الحضـــــــــــرة
يقول سيدي محمد فوزي قدس سره في شأن الحضرة: ( هي أبسط إشارة من إشارات القوم-رضوان الله عليهم- و ما بعدها أعظم منها )، يحسبها الجاهل بالمعنى رقصا على مغنى، و ما درى أن مريد وجهه الكريم نال فيها المقـــام الأسنى، و أدرك ما تمنى.
إن الحديث عن الحضرة(العمارة) أو الرقص الصوفي، حديث شجي ذو شجون، لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نمر عليه مرور الكرام ذلك أن المسألة ذوقية بالأساس، و لا يمكن للعبارة أن تحيط بالإشارة.
يقول سيدي أبو مدين الغوث:
فقل للذي ينهى عن الوجد أهــله*** إذا لم تذق معنى شراب الهوى دعنــا
إذا اهتزت الأرواح شوقا إلى اللقـا***تراقصت الأشباح يا جاهل المعنـــى
أما تنظر الطير المقفص يا فــتى****إذا ذكر الأوطان حن إلى المغنــــى
يفرج بالتغريد ما بـــــفؤاده****فتضطرب الأعضاء في الحس و المعنى
و يرقص في الأقفاص شوقا إلى اللقا****فتهتز أرباب العقول إذا غنــــــى
كذلك أرواح المحبيـن يـــا فتى****تهززها الأشواق للعالم الأسنـــــى
أنلزمها الصبر و هي مشـوقــة****وهل يستطيع الصبر من شاهد المعنـى
فانظر أخي بعين مقلة الإنصاف قبل أن ترمي غيرك بشيء أنت تجهله، نعم في كل فن دخيل و الصادق من استدل على فعله بحقيقة قلبه.
كان الصحابة رضوان الله عليهم و هم أكمل الناس حالا بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم تطرأ عليهم أحوال في ذكر الله، من اقشعرار الجلود وانهمار الأعين بالدموع حتى تبتل اللحى، ومنهم من صعق لسماع آية فيعودونه أياما و هم يخالونه مريضا كما في قصة الفاروق رضوان الله عليه،و منهم من كان يكتم أحواله مخافة العجب و الرياء، فهل يلام المرء إن عشق الجمال الأزلي، و عرته في محبته أحوال ؟ لا و الله فكل إناء بما فيه ينضح،
يقول الشاعر:
إني إذا ما ذكرت ربــي****يهتز شوقي إلى لقـــــــــاه
طابت حياتي و ضاء قلبي****بذكر ربي جل ثنــــــــاه
ما ذاق طعم الغــرام إلا****من عرف الوصل أو دراه
و للحضرة في طريقتنا هاته آداب فريدة، و فوائد جمة عديدة من لبس البياض – وهي السنة- ووضع السبحة في العنق استشعارا لقرب الله ، وإمساك يد أخيك المريد لتتحد أسماء الله الحسنى في اليد اليسرى بتلك الموجودة في اليد اليمنى- فتدبر- و تغميض العينين لتنفتح لك عين قلبك ذلك إن انتفاء الحواس موجب لتفتح البصيرة و تنورها. يقول الشيخ حفظه الله: (إذا كنت ترى نور الحبيب فكن الجسد.)، أي إن المشاهد للقبضة المحمدية و الفيضة الرحمانية بمثابة المشاهد للروح النبوية الشريفة، فلا بد له أن يزين الجسد، و لا أجمل من لبس البياض و التعطر لتجول في مشاهد الجمال، و تشاهد معاني الكمال.