شرح التجلي 32 تجلي الولاية .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
شرح التجلي 32 على مدونة عبدالله المسافر بالله
32 - متن نص تجلي الولاية :-
الولاية هو الفلك الأقصى من سبح فيه اطلع ومن اطلع علم ومن علم تحول في صورة ما علم .فذلك الولي المجهول الذي لا يعرف .والنكرة التي لا تتعرف لا يتقيد بصورة ولا تعرف له سريرة يلبس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها :يوماً يمانِ إذا لاقيت ذا يمنٍ ..... وإن لقيت معدياً فعدنانِ32 - إملاء ابن سودكين على هذا الفصل:«قال رضي الله عنه في الأصل : «الولاية هي الفلك الأقصى ....... لما في فلكه من السعة » .فقال في شرحه ما هذا معناه : الولاية هي الفلك الأقصى لكونها تعم جميع المقامات من الملائكة والأنبياء والأولياء وجميع المختصين بها .فمن اطلع علم، ومن علم تحول في صورة علمه ، لكون النفس تكتسي صورة هيئة علمها وتتجلى بها .وانظر إلى كون الإنسان إذا علم أمرا يخشاه كيف يلبس صورة الوجل ، لكون نفسه لبست هيئة من الخوف.فالولي الذي وقف مع ولايته لا يعرف.فإذا نزل إلى نسبة من نسب ولايته عرف بالنسبة التي ظهر بها، وعرف من الوجه الذي ظهر به، وصار معرفة من ذلك الوجه .وإذا كان في مطلق ولايته كان نكرة لكونه لم يتقيد بصورة ولا ظهرت له نسبة من النسب .ومتى أردت أن تقيد الولي بعلامة تحكم عليها به تجلى لك في النفس الآخر بخلاف ما قيدته به . فلا ينضبط لك، ولا يمكنك الحكم عليه بأمر ثبوتي.لطيفة : واعلم أن جميع الموجودات يترقون في كل نفس إلى أمر غير الأمر الآخر فالعارف شهد ذلك التنوع الإلهي فكان بصيرا عليها ؛ وغير العارف عمي عن ذلك ، فوصف بالعمى والجهل .فأتم الموجودات حضورا مع الحق أقربهم إلى الحق.فكل حالة شهد العين فيها ربه حاضرا معه كان نعيما في حقه .وإن غفل عنه في حالة كان ذلك بؤسه وحجابه ووبالا عليه . فاعلم ذلك».32 - شرح تجلي الولاية
245 - عود الحقيقة الإنسانية من أنهی متنزلها إلى الحق الذي هو محتدها الأصلي ، وقيامها به بعد تجردها عن الرسوم الخلقية ومحوها وفنائها في تجليه الذاتي ، إن كان باقتضاء حكم الأحدية المشتملة على المفاتح الأول الذاتية ،وسرايتها أفاد القرب الأقرب، المستهلك في إفراطه حكم التميز وأثره.
وهذا القرب إنما يضاف إلى الحقيقة السيادية المحمدية بالأصالة ، وإلى غيرها بحكم الوراثة .
فقيام الحقيقة الإنسانية بالحق ، من حيثية هذا القرب ، هي الولاية الخاصة المحمدية التي فيها جوامع تفصيل الولايات الجمة وإن كان عود الحقيقة الإنسانية من أنهی متنزلها إلى الحق باقتضاء الحضرة الإلهية الواحدية المشتملة على الأمهات الأصلية، وسرايتها ولكن باعتبار غلبة حكم اسم من الأمهات أو من الأسماء التالية ، أفاد القرب القريب القاضي بخفاء التميز بين القربين .
وهذا القرب إنما يضاف إلى الحقائق الكمالية الإنسانية والقيام بالحق من حيثية هذا القرب هي الولاية التي تعم حقائق الكمل .
وهذه الولاية متنوعة التفصيل متفرعة من الولاية الجامعة السيادية حسب اقتضاء الأسماء الإلهية ، وحقائق الكمل
246 - فإذا تقررت لك هذه القاعدة، وتبين بها معنى الولاية الخاصة والعامة فاعلم أن (الولاية هي الفلك الأقصى) فإن دائرتها دائرة عموم الأحدية والإلهية كما أومأنا إليه .
وهي الدائرة الكبرى المحيطة بالولاية الذاتية الأحدية والاسمائية ، جمعا وفرادی ومن وجوهها، دوائر نبوات التشريع والرسالة ، والنبوة المطلقة اللازمة للولاية ، وهي نبوة لا تشريع فيها .
إذ من حيثية هذا القرب المقرر، تنصرف حقائق الأولياء والأنبياء والرسل إلى الخلق.
