السفر الحادي عشر فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثانية : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب
هذا فص الحكمة الصالحية ذكره بعد حكمة هود عليه السلام لتتميم المقابلة بين أهل السعادة والشقاوة في الظهور عن الفردية بالتثليث.
وصدور الكل عن علم الله تعالى الحاكم عليهم بهم (فص حكمة فتوحية) منسوبة إلى الفتوح وهو الفيض الإلهي على القلوب بطريق الإلهام (في كلمة صالحية) إنما اختصت حكمة صالح عليه السلام بكونها فتوحا، لاشتمالها على إتيان فتوح الغيب من كل حقيقة كونية إلى نفسها بتوجه الأمر الإلهي عليها على طبق العلم الأقدس.
و (من) بعض (الآيات) التي لله تعالى في الآفاق وفي الأنفس (آیات الركائب)، أي النوق الرواحل التي للقوم الراكبين، وهم المحمولون بها على متن القدرة الأزلية عن كشف منهم وشهود.
وقال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم لهم في البر والبحر ) [الإسراء: 70]، وتلك الركائب هي الحاملة لهم بهم لأنها عينهم إذ هي الآيات التي في الأنفس .
(وذلك)، أي كون الآيات منها آيات الركائب، أي الآيات الحاملة من العدم إلى الوجود مع أن الآيات كلها كذلك سواء كانت في الآفاق أو في الأنفس.
فإن التي في الآفاق هي في الأنفس أيضا فإن للآفاق أنفسا كما أن للأنفس آفاقا .
ولكن كل نفس يقال لما عداها آفاقا بالنسبة إليها، وهي بالنسبة إلى غيرها من الآفاق أيضا.
فكل الآيات آیات آفاق، وكل الآيات آيات أنفس، غير أن آيات الأنفس حاملات لحقيقة واحدة ، فكانوا ركائب بهذا السبب.
وإنما كان الأمر كذلك (لاختلاف في المذاهب) التي هي الطرق التي تسلكها الحقائق الإلهية في أعيان الممكنات العدمية.
(فمنهم)، أي من أهل تلك الآيات التي هي آيات الركائب (قوم قائمون بها)، أي بآيات الركائب (بحق) لا بنفس شاهدون مشهودون (ومنهم)، أي من أهلها قوم آخرون (قاطعون بها)، أي بآيات الركائب (السباسب) جمع سبسب وهي البرية الواسعة والمراد الطريق، أي قاطعون بها الطرق على السالكين، وهم الذين قاموا بها بأنفسهم لا بالحق سبحانه .
فأما القوم (القائمون بها) بالحق لا بالنفس (فـ) إنهم (أهل) شهود (عين)، أي أهل شهود الوجود المطلق الذي هو كل وجود مقيد فهو عينهم .
(وإن) القوم القاطعين بها السباسب، أي الطرق (هم الجنائب) جمع جنيب وهي التي تقاد وليس عليها راكب بعدم ظهور الحق لهم سبحانه في آيات نفوسهم.
فهم الحاملون للأمانات العلمية والأسرار الإلهية لمن يشهدها منهم، وهم لا يعلمون ذلك لقيامهم بأنفسهم واشتغالهم بأحوالهم الكونية دون التجليات الإلهية، وهم حملة العلم لا أهل العلم.
قال تعالى : "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" [الجمعة: 5].
(فكل منهم)، أي كل واحد من الطائفتين (يأتيه منه)، أي من قبل نفسه (فتوح)، أي فيض (غيوبه)، أي غيوب ذاته (من كل جانب) من جوانب الأسماء الإلهية والحضرات الأمرية الربانية .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
11 - فص حكمة فتوحية، في كلمة صالحية
(فص حكمة فتوحية) أي خلاصة العلوم المنسوبة إلى الفتوح مودعة (في كلمة صالحية) أي في روح هذا النبي الفتح حصول شيء عن الشيء الذي لم يتوقع حصوله عن ذلك الشيء كناقة صالح عليه السلام.
