منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أبو الحسن الشاذلى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 4:39 am

555
لتَّعريفُ بشَيخِ الطَّريقةِ الشَّاذِليَّةِ

هو تَقيُّ الدِّينِ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبدِ الجَبَّارِ المَغرِبيُّ، المَولودُ في بلدةِ غمارةَ في المَغرِبِ سَنةَ 571هـ .
وقدِ اختُلف في نَسَبِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ، فمُريدوه يَنسُبونَه إلى الأشرافِ ويَصِلونَ نَسَبَه إلى الحَسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولو أنَّهم يَختَلِفونَ فيما بَينَهم في أسماءِ آبائِه، فالبَعضُ يَنسُبونَه إلى إدريسَ بنِ عبدِ اللهِ المُبايَعِ له ببلادِ المَغرِبِ وبعضُهم إلى غيرِه .
قال الذَّهَبيُّ في تَرجَمةِ الشَّاذِليِّ: (عليُّ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبدِ الجَبَّارِ بنِ تَميمِ بنِ هُرمُزَ بنِ حاتِمِ بنِ قُصَيِّ بنِ يوسُفَ، أبو الحَسَنِ الشَّاذِليُّ، المَغرِبيُّ، الزَّاهِدُ، نَزيلُ الإسكَندَريَّةِ، وشَيخُ الطَّائِفةِ الشَّاذِليَّةِ. وقدِ انتَسَبَ في بَعضِ مُؤَلَّفاتِه في التَّصَوُّفِ إلى عليِّ بنِ أبي طالبٍ، فقال بَعدَ يوسُفَ المَذكورِ: ابنُ يوشَعَ بنِ ورَدَ بنِ بَطَّالِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أحمَدَ بنِ عيسى بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. وهذا نَسَبٌ مَجهولٌ لا يَصحُّ ولا يَثبُتُ، وكان الأَولى به تَركُه وتَركُ كَثيرٍ ممَّا قاله في تَواليفِه في الحَقيقةِ) .
وذَكَرَ ابنُ عَطاءِ اللهِ السَّكَندَريُّ -وهو تِلميذُ أبي العَبَّاسِ المُرسي، والمُرسي هو تِلميذُ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ وخَليفتُه- أنَّ مَبدَأ ظُهورِه بشاذِلةَ، وهي قَريةٌ بالقُربِ من مَدينةِ تُونسَ، ولكِنَّ مَنشَأَه بالمَغرِبِ الأقصى فلم يُعرَفْ بالمَنشَأِ والمَولِدِ، بل نُسِبَ إلى مَبدَأِ ظُهورِه .
وكان قد خَرَجَ من غمارةَ في حُدودِ سَنةِ 620ه، ودَخل تونسَ في طَريقِه إلى الحَجِّ، فلمَّا حَجَّ بَيتَ اللهِ الحَرامَ دَخَل بَغدادَ وبَدَأ يُفتِّشُ عنِ القُطبِ الصُّوفيِّ في عَصرِه -بحَسبِ زَعمِه- فقال له أبو الفتحِ الواسِطيُّ: (يا أبا الحَسَنِ، إنَّك تَبحَثُ عنِ القُطبِ بالعِراقِ، مَعَ أنَّ القُطبَ ببلادِك، ارجِعْ إلى بلادِك تَجِدْه) ، فرَجَعَ إلى بلادِه باحِثًا ومُفتِّشًا عنِ القُطبِ، يَسألُ عنِ المُقبِلِ والمُدَبِرِ والرَّاحِلِ والمُقيمِ إلى أنِ اجتَمَعَ به، وهو أبو مُحَمَّدٍ عبدُ السَّلامِ بنُ مشَيشٍ، الذي عُرِف بكراماتِه، وله نَصُّ صَلاةٍ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عُرِفت باسمِه (الصَّلاةُ المشَيشيَّةُ) ، قال الشَّاذِليُّ: (أتَيتُ إليه وهو ساكِنٌ مَغارةً برِباطِ رَأسِ جَبَلٍ، فاغتَسَلتُ في عَينٍ أسفلَ الجَبَلِ، وخَرَجتُ عن عِلمي وعَمَلي، وطَلعتُ إليه فقيرًا، وإذا به هابِطٌ إليَّ، فقال: مَرحَبًا يا عليُّ، وذَكَر نَسَبي إلى رَسولِ اللهِ، ثمَّ قال لي: يا عليُّ، طَلعتَ إلينا فقيرًا من عِلمِك وعَمَلِك، وأخَذتَ منَّا غِنى الدُّنيا والآخِرةِ، فأخَذَني منَ الدَّهَشِ فأقَمتُ عِندَه أيَّامًا إلى أن فتَحَ اللهُ عليَّ بَصيرَتي) !
وبَعدَها أمَرَه ابنُ مُشيشٍ بالرُّجوعِ إلى تونسَ، فرَحَل إلى شاذِلةَ في تونسَ، وإلى جَبلِ زَغوانَ الذي قيل: إنَّه يَقَعُ في مُحيطِ شاذِلةَ، حَيثُ اعتَكَف للعِبادةِ، وهناكَ ارتَقى مَنازِلَ عاليةً، كَما تَزعُمُ الصُّوفيَّةُ.
قال مُحَمَّدُ بنُ عُثمانَ الحشائِشيُّ عن دُخولِ الشَّيخِ أبي الحَسَنِ لإفريقيَّةَ وحُلولِه بشاذِلةَ: (المَشهورُ المُتَعارَفُ أنَّه عِندَ حُلولِه بإفريقيَّةَ نَزَل بقَريةِ شاذِلةَ بأمرٍ من شَيخِه ابن مُشَيشٍ؛ ولذلك انتَسَبَ إليها، أمَّا مَوقِعُها فبالمَكانِ المَعروفِ بمُصَلَّى العيدَينِ بالقُربِ من ضَريحِ الوليِّ الصَّالحِ سَيِّدي عليٍّ الحَطَّابِ أحَدِ تَلاميذِ الشَّيخِ وأصحابِه. والمَشهورُ أنَّه أوَّلُ مَن صاحَبَه وأخَذَ عنه، وله مَعَه كَراماتٌ مَشهورةٌ) .
قال الشَّاذِليُّ: (كُنتُ في سِياحتي في مَبدَأِ أمري حَصَل لي تَرَدُّدٌ: هل ألزَمُ البَراريَ والقِفارَ للتَّفرُّغِ للطَّاعةِ والأذكارِ أو أرجِعُ إلى المَدائِنِ والدِّيارِ لصُحبةِ العُلماءِ والأخيارِ؟ فوُصِف لي وليٌّ هنالكَ، وكان برَأسِ جَبلٍ فصَعِدَت إليه، فما وصَلتُ إليه إلَّا ليلًا، فقُلتُ في نَفسي: لا أدخُلُ عليه في هذا الوقتِ، فسَمِعتُه يَقولُ من داخِل المَغارةِ: اللَّهمَّ إنَّ قَومًا سَألوك أن تُسَخِّرَ لهم خَلقَك، فسَخَّرتَ لهم خَلْقَك، فرَضوا منك بذلك، اللَّهمَّ وإنِّي أسألُك اعوِجاجَ الخَلقِ عليَّ حتَّى لا يَكونَ مَلجَئي إلَّا إليك. قال: فالتَفتُّ إلى نَفسي وقُلتُ: يا نَفسُ انظُري من أيِّ بحرٍ يَغتَرِفُ هذا الشَّيخُ. فلمَّا أصبَحتُ دَخَلتُ إليه فأُرعِبتُ من هَيبَتِه. فقُلت له: يا سَيِّدي كَيف حالُك؟ فقال: أشَكو إلى اللهِ من بَردِ الرِّضا والتَّسليمِ كَما تَشكو أنتَ من حَرِّ التَّدبيرِ والاختيارِ. فقُلتُ: يا سَيِّدي، أمَّا شَكوايَ من حَرِّ التَّدبيرِ والاختيارِ فقد ذُقتُه وأنا الآنَ فيه، وأمَّا شَكواك مَن بَردِ الرِّضا والتَّسليمِ، فلماذا؟
فقال: أخاف أن تَشغَلني حَلاوتُها عنِ اللهِ! قُلتُ: يا سَيِّدي، سَمِعتُك البارِحةَ تَقولُ: اللَّهمَّ إنَّ قَومًا سَألوك أن تُسَخِّرَ لهم خَلقَك، فسَخَّرتَ لهم خَلقَك، فرَضوا منك بذلك، اللَّهمَّ وإنِّي أسألُك اعوِجاجَ الخَلقِ عليَّ حتَّى لا يَكونَ مَلجَئي إلَّا إليك، فتَبَسَّمَ ثمَّ قال: يا بُنَيَّ، ما تَقولُ: سَخِّرْ لي خَلقَك، قُلْ: يا رَبِّ كُنْ لي، أتُرى إذا كان لك أيَفوتُك شَيءٌ؟ فما هذه الجِنايةُ؟) .
وعلى هذا الجَبَلِ يَزعُمُ أتباعُه أنَّه ارتَقى مَنازِلَ، وتَخَطَّى مَراتِبَ حَيثُ نَبَعَت له عَينٌ تَجري بماءٍ عَذبٍ. ثمَّ بَدَأتِ المَلائِكةُ تَحُفُّ بأبي الحَسَنِ، بَعضُها يَسألُه فيُجيبُه، وبَعضُها يَسيرُ مَعَه، ثمَّ تَأتيه أرواحُ الأولياءِ زَرافاتٍ ووُحدانًا تَحُفُّ بأبي الحَسَن وتَتَبَرَّكُ به ! وبَعدَ تَجاوُزِ هذه المَراتِبِ كُلِّها التي أهَّلَته لأن يُخاطِبَ الرَّبَّ بدونِ واسِطةٍ ولا مَلَكٍ، كَلَّمَه الرَّبُّ تَبارَكَ وتعالى كَما يَزعُمونَ، فقال له: يا عليُّ، اهبِطْ إلى النَّاسِ يَنتَفِعوا بك. فقال: يا رَبِّ أقِلْني منَ النَّاسِ فلا طاقةَ لي بمُخاطَبَتِهم. فقيل له: انزِلْ فقد أصحَبناك السَّلامةَ، ودَفَعْنا عنك الملامةَ. فقال: تَكِلُني إلى النَّاسِ آكُلُ مِن دُرَيهِماتِهم؟ فقيل له: أنفِقْ عَلِيُّ، وأنا المَليُّ، إن شِئتَ منَ الجَيبِ وإن شِئتَ منَ الغَيبِ! ونَزَل الشَّاذِليُّ رَضِيَ اللهُ عنه من على الجَبَلِ ليُغادِرَ شاذِلةَ، ويَستَقبِلَ مَرحَلةً جَديدةً، فقدِ انتَهَتِ المَرحَلةُ الأولى التي رَسَمَها له شَيخُه. وفيما يَتَعلَّقُ بنَسَبِه إلى شاذِلةَ، قال: قُلتُ: يا رَبِّ، لمَ سَمَّيتَني بالشَّاذِليِّ، ولستُ بشاذِليٍّ؟ فقيل لي: يا عليُّ، ما سَمَّيتُك بالشَّاذِليِّ وإنَّما أنتَ الشَّاذُّ لي، بتَشديدِ الذَّالِ المُعجَمةِ، يَعني: المُفرَدَ لخِدمَتي ومَحَبَّتي .
ورُويَ أنَّه قيل لأبي الحَسَنِ: مَن هو شَيخُك؟ فقال: (كُنتُ أنتَسِبُ إلى الشَّيخِ عبدِ السَّلامِ بنِ مُشَيشٍ، وأنا الآنَ لا أنتَسِبُ لأحَدٍ، بل أعومُ في عَشَرةِ أبحُرٍ: خَمسةٌ منَ الآدَميِّينَ: النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وخَمسةٍ منَ الرُّوحانيِّينَ: جِبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ وعِزرائيلَ، والرُّوحِ الأكبَرِ) .
ثمَّ رَحَل إلى الإسكَندَريَّةِ، ثمَّ حَجَّ بَيتَ اللهِ تعالى ورَجَعَ إلى تونسَ، ويُقالُ: إنَّه رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنامِ فقال له: (يا عليُّ، انتَقِلْ إلى الدِّيارِ المِصريَّةِ تُرَبِّي فيها أربَعينَ صِدِّيقًا)، فرَجَعَ إلى الإسكِندريَّةِ وأقامَ فيها، حَيثُ تَزَوَّجَ وأنجَبَ أولادَه، منهم: شِهابُ الدِّينِ أحمَدُ، وأبو الحَسَنِ عليٌّ، وأبو عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ شَرَفُ الدِّينِ، وابنَتُه زَينَبُ، وعَريفةُ الخَيرِ . وفي الإسكَندَريَّةِ أصبَحَ له أتباعٌ ومُريدونَ، وانتَشَرَت طَريقَتُه في مِصرَ بَعدَ ذلك، وانتَشَرَ صيتُه على أنَّه أحَدُ أقطابِ الصُّوفيَّةِ.
وكان ضَريرًا كَما سَمَّاه ابنُ المُلقِّنِ والشَّعرانيُّ بالضَّريرِ الزَّاهدِ ، ولكِن لم يَتَضَرَّرْ عَيناه إلَّا بَعدَ مُدَّةٍ من تَحصيلِ العِلمِ، كَما يَبدو من تَرجَمَتِه في مُختَلِفِ الكُتُبِ .
وقيل: إنَّه اشتَغَل بالعُلومِ الشَّرعيَّةِ مُنذُ صِغَرِه حتَّى أتقَنَها وصارَ يُناظِرُ عليها. ثمَّ انتَهَجَ التَّصَوُّفَ وجَدَّ واجتَهَدَ حتَّى ظَهَرَ صَلاحُه وخَبَرُه .
وقال الذَّهَبيُّ في تَرجَمةِ الشَّاذِليِّ: (هو رَجُلٌ كَبيرُ القَدرِ، كَثيرُ الكَلامِ عالي المَقامِ. له شِعرٌ ونَثرٌ فيه مُتَشابِهاتٌ وعِباراتٌ، يُتَكَلَّفُ له في الاعتِذارِ عنها.
ورَأيتُ شَيخَنا عِمادَ الدِّينِ قد فتَرَ عنه في الآخِرِ، وبَقيَ واقِفًا في هذه العِباراتِ، حائِرًا في الرَّجُلِ؛ لأنَّه كان قد تَصَوَّف على طَريقَتِه، وصَحِبَ الشَّيخَ نَجمَ الدِّينِ الأصبهانيَّ نَزيلَ الحَرَمِ، ونَجمُ الدِّينِ صَحِبَ الشَّيخَ أبا العَبَّاسِ المُرسي صاحِبَ الشَّاذِليِّ. وكان الشَّاذِليُّ ضَريرًا، وللخَلقِ فيه اعتِقادٌ كَبيرٌ.
وشاذِلةُ: قَريةٌ إفريقيَّةٌ قدِمَ منها، فسَكَنَ الإسكَندَريَّةَ مُدَّةً، وسارَ إلى الحَجِّ، فحَجَّ مَرَّاتٍ، وكانت وفاتُه بصَحراءِ عَيذابَ وهو قاصِدٌ الحَجَّ، فدُفِنَ هناكَ في أوائِلِ ذي القَعدةِ) .
