منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:27 pm

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

كيف ذهب المصطفى عليه السلام على مدونة عبدالله المسافر
كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض
وبيان فائدة العيادة
[ بيان القصة ]
مرض أحد أعلام الصحابة وأصبح من جراء هذا المرض في نحول الخيط .
فتوجه المصطفى لعيادته ، فخلق المصطفى كان كله كرما ولطفا .
ففي ذهابك لعيادة المريض فائدة . وفائدة ذلك عائدة إليك .
فالفائدة الأولى أن ذلك الشخص العليل ، ربما يكون قطبا أو .
مليكا ( روحيا ) جليلا .
 
1245 وان لم يكن قطبا ، فلعله يكون رفيقا للطريق . وان لم يكن مليكا ، فلعله يكون فارس الجيش .
فاعتبر أن من واجبك صلة رفقاء الطريق مهما يكن هؤلاء ، وسواء في ذلك من كان منهم ماشيا أو راكبا .
.....................................................................
( 1 ) انظر : سورة المائدة ، 5 : 1 .
( 2 ) انظر : سورة المائدة ، 5 : 89 .
 
“ 236 “
 
ولئن كان عدوا ، فهذا الاحسان ذاته خير ، وكم من عدو قد غدا بالاحسان صديقا ! 
ولئن لم يغد العدو به صديقا تناقص حقده ، ذلك لأن الاحسان يكون بلسما للحقد .
وكم للاحسان من فوائد أخرى غير ذلك ، لكنني خائف من الإطالة ، أيها الرفيق الطيب .
 
2150 - فالحاصل هو هذا : كن صديقا للجميع ، وكصانع الأصنام انحت من الحجر صديقا !
 ذلك لأن احتشاد القافلة وتجمعها يقصم ظهر قاطع الطريق ، ويحطم سنانه .
وما دام قلبك ليس بذى عينين أيها العنيد ، إلى حدّ أنك لا تميز بين الحطب والعود ، فلا تيأس ما دام في العالم كنز .
 ولا تحسبنّ خربة قط خالية من الكنز .
ولتقصدن كل درويش جزافا ، فإذا ما وجدت عند أحدهم العلامة ، فابذل جهدك في ملازمته .
 
2155 - وما دمت لم ترزق هذه العين البصيرة بالبواطن ، فلتحسبنّ أن في كل وجود كنزا .
 
كيف أوحى الحق تعالى إلى موسى عليه السلام ( قائلا ) :
 “ لماذا لم تحضر لعيادتى ؟ “
 
لقد جاء من الحق إلى موسى هذا العتاب : “ يا من شهدت طلوع البدر من جيبك !

 
“ 237 “
 
يا من جعلتك مشرقا بالنور الإلهي ! لقد غدوت - أنا الحق - مريضا ، فلم تَعُدنى !
 “ فقال موسى : “ سبحانك يا من أنت منزّه عن الضر ! ما هذا الرمز ؟ بينه لي ، يا الهى !
 “ فقال الحق : “ لماذا لم تسأل عنى في مرضى ، على سبيل الكرم ؟ “
 
2160  فقال موسى : “ يا رب ، ان النقص لا يعتريك . لقد ضاع عقلي ، فاكشف لي سر هذا القول !
 “ فقال الحق : “ نعم ، ان عبدا لي خاصا مختارا قد مرض . وما هو الا أنا ، فتأمل جيدا .
فعذره في مرضه عذر لي وكذلك مرضه ، انه مرض لي ! فمن أراد أن يكون جليسا لله ، فليجلس في حضرة الأولياء .
فان أنت انقطعت عن حضرة الأولياء ، فإنك هالك ، لأنك - حينذاك - تكون جزاء بدون كل !
 
 2165 فكل من فرّقه الشيطان عن أهل الكرم ، فإنه يلقاه - بعد ذلك - وحيدا ، ويلتهم رأسه .
ان الابتعاد عن الأحباب شبرا واحدا ، ولمدة لحظة واحدة لا يكون الا من مكر الشيطان فاعلم ذلك جيدا !
 
