الإمام
مبحث صوفي : ( الإمام ) في اصطلاح الشيخ الأكبر ابن عربي
تقول الدكتورة سعاد الحكيم :
يتعذر بحث ( الإمامة ) و ( الإمام ) على المستوى النظري والفكري ، كما هو الحال في معظم مصطلحات الحاتمي .
السبب عائد إلى أن ( الإمامة ) نشأت وترعرعت في حمى السياسة ، وكانت الباعث الأول و الأكبر على خلق الفرق والملل التي تشقق إليها البنيان الإسلامي ، وهي أول حدث اختلف فيه المسلمون بعد انتقال النبي .
والملاحظ إن أوائل المسلمين استعملوا كلمة إمام و خلافة على الترادف ؛ لأن الشخص الذي يرتضونه إماماً يبايعونه بالفعل نفسه خليفة . فالإمام هو الخليفة ، وعند أهل السنة عامة الخليفة هو الإمام .
ولكن بعد الخلفاء الراشدين كثرت الفرق واستحال إرضاؤها ، فالفرقة التي لم توفق بأن تجعل إمامها الذي تعتقد به خليفة للمسلمين استمرت على اعتقادها بإمامها واتخذت عقيدتها إما تقية ، وإما ذريعة للخروج على سلطان الدولة بالفتن والحروب .
وهكذا استطاعت نظرية ( الإمامة ) أن تفرض نفسها على كتب علم الكلام أجمعها تقريباً بالنسبة لما يرمز إليه صاحبها أي ( الإمام ) من فعالية سياسية ودينية .
وفي الوقت نفسه أثارت جدلاً بين أهل السنة والشيعة ؛ لأنه كما سبق وقلنا : إن أهل السنة يرتضون الخليفة القائم إماماً بصورة عامة ، ولذلك لا نجد لهذه النظرية الأبعاد التي أخذتها في الفكر الشيعي .
لم يبق أمام الشيخ الأكبر إلا أن يوضح موقفه من المشكلة التي عاصرت الإسلام منذ فجره حتى اليوم .
- يأخذ ابن عربي الإمامة بمعناها الشامل الواسع المطلق ، أي : التقدم والتولية والتصرف ، دون أن يحدد شخص الإمام أو أشخاص المأمومين ، فهي هنا مرتبة أو وظيفة وليست شخصاً معيناً، وهو بهذا العرض للإمامة يبتعد عن الخوض بها ، ولنتركه بنصوصه الواضحة هنا ، يبين ما أوجزناه :
يقول : "... كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فعمت الإمامة جميع الخلق ، فحصل لكل شخص منهم مرتبة الإمامة ... ويتصرف بقدر ما ملكه الله من التصرف فيه " .
ويقول : " ما من إنسان إلا وهو مخلوق على الصورة ، ولهذا عمت الإمامة جميع الأناسي ، والحكم في الكل واحد من حيث ما هو إمام ، والملك يتسع ويضيق ..." .
ويقول : " كذلك هذه النشأة الإنسانية ... فيها أئمة كما فيها أمم ... والروح الفكري إمام ، والروح العقلي إمام ، والروح المصور ، والروح الخيالي ، والروح
الوهمي : إمام والحواس أئمة ، ولكل إمام من هذه الأئمة أمة ، والإمام
الأكبر ... القلب ... " .
نلاحظ من النصوص السابقة أن كلمة الإمام أصبحت لفظاً خالياً من قوته الرمزية إلى شخص الإمام المقصود ، واكتفت بأن تنسب إلى ما تؤمه ، أي تحولت إلى اسم لا يعرف إلا بإضافته إلى مأموميه .
لا يظل ابن عربي على نظرته الشاملة إلى الإمامة ، بل يذرها في أيدي العامة من قارئي كتبه ، ساتراً بها حقيقة رؤيته للإمامة . ولكن لكي نفهم ( الإمامة ) و ( الإمام ) عنده ، يجب ألا نتوقع بحثاً كلامياً في الإمامة كما جرت العادة ، بل رؤية صوفية .
فالإمامة هي الولاية نفسها بتعبير آخر ، والولاية عند الشيخ الأكبر عالم قائم بذاته كالنبوة له مفرداته الخاصة وتعابيره الاصطلاحية :
1. أثبت ابن عربي في الزمن الواحد إمامين :
إمام ظاهر هو الخليفة الحاكم السياسي ( متفقاً في ذلك مع أهل السنة ) .
وإمام باطن هو الخليفة على الحقيقة .
ولكن هذين الإمامين لا تنافر بينهما بل يمد الثاني الأول ، فالثاني هو ما يسمونه ( بالقطب ) و ( الغوث ) و ( صاحب الوقت ) .
2. وكما أن للولاية ختماً ، كذلك الإمامة تختم ( بالإمام الأكبر ) ... وهذا الإمام الأكبر هو المهدي .
3. يوازن ابن عربي بين الولاية والإمامة حرفياً تقريباً ، فنجده يشير إلى أن ( الإمام الأعلى ) هو الله ، كما سيرد أن ( الولي ) هو الله ...
أما النصوص التي تثبت ما أشرنا إليه فهي :
يقول : " إن الإمام هو الوالي فلا تكنِّي فإنني عالم بما بدا مني " .
ويقول : " إن الله تعالى ذكر الختم المكرم ، والإمام المتبوع المعظم ، حامل لواء الولاية وخاتمها ، وإمام الجماعة وحاكمها … فإن الإمام المهدي ، المنسوب إلى بيت
النبي ... إمام متبوع وأمر مسموع ... " .
ويقول : " الإمام الأكبر المتبع الذي إليه النهاية والمرجع وتنعقد عليه أمور الأمة أجمع ، فكل إمام لا يخالف في إمامته إذا ظهر بعلامته ، وكل إمام تحت أمر هذا الإمام الكبير ، كما أنه الإمام الكبير تحت قهر القاهر القدير ، فهو الآخذ عن الحق ، والمعطي بحق في
حق ... " .