فإن الجبل لم يتوقع خروج الناقة منه فقد انفتح فخرج منه الناقة معجزة له عليه السلام ولكون صالح عليه السلام مظهر الاسم الفتاح انفتح له الجبل وخرجت منه الناقة .
""أضاف المحقق : تشرح هذه الكلمة معنى الخلق كما يفهمه الشيخ ابن العربي والخلق عنده فتوح، أي سلسلة من التجليات والظهور لا إحداث لوجود من عدم""
أورد الحكمة الفتوحية في كلمة صالحية وبين الفتوح الغيبية فيها فقال : (من الآيات) خبر (آیات الركائب) مبتدأ وإضافة الآيات إلى الركائب إضافة عام إلى خاص من وجه الركائب جمع رکيبة أي ومن جملة المعجزات الدالة على صدق الأنبياء معجزات.
الركائب كالبراق لمحمد صلى الله عليه وسلم والناقة لصالح عليهما السلام .
فكل آیات لیست بركائب وكذا كل الركائب ليست بآيات .
وإن كان المراد بالركائب هنا نفس الآيات وهي البراق والناقة لكنه صح الإضافة من حيث مغايرتهما بحسب المفهوم بالعموم والخصوص من وجه
(وذلك) أي كون الركائب من الآيات (لاختلاف في المذاهب) أي بأن كان بعضها ذاهبة إلى الحق وبعضها إلى براري عالم الظلمات والركائب قابلة للذهاب إلى كل منهما موصلة للراكب إلى مقصوده من حق أو غيره، وهي جمع مذهب وهو الطريق فكما أن المراكب الصورية يركبه البعض عليها ويقطع بها المنازل للوصول إلى مراداته النفسانية مما لا يرضي الله عنه والبعض الآخر للوصول إلى أمر الله .
كذلك الركائب الحقيقة وهي صورة النفس الحيوانية التي هي مراكب النفوس الناطقة فإن بعض النفوس يركب عليها لتحصيل الكمالات الإلهية ويستخدمها في طريق الحق بأمر الحق وإرادته لا بإرادة أنفسهم فيحصل لهم العلم من عند الله ويعلم به الأشياء على ما هي عليه .
والبعض الآخر يستعملها بإرادة أنفسهم على مقتضى عقولهم ويستخدمها في ترتيب المقدمات المعلومة للوصول إلى المجهولات ويبين هذين الطائفتين بقوله: (فمنهم) أي وإذا كان المذاهب مختلفة فمن عباد الله (قائمون بها)
أي أقاموا مراكبها وهي صورة النفوس الحيوانية في طريق الحق وطاعته (بحق) أي بأمر حق لا بأمر أنفسهم (ومنهم قاطعون بها) أي بتلك المراكب (السباسب) أي صحاری عالم الأجسام التي تاهوا فيها ولم يخرجوا عنها .
(فأما القائمون فأهل عين) وشهود وهم الواصلون حقيقة العلم والمخلصون عن ظلمات الجهل وهم أهل الكشف واليقين .
(وأما القاطعون هم الجنائب) أي البعداء عن معرفة الحق وإذا استدلوا بنظرهم الفكري من الأثر إلى المؤثر لكنهم محجوبون عن حقيقة العلم وهم أهل النظر والاستدلال حذف الفاء من فهم لضرورة الشعر .
(وكل منهم) أي وكل واحد من القائمين والقاطعين (يأتيه منه) أي من الحق (فتوح غيوبه) أي غبوب الحق (من كل جانب) أي من جانب ربهم الخاص فيكون لكل واحد منهم جانب خاص يأتيه غيوبه من الحق من جانبه لا من جانب آخر .
فكان كل في قوله من كل جانب تصرف إلى روحاني وجسماني.
