خطبة الشارح لكتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي رضي الله مع تعليقات ابن سودكين
الشيخ الأكبر والنور الابهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله تعالى روحه
خطبة الشارح وتأويل البسملة على مدونة عبدالله المسافر باللهالجزء الأول
خطبة الشارح:-
01 - الحمد لله الذي رفع طلاسم الغيوب بتجلياته وكشف خدور الكمون عن أسرارها المصونة فيها بتنزلاته . فتق رتق ماقدر في الظلم برش نوره .
وكتب بقلمه الحروف والكلم الكامنة في النون ، على الرق المنشور، نقلا من كتابه المكنون إلى مرقومه ومسطوره .
أدرج ما يعرفه الكون وما لا يعرفه في الرقيم ، المكنى عنه تارة بقلب الكون، وتارة بقلب القرآن ، وتارة بأكمل قابل ظهر به الاسم الأعلى في أحسن تقویم .
ثم استنطق فيه معنی : " ما فرطنا في الكتب من شیء " [ الأنعام :28 ] .
فنطق المعنى بلسان كل فرد فيه ، ما لأفراد مجموع الأمر كله ، ونور سر الكون، إذ ذاك ، في اسفراره عن الظل والفيء.
ففهم المستبصر الألمعي علم الكتاب ؛ وجاد عليه من غيب الجمع والوجود بغیر حساب ، وهو علم سير الوجود من الحق إلى الحق ، وعلم طريقه الذي هو على الحقائق ، إلى أن يجمعها قدم الجبار وقدم الصدق.
02 - فقل : رب زدني علما ، ولا تقصد في طلبك غاية ، وتحول في صورة ما علمت، وتعلم إلى الأبد. ولا تبرح عن مركز فلك الولاية .
واصحب الحق في صور معتقدك وعلمك مع الآنات. ولا تطمع في ضبط ما لا ينضبط ، وقل : رب زدني تحيرة، فإن إدامة مزيده عليك هي إدامة التجليات، فإذا استشرحت أحوال الوجود ، في وضع الكشف والشهود ، فكن على مطالعة تنوع الصور، في عالمي البدو والحضر.
إذ بتنوعها لك تتنوع اللطائف ؛ وبتنوع اللطائف تتنوع المأخذ، وبتنوع المأخذ تتنوع المعارف، وبتنوع المعارف تتنوع التجليات ، ويتنوع التجليات تستمر لك صحبة الحق وشهوده مع الآنات.
03 - والصلاة على من ابتدئ به رش النور، وعلى ما قدر في الظلمة للظهور، وختم بتقویم صورته كمال الصورة ، وسيرتفع في دورته عن المعنى المطوي فيها هذه الحجب المنشورة سیدنا محمد، الموصل من أصله الشامل صلة كل محمول وحامل ، وعلى آله وصحبه بغية كل طالب وغنية كل آمل.
04 - وبعد: كان في كتاب «التجليات» المنطوي على المطالب العلية ، المعزة إلى المشارب الختمية ما لا تتسلق إلى حل أغلاقه الأفهام السقيمة ، ولا تظفر بمطاوي أعلاقه إلا الأذهان السليمة.
وقد رام شایم برقه أن يرى ….. من خلال سحب حروفه ودقا
وكان هو من أوجب له بعشرته المرضية على ذمتي حقا ، فأوقع قرعة طلبه علي ، وأطال أعناق رومه إلي، وقد كان له في الكتاب دخل وقيل ، وفي ساحة فهمه جانب ومقيل
فلما رأيت حد شغفه ماضيا ، وجد طلبه في التزامي الأمر قاضيا، أجبت داعيته ، ملتزما وفاء حقه وجزاء صدقه .
فعلقت له هذه الحاشية عليه ، وهي مع كونها لطيفة الحجم، توشك أن تفي بحله، وتحصي بأنامل التحقيق فرائد سمطه المقصودة إليه ، وترفع بأيادي البسط والأطناب ربات حجاله، وترشده بما رشح البال فيها من الرغائب الوهبية إلى أعذب مناله وأجزل نواله .
وسميته : بکشف الغايات في شرح ما اكتنفت عليه التجليات
وإني أسأل الله المعونة في تبيين الغرض، وتمهيد ما يميز بين ما هو المقصود لذاته، وبين ما هو المقصود بالغرض وهو السامع المجيب
وإني وإن أصبت الحق فيما تحیت ، فيه أتحرى وبه أصيب.
تأويل البسملة
رشح البال لكشف المنال ورشف الزلال في قوله قدس سره في مبدأ الكتاب وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم
05 - اعلم أن العالم بما فيه من الحقائق المتطورة في الخلق الجديد، والصور المتعينة الظهور أنها المقدرة، في نشأتها المختلفة، والحصص الوجودية المفصلة، في الأجناس والأنواع والأفراد، بحسبها في طور الإنسان : هو کتاب جمع الوجود وقرآنه .
