54 - شرح تجلي المناظرة .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
شرح التجلي 54 على مدونة عبدالله المسافر بالله54 - شرح تجلي المناظرة
54 - تجلي المناظرة :-
لله عبيد أحضرهم الحق تعالى فيه ، ثم أزالهم بما أحضرهم ، فزالوا للذين أحضرهم . فكان الحضور عين الغيبة ، والغيبة عين الحضور ، والبعد عين القرب ، وعين البعد هو مقام إيجاد الأحوال .
فاجتمعت بالجنيد في هذا المقام وقال لي : " المعنى واحد " فقلت له : " لا ترسله بل من وجوه فإن الإطلاق فيما لا يصح الإطلاق فيه يناقض الحقائق " .
وقال : " غيبه شهوده وشهوده غيبه " . فقلت له الشاهد بُداُ وغيبته غضافة والغيب غيب لا شهود فيه لا تدركه الأبصار فالغائب المشهود من غيبه لإضافة " . فانصرف وهو يقول : " الغيب غائب في الغيب " . وكنت في قوت اجتماعي به في هذا المقام قريب عهدٍ بسقيط الرفرف أين ساقط العرش في بيتٍ من بيوت الله عز وجل .
54 - إملاء ابن سودكين على هذا الفصل :
« ومن شرح تجلي المناظرة . ولنذكر نص التجلي أولا :
قال شيخنا الإمام العارف الفرد أمام أئمة الوقت ، أبو عبد الله محمد بن علي ابن العربي رضي الله عنه وأرضاه وقدس سره وروحه : لله عبيد أحضرهم الحق تعالی فيه .. ساقط العرش في بيت من بيوت الله تعالی .
قال جامعه سمعت شيخي وإمامي رضي الله عنه يقول في أثناء شرحه لهذا التجلي ما هذا معناه : أنه في هذا المشهد يجتمع الضدان لأنه أزالهم بما أحضرهم من الوجه الذي أحضرهم.
وإذا تحقق العبد بذوق هذا التجلي ، علم حكم الحق سبحانه في كونه ظاهرا وهو باطن من ذلك الوجه الذي هوبه ظاهر.
وكذلك علم حكم كونه أولا من الوجه الذي هو آخر، لا بوجهين مختلفين ولا بنسبتين . وليس للعمل في هذا المشهد مجال .
وكذلك يعلم المتحقق بهذا المشهد كيف تضاف النسب إلى الله تعالى من عين واحدة لا من الوجوه المختلفة التي يحكم بها العقل في طوره .
وهذا المشهد من مشاهد الطور الذي هو وراء طور العقل. وهذا المشهد هو مقام اتحاد الأحوال.
واجتمعت فيه بالجنيد رحمه الله فقال لي : المعنى واحد. فقلت له : في هذا المقام خاصة ، لا في كل مقام فلا ترسله مطلقا یا جنید. فإن الباطن والظاهر من حيث الحق واحد. وأما من حيث الخلق فلا .
فإن نسبة الظاهر من الحق إلى الخلق غير نسبة الباطن . فلها دليلان مختلفان بالنظر إلى الخلق . فلا يقال فيهما أنهما واحد في كل مرتبة . فلهذا قلنا: لا ترسله .
فقال الجنيد: غيبه شهوده ، وشهوده غيبه .
فقلت له : الشاهد شاهد أبدا وغيبه إضافة والغيب غيب لا شهود فيه .
فشهود الحق سبحانه لنا إنما هو من غيبه الإضافي ، وأما الغيب المحقق فلا شهود فيه أبدا وهو الغيب المطلق . ولو غاب عن الله تعالى شيء لغابت نفسه عنه .
لكن لا يصح أن يغيب عنه شيء، فهو سبحانه يشهد نفسه لا مشهودنا .
فإن الشهود والحجاب وجميع الأحكام في حقنا، نسب وإضافات وأحكام محققة ، وهو سبحانه أحدي الذات ليس فيه سواه ولا في سواه شيء منه ، وإنما هذه السنة التعريف يطلقها العارفون للتوصيل والتقريب والتانيس والتشويق .
