81 - شرح تجلي الكمال .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
شرح التجلي 81 على مدونة عبدالله المسافر بالله81 - شرح تجلي الكمال81 - متن تجلي الكمال :
اسمع يا حبيبي .
أنا العين المقصودة في الكون .
أنا نقطة الدائرة ومحيطها .
أنا مركبها وبسيطها . أنا الأمر المنزل من السماء والأرض .
ما خلقت لك الادراكات إلا لتدركني بها . فأدركني بها . أدركت نفسك . لا تطمع أن تدركني بادراكك نفسك .
بعيني تراني وترى نفسك لا بعين نفسك تراني .
حبيبي .. كم أناديك فلا تسمع .
كم أترآى لك فلا تبصر .
كم أندرج لك في الروائح فلا تشم ؟.
وفي الطعوم فلا تطعم لي ذوقاً .
مالك لا تلمسني في الملموسات .
مالك لا تدركني في المشمومات ؟! .
مالك لا تبصرني . مالك لا تسمعني. مالك ، مالك ، مالك .
أنا ألذ لك من كل ملذوذ .
أنا أشهى لك من كل مشتهى . أنا أحسن لك من كل حسن .
أنا الجميل . أنا المليح .
حبيبي .. حبني لا تحب غيري . اعشقني . هم فيَّ . لا تهم في سواي . ضمني قبلني . ما تجد وَصولاً مثلي . كلٌ يريدك له . وأنا أريدك لك . وأنت تفر مني .
يا حبيبي .. ما تنصفني ..
إن تقربت إليّ ، تقربت إليك أضعاف ما تتقرب به إليّ .
وأنا أقرب إليك من نفسك .
ونفسك من يفعل معك ذلك غيري من المخلوقين ؟.
حبيبي . أغار عليك منك . لا أحب أن أراك عند الغير ولا عندك .
كن عندي بي أكن عندك . كما أنت عندي ولا تشعر .
حبيبي . الوصال ، الوصال .
لو وجدنا إلى الفراق سبيلاً . . . لأذقنا الفراق طعم الفراق !
حبيبي ! تعال ، يدي ويدك ، ندخل على الحق يحكم بيننا حكم الأبد .
حبيبي ! من الخصام ما يكون ألذ الملذوذات . وهو خصام الأحباب .
فتقع اللذة بالمحاورة .
ولقد ههمت بقتلها من حبها . . . كيما تكون خصيمتي في المحشر !
قل هل عندكم من علمٍ بالملأ الأعلى إذ يختصمون ؟
لو لم يكن من فضل المخاصمة إلا الوقوف بين يدي الحاكم .
فما ألذها من وقفة مشاهدة محبوب . يا جان ! يا جان ! .
81 - إملاء ابن سودكين :
« ولما انتهى هذا التجلي في الشرح «أي شرح تجلي رقم 80 المتقدم » وقرأنا بعده «تجلي الكمال» و«تجلي خلوص المحبة»، انبسط الشيخ رضي الله عنه معنا، وعظم به شأن تجلي الكمال فقال :
ما يشرح هذا إلا لاستعداد خاص يطلبه، أو ما هذا معناه، رضي الله عنه وأرضاه، وحشرنا معه".
81 - شرح تجلي الكمال 411 - لسان هذا التجلي لسان الحق من حيث أحدية جمعه ، فإنه من هذه الحيثية بكل شيء عين كل شيء.
فالتجلي من هذه الحيثية إذا ظهر في شيء، ظهر بكل شيء فيه . والإنسان المتحقق بالوسطية الكمالية القاضية بتمانع القيود الجمة فيها، قابل لتجلي الحق من حيث أحدية جمعه. ففي قابلیته ، بل في قابلية كل جزء من أجزائه قابلية كل شيء.
فإذا تجلى الحق من حيثية أحدية جمعه كان التجلي عين قابلية كل جزء فيها قابلية كل شيء.
کبصر الإنسان مثلا كانت في قابليته كل الأبصار وكل الأسماع وكل الأذواق والشموم واللموس.