كيف فرق البستاني بين الصوفي والفقيه والعلوي
 
بينما كان بستانىّ يتفقد بستانه ، رأى به ثلاثة رجال كأنهم من اللصوص .


 
“ 238 “
 
وكان أحدهم فقيها ، وثانيهم شريفا ، وثالثهم صوفيا . وكل منهم كان وقحا خبيثا ، عديم الوفاء !
 فحدث نفسه قائلا : “ ان لي مائة حجة في مواجهة هؤلاء لكنهم جمع ، والجماعة قوة .
 
2170  فلن أقدر منفردا على ثلاثة أفراد ، فلافرق بينهم جميعا في أول الأمر .
لأفصلن الواحد منهم عن الآخرين ، فإذا ما أصبح منفردا اقتلعت شاربه “ .
فاصطنع حيلة أخرج بها الصوفىّ إلى الطريق ، حتى يفسد ما بينه وبين رفيقيه .
فقال للصوفىّ : “ اذهب إلى الدار ، وأحضر بساطا من أجل هذين الرفيقين “ .
فلما ذهب الصوفىّ ، قال البستاني في الخلوة لهذين الرفيقين :
“ انك فقيه ، وهذا شريف ذائع الصيت .
 
2175 وانا لنأكل الخبز بفتواك ! بل انا لنحلق بجناح علمك .
وهذا أيضا أميرنا وسلطاننا . انه سيد من أسرة المصطفى ! 
فمن يكون هذا الصوفىّ الشره الخسيس ، حتى يكون جليسا لأمثالكما من الملوك ؟
فحينما يجئ فاجعلاه ( بضر با تكما ) قطنا ! وأقيما أنتما سبعة أيام في بستاني وسفحى ! 
وماذا يكون البستان ؟ ان روحي لكما ، يا من أتتما لي بمثابة عيني اليمنى ! “


 
“ 239 “
 
2180  لقد وسوس لهما وخدعهما . أواه . ان من الواجب ألا يصبر المرء على ( بعد ) أصدقائه .
وحينما أخرجا الصوفىّ إلى الطريق ، ومضى تعقبه خصمه بعصا غليظة ، وقال :
 “ أيها الكلب . أيكون من التصوف أنك تسارع إلى دخول بستاني بالرغم منى ؟
فهل أرشدك الجنيد أو أبو يزيد لهذا الطريق ؟ وعن أي شيخ أو مرشد جاءك هذا ؟
 “ لقد أشبع الصوفىّ ضربا حينما ألفاه وحيدا . وكاد أن يجهز عليه ، وشج رأسه .
 
2185  فقال الصوفىّ : “ ان ما أصابني قد انقضى ، لكن خذا حذر كما جيدا أيها الرفيقان !
 لقد عددتمانى غريبا عنكما ، فتنبها فلست بأكثر غربة عنكما من هذا العُتُلّ .
وانكما لجديران بشرب ما قد شربته . وان مثل هذه الشربة لجزاء لكل دنىء .
فهذا العالم كالجبل ، فما رددتماه من القول سوف يرتد اليكما مع رجع الصدى “ .
وحينما فرغ البستانىّ من الصوفىّ ، فإنه - بعد ذلك - انتحل عذرا من النوع ذاته .
 
2190 - فقال : “ أيها الشريف . لتذهب إلى الدار ، فانى قد أعددت من أجل الافطار رقاقا .
 
“ 240 “
 
ولتهتف بقيماز “ 1 “ من باب الدار أن يحضر ذاك الرقاق ، والأوزة “ .
فلما أخرجه إلى الطريق قال ( للآخر ) : “ أيها البعيد النظر . انك فقيه . وهذا الأمر ظاهر ويقين .
وان هذا يدعى الشرف ، وهي دعوى بارة . فمن ذا الذي يدرى من قد زنى بأمه ؟
فهل تركنون إلى المرأة وإلى فعلها ؟ وهل يُعتمد عليها وهي ناقصة العقل ؟
 