وقوله رضي الله عنه : لا تدركه الأبصار، فالغايب مشهود من غيبه إضافة .
قال في شرحه : ليس تخصيص الأبصار ينفي الإدراك عنها ، فنفي الإدراك عن الأبصار التي هي إمام العقل . لأن العقل تلميذ بين يدي الحس عند المحققين .
فلما انتفى الإدراك عن البصر الذي هو الوصف الأخص كان العقل أبعد إدراكا وأبعد. لكن للحق تعالی مناظر يتجلى فيها .
فتلك المناظر هي الغيب الإضافي الذي يصح أن يقال فيه: غيبه شهوده . وتلك المناظر لا يصح تجليها من حيث هي ولا وجود لها إلا بتجلي الحق بها إليك.
فالمناظر هي مدرك الناظر وهي توجهات خاصة من الحق تعالی أظهرت أحكامها في كل موطن بحسب ذلك الموطن.
ولهذا تفاوت إدراك أهل التجلي بقدر قوة استعدادهم وتحققهم في التمكين ولو كانت الذات المنزهة من حيث هي ، هي المشهودة لما صح أن يختلف أثرها ولا كان يقع التفاضل في شهودها .
فلما وجدنا اختلاف الآثار علمنا أن المدارك إنما تعلقت بالمناظر المناسبة للناظر فتحقق .
واعلم أن رؤية السلطان والتلذذ بشهوده لم تكن تلك اللذة من كونه إنسانا إنما كانت من كونه سلطانا ، ولأن عند الناظر نسبة تلذذت بهذا الوجه الزايد على إنسانية السلطان .
وهو حكم النسبة التي طلبت وطلبت وبها حصل التلذذ . فهذا حكم الحق تعالی فإن النسبة والمرتبة تطلبنا ونطلبها ، لا الذات المنزهة . فافهم. فذات السلطان اقتضت السلطنة والمرتبة هي المشهودة وهي التي حجبت المحل أن يقوم به الإدراك . وهاهنا سر كبير وحقيقة عظيمة أقرب نسبتها إلى الكون هو حقيقة المرآة . وفيها أسرار عزيزة . والسلام .
وقول الشيخ : كنت في هذا المقام قریب عهد بسقيط الرفرف بن ساقط العرش.
أشار رضي الله عنه إلى ظهوره بالحلية التي اقتضاها وصف الجنيد في ذلك المشهد، حيث أطلق ما من شأنه أن يتقيد . والله يقول الحق ".
54 - شرح تجلي المناظرة
312 - (لله عبید) خصص العبيد بالاسم «الله» وإحضارهم بالاسم الحق» فإن عموم الإلهية يطلب ثبوت الإنسان الذي هو المألوه الأتم والمظهر الأجمع لا زواله . والحق هو نور عين الوجود المطلق الباطن ، والخلق ظله الظاهر
كما قال العارف:
فعين وجود الحق نور محقق ….. وعين وجود الخلق ظل له تبع
فإذا حضر الظل مع النور ثبت ، وإذا حضر فيه زال .
ولذلك قال قدس سره :
(أحضرهم الحق تعالی فيه ثم أزالهم) ثم هنا ليست للمهلة
كما في نحو قوله :
کهز الرديني تحت العجاج جرى …. في الأنابيب ثم اضطرب
فإن الهز والاضطراب معا في وقت واحد، والحق من حيث كونه إحدى الذات لا يطلب المألوه بنسبة الغيرية . فإن حضرته من هذا الوجه للإحاطة والاشتمال .
فكل شيء فيها . عين كل شيء کاشتمال كل جزء من أجزاء الشجرة في النواة على الكل . ففي كل شيء في هذه الحضرة ، كل شيء.
ولذلك أحضرهم الحق في أحديته فأزالهم فيما أحضرهم (بما أحضرهم) من وجه أحضرهم (فزالوا ) بزوال الإضافات والنسب عنهم (للذي أحضرهم ) أي لأحديته الذاتية القاضية باضمحلال رسوم الغيرية .
