92 - شرح تجلي من أنت ومن هو .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
شرح التجلي 92 على مدونة عبدالله المسافر بالله
92 - شرح تجلي من أنت ومن هو
92 - متن تجلي من أنت ومن هو
لست أنا ولست هو . . . فمن أنا ؟ ومن هو ؟
فيا هو . هل أنت أنا ؟ . . . ويا أنا هل أنت هو ؟
لا وأنا ما هو أنا . . . ولا هو ما هو هو
لو كان هو ما نظرت . . . أبصارنا به له
ما في الوجود غيرنا . . . أنا وهو وهو وهو
فمن لنا بنا لنا . . . كما له به له
92 - إملاء ابن سودكين :
«ومن تجلي من أنت ومن هو، ستة أبيات :
«لست أنا ولست هو … كماله به له "
قال جامعه الممنون عليه باستجلاء هذه الأنوار الإلهية من ثغور الفهوانية ، عند تبسمها من الحضرة الخطابية ، نفع الله به :
سمعت شيخي سلام الله عليه الراسخ المتمكن لسان الحقایق وأعجوبة الخلايق والمجموع في مقامه ما تفرق لأولياء الإرث المحمدي من الرقائق ، وأنا بشهادته لي شاهد وواثق
لما دخلت به عليه …. فلم يكن للباب غالق
وشهدت صحة إرثه …. وعلم ذلك علم ذایق
وهجرت فيه شقيق روحي …. حين كان هو المشتاق
ولقيت عذل الخافقين ….. فكان قلبي غير خافق
وأنا الحظي بما منحت ….. ومجده عن ذاك شاهق
لكن شکرت بما ذكرت ….. مؤهلا للرشد رازق
يقول ما هذا معناه : «لست أنا»، البيت.
هذا استفهام تقدمه الخبر. فنفى أن يكون أنت أنت ، وأن يكون هو هو، وأن تكون أنت هو.
لأنه من كان وجوده بغيره فليس له وجود محقق . ولست أنا الحق. ومع هذا فقد ثبت عين وجود العبد مع هذا النفي ، بحيث لا يمكن أن تلحق بالعدم .
ثم قال : إذا لم يكن لي من حيث حقیقتي أنية وها أنا أشهد الأنية فإياك أن تقول : أنيتي أنية الحق.
وليست تکون. إذ ليس للعبد استقلال بالوجود وکلما هو في إمكان الوجود ، فكانه واقع .
فقال : لست أيضا الحق ، فإني مفتقر أيضا بحقيقتي ، وهذا الوصف لا تقبله حقيقة الحق .
واعلم أن حضرة الألوهية تنطلق على الذات والصفات والأفعال، والعبد داخل في الأفعال .
البيت الثاني : «فيا هو قل أنت أنا» مخاطبا جناب الحق. يقول : يا إلهي ، قل : يا عبدي ، أنت أنا .
فإنه بقولي لا يثبت ذلك ، ويقولك لي : يا أنا ، يثبت لي أنية . فارجع أقولها بقولك ، لا بقولي فيكون القول لك، لا لي .
كما أخبر جبريل عليه السلام عن أخبار الحق : «كنت سمعه وبصره الحديث. فبالنظر إلي يلزمني الأدب وتقتضي به عبوديتي ، وبالنظر إلى تنزله إلى وجودي، بقوله : "كنت سمعه وبصره" الحديث .
كان لي وجه في قولي : أنا أنت ، لأنه وصف نفسه بأنه مجموعي عند إطلاقه ذلك . ثم قال في بقية البيت : «ويا أنا هل أنت هو ؟».
ما قال : قل أنت هو، لخوفه من النفس عند سماعها أنه تعالی «سمعها وبصرها» أن تدعي ذلك حقيقة .
فسأل بالاستفهام : هل أنت هو؟ وهل وقفت عند قول الحق : أنا أنت، فإنه أثبتها بالخطاب فیری هل وقفت مع الإضافة ؟ أم وقفت مع حقيقتها العدمية ؟ لينبهها للنظر الحقيقي ففهمت الإشارة .
فقالت بلسان التحقيق ، ما ذكره ، وهو: «لا ، وأنا ما هو أنا» البيت .
اعلم أنه إن وقفت مع «التاء» في قوله : «كنت سمعه وبصره" غبت به عنك ؛ وإن وقفت مع "الهاء" في "سمعه وبصره" غبت بك عنه .
فإذا غبت به عنك فمن كونه قال لك: أنا أنت. أي لا تعتقد أن لك وجودة بل: «أنا أنت». أي لا وجود لك من حيث أنت : فلا «أنت». فـ"الأنت" عندك إنما هو نسبة خاصة .
وإن نظر العبد إلى مجموع قوله : أنا أنت، ولم يقف عند قوله : أنا، أو قوله: «کنت» فمن هذا النظر يثبت نفسه ويقول: «أنا الحق» فيكون مستهلكة نازلا . والعارف يقول : أنا بالحق .