2195  لقد ربط نفسه بعلى وبالنبي وكم بهذا الزمان من غبي ( يصدق قوله ) !
 “ ان كل من جاء من الزنى ، وكان من الزناة ، فهو يحمل مثل هذا الظن في حق الربانيين ! 
وكل من غدا رأسه دائرا من دورانه حول نفسه ، يظن أن الدار دائرة مثله ! فهذا الذي قاله ذلك البستانىّ الفضولىّ كان وصف حاله .
فما أبعد هذا عن أولاد الرسول ! فإن لم يكن من سلالة المرتدين ، فكيف كان يقول هذا عن أسرة الرسول ؟
 
2200  وتفوّه وبخداع أصغى اليه ذلك الفقيه . فمضى الشريف وتبعه ذلك الظالم السفيه .
فقال ( للشريف ) : أيها الحمار . من إذ الذي دعاك إلى هذا البستان ؟ وهل بقيت لك السرقة ميراثا عن الرسول ؟
......................................................................
( 1 ) اسم علم .



“ 241 “
 
ان الشبل يجئ شبيها بالأسد فمن أي وجه تشبه أنت الرسول خبرني ! “
 فهذا الرجل الملتجىء ( إلى الحيلة ) قد صنع بالشريف ما يصنعه خارجىّ بآل الرسول ! 
فكم ذا تحمل الحقد دوما على آل الرسول شياطين وغيلان من أمثال شمر ويزيد .
 
2205  لقد غدا الشريف محطما من ضربات ذلك الظالم . فقال للفقية “ هأنذا قد قفزت إلى خارج الماء .
فاثبت أنت الآن ، فإنك قد بقيت فردا منتقرا ( للعون ) . ولتتلق الضربات فوق بطنك مثل الطبل !
 فإن لم أكن شريفا ، ولا ئقا بك ، وصفيا ، فانى - بالنسبة لك - لست أسوأ من ذلك الظالم “ .
ولقد فرغ البستانىّ من الشريف ، ثم أقبل قائلا : “ أيها الفقيه أي فقيه أنت ، يا عار كل سفيه ! 
فهل فتواك هذه - أيها اللص “ 1 “ - أنك تدخل ( بستاني ) ولا تسأل : هل من اذن ؟
 
2210  وهل قرأت هذه الرخصة في الوسيط ؟ أم هل كانت هذه المسألة في المحيط ؟
 “ فقال الفقيه : “ الحق معك ، فاضرب . لقد حقت لك الغلبة . وهذا هو الجزاء لمن افترق عن أصحابه “ .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : أيها المقطوع اليد .

“ 242 “

عود إلى قصة المريض وعيادة الرسول 
صلى الله عليه وسلم
 
ان هذه العيادة كانت من أجل تلك الصلة ( الروحية ) . وانها لصلة منطوية على مائة محبة ! 
فهذا الرسول - الذي لا ندّ له - قدء ذهب للعيادة فرأى ذلك الصحابىّ في حال النزع .
انك حين تصبح بعيدا عن حضرة الأولياء ، تكون - في الحقيقة - قد غدوت بعيدا عن الله !
 
2215 - فلئن كان الغم يحدث نتيجة لهجر الرفاق ، فهل تكون الفرقة عن وجه الملوك “ 1 “ أهون من ذلك ؟
فسارع في كل لحظة إلى طلب ظلّ الملوك ، حتى يجعلك هذا الظلّ أبهى رواء من الشمس “ 2 “ ! 
ولئن كنت مسافرا ، فلتسافر على هذه النية . وان كنت مقيما فلا تغفل عن ذلك .
 
كيف قال أحد الشيوخ لأبي يزيد
“ انى انا الكعبة فقم بالطواف حولى “
 
ان شيخ الأمة بايزيد “ 3 “ كان قد توجه إلى مكة مسرعا ، من أجل الحج والعمرة .
وكان كلما نزول مدنية بدأ بالبحث عمن بها من الشيوخ الأعزاء .
.................................................................
( 1 ) الملوك هنا هم الصوفية من ذوى المكانة الروحية الرفيعة .
( 2 ) حرفيا : “ حتى تغدو بهذا الظل أفضل من الشمس “ .
( 3 ) بايزيد ، هو أبو يزيد البسطامي ، الصوفي المعروف ( ت 260 ه ) .


