شرح "15" تجلي الرحمة على القلوب .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
شرح التجلي 15 على مدونة عبدالله المسافر بالله
15 - متن نص تجلي الرحمة على القلوب :-انتشرت الرحمة على القلوب ففتحت أعين البصائر فأدركت ما غاب عنها وهي مقلة وإرادة على حضرة الغيب والمنزه الأبهى وعرفت بهذا التجلي أن الله اختصها عن غيرها من القلوب التي أعماها الله تعالى عنه فأشهدها ظلمتها فنظرت إليها صادرة عمياء منحطة إلى أسفل سافلين منكوسة الراس ولكن تعمى القلوب التي في الصدور فكل من قيده طرف فهو المحتوى عليه محصور في قيد الأين في "ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها" و "من يجعل الله نوراً من عنده فما له نور" من ذاته .
15 - إملاء الشيخ الأكبر على ابن سودكين على هذا الفصل :
«قال الإمام في أثناء شرحه لهذا التجلي ماهذا معناه :
انتشرت الرحمة فانفتحت عين البصيرة فأدركت ما غاب عنها ، وهي مطالبها التي كانت غائبة عنها، وهي تمیز هيئاتها من الموجودات .
ولما انفتحت عيون الأبصار فثم عيون قابلتها أنوار، وثم عيون قابلتها ظلمة . والظلمة مشهودة للبصر غير مشهود بها .
والنور مشهود ومشهود به .
والظلمة عبارة عن عدم مشاهدة الموجود لذاته .
فعمي قال الله تعالى : " ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "46 سورة الحج. والصدور عبارة عن الرجوع ، وقد رجعت إلى نفوسها فعميت عن الوجه الذي لها من الحق تعالى وغابت عنه .
إذ كان لكل موجود وجه إلى الحق ووجه إلى سببه ؛ فبقي هؤلاء مع ظلمة السبب وأما الأكابر فبقوا مع وجه الحق ولم يحجبهم السبب الذي وجدوا عنده لا به . فتحققوا أن الأسباب للابتلاء وهي عين الحجب . فأنزلوها منزلتها فأثروا فيها ولم تؤثر فيهم بخلاف من عمي عنها . والله أعلم».
15 - شرح تجلي الرحمة على القلوب
191- هذه رحمة رحيمية ، فإنها مختصة بالقلوب المتبحرة المرتقية إلى مستقرات هممها المتجوهرة ، بتدبير الحكيم وتقدير العزيز العليم، في المنزه الأبهى . ولذلك قال قدس سره :
(انتشرت الرحمة على القلوب) الألف واللام في القلوب للعهد فلا تعم هذه الرحمة بتحلية الجمع بهما .
(ففتحت أعين البصائر) أي بصائر هذه القلوب المعهودة .
وهي قوة بها تدرك القلوب الحقائق شهودة ؛ فهي للقلوب ?الباصرة للبدن .
( فأدركت ) القلوب بها ( ما غاب عنها ) من مطالبها العالية والذاتية ، الإلهية والإنسانية ، الكامنة في مطاوي سعتها ، الغير المتناهية ، جمعة وفرادی .
(وهي مقبلة واردة على حضرة الغيب) بإعراضها عن الكون ومحو صورها المنتفشة فيها.
والمعنى هنا بحضرة الغيب ، الحضرة الإلهية من حيثية البرزخية الثانية ، التي هي منشأ حقائق الكل ومنتهى قلوبهم الكاملة (والمنزه الأبهى ) كناية عن البرزخية الأولى الأحدية المختصة بالحقيقة السيادية المحمدية .
فالقلوب التي هي ورثة الأحوال القلبية السيادية لها المنزه الأبهى عند توجهها إلى الغاية التي هي المنتهى ، بقدر المناسبة الذاتية والنسبة الاقتدائية .
192 - (وعرفت) أي القلوب ، (بهذا التجلي أن الله اختصها) بمشاهدة وجه الحق الذي ?له نور، (عن غيرها من القلوب التي أعماها الله تعالى عنه) أي عن المنزه الأعلى برؤيتها نفسها وتقييدها بالانحصار عليها .
والقلوب من حيث إنها مفطورة على طلب الشهود، (فأشهدها) الله (ظلمتها) المحيطة بها من جانب الطبيعة الغاسقة .
(فنظرت إليها صادرة ) في الطلب (عمياء) مطموسة البصائر، بقتر الرين .
(منحطة إلى أسفل سافلين) منجذبة إلى سنخ الطبيعة ، التي هي مثار الظلمات
(منكوسة الرأس) بإعراضها عن المنزه الأعلى وإقبالها إلى جهة مركز الطبيعة الغاسقة .
وقد استشهد قدس سره على القلوب المقبلة عن الحق، إلى كونها موجودة ميالة إلى رؤية نفسها متعلقة بالملاذ الحسية الطبيعية .
بقوله تعالى : ( "ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" ) 46 سورة الحج.
مع كونها في أصلها من مواليد النور الأبهج وجواهرها منظورة في الصدور بلحظات الأنوار الإسلامية .
193 - ( فكل من قيده الظرف ، فهو المحتوى عليه ، المحصور في قيد الأين : في " ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها" 40 سورة النور) .
هذه العبارات منطوية على الإشارات المنبهة أن شأن القلب الإنساني أن يتجوهر بالخلاص عن مخالطة الكون ويتبحر في تحققه بالأنوار الغيبية والتجليات الإلهية ، فيعود بين ذلك إلى سعة هي منصة الاسم الإلهي «الواسع»، فلا يحصرها أين ولا يقيدها حكم .
فتستغرق العوالم الجمة في وسعها ، حتى إن العرش وما حواه ، لو مر في زاوية من زواياها ، لما أحست به ومن قيد قلبه الظرف وحصره الأين .
انتهى في تنزله وتحيره في أسفل سافلين إلى نقطة عمياء صماء ، ليس فيها للمدركات الخلقية نفوذ وسراية وكشف قطعة، وهي مركز يعطي الجهل البهيم للعقول ، حتى تخرس وتهيم .
( ومن لم يجعل الله له نورا) من سريان الفيض الوجودي فيه ،
(فما له من نور من ذاته) فإن حقيقته ، حالة ظهور الوجود فيها وحالة خلوها عنه ، باقية على عدميتها ، فلا نور لذاتها في الحالتين .
فافهم.
.