فكما أن عمل بصره عمل سائر أخواته حينئذ كان التجلي الذي هو عين بصره ، عين المبصرات والمسموعات والمذوقات والمشمومات والملموسات الجمة ونحوها.
هكذا اعتبر في كل جزء من أجزاء الإنسان وقس حال الإنسان الكبير على حاله. فالإنسان حينئذ يشهد كل شيء بشهود أحدية جمع الحق في قابلية كل جزء فيها قابلية كل شيء.
412 - وهذا المدرك لا يعطيه إلا الشهود الأقدس في طور هو وراء طور العقل. كما أشار إليه العارف بقوله :
وثم وراء النقل علم يدق عن ….. مدارك غايات العقول السليمة
ومع هذا لا تدرك القابليات من حيث خصوصياتها التعيينية . الحق من حيثية أحدية جمعه إلا بكون الحق من هذه الحيثية عينها .
فافهم فإن هذا المدرك شديد الغموض.
413 - وقد ذكر الشيخ إسماعيل السودكين أن المحقق قدس سره عظم «تجلي الكمال» و«تجلي خلوص المحبة» عند قراءته عليه .
فقال : ما نشرح هذين التجليين إلا الاستعداد خاص يطلبهما . وفي الحقيقة نطاق البيان يضيق عن تحقيقهما بطريق البرهان .
والمرام فيهما لا بقدم الكشف الأوضح صعب المرتقی . لا ، بل في الكشف الأعلى متعذر الوجدان للسوي .
إذا رمی
الكون بسهم إيمائه نحو هذا الغرض، لا يقع أيضا إلا على قرطاس الكون .
ولكن لك في هذا المطلوب بحر هو عين الأمواج : فلا تحقق لها إلا به .
فهي بدونه کسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئا ووجد الله عنده .
414 - قال : (اسمع يا حبيبي) هذه مخاطبة فهوانية ظهرت في عنوان غيب الجمع والوجود للسر الوجودي المنفوخ بصورة روح الحياة في تسوية المسمى بالصورة . وهو مع كونه متصلا بالمحل المنفوخ فيه غير منفصل عن غيبه .
وهذه المخاطبة في الحقيقة من باطنية أحدية الجمع مع نفسها في ظاهريتها .
فقوله : يا حبيبي ، من طريق حب الشيء نفسه. وهذا الحب أصل المحبات كلها . فإن الشيء يحب ذاته أولا ثم يحب ما به يظهر كمال ذاته .
ثم قال أيضا حاكيا عن الحق تعالی : (أنا العين المقصودة في الكون) إذ أنا الذي يطلب أن يشاهد إنائيته في مرايا الأنيات .
والكون نسب تتحقق بي فتظهرني لي بحسبها وهي تخفى عندما تظهرني .
(أنا) في الحقيقة (نقطة الدائرة ومحيطها) أي أنا حاق وسط كل جمع، وتسوية كل قابل ، وقلب كل شيء.
فأنا قيوم بي قامت المحيطات. فكما أنا الباطن في النقطة ، أنا الظاهر في محيطها أتم الظهور.
بل أنا النقطة الباطنة والمحيط الظاهر وأنا الذي له الحضور مع نفسه في باطنيته وظاهريته من غير أن تختلف عليه جهة الباطنية عن الظاهرية والظاهرية عن الباطنية .
وعلى هذا المهيع : (أنا مركبها وبسيطها ، أنا الأمر المنزل بين السماء والأرض) أي في الثلث الخير من الليل.
415 - (ما خلقت لك الإدراكات إلا لتدركني بها) حيث كنت أنا عينها (فإذا أدركتني بها) أدركتني بي ، وإذا أدركتني بي ، (أدركت) بي (نفسك) ومن أدرك نفسه بي ، أدركني .
ولذلك قال : (لا تطمع أن تدركني بإدراكك نفسك) بل (بعيني تراني وترى نفسك لا بعين نفسك ) تراها و (تراني) فإن عينها محصورة في الجهة . والجهة لا تحصرني ولا تحصر عيني.
416 - (حبيبي كم أناديك) من مكان قريب ، وأنا أقرب إليك فيه من حبل الوريد (فلا تسمع) ندائي .
