76 - شرح تجلي من تجليات التوحید .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
شرح التجلي 76 على مدونة عبدالله المسافر بالله76 - شرح تجلي من تجليات التوحید
76 - متن نص تجلي من تجليات التوحيد :-
نصب كرسي في بيتٍ من بيوت المعرفة بالتوحيد .
وظهرت الألوهية مستوية على ذلك الكرسي .
وأنا واقف وعلى يميني رجلٌ عليه ثلاثة اثوابٍ :
ثوب لا يرى وهو الذي يلي بدنه .
وثوب ذاتي له .
وثوب معرا عليه .
فسألته : يا هذا الرجل من أنت ؟! فقال سل منصوراً .
فإذا بمنصورٍ خلفه . فقلت يا أبا عبد الله من هذا ؟ فقال : المرتعش .
فقلت أراه من اسمه مضطراً لا مختاراً . فقال المرتعش بقيت على الأصل والمختار مدع ولا اختار .
فقلت : على ما بنيت توحيدك ؟ قال : على ثلاث قواعد .
قلت : توحيد على ثلاث قواعد ليس بتوحيد . فخجل .
فقلت له : لا تخجل ما هي ؟!
قال : قصمت ظهري .
قلت : أين أنت من سهل والجنيد وغيرهما ؟! وقد شهدوا بكمالي .
فقال مجيباً بقواعد توحيده :
ربٌ وفرد ونفيٌ وضد . . . قلت له ليس ذلك عندي
فقال ما عندكم ؟ فقلنا . . . وجود فقدي وفقد وجدي
توحيد حقي بترك حقي . . . وليس حقي سواي وحدي
فقال : ألحقني بمن تقدم .
قلت :نعم .
وانصرفت وهو يقول :
يا قلب سمعاً له وطوعاً . . . قد جاء بالبينات بعدي
فالتفت إليه وقلت :
ظهرت في برزخٍ غريبٍ . . . فالرب ربي والعبد عبدي
76 - إملاء ابن سودکین :
« ومن تجليات التوحيد، وهذا نصه : نصب کرسي في بيت ... والعبد عبدي .
قال جامعه : سمعت شيخي سلام الله عليه يقول في أثناء شرحه لهذا التجلي ما هذا معناه قوله : نصب کرسي .. مستوية على ذلك الكرسي .
أراد بالبيت مقاما أو حالا . وأما الكرسي فحال للمتجلي وهو الحضرة التي ظهرت فيها الألوهية . والبيت أيضا هو الذي ظهر فيه العبد.
قوله : فظهرت فيه الألوهية، أي ظهرت جميع الأسماء، لأن الألوهية إنما هي المرتبة الجامعة.
قوله : عليه ثلاثة أثواب . الثوب الذاتي هو ثوب العبودية ، والثوب الذي لا يرى هو كل علم لا ينقال ، والثوب المعار هو كل علم تقع فيه الدعوى ، فيقال فيه فلان عالم ، والعارف يعلم أن العالم غيره لا هو، فإنه ما علم الأشياء إلا الحق .
فهذا معنى الثوب المعار. وقول المرتعش ،
لما سأله الشيخ عن نفسه: سل منصورا . فأحال على غيره فكان ذلك دعوى منه
لكونه لو أجاب عن نفسه لما زاد على إسمه .
فلما أحال على غيره ، علم أن ذلك الغير يعين مرتبته للسائل عنه ليراه بعين كبيرة . فكانت هذه الحركة عن دعوى باطنه .
فلذلك لما قال له غيره عن اسمه "المرتعش" ، أجابه بما أجاب عنه ، ليعلم أن حركات العارفين إنما تبنى على أصول محققة .
قال الشيخ : ولما سألت عن توحيده على ماذا بناه ، قال : على ثلاث قواعد.
فلذلك كان لباسه ثلاثة أثواب وأيضا فإن هذا شرط علم الدليل وهو علم العقلاء. وليس علم المحققين كذلك فإن توحيدهم توحيد النسب .