وقال ابنُ تيميَّةَ في سياقِ حَديثِه عنِ الأورادِ والأذكارِ والأدعيةِ التي يَضَعُها بَعضُ الشُّيوخِ الصَّالحينَ وفيها عَدَدٌ منَ المُنكَراتِ: (أبو الحَسَنِ الشَّاذِليُّ رَحمةُ اللهِ عليه كان من خَيرِ هؤلاء الشُّيوخِ وأفضَلِهم مَعرفةً وحالًا، وأحسَنِهمُ اعتِقادًا وعَمَلًا، وأتبَعِهم للشَّريعةِ وأكثَرِهم تَعظيمًا للكِتابِ والسُّنَّةِ، وأشَدِّهم تَحريضًا على مُتابَعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وله كَلِماتٌ حَسَنةٌ في مِثلِ ذلك... فالرَّجُلُ الصَّالحُ الحَسَنُ التَّعَبُّدِ المُجتَهِدُ في اتِّباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ إذا كان منه كَلامٌ أو دُعاءٌ أو ذِكرٌ فيه خَطأٌ لم يُعاقَبْ على ذلك، ولا سَقَطَ به ما يَستَحِقُّه منَ الموالاةِ والمَحَبَّةِ والحُرمةِ؛ فإنَّ اللهَ قد غَفرَ لهذه الأمَّةِ الخَطَأَ والنِّسيانَ... ولا يَجوزُ أن يُتبَّعَ أحَدٌ في خَطَأٍ يَتَبَيَّنُ أنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ بخِلافِه، وما زال لأئِمَّةِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ -الذينَ لهم في الأمَّةِ لسانُ صِدقٍ، وهم عِندَ الأمَّةِ من أكابرِ أولياءِ اللهِ المُتَّقينَ- أقوالٌ خَفيَت عليهم فيها السُّنَّةُ، فلا يُتَّبَعونَ فيها ولا يُساءُ القَولُ فيهم لأجلِها، بل لا بُدَّ من اتِّباعِ الحَقِّ وتَعظيمِ أهلِ الإيمانِ والتَّقوى... وهذه الأحزابُ المَنقولةُ عن طائِفةٍ منَ المَشايِخِ فيها أمورٌ مُخالِفةٌ للسُّنَّةِ، فبَيانُها مَعَ التَّرَحُّمِ على المَشايِخِ والصَّالحينَ والاستِغفارِ لهم من تَمامِ الدِّينِ... والمَقصودُ هنا أنَّ الشَّاذِليَّ رَحمه اللهُ من خيارِ الشُّيوخِ الذينَ في أحزابِهم ما يُنكَرُ في نَفسِه، وقد ذَكَرْنا أنَّ الشَّاذِليَّ رَحمةُ اللهِ عليه من خيارِ هؤلاء الشُّيوخِ، ومَعَ ذلك فقد وقَعَ في حِزبِه وغَيرِ حِزبِه كَلِماتٌ مُنكَرةٌ توجِبُ مَنعَ النَّاسِ أنَّ يقرؤوا هذا الحِزبَ فضلًا عن أن يَجتَمِعوا إليه أو يَتَّخِذوا ذلك سُنَّةً راتِبةً لها أوقاتٌ مُعتادةٌ... وإذا كان هذا في مِثلِ حِزبِ الشَّاذِليِّ رَحِمَه اللهُ الذي هو أرجَحُ مَن غَيرِه، فكَيف بما هو دونَه؟!) .
وتَرجَمَ له السُّيوطيُّ بقَولِه: (الشَّيخُ أبو الحَسَنِ الشَّاذِليُّ شَيخُ الطَّائِفةِ الشَّاذِليَّةِ. هو الشَّريفُ تَقيُّ الدِّينِ عليُّ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبدِ الجَبَّارِ. قال الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ بنِ دَقيقِ العيدِ: ما رَأيتُ أعرفَ باللهِ منَ الشَّاذِليِّ. وقال الشَّيخُ تاجُ الدِّينِ بنُ عَطاءِ اللهِ: مَنشَؤُه بالغَربِ الأقصى، ومَبدَأُ ظُهورِه بشاذِلةَ، وله السِّياحاتُ الكَثيرةُ، والمُنازَلاتُ الجَليلةُ، والعُلومُ الكَثيرةُ، لم يَدخُلْ في طَريقِ اللهِ حتَّى كان يُعِدُّ للمُناظَرةِ في العُلومِ الظَّاهرةِ، وعُلومٍ جَمَّةٍ، جاءَ في هذا الطَّريقِ بالعَجَبِ العُجابِ، وشَرَحَ من عِلمِ الحَقيقةِ الأطنابَ، ووسَّعَ للسَّالكينَ الرِّكابَ. وكان الشَّيخُ عِزُّ الدِّينِ بنُ عَبدِ السَّلامِ يَحضُرُ مَجلِسَه، ويَسمَعُ كَلامَه. قال الشَّيخُ تاجُ الدِّينِ: أخبَرَني والدي قال: دَخَلتُ على الشَّيخِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ، فسَمِعتُه يَقولُ: واللهِ لقد يَسألونَني عنِ المَسألةِ لا يَكونُ لها عِندي جَوابٌ، فأرى الجَوابَ مُسَطَّرًا في الدَّواةِ والحَصيرِ والحائِطِ) !
وكان من هَديِه وسيرَتِه ونَصيحَتِه لأتباعِه الاعتِدالُ في شُؤونِ الدُّنيا وعَدَمُ رَفضِ مَتاعِها بالكامِلِ. قال أبو العَبَّاسِ المُرسي: (دَخَلتُ على الشَّيخِ وفي نَفسي أن آكُلَ الخَشِنَ وألبَسَ الخَشِنَ، فقال لي: يا أبا العَبَّاسِ، اعرِفِ اللهَ وكُنْ كَيف شِئتَ) .
ودَخَل على الشَّيخِ أبي الحَسَنِ فقيرٌ عليه مَلابِسُ شَعرٍ، فلمَّا فرَغَ الشَّيخُ من كَلامِه دَنا منَ الشَّيخِ، وأمسَكَ مَلابسَه وقال: يا سَيِّدي، ما عُبدَ اللهُ بهذا اللِّباسِ الذي عليك! فأمسَكَ الشَّيخُ مَلابسَه فوجَدَ خُشونَتَه، وقال: ولا عُبِدَ اللهُ بهذا اللِّباسِ الذي عليك! لباسي يَقولُ: أنا غَنيٌّ عنكُم فلا تُعطوني، ولباسُك يَقولُ: أنا فقيرٌ إليكُم فأعطوني .
قال ابنُ عَطاءِ اللهِ السَّكَندَريُّ مُعَقِّبًا على ذلك: (وهَكَذا طَريقُ الشَّيخِ أبي العَبَّاسِ وشَيخِه أبي الحَسَنِ وطَريقةُ أصحابِهما: الإعراضُ عن لُبسِ زيٍّ يُنادي على سِرِّ اللَّابِسِ بالإفشاءِ، ويُفصِحُ عن طَريقِه بالإبداءِ، ومَن لبسَ الزِّيَّ فقدِ ادَّعى... وأمَّا لُبسُ اللِّباسِ اللَّيِّنِ وأكلُ الطَّعامِ الشَّهيِّ وشُربُ الماءِ البارِدِ، فليس القَصدُ إليه بالذي يوجِبُ العَتبَ منَ اللهِ إذا كان مَعَه الشُّكرُ للَّهِ. وقد قال الشَّيخُ أبو الحَسَنِ: يا بُنَيَّ، بَرِّدِ الماءَ فإنَّك إن شَرِبتَ الماءَ السَّاخِنَ فقُلتَ: الحَمدُ للَّهِ، تَقولُها بكَزازةٍ، وإذا شَرِبتَ الماءَ البارِدَ، فقُلتَ: الحَمدُ للَّهِ، استَجابَ كُلُّ عُضوٍ فيك بـ «الحَمدُ للَّهِ». والأصلُ في هذا قَولُه سُبحانَه وتعالى حِكايةً عن موسى عليه السَّلامُ: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ألا تَرى كَيف تَولَّى إلى الظِّلِّ قَصدَ الشُّكرِ للَّهِ على ما يَنالُه منَ النِّعمةِ؟!) .
وقال مُصطَفى بنِ مُحيي الدِّينِ البَيروتيُّ: (كان لا يَأمُرُ أحَدًا بتَركِ حِرفتِه أو تِجارَتِه، بل يُعَرِّفُه الطَّريقَ وهو باقٍ على حالتِه؛ ولذا قيل في وصفِه: إنَّه مُسَهِّلُ الطَّريقةِ على الخَليقةِ.. وكان لا يُحِبُّ المُريدَ الذي لا سَبَبَ له، وعلى هذا جَرَت أتباعُه إلى يَومِنا هذا... ومن طَريقِه الإعراضُ عن لُبسِ الزِّيِّ والمُرَقَّعاتِ... وكان يَقولُ: ليس هذا الطَّريقُ بالرَّهبانيَّةِ، ولا بأكلِ النُّخالةِ والشَّعيرِ، وإنَّما هو بالصَّبرِ على الأوامِرِ واليَقينِ في الهدايةِ؛ قال تعالى: وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةً ‌يَهۡدُونَ ‌بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24] ) .
قال السُّيوطيُّ: (ماتَ في ذي القَعدةِ سَنةَ سِتٍّ وخَمسينَ وسِتّمِائةٍ بصَحراءِ عَيذابَ مُتَوجِّهًا إلى مَكَّةَ) .
قيل: إنَّه لمَّا كان في وادي حميثرةَ من صَحراءِ عَيذابَ وجَّهَ الحَديثَ لأصحابِه في إحدى الأمسيَّاتِ قائِلًا لهم: (إذا أنا مُتُّ فعليكُم بأبي العَبَّاسِ المُرسي، فإنَّه الخَليفةُ من بَعدي، وسيَكونُ له بَينَكُم مَقامٌ عَظيمٌ، وهو بابٌ من أبوابِ اللهِ سُبحانَه وتعالى) .
وعلَّقَ على ذلك شَيخُ الأزهَرِ عبدُ الحليمِ مَحمود، فقال: (قد كان للشَّيخِ أولادٌ ذُكورٌ، فلم يُفكِّرْ في أن يَستَخلِفَ أحَدَهم، وإنَّما استَخلف مَن رَآه أحَقَّ بالخِلافةِ، ونَرجو أن يَعتَبرَ به رِجالُ الطُّرُقِ في العَصرِ الرَّاهنِ فلا يَجعلوا الطَّريقةَ مَورِدَ رِزقٍ تورَّثُ كَما يُورَّثُ العَقارُ) .
ولا يَزالُ ضَريحُه مَوجودًا إلى الآنَ، وتُقامُ عِندَه عَدَدٌ منَ البدَعِ، وقد جُدِّدَ بناؤُه مَعَ غُرَفٍ للزُّوَّارِ في هذا العَصرِ على يَدِ بَعضِ المِصريِّينَ. وفي كُلِّ عامٍ يَحُجُّ الآلافُ منَ الصُّوفيَّةِ الشَّاذِليَّةِ من داخِلِ مِصرَ وخارِجِها إلى قَبرِه في احتِفالِ مَولِدِه في العَشرةِ الأوائِلِ من شَهرِ ذي الحِجَّةِ، حتَّى عيدِ الأضحى المُبارَكِ، وذلك في مَقامِ ضَريحِه المَوجودِ في وادي حميثرةَ من صَحراءِ عَيذابَ جَنوبَ البَحرِ الأحمَرِ، والذي يَبعُدُ عن أسوانَ حَوالي 390 كلم .
ومن أبرَزِ الشَّعائِرِ التي يَقومُ بها المُريدونَ عِندَ الزِّيارةِ: الدُّعاءُ داخِلَ مَقامِ الشَّاذِليِّ، وفي وقفةِ عيدِ الأضحى يَومَ عَرَفةَ، يَمكُثُ البَعضُ على جَبلِ حميثرةَ حتَّى الزَّوالِ، تَقليدًا لشَعائِرِ يَومِ عَرَفةَ، مَعَ الذَّبحِ هناكَ !
قال ابنُ تيميَّةَ عن غُلوِّ بَعضِ أتباعِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ فيه: (صَرَّحَ بَعضُهم بأنَّه يَعلمُ كُلَّ ما يَعلمُه اللهُ، ويَقدِرُ على كُلِّ ما يَقدِرُ اللَّهُ عليه، وادَّعَوا أنَّ هذا كان للنَّبيِّ، ثمَّ انتَقَل إلى الحَسَنِ بنِ عليٍّ، ثمَّ منَ الحَسَنِ إلى ذُرِّيَّتِه واحِدًا بَعدَ واحِدٍ حتَّى انتَهى ذلك إلى أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ، ثمَّ إلى ابنِه، خاطَبَني بذلك مَن هو من أكابرِ أصحابِهم! وحَدَّثَني الثِّقةُ من أعيانِهم أنَّهم يَقولونَ: إنَّ مُحَمَّدًا هو اللهُ! وحَدَّثَني بَعضُ الشُّيوخِ الذينَ لهم سُلوكٌ وخِبرةٌ أنَّه كان هو وابنُ هودٍ في مَكَّةَ فدَخَلا الكَعبةَ فقال له ابنُ هودٍ، وأشارَ إلى وسَطِ الكَعبةِ: هذا مَهبِطُ النُّورِ الأوَّلِ. وقال له: لو قال لك صاحِبُ هذا البَيتِ: أريدُ أن أجعَلَك إلهًا، ماذا كُنتَ تَقولُ له؟ قال: فقَفَّ شَعري من هذا الكَلامِ وانخَنَستُ، أو كَما قال) !
واختُلف هَل لأبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ مُؤَلَّفاتٌ أم لا؟ ففريقٌ يَرى أنَّ أبا الحَسَنِ لم يُؤَلِّفْ شَيئًا، بدَليلِ أنَّه سُئِل: هَل لدَيك كُتُبٌ؟ فقال: كُتُبي أصحابي! ومنَ العُلماءِ مَن ذَكَرَ أنَّه ألَّف، ونَقَل من كُتُبِه، ورَدَّ عليها، كابنِ تيميَّةَ والذَّهَبيِّ والصَّفَديِّ، ومنهم مَن سَمَّى طائِفةً منها، مِثلُ: الاختِصاصُ منَ الفوائِدِ القُرآنيَّةِ والخَواصِّ، التَّسَلِّي والتَّصَبُّرُ على قَضاءِ الإلهِ من أحكامِ أهلِ التَّجَبُّرِ والتَّكَبُّرِ. وعَدَدٌ منَ الأحزابِ: حِزبُ البَحرِ، حِزبُ البَرِّ، وغَيرُها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 4:40 am

