09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص الحكم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الباقي مفتاح
كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم الشيخ الأكبر ابن العربي للشيخ عبد الباقي مفتاح
الفص اليوسيفي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكمالمرتبة 09: لفص حكمة نورية في كلمة يوسفية من الاسم الغني وفلك البروج ومولة الطرف وحرف الجيم
التقدير تقسيم وتحديد، والجامع لكل الحدود والقيود يستلزم أن يكون غنيا عن كل حد وقيد.
فالاسم المقدر يستلزم ظهور الاسم الغني الذي له المرتبة التاسعة فتوجه على إيجاد تاسع الأفلاك مع الاسم: الدهر، وهو فلك البروج الاثني عشر كل برج منصة الملك عظيم بيده مفاتيح خزائن ذلك البرج التي أودع الله فيها أحكاما تظهر آثارها في العالم دنيا وأخرى حسب سير الكواكب وتنزلات الأنوار.
وقد فصل الشيخ كل ذلك في أبواب من الفتوحات وفي (عقلة المستوفز) وفي (التنزلات الموصلية).
""حديث: سئل ابن عباس، فقيل: يابن عباس، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال: نعم، فقلت لابن عباس: أليس يقول الله: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" [الأنعام: 103] ، قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء"" رواه المقدسي في المختارة والبيهقي وابن خزيمة وغيرهم.
ولذلك اقترن الاسم الغني بفلك تلك الخزائن التي عددها 360 على عدد درجات الفلك.
ومن جهة أخرى لأن هذا الفلك الأطلس الذي لا صورة فوقه محسوسة هو مظهر للتنزبه الإلهي . أي لاسمه تعالى: الغني عن العالمين.
ولهذا كرر الشيخ هذا الاسم مع الفقر في آخر هذا الفص نحو30 مرة وختمه بالآية ( يأيها الناس أن الفقراء إلى الله والله هو الولي الحميد) (فاطر، 15).
ومن أنسب الأنبياء لحضرة الغني يوسف عليه السلام الذي جعله الله أمينا على خزائن الأرض وعلى خزائن عالم المثال والتصوير في السماء الثالثة ورفع أبويه على العرش.
ولهذا نجد الشيخ في كتاب العبادلة يخصص باباعنوانه عبد الله بن يوسف بن عبد الغني.
علاقة أخرى لطيفة بين فلك البروج الأطلس ويوسف وهي أنه عليه السلام أوتي شطر الحسن كما ورد في الخبر .
ففي المقام اليوسفي لا يظهر من دائرة كمال الحسن إلا نصفها الجمالي والتنبهي كما ظهر على لسان النسوة حسب ما أخبر القرآن "فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " (یوسف، 31).
وكذلك الفلك الأطلسي لا يظهر منه إلا نصفه لوجودنا على الأرض والنصف الآخر في الغيب بالنسبة لنا.
وإلى هذا أشار الشيخ في أول الباب بذكره للستة التي هي عدد البروج الظاهرة في نصف الفلك ومثلها المغيبة .
فقوله عن أمنا عائشة رضي الله عنها: (فمضى قولها ستة أشهر) إشارة لطيفة إلى مناسبة لطيفة بين المرأة الصديقة والمقام اليوسفي.
فـ ليوسف شطر حسن الكمال. والزوجة نصف الرجل الكامل.
وفي القرآن وصف يوسف الصديق كما لقبت عائشة بالصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما وكانا كیوسف من أعلم الناس بعلم التعبير، ...
والصدق في الأقوال والأعمال يثمر الرؤى الصادقة ... والكمال ليس محصورا في الشطر الجمالي المنبسط نوره، بل الكمال في جمع وتكامل هذا الشطر الجمالي مع الشطر الآخر الجلالي المنبسط عليه الظل.
أي في الجمع بين قوسي التنزيه والتشبيه أو الإطلاق والتقييد وغير ذلك من الأضداد.