ولما كانت الفتوح حاصلة من مفاتيح الغيب التي هي سبب الإيجاد وكان وجود العالم من الفتوح الغيبية شرع في بيان الأمر الإيجادي وكيفيته بقوله :
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
قال رضي الله عنه : ( من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب .. فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب ... فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب ... و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
قلت : قوله رضي الله عنه، في الشعر: من الآيات آيات الركائب، اشارة إلى
ناقة صالح، عليه السلام، فإنها من جملة الركائب وهي الإبل ولا شك أن الإبل لها مزية على الحيوان خصها به خالقها.
ولذلك ورد في الكتاب العزيز : "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف ځلقت" (الغاشية: 17) فقرنها بـ "السماء كيف رفعت" (الغاشية: 16) و "الأرض كيف سطحت" (الغاشية: 20) .
وقدمها عليهما في الذكر، والآيات هي العلامات واختلاف المذاهب المشار إليه، أن قوما يعظمون الإبل لما أودع فيها من أسرار الله تعالى كما عظمت ناقة صالح عند من عظمها وقوما آخرين لا يعرفون ما فيها من أسرار الله لكنهم يتخذون الإبل لقطع السباسب، وهي البراي .
ثم قال: فأما القائمون فأهل عين، أي أهل مشاهدة الحقيقة عيانا، فهم أهل عين أي معاينة ومراده: أنهم يشهدون الحق في ثبوت كل صورة ومن جملتها الركائب فيعظمون حرمات الله وشعائره.
قال القاطعون بها السباسب إلى حرم الله فهم الحبائب وإلى غير حرم الله إذ عدوا اتخاذ الركائب من نعم الله، فهم بها في شهود كرم الله تعالى.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
11 - فصّ حكمة فاتحية في كلمة صالحية
قال رضي الله عنه : (من الآيات آيات الركائب .... وذلك لاختلاف في المذاهب )
ابتدأ رضي الله عنه بذكر الركائب وآياتها ، فإنّها من جملة معجزة صالح إتيانه بالناقة آية من الله في صحّة دعواه النبوّة ، من حيث لم يحتسبوا .
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ حكمته منسوبة إلى الفاتح والفتّاح ، فانفلق الجبل له في إعجازه ، ففتح الله له عن الناقة ، وفتح الله له على قومه بذلك ، فكان موجب إيمان بعض أمّته وإهلاك بعضه في وجود الناقة ومدّتها .
قال رضي الله عنه : (فمنهم قائمون بها بحقّ .... ومنهم قاطعون بها السباسب)
يعني : أنّ أهل الحق السالكين والسائرين في المذاهب صنفان :
فمنهم : من يقوم بحقّها ، ويكون سيرهم وسلوكهم عليها - أعني على الركائب - في بحار الشهود والكشف ، فركائبهم الفلك المشحون .
ومنهم : من يقطعون عليها في برّ الشهادة والملك والحجاب ، فهم يقطعون بها السباسب الظاهرة وهم أهل الاستدلال .
قال رضي الله عنه : ( فأمّا القائمون فأهل عين ... وأمّا القاطعون هم الجنائب .)
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الناس وهم السالكون على ركائبهم ، إمّا أهل شهود وعين وهم الصادقون في الدعوة إلى الله على بصيرة ، وإمّا أهل حجاب ، والكلّ لهم
ركائب في مذهبه ومقصده ، فالقائمون بالحق هم أهل العين المقصودون فيما يقصدون على التعيّن .
والقاطعون مهامه الحجاب وسباسب الشرك والضلال غير مقصودين على التعيين من الإيجاد ، بل هم مخلوقون تبعا للأوّلين يستعملونهم في مقاصدهم كالحيوانات والجنائب .
فإنّهم غير مطلوبين لأعيانهم ، ولا بدّ للفريقين من فتح باب الغيب بنتائج أعمالهم وسلوكهم ، كما قال تعالى :" كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ "
قال رضي الله عنه : (و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
"وكلّ منهم يأتيه منه " أي من الله " فتوح غيوبه من كلّ جانب " أي من جانب الله بوجه ، ومن جانب حقيقته وعينه الثابتة من وجه ، إمّا بالملائم أو بغير الملائم بالنسبة والإضافة ، لأنّ المدعوّ إلى الله إن أطاع وأجاب بما يلائم دعوة الداعي ، ويسلك على سننه ، ويسير بسيرته وسننه ، فتح له باب المجازاة بما يلائم ذلك من الثواب .
وإن أجاب الداعي بما لا يلائم من العصيان والكفر والجحود ، فتح له باب المجازاة بما لا يلائمه ، وفتح للداعي أيضا باب المجازاة بما يلائمه من النصرة على القوم المفسدين .
وأمّا نسبة هذه الحكمة الفاتحية إلى الكلمة الصالحية فلكون أمور صالح عليه السّلام في دعوته قومه وإقامة معجزته على نبوّته عن الفتوح الغيبي : كالناقة انفتح عنها الجبل وكان مغيبا عنهم ، وكذلك ما سقتهم من اللبن المغيب ، وكانت تشرب الماء يوما وتغيب عنهم ، ثمّ تأتي بعد ذلك عوض الماء لبنا سائغا للشاربين .
وكذلك وجدان العذاب بالصيحة عليهم عن فتح غيبي واعدهم ثلاثة أيّام ، كما نذكر إن شاء الله ، ما يتيسّر ذكره ، والله الموفّق .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية
إنما اختصت الكلمة الصالحية بالحكمة الفتوحية لأن مبادئ الإيجاد هي الأسماء الإلهية الذاتية الأولية ، ثم الثالثية ، ومن الثالثية : الفاتح والفتاح والموجد ونظائرها والأسماء كلها مفاتيح الغيب ، وقد خص الله تعالى صالحا بفتح باب الغيب عن آيته بفتق الجبل عن الناقة ، وهي كخلق آدم من التراب وفتحه على إيمان من آمن به بسبب هذه المعجزة ، واحترامهم لها على وفق ما أمروا به ، وبإهلاك من كفر لهذه النعمة منهم وعقروا الناقة ، فهذه ثلاثة فتوحات وفي بعض النسخ : فاتحية ، أي حكمة منسوبة إلى اسم الله الفاتح .
واعلم أن معجزة كل نبي هي من الاسم الغالب عليه وإن كان له أسماء ، فإن الغالب على كل مركب هو الذي ظهر ذلك المركب بصورته وحكم عليه .
كما يقال : إن القرع بارد رطب ، والثوم حار يابس ، وإن كان في كل منهما الكيفيات الأربع ، فالغالب على صالح عليه السلام الفاتح فلذلك له فتوحات من ذلك الاسم ، واشتملت حكمته على الإيجاد اللازم لفتح أبواب الغير ، وسيره على ذلك الاسم ، وعلمه من خزانة دعوته إليه ، وسيأتي سر الناقة ، وسر تخصيص كل نبي لمركب كعيسى بالحمار ، وموسى بالعصا ، ومحمد عليه الصلاة والسلام بالبراق إن شاء الله .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( من الآيات آيات الركائب ... وذلك لاختلاف في المذاهب )
من آيات الله التي خص بها كل نبي بل كل واحد من بني آدم آيات الركائب وهي المركوبات ، وذلك أن كل عين من الأعيان الإنسانية لها روح هو أول مظهر للاسم الذي يرب الله ذلك الشخص به .
"" إضافة بالي زادة : وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح بن عبيد بن ساذر بن ثمود ، وصالح سار بعد هلاك قومه إلى فلسطين ، ثم انتقل إلى الحجاز وعبد الله ، حتى مات وعمره ثمان وخمسون سنة اهـ.