[url=https://dorar.net/frq/2600/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%A8%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B0%D9%84%D9%8A%D8%A9]رابط المقال[/url]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 4:44 am


بحث في الموسوعة ..


المَبحَثُ الثَّاني: أبرَزُ مَشايِخِ الطَّريقةِ الشَّاذِليَّةِ

1- أبو العَبَّاسِ المُرسي
هو: شِهابُ الدِّينِ أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُ عُمَرَ المُرسي، من أهلِ مُرسِيَةَ بالأندَلُسِ، قيل: وُلِد سَنةَ 616ه.
يُعَدُّ خَليفةَ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ وصارَ قُطبًا بَعدَ مَوتِه، بحَسبِ ما يَقولُه الصُّوفيَّة، وله مَقامٌ كَبيرٌ ومَسجِدٌ باسمِه في مَدينةِ الإسكَندَريَّةِ.
ويُروى عن زَكيِّ الدِّينِ الأسوانيِّ أنَّه قال: (قال لي الشَّيخُ أبو الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنه: يا زَكيُّ، عليك بأبي العَبَّاسِ؛ فواللَّهِ إنَّه ليَأتيه البَدَويُّ يَبولُ على ساقَيه فلا يُمسي عليه المَساءُ إلَّا قد أوصَله إلى اللهِ، يا زَكيُّ، عليك بأبي العَبَّاسِ، فواللَّهِ ما من وليٍّ للَّه كان أو هو كائِنٌ إلَّا وقد أطلعَه اللهُ عليه، يا زَكيُّ، أبو العَبَّاسِ هو الرَّجُلُ الكامِلُ) .
وقال أبو العَبَّاسِ: (واللَّهِ لو حُجِبَ عنِّي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرفةَ عَينٍ ما عَدَدتُ نَفسي منَ المُسلمينَ) !
وقدَّمَ إليه بَعضُهم طَعامًا فيه شُبهةٌ ليَمتَحِنَه فامتَنَعَ الشَّيخُ من أكلِه، وقال: (إنَّه كان للشَّيخِ المُحاسَبيِّ عِرقٌ في أصبُعِه يَضرِبُ إذا مَدَّ يَدَه إلى شُبهةٍ، فأنا في يَدي سِتُّونَ عِرقًا تَضرِبُ)، فاستَغرَبَ الرَّجُلُ وتابَ على يَدَيه !
ورُويَ أنَّ المُرسي كان يَدَّعي صُحبةَ الخَضِرِ واللِّقاءَ مَعَه !
وكان له تَأويلٌ لبَعضِ الآياتِ، ومِثالُ ذلك ما ذَكَرَه تِلميذُه ابنُ عَطاءِ اللهِ السَّكَندَريُّ، فقال: (سَمِعتُ شَيخَنا رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ في قَولِه عَزَّ وجَلَّ: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة: 106] أي: ما نَذهَبْ من وليٍّ للَّهِ إلَّا ونَأتِ بخَيرٍ منه أو مِثلِه) .
وكان كَأستاذِه أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ يَعتَني بكِتابِ (الإحياءِ) لأبي حامِدٍ الغَزاليِّ، وكِتابِ (قوتُ القُلوبِ) لأبي طالبٍ المَكِّيِّ، وكِتابِ (خَتمُ الأولياءِ) للحَكيمِ التِّرمِذيِّ، وكِتابِ (المَواقِفُ والمُخاطَباتُ) لمُحَمَّد عبد الجبَّارِ النَّفريِّ . وقد مات سنةَ 686هــ .
وقد ألَّف تِلميذُه ابنُ عَطاءِ اللهِ السَّكَندَريُّ كِتابَه (لطائِفُ المِنَنِ) في مَناقِبِ شَيخِه أبي العَبَّاسِ المُرسي وشَيخِ شَيخِه أبي الحَسَنِ، وقال في مُقدِّمَتِه: (ولا أعلمُ أنَّ أحَدًا من أصحابِ شَيخِنا «أبي العَبَّاسِ» قد تَصَدَّى إلى جَمعِ كَلامِه وذِكرِ ما فيه، وأسرارِ عُلومِه وغَرائِبِه، فجَذَبَني ذلك إلى وضعِ هذا الكِتابِ بَعدَ أنِ استَخَرتُ اللهَ تعالى، وطَلبتُ منه المَعونةَ، وهو خَيرُ مُعينٍ، وسَألتُه أن يهديَني إلى الطَّريقِ المُستَبينِ) .
2- ياقوتُ العَرشِ
هو أبو الدُّرِّ ياقوتُ بنُ عَبدِ اللَّهِ الحَبَشيُّ، وقد وُلدَ بالحَبَشةِ سَنةَ 627ه.
وهو عِندَ الشَّاذِليَّةِ من أجَلِّ مَن أخَذَ عن أبي العَبَّاسِ المُرسي وقد خَلَفه على مَشيَخةِ الشَّاذِليَّةِ .
قالوا عنه: (وهو الذي شَفَعَ في الشَّيخِ شَمسِ الدِّينِ بنِ اللَّبَّانِ لمَّا أنكَرَ على سَيِّدي أحمَدَ البَدَويِّ رَضِيَ اللهُ عنه وسُلِبَ عَمَلَه وحالَه بَعدَ أن تَوسَّل بجَميعِ الأولياءِ، ولم يَقبَلْ سَيِّدي أحمَدَ شَفاعَتَهم فيه، فسارَ منَ الإسكَندَريَّةِ إلى سَيِّدي أحمَدَ، وسَأله أن يُطَيِّبَ خاطِرَه عليه وأن يَرُدَّ عليه حالَه فأجابَه! ثمَّ إنَّ سَيِّدي ياقوتَ زَوَّجَ ابنَ اللَّبَّانِ ابنَتَه، ولمَّا ماتَ أوصى أن يُدفَنَ تَحتَ رِجليها إعظامًا لوالدِها الشَّيخِ ياقوت. وإنَّما سُمِّيَ العَرشَ؛ لأنَّ قَلبَه لم يَزَلْ تَحتَ العَرشِ، وما في الأرضِ إلَّا جَسَدُه. وقيل: لأنَّه كان يَسمَعُ لأذانِ حَمَلةِ العَرشِ! وكان رَضِيَ اللهُ عنه يَشفَعُ في الحَيَواناتِ، وجاءَته مَرَّةً حَمامةٌ فجَلسَت على كَتِفِه وهو جالسٌ في حَلقةِ الفُقَراءِ وأسَرَّت إليه شيئًا في أذُنِه، فقال: بسمِ اللهِ ونُرسِلُ مَعَك أحَدًا منَ الفُقَراءِ، فقالت: ما يَكفيني إلَّا أنتَ، فرَكِبَ بَغلتَه منَ الإسكَندَريَّةِ وسافرَ إلى مِصرَ العَتيقةِ حتَّى دَخَل إلى جامِعِ عَمرٍو، فقال: اجمَعوني على فُلانٍ المُؤَذِّنِ، فأرسَلوا وراءَه، فجاءَ، فقال له: هذه الحَمامةُ أخبَرَتني بالإسكَندَريَّةِ أنَّك تَذبَحُ فِراخَها كُلَّما تُفرِخُ في المَنارةِ، فقال: صَدَقَت، قد ذَبَحتُهم مِرارًا، فقال: لا تَعُدْ، فقال: تُبتُ إلى اللهِ تعالى، ورَجَعَ الشَّيخُ إلى الإسكَندَريَّةِ رَضِيَ اللهُ عنه، ومَناقِبُه رَضِيَ اللهُ عنه كَثيرةٌ مَشهورةٌ بَينَ الطَّائِفةِ الشَّاذِليَّةِ بمِصرَ وغَيرِها) .
وقد توفِّيَ بالإسكَندَريَّةِ سَنةَ 707هـ عن ثَمانينَ عامًا. وأقيمُ له فيها ضَريحٌ يُزارُ ويُتَبَرَّكُ به .
3-عبدُ الوَهَّابِ الشَّعْرانيُّ
هو أبو المَواهِبِ شَرَفُ الدِّينِ عَبدُ الوهَّابِ بنُ أحمَدَ بنِ شِهابِ الدِّينِ عليٌّ الشَّعْرانيُّ التِّلِمسانيُّ الشَّافِعيُّ الشَّاذِليُّ. وقد وُلدَ في قَريةِ قَلْقَشَندةَ في مِصرَ سَنةَ 898ه، يُنسَبُ إلى قَريةِ ساقيةِ أبي شَعْرةَ في المَنوفيَّةِ على نَهرِ النِّيلِ بمِصرَ؛ لذلك لُقِّبَ بالشَّعْرانيِّ. وقيل: يَنتَهي نَسَبُه إلى مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ .
ذُكِرَ في تَرجَمَتِه أنَّه (تَرَبَّى رَضِيَ اللهُ عنه يَتيمًا بكَفالةِ نَبيِّ اللهِ سَيِّدِنا الخَضِرِ عليه السَّلامُ، وبنَظَراتِ جَدِّه سَيِّدي شِهابِ الدِّينِ رَضِيَ اللهُ عنه، فنَشَأ وليًّا من أولياءِ اللهِ تعالى، ولمَّا تَرَعرَعَ وصارَ في رَيعانِ شَبابِه ظَهَرَت فيه علاماتُ النَّجابةِ ومَخايِلُ الوِلايةِ) .
وممَّا ذَكَرَ الشَّاذِليَّةُ عنه أنَّه (قَويَت روحانيَّتُه، فصارَ يَطيرُ من صَحنِ جامِعِ الغَمريِّ إلى سُطوحِه، ورَأى في مَجلسِه الجَنَّةَ والنَّارَ، والصِّراطَ والحَشرَ، والحَوضَ، وكُشِف عنه الحِجابُ، فرَأى الأمورَ العُجابَ، ورَأى ما خَلفَ جَبَلِ قافٍ وتَكَلَّمَ بسائِرِ اللُّغاتِ، واستَأنَسَت به الوُحوشُ، وخَدَمَته الإنسُ والجانُّ، والوُحوشُ من جَميع الآكامِ) !
وله عِدَّةُ مُؤَلَّفاتٍ، من أبرَزِها: الطَّبَقاتُ الكُبرى، وفيه طوامُّ، إلَّا أنَّ عَدَدًا منَ الصُّوفيَّةِ دافعوا عنِ الشَّعْرانيِّ وبَيَّنوا وُجودَ دَسٍّ في كِتابِه هذا، لا يَتَّفِقُ مَعَ ما يَعتَقِدونَه في الرَّجُلِ من تَبَحُّرٍ في عُلومِ الشَّرعِ ووُقوفٍ عِندَ نُصوصِه وأحكامِه مَعَ ورَعٍ وتَألُّهٍ خُصوصًا مَعَ شُهرةِ بَعضِ المَشايِخِ الذينَ أخَذَ عنهم كالسُّيوطيِّ أو كان من أقرانِه الذينَ أخَذوا عنه كالخَطيبِ الشِّربينيّ. وممَّا قاله بَعضُهم في هذا الشَّأنِ أنَّه (حَسَده طَوائِفُ، فدَسُّوا عليه كَلماتٍ يُخالفُ ظاهرُها الشَّرعَ، وعَقائِدَ زائِغةً، ومَسائِلَ تَخالِفُ الإجماعَ، وأقاموا عليه القيامةَ، وشَنَّعوا وسَبُّوا، ورَمَوه بكُلِّ عَظيمةٍ، فخَذَلهمُ اللهُ وأظهَرَه عليهم، وكان مواظِبًا على السُّنَّةِ، مُبالغًا في الورَعِ، مُؤثِرًا ذَوي الفاقةِ على نَفسِه حتَّى بملبوسِه، مُتَحَمِّلًا للأذى، موزِّعًا أوقاتَه على العِبادةِ ما بَينَ تَصنيفٍ وتَسليكٍ وإفادةٍ، واجتَمَعَ بزاويَتِه منَ العُميانِ وغَيرِهم نَحوُ مِائةٍ، فكان يَقومُ بهم نَفَقةً وكِسوةً.
وكان عَظيمَ الهَيبةِ، وافِرَ الجاهِ والحُرمةِ، تَأتي إلى بابِه الأمَراءُ، وكان يُسمَعُ لزاويَتِه دَويٌّ كَدَويِّ النَّحلِ ليلًا ونَهارًا، وكان يُحيي ليلةَ الجُمُعةِ بالصَّلاةِ على المُصطَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يَزَل مُقيمًا على ذلك مُعَظَّمًا في صُدورِ الصُّدورِ، إلى أن نَقله اللَّه تعالى إلى دارِ كَرامَتِه!
ومن كَلامِه: دوروا مَعَ الشَّرعِ كَيف كان لا مَعَ الكَشفِ؛ فإنَّه قد يُخطِئُ، وقال: يَنبَغي إكثارُ مُطالعةِ كُتُبِ الفِقهِ عَكسَ ما عليه المُتَصَوِّفةُ الذينَ لاحَت لهم بارِقةٌ منَ الطَّريقِ فمَنَعوا مُطالعَتَه وقالوا: إنَّه حِجابٌ؛ جَهلًا منهم) .
توُفِّيَ سَنةَ 973ه، وصُلِّيَ عليه بالجامِعِ الأزهَرِ .
قال الكوهن الفاسيُّ: (صارَ مَسجِدُه يُعَدُّ مَن أعظَمِ مَساجِدِ مِصرَ، وضَريحُه من أجلِّ الأضرِحةِ التي يُستَجابُ عِندَها الدُّعاءُ، ومَدَدُه فائِضٌ بَينَ العِبادِ تَقصِدُه ذَوو الحاجاتِ والمُتَعَسِّرينَ فيَقِفونَ بَينَ يَدَيه ويَتَوسَّلونَ إلى اللهِ بكَشفِ الكُروبِ، وما زارَه أحَدٌ إلَّا ورُدَّ مَجبورَ الخاطِرِ. وهو رَضِيَ اللهُ عنه نَصيرُ الضُّعَفاءِ حَيًّا ومَيِّتًا، تَزدَحِمُ النَّاسُ عليه، ويَنذِرونَ له النُّذورَ والشُّموعَ، وما من أحَدٍ حلَّ ساحَتَه إلَّا وأفاضَ عليه من مَدَدِه، رَحِمَه اللهُ، وتَقصِدُه أهالي مِصرَ قاطِبةً من كُلِّ مِلَّةٍ، ويُؤَمِّلونَ عِندَه خَيرًا كَثيرًا) !
4- فَتح الله البناني
هو أبو الفَضلِ فتح الله بنُ أبي عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّد بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ السَّلامِ بناني.
ولِدَ بمَدينةِ الرِّباطِ المَغرِبيَّةِ سَنةَ 1281ه، وأصلُه من مَدينةِ فاسَ بالمَغرِبِ.
وله تَآليفُ عَديدةٌ؛ منها: (خُلاصةُ الوفا في مُقدِّمةِ فَتحِ الشَّفا)، و(فتح الله في مَولدِ خَيرِ خَلقِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم ما دامَ مُلكُ اللهِ)، ومنها طَبَقاتُه الجامِعةُ المُسَمَّى بـ (المجدُ الشَّامِخُ فيمَنِ اجتَمَعَ بهم من أعيانِ المَشايِخِ)، و(بَعضُ فضائِلِ الشَّاذِليَّةِ الدِّباغيَّةِ البنانيَّةِ ذَوي الهمَمِ العاليةِ والأحوالِ النُّورانيَّةِ). وتوُفِّيَ سَنةَ 1353هـ .
5- عبدُ اللهِ الغماريُّ
هو أبو الفَضلِ عَبدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصِّدِّيقِ الغُماريُّ الحَسَنيُّ الإدريسيُّ.
وُلدَ بطَنجةَ سَنةَ 1328ه، ودَرس في فاسَ على شُيوخِها، ثمَّ دَخَل القُرَويِّين، ودَرَّسَ بالزَّاويةِ الصِّدِّيقيَّةِ، وأكثَر منَ المُطالعةِ في مُختَلِفِ الفُنونِ.
ونال العالميَّةَ منَ الأزهَرِ، وتَرَدَّدَ على شُيوخِ مِصرَ، مِثلُ: مُحَمَّد حَسَنَين مَخلوف، ومُحَمَّد بخيت المُطيعي.
وكَتَبَ مَقالاتٍ أكثَرُها في الحَديثِ الشَّريفِ، وكان يُحاضِرُ في الجَمعيَّاتِ الإسلاميَّةِ. وامتُحِنَ وسُجِن بمِصرَ إحدى عَشرةَ سَنةً.
ومن مُؤَلَّفاتِه: (إتحافُ الأذكياءِ بجَوازِ التَّوسُّلِ بسَيِّدِ الأنبياءِ)، و(الأربَعونَ الصِّدِّيقيَّةُ في مَسائِلَ اجتِماعيَّةٍ)، و(بَيني وبَينَ الشَّيخِ بكر أبو زيد)، و(مِصباحُ الزُّجاجةِ في صَلاةِ الحاجةِ)، و(الإعلامُ بأنَّ التَّصَوُّفَ من شَريعةِ الإسلامِ). وتوُفِّيَ سَنةَ 1413ه ودُفِنَ بالزَّاويةِ الصِّدِّيقيَّةِ بطَنجةَ في المَغرِبِ .
6- علي جمعة
هو أبو الحَسَنِ نورُ الدِّينِ عليُّ بنُ جُمعةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ الوهَّابِ.
وُلدَ بمَدينةِ بني سويف، بمِصرَ سَنةَ 1371ه، وقد حَصَل على دَرَجةِ الدُّكتوراه في أصولِ الفِقهِ من كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والقانونِ، وتَولَّى مَنصِبَ مُفتي الدِّيارِ المِصريَّةِ مُنذُ عامِ 2003م وحتَّى 2013م. وهو عُضوُ مَجمَعِ البُحوثِ الإسلاميَّةِ التَّابعِ للأزهَرِ الشَّريفِ مُنذُ عامِ 2004م، وله عَدَدٌ منَ المُؤَلَّفاتِ والتَّحقيقاتِ، والمُشارَكةُ في عَدَدٍ منَ المُؤتَمَراتِ، والتَّدريسِ في الجامِعاتِ.
وعلي جُمعة أحَدُ مَشايِخِ الطَّريقةِ الصِّدِّيقيَّةِ الشَّاذِليَّةِ، وجاءَ في التَّعريفِ الخاصِّ بها أنَّها طَريقةٌ صوفيَّةٌ سُنِّيَّةٌ مُعتَرَفٌ بها منَ المَجلسِ الأعلى للطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ بالقَرارِ رَقم 11/2018، ويَتَّصِلُ سَنَدُها العِلميُّ والرُّوحانيُّ إلى أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ من طَريقِ المُحَدِّثِ عَبدِ اللَّهِ بنِ الصِّدِّيقِ الغُماريِّ ويَصِلُ نَسَبُه بالحَسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وكان من أكابرِ تَلاميذِه الدُّكتورُ علي جُمعة وأذِنَ له بالتَّربيةِ والتَّسليكِ كَما أذِنَ له أيضًا مُحَمَّد زَكي إبراهيم شَيخُ الطَّريقةِ المُحَمَّديَّةِ الشَّاذِليَّةِ، وحَسَن عَبَّاس زَكي شَيخُ الطَّريقةِ القاضيةِ الشَّاذِليَّةِ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 4:45 am