 
“ 243 “
 
2220  لقد كان يتجول سائلا : “ من بهذه المدينة ممن استند على أركان البصيرة ؟
ولقد قال الحق : “ حيثما توجهت في سفرك ، فعليك - في أول الأمر - 
أن تطلب رجلا “ فاقصد إلى الكنز ، فان هذا الربح وتلك الخسارة يأتيانك تبعا .
فلتعدهما من المسائل الفرعية .
فكل من يزرع يكون مقصده القمح ، لكنه يحصل على التبن تبعا لذلك .
ولو أنك زرعت التبن فلن ينبت لك قمحا . ألا فلتبحث عن رجل ! ابحث عن رجل !
 
2225  فلتقصد إلى الكعبة حين يحلّ وقت الحج . فإذا ما أتيت إلى هناك فسترى مكة أيضا .
لقد كان قصد الرسول من المعراج رؤية الحبيب ، فرأى العرش والملائكة تبعا لذلك .
 
حكاية
[ بناء منزل المريد ]
 
لقد بنى مريد جديد منزلا جديدا ، وجاء الشيخ ليتفقد منزل تلميذه ، فقال الشيخ لمريده الجديد ، وذلك ليختبر سداد فكره :
“ لأي شئ جعلت له نافذة أيها الرفيق ؟ “ فقال المريد : “ لينفذ النور اليه من هذا الطريق “ .
 
2230  فقال الشيخ : “ هذا أمر فرعيّ ، والواجب أن تكون حاجتك إليها لتسمع عن طريقها صوت الأذان “ .
 
“ 244 “
 
لقد فتش أبو يزيد كثيرا في سفره ، لعله يجد رجلا يكون خضر زمانه .
فرأى شيخا ذا قد مقوّس كالهلال وشهد فيه الجلال ، وكذلك حديث الرجال .
لقد كان ضرير العينين ، وأما قلبه فكان مثل الشمس كان مثل فيل شهد في منامه بلاد الهند !
 فبينما هو نائم وعينه مغلقة يرى مائة طرب . فإذا ما فتح عينيه لا يرى ذلك . واعجبا !
 
 2235  فكم يتجلى في النوم من أمر عجاب ! ان القلب ليغدو نافذة ابان المنام .
أما ذلك الذي يكون يقظا ويشهد أحلاما طيبة ، فهو عارف .
فلتكحل عينيك بترابه ! فجلس أبو يزيد أمامه ، وسأله عن حاله . فوجده درويشا ، وأيضا صاحب عيال .
فقال الشيخ : “ إلى أين عزمك يا أبا يزيد ؟ وإلى أي مكان سوف تجرّ متاع الغربة ؟
فقال أبو يزيد : “ انى قاصد الكعبة عند انبلاج الصبح “ . فقال الشيخ : “ وماذا تحمل معك من زاد الطريق ؟ “
 
 2240  فقال أبو يزيد : “ ان معي مائتي درهم من الفضة ، وها هي ذي مثبتة باحكام في زاوية ردائي “ .
فقال الشيخ : “ ألا فلتطف حولى سبع مرات ، ولتعدّ هذا أفضل من طواف الحج !



“ 245 “
 
ولتضع أمامي تلك الدارهم أيها الجواد . ولتعلم أنك أديت الحج ، وتم لك المراد ! 
وأنك قضيت العمرة ، ووجدت حياة الخلود . وصرت صافيا ، وتساميت مسرعا نحو الصفاء .
فبحق ذلك الحق الذي شهدته روحك انه قد فضلني على بيته .
 
2245  فمهما كانت الكعبة منزل برّه ، فان خلقتى أيضا منزل سرّه .
فهو منذ خلق الكعبة لم ينزل بها . وأما هذه الدار “ 1 “ فلم منزل بها سوى ذلك الحي .
فإذا ما أبصر تنى فقد أبصرت الله ، وطوّفت حول كعبة الصدق .
وما دمت لا تعتقد أن الحق بعيد عنى ، فان أداءك خدمتي طاعة .
وحمد لله ! فافتح عينيك جيدا وانظر الىّ ، حتى ترى نور الحق في البشر .
 