وبقدر الانحراف عن هذا الجمع الكمالي ينحرف المشاهد عن كمال المعرفة كما فصله الشيخ في بدايات الباب 73 من الفتوحات.
وإلى ذلك التكامل أشار الشيخ في قوله في الأبيات التي استفتح بها الباب 372 من الفتوحات المخصوص بسورة يوسف:
من حاز شطر الكون في خلقه ….. وشطره الآخر في خلقه
فذاك عين الوقت في وقته ….. وبدره الطالع في أفقه
فبدره يطلع من غربه …… وضوءه يغرب في شرقه
فكل مخلوق به هائم ….. وكلنا نهلك في حقه
وفي هذا الباب 372 يتكلم عن البروج وفلكها لأنه من المعلوم في الملة الإسرائيلية أن لكل سبط من الأسباط الاثني عشر برجا معينا، فقال (ألا أيها الفلك الدائر لمن أنت في سيركم سائر).
وكذلك في الباب 421 من الفتوحات الموافق لمنازلة في سورة يوسف يذكر بالتفصيل أسماء البروج مرتبة.
وعنوان هذا الباب وموضوعه حول التنزيه وهو : (منازلة من طلب الوصول الي بالدليل والبرهان لم يصل إلى أبدا فإنه لا يشبهني شيء).
ولهذا أيضا نجد في كتاب "التراجم" باب منازلة سورة يوسف تحت عنوان:
ترجمة السلب والتنزيه.
وأنسب الحروف هذه المرتبة هو الجيم لأنه الحرف الوحيد الخارج عن القبضة حسبما ذكره الشيخ في جوابه عن السؤال 120 من أسئلة الترمذي،
والخروج عن القبضة هو الإطلاق والتنزيه.
والجيم هو مفتاح اسمه تعالى: جامع الخارج عن قبضتي الجلال والجمال لجمعيته لهما معا في المقام الأحمدي الأحدي الكامل.
وهو مفتاح اسمه تعالى: جميل جواد المتجلي في المقام اليوسفي
وحكمة هذا النص نورية لعلاقة النور بيوسف والخيال والفلك الأطلس فقد أعطى الله تعالى ليوسف نور علم التعبير فكان يكشف به حقائق عالم المثال والخيال.
والخيال هو أعظم نور يدرك به الإنسان الأشياء، وقد أطنب الشيخ في هذا الموضوع في أبواب كثيرة من الفتوحات خصوصا في الباب 360 المخصوص .منزل سورة النور .
حيث يقول: (وإذا ثبت إلحاق الخيال في قوة الإيجاد بالحق ما عدا نفسه فهو على الحقيقة المعبر عنه بالإنسان الكامل .
فإنه ما ثم على الصورة الحقية مثله فإنه يوجد في نفسه كل معلوم ما عدا نفسه وألحق نسبة الموجودات إليه مثل هذه النسبة…
فما قبل شيء من المحدثات صورة الحق سوى الخيال فإذا تحققت ما قلناه علمت أنه في غاية الوصلة).
وأما علاقة فلك البروج بالحكمة النورية فلأن البروج ما تعينت إلا بسير الشمس التي هي أعظم مظهر للنور المحسوس في الدنيا.
فبالنور ظهرت البروج ولهذا قال الشيخ في هذا الفص:
(ولكن باسمه النور وقع الإدراك) ولهذا كرر الشيخ ذكر الشمس والقمر والنجوم التي ظهر بها الفلك الأطلس كما ظهر ما المقام اليوسفي في قوله في سورته :«إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين»
و كما لا تدرك حضرة الخيال إلا بواسطة الصور المثالية التي تعبره كذلك لا يدرك الفلك الأطلس إلا بواسطة الصور الكوكبية السابعة تحته.
وكما أن الخيال برزخ بين المحسوسات والمعاني فكذلك الفلك الأطلس برزخ بين عالم الطبيعة العنصرية الحسية وعالم الطبيعة النورانية الروحية الملكوتية.
وكما أن الخيال حيرة لأن الصورة الخيالية هي لا هي، فكذلك الفلك الأطلس هو فلك الحيرة.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ في الفصل 16 من الباب 198:
"ألا ترى الفلك الأطلس كيف ظهر من الحيرة في الحق لأن المقادير فيه لا تتعين للتماثل في الأجزاء كالأسماء والصفات للحق لا تتعدد، فالحيرة ما ظهرت إلا في الفلك الأطلس حيث قيل إن فيه بروجا ولا تتعين. فوضع على شكل الحيرة.
ووضع الفلك المكوكب بالمنازل على شكل الدلالات على ما وقعت فيه الحيرة فاستدل بالمنازل على ما في الأطلس من البروج فهر على شكل الدلالة.
وجعل تنوع الأحكام بترول السيارة في المنازل والبروج بمنزلة الصور الإلهية التي يظهر فيها الحق فما للأطلس فيها من الحكم تجهل
ويقال ليس له صورة بالدلالة العقلية وبما للمنازل فيها من الدلالات تعلم ويقال هذا هو الحق".
فقول الشيخ: (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال) يمكن فهمه من عدة وجوه: ففي الحضرة الكونية لا تظهر حكمة فلك البروج إلا بانبساط نور الشمس خلال ميرها في فلكها .
قال تعالى ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) (الفرقان، 45).
وفي الحضرة الإنسانية الجزئية: هذه الحكمة تتعلق بالقوة المتخيلة في الإنسان التي هي أعظم نور فيه وأوسع حضرة منه فيه.
وأما في الحضرة الإنسانية الكلية فحضرة الخيال هي أخص مظاهر الإنسان الكامل لأنها على صورة الحق الكاملة في الإيجاد والاتساع. وهذا المظهر يسمى يوسف المحمدي.
أما يوسف اليعقوبي فنوره منبسط على حضرات الخيال المقيدة و روحانيته في السماء الثالثة فهي قطب عالم المثال والتعبير في الدنيا، ومحتد نفسه في الفلك الأطلس.
وأما في الحضرة الإلهية هذه الحكمة هي للتجلي الذاتي بالإسم النور في حضرة الغني وإظهار الممكنات لأنفسها مفتقرة للغني الحميد.
ويتكلم الشيخ عن فلك البروج فيقول ما خلاصته :
الاسم الغني جعل هذا الفلك أطلس لا كوكب فيه متماثل الأجزاء مستدير الشكل لا تعرفي لحركته بداية ولالاية يقطع بحركته في الكرسي كما يقطعه من دونه من الأفلاك، وماله طرف.
بوجوده حدثت الأيام والشهور والسنون ولكن ما تعينت هذه الأزمنة فيه إلا بعدما خلق الله في جوفه من العلامات التي ميزت هذه الأزمنة.
وما عين منها هذا الفلك سوى يوم واحد وهي دورة واحدة عينها مكان القدم من الكرسي فتعينت من أعلى فذلك القدر يسمى يوما.
وما عرف هذا اليوم إلا الله تعالى لتماثل أجزاء هذا الفلك و كان ابتداء حركته بأول درجة من برج الجوزاء المقابلة لقدم الكرسي فظهر أول يوم وهو يوم الأحد بانتهاء دورة واحدة ظهر عن صفة السمع.
فلهذا ما في العالم إلا من يسمع الأمر الإلهي في حال عدمه بقوله كن .
ومن دورته الثانية ظهر يوم الاثنين من صفة الحياة فما في العالم جزء إلا وهو حي.
ومن دورته الثالثة ظهر يوم الثلاثاء من صفة البصر فما في العالم جزء إلا وهو يشاهد خالقه من حيث عينه لا من حيث عين خالقه.
ومن دورته الرابعة ظهر يوم الأربعاء وحركته عن صفة الإرادة فما في العالم جزء إلا وهو يقصد تعظيم خالقه.