06 - والإنسان بما لحقيقته وصورته المتطورة في المراتب التفصيلية حسب رقائقه المتصلة بتفصيلها وتفصيل كل شيء، في طور العالم المقول عليه السلام" سنريهم آیتنا في الأفاق وفي أنفسهم" [فصلت : 53 ] . هو کتاب تفصيل الوجود وفرقانه
07 - فنسخة الجمع والتفصيل المقروءة من وجهين: "كتاب مرقوم يشهده المقربون" [المطففين:20-21]. وهو الكتاب المقول فيه ما فرطنا في الكتب من [الأنعام:28]. ونسختهما من حيث صورهما مطلقا : "وكتب مسطور .في رق منشور" [الطور:2-3]. ومن حيث حقايقهما الثابتة في عرصة غيب العلم : "في كتب مكنون لا يمسه إلا المطهرون" [الواقعة : 78 - 79].
08 - فالقرآن منزل من حيث فرقانيته ، بمطابقة تفصيل الوجود . فإنه بآياته التي فصلت مبين أحواله «الوجود» التفصيلية . ومن حيث قرآنيته ، منزل بمطابقة جمعه «جمع الوجود» حتى يعود تفصيله الجم بيانا إلى جمعه وقرآنه ، بل إلى سورة منه لا بل إلى البسملة ، وهي أربع كلمات إلهية ، لا بل إلى بائها، لا بل إلى نقطته المقول فيها "لو أردت لبثت في نقطة باء بسم الله سبعين وقرا". نسب القول إلى الإمام علي كرم الله وجهه (لطائف الأعلام 124 ).
09 - فـ "بالبسملة " منزلة في مبتدأ الكتاب المحيط بالمحيطات ، كلماتها أربعة إلهية مصدرة بالباء ومختتمة بالميم، حروفها المقدرة والملفوظة اثنان وعشرون ، نقطها أربعة ، حركاتها عشرة :
ستة منها سفلية وأربعة منها برزخية ، سكونها أحد عشر: الميت من ذلك سبعة ، والحي أربعة.
فلعل من هذه المذكورات وغيرها مما أهمل ذكره ، إحاطة كلية تنطوي على كل ما احتمل الوجود من الأحوال ظاهرة وباطنة، بدءا وغاية ، تنزلا وترقية ، نقصان وكمالا ، تفصيلا وجمعة، بمطابقة ما هو مقول فيه : " ما فرطنا في الكتاب من شىء [الأنعام : 38].
10 - فها أنا أشرع أولا متلقية من نتائج سبق العناية ، في تحقيق ما اشتملت عليه نقطها، في بنائها الكشفي وعطيتها الفتوحية الإلقائية ، متحذلقا في مآخذ فيض الوجود لتلقي العطایا الجودية والنوادر القدسية والسوانح الحدسية ، فيما أحاطت به کلية استيعابها من الأحوال المذكورة بتلويحات تفي بالمقصود. ثم تتبعه الأخرى ، إلى أن ينتهي الأمر إلى غاية يتبين فيها مرام السائل وتترتب عليها غنية العائل.
النقطة
11- اعلم أنها في المعنى المطلق الكامن في الغيب المطلق ، سر أقدس هو محل سکون مد الوجود المتقلب، بعد ظهوره في أصلاب الحدود والقيود والعدد والمعدود.
وهي أصل هو محل سكون الألف ، مع كون حقيقتها معنى في الألف متقلبة في صلبه الفائت عن درك النطق مرة، منتقلة في تقليها إلى صلب الباء ، متولاة منه على استيعاب وإحاطة ، تنتقد له في أنهى غاية انبساطه وتنزله ، ومنتقلة أيضا إلى أصلاب الحروف فيها ، ومتقلبة تقلب الواحد أولا في صلب الاثنين ، الذي هو مبدأ الكثرة ، ثم في أصلاب الآحاد والعشرات والمئات والألوف.
12 - فـ "بالألف" في التحقيق لسان حل النقطة في فوت کنهها، والباء لسان حل تفصيلها وقلم خطها في تشكيلها ومبدأ بسطها في تنزيلها.
13 - ولما تجلت الحضرات الأربع في البسملة من حيث كلية إحاطتها العليا بـ «الباء»، واستقام فيها الباء عن صورته المعترضة لاحتضانه وحدانية الألف وقيامه باطنا، تعلق الباء بالسين الذي ذاته ساته الثلاث رقما ، وهو بسناته بناء ذات الألف المحتضن في الباء ، وبناء حقائقه الثلاث : أعني نقطة الأصل المبدوء بها في خطه ونقطة الغاية ونقطة الفصل بينهما.
14 - فملفوظ السين بمطابقة مرقومه في التثليث ، وذلك لظهور جوامع تفصيل ذات الألف في حس لطيف هو منال السمع. كما أن الميم هو تمام أظهر منال حس هو حظ العين.
15 - فمحل تفتح جوامع تفصيلها ذات الألف ، من حيث كونها منال السمع، هواء النفس الذي هو في مصادر النطق مداد المسموعات الجمة . ومحل تفتح تمام أظهر منال حس هو حظ العين ، ماء هو في المراتب الكونية مداد الكتاب المسطور في الرق المنشور .