ولكن القرب المفرط حكمه فيك كحكم البعد المفرط (كم أتراءى لك) في الحسن البديع في مظهر، (فلا تبصر) فلو أزلت غشاوة الكون عن عينيك لرأت فيه العين لي والحكم له .
ومن هذا المهيع: (کم اندرج لك في الروائح فلا تشم وفي الطعوم فلا تطعم لي ذوق. ما لك لا تلمسني في الملموسات ؟ما لك لا تدركني في المشمومات ؟ما لك لا تبصرني) في المبصرات (ما لك لا تسمعني) في المسموعات ؟
(مالك، ما لك، ما لك) لا تنتبه . أنا ظاهر الوجود. أنا باطنه . أنا عين الجمع بينهما.
417 – ( أنا ألذ لك من كل ملذوذ، أنا أشهى لك من كل مشتهى، أنا أحسن لك من كل حسن، أنا الجميل، أنا المليح) بي كمال كل شيء إذ الكمال الوجود، ووجوده بي لا بنفسه.
(حبيبي حبني لا تحب غيري) فإن الحب من أحكام ما به الاتحاد . فإذا أحببتني تقربت إلي بحبك وإذا تقربت إلي بحبك أحبتك .
وإذا أحببتك كنت لك سمعة وبصرة ويدة. فكنت واجدي فيك بي لا بك.
وإذا أحببت غيري انحصرت في نسب تطلب الغير من حيث هو به لابي. فكنت لا تهتدي إلا إلى عدميته التي هو بدوني باق عليها .
فهمت في ظلمات لا نور فيها ومن هذا المهيع قوله : (اعشقني .هم في) من هام يهيم. (لا تقم في سواي) فتنتهي إلى ظلمات بعضها فوق بعض
ثم قال : (ضمني، قبلني) تقبيل من يقبل شفتيه بشفتيه (ما تجد وصولا) بفتح الواو وضم الصاد (مثلي كل يريدك له) إذ كل جزء يريد كله ليتصف فيه بأحدية جمعه . وأنت الكل الذي أحاطت هيمنتك الوسعى بكل شيء.
والشيء إذا اتصل بك فاز بكماله المطلوب منه. فإن المطلوب اتصاف كل شيء من مجموع الأمر كله بكل شيء.
ولذلك كل جزء فيه حالة إطلاق حقيقتك يعطي حكم أخواته ويقوم بعملها.
(وأنا أريدك لك) لتكون بي وتتحقق بأحدية جمع كمالي. فيكون لك شأن في الخلافة من غير التقاري إليك في تدبير الكون الأعلى والأسفل . (وأنت تفر مني) إلى مرغوباتك الشهية وأنا مفرك فيها إذ ذاك ولا تدري .
418 - (يا حبيبي . ما تنصفني) وأنا حاملك إلي في مشتهياتك .
( إن تقربت إلي ، تقربت إليك أضعاف ما تتقرب به إلي) كما قال تعالى في الحديث القدسي : «من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا . ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعة. ومن أتاني مشيا أتيته هرولة " .
(وأنا أقرب إليك من نفسك) إذ لولا أنت بي لما كنت أنت بنفسك . فكونك بنفسك مسبوق بكونك بي (و) أنا أقرب إليك من (نفسك) بفتح الفاء إذ بي نفسك حامل لمواد الحياة لك.
فإنه بي في مده يأخذها من باطن وجودي إلى ظاهره وفي جزره من ظاهر وجودي إلى باطنه.
وأنت في مقام الجمع بينهما، موجود بي ، حي بحياتي ، مشحون بأحدية جمع كمالي . (من يفعل معك ذلك غيري من المخلوقين) وهل لهم أن يخرجوا من مضایق الحصر والتقييد إلى فضاء الإطلاق من حيث هم حتى تكون أنت وغيرك بهم لا بي ، أو هم أقرب مني إليك.
419 - (حبيبي أغار عليك منك لا أحب أن أراك عند الغير ولا عندك) قوله : ولا عندك بمعنى أن يعطيك شهودك سقوط إضافة «العند» إلى نفسك ، من حيث هي بي لا بها .