المَبحَثُ الثَّالثُ: الانتِشارُ ومَواقِعُ النُّفوذِ

مَركَزُ الشَّاذِليَّةِ الأوَّلُ هو مِصرُ -وخاصَّةً مَدينةَ الإسكَندَريَّةِ- وطَنطا، ودُسوق بمُحافظةِ كَفرِ الشَّيخِ.
أمَّا فُروعُ الطَّريقةِ في مِصرَ فهي المُحَمَّديَّةُ والحامِديَّةُ والفاسيَّةُ والقاسِميَّةُ والمَدَنيَّةُ والسَّلاميَّةُ والحندوسيَّةُ والقاوقجيَّةُ والعفيفيَّةُ والوفائيَّةُ والعَزميَّةُ والإدريسيَّةُ وغَيرُها.
وتُعتَبَرُ هذه الطَّريقةُ ثانيَ طَريقةٍ انتَشَرَت في السُّودانِ، وكان مَركَزُها العامُّ في بَربَر، وبَيتُها الكَبيرُ بَيتُ مَجذوبٍ الجعليِّ، وأشهَرُ عُلمائِها مُحَمَّدٌ المَجذوبُ، وأيضًا الشَّيخُ جَلالُ الدِّينِ المَجذوبُ.
وانتَشَرَتِ الشَّاذِليَّةُ في سوريا، ومنها الشَّاذِليَّةُ الدرقاويَّةُ التي أسَّسَها مُحَمَّدٌ الهاشِميُّ.
كَما انتَشَرَت في ليبيا وتونسَ والجَزائِرِ وغَيرِها من مُدُنِ الشَّمالِ الأفريقيِّ، ومنها الصِّدِّيقيَّةُ الشَّاذِليَّةُ التي تَنتَسِبُ إلى عبدِ اللهِ بنِ الصِّدِّيقِ الغُماريِّ (ت: 1992م).
ويَرى بَعضُ الباحِثينَ أنَّ انتِشارَ هذه الطَّريقةِ في العالمِ الإسلاميِّ كان من أسبابِه ابتِعادُها عنِ الفلسَفةِ، مَعَ مُعايَشَتِها للواقِعِ حتَّى بلغَت بلادَ الأندَلُسِ، وكان أبرَزَ مُمَثِّلٍ لها هناكَ ابنُ عَبَّادٍ النَّفزيُّ الرَّنديُّ (ت: 792ه)، والذي تَولَّى شَرحَ الحِكَمِ العَطائيَّةِ.
وامتَدَّ تَأثيرُ هذه الطَّريقةِ إلى جَنوبِ شَرقيِّ آسيا وغَربِ أفريقيا وتُركيا وغالِبِ البلادِ العَرَبيَّةِ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 4:50 am