16 - فينبوع هواء النفس ، الحامل صور حروف المقولات الجمة ، في حضرة اسم الاسم الذي له المبدئية في البسملة التي هي جوامع التفصيل الكتابي ، صادر من حقيقة النقطة البائية التي هي في سويداء القلب الإنساني ، نزلة أجمع الجوامع وأغمضها.
ولذلك نزلت في نقطة سويداء أول أفراد النوع الإنساني جوامع الحروف الجمة ، التي منها وجوه تفاصيل أسماء الأسماء وعلم تأليفها بجوامع المناسبات.
17 - وينبوع الماء، الذي هو في المراتب الكونية التفصيلية مداد التدوين والتسطير، إنما هو من حقيقة نقطة نون الرحمن ، التي هي حقيقة حاق وسط طرفيه العماء، التي منها انتشاء النشات الكونية وما فيها .
والرحمن هو المتجلي بالباء لإفضاء الرحمة العامة إلى عموم القابليات.
فإن الباء هو صورة السبب الأول الموصل لما إليه الحاجة شهودة ووجودة .
ولذلك كان عرش الرحمن على الماء الذي جعل منه كل شيء حي. وكل شيء ثم حي ناطق عرف الرحمن بحسبه وسبح بحمده .
18 - وينبوع الهواء والماء جمعة من حقيقة نقطتي ياء الرحیم. وهو بناء حقيقة وسطية إذا ظهرت في إحاطة متنزل الوجود دنوا ، يضاف إليها بالياء كل شيء إضافة حقيقية ؛ إذ الياء بناء هذه الإحاطة المذكورة .
19 - فنقطة الباء والنون لتخصيص عموم رحمة الوجود، وهما في ياء الرحيم لعموم تخصيصها.
ولذلك ثل علم الأولين والآخرين بضربه في نقطتين :
نقطة بين كتفيها، حيث وجدت برد الأنامل ، في نقطة أخرى بين ثدييها .
وهذا العلم إنما ينتقد لمن يجد الكون مطلعة في غيب إحاطة الباء عن تجلي الحقيقة .
ولذلك قال العارف : ليس للكون ظهور أصلا عند تجلي الحقيقة ، وإنما ظهوره بالباء لأنه ثوبها السابغ.
20 - فهذه النقاط الأربع المنزلة مطابقة الحضرات الأربع المبنية عليها ، تبين حکم کتاب الوجود جمعة في تفصيل وتفصيلا في جمع لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
21 - ولما كان الباء به ظهر الحق وبه وجد الكون الجسم، خرج على الصورة في كونه ثوب ظاهر الوجود من باطنه المجتمع فنظر الحق لظهوره وظهور حقائقه إليه ، فكان موقع نظره ظاهر نقطته التي هي بناء تدليه المنتهي إلى إحاطة أنهی متنزله القائم لتحقيق الجلاء والاستجلاء.
ونظر الكون الصادر منه في مد ذاته الذي هو مد ظل وحدانية الألف ، مستجلية فيه محل عود حقائقه إليه ، بعد تنزلها عنه وتلفعها بالصور ؛ فكان موقع نظره باطنها الذي هو بناء تدانية المنتهي إلى إحاطة أنهى غاياته العليا التي إليها المنتهی .
22 - فاجتمع النظران في أنية المثل الأعلى القائم في منصة الجلاء والاستجلاء بتوفيه حكم الجمع ظهرا وبطنا، ومطلعة وإحاطة واشتمالا ، فيما بعد المطلع. فكان موقع نظره إذ ذاك فيه محل نقطة الوصل الجامع لنقطتي الظاهرية والباطنية . فلذلك تثلیت نقطة الباء في نفسه حكمة، وفي الثاء الذي هو منتهی تنزله عينة
23 - وهذا التثليث هو تثليث النقط التي هي حقائق الألف القائم. وبهذا التثليث كان وسع الباء موقع النكاح الأول الساري ، وبه سمي النكاح باء. فالباء بهذا التثليث النقطي قام بإزاء كل شيء فكأنه يقول في كل شيء: بي قام كل شيء.
وهذا قول من قال : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الباء مكتوبة عليه». فالتحقيق الإمعاني شاهد بدوران فلك الوجود ظهورة على تثليث النقطة التي هي رأس خط قائم الألف الوحداني المنفصل عن كل شيء في أوليته وفوته .
وهذه النقطة واقعة في مبدأ طور التفصيل، تحت الباء الذي له العمل في نون الرحمن ونقطته، الانبساط رحمة الرحمانية العامة .
والنون ونقطته ، من حيث كونهما معمول الباء ونقطته ، مبدأ تسطير كتاب الوجود وتدوينه بالقلم، قرآنا وفرقانا . فإن كان تثلیث النقطة بناء ظاهر الوجود وباطنه والجامع بينهما ، فهو ظهر به أيضا في طور المفعولات ، عالم الرفع بالميل الأيمن، وعالم الخفض بالميل الأيسر، وعالم السواء بالاستقامة والاستواء.
24 - فمنتهی تقلب النقطة ، التي هي بتثليثها أم كتاب العوالم الثلاث ، نقطة مركز الاستواء. وهي الوسطية المختصة بالإنسان الذي هو بنقطة سويداء قلبه نسخة جمع العوالم وإليه إيماء تفصيلها .
وهو الذي ظهر به أيضا، في طور المقولات ، ألف الميل الأيمن والأيسر والسواء، وما يتحرك إلى كل منها من الحروف .
فمنتهی تقلب النقطة في هذا الظهور في أصلاب الحروف ، نقطة الضاد الذي انفرد أفصح من نطق به في الأكملية بالنقطة الوسطية الغائية ، فأوتي فيها جوامع الكلم ، فنطق بكل نطق في كل علم من كل رؤية ، في كل وصف بكل حقيقة.
25 - وإن كان تثليثها في صورتها الخطية ، فلها تنزلان ، تنزل في صور حجابية الحروف بتنوع تعويجاتها ، إلى أن ظهرت في صور حجابية الحروف الجمة . فتفصل فيها تثليث النقط التي هي أصل الخط ، ما بين واحدة وثنتين ، من فوق الحروف ومن تحتها ، إلى أن ظهر تثليثها جملة، كما في الثاء والشين .
ثم انتهت الحروف بالتراكيب المختلفة إلى الكلمات، إلى الكلام ، إلى الآيات ، إلى السور ، إلى الصحف ، إلى الكتب ، إلى الكتاب المحيط بالمحيطات ، إلى أم الكتاب ، إلى البسملة ، إلى الباء ، إلى النقطة ، فمن النقطة سلسلة المقولات الجمة ،
وتنزل في تثلیث نفسها ، أعني الصورة الخطية وانبساطها عرضا إلى صورة حجابية السطح، والسطح في تثليثه وانبساطه عمقا إلى صورة حجابية الجسم فيتم بالجسم تنزلات المفعولات الجمة المستتبعة الحقائق الروحانية بحسب نشأتها . ثم ينتهي الجسم إلى أبعاده الثلاث التي هي فيه صورة حجابية تثليث النقطة التي منها سلسلة المفعولات كلها.
26 - وإن كان تثليثها في دوامه المطلق ، تقلبت في أصلاب أدوار الأزل والآن والأبد ، ثم في أصلاب الآنات إلى ساعة الجمعة المشبهة بالنكتة السوداء في وجه المرأة ، ثم إلى الوقت المبجل وهو أن لا يسع فيه لصاحبه مع الحق ملك مقرب ولا نبي مرسل.
27 - فعلى ما تقرر وتحرر تكون النقطة البائية بإشارتها إلى حقيقة وحدانية حقية ، تنطوي على الحقائق الجمة إحاطة واشتمالا بذرة نبتت في الأرض الأريضة الإمكانية شجرة الكون فروعة وأصولا وأوراقا وأزهارة وأثمارة، في آن ينطوي على الدهر العظيم الذي لا مبدأ له ولا منتهى إلا الأزل والأبد، فهي الشجرة الكلية التي ثمرتها :"إنى أنا الله رب العالميين" [القصص: 30].
28 - ومن أصل هذه النقطة، وعلى صورتها، الدرة البيضاء المودعة في عرش الاستواء. وهي حاق وسط طرفيه العماء .
ثم النقطات الصورية الغاسقة والنورية : كمغرس السدرة، وموقع بیت المعمور، وبيت العزة ، والكعبة، ومراكز الأفلاك، والقطبين، وصور الذراري، وموقع قبة أرين، وذر الميثاق، وكثيب الرؤية، والهباء، ونكت سويداء القلوب، وصور الحبوب، وقطر الأمطار، وصور المتكبرين المحشورين يوم القيامة على صور الذر، ونحوها. حتى انتهت إلى ختم النبوة ، ثم إلى النقطة الغائية في القلب الأقدس المحمدي ، المسماة بالسويداء .
فإن سائر النقطات ، في سائر البدايات والأوساط والغايات ، برقيقة نسبة ما، صورية ومعنوية ، خفية وجلية تنتهي من نقطة الأحدية إلى نقطة السويداء المحمدية . فإن منتهى كل شيء ، في الأحدية ، نقطة خفية معنوية ، تشمل كل نقطة منها على الجميع.
29 - فمن اطلع على أسرار هذه العوالم النقطية ، كان مطلعة على أسرار وحدة الوجود في مراتبه وأحواله وأحكامه التفصيلية .
بل مطلعة على جمعها وتفصيلها في نقطة واحدة ، فإن جميع ما كتب بالقلم الأعلى بتقدير المدير المفصل، في لوح القضاء إجمالا، وفي لوح الفدر تفصيلا، إنما كتب من نقطة النون التي هي مرکز کرة الوجود.
وفي كل نقطة منها من حيث كونها حاق وسطها ، علم ما في جميعها فافهم نجوى ذي نفس ، أتاك من نور الهدى بقبس.
الباء
30 - في صدارته وقيامه بنساء ألف الذات، الذي لا يتعلق بشيء في قيامه ووحدانيته المطلقة.
وحيث كان الإطلاق الألفي ، في قيامه الذاتي ، غير مناف لتعلقه بما بطن فيه من وجه وظهوره به ، تعين لكلية الظهور بـ "الباء" المنبسط منه ، المتعين في الرتبة الثانية بالأولية .
فبحقه قدر ما خلق ، وبعدله خلق ما قدر. فاقتضى عدله التكافؤ في عدده ؛ فصار الواحد من عدده الاثنين، مصدر انبساط الوجود المفاض على الأعيان الغيبية ،
وصار الآخر مصدر انبساطه على الأعيان الشهادية ؛ ونقطته الموتر شفعهما، مجمع ما بطن من الحقائق الغيبية .
وظهر في الصور الشهادية ، فسری حکم عدله في الأزواج وحكم جمعه في الأفراد ؛ فقام بعدله ما تعين في مراتب الأزواج من المعدودات ، وقام بجمعه ما تعين في مراتب الأفراد منها .
فهو موجودي ، انبسط عرضة لظهور الحقائق الحقية ووجود الحقائق الإمكانية الخلقية .
إذ في مده العرضي حق ما ترجح ظهوره ووجوده ؛ وفي المد الطويل الألفي الذي لا مبدأ له في الأزل ولا غاية له في الأبد، حق كل ذلك مع ما بقي في صرافة الوجوب والإمكان أزلا وأبدا من غير مرجح لظهوره ووجوده .
31 - فلما انحصر الوسع البائي على ما يظهر ويوجب ، اختص بالمد العرضي، فإن العرض أقصر وأقل من الطول مقدارة.
وحيث كان حكم الوجود في قيامه المطلق الذاتي بالنسبة إلى شؤونه الباطنة والظاهرة والكامنة في صرافة أحدية جمعه ، والبارزة للظهور عنها على السواء، خص الألف الذي هو بناؤه بالقيام طولا وصار حكمه بالنسبة إلى سائر الحروف على السواء.
وحيث كان حكم الوجود في امتداده عرضا، في ثاني مرتبة قيامه المطلق ظهر الباء ، الذي هو بناء امتداده العرضي ، في ثاني مرتبة الألف الذي هو بناء قيامه المطلق في الهجاء.
32 - ولما كان للألف التثليث بتثلیث نقطه ، تكرر المد العرضي ثلاثة وانتشر على الاثنين منها نقطة الثلاث. فللباء منها واحدة سفلية ، فإنه بناء السبب الأول القاضي بتنزل الوجود الذي دل على سوائيته الألف.
وللتاء ثنتان من فوق ، فإنه بناء انتهاء السبب البائي تنزلا إلى أدناه ؛ فإذا انتهى تنزله إلى أدناه عاد تسبيبه ترقية إلى أعلاه :
كالذنب الذي هو سبب سقوط المذنب في مهواة الهلاك ، إذا انتهى إلى الغاية عاد ترقية إلى التوبة المنجية منها، فتفوقت عليه نقطتان وتشت، لتشعرا بتنزل السبب وترقية إلى الغاية .
ولذلك صار التبيان في كشف الأمور أغنى من البيان . وهذان المدان محل تفریق نقط الألف.
وللثاء الثلاثة : فإنه بناء جمع السببين وثمرتهما ؛ فهو اسم لما أفادته دائرة الأسباب ظاهرا وباطنا تنزلا وترقية. ألا ترى أن سبية الحسنة باطنا وظاهرة ا انتهت إلى الغاية ، أثمرت المثوية التي هي موقع الثاء؟ وكذلك السيئة أثمرت المثلة .
33 - فحيث كان الباء الذي يشار به إلى الوجود العام المنبسط في الكون دليلا على تقيده بتعيين الموجود الأول الإمكاني الذي هو السبب الأول في الإيجاد ، كان الباء سببا لما إليه الحاجة کمدلوله .
وحيث كان مدلوله في كونه السبب الأول أصلا شاملا تتفرع منه الأسباب والمسببات الجمة صدق الباء ، الدال عليه على كل شيء تفرع منه مسببة عن سبب ، أو سبب الوجود مسببة إذ لا شيء من المسببات إلا وقد صدق عليه أنه سبب لكذا.
ولا شك أن الأوائل في سلسلة الأسباب ، سبب للأواخر. فالسببية هي الباء المكتوب على كل شيء .
وحيث كان السبب الأول في اشتماله الذاتي ، مستوعبة لما تفصل منه ويتنصل إلى الأبد، وبه انبسط الوجود العام عليه، ومنه كانت فاتحة ظهوره، قال من قال : بالباء ظهر الوجود.
ومن هنا سماه بالحق المخلوق به .
34 - والباء في الحقيقة مبدأ والكثرة زوجا وفردة، فلا توجد الثلاثة التي هي مبدأ الأفراد إلا بوجود الباء فيه . فهو للظرفية : ملاحظة استيعاب السبب الأول واشتماله على جميع ماهو بصدد التفصيل .
وللإلصاق : بملاحظة اقتران الوجود العام ومروره بالتعينات الحكمية لإيجادها. وللاستعانة : بتوقف وجود کون ما عليها، في التقدير الأزلي: كإظهار الواحد وجود الثلاث، بمساعدة الاثنين فلا تبديل لكلمات الله .
وللتبعيض : ملاحظة ظهور الوجود العام البائي في تعيين يقوم بحق مظهريته ، من بعض الوجوه.
الألف المقدر بين الباء والسين والميم
35 - هذا الألف في الحقيقة همزة وصل، لكن سميناه ألفا لسكونها الميت وسقوط حركتها بالدرج.
ولما كان الألف من حيث قوته ، سكونة ميتا لم يكن معه شيء، ولم تقبل في سكونه شؤونه المكنونة حركة الظهور وأثر الإيجاد، قام عنه الباء قيام مثل يتفصل من عموم صفاته ؛ لقيامه أعني الألف الفائت ثوبا سابغة.
يبطن قيامه كنها ويظهره فيما تفصل من عموم انبساطه وجودة.
فاستبطن الباء بقيامه مقام حقيقة ، هي العالم بالكل : الهمزة ، لتكون الظاهر له ، ويكون هو الباطن لها .
وهي مع كونها حد فوت لألف ، وبدء إحاطته ، وظاهر تعينه الذاتي المنطوي على شؤونه المكنونة في سكونه الميت ، لم تقم في تحقيق المطلوب قيام الباء ، إذ لا صورة لها في سلسلة الحروف رقمة، كما لا ظهور لأحدية حقيقتها في عين الكثرة ، من حيث كونها كثرة ؛ فلم تكن ، لقيام الألف ، القائمة حركته بالكل ، ثوبا سابغة، لا سيما عن تحققها بالفوت في سقوط حركتها بالدرج، فإنها بسقوط الحركة مفقودة .
36 - فلما ظهرت مكنونات سكون الألف ومستودعات فوته ، تنزة وتفصيلا ، بالباء المتنزل المشعر بتنزله حركته ونقطته السفلية ، ظهرت على ثلاثة أنحاء : نحو يختص بما هو حظ السمع ؛ ونحو يختص بما هو حظ العين ، ونحو يختص بما هو حظ الفؤاد فما ظهرت منها بـ "الباء" على النحو الأول ، فهو حروف كتابه المنطوق ، التي بناء مجموعها في نفس الإنسان السين .
فـ "السين" بناء كلية حس لطيف هو منال السمع .
ولذلك قال المحقق الحرالي : الميم هو تمام ما ينتهي إليه الظهور في الأعيان ، والسين تمام ما ينتهي إليه الظهور في الأسماع واتصال الباء بالسين» أولا لتصدر ما هو حظ السمع في عموم الإيجاد .
وما ظهرت منها به على النحو الثاني ، فهي حروف كتابه المرقوم والمسطور، التي بناء مجموعها في نفس الرحمن آدم ، وفي نفس الإنسان الميم ، فـ "الميم" تمام أظهر منال حس هو حظ العين.
فأما كتاب الباء إنما تفضل إلى السين بما في سلسلة المقولات وإلى الميم بما في سلسلة المفعولات ، فانتهى إليهما ظهور الباء وتطوره الكلي ، في دائرة اسم الاسم.
فـ "الباء" بنقطته نسخة جامعة، وألف الدرج كذلك ؛ والسين والميم معا كذلك.
ثم انتهى هذا التنزل البائي إلى الميم ، وهو حرف دوري ينعطف آخره على أوله ، وكذلك نون السين ، كما ينعطف التجلي البائي من منتهي هذه الدائرة إلى أصله ، فتتم بذلك حيطتها .
وما ظهرت منها به على النحو الثالث هو معاني حروف کتابه المذكورة في النحوين الأولين ، وما اختص بها من الأسرار الوجودية ؛ إذ من شأن الفؤاد أن يدركها إما تعقلا أو كشفا أو شهودة جمعة أو تفصيلا.
37 - ولما كان الألف ذات الحروف الجمة التي هي وما يتألف منها حظ السمع ؛ والسين بسناته الثلاث المشعرة بتثليث النقطات الألفية بناءه وقع السين ساكنا ليطابق الدال المدلول سكونة. غير أن سكون المدلول میت ، وسكون الدال حي ، إذ المقصود من دلالة الدال ظهور المدلول ووضوحه ، فلو كان سكون السين ميتة لاجتمع في الدال والمدلول ساکنا موت ، فلم يتحقق المقصود بالدلالة.
38 - وقد تحرك الميم بالحركة السفلية ليشعر بأن الإحاطة البائية في التنزل والظهور مع انعطافها على مقتضى دور الميم في مرتبة الاسم إلى مبدئها لم تنته إلى الغاية بل لا بد لعملها في التنزل والظهور من تنزلات : منها تنزلها إلى مرتبة الاسم القائم مقام المسمى ، وهكذا حكم تعريفه .
39 - وقد طلب الباء ألف الدرج تنزلا وظهورة في مرتبة اسم الاسم، لا يثار شفعه بباطن له السوائية الحاكمة بعدلها على ما ظهر من الحيطة البائية على اثنين ، كالغيب والشهادة ، والأعلى والأسفل ، والجمع والتفصيل، والنور والظلمة ، ونحوهما ، ولا تتم الإحاطة البائية إلا بالثالث الموتر شفعها ، إذ التثليث شعار الباطن والظاهر والجامع . فبهذه الثلاث تمت الإحاطة وعمت .
