قال بعض المشايخ : كان رجل بالمغرب من الزاهدين في الدنيا ، و من أهل الجد و الاجتهاد ، و كان عيشه مما يصيده من البحر و كان الذي يصيده يتصدق ببعضه و يتقوت ببعضه ، فأراد بعض أصحاب هذا الشيخ أن يسافر إلى بلد من بلاد المغرب فقال له هذا الزاهد : إذا دخلت على بلدة كذا فاذهب إلى أخي فلان فأقرئه مني السلام و اطلب منه الدعاء ، فإنه ولي من أولياء الله تعالى . قال : فسافرت حتى قدمت تلك البلدة ، فسألت عن ذلك الرجل فدللت على دار لا تصلح إلا للملوك ، فتعجبت من ذلك و طلبته قيل لي : هو عند السلطان فازداد تعجبي ، فبعد ساعة و إذا هو قد أتى في أفخر مركب و ملبس و كأنما هو ملك في مركبه قال : فازداد تعجبي أكثر من الأولين ، فهممت بالرجوع و عدم الاجتماع به ثم قلت : لا يمكنني مخالفة الشيخ ، فاستأذنت فأذن لي ، فلما دخلت رأيت ما هالني من العبيد و الخدم و الشارة الحسنة ، فقلت له : أخوك فلان يسلم عليك ، قال لي : جئت من عنده ؟ قلت : نعم . قال : إذا رجعت إليه فقل له : إلى كم اشتغالك بالدنيا ، و إلى كم إقبالك عليها و إلى متى لا تنقطع رغبتك فيها . فقلت : و الله هذا أعجب من الأولى ، فلما رجعت إلى الشيخ قال : اجتمعت بأخي فلان ؟ قلت : نعم . قال : فما الذي قال لك ؟ قلت : لا شيء . قال : لابد أن تقول لي . فأعدت عليه ما قال ، فبكى طويلاً و قال : صدق أخي فلان ، هو غسل الله قلبه من الدنيا و جعلها في يده و على ظاهره ، و أنا أخذها من يدي و لي إليها بقايا التطلع ]