69 - شرح تجل من تجليات المعرفة .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
شرح التجلي 69 على مدونة عبدالله المسافر بالله69 - شرح تجل من تجليات المعرفة
69 - متن تجلي من تجليات المعرفة :
رأيت ابن عطاء في هذا التجلي .
فقلت يا ابن عطاء : إن غاص رجل جملك أجللت الله قد أجله معك الجمل فأين إجلالك بما تميزت عن جملك ؟؟ !.
هل كان الرجل من الجمل تطلب في غوصه سوى ربه .
قال ابن عطاء لذلك قلت : جل الله .
قلت له : فإن الجمل أعرف بالله منك ، فإنه أجله من إجلالك كما يطلبه الرأس في الفوق يطلبه الرجل في التحت .
فما بعدي الرجل ما يعطيه حقيقته .
يا ابن عطاء ما هذا منك بجميل .
يقول إمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو دليتم بحبل لوقع على الله فكان الجمل أعرف بالله منك !! .
هلا سلمت لكل طالب ربه صورة طلبه كما سلم لك .
تب إلى الله يا ابن عطاء فإن جملك أستاذك !!!! .
فقال : الإقالة .
فقلت له : أرفع الهمة .
فقال : مضى زمان رفع الهمم .
فقلت له : للهمم رفعٌ بالزمان وبغير الزمان .
زال الزمان فلا زمان أرفع الهمة في لا زمان تنل ما نبهتك عليه فالترقي دائم أبداً .
فتنبه ابن عطاء وقال : بورك فيك من أستاذ !!! .
ثم فتح هذا الباب فترقى فشاهد فحصل في ميزاني فأقر لي . وانصرفت .
69 - إملاء ابن سودکین :
« ومن ذلك تجل من تجليات المعرفة. قال شيخنا وإمامنا رضي الله تعالی عنه : رأيت ابن عطاء . . فحصل في ميزاني وأقر لي وانصرفت .
قال جامعه سمعت الشيخ يقول في أثناء شرحه لهذا التجلی ما هذا معناه :
كل أحد يطلب الحق من حيث حقیقته. فالرأس يطلب الفوقية والرجل تطلب التحتية لأنها في حقها أفقها . وليس في العالم حركة إلا وهي طالبة للحق.
فلما ساخت رجل جمل ابن عطاء : جل الله ، لكونه لمح القاهر فوق عباده ، ونزه الحق أن يطلب من أسفل .
فقال الجمل: جل الله أي جل عن إجلالك ، لأني طلبت الحق من حيث حقیقتي وأفق رجلي هو التحت .
وأنت عارف فينبغي لك أن تعرف مراتب الطلب ، ولا تنكر ولا تحد من لا يقبل مراتب الحد. بل سلم لكل أحد طلبه من ساير الطوایف وسایر الطالبين . فتخرج بذلك عن الحد. فسلم یا ابن عطاء لكل طالب صورة طلبه كما سلم لك .
أي كما سلم لك أرواح العارفين بالفطرة، وهم أرواح النباتات والحيوانات وأرواح المحققين . وأما أهل الفكر فلا ، فإنهم يدعون إلي وجه خاص من حيث انهم قيدوا علمهم بعلامة مخصوصة.
فهم لا يدعون الا منها . فهم لا يسلمون الا لمن وافقهم . فاعلم.
69 - شرح تجل من تجليات المعرفة
365 - مقتضی حال الوجود، طلب نفسه ووجدانها في كل شيء بحسب حقیقته ومرتبته وحكمه.
فليس في الكون حركة وسكون وعين وجزء وكل ، إلا وحقيقته تطلب الحق الذي هو عين الوجود بحسبها .
فالرأس يطلبه من حيثية الفوقية التي منتهی غایتها : "وهو القاهر فوق عباده" [الأنعام : 18].
والرجل يطلبه في منتهى أفق تحتيته ، المقول فيها: «لو دليتم بحبل لهبط على الله» .
والقلب يطلبه من حاق كل بينونة ، وهذا الطلب إما من وسطيتها فقط ، أو من حيثية إشرافها على الأطراف أو من حيثية المجموع.
فالأول هو المقول عليه : "وفي أنفسكم أفلا يبصرون" [الذاريات :21 ]
والثاني هو المقول عليه : "لأ كلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " [المائدة: 66]
والثالث هو المقول عليه : "سنريهم اياتنا في الأفاق وفي أنفسهم " [فصلت: 53]
والبصر يطلبه في المبصرات وهو المقول فيه : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله أو بعده أو معه أو فيه .
والسمع يطلبه في المسموعات وهو المقول فيه : ما زلت أكرر الآية حتى سمعت من قائلها».
وهذا إذا سمع من الحق بالحق في كل شيء ، وهو السماع المطلق. والشم يطلبه في المشمومات ، وهو المقول فيه : «إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن».
والذوق يطلبه في المذوقات وهو المقول فيه : «من منكم مثلي أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني».
هذا إذا كانت مشاهدة المحبوب غذاء وقواما. واللامسة تطلبه في الملموسات وهو المقول فيه : «وجدت برد أنامله».
وهكذا طلب كل جزء من كل شيء. فافهم.