40 - وألف الدرج طلب السين ليخرج ذخائر تثلیث نقطه، في تثليث ذات السين من كمون الفوت وسكون الموت . وطلب السين الميم ، وذلك كطلب الشيء نفسه .
إذ الميم في كونه حرفا دوريا أربعة ميمات :
میمان بطرد اسمه ، وميمان بعكس اسمه ؛ والقائم من المجموع عددا مائة وستون . فالماية هي غاية مبلغ الميم ، فإن أربعين بما تضمن من العقود ماية ، فما بقي من المجموع ستون، وهو مطلوب السين من الميم.
41 - فـ"الباء" في «بسم» دیوان الإحاطة والاشتمال ؛ وله العمل في ديوان الإحصاء؛ فإن الوجود العام المنبسط في الكون الذي هو في المرتبة الثانية من الغيب المطلق ، مشتمل على جميع ما هو بصدد التفصيل إلى لا غاية .
42 - و«الميم» فيه هو ديوان الإحصاء، فإن قسم الوجود الماية بتمامها منتهية إليه؛ فإن أربعين كما ذكر آنفا يتضمن ماية ، فآدم عليه السلام في منتهى دور الإيجاد الموازي رتبة الميم في بسم ، واجعين الوجود في الأسماء المعروضة بحسبها . ومحمد صلى الله عليه وسلم في منتهى سير الوجود الموازي رتبة ميم الرحيم، واجد الأسماء في عين المسمى بحسبه .
43 - بل آدم واجد الأسماء عن المسمى الغايب . إذ لا حكم لخلافته إلا في غيبة المستخلف عنه . ومحمد صلى الله عليه وسلم واجد المسمى مع الأسماء الجمة ، ولذلك كانت وطأته ورميه وبيعته للحق المتجلي له جلاء واستجلاء.
ولهذا السر وصف صلى الله عليه وسلم بالرؤوف الرحيم
وهو المقول فيه :
رحیم بین رحمانين …. كنهر بين بستانين
وتلميذ حديد القلب …. ملقى بين أستاذين
فقل للحاذق النحرير …. إن السر في هذين
فـ "الرحیم" بكونه بين الرحمانية المطلقة الذاتية وبين الرحمانية الإحاطية الصفاتية ، هو كنهر ينشئ بقوته الذاتية كمال ظهور الجمعين المعبر عنهما بالبستانين .
وهو أيضا كتلميذ يستدعي منهما بألسنة ما في قابليته الأولى ، مدد الوجود جلاء واستجلاء، ليتحقق بذلك من فاتحته المقول عليها "کنت نبيا" ،
""الحديث : "کنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " . انظر تخريجه في كتاب الشريعة للآجري"".
ومن خاتمته المقول عليها : « لا نبي بعدي» حظ عموم الكون من الوجود .
""انظر الأحاديث الخاصة بختم محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعا في كتاب الشريعة للآجري ص 456""
44 - فـ "الرحيم" في بينونة الجمعين الأخذ والعطاء مطلقا، وجودة وظهورة وسرهذا الإيماء بين رحمن البسملة وبين الرحمن .علم القرآن [الرحمن:1-2] فافهم.
فإن نور الوضوح من منصة جلاء الروح تنفس بأنفس أجناس الفتوح ؛ ودام فيض ديمها للجنان حتى ظهرت ينابيعها منه إلى القلم واللسان.
الله
45 - اعلم أن الاسم كل تكل ظهر من غيب الوجود وتميز عنه ، أي تميز و ظهور کان .
فهو علامة على مسماه ليعرف بحسبها واللفظ الدال على الظاهر المتميز الدال على المسمی هو اسم الاسم. فالاسم الله هو الظاهر المتميز عن الحق باعتبار تعينه في شأن کلي ، تحكم فيه على شؤونه القابلة منه أحكامه وآثاره .
وهذا الشأن الكلي هو حقيقة جامعة ، هي كيفية تعينه تعالی في علمه بنفسه .
46 - والملحوظ في التسمية بالله ، الوجود مع المرتبة ؛ وبالرحمن الوجود من حيث انبساطه على العموم؛ وبالرحيم من حيثية انقسام الوجود حسب تخصيص الاستعدادات هذا نص كلام أهل التحقيق.
47 - ولما انتهى تنزل الباء بعمله في الاسم الاسم إلى غاية انعطفت في المعنى إلى أولها، ظهر بعمله أيضا في الاسم الذي قام مقام المسمى ، حيث كان انبساط الوجود العام البائي قاضية بظهور عموم الإلهية .
فحصل بسراية عمله في نظم البسملة التي هي المنزل الجامع والمدون المحيط بالمحيطات جميعا ، كمال الاتصال بين الاسم واسم الاسم، بل بين الميم واللام.
فإن الميم بهذا الاتصال طلب مقامه في مستوى سلك اللام الذي هو نظير مسافة ملك الظهور، ونظير مواقع تفصيل الوجود ، أجناسة وأنواعة وأصنافا وأفرادا، غيبة وشهادة .