المبحَثُ الرَّابِعُ: المبادئُ والأفكارُ

كانتِ المَذاهِبُ الصُّوفيَّةُ في الأصلِ عِبارةً عن مَدارِسَ تَربَويَّةٍ تَدعو إلى تَزكيةِ النَّفسِ وإلى الزُّهدِ في الدُّنيا والعَمَلِ الصَّالحِ، إلَّا أنَّ هذه المَدارِسَ دَخَلتها الفلسَفةُ اليونانيَّةُ والفلسَفةُ الهنديَّةُ، وحتَّى النَّصرانيَّةُ واليهوديَّةُ وغَيرُها منَ الأديانِ والفلسَفاتِ، فتَأثَّرَتِ الصُّوفيَّةُ بها، وبَدَأ الانحِرافُ عنِ الطَّريقِ المُستَقيمِ.
فقد أخَذَتِ الصُّوفيَّةُ منَ الفلسَفةِ الهنديَّةِ -مَثَلًا- مَراحِلَ تَرَقِّي الإنسانِ إلى الفَناءِ أوِ النِّرفانا، وذلك بتَطهيرِ نَفسِه بالجوعِ والزُّهدِ وتَركِ الدُّنيا حتَّى يَصِلَ إلى السَّعادةِ الحَقيقيَّةِ، وأخَذَتِ الصُّوفيَّةُ الرَّهبانيَّةَ منَ النَّصرانيَّةِ المُنحَرِفةِ، وهو الانقِطاعُ عنِ النَّاسِ والعُزلةُ عنِ الخَلقِ.
هذا بالإضافةِ إلى وُجودِ العَديدِ منَ المُصطَلحاتِ والمَعارِفِ البَعيدةِ عن تَعاليمِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ الواضِحةِ.
إنَّ كُلَّ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ تَشتَرِكُ من حَيثُ الجُملةُ في أفكارٍ ومُعتَقَداتٍ وأهدافٍ واحِدةٍ، وإن كانت تَختَلفُ في أسلوبِ سُلوكِ المُريدِ أوِ السَّالِكِ وطُرُقِ تَربيَتِه والأورادِ التي يَتَلقَّاها، ويُمكِنُ إجمالُ مَبادِئِ الطَّريقةِ الشَّاذِليَّةِ -وهي تَشتَرِكُ فيها مَعَ غَيرِها منَ الطُّرُقِ- في الآتي:
1- التَّوبةُ: وهي نُقطةُ انطِلاقِ المُريدِ أوِ السَّالكِ إلى اللهِ تعالى.
2- الإخلاصُ: ويَنقَسِمُ لدَيها إلى قِسمَينِ:
إخلاصُ الصَّادِقينَ.
إخلاصُ الصِّدِّيقينَ.
3- النِّيَّةُ: وتُعَدُّ أساسَ الأعمالِ والأخلاقِ والعِباداتِ.
4- الخَلوةُ: أي اعتِزالُ النَّاسِ، فهذا من أسُسِ التَّربيةِ الصُّوفيَّةِ. وفي الطَّريقةِ الشَّاذِليَّةِ يَدخُلُ المُريدُ الخَلوةَ لمُدَّةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ قَبلَ سُلوكِ الطَّريقِ.
5- الزُّهدُ: وللزُّهدِ تَعاريفُ مُتَعَدِّدةٌ عِندَ الصُّوفيَّةِ؛ منها:
فراغُ القَلبِ ممَّا سِوى اللهِ، وهذا هو زُهدُ العارِفينَ.
وهو أيضًا عِندَهم الزُّهدُ في الحَلالِ وتَركُ الحَرامِ.
6- النَّفسُ: رَكَّزَتِ الشَّاذِليَّةُ على أحوالٍ للنَّفسِ هي:
النَّفسُ مَركَزُ الطَّاعاتِ إن زَكَت واتَّقَت.
النَّفسُ مَركَزُ الشَّهَواتِ في المُخالَفاتِ.
النَّفسُ مَركَزُ المَيلِ إلى الرَّاحاتِ.
النَّفسُ مركَزُ العَجزِ في أداءِ الواجِباتِ.
لذلك يَجِبُ تَزكيَتها حتَّى تَكونَ مَركَزًا للطَّاعاتِ فقَط.
7- الوَرَعُ: وهو العَمَلُ للَّهِ وباللهِ على البَيِّنةِ الواضِحةِ والبَصيرةِ الكامنةِ.
8- التَّوكُّلُ: وهو صَرفُ القَلبِ عن كُلِّ شَيءٍ إلَّا اللَّهَ.
9- الرِّضا: وهو رِضا اللهِ عنِ العَبدِ.
10- المحبَّةُ: وهي في تَعريفِهم: سَفَرُ القَلبِ في طَلَبِ المَحبوبِ، ولهجُ اللِّسانِ بذِكرِه على الدَّوامِ.
وللحُبِّ دَرَجاتٌ لدى الشَّاذِليَّةِ، وأعلى دَرَجاتِه ما وصَفَته رابعةُ العَدَويَّةُ بقَولِها:
أحِبُّك حُبَّينِ حُبَّ الهَوى
وحُبًّا لأنَّك أهلٌ لذاكَ
11- الذَّوقُ: ويُعَرِّفونَه بأنَّه تَلقِّي الأرواحِ للأسرارِ في الكَراماتِ وخَوارِقِ العاداتِ، ويَعُدُّونَه طَريقَ الإيمانِ باللهِ والقُربِ منه والعُبوديَّةِ له.
لذلك يُفضِّلُ الصُّوفيَّةُ العُلومَ التي تَأتي عن طَريقِ الذَّوقِ على العُلومِ الشَّرعيَّةِ منَ الفِقهِ والأصولِ وغَيرِ ذلك؛ إذ يَقولونَ: عِلمُ الأذواقِ لا عِلمُ الأوراقِ، ويَقولونَ: إنَّ عِلمَ الأحوالِ يَتِمُّ عن طَريقِ الذَّوقِ، ويَتَفرَّعُ منه عُلومُ الوَجدِ والعِشقِ والشَّوقِ.
12- عِلمُ اليَقينِ: وهو مَعرِفةُ اللهِ تعالى مَعرِفةً يَقينيَّةً، ولا يَحصُلُ هذا إلَّا عن طَريقِ الذَّوقِ، أوِ العِلمِ اللَّدُنِّيِّ أوِ الكَشفِ ونَحوِ ذلك .
والشَّاذليُّ يَقولُ بأنَّ التَّمَسُّكَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ هو أساسُ طَريقَتِه، فمن أقوالِه: (إذا عارَضَ كَشفُك الكِتابَ والسُّنَّةَ فتَمَسَّكْ بالكِتابِ والسُّنَّةِ ودَعِ الكَشفَ، وقُلْ لنَفسِك: إنَّ اللهَ تعالى قد ضَمنَ لي العِصمةَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، ولم يَضمَنْها لي في جانِبِ الكَشفِ ولا الإلهامِ ولا المُشاهَدةِ) .
ويَقولُ أيضًا: (كُلُّ عِلمٍ يَسبقُ إليك فيه الخاطِرُ، وتَميلُ إليه النَّفسُ وتَلَذُّ به الطَّبيعةُ، فارمِ به وإن كان حَقًّا، وخُذْ بعِلمِ اللهِ الذي أنزَله على رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واقتَدِ به وبالخُلفاءِ والصَّحابةِ والتَّابعينَ مِن بَعدِه) .
وعامَّةُ الصُّوفيَّةِ -ومنهمُ الشَّاذِليَّةُ- يَرَونَ أنَّ عِلمَ الكِتابِ والسُّنَّةِ لا يُؤخَذانِ إلَّا عن طَريقِ شَيخٍ مُرشِدٍ، ولا يَتَحَقَّقُ للمُريدِ العِلمُ الصَّحيحُ حتَّى يُطيعَ شَيخَه طاعةً عَمياءَ، كالمَيِّتِ بَينَ يَدَيْ مُغَسِّلِه؛ لذلك يُنظَرُ إلى الشَّيخِ نَظرةً تقديسيَّةً خاصَّةً.
13- السَّماعُ: وهو سَماعُ الأناشيدِ والأشعارِ الغَزَليَّةِ الصُّوفيَّةِ.
نُقِل عنِ الحارِثِ المُحاسبيِّ قَولُه: (ممَّا يَتَمَتَّعُ به الفُقَراءُ سَماعُ الصَّوتِ الحَسَنِ)، و(إنَّه من أسرارِ اللهِ تعالى في الوُجودِ) .
وقد أفرَدَ كِتابُ (التَّصَوُّفِ) للسَّماعِ أبوابًا مُنفصِلةً في مُؤَلَّفاتِهم؛ لِما له من أهَمِّيَّةٍ خاصَّةٍ عِندَهم.
ويوجَدُ في السَّماعِ الصُّوفيِّ أشعارٌ يَصِلُ بَعضُها إلى دَرَجةِ الشِّركِ، كَرَفعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى مَرتَبةٍ فوقَ مَنزِلتِه التي جَعلها اللهُ تعالى له، والاستِغاثةِ به أو ببَعضِ الصَّالحينَ .
قال أحمَد النَّقشَبَنديُّ الخالديُّ عن أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ: (وأمَّا طَريقُه فجاءَ في طَريقِ اللهِ بالأسلوبِ العَجيبِ والمنهَجِ الغَريبِ والمَسلَكِ العَزيزِ القَريبِ، وجَمَعَ في ذلك بَينَ العِلمِ والعَمَلِ، والحالِ والمَقامِ والهمَّةِ والمَقالِ.
واشتَمَلت طَريقَتُه على الجَذبِ والمُجاهَدةِ والعِنايةِ.
واحتَوت على الأدَبِ والقُربِ والتَّسليمِ والرِّعايةِ.
وشُيِّدَت على العَمَلينِ الظَّاهِرِ والباطِنِ، وسائِرِ الهِدايةِ والأسرارِ والكَرامةِ والقُرَبِ.
وكانت طَريقَتُه مَبنيَّةً على طَلَبِ العِلمِ وكَثرةِ الذِّكْرِ والحُضورِ.
وكانت بهذا الاستِحضارِ الذي هو الجَميعُ أسهَلَ الطُّرُقِ وأقرَبَها بَعد النَّقْشَبَنديَّةِ.
وليس فيها كَثرةُ المُجاهَدةِ؛ لأنَّ ما في النَّفسِ منَ النُّورِ الأصليِّ يَتَعاضَدُ ويَقوى بنورِ العِلمِ وببُلوغِ سَدادِ طَريقِهم وقوَّةِ يَقينِهم وكَثرةِ عِرفانِهم وفتحِهم وكَثرةِ أنوارِهم وذَكاءِ قُلوبِهم مَعَ غَرَقِ كثيرِهم في الأسبابِ وتَلبُّسِهم ظاهرًا بأحوالِ العَوامِّ، فتَراهم أبَدًا مَحظوظينَ في أحوالِهم، مُحافِظينَ على أعمالِهم، وقدِ انفتَقَ في قُلوبِهم أسرارُ العُلومِ، ولاحَ لهم حَقائِقُ الحِكَمِ والمَفهومِ. فتَرى أحَدَهم في صورةِ العاصي وهو يُلهمُهم بالحَقائِقِ ويَنطِقُ بالحِكَمِ والدَّقائِقِ ممَّا يَعِزُّ وُجودُها لأربابِ الانقِطاعِ والخَلواتِ وأهلِ التَّجَلِّي والمُشاهَداتِ)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 5:25 am