فإن انصرفت ، وهي تشاهد كيفية توجه الخطاب ونزول الوحي إلى الأنبياء والرسل، في فضاء عالم الكشف والشهود؛ وتشاهد خصوصية مآخذهم وخصوصية ما يأخذون من الله بواسطة الملك أو بغیر واسطة ، من غير أن يتعين لها التشريع ، فلها النبوة المطلقة .
ولها أن تتبع نبيه «نبي التشريع» فيما شاهدت له من الأحكام المنزلة عليه عن بصيرة .
وإن انصرفت وهي مأذونة في تبليغ ما أخذت ، تعينت بالنبوة .
وإن انصرفت وهي مأمورة بتبليغه ، تعينت بالرسالة .
وإن أبدت بالملك والكتاب ، تعينت بالعزم.
وإن أيدت بالسيف ، تعينت بالخلافة الإلهية .
ولا يمكن عود الولي إلى مجنی ثمرة ولايته ، في القرب القريب أو في القرب الأقرب ، إلا بإيمانه أولا بالغيب .
ولا يصح إيمانه إلا أن يؤمن بما جاء به الرسول . فالولي يتبع النبي مقتديا به .
وإذا عاد إلى حضرة القرب القريب أو الأقرب ،كان شهوده من حيثية شهود من كان قلبه على قلبه من الأنبياء والرسل ، فكان وارثا له في ذلك.
فالولي إذن لا خروج له أصلا من حدود الاقتداء بهم «الأنبياء».
فافهم وادفع عن خاطرك خدوش الهم . هذا وقد تبين كون الولاية هي الفلك الأقصى .
ثم قال قدس سره :
247 - (من سبح فيه اطلع ) الاطلاع: إدراك يسنح للنفس عند إشرافها على شيء.
والسابح في الفلك الأقصى مشرف على ما فيه من الأفلاك شهودا (ومن اطلع علم) ما في باطن ما أشرف عليه وظاهره ، وما في حيثية جمعه بينهما (ومن علم تحول في صورة ما علم) فإن النفس الإنسانية في طور الشهود ،إنما تتلبس باطنا بصور علمها وعقائدها وأخلاقها؛ وظاهرا بصور أعمالها.
فهي إذا علمت شيئا تخشاه ظهرت بصورة الرجل وتلبست بهيئة الخوف.
248 - (فذاك الولي المجهول) أي المطلع بسباحته في الفلك الأقصى ، العالم باطلاعه على ما فيه من الأفلاك، التحول في صورة ما علمه في البرازخ المثالية ، هو ولي مجهول إذا وقف مع ولايته ولم يحد عنها إلى نسبة من نسبها فإن الوقوف معها من حيث كونها تقتضي التجريد المحض ، لا يعطى الظهور والشهرة .
اللهم إلا إذا نزل إلى نسب من نسبها فإنها تعرفه حسب تقيده بها .
فما دام الولي واقفا مع ولايته لا ينضبط ؛ فإنك إذا حكمت عليه بنسبة وحكم، وجدته في أخرى .
ولذلك قال فيه : (الذي لا يعرف والنكرة التي لا تتعرف، لا يتقيد بصورة) يعني في عالم الكشف والشهود.
فإنه في إنسانيته ، مقيد بالصورة الحسية ؛ ولئن شاء تحول عنها أيضا وأهل الكشف لا يعرفون أحدا من أهل طريقهم، في العوالم الشهودية إلا بما ظهر به في تجولاته من العلائم الإلهية المدركة بالعلوم الذوقية ، ومن الهيئات الروحانية والمثالية .
(ولا تعرف له سريرة) لسرعة تقلباته في الأحوال الإلهية والإمكانية ، في كل آن. ولذلك تتضمن كل لمحته دهرا وكل قطرته بحرا .
(يلبس لكل حالة لبوسها) فإن العارف يشاهد التنوعات الإلهية ، في تجدد الخلق الجديد في كل نفس .
فمن شاهده منهم على حضور مع الحق الظاهر فيه ، عامله معاملة أهل النعيم.
ومن شاهده في حجاب منه ، عامله معاملة أهل البؤس .
وربما أن يكون شيء في حالة تقتضي لبوس النعيم، وفي حالة أخرى تقتضي لبوس البؤس .
فالولي المطلق مع أحوال الوجود (إما نعيمها وإما بؤسها) وحاله في سرعة تقلباته كما قيل :
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن …. وإن لقيت معديا فعدنان
فهو كمشهوده مع كل شيء بصورة ذلك الشيء و حاله ووصفه .
ولذلك قال فيه : (إمعة لما في فلكه من السعة).
.