2250  ولقد أصغى أبو يزيد إلى تلك الأسرار ووضعها في أذنيه ، كأنها قرط ذهبي ! 
ثم انصرف أبو يزيد عن هذا الشيخ وهو في مزيد ( من الطاقة الروحية ) ، وفي النهاية وصل إلى منتهاها .
 
كيف علم الرسول عليه السلام أن السبب في مرض ذلك الشخص 
كان تجاسره في الدعاء
 
حينما رأى الرسول ذلك المريض ، فإنه سرّى بلطف عن ذلك الرفيق الأليف .
.................................................................
( 1 ) يشير بذلك إلى قلبه .


 
“ 246 “
 
فانبعثت فيه الحياة حينما رأى الرسول . وكأنما تلك اللحظة قد خلقته .
فقال : “ لقد وهبني المرض هذا الحظ السعيد فجاء سلطان ( الروح ) ساعة الصبح عندي !
 
 2255 حتى تعود إلى الصحة والعافية ، بقدوم هذا المليك الذي ليست له حاشية .
فيها لها من سعادة ذلك العناء وتلك العلة والحمى ! وكم هو مبارك ذلك الألم وسهر الدجى ! 
فها هو ذا الحق - بلطفه وكرمه - قد وهبني في الشيخوخة مثل هذا الضنى والسقم .
ولقد وهبني أيضا ألم الظهر ، فلا بد أن أقفز من النوم مسرعا في منتصف الليل .
ان الحق بلطفه قد وهبني هذه الآلام حتى لا أنام طول الليل مثل الثور !
 
 2260 - وبهذه العلة تفجرت لي رحمة الملوك ، ولزمت جهنمُ الصمت عن تهديدى “ .
ان الألم كنز ، وكم في داخله من الرحمات ! واللب يغدو أكثر نضرة إذا سلخت عنه القشرة .
يا أخي ! ان المكان المظلم البارد ، والصبر على الحزن والوهن والآلام .
كل أولئك عين ماء الحياة وكأسُ النشوة ، ذلك لأن هذه الأعالي كامنة في المنخفضات !



“ 247 “
 
فهذا الربيع مضمر في الخريف . والخريف مضمر في الربيع فلا تهرب من ذلك .
 
2265 فكن رفيقا للشجى ، واسكن إلى الوحشة . والطلب العمر الطويل في موت النفس ! 
ومهما تقل لك النفس ان هذا المكان قبيح فلا تصغ إليها فان دأبها أن تكون ضد ( الصلاح ) !
ولتخالفها ، فان هذا هو ما قالت به وصية الأنبياء في الدنيا .
وان المشاورة في الأمور لواجبة ، حتى يكون الندم قليلا في العاقبة .
ولقد قالت الأمة : “ ومن ذا الذي نشاوره ؟ “ فقال الأنبياء :
“ شاوروا العقل ( فهو ) الامام “ .
 
2270 - فقال أحدهم : “ فلئن جاء طفل أؤ امرأة لا تملك رأيا ولا عقلا مستنيرا ؟ 
“ قيل : “ شاورها ، واعمل بضد ما تقوله لك ، وامض لسبيلك ! “ واعلم أن نفسك كالمرأة أو أسوأ منها !
 ذلك لأن المرأة جزء ( من الشر ) ، وأما النفس فهي كل الشر ! 
فان أنت شاورت نفسك الأمَّارة بالسوء فخالف تلك الدنيئة في كل ما توحى به ! 
ولو أنها أمرتك بالصلاة وبالصوم فالنفس ماكرة ، ولعلها تلد لك مكرا .
 
2275 - فإذا شاورت نفسك في الأفعال ، فكل ما قالته لك فضده هو الكمال !
 
“ 248 “
 
فإن لم تقدر عليها وعلى حقدها . فاذهب إلى رفيق والزم مخالطته فالعقل يكتسب القوة من عقل آخر .
 وقصب السكر يكتسب الكمال بقصب السكر .
انى قد رأيت من مكر النفس أشياء ، فهي التي تسلب بسحرها كل تمييز ! 
وهي تقدم لك الوعود نضرة بيديها ، بعد أن تكون قد أخلفتها آلاف المرات !
 