( من الآيات ) خبر ( آيات الركائب ) مبتدأ ، وإضافة الآيات إلى الركائب إضافة عام إلى خاص ، من وجه الركائب جمع ركيبة ، أي ومن جملة المعجزات الدالة على صدق الأنبياء معجزات الركائب كالبراق لمحمد والناقة لصالح ، فكل آيات ليست بركائب ولا كل الركائب ليست بآيات ، وإن كان المراد بالركائب هنا نفس الآيات وهي البراق والناقة ، لكنه صحت الإضافة من حيث مغايرتهما بحسب المفهوم بالعموم والخصوص من وجه اهـ بالي زاده
( وذلك ) أي كون الركائب من الآيات ( لاختلاف في المذاهب ) أي بأن كان بعضها ذاهبا إلى الحق وبعضها إلى برارى عالم الظلمات ، والركائب قابلة للذهاب إلى كلى منها موصلة للراكب إلى مقصوده من حق أو غيره اهـ بالى زاده .""
ولكل روح في العالم الجسماني صورة جسدانية هي مظهر ذلك الروح ، وله مزاج خاص يناسب حاله في حضرة عينه الثابتة فلا بد لصورة بدنه من ذلك المزاج ، وعند تعلقه بمادة البدن يكون رابطة في تعلق ذلك المزاج ثم إن له في عالم النبات صورة تناسب ذلك المزاج وكذا في عالم الحيوان .
ولا شك أن الحيوان مركب هذا الروح في استكماله ، وهذه الأمور كلها من أحوال عينه الثابتة ونسبة الحق أي الذات الإلهية إليه وهو الاسم الغالب الذي هو رب الشخص وخزانة علمه وحكمته ، وسير هذا الشخص وترقيه إنما يكون لإخراج ما في خزانته من القوة إلى الفعل حتى يكون على كماله الذي خلق له بمركبه المخصوص به .
وذلك السير والترقي هو عبوديته الخاصة به وشريعته إن كان نبيا ، فمن المركب ما هو على صورة الناقة وصفاتها ، فإن النفس الحيوانية لا بد لها من عين أثر هي من أحوال عينها وخواص ربها ، ومنها ما هو على صورة الفرس ، وعلى صورة الأسد ، وعلى صورة
الثعبان ، وفي اطمئنانه في طاعة الروح وأمانته لها عن خواصها الحيوانية كالعصا وكذلك على صورة كل واحد من الحيوانات أو على التركيب كالبراق ، فسيره على طريقة تلك الحيوان بمقتضى حكمة الاسم الذي هو ربه .
وهو معنى قوله : وذلك الاختلاف في المذاهب ، وهذا سر إعجازه بإخراج الناقة من الجبل ، ومنه يعرف أحوال معاد الأشقياء على الصورة المختلفة ، كقوله : يحشر بعض الناس على صورة يخس عندها القردة والخنازير .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمنهم قائمون بها بحق .... ومنهم قاطعون بها السباسب )
أي من أصحاب الركائب أو أهل المذاهب وكلاهما واحد قائمون بتلك الركائب بحق ، أي بأمر الحق في السير والسلوك إليه وفيه حتى الكمال وبلوغ الغاية ، أي السالكون أو الواصلون أهل الشهود الذين فنوا عن ذواتهم فقاموا بها بالحق عند الشهود والاستقامة ، فكان الحق عين ذواتهم وقوامهم ومراكبهم وصورهم.