فإن الميم هو بناء كمال الصورة التي هي مطلوب عموم الإلهية في منتهی مسافة ملك الظهور، أو قل : في منتهى سلك اللام .
فهذا المنتهى المختص بكمال الصورة ، مقام هو مطلوب الميم من اللام ومخرجه .
49 - والهمزة الدارجة في اتصال الميم واللام ، هي شاهد الحق باعتبار تعينه أولا في شأنه الكلي الجامع للشؤون الجمة .
وقد أخفيت بالدرج، لتعود بخفائها وسقوط حركتها إلى فوتها الأصلي وانقطاعها عن اللام ، المشعر بتفصيل ماقدر وجوده في مسافة ملك الظهور، وذلك لتحقيق سر: "كان الله وليس معه شيء" مع ظهوره في كل ماظهر وتميز وتعدد .
""حديث : "كان الله ولا شيء معه"، وقد أخرجه البخاري في باب : التوحيد وبدء الخلق ، وابن حنبل في مسنده""
ولذلك اتصل الألف باللام لفظا بعده ، ليترتب على السر المذكور سر. والآن كما كان.
49 - واللام بناء ملك الظهور مطلقا. وهو حد فاصل يستجمع في مستوى سلکه التطورات الألفية النفسية في صور الحروف الجمة . ويشعر أيضا بتطورات الوجود في مسافة ملك الظهور جمعة وتفصيلا .
واللام لامان : مدغم ومدغم فيه . فإن ملك الظهور الذي هو مساق التنزلات البائية ، غيب وشهادة .
والغيب مدغم في الشهادة ، إذ لا تقوم الصور إلا بحقائقها الباطنة ، فكما أن الشهادة بصورها معرفة وموضحة للمستبصر عن أحوال الحقائق الغيبية وأحكامها، فكذلك الحقائق معرفة وموضحة للأسرار الوجودية المستجنة فيها.
والأسرار الوجودية شاهدة بظهور الحقيقة المطلقة في اختفائها بتعينات الأسرار الوجودية والحقائق الغيبية والصور الشهادية .
وقد حرك اللام بالحركة السوائية الفتحية ليشعر بأن القيومية الظاهرة في ملك الظهور اللامي القائمة بعدلها السماوات والأرض ، إنما هي من معدن فوت الجمع والوجود: فإن الحركة السوائية مادة الألف الذي له قيومية الحروف الجمة .
ولما كان اللام في مستوى مد الألف النفسي بين حدي الهمزة والميم ، كان من مستوى اللام إلى حد الهمزة من معارج الغيب ومنه إلى حد الميم من مدارج الشهادة.
ولذلك صار اللام بوسطيته الجامعة، وسادة ظهور الألف الذي له أحدية الجمع في موقع الالتفاف والتعانق
50 - فإذا ظهر الألف من معدن من الوجود في القوة المنطقية على اللام بالتقدم والحكم تعينت باجتماعهما تطورات الوجود في الأعيان الوجودية في مسافة الظهور وتحققت.
وإذا ظهر اللام بانضغاط التجلي الكلامي بين نقطتي الجوزهر بين الرأس والذنب في القوة النطقية على الألف بالتقدم والحكم، كان التفافهما لإذهاب التطورات الوجودية وطيها مطلقا.
وإليه إيماء المحقق حيث قال :
تعانق الألف العلام واللام مثل الحبيبين فالأعوام أحلام والتفت الساق بالساق التي عظمت فجاءني منهما في اللف إعلام
إن الفؤاد إذا معناه عانقه بداله فيه إيجاد وإعدام فلما كان للاسم «الله» بتضخيمه وتضعيف لامه وتحركه بالحركة العلوية ، ظهور لا يدانيه الخفاء عصم عن التنكير ولذلك من تحقق بعبودية الله لزمته الشهرة .
وحيث أخلى الإله عن التضعيف والتضخيم، لم يعصم عن ذلك.
فالمتحقق بعبوديته بعبودية الإله ، وقد يكون ظاهرة وقد يكون خامة مجهولا لا يعبأ به .
51 - فأحدية الاسم التي هي مدلول ألفه المتصل، قاطعة تعلقه بالكون فمسماه من هذا الوجه أول لا يقبل الثاني ، ومطلق لا يقبل التقييد ، وواحد لا يقبل الكثرة. فهو اسم قاطع نسب الشركة في تسمية الخلق به بحق أو باطل .
وحيث كانت التسمية به باعتبار تعين مسماه بالشأن الكلي الجامع الذي بعض وجوهه عموم الإلهية القاضية بوجود المألوهات وظهورها رجعت الأسماء السائلة ، بالسنة المحاضرة ، وجود مظاهرها من الأعيان الإمكانية إلى حضرته العليا وحيطته الوسعی وهكذا الأعيان السائلة منها ظهور الأسماء لوجودها فمن هذه الحضرة إجابة السائلين .
ألا ترى أن العائل والسقيم إذا سألا الكفاية والشفاء من حضرتي الكافي والشافي ليست قبلة سؤالهم إلا الله؟
فيقول أحدهما عند ابتهاله إليه : يا الله ! والمقصود بذكره الكافي والشافي.
.
يتبع