وقوله : قصمت ظهري ، فقلت له : سل سهلا وغيره عن هذه الصفة، فإنهم يشهدون بكمالها لا بكمالي .
وأما شرح الأبيات وهو قوله : "رب وفرد ونفي ضد". فـ "الرب" ها هنا هو الثوب المعار. و«الفرد» هو الثوب الذاتي . و"نفي ضد" هو الثوب الذي لا يرى .
وقوله قلت له : ليس ذاك عندي ، أي لم يكن توحيدي على هذا الأمر، بل كله عندنا واحد. لكونك أنت أثبت ثم نفيت ، وفي نفس الأمر ليس ثم ضد. فبقينا نحن على الأصل . وأما «الرب» فلا يشارك على التحقيق .
فلم يبق إلا ثوب العبودية المحضة ، فتبقى في قبالتها ربوبية محضة .
وقوله في البيت الثاني : فقال : ما عندكم.
فقلنا : وجود فقد وفقد وجود . أي تارة أنظرني من حيث هو، وتارة من حيث أنا.
فتارة أكون موجودا به ، عند مخاطبته إياي بالتكليف ، وتارة أكون معدوما بمشاهدته فيوجدني بالتكليف ويفقدني بالشهود
وقوله في البيت الثالث : توحید حقي بترك حقي . أي أنه لما أثبت حقي كان ترکه حقي ، لكونه تعالى إنما أثبته امتنانا منه لما لا تعطيه حقیقتي .
وحقیقتي تعطي أن لا حق لي . فتوحید حقي الصحيح أن أكون وحدي على ما تعطيه حقیقتي الأصلية ، بقائها وحدها معراه عن أوصاف الربوبية التي هي أثواب معارة على العبد. وهاهنا ترك الأكابر التصرف في الوجود لما أعطوه ، عندما رأوه عندهم عارية .
وقوله في البيت الأخير الذي ختم به التجلي : ظهرت في برزخ..
أي بين حضرة الرب والعبد.
تارة ينظر الربوبية وتارة ينظر العبودية وتارة ينظر حقه الذي من علي به ، فأعامله بما تقتضيه الربوبية .
وتارة أنظر إلى عبوديتي فأعامله بما تقتضيه العبودية .
وهذا البرزخ لا يقام فيه إلا الأكابر من الرجال . فيأخذ من الربوبية علوما ويلقيها على العبودية ، ثم يبرزها أعمالا .
وقوله: الرب ربي . أي الرب الذي لي خاصة لانفرادي له وعدم الوسائط بيني وبينه . وقوله : العبد عبدي .
أي خرجت عن الأكوان كلها على اختلافها ، وصرت مهما أخذته من ربي خلعته على الأكوان وعينت مراتبها بما ألقيه عليها من حضرة الربوبية ، وأنا أعرج تارة إلى هذا المقام الأرفع «مقام الربوبية» وتارة أتدلى إلى الأكوان عند وجود التكاليف فأنزل إلى الأكوان وأقوم بوظايف التكاليف ثم أعود.
والدليل على ذلك ، حديث «القبضة» الذي ذكره أبو داود السجستاني في سننه .
فقد تعين في ذلك الحديث ما ينبه على مقام البرزخ الذي كان آدم صلوات الله وسلامه عليه فيه.
وتعين فيه أيضا تدليه إلى عالم التكاليف ليعمرها ثم ترقية إلى مقامه .
فانظر مناسبتها في نص الحديث تجدها ، إن شاء الله تعالی »
76 - شرح تجلي من تجليات التوحید
391 - إذا بدا برق هذا التجلي من جانب الغور الإنساني ، وهمی مدراره من سماء الفهوانية ظهرت في الأرض الأريضة القلبية رغائب آبار ونبتت فيها عجائب أسرار.
ولكنما الطريق الموصل إلى فهمها مشحون بالقواطع المبيدة . والصواعق المحرقة .
فمن كان برق استعداده خلبا لا يستتبع الغيث الهامع ، فليقنع من المطالب التي عليها طلاسم الصواعق، بالخيال الزائر وليلزم بيت التقاعد ولا يتعدى طوره.