"" إضافة بالي زادة : )فمنهم ) أي إذا كانت المذاهب مختلفة من عباد الله ( قائمون بها ) أي أقاموا مراكبها وهي صورة النفوس الحيوانية في طريق الحق وطاعته ( بحق ) أي بأمر حق لا بأنفسهم ( ومنهم قاطعون بها السباسب ) أي صحارى عالم الأجسام التي تاهوا فيها ولم يخرجوا عنها اه ( فأما القائمون فأهل عين ) وشهود ، وهم الواصلون حقيقة العلم والمختصون عن ظلمات الجهل ، وهم أهل الكشف واليقين ( وأما القاطعون هم الجنائب ) أي البعداء عن معرفة الحق ، وإن استدلوا بفكرهم النظري من الأثر إلى المؤثر ، لكنهم محجوبون عن حقيقة العلم وهم أهل النظر والاستدلال ، حذف الفاء من فهم لضرورة الشعر اهـ بالى زادة . ""
ومذهبهم الدين الخالص لله في قوله : " أَلا لِلَّه الدِّينُ الْخالِصُ " وسيرهم سير الله ، ومنهم قاطعون بها سر عالم الملكوت في الاستدلال بآيات الآفاق ، أو تدابير عالم الشهادة والملك عالم الحجاب في بوادي الاسم الظاهر :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأما القائمون فأهل عين .... وأما القاطعون هم الجنائب )
يعنى أن القائمين هم أهل العيان والشهود يدعون إلى الله على بصيرة ، وفي الجملة الأنبياء والأولياء حال السلوك والوصول ، فإن السالكين الصادقين المشارفين إلى الوصول هم أهل عين باعتبار عشياتهم ، والقاطعون هم الجنائب أي الأمم والأتباع الذين يدعون إلى الحق ، ويستعملون في الجهاد والمصالح الدينية والدنيوية ، المشوشون المحكومون بالطبع ، المحجوبون كالحيوانات إلى ما فيه صلاحهم وصلاح العالم المخلوقون للتبعية والصحيح فهم جنائب ، لكن الشيخ قدس سره راعى جانب المعنى فلم يجيء بالفاء بعد إما تخفيفا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
أي وكل واحد من الداعين القائمين بالحق ، ومن المدعوين المجنوبين القاطعين ، تأتيه فتوح غيوبه من الله التي هي في غيب الذات وغيب ربه ، أي الاسم الذي هو إلهه ، وهذا العبد عبده وغيب علمه تعالى به وغيب عينه الثابتة ومن فوقه ومن تحت أرجله ، وذلك معنى قوله من كل جانب ، وتلك الفتوح إما ملائمة أو غير ملائمة بمقتضى عينه .
وذلك أن الداعي في الحياة الدنيا وفي الآخرة تأتيه فتوحه بما لاءم ، لأنه في مقام الرضا لا يريد إلا ما يريد الله به ، وإن كان في مقام السلوك شكر على النعماء وصبر على البلاء فيكون ملائما من وجه .
لأن الابتلاء يظهر فضيلته وفي الآخرة يكون مجازاته حسن الثواب وأما المدعو فإن أجاب الداعي بما يلائم وأطاعه وسلك طريقه وسار على سبيله وسيرته فتح له باب المجازاة بما يلائم ، وإن أجابه بما الا يلائم وخالفه بالكفر والعصيان فتح له باب المجازاة بما لا يلائم .
وقد تظهر أمور من الغيب هاهنا لكلا الفريقين ملائمة وغير ملائمة ، لا يعرف بليتها والاطلاع على سر الغيب إنما هو للحق ، وقد يطلع على بعضه من شاء من عباده .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب )
11 - فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية
لما كان ( الفتوح ) عبارة عن حصول شئ عما لم يتوقع ذلك منه ، نسب
حكمته إلى صالح ، عليه السلام ، لخروج الناقة التي هي معجزته من الجبل ،
وهو مما لم يتوقع خروجها منه .
وأيضا لما كان ( الفتوح ) مأخوذا من ( الفتح ) - إذ هو جمعه كالعقول للعقل والقلوب للقلب - وصالح مظهر اسم ( الفتاح ) ، لذلك انفتح له الجبل فخرج منه الناقة ، وهو من جملة مفاتيح الغيب ، قرن ( الحكمة الفتوحية ) إلى كلمته ، وبين فيها الإيجاد ، وكونه مبنيا على الفردية . وفي بعض النسخ : ( حكمة فاتحية ) . وهي يؤيد ما ذكرناه .
(من الآيات آيات الركائب )
أي ، من جملة الآيات والمعجزات ، آيات الركائب ، كالناقة لصالح و ( البراق )
لنبينا ، صلى الله عليه وسلم وأضاف ( الآيات ) إلى ( الركائب ) ، وإن كانت
هنا نفس ( الآيات ) ، باعتبار المغايرة التي بينهما : فإن ( الآيات ) ليست منحصرة في
( الركائب ) ، ولا كل ( الركائب ) من ( الآيات ) .