سلسلة صوفية مشهورة وطريقة صوفية منتشرة في مصر وتونس والجزائر وغيرها من البلدان، والشاذلية نسبة إلى أبي الحسن علي بن عبد الله المولود بغمارة من قرى سبته سنة 593هـ (76). وقال الكمشخانوي: "بل ولد بقرية عمان من قرى أفريقية قرب مرسية، وهي من المغرب الأقصى أيضاً" (77). ولكن عطاء الله الإسكندراني وهو تلميذ أبي العباس المرسي يذكر أن مبدأ ظهوره بشاذلة ولكن منشأه بالمغرب الأقصى فلم يعرف بالمنشأ والمولد، بل نسب إلى مبدأ ظهوره (78). واختلفوا في نسبه أيضاً، فمريدوه والمتعلّقون به ينسبونه إلى الأشراف ويصلون بنسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، كعادة أهل كل طريقة صوفية ولو أنهم يختلفون فيما بينهم في أسماء آبائه، فالبعض ينسبونه إلى إدريس بن عبد الله المبايع له ببلاد المغرب (79). وبعضهم إلى غيره (80). وأما الجامي فينسبه في نفحاته إلى الحسين، لا إلى الحسن(81). وكان ضريراً كما سماه ابن الملقن والشعراني بالضرير الزاهد(82). ولكن لم يتضرر عيناه إلا بعد مدة من تحصيل العلم كما يظهر من ترجمته في مختلف الكتب(83). وانتقل في صغره إلى مدينة تونس، فبدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة وبلدة إلى بلدة حتى حجّ ثم دخل العراق وبدأ يفتش عن القطب الصوفي -حسب زعمه- وقال له أحد الأولياء هناك: "إنك تبحث عن القطب بالعراق، مع أن القطب ببلادك، ارجع إلى بلادك تجده"(84). فرجع إلى بلاده باحثاً ومفتشاً عن القطب، يسأل عن المقبل والمدبر والراحل والمقيم إلى أن اجتمع به، وهو أبو محمد عبد السلام بن مشيش، فيقول الشاذلي: "أتيت إليه وهو ساكن مغارة برباط رأس جبل، فاغتسلت في عين أسفل الجبل وخرجت عن علمي وعملي، وطلعت إليه فقيراً، وإذا به هابط إليّ، فقال: مرحباً يا علي، وذكر نسبي إلى رسول الله"(85). "ثم قال لي: يا علي، طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك، وأخذت منا غنى الدنيا والآخرة، فأخذني من الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن فتح الله عليّ بصيرتي"(86). وعبدالسلام هذا ينقل فيه الشيخ الأكبر للأزهر سابقاً عبد الحليم محمود عن صاحب "الدرة البهية": "هو القطب الأكبر، والعلم الأشهر، والطود الأظهر العالي السنام. هو البدر الطالع الواضح البرهان، الغنيّ عن التعريف والبيان، المشتهر في الدنيا قدره، والذي لا يختلف في غوثيته اثنان. وطريه ترياق شاف لأدواء العباد، وذكره رحمة نازلة في كل ناد. سرى سرّه في الأفاق، وسارت بمناقبه الركبان والرفاق. قضى عمره في العبادة، وقصده للانتفاع أهل السعادة. وكان رضي الله عنه في العلم في الغاية، وفي الزهد في النهاية، جمع الله له الشرفين: الطيني والديني، وأحرز الفضل المحقق اليقيني" (87). ويذكره الشاذلي بنفسه هو مكانته السامية ودرجته الرفيعة، ومعرفته وعلمه بما يختلج في صدور الناس، وفيضه وفيضانه بقوله: "كنت في سياحتي في مبدأ أمري حصل لي تردد: هل ألزم البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أو ارجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار؟ فوصف لي وليّ هنالك، وكان برأس جبل فصعدت إليه، فما وصلت إليه إلى ليلاً، فقلت في نفسي لا أدخل عليه في هذا الوقت، فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، قال فالتفت إلى نفسي وقلت: يا نفس انظري من أي بحر يغترق هذا الشيخ، فلما أصبحت دخلت إليه فأعربت من هيبته. فقلت له: يا سيدي كيف حالك؟ فقال: أشكوا إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار. فقلت: يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه، وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا؟ فقال: أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله. قلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، فتبسم ثم قال: يا بني، ما تقول: سخر لي خلقك قل: يا رب كن لي، أترى إذا كان لك أيفوتك شيء؟ فما هذه الجناية"(88). وحتى ابنه الصغير يعلم ما في قلوب الناس كما يذكر الشاذلي أيضاً: "كنت يوماً بين يدي الأستاذ فقلت في نفسي: ليت شعري هل يعلم الشيخ اسم الله الأعظم؟ فقال ولد الشيخ وهو في آخر المكان الذي أنا فيه: يا أبا الحسن ليس الشأن من يعلم الاسم الأعظم، إنما الشأن من يكون هو عين الاسم، فقال الشيخ من صدر المكان: أصاب وتفرس فيك ولدي"(89). ويقول ابن عطاء الله الاسكندري: إن طريقة الشاذلي تنتسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش، والشيخ عبد السلام ينتسب إلى الشيخ عبد الرحمن المدني، ثم واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب (90). وبعد مدة من الزمن وبقائه عند ابن مشيش قال له شيخه ابن مشيش: "يا علي، ارتحل إلى أفريقيا واسكن بلداً بها تسمى شاذلة، فإن الله يسميك شاذلياً، وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس وبعد ذلك تنتقل إلى بلاد المشرق، وترث فيها القطبانية" (91). ولما ورث القطبانية "وظهر بالخلافة الكبرى والولاية الكثري والقطبية العظمى والغوثية الفردي، وخصّه الله بعلوم الأسماء ومن عليه بأعلى مقامات الأولياء، وخصوصيات الأصفياء، وانفرد في زمانه بالمقام الأكبر والمدد الأكثر والعطاء الأنفع والنوال الأوسع(92). بدأ يقول كما ذكروا عنه أنه قيل للشيخ أبي الحسن: "من هو شيخك؟ " فقال: "كنت انتسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش، وأنا الآن لا انتسب لأحد، بل أعوم في عشرة أبحر: خمسة من الآدميين، النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وخمسة من الروحانيين، وجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح الأكبر" (93). و"تصرّف في أحكام الأولياء ومددها بالأذن والتمكين، وانفراد بسوددها حق اليقين، وأمدّ الأولياء أجمعين، وكذا الصديقين، ونال مقام الفردانية الذي لا يجوز المشاركة فيه بين اثنين، وأجمع على ذلك من عاصره من العلماء العارفين والأولياء لمقربين وخواص الصديقين، وشهد بقطبانيته وفردانيته الجمّ الكثير"(94). وبدأ يقول: "والله لقد جئت في هذا الطريق ما لم يأت به أحد"(95). حتى تعالى وتفاخر: "قدمي على جبهة كل ولي لله"(96). ومن الجدير بالذكر أن الدكتور عبد الحليم محمود الذي تولّى مشيخة الأزهر، وتخرّج من جامعة فرنسية كتب كتاباً في تمجيد الشاذلي ومدح الشاذلية، ففي ذلك الكتاب يذكر أن الله كلّمه على جبل زغوان، الجبل الذي اعتكف الشاذلي فيه في قمته، وتعبّد وتحنّث، والذي يذكره نقلاً عن صاحب كتاب "درة الأسرار": "قرأ الشيخ على جبل زغوان سورة الأنعام إلى أن بلغ إلى قوله تعالى: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا} أصابه حال عظيم، وجعل يكررها ويتحرك، فكلما مال إلى جهة مال الجبل نحوها... وما كانت حياته على الجبل إلا على نباتات الأرض وأعشابها"(97). وعلى هذا الجبل ارتقى منازل، وتخطّى مراتب حيث "نبع له عين تجري بماء عذب، ثم بدأت الملائكة تحفّ بأبي الحسن، بعضها يسأله فيجيبه، وبعضها يسير معه، ثم تأتيه أرواح الأولياء زرافات ووحداناً تحفّ بأبي الحسن وتتبرك به" (98). وبعد تجاوز هذه المراتب كلها التي أهّلته وحسب قول ذلك الدكتور، قيل له: "يا علي، اهبط إلى الناس ينتفعوا بك. فقلت: يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخاطبتهم. فقيل لي: انزل فقد أصحبناك السلامة، ودفعنا عنك الملامة. فقلت: تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم. فقيل لي: انفق علي، وأنا الملي، إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب. ونزل الشاذلي رضي الله عنه من على الجبل ليغادر شاذلة، ويستقبل مرحلة جديدة، فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له شيخه. وقبل أن نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة نذكر ما حكاه رضي الله عنه فيما يتعلق بنسبه إلى شاذلة، قال: قلت يا رب لم سميتني بالشاذلي، ولست بشاذلي. فقيل لي: يا علي، ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشَّاذُّلِي بتشديد الذال المعجمة، يعني: المفرد لخدمتي ومحبتي"(99). وقبله قد تكلّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من داخل حجرته الشريفة كما ذكر ذلك الدكتور عبد الحليم محمود نقلاً عن "درة الأسرار" عن أبي الحسن: "ولما قدم المدينة زادها الله تشريفاً وتعظيماً، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه عريان الرأس حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً. فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: "يا علي ادخل"(100). فمن يكن هذا شأنه ومقامه ومكانته لا يستبعد عنه أن يقول: "لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة" (101). وأيضاً: "أعطيت سجلاً مدّ البصر، فيه أصحابي وأصحاب أصحابي إلى يوم القيامة عتقاء من النار"(102). وعلى ذلك ينقل عنه الإسكندري عن شيخه أبي العباس المرسي خليفة أبي الحسن الشاذلي وتلميذه الخاص به أنه قال: "قال لي عبدالقادر النقاد، وكان من أولياء الله: اطلعت البارحة على مقام الشيخ أبي الحسن. فقلت له: وأين مقام الشيخ؟ فقال: عند العرش. فقلت له: ذاك مقام تنزل لك الشيخ فيه حتى رأيته. وإلا مقامه فهو فوق ذلك، وقد صرّح بذلك حيث يواصل كلامه فيقول: "ثم دخلت أنا وهو على الشيخ، فلما استقربنا المجلس قال الشيخ رضي الله عنه: رأيت البارحة عبد القادر النقاد بالمنام فقال لي: أعرش أنت أم كرسيّ؟ فقلت له: دع عنك ذا. الطينة أرضية. والنفس سماوية. والقلب عرشي. والروح كرسي. والسر مع الله بلا أين. والأمر نزل فيما بين ذلك ويتلوه الشاهد منه"(103). وذكروا من جملة كراماته أنه أثناء سفره إلى الإسكندرية مكث بتونس مدة، واشتهر أمره وذاع صيته، والتف حوله خلق كثير فحسده فقيه تونس وقاضي قضاتها ابن البراء فوشاه إلى السلطان، ودسّ له عنده، وتكلّم في نسبه ولكن السلطان لم يمسه بسوء، ووقره في قلبه واحترمه ولكن منعه من الخروج، وما أن منعه إلاّ وماتت جاريته في ذاك الحين، التي أحبها فملكت عليه جميع أقطاره، ثم التهبت النار في البيت فلم يشعروا حتى احترق كل ما في البيت من الفرش والثياب وغير ذلك من الذخائر، فعلم السلطان أنه أصيب من قبل هذا الوليّ(104). ولكن من الغرائب أنه لم يصب ابن البراء شيئاً مع تصريح عبد الحليم محمود وغيره أنه بقى على عدائه للشاذلي ومخالفته له إلى أن الشاذلي كان يسلّم عليه فلم يكن ابن البراء يردّ عليه السلام، وكان يطعن في نسبه (105). ولكن أنّى للمختلقين العقل، ومن أين للقصاصين العقل، والمسامرين الوضاعين الفكر. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً. وهل يستعبد هذا من أولئك الناس الذين يفضلن هؤلاء المتصوفة على أنبياء الله ورسله ويزعمون فيهم من القدرة والاختيارات، ومعرفة علم الغيب، والتصرف في أمور الكون، وتدبير أمور الدنيا والآخرة، ومددهم الأحياء منهم والأموات، وإعطائهم الثواب والعقاب، وتقسيمهم الجنة والنار لمن يريدون ويزعمون إعطاءه، ويفونهم بأوصاف لا تليق إلا بالواحد القهار الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، وأمر سيد الخلائق وأفضل المخلوقات وأشرف المرسلين بأن يقول: {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّ‌ا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْ‌تُ مِنَ الْخَيْرِ‌ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ‌ وَبَشِيرٌ‌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(106). {قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّـهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ‌ أَفَلَا تَتَفَكَّرُ‌ونَ} (107). {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ‌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْ‌جُو لِقَاءَ رَ‌بِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِ‌كْ بِعِبَادَةِ رَ‌بِّهِ أَحَدًا} (108). وغيرها من الآيات الكثيرة والأحاديث المستفيضة التي ذكرناها فيما سبق في مختلف المباحث والمواضيع، لكن المتصوفة يعتقدون في أوليائهم أوصافاً إلهية ونعوتاً ربانية فيقول الإسكندري: "لو كشف عن حقيقة الولي لعبد، لأن أوصافه من أوصافه، ونعوته من نعوته"(109). ولقد مرّ بيان عقيدة القوم في متصوفتهم سابقاً ولكن نريد أن نثبت ههنا بمناسبة ذكر الشاذلة والشاذلي ما ذكره قطبهم بعد الشاذلي -وهو المرسي- في شيخه نقلاً عن بعض مريديه أنه قال: "صليت خلف شيخي صلاة فشهدت ما أبهر العقل وذلك أني شهدت بدن الشيخ والأنوار قد ملأته، وانبثت الأنوار من وجوده حتى أنني لم أستطع النظر إليه، وقد كشف الحق عن مشرقات أنوار قلوب أوليائه لانطوى نور الشمس والقمر في مشرقات أنوار قلبوهم، وأين نور الشمس والقمر من أنوارهم"(110). هذا ولقد استقر الشاذلي بعدئذ في الإسكندرية بمصر، وتزوج هنالك وولد له أولاد، وحبس عليه السلطان برجاً من أبراج السور في أسفله ما جل كبير ومرابط للبهائم، وفي الوسط مساكن للفقراء وجامع كبير، وفي أعلاه أعلية لسكانه وعياله"(111). وكان من عادته "إذا ركب تمشى أكابر الفقراء وأكابر الأغنياء حوله، وتنشر الأعلام على رأسه، وتضرب الكاسات بين يديه، ويأمر النقيب أن ينادي أمامه "من أراد القطب فعليه بالشاذلي"(112). وسنة 656هـ سافر للحج، وفي صحراء عيذاب وافته المنية فدفن هناك(113). ويقول الجامي: "وكان ماء هذا الصحراء ملحاً لا يشرب ولكنهم بعد ما غسلوه بمائه صار ببركته حلواً عذباً"(114). وفي هذا الصحراء ادّعى بأنه التقى بالخضر وكلّمه، كما نقلوا عنه أنه كان يقول: "لقيت الخضر في صحراء عيذب، فقال لي: "يا أبا الحسن أصحبك الله اللطف الجميل، وكان لك صاحباً في المقام والرحيل"(115). وقد نقل عن الشاذلي تفسير بع الآيات القرآنية تفسيراً باطنياً ينهج فيه منهج الباطنية وأهل التأويل البعيد، وقد ذكرنا نماذج منها في كتابنا [التصوف: المنشأ والمصادر]. ثم خلف بعده على الشاذلية أبو العباس المرسي، والذي صار قطباً بعد موته حسب زعمهم كما ينقلون عن زكي الدين الأسواني أنه قال: "قال لي الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: يا زكي، عليك بأبي العباس، فو الله أنه ليأتيه البدوي يبول على ساقيه فلا يمسي عليه المساء إلا قد أوصله إلى الله، يا زكي، عليك بأبي العباس، فو الله ما من ولي لله كان أو هو كائن إلا وقد أطلعه الله عليه، يا زكي، أبو العباس هو الرجل الكامل"(116). ويقول أبو العباس هذا عن نفسه: "والله ما سار الأولياء والأبدال من قاف حتى يلقوا واحداً مثلنا، فإذا لقوه كان بغيتهم، ثم قال: وبالله لا إله إلا هو، ما من ولي لله كان أو كائن إلا وقد أطلعني الله عليه وعلى اسمه ونسبه وكم حظه من الله"(117). وهو الذي قال: "والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين" (118). وكان يقول: "لا أعلم أحداً اليوم يتكلّم في هذا العلم غيري على وجه الأرض" وقدم إليه بعضهم طعاماً فيه شبهة يمتحنه فامتنع الشيخ من أكله، وقال: "إنه كان للشيخ المحاسبي عرق في أصبعه يضرب إذا مدّ يده إلى شبهة فأنا في يدي ستون عرقاً تضرب، فاستغرب الرجل وتاب على يديه"(119). وتكلم يوماً في القطب وأوصافه ثم قال: "وما القطبانية بعيدة من بعض الأولياء وأشار إلى نفسه" (120). قال: "لقد علمت العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو سعياً على وجوههم" (121). وكان المرسي هذا أيضاً يدّعي صحبة الخضر واللقاء معه (122). وكان له تأويل باطني مثلما كان لأستاذه وشيخه، ومثال ما ذكره تلميذه عطاء الله الإسكندري: "سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول في قوله عز وجل: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ‌ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}‌ أي: ما نذهب من وليّ لله إلا ونأت بخير منه أو مثله"(123). وكان كأستاذه يعتني بكتاب الإحياء لأبي حامد الغزالي، وكتاب "قوت القلوب" لأبي طالب المكي، وكتاب "ختم الأولياء" للحكيم الترمذي، وكتاب "المواقف والمخاطبات" لمحمد عبد الجبار النفري(124). مات سنة 686هـ(125). ثم خلفه على مشيخة الشاذلية ياقوت العرش وكان حبشياً. "وهو الذي شفع في الشيخ شمس الدين بن اللبان لما أنكر على سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه وسلب عمله وحاله بعد أن توسل بجميع الأولياء، ولم يقبل سيدي أحمد شفاعتهم فيه، فسار من الإسكندرية إلي سيدي أحمد، وسأله أن يطيب خاطره عليه وأن يردّ عليه حاله فأجابه. ثم إن سيدي ياقوت زوّج ابن اللبان ابنته، ولما مات أوصى أن يدفن تحت رجليها أعظاماً لوالدها الشيخ ياقوت. وإنما سمّى العرش لأن قلبه لم يزل تحت العرش، وما في الأرض إلاّ جسده. وقيل: لأنه كان يسمع لأذان حملة العرش. وكان رضي الله عنه يشفع في الحيوانات. وجاءته مرة يمامه فجلست على كتفه وهو جالس في حلقة الفقراء وأسرّت إليه شيئاً في أذنه، فقال: بسم الله ونرسل معك أحد من الفقراء، فقالت: ما يكفيني إلا أنت، فركب بغلته من الإسكندرية وسافر إلى مصر العتيقة حتى دخل إلى جامع عمرو فقال: أجمعوني على فلان المؤذن، فأرسلوا وراءه، فجاء، فقال له: هذه اليمامة أخبرتني بالإسكندرية أنك تذبح فراخها كلما تفرخ في المنارة، فقال: صدقت، قد ذبحتهم مراراً، فقال: لا تعد، فقال: تبت إلى الله تعالى ورجع الشيخ إلى الإسكندرية رضي الله عنه، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة مشهورة بين الطائفة الشاذلية بمصر وغيرها.(126) ثم خلفه ناس آخرون، فاشتهر من بينهم محمد المغربي الذي يقولون عنه بأنه تنبأ بظهوره الشاذلي، فقال: "يظهر بمصر رجل يعرف بمحمد يكون فاتحاً لهذا البيت، ويشتهر في زمانه ويكون له شأن"(127). وهو الذي قال: "أعطيت الشاذلية ثلاثاً لم تحصل لمن قبلهم ولا لمن بعدهم: الأول: إنهم مختارون في اللوح المحفوظ. الثاني: إن المجذوب منهم يرجع إلى الصحو. الثالث: إن القطب منهم إلى يوم القيامة (128). وآخر هذه الثلاث أن يركز عليه، فإن كل طائفة من الطوائف الصوفية تدعي أن القطب منهم، ولا يرضى بهذه المقولة أحد من غير الشاذلية. وآخرون مثل علي بن عمر القرشي وناصر الدين بن محمد عبد الدائم وابن عبد الرحمن بن إبراهيم ومعصوم بن أحمد وغيرهم العديدون(129). فهذا هو الشاذلي وأولئك الشاذلية ومشائخهم وقد اشتهر عن الشاذلية أوراد عديدة منها حزب البر وحزب البحر والحزب الكبير وغيرها من الأحزاب والأوراد، اختلقوا لها فضائل ومناقب لم ينزل الله بها من برهان، ذكرها كل من عطاء الله الإسكندري في كتابه "لطائف المنن" والدكتور عبد الحليم محمود في كتابه "المدرسة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي" والآخر في "النفحة العلية في الأوراد الشالية". وبهذا نختم هذا الفصل.

