى 5 / 432 ) لقد تركتني أنا الراجي خيرك المشفق عليك من نار الجحيم الراغب في قيادتك إلى الجنة ونحن الملائكة من سجدنا لآدم واعترفنا بخلافته ، ولا زلنا نخدمك ونقودك إلى موطنك في الجنة ، ونردك من غربتك وفقرك إلى رئاستك وإمارتك ، لكنك تركتنا وأطعت
 
“ 570 “
  
تلك الجماعة التي رفضت السجود لأبيك ، ووسوست له ، وسببت طرده من الجنة إلى جحيم الشقاء ، وتوعدت أولاده قائلًا لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ( الإسراء 62 ) ،
\هيا انظر إلينا عياناً بياناً بعد إن كنت تسمع أصواتنا في ليل الدنيا وظلمة الحس ، فها هو قد أسفر الصبح ، صبح القيامة ، وقام الناس من النوم ، فاعرفنا بأصواتنا ، وأعلم أننا كلامنا الملاك والشيطان كنا عارضين لك ، لم نجبرك على فعل لم تكن أنت تريده ، ولم نوجهك إلى فعل لم تكن أنت تقصده .
 
( 3006 - 3021 ) : يعود مرة ثانية إلى بيان أن الإنسان مخير وليس مسيرا ، ومن هنا يؤدب الطفل فهل رأيت حجرا يعاقب ؟ ! وهل سألت حجرا أن يأتيك في الغد ، وهل يضرب عاقل المدر ( في الكتاب الثالث ، أمثلة عديدة على هذه الفكرة ، انظر الأبيات 2911 - 2919 ) ، وعن هشام بن سالم عن علي رضي اللّه عنه : إن الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد " ( جعفري 12 / 383 ) ،
الجبري والقدري كلاهما مرفوض ، لكن الجبري أكثر افتضاحا أنه يرى ويحس أنه لا مدلول دون دليل ، لكنه ينكر والقدري يقبل الدليل والمدلول لكن في حدود الأمور المادية والدنيوية ، وأمور الله جل وعلا التي لا تقاس بالمعايير والعلاقات الدنيوية ولا تدرك ، والنتيجة أن القدري والجبري كليهما ينكران تلك الحقيقة غير المادية وغير الحسية (استعلامى 5 / 385)،
 
ومن هنا فسفسطة الجبري أسوأ من الحاد القدري " والقدرية مجوس هذه الأمة " ، ويجعل مولانا القدري واحدا مع المادي والدهري ، انه يقبل الدنيا فحسب ويقر بها وإن قال يا رب فنظره إلى القدرة المادية الطبيعية ، وقوله يا رب لا يقصد بها الحظيرة الإلهية ، والجبري ينفى المسؤولية والاختيار عن نفسه ، ينكر العلاقات الموجودة في الدنيا ، ولا يصل بسفسطته وأدلته الواهية إلى غاية بل يدخل في تلافيف الشك والريب والكفر ، والحيوان يدرك الأمر المحسوس ،
 
أيكون الحيوان أفضل من الجبري ، إن وجود الاختيار لا يحتاج إلى دليل لأن كل إنسان يستطيع أن يحس به ، وإن أحس به فإن تكليفه بالأمر يجمل به ولا يستوحش منه أو يراه صعبا ، وإذا كان القدري مرفوضا والجبري مرفوضا فالحل هو ما أجمعت عليه الأمة من المنزلة بين المنزلتين ، أو الأمر بين الأمرين وعن علي بن موسى الرضا رضي اللّه عنه ذكر عنده الجبر والتفويض فقال : ألا أعطيكم في هذا أصلالا تختلفون فيه ، ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه ؟ ، قلت إن رأيت ذلك ، قال : إن الله عز وجل لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبة ولم
 
“ 571 “
  
يهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فإن أئتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ( جعفري 12 / 384 ) والأمر عند مولانا بين الوضوح في قوله بالاختيار وهو في هذا تابع لسنائى الغزنوي الذي قال بأن الجبر لحركة العالم وأن الاختيار للإنسان ، وأن هذا هو المقصود بتكريم الإنسان ، فكيف يكون مجبرا ثم يكون مكرما ؟ !
 ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات 5459 - 5461 وشروحها ) ، وإلى مثل هذا ذهب الحكيم السبزواري فقال : إن من أفضل ما قاله المعلم الثاني ، لابد أن يكون في الإرادة إرادة بالذات ، وفي القدرة قدرة بالذات وفي الاختيار اختيار بالذات " ، ويضيف والعالم كله ظله ، وهو مختار وظل المختار مختار ( شرح السبزواري ، ص 394 ) .
 