فلما غاص رجل جمل ابن عطاء قال حيث لمح اختصاص القاهر بالفوقية على العباد :جل الله ونزه ابن عطاء أن يطلبه من جهة السفل ففهمه الحق على لسان جمله
حيث نطق فقال : جل الله أي عن إجلالك وتخصيصك إياه بجهة دون جهة ، فإني طلبته من حيث حقیقتي وأفق رجلي هو التحت . وكل شيء لا يطلبه إلا كما تقتضي حقيقته .
366 - قال قدس سره : ( رأيت ابن عطاء في هذا التجلي . فقلت له : يا ابن عطاء إن غاص ) يقال غاصت قائمه في الأرض حتى غابت ، أي ساخت . وهمزة الاستفهام للتبكيت.
(رجل جملك فأجلت الله قد أجله معك الجمل فأين إجلالك ؟ بماذا تميزت عن جملك ) فإن خصصت إجلالك بنسبة : " وهو القاهر فوق عباده " [الأنعام:18] فخصص الجمل إجلاله بنسبة : دلو دليتم بحبل لوقع على الله»، حيث طلب رجله في غوصه أفقأ إليه منتهاه .
ولهذا قال : ( هل كان الرجل من الجمل يطلب في غوصه سوى ربه ) كيف يتعدى شيء في طلبه من أفق، هو مقامه المعلوم المقدر له، على وفق اقتضائه الذاتي.
ألا ترى كيف قالت الملائكة : "وما إلا له مقام معلوم " [الصافات:164] .
وكيف قال جبریل : «لو دنوت أنملة لاحترقت».
نعم ليس للحقيقة الإنسانية بما حازت في وسطيتها من كل شيء ، أن تنحصر في أفق وتقف مع قيد وحال ومقام. بل لها السراح والإطلاق.
عند انتهائها إلى مقامها المطلق، في حضرة الجمع والوجود. فلها إذ ذاك الإمعية في سعة عموم المعية.
367 - ( قال ابن عطاء لذلك ) أي لطلب رجب الجمل في أفقه ، ربه ( قلت جل الله قلت له فإن الجمل أعرف منك بالله ، فإنه أجله من إجلالك ) حيث حصرت الحق تعالی في الفوقية وأخليت التحت منه وقلت بالحد من حيث لا تشعر.
وهو تعالى مع بقائه في تنزهه وتقدسه مع كل شيء لا بمقارنة .
ولذلك (كما يطلبه الرأس في الفوق يطلبه الرجل في التحت) وهو منزه أن ينحصر في جهة ، مع ظهوره وتجليه فيها وبها .
(فما تعدى الرجل ما تعطيه حقيقته) في سيره إلى جهة تحاذيه .
(یا ابن عطاء ما هذا) الحصر والتقييد (منك بجميل) وأنت ممن عرف إطلاق الحق في تقيده بالفوقية بنسبة : "وهو القاهر فوق عباده " [الأنعام : 18].
368 - (يقول إمامنا) وموئلنا فيما يعن لنا من الشبه المضلة ، (رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو دليتم بحبل لوقع على الله" ، فكان الجمل ) في عدم قوله بالحصر والتقييد في جهة من الجهات .
(أعرف بالله منك) حيث عرف مراتب الطالبين وتفاوت استعداداتهم (هلا سلمت لكل طالب ربه صورة طلبه ) المختصة به ( كما سلم ) كل طالب لك صورة طلبك . والمراد من قوله : كل طالب ، كل روح من الأرواح العارفة بالفطرة : كأرواح النباتات والحيوانات والمحققين .
وليس من شأن أهل الفكر التسليم إلا في حق من وافقهم في طلبهم ومقاصدهم. فإن طلبهم ومقاصدهم مقيدة بوجه خاص .
(تب إلى الله يا ابن عطاء) عما أنت فيه واقتد في شهود إطلاق الحق وتنزهه عن الجهة مع تجليه فيها وبها ، بجملك (فإن جملك أستاذك ) وحاملك إلى التحقيق .
( فقال ابن عطاء الإقالة ، الإقالة ) عما كنت عليه.
369 - ( فقلت له ) مجرد الإقالة لا يعطيك التحقيق في الحق (أرفع الهمة ) تنل ما فات عنك . ( فقال : مضى زمان رفع الهمم ) بانتقالي من نشأة الاجتهاد والكسب . (قلت له : للهمم رفع بالزمان وبغير الزمان زال الزمان ) في حقك بتجردك عن المواد الحسية وبانتقالك إلى الحظائر القدسية ، (فلا زمان) يقيدك الآن .
( ارفع الهمة في لا زمان) يعينك على الشهود السانح لك من مخائل التجريد، ( تنل ما نبهتك عليه ) في الحق والتحقيق فيه .
( فالترقي دائم أبدا ) والإنسان لا غاية له في طلبه . (فتنبه ابن عطاء) لوجدان ما لم يكن عنده في الآجل، وفهم من ذلك كيفية الترقي فيه .
(وقال: بورك فيك من أستاذ ثم فتح هذا الباب) أي باب الترقي المشار إليه . (فترقی، فشاهد) ما لم يكن يشهد. (فحصل في ميزاني) حيث صار حسنة من حسناتي في تحقيق الحق والترقي إلى أعز المنال .
(وأقر لي) وجعلني وجهة إرادته واقتدائه . (وانصرفت).
.