(فكان الحضور) في أحديته الذاتية ، بعد استهلاك الرسوم بحکم اشتمال الكل على الكل . (عين الغيبة ، والغيبة عين الحضور ، والبعد عين القرب ، والقرب عين البعد وهذا مقام إيجاد الأحوال) أي أحوال الوجود مطلقا.
والمتحقق بذوق هذا التجلي يعلم كون الحق ظاهرا من وجه هو به باطن ، وباطنا من وجه هو به ظاهر. لا بوجهين ونسبتين مختلفتين .
وليس للعقول في هذا المنال مجال قطعا
313 - ثم قال قدس سره : (واجتمعت بالجنيد في هذا المقام) پرید اجتماعا روحانية إذ شأن الكامل المنطلق في ذاته . أن لا ينحصر في البرازخ .
فله أن يخرج منها إلى العوالم الحسية وبالعكس ، اختیارة . فإنه إذا تحقق بالكمال الوسطي لا تقيده آفاق الوجود ولا تحصره ، بل له أن يتحول إلى أي صورة شاء ، وينتقل إلى أي عالم أراد ، اختيارة .
فإن الحكم الوسط بالنسبة إلى سائر أطرافه على السواء. وهو من باب قوله تعالى : "فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) " [الانفطار :8 ] فله الاجتماعات الحسية والبرزخية بالأرواح .
بحسب المناسبات الحالية والمقامية والمرتبية ونحوها فهو يستحضر الأرواح الفائقة عليه أو المساوية له رتبة، في أي عالم شاء بحكم الالتماس بعد تقوية رقيقة المناسبة بينه وبينهم .
وهو يستحضر أيضا من دونه من الأرواح رتبة بحكم القسر. ثم قال قدس سره : (وقال لي) يعني الجنيد (المعنى واحد فقلت له :) نعم في هذا المقام خاصة ، لا في كل مقام (لا ترسله) ولا تطلق حکمه (بل ذلك من وجه) دون وجه .
فإن الظاهر والباطن في جنب الحق واحد ويختلفان بنسبتهما من الحق إلى الخلق : فإن نسبة الظاهر منه تعالى إليهم غير نسبة الباطن .
(فإن الإطلاق فيما لا يصح الإطلاق فيه يناقض الحقائق) فإطلاق جانب الخلق من اختلاف الظاهر والباطن لا يصح، بل يناقض حقائقهم. إذ لكل حقيقة منها ظاهر و باطن فإن أطلق جانبها منهما، لم يبق للخلق حقائق مختلفة .
فإطلاقهم عنها يناقض حقائقهم. المقول عليها : "ولايزالون مخلفين" [هود :118] ، "ولذلك خلقهم " [هود : 119].
314 - (فقال: غيبه شهوده و شهوده غيبه) فأتبع بهذا قوله : المعنى واحد ، ولم يخصص مدعاه بذوق هذا التجلي (فقلت له: الشاهد شاهد أبدا) فإن الحق الحاضر مع نفسه لم يتغير عن حضوره معها أبدا (وغيبه إضافة) أي بالنسبة والإضافة إلينا كما نقول في الحق المتجلي في المراتب والمظاهر: إنه في عين كونه غيبا فيها مشهود فيها (والغيب) المحقق (غيب لا شهود فيه) أصلا (لا تدركه الأبصار) ولا البصيرة . وكون هذا الغيب محققا ومطلقا بالنسبة إلينا إذ لا شهود لنا فيه أبدا .
وأما بالنسبة إلى الحق تعالی فلا غيب أصلا. إذ لا يصح أن يغيب عنه شيء ولا نفسه ، بوجه من الوجوه .
فلا يقال في هذا الغيب المحقق بالنسبة إلينا : إن غيبه شهوده .
فإن غيبه لنا غيب دائما أبدا . وبالنسبة إليه تعالی شهادة محضة لا غيب فيها . ولكن له تعالى مشاهد ومناظر تعینت بالتجليات الذاتية ولا وجود لها إلا بتجليات الحق بها إلينا . فتلك المناظر هي الغيب الإضافي الذي يصح أن يقال فيه: غيبه شهوده .