( 3022 - 3033 ) : يواصل مولانا جلال الدين دلائله على الاختيار واثبات المسؤولية على الإنسان ، وهنا يتجاوز مولانا الدلائل الظاهرة والحواس الظاهرة ويتحدث عن الإدراك الباطني ويسميه بالإدراك الوجداني وفي العنوان يوضح مولانا أن الإدراك الباطني هو أيضاً من قبيل الحس ، فمنه ندرك الألوان والأحجام وأنواع الجمال والقبح بالحواس الظاهرة ، لكننا ندرك الاختيار والاضطرار والغضب والصبر بالحواس الباطنة أو الإدراك الباطني أو كما يسميه مولانا الإدراك الوجداني ، ويفسر محمد تقي جعفري الإدراك الوجداني تفسيرا لغويا على أساس أن " وجدان " بالفارسية تعنى الضمير ويرى أن مولانا كان يقصد هذا المعنى بالفعل بدليل ذكره للندم بعد أن يقوم المرء بفعل السوء فإن هذا الندم مصدره الضمير ( جعفري 12 / 394 - 395 ) .
ويقدم مولانا دليلا آخر : القرآن الكريم ، أليس كله أمر ونهى ووعد ووعيد فلابد أن يكون هذا الأمر والنهى والوعد والوعيد موجها إلى " مسؤول " و " حر " وإلا فهو ليس موجها إلى حجارة وحديد أو خشب ، فالعقل نفسه لا يتعامل إلا مع من له عقل . وإلا فهل عادى عاقل صورة ؟ !
أو هل أنشب مخالبه في صورة مخلب ، ثم كيف يوجه أمر إلى عاجز ؟ !
إنك إن أمرت عاجز بأمر يعجز عن فعله كنت جاهلا ، وإن فعلها إنسان لقلت عنه أنه جاهل ، فهل تنفى عن إنسان صفة الجهل وتجيزها على الله جلا وعلا عن ذلك علوا كبيرا ؟ !
وكيف تنفى عنه صفة العجز لتوقعه بعدها في صفة الجهل " والكلام موجه إلى المجوسي القدري " ؟ !
  
“ 572 “
  
( 3034 - 3039 ) : يعود إلى مثال التركي وكلبه " الله والشيطان " ، وليس عيبا أن يرمز له بكبير الترك :فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراسوالضيف هو العبد المتجه إلى الله تعالى ، والخرقة رمز للتظاهر ، والمقصود بالكلب هنا هو النفس الكلبية الأمارة بالسوء ، فإذا توجهنا إلى العتبة الإلهية ومعنا كبرنا وغرورنا ونفسنا الأمارة بالسوء فإن الكلب " الشيطان " ، يقف في طريقنا والكلب في البيت 3077 هو إبليس ( انظر 2939 - 2944 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وعضة الكلب تلبيس إبليس ومكره ، والغلمان هم عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، والكلب في البيت التالي هو النفس والثعلب هو الرياء والتظاهر ، والكلب في الشطرة الثانية من نفس البيت هو إبليس :
نفسك التي بين جنبيك هي التي تثير إبليس وهي التي تدعوه إليك .
 
( 3039 - 3057 ) : يواصل مولانا أدلته على أن الإنسان مختارا ، فإذا لم يكن الإنسان مختاراً وكان الاختيار للحق دون سواه ، فكيف تغضب على من يسئ إليك ، إنك تغضب على من يسئ إليك إن كان عاقلا ، لكنك لا تغضب إن كان غير عاقل ، ومن ثم فالاختيار مقارن للعقل ، وحتى الحيوانات تفعل هذا ، فهل رأيت حيوانا هاجم عصا ضربته دون أن يهاجم الضارب ؟ ! هل رأيت كلبا تقذفه بحجر فيصب غضبه على الحجر " إنه يفعل ذلك فحسب عندما لا يطولك وللوهلة الأولى ثم سرعان ما يدرك انك الضارب لا الحجر " .


.

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الخامس د. أبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.docx   حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 11:16 am

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 5.pdf






عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حكاية ذلك الحكيم الذي رأى طاووسا ينزع جناحه الجميل .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام أحضر خمرا فذهب الغلام .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» حكاية العياضي رحمه الله وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» حكاية رؤية حمار الحطاب النعم التي فيها الخيول العربية الأصيلة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» حكاية في إثبات الاختيار وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: