{ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ }
فجعل الكلب معظم آياته لهم حيث أنطقه بمعرفته وكسا قلبه اسرار نوره
وابرز له انوار هيبته فاضطجع مقام الحرمة للرعاية بحسن الادب بالوصيد
وبين سبحانه رتبة الانسانية وفضلها على الحيوانية بحيث اقامه بالوصيد
وعلى سرادق الكبرياء ووصيد مجد الجلال
وادخلهم فى فجوة الوصال سبحان المتفضل بالكمال
قال ابو بكر الوراق
مجالسة الصالحين ومجاورتهم يوثر على الخلق وان لم يكونوا اجناسا
الا ترى الله كيف ذكر اصحاب الكهف فذكر كلبهم معهم لمجاورته اياهم
ويقال
لما لزم الكلب محله ولم يجاوز حده فوضع يده على الوصيد بقى مع الاولياء
كذا ادب الخدمة يوجب بقاء الوصلة
ثم زاد سبحانه فى وصفهم مما كساهم من انوار جلاله وعظمته التى ترتعد من رؤيتها قلوب الصديقين
وتقشعر من صولتها جلود المقربين وتفزع من حقائقها ارواح المرسلين
بقوله { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }
ان الله سبحانه نبهنا ههنا عن جلال قدر نبيه صلى الله عليه وسلم
بانه تعالى ربى روحه وعقله وقلبه وسره ونفسه فى بدو الاول
بنور حسن مشاهدته وانوار جمال وجهه خاصة بلا مطالعة العظمة والكبرياء
لانه كان مصطفى لمحبته مجتبى
لحسن وصاله ودنو دنوه ولطائف قرب قربه والبسه حلل حسن صفاته وطيبه
بطيب انسه ونشقه ورد قدسه وسقاه من بحر وداده
من مروق زلفته بكاس روحه فكان عيشه مع الحق من حيث الانس والانبساط والبسط والجمال
وكان خطابه خطاب تكرمة ومكرمة
عاش فى مشاهدة جماله ونيل وصاله كأن عندليب رياض الانس وبلبل بساتين القدس
راى الحق بعين الجمال فى مرآة الجلال وراه بعين الجلال
فى مرآة الجمال محفوظا عن طوارق قهريات القدم وسطوات عظمة الازل
حاله اصفى من كدورة عيش الخائفين وغبار ايام المجاهدين
ما وقع على سره قهر الغيرة وما جرى على روحه سيول الفرقة
كان مرادا معشوقا حبيبا محبوبا موصولا بالوصال معروفا بالجمال
كان من لطافته الطف من نور العرش والكرسى
وطيبه كان اطيب من طيب الفردوس
شمال جماله يهب على رياض وصال الازل
وحياة جنانه منزه عن قهر ايدى الاجل
لو راى بالمثل
نملة ملتبسة بنور هيبة فعل الحق لفزع منها
من حسنه ولطافته
لذلك قال تعالى { لَوِ ٱطَّلَعْتَ }
يا حبيبى
من حيث انت على ما البستهم لباس قهر ربوبيتى وسطوات عظمتى
{ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ }
من رؤية ما عليهم من هيبتى وعظمتى
{ وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }
لانهم مرآة عظمتى اتجلى منهم بنعت عظمتى للعالمين
لئلا يقربوا منهم ويطلعوا عليهم لانهم فى عين غيرتى ولا اريد ان يطلع عليهم احد غيرى
وانت يا حبيبى
موضع سرى وموضع سر سرى ومكان لطفى
لو رايتهم بذلك اللباس السلطانى الجبارى لتفر منهم وتملأ من رؤيتهم رعبا
كما فر موسى كليمى من رؤية عصاه حين قلبتها حية
تسعى وذلك من الباسى اياها كسوة عظمتى وجلال هيبتى
ففر موسى من عظمتنا ولم يعلم من اى شئ فرّ ولا نقص عليك
فانك وان كنت مربَّى برؤية الحسن والجمال منا
فجميع صفات العظمة ونعوت الكبرياء انكشفت لك فى لباس الحسن والجمال
وانت جامع الجمع
قال جعفر لو اطلعت عليهم من حيث انت لوليت منهم فرارا
ولو اطلعت عليهم من حيث الحق لشاهدت فيهم معانى الوحدانية والربانية
قال ابن عطا
لانه وردت عليهم انوار الحق من فنون الخلع واظلتهم سرادق التعظيم
واحرقت جلابيب الهيبة
لذلك قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم
{ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً }
وقال الحسين { لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً }
أنَفَةً مما هم فيه من اظهار الأحوال عليهم وقهر الاحوال لهم
مع ما شاهدته من اعظم المحل فى القربات فى المشاهدة
فلم يوثر عليك بجلالة محلك وقال جعفر لو اطلعت على ما بهم من آيات قدرتنا ورعايتنا لهم
وتولية حفاظتهم لوليت منهم فرارا اى ما قدرت على مشاهدة ما بهم من هيبتنا
فيكون حقيقة الفرار منا لا منهم لان ما بدا عليهم منا ثم اخبر سبحانه عن ارتفاع اثقال العظمة عنهم
وافاقتهم عن سكر المشاهدة وحضورهم بعد الغيبة
بقوله { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ }
فيه اشارة انهم فى بديهة وقائع الغيب وهم اهل البدايات فى المعرفة
وهجوم غلبات الوجد لذلك هاموا فى الغيب وطاشوا فى القرب
ولو كانوا فى محل التمكين والصحو ما غابوا عن الاحساس ورسوم المعاملات
ويكون حالهم كحال نبينا صلى الله عليه وسلم حين دنا وثبت فى التدلى
واستقام فى منازل الاعلى واستقر بين انوار القدم والبقاء
بنعت الصحو والصفا
وقال لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك
ولو ان ما ورد عليه من احكام الربوبية فى المشاهدة ورد عنه
على جميع الاولين والآخرين لطاشت عقولهم وطارت ارواحهم
وفنيت قلوبهم واستهلكت نفوسهم
ولكن ما اطيب زمان السكر للمريدين والمحبين والشائقين والعاشقين اخذهم سكر الوصال عن القيل والقال
وعن الاشتغال والمحال
وغيبهم فى انوار الجمال والجلال
حتى لم يحسوا شيئا من الحدثان
من ذوق وصال الرحمن ما اطيب تلك الاوقات المسرمدة
والاحوال المقدسة بحيث ما لهم مخبر عن مرور الزمان وحوادث الملوان