فإن الحق غيب فيه في عين كونه فيه مشهودة لنا.
هذا كلامه "ابن العربي" في بعض إملائه .
315 - فمناظر الحق ومراتب ظهوره ، كالمرايا للظاهر بها . فإن الظاهر مشهود فيها وشهوده فيها، عين غيبه . إذ ليس لحقيقة الظاهر بها فيها شيء وليس عكس الحقيقة فيها عينها، بل غيرها ولذلك قابل يمين الظاهر بها يسار عکسه .
ثم أتبع قدس سره في إملائه زوائد فقال :
فالمناظر هي تدرك الناظر، وهي توجهات خاصة من الحق تعالی أظهرت آثارها في كل موطن بحسب ذلك الموطن .
ولهذا تفاوت إدراك أهل التجلي بقدر قوة استعدادهم وتحققهم في التمكين ولو كانت الذات المنزهة من حيث هي مشهودة لما صح أن يختلف أثرها ، ولا كان يقع التفاضل في شهودها .
فلما وجدنا اختلاف الآثار علمنا أن المدارك إنما تعلقت بالمناظر المناسبة للناظر. (فالغائب المشهود من غيبه إضافة) كما بين الآن (فانصرف) يعني الجنيد، (وهو يقول الغيب) أي المحقق (غائب في الغيب) أي في نفسه . ومن كانت غيبته باقتضاء ذاته فلا يحضر أبدا.
316 - ( وكنت في وقت اجتماعي به في هذا المقام ، قریب عهد بسقيط الرفرف بن ساقط العرش في بيت من بيوت الله تعالى ) يشير إلى أن الجنيد قدس سره إنما ظهر بتحلية اقتضاها مقام سقيط رفرف بن ساقط العرش .
إذ من مقتضی مقامه إطلاق ما من شأنه أن يتقيد . وهو رجل واحد في كل زمان يسمي بهذا الاسم على مقتضی مقامه . وعليه مدار فلك هذا المقام .
وهو على مشهد حقيقة كلية منطبعة في العرش المحيط. مشاهد فيها وحدة المعنى والعين والكلمة في المركز الأرضي أيضا.
وتسمى هذه الحقيقة ، باعتبار سقوطها من العرش على الأرض : بساقط العرش . فمن كان من الأناسي على شهود عليه هذه الحقيقة، في المحيط العرشي والمركز الأرضي القاضيين بالوحدة والإجمال كان شهوده متفرع من شهودها الأحوط وسقوطه من سقوطها فكان صاحب رفرف من الرفارف العرشية .
إذ ليس شهود الفرع کشهود أصله ، إحاطة واشتمالا فإذا ظهر الفرع بحلية أصله في مركز الأرض سمي بسقيط الرفرف ومن حيث تولد شهوده عن شهود أصله الشامل المسمى بساقط العرش . نسب سقيط الرفرف إليه بالنبوة فأعطاه المقام حالتئذ، اسم سقيط الرفرف بن ساقط العرش.
ولعله هو المعني في القسم الإلهي بقوله تعالی : "والنجم اذا هوى" [النجم:1].
وقد أومأ إليه العارف بقوله:
إذا سقط النجم من أوجه …. وكان السقوط على وجهه
فما كان إلا ليدري إذا ….. تدلي إلى السفل من كنهه
فيعرف من نفسه ربه ….. كما يعرف الشبه من شبهه
وهذه الحقيقة الكلية بكينونتها في العرش ، بالسر الإلهي الإنساني هي المثل الأعلى، ومشهدها فيه ليس كمثله شيء.
وبسقوطها إلى قلب الأرض الذي هو محل قيام العمد المعنوي والساق تكون على صورة الإنسان ، الأكمل الفرد ومشهدها فيه : سر: «مرضت فلم تعدني، وجعت فلم تطعمني ، وظمئت فلم تسقني».
ولها من حيث كونها المثل الأعلى بسر الإنسانية : «کنت نبيا وآدم بين الماء والطين». وفي كونها على الصورة الفردية : «لا نبي بعدي». فافهم.
[rtl].[/rtl]