قدرى جاد الزمن عند الصوفية _ الجزء ا3

الصوفي أحيا الوقت بالذكر أو الفكر أو المدح .. وفي تعاملاته أحياه بالرحمة.. وفي أقواله أحياه بالسماح.. هو تعامل كما تعامل الصالحون في الوقت السابق بالانكسار، أي التواضع، ولو على سبيل التجربة.. فاستحضر الوقت بالمعاملة.. يعيش زمانين في نفس الآن أو أكثر، زمنه الصوفي وأزمان الناس.. وفي آخر الزمان ينجمع الزمان.. تنجمع الوحدات والتفاصيل الكثيرة غير المحدودة.. الأمر غير عادي.. إذا حققت أخلاق زمن ما فلك منه نصيب في العمل للزمن الأعلى، وفى نفس الوقت تعمل في الوقت الحالي قائماً في الحياة الدنيا على المعيشة، مثلاً، وتستعين ولو بالسماع والفكر لتمغنط هذا الداخلي من جاذبية العالم الآخر ذي الزمن الأعلى.
الشيخ كمال الدين القاشاني يقول: بسط الزمان هو جعل ما قصر من الزمان طويلاً، وهذا حال من تحقق بمظهرية باطن الزمان وأصله ـ الذي هو الآن الدائم.. هو يحيي الذكرى.. يحيي الوقت في نفس وقت الناس.. ذكر وفكر السر هو مصاحب لكل عمل يعمله الصوفي، يمسك به الوقت ويعلم به علامة على الوقت يصادفه فيها كأحوال ما صادف أساتذته من شؤون، ويحققها عملياً ي مسيرته، ولو في أبسط الأعمال، كصحبة غريب، أو الأكل مع فقير، أو قاصداً لأعمال ترمز إلى ما يريد، كإحياء ليالي أو موالد على أسماء من سبقوا في الزمن.. عظماء وعشاق.
المستوى الأعلى من الزمان يعيش أمثالنا فيه كزوار أو حالمين، ولكن يحسب لك في عمرك وقت الزيارة حسب مقياس زمنهم، فتحيا في وقت له معيار آخر.. فمن وقت الأبطال ساعة تحسب لك في عمر البشرية أيام.. ومن وقت المجاذيب في العشق تختصر أعماراً راحت فيه.. وهناك قائمون في الأزمنة وأصحاب.. عظماء على مر التاريخ فى كل أرض وكل مذهب.. فى كل وصول جديد.. تسمى الوقت باسم صاحبه.. فنسمي الوقت باسم الرائد أياً كان.. كما في السياسة تتسمى الحقب والأوقات بأسماء الملوك والرؤساء.
الآن ينكشف لنا أهمية العمل أو الحركة أو الأثر بدءاً بالخيال وحتى الواقع.. فذلك الذي يميز وقتًا عن الآخر.. حتى أنهم قالوا إن الزمن هو معرفة الحركة بين بداية ونهاية.. لاحظ سرعة الزمن وسرعتك وضرورة التناسب بينهم.. وهل يمكن أن تنتمي لزمن أسرع من زمن تعيش فيه.. طبعاً يمكن إذا أخذت نفس سرعة الزمن الآخر.. نستدرج ذلك الزمن برموز منه.. بأعماله أو عاداته.. بلاد في أوروبا وأمريكا ودول الخليج سابقون في الزمن، وبلاد في اليمن والسودان يا عيني عليهم.. وأتذكر جورج بوش بأنه سيعيد العراق مائة سنة إلى الوراء.. ولما نجح طمح غيره أكثر.. ولنشتري نحن الجديد.. .من يسبق إلى المستقبل يأتي بالاختراع ليبيعه قبل الآخرين.. والمكسب حسب الفارق الزمني بينه وبين المشتري.. لا مانع خذ كل شىء لكن هل تقدر على كل شىء.. الصوفية يقولون لا طبعاً.. فتنهار الأمم في الإعادات.
تعال للنظرة الأكبر بعد ذلك لكي ننظر إلى تفاصيل الحياة الكبيرة المهولة، الموجودة كلها في نفس الوقت الآن.. هل يمكن أن ندركها كلها، لا يُنال أبداً.. قال الصوفية ذلك وصدقوا.. يدركها من تعالى على الأرض والقمر والشمس.. وزمنياً: هل يمكن أن ندرك كل ما كان من الحياة سابقاً.. وكيف ستكون.. هل يمكن إدراك تفاصيل الحاضر والماضي والمستقبل؟ وهل الماضي كان موجودًا أصلاً؟ وهل المستقبل موجود الآن؟
هذا هو ما يجري تبديله.. فمن هوى فقد هوى ومن رابط فقد تصوف.. الزمن هو المنطقة الموجودة بين الأزل الذي ما قبله قبل، والأبد الذي ما بعده بعد.. والأزل والأبد بالنسبة لنا مجهولان.. غيبيان.. والأكبر خفي.. هيا بنا إلى الكنز المخفي.. إذا سمينا الأوقات بأسماء أصحابها فبمن أسمي الزمان.. لم يكن أي زمان تظهر تفاصيله بهذه الكثرة من قبل، كأنما كل الدهور حضرت.. وكأنما الدهور منه كلمحة.. ما هذا الزمان الجامع الجامح العنيف.. من يقدر على التعالي على هذا الزمان الذي ما عرفوه والقادم عن الدهر.