رابط المادة: http://iswy.co/e4uun
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 5:26 am

.......................... (76) النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص 226 ط مكتبة المتنبي القاهرة،أيضاً أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبدالحليم محمود ص 20. (77) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 115. (78) لطائف المنن لابن عطاء الأسكندراني ص 135 بتحقيق عبدالحليم محمود ط مطبعة حسان القاهرة 1974. (79) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 115. (80) انظر لطائف المنن للأسكندراني ص 135، طبقات الأولياء لابن الملقن ص 459. (81) انظر نفحات الأنس للجامي ص 567 (فارسي) ط إيران. (82) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 458، الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 4. (83) انظر دائرة المعارف الإسلامية ص 562 وغيرها من الكتب. (84) درة الأسرار ص 23 نقلاً عن "أبي الحسن الشاذلي" للدكتور عبدالحليم محمود ص 23. (85) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 116. (86) "المدرسة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي" للدكتور عبدالحليم محمود ص 23 ط دار الكتاب الحديث القاهرة. (87) أيضاً ص 24. (88) لطائف المنن لابن عطاء الإسكندري ص 159، 160ط مطبعة حسان القاهرة 1974م. (89) أيضاً ص 160. (90) الوصية الكبرى لعبد السلام الأسمر الفيتوري، أيضاً لطائف المنن للإسكندراني ص 65. (91) جامع الأصول في الأولياء لمكشخانوي ص 117، كذلك أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبد الحليم محمود ص 29،أيضاً النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص 228. (92) جامع الأصول في الأولياء لأحمد الكمشخانوي ص 117 ط المطبعة الوهيبة طرابلس 1298هـ. (93) لطائف المنن للإسكندري ص 146، الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 7،جامع كرامات الولياء للنبهاني ج 2 ص 176، النفحة العلية ص 229. (94) جامع الأصول ص 117. (95) لطائف المنن ص 146. (96) جامع الأصول في الأولياء ص 117. (97) انظر المدرسة الشاذلية الحديثة وأمامها أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبالحليم محمود ص 32. (98) بألفاظ عبدالحليم محمود وحروفه انظر ص 33 من كتابه "أبو الحسن الشاذلي" ط دار الكتب الحديثة القاهرة. (99) أيضاً ص 35. (100) أبو الحسن الشاذلي ص 83. (101) الكمشخانوي ص 116، النفحة العلية ص 228. (102) جامع الأصول في الأولياء ص 116، النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص 228 ط مكتبة المتنبي القاهرة. (103) لطائف المنن الاسكندري ص 143 ، 144 ط مطبعة حسان القاهرة. (104) درة الأسرار ص 30. (105) انظر أبو الحسن الشاذلي ص 42. (106) سورة الأعراف الآية 188. (107) سورة الأنعام الآية 50. (108) سورة الكهف الآية 110. (109) لطائف المنن للإسكندري ص 95 مقولة أبي العباس تلميذ أبي الحسن الشاذلي وخليفته في شيخه. (110) لطائف المنن للإسكندري ص 95. (111) درة الأسرار نقلاً عن "أبي الحسن الشاذلي" ص 45. (112) الكمشخانوي ص 117،النفحة العلية ص 228، الكواكب الدرية للمناوي نقلاً عن "أبو الحسن الشاذلي" ص 54. (113) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 459، أيضاً الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 4. (114) نفحات الأنس للجامي (فارسي) ص 570 ط طهران. (115) لطائف المنن ص 151،طبقات الشعراني ج 2 ص 5،جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 2 ص183،أبو الحسن الشاذلي ص 39. (116) انظر لطائف المنن ص 168. (117) لطائف المنن ص 168. (118) الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 14،جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 314، أيضاً لطائف المنن للإسكندري ص 169. (119) نفحات الأنس للجامي ص 572،أيضاً جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 2 ص 14، أيضاً جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 314. (120) لطائف المنن 179. (121) أيضاً. (122) انظر جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 314. (123) لطائف المنن ص 63. (124) انظر لطائف المنن ص 179، 180، كذلك أبو الحسن الشاذلي ص 55 وما بعد. (125) طبقات الشعراني ج 2 ص 13. المصدر: موقع صيد الفوائد

رابط المادة: http://iswy.co/e4uun
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
قدرى جاد
Admin
قدرى جاد


عدد الرسائل : 7397
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

أبو الحسن الشاذلى Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو الحسن الشاذلى   أبو الحسن الشاذلى Emptyالإثنين مارس 18, 2024 5:28 am

الموسوعة التونسية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.scribd.com/document/626833380/%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8
 
أبو الحسن الشاذلى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من حزب اللطف الشاذلى
» أبو الحسن الشاذلى
» الشاذلى المغربى
» سيدى أبو الحسن الشاذلى قال
» أبو الحسن الشاذلى حزب الإخفاء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المنتديات :: سير وتراجــم الأعلام والنبلاء-
انتقل الى: