السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة الثانية والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية والعشرون : الجزء الثانيقال الشيخ رضي الله عنه : (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم "19"
«وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون» فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدا منهم و نفاسة و ظلما.
وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أو صله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه.
أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء. فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق. ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد.
ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد. ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عينا.
ونحن محدودون، فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله ليس كمثله شيء حد أيضا إن أخذنا الكف زائدة لغير الصفة. ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود. فالإطلاق عن التقيد تقييد، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم.
وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه، وإن أخذنا «ليس كمثله شيء» على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها. فهو محدود بحد كل محدود.
فما يحد شيء إلا وهو الحق. فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود. فهو عين الوجود،20 «وهو على كل شيء حفيظ» بذاته، «ولا يؤده» حفظ شيء. فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشي ء غير صورته.
ولا يصح إلا هذا، فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود. فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير."21"
فهو الكون كله ... وهو الواحد الذي
قام كوني بكونه "22" ... ولذا قلت يغتذي )
..............................................................
كتاب التراجم - كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن قارن بين جزالة اللفظ هنا في تفسير هذه الآية والتحقيق ، وبين ما جاء في هذا الفص .
19 - الإشارة إلى شمول الرحمة .
راجع البند 15
20 - وحدة الوجود راجع فص 5 ، رقم 6 ص 45.
"" 6 - وحدة الوجود – المرايا ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه .
والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره.
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال.
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316. ""
21 - العالم على صورة الحق فص 1 رقم ۰3
"" 4 . خلق الله آدم على صورته ص 24
اعلم أنه لا يصح أن يكون شيء من العالم له وجود ليس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى كل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان كبير في المعنى والجرم.
يقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
فلذلك قلنا في المعنى ، وما في العلم عن الكل وإنما نقاه عن الأكثر ، والإنسان الكامل من العالم وهو له کالروح لجسم الحيوان ، وهو الإنسان الصغير ، وسمي صغيرا لأنه انفعل عن الكبير وهو، مختصر فالمطول العالم كله والمختصر الإنسان الكامل ، فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.
فلما كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من الله .
فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأكمل من صورة الحق فلا يكون ، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .
فمن كل شيء في الوجود زوجان الأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الكامل عن العالم مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده ، من غير حاجة إلى العالم .
فالإنسان الكامل وحده يقوم مقام الجماعة ، فإنه أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ، ويزيد أنه على حقيقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .
فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله ، فما من حقيقة في العالم إلا وهي في الإنسان .
فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهية التي توجهت على إيجاد العالم بأسره متوجهة على إيجاد هذه النشأة الإنسانية الإمامية ، فخلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته وحسن بعنايته صبغته ، وكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخالقه، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ، عين سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بين سائر الأنوار ، وقصب له کرسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه .
فلم يخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه ليكون وحده على صورته ، فكل من في العالم جاهل بالکل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الكامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم ، فكملت صورته ، فجمع بين صورة الحق وصورة العالم ، فكان برزخا بين الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، يرى الحق صورته في مرآة الإنسان ، ويرى الخلق أيضا صورته فيه ، لأن الإنسان فيه مناسب من كل شيء في العالم ، فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ويخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غيره من المناسب ، إذا كان له مناسبات كثيرة لوجوه كثيرة يطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الكمال الذي لاأكمل منه في الإمكان، ومعنى رؤية صورة الحق فيه ، إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر
"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد في القران فيمن علمنا كماله صلى الله عليه وسلم واعتقدنا ذلك فيه أنه « بالمؤمنين رؤوف رحيم » ، « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » أي لترحمهم ، والتخلق بالأسماء يقول به جميع العلماء ، فالإنسان متصف يسمى بالحي والعالم المريد السميع البصير المتكلم القادر وجميع الأسماء الإلهية من أسماء تنزيه وأفعال .
ولذلك عبر عن الإنسان الكامل بمرآة الحق ، والحقيقة من قوله تعالی " ليس كمثله شيء " وهي مثلية لغوية ، وذلك عند بروز هذا الموجود في أصفى ما يمكن وأجلي ، ظهر فيه الحق بذاته وصفاته المعنوية لا النفسية ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفي هذا الظهور الكريم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض ، فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذي اتخذه الله مجلي ، لأنه ما كمل إلا بصورة الحق ، كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر ، فتلك مرتبتها والمرتبة هي الغاية .
راجع فتوحات ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409.
ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409. عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق ""22 - وحدة الوجود ، الظاهر في المظاهر ، ص ۰84
"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر ص 84
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ، فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
الفتوحات ج1 / 694 , ج 2 / 40 ، 42 ، 99 ، 160 ، 435 ، 606. ""
ص 153
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فوجودي غذاؤه "23" ... وبه نحن نحتذي "24"
فبه منه إن نظرت ... بوجه تعوذي "25"
ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية من إيجاد صور العالم التي قلنا هي ظاهر الحق "26" إذ هو الظاهر، وهو باطنها إذ هو الباطن، و هو الأول إذ كان و لا هي، و هو الآخر إذ كان عينها عند ظهورها.
فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول، و«هو بكل شيء عليم» لأنه بنفسه عليم.
فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم فانتسبوا إليه تعالى فقال: «اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي» أي آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم وأردكم إلى انتسابكم إلى . أين المتقون؟
أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة، وهو أعظم الناس وأحقه وأقواه عند الجميع.
وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية للحق بصورته إذ هوية الحق قوى العبد. فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير العالم.
«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب» وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء. فما سبق مقصر مجدا كذلك لا يماثل أجير عبدا.
وإذا كان الحق وقاية للحق بوجه والعبد )
..............................................................
23 - الكون غذاء الأسماء - راجع فص 5 رقم 11.
""11 – الغذاء ص 88
كل غذاء أعلا من حياته المتولدة عنه ، فلا تزال من العالم الأدنۍ ترتقي في أطوار العوالم أغذية وحياة حتى تنتهي إلى الغذاء الأول الذي هو غذاء أغذية الأغذية.
وهي الذات المطلقة ، والأسماء الإلهية أقواتها أعيان آثارها في الممكنات .
فبالآثار تعقل أعيانها ، فلها البقاء بآثارها .
فقوت الاسم أثره، وتقديره مدة حكمه في الممكن أي ممكن كان ، ولما لم يكن في الكون إلا علة و معلول ، علمنا أن الأقوات العلوية والسفلية أدوية لإزالة أمراض ، ولا مرض إلا الافتقار .
فقوت القوت الذي يتقوت به هو استعماله .
فالمستعمل قوت له لأنه ما يصح أن يكون قوتا إلا إذا تقوت به ، فاعلم من قوتك ومن أنت قوته.
من قدر القوت فقد قدرا …… والقوت ما اختص بحال الوری
بل حكمه سار فقد عمنا …… ونفسه فانظر تری ما تری
کل تغذي فيه قام في …… وجوده حقا بغير افتری
فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء من ظهور آثارها في العالم ، وكان فيه بقاؤها ونعيمها و فرحها وسرورها .
وأول مرزوق في الوجود الأسماء ، فتأثير الأسماء في الأكوان رزقها الذي به غذاؤها وبقاء الأسماء عليها .
وهذا معنى قولهم إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية ، فإن الإضافة بقاء عينها في المتضايفين ، وبقاء المضافين من كونهما مضافين إنما هو بوجود الإضافة، فالإضافة رزق المتضایفین، و به غذاؤهما وبقاؤهما متضايفين .
فهذا من الرزق المعنوي الذي يهبة الاسم الرزاق ، وهو من جملة المرزوقين .
فهو أول من تغذى بما رزق ، فأول ما رزق نفسه .
ثم رزق الأسماء المتعلقة بالرزق الذي يصلح لكل اسم منها.
وهو أثره في العالم المعقول والمحسوس .
الفتوحات ج2 / 462 , ج4 / 248 , 409 . أهـ ""
24 - العالم على صورة الحق فص 1 رقم ۰4
راجع البند 21
25 - إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم « أعوذ بك منك » .
26 - الحب سبب وجود العالم
الحب أصل سبب وجود العالم والسماع سبب كونه ، و بهذا الحب وقع التنفس. وأظهر العالم نفس الرحمن لإزالة حكم الحب ( الكرب ) وتنفس ما يجد المحب. وخرج ذلك النفس عن أصل محبة في الخلق الذي يريد أن يتعرف إليهم ليعرفوه .
فتوحات ج 2 / 111 ، 428 . راجع فص 1 هامش 3 ص 23
"" 3- الحب سبب وجود العالم ص 23
لما لم يكن علم الله تعالى بالعالم إلا علمه بنفسه إذ لم يكن في الوجود إلا هو.
فما ظهر في الكون إلا ما هو عليه في نفسه ، فلابد أن يكون العالم على صورته ، وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهية الأسمائية ، فما في الحضرة الإلهية اسم إلهي إلا وهو على قدر أثره في نشء العالم من غير زيادة ولا نقصان ، فخلق الله العالم
في غاية الإحكام والإتقان كما قال الإمام أبو حامد الغزالي من أنه لم يبق في الإمكان أبدع من هذا العالم ..
فطابق العالم الأسماء الإلهية ، وكأنه تعالى كان باطنا فصار بالعالم ظاهرا ، فعرف نفسه شهودة بالظاهر بقوله : "فأحببت أن أعرف" - الحديث .
ولما أظهر العالم في عينه كان مجلاه ، فما رأي فيه غير جماله ، فالعالم جمال الله، فهو تعالى الجميل المحب الجمال ، ورد في الخبر الصحيح في صحيح مسلم عن رسول الله مع أنه قال : "إن الله جميل يحب الجمال"، فأوجد الله العالم في غاية الجمال والكمال خلقا وإبداعا ، فإنه تعالى يحب الجمال ، وما ثم جميل إلا هو ، فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره ، فخلق العالم على صورة جماله ونظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ، فما خلق الله العالم إلا على صورته ، فالعالم كله. جميل وهو سبحانه يحب الجمال.
كلمة الحضرة الإلهية وهي كلمة « کن » : لله تجل في صورة تقبل القول والكلام بترتيب الحروف ، « فكن » عين ما تكلم به فظهر عنه الذي قيل له كن ، فعين الأمر عين التكوين ، وما ثم أمر إلهي إلا كن ، فإذا نظرت إلى تكون العالم من النفس الرحماني الظاهر من محبة الله أن يعرفه خلقه ، علمت أن ما في العالم أو ما هو العالم سوی کلمات الله ، وكلمات الله أمره ، وأمره واحدة كلمح البصر أو هو أقرب .
وعلمت اختصاص كلمة الحضرة من الكلمات بكلمة كن لكل شيء مع اختلاف ما ظهره فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية ، فظهر الكون على صورة كن ، وكن أمره وأمره كلامه وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فليس للحق منزه ولا مجلي إلا العالم.
راجع الفتوحات المكية ج2 /111 , 345 , 399 , 401 , 402 , 403
ج3/ 151 , ج4/ 269 ""
ص 154
قال الشيخ رضي الله عنه : (
وقاية للحق بوجه، فقل في الكون ما شئت: إن شئت قلت هو الخلق، وإن شئت قلت هو الحق، وإن شئت قلت هو الحق الخلق، وإن شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه، وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب. ولو لا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه.
فلا تنظر العين إلا إليه ... و لا يقع الحكم إلا عليه
فنحن له وبه في يديه ... و في كل حال فإنا لديه
لهذا ينكر ويعرف وينزه و يوصف. فمن رأى الحق منه فيه بعينه فذلك العارف، ومن رأى الحق منه فيه بعين نفسه فذلك غير العارف. ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه بعين نفسه فذلك الجاهل.
وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها فإذا تجلى له الحق فيها و أقر به، و إن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه فلا يعتقد معتقد إلها إلا جعل في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها. "27"
فانظر: مراتب الناس في العلم )
..............................................................
27 - خلق الله نفسه ؟!
جاء في الخبر « خلق الله نفسه » فردت العقول كلها هذا الخبر لعدم فهمها من ذلك ، وما شعرت بأن كل صاحب مقالة في الله أنه يتصور في نفسه أمرا ما يقول فيه هو الله فيعبده وهو الله لا غيره ، ما خلقه في ذلك المحل إلا الله .
فهذا معنى ذلك الخبر ، واختلفت المقالات باختلاف النظار فيه ، فكل صاحب نظر ما عبد ولا أعتقد إلا ما أوجده في محله ، وما وجد في محله وقلبه إلا مخلوق ، وليس هو الإله الحق .
وفي تلك الصورة أعني المقالة تتجلى له وإن كانت العين من حيث ما هي واحدة ، وهو ظهور الحق في صورة كل اعتقاد لكل معتقد ، ولولا أن له وجها في كل معتقد ما وصف نفسه على ألسنة رسله بالتحول في صور الاعتقادات ، وإنجي الطوائف من اعتقد في الله ما أخبر الحق به عن نفسه على السنة رسله .
فتوحات ج 4 / 211.
"" أضاف الجامع : عن "خلق الله نفسه " يقول إسماعيل حقي الخلوتي في روح البيان فى تفسير القرآن 1127 هـ الجزء الرابع في تفسير سورة يوسف :
ثم اعلم أن الرؤيا عبارة عن ارتسام صورة المرئي وانتقاشها في مرآة القلب فى النوم دون اليقظة فالرؤيا من باب العلم ولكل علم معلوم ولكل معلوم حقيقة .
وتلك الحقيقة صورته والعلم عبارة عن وصول تلك الصورة الى القلب وانطباعها فيه سواء كان فى النوم أو فى اليقظة .
فلا محل له غير القلب ولما كان عالم الأرواح متقدما بالوجود والمرتبة على عالم الأجسام وكان الإمداد الرباني الواصل الى الأجسام موقوفا على توسط الأرواح بينها وبين الحق .
وتدبير الأجسام مفوض الى الأرواح وتعذر الارتباط بين الأرواح والأجسام للمباينة الذاتية الثابتة بين المركب والبسيط .
فان الأجسام كلها مركبة والأرواح بسيطة فلا مناسبة بينهما فلا ارتباط وما لم يكن ارتباط لا يحصل تأثير ولا تأثر ولا امداد ولا استمداد .
فلذلك خلق الله عالم المثال برزخا جامعا بين عالم الأرواح وعالم الأجسام ليصح ارتباط أحد العالمين بالآخر فيتأتى حصول التأثر والتأثير ووصول الإمداد والتدبير.
وهكذا شأن روح الإنسان مع جسمه الطبيعي العنصري الذي يدبره ويشتمل عليه علما وعملا فإنه لما كانت المباينة ثابتة بين روحه وبدنه وتعذر الارتباط الذي يتوقف عليه التدبير ووصول المدد إليه خلق الله نفسه الحيوانية برزخا بين البدن والروح المفارق .
فنفسه الحيوانية من حيث إنها قوة معقولة هى بسيطة تناسب الروح المفارق ومن حيث أنها مشتملة بالذات على قوى مختلفة متكثرة منبثة فى أقطار البدن متصرفة بتصرفات مختلفة ومحمولة ايضا فى البخار الضبابي الذي فى التجويف الأيسر من القلب الصنوبري .
تناسب المزاج المركب من العناصر فحصل الارتباط والتأثر والتأثير وتأتى وصول المدد وإذا وضح هذا فاعلم أن القوة الخالية التي فى نشأة الإنسان من كونه نسخة من العالم بالنسبة الى العالم المثالي المطلق كالجزء بالنسبة إلى الكل و كالجدول بالنسبة الى النهر الذي هو مشرعه .
وكما أن طرف الجدول الذي يلى النهر متصل به كذلك عالم الخيال الإنساني من حيث طرفه الأعلى متصل بعالم المثال والمثال نوعان : مطلق ومقيد.
فالمطلق ما حواه العرش المحيط من جميع الآثار الدنيوية والأخروية.
والمقيد نوعان :
نوع هو مقيد بالنوم
ونوع غير مقيد بالنوم مشروط بحصول غيبة وفتور ما فى الحس.
كما فى الواقعات المشهورة للصوفية وأول ما يراه الأنبياء عليهم السلام إنما هو الصور المثالية المرئية فى النوم والخيال .
ثم يترقون إلى أن يروا الملك في المثال المطلق أو المقيد فى غير حال النوم لكن مع نوع فتور فى الحس .
وكونهم مأخوذين عن الدنيا عند نزول الوحي إنما هو مع بقاء العقل والتمييز .
ولذا لا ينتقض حينئذ وضوؤهم ولانهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم لكون بواطنهم محلاة بصفات الله متخلقة بأخلاقه مطهرة عن أوصاف البشرية من الحرص والعجز والأمل والضعف وغير ذلك.أهـ
ومن موسوعة البحوث والمقالات العلمية: في تفسير سورة يوسف : عن "خلق الله نفسه"
أن قوله (كلمته) هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فـ (الكلمة) هنا عيسى، وهو مخلوق، لأنه منفصل.
وقد بينا سابقا أن إضافة الشيء القائم بذاته إلى الله، هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فيكون المراد بـ (الكلمة) هنا عيسى، وأضافه الله إلى نفسه تشريفا له وتكريما.فإن قلتم: كيف يسمي الله - تعالى -عيسى (كلمة) والكلمة صفة لله؟
فالجواب: أنه ليس المراد هنا الصفة، بل هذا من باب إطلاق المصدر، وإرادة المفعول نفسه، كما نقول: هذا خلق الله، ونعني هذا مخلوق الله، لأن خلق الله نفسه فعل من أفعاله.
لكن المراد هنا المفعول، أي المخلوق،"عيسى عليه السلام" ومثل ما تقول أيضا: أتى أمر الله، يعني المأمور، أي ما أمر الله به، وليس نفس الأمر، فإن الأمر فعل من الله تعالى. أهـ""
ص 155
قال الشيخ رضي الله عنه : (
بالله تعالى هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة. "28"
وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك. فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم )
..............................................................
28 - مراتب الناس في العلم بالله
الناس فيما ورد به التعريف على أحد ثلاثة أمور :
الأمر الأول : من يطعن في الرسل ويجعلهم تحت سلطان الخيال . وهذه الطائفة من الأخسرين الذين أضلهم الله وأعماهم عن طريق الهدى بل في طريق الهدی لو علموا ، فهؤلاء قد جمعوا بين الجهل وبين المروق من الدين فلا حظ لهم في السعادة.
الأمر الثاني: قسم قالوا إن الرسل هم أعلم الناس بالله فتنزلوا في الخطاب على قدر أفهام الناس لا على ما هو الأمر عليه فإنه محال ، فهؤلاء كذبوا الله ورسوله فيما نسب الله إلى نفسه وإلى رسله بحسن عبارة ، كما يقول الإنسان إذا أراد أن يتأدب مع شخص آخر إذا حدثه بحديث يرى السامع في نظره أنه ليس كما قال المخبر فلا يقول له كذبت ، وإنما يقول له يصدق سيدي ولكن ما هو الأمر على هذا وإنما الأمر الذي ذكره سيدي على صورة كذا وكذا فهو يكذبه ويجهله بحسن عبارة . هكذا فعل هؤلاء المتأولون .
وقسم آخر لا يقول بأنه نزل في العبارة إلى أفهام الناس . وإنما يقول ليس المراد بهذا الخطاب إلا كذا وكذا ما المراد منه ما تفهمة العامة .
وهم طائفة من المنزهة عدلت بهذه الكلمات عن الوجه الذي لا يليق بالله تعالى في النظر العقلي .
فعدلت إلى وجه من وجوه التنزيه على التعيين مما يجوز في النظر العقلي أن ينصف به الحق تعالى ، بل هو متصف به ولابد ، وما بقي النظر إلا في أن هذه الكلمة هل المراد بها ذلك الوجه أم لا، ولا يقدح ذلك التأويل في ألوهته .
وربما عدلوا بها إلى وجهين وثلاثة وأكثر على حسب ما تعطيه الكلمة في وضع اللسان ولكن من الوجوه المنزهة لا غير ، فإذا لم يعرفوا من ذلك الخبر أو الآية عند التأويل في اللسان إلا وجها واحدا قصروا الخبر على ذلك الوجه النزيه وقالوا هذا ليس إلا في علمنا وفهمنا ، وإذا
ص 156
.
يتبع