392 - قال قدس سره : ( نصب کرسي في بيت من بيوت المعرفة بالتوحيد ) الكراسي هي الحضرات الإلهية التي هي موارد التجليات.
والبيوت هي المقامات والأحوال العبدانية المنتجة للمعارف. فلا بد لكل كرسي منها من بيت يكون محل نصبه ؛ ولكل حضرة من مقام وحال هو موقع تجليها .
فالكرسي المنصوب بتوحيد الألوهية في بيت من بيوت المعارف .هو حضرة مخصوصة إلهية قاضية بهذا التجلي في مقام معرفة هذا العبد المخصوص .
ثم قال : وظهرت الألوهية بتوحيدها . (مستوية على ذلك الكرسي) أي على الحضرة الجامعة جميع الحضرات الأسمائية المتجلية لهذا العبد في مقامه الجمعي الوسطي القلبي .
وهذا المقام هو الذي نصب فيه هذا الكرسي المعبر عنه بالحضرة الجامعة .
نصبا مثاليا يعطي حكم الفهوانية . ولذلك قال : (وأنا واقف) فإن السائر المنتهي إلى الوسط الذي هو محل الأشراف لا سیر له .
ولهذا يسمى المقام الوسطي ، بوقوف السائر فيه موقفا . وفي كل مقام وسط يقف السائر فيه لاستيفاء مراسمه وحقوقه.
393 - ثم قال : (وعلى يميني رجل) يمين موقفه هو مورد التجلي ومشرق أنواره ؛ (عليه ثلاثة أثواب : ثوب لا يرى وهو الذي يلي بدنه) وهو صورة علمه الذي لا ينقال ظهرت له في المشهد الخيالي ثوبة سابغة.
فإن الصفة كالكسوة المعنوية للموصوف بها ( وثوب ذاتي له) وهو صورة عبوديته التي هي صفته الذاتية المتحقق بها كل جزء وكل عضو من ذاته (وثوب معار عليه) وهو صورة كل علم تقع له فيه الدعوى ، ويلبس بسببه ثوب الشهرة حتى يقال فيه : إنه عالم محقق في كذا وكذا .
والعارف يعلم حقيقة أن العالم في مظهريته غيره لا هو فإن العلم صفة الوجود وهو لا وجود له في ذاته من ذاته .
ثم قال : (فسألته : يا هذا الرجل ، من أنت ؟ فقال سل منصورة) ولم يجب عن نفسه .
فإنه لو أجاب لما زاد على اسمه . فكان اسمه ابتذاء يشعر بالوهن والاضطراب في أمره بما تقرر عندهم من المناسبة الإلهية والروحانية والطبيعية بين الاسم والمسمى.
394 - (وإذا بمنصور خلفه) . قال قدس سره : (فقلت لمنصور يا أبا عبد الله من هذا ؟ فقال : المرتعش . فقلت: أراه من اسمه مضطرة لا مختارة فقال المرتعش : بقيت على الأصل) الذي لا وجود له ، والاختيار صفة الوجود لا صفة العدم.
(والمختار مع ولا اختيار . فقلت على ما بنيت توحيدك ؟ قال: على ثلاث قواعد) كما كان عليه ثلاثة أثواب (فقلت : توحيد على ثلاث قواعد، ليس بتوحيد) في عرف التحقيق .
فإن نسبته تختلف باختلاف نسب القواعد. ومقتضی صرافة التوحيد، خلوصه عن الكثرة المعنوية أيضا ولهذا قال علي رضي الله عنه : "كمال الإخلاص له ، نفي الصفات عنه" .
فإن نسبها تشعر بالكثرة المعقولة و متعلق کمال الإخلاص كمال التوحيد الذي هو مبنی کل کمال .
(فخجل قلت : لا تخجل. ما هي) أي ما تلك القواعد الثلاث . (قال قصمت ظهري) بتعرضك الوارد علي.
إذ لا يمكن أن أقول : إن اختلاف نسب القواعد الثلاث ليس بقادح في صرافة التوحيد .
