تفسير روح البيأن في تفسير القرأن/ اسماعيل حقي
(ت 1127 هـ) مصنف و مدقق
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم البقرة 255 إستئناف آخر
لبيان إحاطة علمه بأحوال خلقه المستلزم لعلمه بمن يستحق الشفاعة
ومن لا يستحقها أى يعلم ما كأن قبلهم من أمور الدنيا وما يكون بعدهم
من أمر الآخرة أو ما بين أيديهم يعنى الآخرة لأنهم يقدمون عليها
وما خلفهم الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم أو ما بين أيديهم من السماء إلى الأرض
وما خلفهم يريد ما فى السموات أو ما بين ايديهم بعد أنقضاء آجالهم وما خلفهم
أى ما كان قبل أن يخلقهم أو ما فعلوه من خير وشر وقدموه وما يفعلونه بعد ذلك.
والمقصود بهذا الكلام بيأن أنه عالم بأحوال الشافع والمشفوع له
فيما يتعلق باستحقاق الثواب والعقاب والضمير لما فى السموات وما فى الأرض
لأن فيهم العقلاء فغلب من يعقل على غيره أو لما دل عليه.
_ من ذا_ من الملائكة والأنبياء فيكون للعقلاء خاصة
ولا يحيطون أى لا يدركون يعنى من الملائكة والانبياء وغيرهم بشىء من علمه أى من معلوماته
إلا بما شاء أن يعلموه وأن يطلعهم عليه كأخبار الرسل فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول
وإنما فسرنا العلم بالمعلوم لأن علمه تعالى الذى هو صفة قائمة بذاته المقدسة لا يتبعض فجعلناه بمعنى المعلوم
ليصح دخول التبعيض وإلاستثناء عليه.
وفى التأويلات النجمية
يعلم محمد عليه السلام ما بين أيديهم من الأمور ألأوليات قبل خلق الله الخلائق
كقوله أول ما خلق الله نورى وما خلفهم من أهوال القيامة
وفزع الخلق وغضب الرب وطلب الشفاعة من الانبياء وقولهم نفسى نفسى وحوالة الخلق بعضهم إلى بعض حتى بإلاضطرار
يرجعون إلى النبى عليه السلام لاختصاصه بالشفاعة
ولا يحيطون بشىء من علمه يحتمل أن تكون إلهاء كناية عنه عليه السلام يعنى هو شاهد على أحوالهم
يعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم وقصصهم وما خلفهم من أمور الآخرة وأحوال أهل الجنة والنار
وهم لا يعلمون شييأ من معلوماته إلا بما شاء أن يخبرهم عن ذلك .إنتهى.
قال شيخنا العلامة
ابقاه الله بالسلامة فى الرسالة الرحمانية فى بيان الكلمة العرفأنية
علم الأولياء من علم الأنبياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر
وعلم الانبياء من علم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بهذه المنزلة
وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة.إنتهى.
وفى القصيدة البردية
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
حاصله أن علوم الكائنات وإن كثرت بالنسبة إلى علم الله عز وجل بمنزلة نقطة أو شكلة
ومشربها بحر روحأنية محمد صلى الله عليه وسلم فكل رسول ونبى وولىّ آخذون بقدر القابلية وإلاستعداد مما لديه
وليس لأحد أن يعدوه أو يتقدم عليه قوله_ النقطة _فعله من نقطت الكتاب نقطا ومعناها الحاصل
والشكلة بالفتح فعله من شكلت الكتاب قيدته بإلاعراب
وسع كرسيه السموات والأرض الكرسى ما يجلس عليه من الشىء المركب من خشبات
موضوعة بعضها فوق بعض ولا يفضل على مقعد القاعد وكأنه منسوب إلى الكرس الذى هو الملبد وهو ما يجعل فيه اللبدة
اى لم يضق كرسيه عن السموات وإلارض لبسطته وسعته
وما هو إلا تصوير لعظمته وتمثيل مجرد ولا كرسى فى الحقيقة
ولا قاعد وتقريره أنه تعالى خاطب الخلق فى تعريف ذاته وصفاته
بما اعتادوه فى ملوكهم وعظمائهم كما جعل الكعبة بيتا له يطوف الناس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم
وأمر الناس بزيارته كما يزور الناس بيوت ملوكهم وذكر فى الحجر الأسود أنه يمين الله تعالى فى أرضه
ثم جعله موضعا للتقبيل كما يقبل الناس أيدى ملوكهم وكذلك ما ذكر فى محاسبة العباد يوم القيامة
من حضور الملائكة والنبيين والشهداء فوضع الميزان وعلى هذا القياس أثبت لنفسه عرشاُ
فقال الرحمن على العرش استوى طه 5
ثم أثبت لنفسه كرسياً فقال وسع كرسيه السموات وإلارض
والحاصل أن كل ما جاء من الألفاظ الموهمة للتشبيه فى العرش والكرسى فقد ورد مثلها بل أقوى منها فى الكعبة والطواف وتقبيل الحجر
ولما توافقت الأمة ههنا على أن المقصود تعريف عظمة الله وكبريائه
مع القطع بأنه تعالى منزه عن أن يكون فى الكعبة ما يوهمه تلك الألفاظ فكذا الكلام فى العرش والكرسى.