وأما قوله في نصف البيت الأخير: «ولا هو ما هو هو» فلأنه لما سقط "الأنا" سقط الـ «هو» لأن الـ «هو» إنما يثبت في قبالة "الأنا"، وقد عدم "الانا" منك وهو هويتك ، وإذا عدمت هويتك فمن يشير ويقول : هو. فلا يصح الـ «هو» مع قوله : «أنا ، أنت» .
ثم قال في البيت الرابع : «لو كان هو ما نظرت» . البيت . أي ما كانت تنظر أبصارنا ونحن نبصره ونراه .
لكن قوله : «أبصارنا به له» فيه الأدب الذي يشير إلى نفي الأنية العبدية فبقي لم يره غيره. ثم رجع إلى موطن التحقيق فقال : ما في الوجود. .» البيت .
أي ما في الوجود المشترك غيرنا ، إذ فيه يثبت الأنا» بإثباته له.
وأما الوجود الحقيقي ، فما فيه إلا «هو» فهو «هو» فهذا حكم ال«هو» الأول وأما ال«هو» الثاني فهو الذي أثبته لعبده .
ثم قال : «فمن لنا بنا» أي من أين لنا الاستقلال أن نكون موجودين لأنفسنا ، كما أنه «هو» موجود لنفسه لا لغيره؟
فالجواب : إن هذا لا مصحح فيه أبدا، ولا يدخل تحت الإمكان . والله يقول الحق .
92 - شرح تجلي من أنت ومن هو
454 - قال قدس سره : (لست أنا ولست هو) أي ليس لي من ذاتي تحقق وأنية حتى أكون أنا بذلك أنا . فإن تحققي بالحق لا بي. ولست هو أيضا.
فإن حقیقتي على وصف الحدوث والعبودية والافتقار. والحق منزه أن يقبلها بكوني عينه . فلما وقعت الحيرة في تحقيق الأمر.
قال :(فمن أنا ومن هو)
يقول : إذا لم يكن لي تحقق من ذاتي ، فلمن هذه الأنية التي أشهدها وأحقق وجودها وإذا لم أكن أنا «هو» فمن الذي هو في تحققي عين «هو» إذ لابد لي في تحققي من «هو» فإن التحقق على مقتضی : «کنت له سمع وبصرة ويدا» . له لا لي . ثم خاطب عند تردده في تحقيق الأمر جناب ولا هويته العليا التي هي عين ما بطن وظهر فقال :
455 - (ويا هو هل أنت أنا ) أي هل أنت من حيثية تحققي بك «أنا» والحق أني بدوني كونك الذي هو عين تحققي لا «أنا» .
(ويا أنا هل أنت هو) أي هل أنت یا «أنا» من حيث حقیقتك وحكم تعينك عين هوية الحق الذي هو كونك وكون سمعك وبصرك ويدك أو غيره ، من هذه الحيثية لا جائز لك أن تكون من حيث حقیقتك العدمية «هو».
فأجاب مفهمة بما فيه مزيد التحقيق فقال :
455 - (لا وأنا ما هو أنا) فإن كوني هو عين من هو سمعي وبصري ويدي ، فلا يثبت لي تحقق أكون به «أنا».
فإن قلت من حيث كوني به وعدميتي في حقيقتي : «أنا هو».
لا أقول حقا. فقولي : "أنا من هذه الحيثية العدمية ساقط ، وإذا سقط "أنا سقط «هو» فإن «هو» غيب على «أنا» لا على نفسه. فهولا «هو» بالنسبة إلى نفسه ولا «هو» بالنسبة إلى ما سقط .
ولذلك قال :
(ولا وهو ما هو هو) ثم قال : إن «هو» إذا لم يكن غيبا على نفسه ، فحيث نشاهده ونراه به لا بنا لا يكون غيبة علينا فهو من هذا الوجه ليس بغيب على نفسه ولا بغيب علينا .
ولذلك قال : (لو كان هو ما نظرت …. أبصارنا به له)
ثم انتقل العارف إلى طور آخر في التحقيق فقال :
457 - (ما في الوجود غيرنا أنا وهو وهو وهو ) يقول : إن النظر في حال الوجود نظران: نظر إلى اشتراكه ونظر إلى تمحضه .
فهو باعتبار الأول مشترك بين «أنا» وبين «هو» غير أن ثبوته "لأنا" إنما يصح بكونه «هو».
فبالنظر إلى اشتراکه «أنا» و «هو» وبالنظر إلى تمحضه فـ "هو" و "هو". فافهم.
ثم انتقل إلى موطن آخر في التحقيق فقال :
458 - (فمن لنا بنا لنا) أي من من المحققين الفائزين بتحقيق ما هو الأمر عليه ، منا أن يقول : إن وجوده ليس بمفاض علينا بل يقول : أن تحققنا بنا استقلالا لا بالحق.
(کما له به له) أي كما أن وجوده له تعالی بذاته استقلالا . وهل للممكن مطمع أن يكون وجوده لذاته .