وهذه ( الركائب ) في الحقيقة صورة النفوس الحيوانية ، وهي مراكب النفوس الناطقة ، كما أن الأبدان مراكب النفوس الحيوانية ، لأنها جمع ( ركيبة ) - كقبائل جمع قبيلة . وهي ما يركب عليه للوصول إلى المقصود ، وما تحصل مقاصد النفوس الناطقة ولا تكمل إلا بها ، فهي مراكبها .
(وذلك لاختلاف في المذاهب ) .
أي ، وكون ( الركائب ) من ( الآيات ) الدالة على صدق الأنبياء ، إنما هو لاختلاف
في المذاهب ، أي ، في السلوك والسير إلى الله ، إذ ( المذهب ) هو الطريق ، كما يقال :
مذهب الشافعي كذا . أي ، طريقه الذي ذهب إليه كذا .
وذلك الاختلاف مستند إلى اختلاف الاستعدادات ، فإن بعض النفوس
يسير عليها سيرا لا تزيغ أبصارهم إلى غير المطلوب ، كما قال تعالى في نبيه ،
صلوات الله عليه : "ما زاع البصر وما طغى ". فيصل إليه . وبعضهم لا يسيرون
عليها نحو المطلوب ، فيتيهون في السباسب ويبقون في ظلمات الغياهب ، كما
قال :
(فمنهم قائمون بها بحق .... ومنهم قاطعون بها السباسب )
أي ، فمن أصحاب تلك المذاهب ، طائفة قائمة بتلك الركائب ، أي ، أقاموها في طاعة الحق والسير إليه باستعمالها فيه بالحق ، لا بأنفسهم .
ف ( الباء ) الأولى للتعدية ، والثانية للاستعانة .
( ومنهم قاطعون بها ) أي ، بتلك الركائب ( السباسب ) . وهو جمع ( سبسب ) . وهو البيداء والصحراء . أي ، يقطعون بها البراوي والصحاري التي تاهوا فيها ولم يخرجوا عنها .
وهي براري عالم الظلمات والأجسام .
فالطائفة الأولى هم الذين علموا الأمر على ما هو عليه ، وسعدوا .
والثانية هم الذين بقوا في ظلمات الجهل ، وبعدوا .
وإليه أشار بقوله : (فأما القائمون فأهل عين ) أي ، أهل الشهود والعيان .
(وأما القاطعون هم الجنائب)
أي ، هم المحجوبون البعداء عن الحضرة ومعرفة حقائق الأشياء ، وإن قطعوا
براري عالم الملك بالاستدلال من الأثر إلى المؤثر بعقولهم المشوبة بالوهم المحجوبة
عن حقيقة العلم . إذ هي جمع ( جنيبة ) . وهي فعيلة من ( الجنوب ) ، وهي البعد ،
كما قال :
(هواي مع الركب اليمانين مصعد .... جنيب وجثماني بمكة موثق)
وكان الحق أن يقول : فهم الجنائب . ب ( الفاء ) ، جوابا ( أما ) ، لكنه حذف للضرورة .
ولو قال : فهم جنائب ، لكان أنسب .
(وكل منهم يأتيه منه ..... فتوح غيوبه من كل جانب )
أي ، كل واحد من القائمين ، يأتيه من عند الله فتوح الأسماء الإلهية والتجليات الذاتية من جوانب الحضرات الروحانية والجسمانية . فضمير ( منه ) و ( غيوبه ) عائد إلى ( الحق ) .
و ( الفتوح ) يجوز أن يكون مفردا بالمعنى المشهود المذكور . ويجوز أن يكون جمعا للفتح ، كالقلوب للقلب .
ويجوز أن يحمل ( وكل منهم ) على ( القائمين ) و ( القاطعين ) .
لأن المحجوبين أيضا لهم فتوح غيوب الحق من حضرات الأسماء التي تربهم وتختص بهم .
.
يتبع