والمعتمد كما قال الإمام
أن الكرسى بين يديى العرش محيط بالسموات السبع لأن الأرض كرة والسماء الدنيا محيطة بها
إحاطة قشر البيضة بالبيضة من جميع الجوأنب والثأنية محيطة بالدنيا وهكذا إلى أن يكون العرش محيطا بالكل
قال صلى الله عليه وسلم ما السموات السبع والأرضون السبع من الكرسى
إلا كحلقة فى فلاة وفضل العرش على الكرسى كفضل تلك الفلاة
على تلك الحلقة ولعله الفلك الثامن وهو المشهور بفلك البروج
قال مقاتل: كل قائمة من الكرسى طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع وهو بين يدى العرش
ويحمل الكرسى أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه واقدامهم فى الصخرة التى تحت الأرض السابعة السفلى
مسيرة خمسمائة عام ملك على صورة سيد البشر آدم عليه الصلاة والسلام
وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة إلى السنة
وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور وهو يسأل للأنعام الرزق
من السنة إلى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عُبد العجل
وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل للسباع الرزق
من السنة إلى السنة وملك على صورة سيد الطير وهو النسر
يسأل للطير الرزق من السنة إلى السنة.
وفى التأويلات النجمية
أما القول فى معنى الكرسى فاعلم أن مقتضى الدين والديانة
أن لا يؤول المسلم شيئأ من الأعيأن مما نطق به القرآن والأحاديث بالمعانى إلا بصورها
كما جاء وفسرها النبى عليه الصلاة والسلام والصحابة
وعلماء السلف الصالح اللهم إلا أن يكون محققا خصصه الله بكشف الحقائق والمعانى والأسرار وإشارات التنزيل وتحقيق التأويل
فإذا كوشف بمعنى خاص أو إشارة وتحقيق يقدر ذلك المعنى
من غير أن يبطل صورة الأعيأن مثل الجنة والنار والميزأن والصراط
وفى الجنة من الحور والقصور والأنهار والأشجار والثمار
وغيرها من العرش والكرسى والشمس والقمر والليل والنهار
ولا يؤول شيأ منها على مجرد المعنى ويبطل صورته
بل يثبت تلك الأعيأن كما جاء ويفهم منها حقائق معانيها
فإن الله تعالى ما خلق شيئأ فى عالم الصورة إلا وله نظير فى عالم المعنى
وما خلق شيئأ فى عالم المعنى وهو الآخرة إلا وله حقيقة فى عالم الحق وهو غيب الغيب فافهم جداً وما خلق فى العالمين شيئأ
إلا وله مثال وأنموذج فى عالم إلانسان
فإذا عرفت هذا فاعلم أن مثال العرش فى عالم الإنسان قلبه
اذ هو محل استواء الروح عليه ومثال الكرسى سر الإنسان
والعجب كل العجب أن العرش مع نسبته إلى استواء الرحمانية
قيل هو كحلقة ملقاة بين السماء والأرض بالنسبة إلى وسعة قلب المؤمن إنتهى ما فى التأويلات وفى المثنوى.
ولا يؤده .. يقال آده الشىء يأوده إذا أثقله ولحقه منه مشقة مأخوذ من الأود بفتح الوأو
وهو العود ويعرض ذلك بالثقل أى لا يثقله ولا يشق عليه تعالى حفظهما أى حفظ السموات والارض إذ القريب والبعيد عنده سواء
والقليل والكثير سواء وكيف يتعب فى خلق الذرة وكل الكون عنده سواء
فلا من القليل له تيسر ولا من الكثير عليه تعسر
إنما أمره إذا أراد شيئأ
أن يقول له كن فيكون
وإنما لم يتعرض لذكر ما فيهما لأن حفظهما مستتبع لحفظه وهو العلى أى المتعالى بذاته عن الأشباه والأنداد
العظيم الذى يستحقر بالنسبة إليه كل ما سواه فالمراد بالعلو علو القدر والمنزلة لا علو المكأن
لأنه تعالى منزه عن التحيز وكذا عظمته إنما هى بالمهابة والقهر والكبرياء
ويمنع أن يكون بحسب المقدار والحجم لتعالى شأنه من أن يكون من جنس الجواهر والأجسام
والعظيم من العباد الأنبياء والأولياء والعلماء الذين
إذا عرف العاقل شيأ من صفاتهم امتلأ بالهيبة صدره
وصار متشوقا بالهيبة قلبه
حتى لا يبقى فيه متسع فالنبى عليه السلام عظيم فى حق أمته والشيخ عظيم فى حق مريده
والاستاذ فى حق تلميذه إذ يقصر عقله عن إلاحاطة بكنه صفاته فإن ساواه أو جأوزه لم يكن عظيما بإلاضافة إليه.
وهذه الآية الكريمة منطوية كما ترى على أمهات المسائل الإلهية المتعلقة بالذات العلية والصفات الجلية
فإنها ناطقة بأنه تعالى موجود متفرد بالإلهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته موجد لغيره
لما أن القيوم هو القائم بذاته المقيم لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ من التغير والفتور
لا مناسبة بينه وبين الأشباح ولا يعتريه ما يعترى النفوس والأرواح
مالك الملك والملكوت ومبدع الأصول والفروع ذو البطش الشديد
لا يشفع عنده إلا من أذن له فهو العالم وحده بجميع الاشياء جليها وخفيها كليها وجزئيها
واسع الملك والقدرة لكل ما من شأنه أن يملك ويقدر عليه
ولا يشق عليه شاق ولا يشغله شأن عن شأن متعال
عما تناله إلأوهام عظيم لا تحدق به الافهام
ولذلك قال عليه السلام إن أعظم آية فى القرأن آية الكرسى
من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد
من تلك الساعة يعنى إنما صارت آية الكرسى أعظم إلايات لعظم مقتضاها
فإن الشىء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته
وآية الكرسى اقتضت التوحيد فى خمسين حرفا
وسورة الإخلاص فى خمسة عشر حرفا
قال الإمام فى إلاتقأن
اشتملت آية الكرسى على ما لم تشتمل عليه آية فى أسماء الله تعالى
وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها إسم الله تعالى ظاهرا
فى بعضها ومستكنا فى بعض وهى الله هو الحى القيوم
وضمير لا تأخذه وله وعنده وباذنه ويعلم وعلمه وشاء وكرسيه
ويؤده وضمير حفظهما المستتر الذى هو فاعل المصدر وهو العلى العظيم
ويكفى فى استحقاقها السيادة أن فيها الحى القيوم وهو الإسم الأعظم .
كما ورد به الخبر عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وتذاكر الصحابة
أفضل ما فى القرأن
فقال لهم على: أين أنتم عن آية الكرسى
ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على سيد البشر آدم وسيد العرب محمد ولا فخر
وسيد الفرس سلمأن وسيد الروم صهيب وسيد الحبشة بلال
وسيد الجبال الطور وسيد إلايام يوم الجمعة وسيد الكلام القرأن
وسيد القرأن البقرة وسيد البقرة آية الكرسى .
: وعن على كرم الله وجهه عن النبى عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما قرئت هذه الآية فى دار إلا اهتجرتها الشياطين
ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة
يا على علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها
وعن على أيضاً
سمعت نبيكم
على أعواد المنبر وهو يقول من قرأ آية الكرسى
فى دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت
ولا يواظب عليها إلا صديق
أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه
وجاره وجار جاره
عن محمد بن أبى بن كعب عن أبيه أن أباه اخبره أنه كأن له جرن فيه خضر
فكأن يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم
قال: فسلمت فرددت عليها السلام وقلت: من أنت جن ام أنس
قالت: جن قلت :نأولينى يدك فنأولتنى يدها فإذا يد كلب وشعر كلب
فقلت: هكذا خلقة الجن قالت: لقد علمت الجن ما فيهم أشد منى
قلت: ما حملك على ما صنعت
قالت: بلغنى أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك
فقال لها أبى: فما الذى يجيرنا منكم قالت:
هذه الآية التى فى سورة البقرة الله لا إله إلا هو الحى القيوم من قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسى
ومن قالها حين يمسى أجير منا حتى يصبح.
فلما أصبح أتى النبى عليه السلام فأخبره
وروى
أن رجلا أتى شجرة أو نخلة فسمع فيها حركة فتكلم فلم يجب
فقرأ آية الكرسى فنزل إليه شيطأن فقال إن لنا مريضا فبم ندأويه
قال بالذى أنزلتنى به من الشجرة.
وخرج زيد بن ثابت إلى حائط له فسمع فيه جلبة فقال: ما هذا؟
قال :رجل من الجان أصابتنا السنة فأردنا أن نصيب من ثماركم أفتطيبونها قال: نعم
فقال له زيد بن ثابت: ألا تخبرنى ما الذى يعيذنا منكم
قال: آية الكرسى
وبالجملة أن آية الكرسى من أعظم ما ينتصر به على الجن فقد جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة
أن لها تأثيرا عظيما فى طرد الشياطين عن نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشياطين
مثل أهل الشهوة والطرب وأرباب سماع المكاء والتصدية وأهل الظلم والغضب إذا قرئت عليهم بصدق
كما فى آكام المرجأن فى أحكام الجأن.
وإنما قال إذا قرئت عليهم بصدق لأنه هو العمدة والصادق يبيض وجهه والكاذب يسود
ألا ترى إلى الصبح الصادق والكاذب كيف أعقب الأول شمس منير دون الثأنى
وكل ما وقع بطريق الحال وجد عنده التأثير
بخلاف ما وقع بطريق القال فقط
ولذا ترى أنت الناس محرومين وإن دعوا بالإسم الأعظم
اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها آمين.
***
إعداد:قدرى جاد_الهرم
رمضان 2024