حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي المثنوي المعنوي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
حكاية الشيخ محمد سررزى الغزنوي
- كان هناك زاهدٌ في غزنة عنده مزية من العلم ، كان اسمه محمد وكنيته سررزى .
- كان إفطاره في كل ليلة طرف غصن من الكرم " سر رز " ، وظل سبع سنوات ساعيا في أثر مطلب واحد .
2670 - كان قد رأى كثيرا من العجائب من مليك الوجود ، لكن هدفه ومطلبه ، كان " إجتلاء " جمال " المليك .
- فصعد إلى قمة جبل ذلك الملول من نفسه ، وقال : فلتتجل لي ، أو لألق بنفسي إلى الهاوية .
“ 286 “
- فكوشف أن لم يأت أوان هذه المكرمة ، وإن سقطت ، فلن تموت ، ولن أقتلك .
- فألقى بنفسه من فرط المودة والعشق ، لكنه سقط في ماء عميق .
- وعندما لم يمت ، ناح هذا الرجل الملول من روحه على نفسه ، من الخيبة ، وفراق الموت .
2675 - فقد كانت هذه الحياة تبدو له كالموت ، وكانت الأمور بأجمعها قد انقلبت أمام ناظريه .
- لقد كان يستجدى الموت من الغيب ، وكان يصيح : " إن في موتي حياتي " .
- كان مستقبلا للموت وكأنه الحياة ، وكان مصمما على هلاك روحه .
- كان السيف والخنجر ريحانة له ، وكأنه على المرتضى رضي اللّه عنه ، والنرجس والنسرين أعداء روحه .
- فهتف به الهاتف قائلا : إمض من الخلاء إلى المدينة ، كان هاتفا عظيما مما وراء السر والجهر .
2680 - فقال له : يا عالما بسرى شعرة بشعرة ، ماذا علىّ أن أفعل في المدينة ؟ قل لي .
- قال : إن ما ستفعله ، أن تجعل من نفسك فترة " كعباس الدبس " من أجل إذلال النفس .
- فداوم على تكدى المال فترة من الأغنياء ، لكن داوم أيضا على توصيله إلى الفقراء .
- هذه هي خدمتك التي تقوم بها لفترة من الزمن . فقال : السمع والطاعة ، يا ملاذ الروح .
“ 287 “
- وكان هناك سؤال وجواب وحوار طويل ، بين الزاهد وبين رب الورى .
2685 - بحيث امتلأت السماء والأرض بالنور ، وكل هذا مذكور في المقالات .
- لكنني اختصرت ذلك المقال ، حتى لا يحتسي كل خسيس الأسرار .
مجيء الشيخ بعد عدة سنوات من الخلاء إلى مدينة غزنة ، وطوافه بالزنبيل " متكديا "
طبقا للأوامر الغيبية ، وقيامه بتوزيع كل ما يجمعه على الفقراء كل من
كان لروحه عز لبيك * تتوالى عليه الرسائل واحدة بعد الأخرى ورسول بعد رسول
كما تكون كوة الدار مفتوحة ، لا ينقطع عنها نور الشمس أو ضياء القمر
أو المطر أو الرسائل وما إليها
- اتجه إلى المدينة ذلك المطيع للأمر ، فنورت مدينة غزنة بوجهه .
- وذهب جمع غفير لاستقباله فرحا به ، لكنه تسلل سريعا من طريق غير مطروق .
- ونهض كل الأعيان والعظماء ، وزينوا قصورهم من أجله .
2690 - فقال : إنني لم آت من أجل إظهار النفس ، لم آت إلى هنا إلا من أجل الذل والتكدى .
- ولست عازما على إلقاء المواعظ والدروس ، لكني عازمٌ على الطواف من باب إلى باب ، والزنبيل في يدي .
- إنني عبد للأمر ، وهذا أمر الله ، أن أكون متسولا ، فلأكن إذن متسولا .
- وعلىّ أيضا ألا تلفظ أثناء التسول بلفظ نادر ، وألا أسلك إلا طرق الشحاذين الأخساء .
- حتى أصبح غريقا تماما في المذلة ، وحتى أسمع الشتائم من خاصة الناس وعامتهم .
“ 288 “
2695 - إن أمر الحق روح ، وأنا تبع له ، لقد أمر بالطمع ، وذل من طمع
- وما دام سلطان الدين يريد مني الطمع ، فليكن التراب إذن على مفرق القناعة
- إنه يريد الذل ، فمتى أطوف حول العز ؟ وهو يريد الكدية ، فكيف أقوم بالإمارة .
- ومن الآن فصاعدا ، ليكن التكدى والذل لروحي ، وليكن هناك عشرون " من أمثال " عباس في خرجي .
- وأخذ الشيخ يطوف والزنبيل في يده صائحا : شيئا لله يا سيدي ، وفقك الله .
2700 - إن أسراره أعلى من الكرسي والعرش، وعمله هو التسول قائلا : شيئا لله ، شيئا لله.
- وهذا هو نفسه عمل الأنبياء ، إنهم يتكدون من الخلق المفلسين .
- إنهم يصيحون : أقرضوا الله ، أقرضوا الله ، إنهم يتحدثون على العكس ويقولون : أنصروا الله .
- وهذا الشيخ يتضرع من باب إلى باب ويلح ، وفوق الفلك ، هناك مائة باب مفتوحة أمامه .
- فإن تلك الكدية التي كان يقوم بها بجد ، كانت في سبيل الله ، ولم تكن من أجل الحلق .
2705 - وحتى إن كان يقوم بها من أجل الحلق ، فإن ذلك الحلق كان ساميا من نور الله .
- فإن أكل الخبز وشرب اللبن من جانبه، أفضل من أربعينية أو طي لثلاثة أيام من مائة فقير.
“ 289 “
- إنه يحتسي النور ، فلا تقل أنه يأكل الخبز ، إنه يزرع الشقائق ، وإن كان يأكلها ظاهرا .
- إنه كاللهب الذي يشرب الزيت من الشمع ، ويزداد النور من أكله إياه ، بين الجمع .
- ولقد قال الله بشأن أكل الخبزلا تُسْرِفُوا، لكنه لم يقل بشأن أكل النور : اكتفوا .
2710 - إن ذلك الحلقوم من أجل الابتلاء، وهذا الحلقوم فارغ من الإسراف وآمن من الغلو.
- كان أمرا ، لم يكن حرصا وطمعا ، فمثل تلك الروح ، لا تكون للحرص تبعا .
- فإن قالت كيمياء " التبديل " للنحاس : إعطني نفسك ، لا يكون طمعا ، بل علو همة . “ 1 “
- كان قد عرض كنوز الأرض أمام شيخ الحق حتى الطباق السابع .
- فقال الشيخ : أيها الخالق ، إنني عاشق ، وإذا بحثت عمن سواك ، أكون فاسقا
2715 - وإذا وضعت الجنان الثمانية في الحسبان ، أو قمت بالخدمة والطاعة خوفا من سقر ،
- أكون مؤمنا باحثا عن السلامة ، وهاتان كلتاهما من حظ البدن .
- والعاشق الذي أكل قوته من عشق الله ، لا يساوى مائة بدن عنده خردلة . “ 2 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 211 : - إن ذلك التكدى الذي كان يقوم به بجد ، كان من آثار حكمته هو .
( 2 ) حرفيا : توتة فجة .
“ 290 “
- وهذا البدن الذي كان لذلك الشيخ الفطن ، كان قد صار شيئا آخر فلا تسمه بدنا .
- فهل ثم عاشق لله و " طمع في الأجر " ؟ وهل يتفق أن يكون جبريل مؤتمنا ثم يكون لصا ؟
2720 - إن العالم في نظر عاشق ليلى ذلك المضطرب الحزين ، لا يساوى شروى نقير . “ 1 “
- لقد تساوى عنده التراب والذهب ، وماذا يكون الذهب عندما لا يكون للروح نفسها خطر ؟
- ولقد فهمه الأسد والذئب والوحش ، فتحلقوا جميعا حوله ، كالأهل والأقارب .
- ذلك أنه قد صار بريئا تماما من طبع الحيوان، إمتلأ بالعشق وصار لحمه وشحمه مسممين.
- وإن ما يصبه العقل من سكر يكون سما بالنسبة للحيوان ، ذلك أن الطيب تماما يكون ضد الشرير .
2725 - ولا يجرؤ الوحش على التهام لحم العاشق ، فإن العشق معروف لدى الصالح والطالح .
- وإن أكله الحيوان على سبيل الفرض ، يكون لحم العاشق سما بالنسبة له ويقتله .
- فكل ما هو سوى العشق صار مأكولا للعشق ، والعالمان كحبة واحدة أمام " منقار " طائر العشق .
- فهل أكلت حبةٌ طائرا قط ؟ ، وهل رعى مزودٌ جودا قط ؟
- فقم بالعبودية علك تصبح عاشقا ، فالعبودية كسب ، يتأتى من العمل
..............................................................
( 1 ) حرفيا : ورقة كراث .
“ 291 “
2730 - والعبد يطمع في الحرية " إن سمح " إقباله ، لكن العاشق لا يريد الحرية إلى الأبد .
- والعبد دائما ما هو طالب للخلعة والأجر ، وخلعة العاشق دائما هي رؤية الحبيب .
- والعشق لا يستوعبه مقال أو بيان ، فالعشق بحرٌ لا يبدو له قرار .
- ولا يمكن عد قطرات البحر وحصرها ، والبحار السبعة صغيرة أمام هذا البحر .
- وهذا الكلام لا نهاية له يا فلان ، فعد بنا إلى قصة شيخ الزمان
في معنى [ لولاك لما خلقت الأفلاك ]
2735 - صار شيخ كهذا متسولا من حي إلى حي ، فقد جاء العشق وهو لا يبالي ، فاتقوه .
- إنه يجعل البحر يغلي وكأنه القدر ، كما أنه يبرى الجبل ، فكأنه الرمل .
- والعشق يصيب الأفلاك بمائة شق ، والعشق يزلزل الأرض زلزالا ولا يأبه بها .
- لقد كان عشق الطاهر قرينا لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن أجل هذا العشق، قال له الله :
لولاك .
- ولما كان في العشق فردا ، فقد خصه صلّى اللّه عليه وسلّم من بين كل الأنبياء .
2740 - فلو لم يكن من أجل العشق الطاهر ، متى كنت أخلق الأفلاك ؟
- ولقد رفعت الفلك السني ، ذلك لكي تفهم علو العشق .
- وهناك منافع أخرى تتأتى من الفلك ، تابعة له ، كما تتبع البيضة الفرخ .
- ولقد جعلت التراب بأجمعه ذليلا ، حتى تفهم شيئا ما من ذل العاشقين .
- وأعطيت التراب أيضا الخضرة والنضرة ، حتى تصبح عارفا بتبديل الفقير .
“ 292 “
2745 - وتحدثك أيضا تلك الجبال الراسيات ، عن أحوال العشاق في ثباتهم .
- وبالرغم من أن كل هذه صور وذاك معنى يا بني ، إلا أنها هكذا من أجل أن تكون أقرب إلى فهمك .
- ولقد شبهوا الأحزان بالأشواك ، وهي ليست على شكلها ، لكنه تنبيه إلى المعنى .
- وذلك القلب القاسي الذي سموه حجرا ، لم يجدوا الوصف مناسبا ، فضربوا لك مثلا .
- وإن لم يُتصور عين الشيء المراد، يكون العيب منصبا على الصورة ، لكن إياك أن تنفيها.
ذهاب ذلك الشيخ كل يوم أربع مرات إلى منزل أحد الأمراء متكديا بزنبيله
إطاعة لإشارة الغيب ، ولوم الأمير له على هذه
الوقاحة واعتذاره للأمير
2750 - ذهب الشيخ ذات يوم أربع مرات إلى قصر أحد الأمراء ، يتكدى وكأنه " المتسول " الفقير .
- الزنبيل في يده وهو يصيح : شيئا لله ، إن خالق الروح يطلب لقمة من الخبز .
- إنها أفعال تجرى عكس ما ينبغي يا بني ، تجعل العقل الكلى بدوره دائر الرأس .
- وعندما رآه الأمير قال له : أيها الوقح ، سوف أقول لك شيئا ولا تسمني شحيحا . “ 1 “
- ما هذا الجلد السميك وهذا الوجه الصفيق وهذا الفعل السوء بحيث تأتى في اليوم الواحد أربع مرات ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 300 : - أيها الخسيس معدوم الحياء حتام هذا الإلحاف في الطلب ، وإلام تنحني هكذا من أجل الرزق ؟
“ 293 “
2755 - وما هذا أيها الشيخ الذي تعلقت به وارتبطت ؟ إنني لم أر شحاذا فحلا مثلك ؟
- لقد قضيت على حرمة الشحاذين وأرقت ماء وجوههم ، فما هذا التسول القبيح كتسول عباس " الدبس " الذي قمت به ؟
- إن عباس الدبس تابع من أتباعك ، فلا كان لملحد قط هذا النفس النحس .
- قال الشيخ : أيها الأمير ، إنني عبد للأمر فاصمت ، لست عارفا بنارى فكفاك غليانا .
- فلو أنني رأيت في نفسي حرصا على الخبز ، لمزقت هذا البطن الذي يطالب بالخبز .
2760 - ولسبع سنوات من حرقة العشق التي تشوى الجسد ، قد أكلت في الخلاء أوراق الكرم .
- وكان من أكلى للأوراق الخضراء واليابسة ، أن أخضر لون جسدي هذا .
- وما دمت أنت موجودا في حجاب أبي البشر ، فقلل النظر باستهانة إلى العاشقين .
- والأذكياء الذين دققوا كثيرا في الأمور ، قد أدركوا علم الهيئة بأرواحهم .
- وعلم النير نجات والسحر والفلسفة ، بالرغم من أنهم لا يعرفونها حق المعرفة .
2765 - إلا أنهم جاهدوا بقدر إمكانهم ، حتى بزوا فيها كل أقرانهم .
- لكن العشق أحس بالغيرة ، وأخفى نفسه عنهم ، وغابت عنهم مثل تلك الشمس .
“ 294 “
- ونور العين الذي رأى النجم في وضح النهار ، كيف أخفت شمس نفسها عنه ؟
- دعك من هذا ، واقبل مني هذه النصيحة : أنظر إلى العاشقين بعين العشق
- والوقت ضيق ، والروح في مراقبة ، ولا يمكنني أن أبث عذرى لك الآن
2770 - فافهم ، ولا تكن موقوفا على ذلك القول ، وقلل من خمش صدور العاشقين .
- فليس الأمر كما ظننت، من جراء هذا الاندفاع ، فلا تفرط في الحزم، وداوم على الاحتياط.
- فهناك واجب وجائز ومستحيل ، فتوخ الوسط من بينها ، عند الحزم أيها الدخيل .
بكاء الأمير من نصيحة الشيخ ، وانعكاسا لصدقه ، وإيثاره إياه بخزانته
جزاء هذه الوقاحة ، واستعصام الشيخ ، وعدم قبوله إياها ،
وقوله : لا أستطيع أن أتصرف دون أمر
- قال هذا وانفجر في البكاء والعويل ، وسال الدمع على خديه ، موضعا بموضع .
- فأثر صدقه في ضمير الأمير ، والعشق يطبخ قدرا طريفة في كل لحظة .
2775 - إن صدق العاشق يؤثر على الجماد ، فأي عجب أن يؤثر في قلب العالم ؟
- لقد أثر صدق موسى عليه السّلام على العصا وعلى الجبل ، بل أثر على البحر الخضم المهيب .
“ 295 “
- وصدق أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم أثر على جمال القمر ، بل إنه قطع الطريق على الشمس الساطعة بالضياء .
- كانا كل منهما في مواجهة الآخر ، وكلاهما في صياح وعويل ، سواءٌ الأمير والفقير .
- وعندما بكيا فترة طويلة ، قال له الأمير : إنهض أيها المكرم العزيز ! !
2780 - اختر ما تشاء من الخزانة ، وإن تستحق مائة ضعفها .
- إن الدار دارك ، فخذ ما تريد وتختار ، فالعالمان شيء قليل " بالنسبة لقدرك " .
- قال : لا إذن لي بمثل هذا ، وأن أكون آخذا لشيء بيدي مختارا إياه .
- ولا أستطيع أن أقوم من تلقاء نفسي بهذا الفضول ، وأن أتدخل بنفسي " أدنى " تدخل .
- وهكذا تعلل ، وأغلق مجال الحديث ، فهل كان ما يمنعه أن العطاء لم يكن صادقا ؟
2785 - لا ، بل كان صادقا خاليا من الغل والانفعال ، لكن كل صدق لم يكن يبدو للشيخ مقبولا .
- فقال : هكذا أمرني الله قائلا لي : إمض ، وتسول الخبز كما يفعل الشحاذون . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 310 : - لقد طلبنا من هذا الباب بتسول ، وإلا فإننا لا نهتم بما فيه من أموال
“ 296 “
وصول الأمر إلى الشيخ من الغيب قائلا له : لقد أخذت طوال العامين الماضيين وأعطيت ،
ومن الآن إعط ولا تأخذ ،
داوم على وضع يدك تحت الحصير ، فقد جعلناه كهميان أبي هريرة من أجلك ، فإنك تجد تحتها ما تريد ، حتى يؤمن الناس أن وراء هذا العالم عالما تمسك فيه التراب بيدك فيصير ذهبا ويدخل إليه الميت فيصير حيا ، كما يدخل إليه النحس الأكبر فيصير سعدا ،
ويأتي إليه السم فيصير ترياقا ، وهو ليس داخل هذا العالم ولا خارجه ، ولا تحته ولا فوقه ، ولا متصل به ولا منفصل عنه ، فهو بلا كيف أو كيفية ، وكل لحظة تأتي منه آلاف الآثار والنماذج كصنعة اليد مع صورة اليد ، وغمزة العين مع صورة العين ، وفصاحة اللسان مع صورة اللسان ، لا هي داخلة فيه ولا خارجة عنه ، ولا متصلة به ، ولا منفصلة عنه .
واللبيب تكفيه الإشارة
- لقد قام هذا الرجل الجدير بهذا الأمر لمدة عامين بما أُمر به ، ثم أتاه أمر آخر من الخالق ،
- بعد الآن ، داوم على العطاء ، لكن لا تطلب شيئا من أحد ، لقد أعطيناك من الغيب هذه القدرة .
- وكل ما يطلبه أحد منك ، قليلا أو كثيرا “ 1 “ ، ضع يدك تحت الحصير وأخرجه .
2790 - هيا ، داوم على العطاء من كنز الرحمة بلا مراء ، فإن التراب يتحول في كفك إلى ذهب ، فأعط .
- أعط كلما يطلب منك ، ولا تفكر فيه ، واعلم أن عطاء الله في ازدياد .
- وفي عطائنا لا تخسير ولا نقص ، ولا ندم ولا حسرة ، من هذا الكرم .
- ضع يدك تحت الحصير أيها السند ، وذلك من أن يكون في الأمر حجاب ودريئة لعين السوء .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : من واحد إلى ألف .
“ 297 “
- ثم املأ قبضتك مما هو موجود تحت الحصير ، وضعه في يد السائل كسير الظهر .
2795 - من بعد " التكدى " أعط من الأجر الذي لا منة فيه ، إعط لكل من يريد الجوهر المكنون .
- إمض ، وكن مصداقا ليَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، ووزع الرزق كيفما أتفق ، كيد الحق .
- وخلص المدينين من ديونهم ، واجعل بساط الدنيا أخضر نضرا كأنك المطر .
- وظل الشيخ عاما " آخر " وهو يقوم بهذا العمل ، كان يهب الذهب من كيس رب الدين .
- كان التراب الأسود يصير ذهبا في كفه ، وكان حاتم الطائي شحاذا في صفه .
معرفة الشيخ ضمير السائل دون أن يتحدث ، ومعرفته مقدار دين المدينين
دون حديث منهم ، وهذا دلالة على مصداق
[ أخرج بصفاتي إلى خلقي ]
2800 - وذلك الفقير ، وإن لم يكن يذكر حاجته ، كان يعطيه إياها ، وكان يعرف ما في ضميره .
- وما كان في قلب ذلك الكسير الظهر ، كان يعطيه مقداره ، دون زيادة أو نقصان .
- ثم قيل له : أي علم لك يا عماه بذلك القدر الذي يفكر فيه ؟
- فكان يقول : إن منزل القلب خلوة ، وهو خال من الكدية ، وكأنه الجنة .
“ 298 “
- وليس فيه من عمل إلا عشق الله ، وما فيه من ديار إلا خيال الوصال .
2805 - لقد كنست منزل " القلب " مما فيه من خير وشر ، فأصبح منزل " قلبي " مليئا بعشق الأحد .
- وكل ما أراه فيه غير الله ، لا يكون ملكا لي ، بل انعكاس لضمير السائل
- فإذا ظهر في الماء صورة عرجون أو نخلة ، فإنه لا يكون إلا انعكاسا لنخلة خارج الماء .
- وإن رأيت صورة في قاع النهر ، فإن تلك الصورة تكون انعكاسا لشيء موجود في الخارج أيها الفتى .
- لكن هذا الأمر يحدث عندما ينقى الماء من القذى ، فالتنقية في نهر البدن شرط لهذا الأمر .
2810 - حتى لا يبقى فيه كدر أو غثاء ، حتى يصبح أمينا يعكس صور الوجوه .
- وليس في بدنك إلا ماء مكدر بالطين أيها المقل ، فصف الماء من الطين يا خصم القلب .
- وإنك مستمر في كل لحظة من الأكل والنوم ، في طمس هذا البئر بالتراب أكثر .
سبب معرفة ضمائر الخلق
- وعندما يكون قلب ذلك الماء خاليا من هذه الأشياء ، تنعكس فيه صور الوجود من خارجه .
- وإلا فإن لك باطنا لم يُصف بعد ، والمنزل مليء بالشياطين والقردة والوحوش .
2815 - أيها الحمار الذي بقي في حماريته من العناد ، متى تعرف شيئا عن الأرواح التي تشبه روح المسيح
“ 299 “
- وأي علم لك إن أطل خيال ، من أي مكمن يطل ؟
- إن الجسد ليصير خيالا من الزهد ، حتى " يتاح له " كنس الخيالات من الباطن . “ 1 “
غلبة مكر الثعلب على استعصام الحمار
- لقد جاهد الحمار كثيرا ودفعه بالقول ، لكن الجوع الشديد كان ملازما للحمار .
- وغلبه حرصه ، وكان احتماله ضعيفا ، وما أكثر الحلوق التي ذبحها عشق الرغيف .
2820 - وقد ورد عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم الذي تيسرت له كل الحقائق " قوله " [ كاد الفقر أن يكون كفرا ] .
- كان ذلك الحمار قد صار رهين الجوع ، فقال في نفسه : إن كان في الأمر مكر ، فهي ميتة واحدة .
- فأنجو أيضا من عذاب الجوع هذا ، وإن كانت هذه هي الحياة فالموت أفضل لي .
- وإذا كان الحمار قد تاب في البداية وأقسم ، فقد تخبط في النهاية من حماريته .
- والحرص يجعل المرء أعمى وأحمق وجاهلا ، ويجعل الموت سهلا على الحمقى .
2825 - والموت ليس بالأمر السهل على أرواح الحمير ، فليس لديهم ماء الروح الخالدة .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 318 : - فاكنس هذا الخيال الضال من الباطن ، حتى لا يجعلنك من أهل الظاهر .
“ 300 “
- ولأنه لا يملك روحا خالدة فهو شقي ، وجرأته على الأجل من جراء حمقه .
- فجاهد حتى تكون لك روح خالدة ، حتى يكون لك زادٌ يوم الموت .
- ولم يكن اعتماده على الرزاق ، وأنه ينثر الجود عليه من الغيب .
- لم يكن الفضل حتى الآن قد حرمه يوما من الرزق ، بالرغم من أنه كان يسلط عليه الجوع بين الآن والآخر .
2830 - وإن لم يكن ألم الجوع فهناك مائة ألم آخر ، يحيق بك من جراء التخمة .
- وألم الجوع أفضل من كل تلك العلل ، سواءٌ في لطف " حدته " أو في خفته أو " من أجل " العمل .
- وألم الجوع أكثر طهرا ولطفا من كل الآلام ، خاصة وفي الجوع مائة نفع وفضل .
في بيان فضيلة الحمية والجوع
- إن الجوع في حد ذاته هو سلطان الأدواء ، فاستمسك به بروحك ، ولا تستهن به . “ 1 “
- وكل المرضى قد شفوا بالجوع ، وكل المتع مردودة ، إن لم يجرب الجوع .
مثل
2835 - كان أحدهم يأكل خبز الشعير ، فسأله أحدهم : كيف تأكل هذا الخبز بهذا الشره ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 323 : - والجوع يكون نورا للعين عند الإبصار ، ويكون قابلية في النظر والفكر .
“ 301 “
- فقال : عندما يكون الجوع قد أصبح ضعف الصبر ، يصبح خبز الشعير أمامي كالحلوى .
- ومن ثم أستطيع أن ألتهم كل شيء وكأنه الحلوى ، عندما أصبر ، وأنا بلا شك صبور .
- والجوع بالنسبة لكل شخص ليس من عدم الحيلة أو اضطرارا ، فإن مواضع الطعام تفوق الحد والحصر .
- ولقد وهب الله سبحانه وتعالى الجوع للخاصة ، حتى يصبحوا من الجوع أسودا قوية .
2840 - ومتى يعطي الجوع لكل جلف شحاذ ، ما دام الطعام ليس قليلا فإنه يضعه أمام المرء ،
- قائلا له : هيا كله ، فأنت تستحقه ، إنك طائر خبز ولست بطائر ماء . “ 1 “
حكاية المريد الذي وقف الشيخ على حرصه وضميره فنصحه باللسان ،
وفي خلال النصيحة وهبه قوة التوكل بأمر الحق
- أخذ الشيخ يمضي مع أحد مريديه دون تلكؤ ، نحو مدينة كان الخبز فيها شحيحا .
- كان الخوف من الجوع والقحط مسيطرا على فكر المريد ، ومن غفلته ، كان هذا الخوف يبدو عليه في كل لحظة .
- وكان الشيخ عارفا وواقفا على الضمير ، فقال : حتام وأنت في قلق وخوف ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 324 : - لا يوجد في رأسك إلا التفكير في الخبز ، ولا يأتي إلى خاطرك إلا ذكره .
- فماذا يكون محصولك بعد عدد من السنين ؟ إن الموت جوعا أفضل لك من هذه الحياة .
“ 302 “
2845 - لقد احترقت من أجل هم الخبز ، وخطت عين التوكل والصبر .
- وأنت لست من أولئك المدللين الأعزاء ، بحيث تحفظ عندهم دون جوز أو زبيب .
- فالجوع هو رزق أرواح خواص الله ، فمتى يكون نصيبا لمسكين مثلك وشحاذ ملحاح ؟
- فكم مطمئنا ، فأنت لست منهم ، وأنت في هذا المطبخ لست " محروما " من الخبز .
- إن الطبق فوق الطبق والخبز فوق الخبز على الدوام ، من أجل هؤلاء الشرهين العوام .
2850 - وعندما يموت يتقدم الخبز قائلا : يا من قتلت نفسك خوفا من الحرمان ،
- لقد مضيت، وبقي الخبز : من بعدك "فانهض وخذه ، يا من قتلت نفسك خوفا وهلعا. “ 1 “
- هيا وتوكل ، ولا تصب اليد والقدم بالرعدة والرعشة ، إن رزقك أكثر عشقا لك منك له .
- إنه عاشق ، لكنه يتلكأ عليك ، لأنه يعلم انعدام صبرك أيها الفضولي
- ولو كان عندك صبر لأتاك الرزق ، ولألقى بنفسه عليك ، كما يفعل العشاق .
2855 - فما هذه الحمى ذات الرعشة خوفا من الجوع؟ ما دام العيش ممكنا بشبع في التوكل.
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 326 : - وعلى كل لقمة مكتوب بوضوح ، أنها لفلان بن فلان بن فلان .
“ 303 “
حكاية تلك البقرة التي كانت وحيدة في جزيرة كبيرة ، والحق تعالى يملأ تلك الجزيرة
بالأعشاب والرياحين وهي علف البقرة ،
وحتى دخول الليل كانت البقرة تأكل وتسمن كأنها قطعة من الجبل ،
وعندما يجن الليل لا تنام من القلق والخوف محدثة نفسها قائلة :
لقد أكلت كل المرعى فماذا أرعى غدا ؟
حتى تصاب بالنحول من هذا القلق كأنها عود الخلال ، وتنهض صباحا فترى المرعى أكثر نضرة وأكثر خصبا مما كان عليه بالأمس ، فترعى ثانية وتسمن ، ثم يحل بها نفس الغم ليلا ، ولسنوات وهي ترى نفس ما تراه ولا تطمئن
- هناك جزيرة خضراء في الدنيا ، فيها بقرة وحيدة حسنة الفم .
- وهي تقوم برعي كل المرعى حتى الليل ، حتى تصبح سمينة ضخمةً فخمة .
- وفي الليل من كثرة تفكيرها فيما سوف تأكله في الغد ، تصير نحيلة كالشعرة من الغم .
- وعندما يسفر الصباح ، يصير الوادي شديد الخضرة ، ويصل القصيل الأخضر والعشب حتى وسطها .
2860 - فتنهال البقرة عليه من شدة جوعها ، وتظل قائمة بالرعي حتى يأتي الليل .
- فتصبح مرة ثانية سمينة ممتلئة ضخمة ، ويمتليء جسدها شحما وقوة .
- وفي الليل تصاب مرة ثانية بالحمى من الفزع ، حتى تصير نحيلة من الخوف الذي يلم بها .
“ 304 “
- وتتساءل : ماذا آكل في الغد عندما يحين أوان الطعام ؟ وهذا هو ديدن تلك البقرة لسنوات .
- إنها لا تفكر أبدا ولا تقول لنفسها : إنني أرعى لسنوات من هذا المرعى وهذه الروضة .
2865 - ولم ينقص رزقي منها ذات يوم قط ، فما هذا الخوف والحزن والقلق الذي لدى ؟ !
- لكنها عندما يحل الليل ، فإن تلك البقرة الضخمة لا تفتأ تئن وتتوجع قائلة : لقد انقطع الرزق .
- إن النفس هي تلك البقرة ، وذلك الوادي الأخضر هو الدنيا ، فهي لا تزال تصاب بالنحول خوفا على الخبز .
- قائلة : عجبا ! ! ماذا سآكل في المستقبل ، ومن أين أطلب الدسم في الغد ؟
- لقد أكلت لسنوات ، ولم ينقص الطعام ، ودعك من التفكير في الغد ، وانظرى إلى الماضي .
2870 - وتذكرى ما قد أكلت من لحم وشحم ، ولا تفكرى في المستقبل البعيد ، وكفاك نواحا . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 328 : - فلتلق بقصة هذه البقرة جانبا ، وأرسل رسالة إلى ذلك الحمار وذلك الأسد الفحل .
“ 305 “
صيد الأسد لذلك الحمار ، وظميء الأسد بعد افتراسه للحمه ، فذهب ليشرب من عين ماء
وحتى عودته كان الثعلب قد أكل القلب والكبد والكلى وهي ألذ ما فيه ،
فطلبها الأسد ولم يجدها ، وسأل الثعلب : أين القلب والكبد ؟
فقال الثعلب : لو كان له قلب أو كبد ثم رأى ذلك الرعب في ذلك اليوم ونجا بنفسه بألف حيلة ، فمتى كان سيعود إليك ؟
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ، ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ
- لقد اصطحب الثعيلب الحمار حتى الأسد ، ، فمزقه إربا ذلك الأسد الهصور .
- وظميء من لحمه ملك الوحوش ، فذهب صوب النبع ليشرب الماء .
- فأكل الثعيلب كبده وقلبه في تلك اللحظة ، عندما سنحت له الفرصة .
- وعندما عاد الأسد من النبع إلى الطعام ، بحث في " جثة " الحمار عن القلب ، فلم يجد لا قلبا ولا كبدا .
2875 - فقال للثعلب : أين الكبد ؟ وماذا حدث للقلب ؟ فلابد لكل حي من وجود هذين ! !
- فأجاب : متى كان سيعود إلى هنا ، إن كان له قلب أو كبد ؟
- كان قد رأى تلك القيامة والحشر ، وسقوطه من الجبل والهول والفرار ،
- فلو كان له كبد أو كان له قلب ، متى كان سيعود إليك ثانية ؟
- وعندما لا يكون نور في القلب ، لا يكون قلبا ، وعندما لا تكون روح ، ليس ثم إلا طين .
2880 - وتلك الزجاجة التي لا تحتوى على نور الروح ، هي قارورة بول ، لا تسمها قنديلا .
- ونور المصباح عطية من ذي الجلال ، وذلك الزجاج والخزف هو صنعة الخلق .
“ 306 “
- فلا جرم أن يكون التعدد موجودا في الآنية ، ولا يكون في اللهب والنور إلا الوحدة .
- ذلك أنه عندما تمتزج أنوار قناديل ستة ، لا يكون في أنوارها عد أو حصر .