ومن دورته الخامسة ظهر يوم الخميس وحركته عن صفة القدرة فما في الوجود جزء إلا وهو متمكن من الثناء على موجده.
ومن دورته السادسة ظهر يوم الجمعة وحركته عن صفة العلم فما في العالم جزء إلا وهو يعلم موجده من حيث ذاته إلا من حيث ذات موجده.
ومن دورته السابعة ظهر يوم السبت وحركته عن صفة الكلام فما في الوجود جزء إلا وهو يسبح بحمد خالقه.
ولم يتمكن الدهر أن يزيد على سبعة أيام لأن الصفات الإلهية الأمهات سبعة.
ومن حركة هذا الفلك ظهرت الأحياز وثبت وجود الجوهر الفرد المتحيز الذي لا يقبل القسمة.
ولما انقسمت الكلمة العرشية الواحدة في الكرسي إلى اثنين بتدلي القدمين وهما خير وحكم.
والحكم خمسة أقسام: وجوب وحظر وإباحة وندب وكراهة. والخبر قسم واحد.
فإذا ضربت اثنين في ستة كان المجموع اثني عشر سنة إلهية وستة كونية لأنها على الصورة فأنقسم هذا الفلك الأطلس على اثني عشر قسما لكل قسم حكم في العالم ينتهي إلى غاية ثم تدور كما دارت الأيام سواء إلى غير نهاية.
فأعطى للحمل 12000 سنة ثم تمشي على كل برج بإسقاط ألف حتى تنتهي إلى آخرها وهو الحوت فله 1000 سنة فجملة الدور 78000 سنة وتعود الحركة الدورية متجددة مع ثبات عين المتحرك والحركة لا تعود عينها أبدا لكن مثلها.
وهذا الفلك هو سقف الجنة وعن حركته يتكون فيها ما يتكون وهو لا ينخرم نظامه فالجنة لا تفنى لذاتها أبدا ولا يتخلل نعيمها ألم ولا تنغيص.
ولحكم الطبيعة على هذا الفلك ظهرت فيه ثلاثة بروج نارية ومثلها ترابية ومثلها هوائية ومثلها مائية .
ولكل برج ثلاثة وجوه فمجموعها 36 وجها، والحاكم فيه ملك عظيم بيده تنفيذ ما أوحى الله فيه من أمره .
فـ لملك الحمل "الحامد" مفتاح خلق الصفات والأعراض.
وللثور "الثابت" مفتاح خلق الجنة والنار و بحركته وحدت جهنم وما يتكون فيها.
وللجوزاء "الجايز “ مفتاح خلق المعادن وفي أول الحادية إحدى عشرة درجة منه ينتهي يوم القيامة فيستقر أهل الجنة فيها وأهل النار فيها إلى الأبد.
وللسرطان "السائق" مفتاح خلق الدنيا.
وللأسد "الأقليد" مفتاح خلق الآخرة وبطالعه خلقت الجنة.
وللسنبلة "السادن‘‘ تدبير الأجسام البشرية ويطالعه خلق الإنسان والبرزخ.
وللميزان "المانح" مفتاح خلق الزمان والأحوال والاستحالات.
وللعقرب "العادل" مفتاح خلق النباتات .
وللقوس "القائم" تدبير الأجسام النورية والظلمانية والنار و مطالعه خلق الجان.
وللجدي "الجابر" مفتاح خلق الليل والنهار .
وللدلو "الدائم" مفتاح خلق الأرواح .
وللحوت "الحائر" تدبير الأجسام الحيوانية.
والمتولي عذاب أهل النار هم القائم والاقليد والحامد والثابت والسادن والجابر ومالك
هو الخازن.
وهؤلاء مع الستة الباقين - أي الحائز والسائق والمانح والعادل والدائم والحافظ - فان جميعهم يكون مع أهل الجنان ورضوان الخازن .
وفي الباب 361 من الفتوحات المتعلق بسورة المؤمنون فصل الشيخ بإسهاب آثار البروج في الإنسان الكامل و الإنسان الحيوان.
وفي أواخر هذا الفص تكلم الشيخ عن الأحدية تمهيدا للدخول إلى فص حكمة أحدية في كلمة هودية وختم بكلمة: (وقد مهدنا لك السبيل فانظر).
إشارة إلى قول هود:" إن ربي على صراط مستقيم" .
وكلمة "انظر" تشير الى فلك فص هود أي فلك الكواكب التي لا تدرك إلا بالنظر الأنوارها.
وحيث أن أنسب سورة للتنزيه والأحدية والغني الذاتي في سورة الإخلاص إذ كل كلماتها دالة على ذلك .
فقد فسرها الشيخ في هذا الفص وسمی منزلها فى الباب الثاني والسبعون ومائتان من الفتوحات المكية في معرفة منزل تنزيه التوحيد.
وأشار إلى استمداد هذا الفص منها ومن الاسم الغني فقال :
وهو الواحد منزه عن هذه النعوت فهو غني عنها كما هو غني عنا. وما للحق نسب إلا هذه السورة.
أن المراد بلفظة تنزيه التوحيد أمران
اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن المراد بلفظة تنزيه التوحيد أمران:
الواحد أن يكون التوحيد متعلق التنزيه لا الحق سبحانه.
والأمر الآخر أن يكون التنزيه مضافا إلى التوحيد على معنى أن الحق تعالى قد ينزه بتنزيه التوحيد إياه لا بتنزيه من نزهة من المخلوقين بالتوحيد مثل حمد الحمد.
فإن قيام الصفة بالموصوف ما فيها دعوى ولا يتطرق إليها احتمال.
09: سورة فص يوسف عليه السلام
هي التي فسرها الشيخ في آخر هذا الباب أي: الإخلاص.
كما سبق بيانه وتسمى سورة الجمال المناسب ليوسف الذي قال الله عنه في سورته "الآية 24" "إنه من عبادنا المخلصين " ولفظة "النور" المنسوبة إليه هذه الحكمة مناسبة لها.
فكون النور لا يدرك مناسب للآية: "قل هو الله أحد" ، غني الذات عن الغير لأحديتها . فهو تعالى : "لا تدركه الأبصار" ، (الأنعام، 103).
وكون النور واسطة الإدراك مناسب للآية: (" الله الصمد ") أي يفتقر إليه افتقار البصر للنور. راجع تفصيل هذه المعاني في آخر فص هارون عليه السلام .
ولخروج سورة الإخلاص عن قبضة كل تشبيه كانت في تمام المناسبة مع حرف هذا الفص أي الجيم الخارج عن قبضة الحروف كما سبق ذكره....
ومن لطيف الاتفاق أن عدد الجيم المفصل هو "جيم -3+10+40-53" .
وكذلك سورة الإخلاص تتألف من 53 حرفا باعتبار المد والتضعيف والهمزة.
فإن قيل إن الشيخ ذكر في أواخر فص هارون مسائل تتعلق بسورة الإخلاص حيث أكد على أحدية الحق تعالى وتخيل العابد المعبوده و الإله الذي يصعد إليه ويعلم من حيث الجملة ولا يشهد.
فما هي العلاقة بين فص هارون ونص يوسف بحيث يكادان يشتركان في سورة الإخلاص ؟
الجواب له عدة وجوه:
أولا: سورة فص هارون هي: الكافرون.
ولها علاقة متميزة معروفة بالإخلاص حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يقرؤهما معا في صلاة الفجر وصلاة الاستخارة وغيرها.
وذلك لأن في "الكافرون" تبريء من كثرة الآلهة المعبودة وفي "الإخلاص" إثبات للإله الواحد الأحد الصمد المعبود فهما متكاملتان حيث أن في "الكافرون" نفي للشرك وفي "الإخلاص" إثبات للتوحيد.
فمجموعهما يمثل كلمة الإخلاص "لا إله إلا الله" فنصفها الأول لسورة الكافرون" والثاني الإخلاص.
ومن الاتفاق أن عدد حروف "الكافرون" هو "99" حرفا على عدد "لا إله إلا" وعدد حروف "الإخلاص" مع البسملة هو "66" على عدد الاسم "الله".
أي أن مجموع حروف البسملة مع السورتين يساوي عدد "لا إله إلا الله".
ثانيا: للفص اليوسفي الفلك الأطلس وهو فلك الحيرة. والفص الهاروني له مرتبة الحيوان.
وقد قال الشيخ في الفتوحات أن الحيوان في علمه بالله تعالى مفطور على الحيرة. وقال في الباب 357 المخصوص بسورة النمل أن البهائم اختصت بهذا الاسم لما انبهم علينا في أمرها فانبهام أمرها إنما هو من حيث حيرتنا
ولعلاقة الحيرة الحيوانية بتزيه الفلك الأطلس وحيرته نجد الشيخ يتكلم عن تحقق العارف بالحيوانية في آخر الفص إلياسي الذي مداره حول التعريه وتشبيه الأوهام وحيرة الأفكار...
ثالثا: هارون هو قطب السماء الخامسة سماء الهلال والقهر ويوم الثلاثاء.
ويوسف هو قطب السماء الثالثة سماء الجمال والحسن ويوم الجمعة.
فالجلال والجمال متكاملان تكامل سورتي الكافرون والإخلاص.
وروحانية كوكب الزهرة الحاكم على نار الجمعة هو الحاكم أيضا على ليلة الثلاثاء كما هو معروف عند علماء الفلك و كما أشار إليه الشيخ في كتابه: "أيام الشأن" حيث يقول: وصلى الله على من كان يومه المعروف ويومه المشهود المؤثر الثلاثاء ويومه المخصوص بذاته الجمعة" انتهى.
وأما ليلة الجمعة ونهار الاثنين فـ لروحانية القمر....
وليوسف نسبة متميزة مع العدد "ثلاثة" فهو صاحب روحانية الزهرة في السماء الثالثة التي لها نهار الجمال فار الجمعة وليلة الحسن ليلة الثلاثاء.
فالجمعة هي سادس الأيام والستة هي ضعف الثلاثة والعدد ستة يرجع بنا إلى الأشهر الستة المذكورة أول الفص.
والثلاثاء هو ثالث الأيام وسورة الإخلاص ثالث السور والفلك الأطلس هو ثالث الأفلاك :
إذ الأول للعرش
والثاني الكرسي،
والثالث الفلك الأطلس
وهو تاسع مراتب نفس الرحمن فله الفصل التاسع والتسعة مكعب الثلاثة.
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوسف عليه السلام ثلاثة آباء كرام فقال في الحديث الصحيح: "أتدرون من الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم؟"
يعني يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وإنما ذكرنا هذا لأن سبب نزول سورة هذا الفص اليوسفي أي "الإخلاص هو سوال الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم : "أنسب لنا ربك".
ولهذا نجد الشيخ يبدأ الوصل الثالث من الباب 369 وهو المخصوص بسورة الإخلاص بقوله: "... من المولى الثالث وهو يتضمن علم الأمر الواقع عند السؤال" ويقول أيضا في أخر باب منزل "الإخلاص" أي الباب "273": وفي هذا المنزل من العلوم علم النسب الإلهي"
وختم الشيخ هذا الفص بقوله: "فهو هويتنا..." إشارة إلى فاتحة الإخلاص: "قل هو"
كدليل على علاقة سورة (الإخلاص) بيوسف والفلك الأطلس نذكر أبياتا كتبها الشيخ في متل سورة (الإخلاص) أي الباب (272 فتوحات) حيث يذكر تريد التوحيد وأبيات من الباب (372 في الخاص بسورة (يوسف) يذكر فيه الحيرة والفلك الدائر فيفتح الباب (272) قائلا:
بتنزيه توحيد الأله أقول ... وذلك نور ما لديه أقول
وتنزيهه ما بين ذات ورتبة ... وأن الذي يدري به لقليل
تنزه عن تنزيه كل منزه … فمن شاء قولا فليقل بيقول
فإن وجود الحق في حرف غيبه ... فحرف حضور ما عليه قبول
وفي البيتين الأخيرين يشير إلى فاتحة الإخلاص (قول هو )
وفي باب منزل سورة "يوسف" يقول:
ولما رأينا الحق في صورة البشر ... علمنا بأن العقل فيه على خطر
فمن قيد الحق المبين بعقله ... ولم يطلق التقييد ما عنده خبر
إذا ما تجلى لي على مثل صورتي ... تجليت في التنزيه عن سائر الصور
فإن قال ماذا قلت أنت ذكرت لي ... بأنك نعفو عن ظلوم إذا انتصر
وأنت مثلي قل فلم حزت صورتي ... ورؤيتي إياكم كما يبصر القمر
فإن كنت مثلي فالتماثل حاكم ... على كل مثل كالذي يقتضى النظر
فكل شبيه للشبيه مشاكل ... على كل حال في القديم وفي البشر
لقد شرع الله السجود لسهونا ... بإرغام شيطان وجبر لما انكسر
فمالك لم تسجد وأنت أمامنا ... فأنت جدير بالسجود كما ذكر
أتيناك نسعى فاثنيت مهرولا ... وأين خطى الأقدام من خطوة البصر
ومنها أيضا:
فمن فصلنا أو بمن قد وصلتنا ... وما هو إلا الله بالعين ولأثر
فشكرا لما أخفى وشكرا لما بدا ... وحاز مريد الخير عبدا ذا شكر
وما هو إلا الحق يشكر نفسه ... ولكن حجاب القرب أرسل فاستتر
وفي هذا الباب يقول أيضا:
ألا أيها الفلك الدائر ..... لمن أنت في سيركم سائر
إلينا فنحن بأحشائكم ..... إليه فسيركم بائر
تعالى عن الحد في نفسه ..... وقال هو الباطن الظاهر
تدور علينا بأنفاسنا ..... وأنت لنا الحكم القاهر
فشغلك بي شغل شاغل ..... وأنت إذا ما انقضى خاسر
فإن كنت في ذاك عن أمره ..... فأنت به الرابح التاجر
ومن فوقكم ثم من فوقه ..... إله لرتقكم فاطر
تعين بالفتق في رتقكم ..... فعقلك في صنعه حائر
لذاك تدور وما تبرحن ..... بمثواك والمقبل الغابر
فقف فأبى الجبر إلا السري ..... وقال أنا الكاسر الجابر
سترت عيون النهي فانثنت ..... وقد علمت أنني الساتر
فسبحان من حكمه حكمة ..... ومن عينه الوارد الصادر
فلولاك ما لاح في أفقه ..... بدورته كوكب زاهر
ولعلاقة يوسف بإخلاص التنزيه نجد الشيخ في كتابة "التراجم" يجعل باب سورة يوسف تحت عنوان: "ترجمة السلب والتنزيه".
علاقة هذا الفص بسابقه ولاحقه
العلاقة بين فصي يوسف ويعقوب لها عدة مظاهر:
فـ يوسف بن يعقوب، والاسم (الغني) "ابن" والشكور) لقوله تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم" (إبراهيم، 7) .
وفلك البروج الأطلس "ابن" الكرسي وقد بين الشيخ العلاقة بينهما في الفصل 19 من الباب 198.
وأما إشارة الشيخ للدخول لسورة فص هود التالي فتظهر في آخر كلمة من الفص: (فقد مهدنا لك السبيل فانظر) إشارة إلى الصراط المستقيم الذي افتح به فص هود وقوله (فانظر) إشارة إلى فاتحة سورة فص هود كما ستراها أي (ألم تر كيف) من سورة (الفيل ).
.