فإنه تعالی يغار أن يضاف «العند» إلى نفسك ، من حيث لا تحقق لها بنفسها .
ثم قال : (كن عندي بي أكن عندك) أي كن بتحققك في وسطية تنطلق في تقيدك وتتقيد في انطلاقك فيها ، مظهرة لظهور ذاتي بأحدية جمعها ، أكن مظهرا لظهور ذاتك بأحدية جمعها .
إذ لولا تقيد وجودي بتعينك لما وجدت ولا ظهرت.
(كما أنت عندي وأنت لا تشعر) فالمطلوب منك ، اطلاعك شهودا على كونك "عندي"، ولا يحصل لك ذلك إلا بي . ولا يتم كمالك إلا أن تعلم هكذا شهودا
420 - (حبيبي الوصال، الوصال) على تقدير اطلب أي : اطلب شهود ما هو حاصل لك . فإن وصله تعالى في نفس الأمر حاصل لكل شيء من حيث وجوده . ولكنما الكمال في شهوده على أتم الوجوه بحسبه .
ولذلك قال :
(لو وجدنا إلى الفراق سبيلا ….. لأذقنا الفراق طعم الفراق)
يقول : لا فراق ، في الحقيقة ، حتى نجد إليه سبيلا. ولو وجدناه فرضا لأذقناه ، بوجداننا الوصل الدائم ، طعم الفراق.
421 - ثم قال : (حبيبي تعال ، يدي ويدك ، ندخل على الحق ليحكم بيننا حكم الأبد).
اعلم أن السر الوجودي ، المنصب على القابلية الإنسانية ، المتقيد بها ، بسراية حكم الإيجاد ، إنما يطلب دوام تقيده بتعينه الوجودي ، القاضي ببقاء وجوده الخاص به .
والحق المشروع له ، بنسبة : کنت له سمعة وبصرة ويدة ، إنما يطلب سراحه وإطلاقه عن قيده اللازم له ، ليرجع بانقلاعه عن ذلك ، إلى أصله المطلق. فوقعت ، باعتبار الطلبين ، المجاذية المعنوية. فنزلها قدس سره منزلة المخاصمة .
فقال ، مترجمة عن الحق المشروع له : تعال ، ندخل على الحق تعالی المطلق ، الذي فيه يظهر كل شيء، بصورة مجموع الأمر ووصفه وحكمه ليحكم بيننا على مقتضى حكم الإطلاق الذاتي . فيعمنا حكم إطلاقه شمولا إلى الأبد.
422 - والاختصام قد يكون بين المتعاشقين . فيتلذذ العاشق إذن بمحاورة معشوقه . فترجم قدس سره عن هذا المقام فقال : (حبيبي من الخصام ما يكون ألذ الملذوذات. وهو خصام الأحباب. فتقع اللذة بالمحاورة) ثم قال ، متمثلا بما يناسب المعنی:
ا (ولقد هممت بقتلها من حبها …. كيما تكون خصيمي في المحشر)
وقد يكون الاختصام بين العاشقين ، وهما يطلبان لذة محاورة الحاكم المحبوب .
وقد ترجم قدس سره عن هذا المقام فقال : (قل هل عندكم علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ، ولو لم يكن من فصل الخصام إلا الوقوف بين يدي الحاكم ) المحبوب.
حالة حكومته ، ( فما ألذها من وقفة مشاهدة محبوب. یا جان یا جان) جان بالفارسية الروح.
423 - هذا آخر تجلي الكمال ، الذي ترك المحقق شرحه عند قراءته عليه، لاستعداد يطلبه . ولم أكن أنا ممن يخوض هذه اللجة العمياء بقوته .
ولا ممن يرغب في خطبة البكر الصهباء "الشقراء" بوجود كفاءته ولكن أخذت ، في شروعي الملزم ، من بحره رشحا. وصببت عليه من مائه صبا .
والمعترف بالقصور إن شاء الله مغفور له ، وشینه مستور عليه .
والله أعلم بما أودع في أسرار أوليائه .
.