- لقد أشرك ذلك اليهودي لأنه " وقف " على الآنية ، لكن ذلك المؤمن رأى النور وأدركه . “1“
2885 - وعندما يقع بصر الروح على الوعاء ، تراهما اثنين شيث ونوح عليهما السلام .
- والجدول الحقيقي هو الذي يحتوى على ماء ، والإنسان هو الذي يكون ذا روح .
- أما هؤلاء " الذين تراهم " فليسوا برجال ، إنهم صور ، فهم موتى الخبز وقتلى الشهوة .
حكاية ذلك الراهب الذي كان يطوف نهارا بمصباح وسط السوق
مما كان يعانيه من حال
- كان أحدهم يطوف بالسوق نهارا وهو يحمل مصباحا ، وقلبه مليء بالعشق والحرقة .
- فقال له فضولي : هيا ، قل لي ، عم تبحث وتمضي صوب كل حانوت ؟
2890 - هيا ، قل ، عم تطوف باحثا بالمصباح في رابعة النهار المضيء ، فأي بحث هذا ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 330 : - وعندما ينظر المرء إلى الروح ، يجدهما واحدا ، المصطفى والخليل عليهما السلام .
“ 307 “
- قال : إنني أبحث في كل صوب عن إنسان ، يكون حيا بحياة تلك النفخة " الإلهية " “ 1 “
- فهل ثم رجل ؟ فأجاب : هذا السوق مليء بالرجال آخرا أيها الرجل الحر
- قال : أريد رجلا على الجادة في طريقين ، إن وجد في طريق الغضب ، وإن وجد في طريق الشره والشهوة .
- فأين رجل عند الغضب وعند الشهوة ، إنني أسرع من حي إلى حي طالبا لرجل ! !
2895 - فأين رجل واحد في الدنيا إن وجد في هاتين الحالتين ، حتى أفديه بروحي اليوم .
- قال : إنك تبحث عن شيء نادر ، لكنك غافل عن الحكم والقضاء ، فانتبه .
- وأنت ناظرٌ إلى الفرع غافلٌ عن الأصل ، ونحن فروع ، والأصل هو أحكام القدر .
- والقضاء يجعل الفلك الدوار ضالا ، والقضاء يجعل من مائة عطارد بلهاء .
- ويجعل دنيا من الحيل شديدة الضيق ، ويجعل الحديد والصخر ماء .
2900 - فيا من رسمت " وخططت " للطريق خطوة بخطوة ، إنك ساذج سذاجة شديدة .
- فما دمت قد رأيت دوران حجر الطاحون ، أنظر آخرا إلى ماء الجدول وتعال .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 333 : - قال : لقد صرت باحثا عن إنسان ، ولا أجد إنسانا على الإطلاق ، وصرت حائرا .
“ 308 “
- ورأيت التراب قد ارتفع في الهواء ، فانظر إلى الريح من بين التراب .
- وإنك لترى قدور الفكر وهي آخذة في الغليان ، فانظر أيضا إلى النار بوعي ويقظة .
- وقد قال الحق لأيوب عليه السّلام " وهو يحدثه " عن مكرماته له : لقد أعطيتك صبرا بكل شعرة فيك .
2905 - فانتبه ولا تنظر إلى صبرك هذا كثيرا ، لقد رأيت الصبر ، فانظر إلى عطاء الصبر .
- وحتام تنظر إلى دوران الساقية ، أطل برأسك ، وانظر أيضا إلى الماء المندفع .
- وأنت لا تفتأ تقول : إنني أراه ، لكن رؤيته ذات علامات وأمارات واضحة .
- ولما كنت قد رأيت شيئا من دوران الزبد ، فإن كنت تريد الحيرة ، فأمعن النظر في البحر .
- فذلك الذي رأى الزبد ، يكون متحدثا بالأسرار ، وذلك الذي رأى البحر ، يكون حائرا .
2910 - وذلك الذي رأى الزبد ينتوى النوايا ، وذلك الذي رأى البحر خاطر وتهور وأقدم .
- وذلك الذي رأى الزبد يكون مشغولا بالعدد ، وذلك الذي رأى البحر ، صار بلا اختيار .
- وذلك الذي رأى الزبد ، يكون في دوار وطواف ، وذلك الذي رأى البحر ، يكون صافيا لا كدر فيه . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 334 : - وذلك الذي رأي الزبد جعله عاطلا ، وذلك الذي رأى البحر حمله إلى المشنقة .
- وذلك الذي رأى الزبد صار ثملا به ، وذلك الذي رأى البحر غرق في ذاته هو .
- وذلك الذي رأى الزبد أخذ في الحديث ، وذلك الذي رأى البحر ، فرغ من " أنا " و " نحن " .
- وذلك الذي رأى الزبد صار مصفى " من الكدر " ، وذلك الذي رأى البحر ، إستراح من كل شيء .
.
يتبع