ولو قلت لكان ذلك من طريق علماء الدليل. وأما مذهب التحقيق فيها فغير ذلك . فإن مقتضی صرافته عندهم إسقاط النسب والإضافات مطلقا .
فلا يصح التوحيد الشهودي مع ثبوتها .
(قلت: أين أنت من سهل والجنيد وغيرهما وقد شهدوا بكمالي) في التوحيد والتحقيق فيه.
395 - (فقال مجيبا بقواعد توحيده:
رب وفرد ونفي ضد ….. قلت له ليس ذلك عندي)
فإن مجموعته الثلاث نسبة عقلية وكل فرد منها مشعر بثبوت النسب. أما كون مجموعته نسبة فظاهر.
فأما الرب ولو جعلته من الأسماء الذاتية فمشعر بمجرد التسمية به بثبوت نسب الربوبية القاضية بثبوت المربوبات.
والفرد مشعر بثبوت ما انفرد عنه من السوی . فإن الفردية لا تكون إلا في العدد . والنفي مشعر بثبوت المنفي في الجملة. فإن نفي المنفي تحصيل الحاصل .
وكل ذلك مخل في صرافة التوحيد في مذهب التحقيق .
كأنه قدس سره يقول : ليس توحيدي مبنيا على ما بنيته عليه . إذ لا وجود للسوى عندي حتى يشترك مع الرب في الوجود . فتميزه الفردية عنه فإن الامتياز مترتب على الاشتراك ، ولا اشتراك . أو يتصف بالضدية . فيتوجه النفي إليها لرفعها .
بل هو عين السوي وعين الأضداد كما يجيء من بيانه في تجلي العزة . وهو يتلو هذا التجلي.
396 - (فقال ما عندكم فقلنا وجود فقدي وفقد وجودي) ترجم قدس سره هذا البيت بما معناه في بعض إملائه يقول : تارة أنظرني من حيث هو وتارة من حيث أنا . فتارة أكون موجودة به عند مخاطبته إياي بالتكليف.
وتارة أكون مفقودا في نفسي بمشاهدتي إياه . فيوجدني بالتكليف ويفقدني بالشهود . إذ متعلق الشهود العين عند ذهاب الرسوم ومحو الموهوم.
ثم قال :
(توحید حقي بترك حقي) أي توحيدي المخصوص بي وحدي ، هو بتركي حقي الذي ظهر منه تعالى امتنان لي . وذلك هو الوجود الظاهر بحقيقتي الأصلية الباقية حالة ظهوره فيها على عدميتها . وأوصاف الربوبية التي هي ثوب معار عليها
(وليس حقي سواي وحدي) قوله : «وحدي» تتمة للمصراع للأول .
وقوله : «وليس حقي سواي» جملة حالية معناها أن الحق تعالی مع ترکه له ما ظهر له منه ، ليس سواي . إذ الوجود من حيث هو حقي الظاهر له منه ، عينه في الحقيقة .
بل هو الذي تجلى بعينه في حقيقتي القابلة بحسبها : فالعين في الحقيقة له، والحكم لي. فافهم.
397 - (فقال) المرتعش (الحقني بمن تقدم) أي بمن اهتدى إلى ما فات عنه عاجلا من أسرار التوحيد بك .
(فقلت: نعم وانصرفت وهو يقول:
يا قلب سمعا له وطوعا …. قد جاء بالبينات بعدي
فالتفت إليه وقلت: ظهرت في برزخ غريب)
لا يأوي إليه إلا نزر من الأفراد. وهو يعطي الحكمين . حتی إذا نظرت إلى وجودي الذي هو موقع التكليف و مورد الخطاب قلت بلسان حقیقتي الأصلية : (فالرب ربي)
وإذا نظرت إلي من حيث إني «لا أنا». بل «أنا» به «هو» كان «هو» لساني وسمعي و بصري ويدي .
فقال حينئذ : (والعبد عبدي) فافهم وأمعن في هذا السر الموسوم واشرب من رحيقه المختوم .
.