 2280 - فلو امتدّ بك العمر لتبلغ مائة عام ، فإنها تتعلل لك كل يوم بعذر جديد ! 
وهي تزجى بحرارة وعودها الباردة . انها لساحرة تربط للرجل رجولته .
ألا فلتحضر يا ضياء الحق ! يا حسام الدين فإنه ! بدونك - لا ينبت العشب في الأرض الملحة !
 فان ستارا قد تدلى من الفلك ، من جراء لعنة قلب جريح .
وليس يدرى علاجا لهذا القضاء الا القضاء . فعقل الخلق حائر ذاهل في قضاء الله .
 
2285  ان الثعبان الأسود - الذي كان دودة ملقاة على الطريق - قد أصبح تنينا .
لكن التنين يغدو يدك عصا ، وكذلك الثعبان يا من أنت روح موسى المنتشى بالمحبة .
فلقد وهبك الله حكم” خُذْها وَلا تَخَفْ ““ 1 “ ، وبذلك يغدو
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة طه ، 20 : 21 .

 
“ 249 “
 
التنين عصا في يدك .
فهيا ، أظهر يدك البيضاء ، أيها المليك واكشف لنا صبحا جديدا من بين الليالي المظلمة ! 
ان جحيما قد اشتعل ، فانفث عليه سحرك ، يا من أنفاسك ، أغنى من أنفاس البحر !
 
 2290 - انها ( النفس ) بحر ماكر ، يبدي قليلا من الزبد . بل هي الجحيم الذي أبدى بمكر قليلا من اللهب .
وهي تظهر صغيرة أمام عينيك ، حتى تراها ضعيفة ، فيثور غضبك ، مثلما ظهر الجيش الكثيف قليل العدد ، أمام عيني الرسول .
فكان أن هاجمه الرسول بدون أن يهاب خطره ، ولو رآه كثيرا لكان التزم الحذر ازاءه .
لقد كانت هذه عناية ( من الله ) ، وكنت أهلا لها يا أحمد .
ولولاها لكنت غدوت وجل الفؤاد .
 
2295  لقد كان الله يهوّن في نظره ونظر أصحابه جهاد الظاهر وجهاد الباطن .
وذلك لكي ييسر له اليسرى ولكي لا يحوّل وجهه عن العسرى .
ولقد كان اظهار الأمر له هينا نصرا له ، ولأنه كان للحق حبيبا ، والحق هو الذي علمه الطريق .
أما من لم يكن الحق ظهيرا له في الظفر ، فويل له لو تبدّى له الأسد الضاري مثل الهرة !
 وواها عليه لو ظهرت له المائة من بعيد واحدا ، فيدفعه الغرور إلى أن يخوض الوغى !


 
“ 250 “
 
2300 - ولهذا فان الله يظهر سيف الرسول وكأنه حربة . ولهذا أيضا يظهر الأسد الضاري وكأنه هرة .
حتى يرتمى ( كل ) أحمق في غمار الحرب متجاسرا ، وبهذه الحيلة يوقعهم في مخالبه ! 
وحتى يقبل كل هؤلاء الحمقى بأقدامهم نحو بيت النار !
 انه يظهر لك وكأنه عود من القش ، فتسارع إلى نفخه لتزيله من الوجود ! 
فحذار فان هذه القشة قد اقتلعت جبالا ! لقد جلعت العالم يبكى وبقيت هي ضاحكة !
 
 2305 - انه يبدي ماء النهر وكأنما لا يتجاوز عمقُه كعب القدم ، على حين أنه قد أغرق مائة من أمثال عوج بن عنق !
 انه يبدي موج الدماء تلا من المسك ! انه يبدي قاع البحر أرضا يابسة ! 
لقد رأى فرعون الأعمى هذا البحر يبسا ، فاقتحمه بكل شجاعته وقوته .
وهو - حين خاضه - أصبح في قاعه . وكيف تكون عين فرعون بصيرة ؟
ان العين تغدو بصيرة بلقاء الحق . وهل يكون الحق نجىّ السرّ لكل أحمق ؟
 
2310 ان الأحمق يبصر القند ، فإذا به السم الزعاف ! وهو يرى الطريق ، ولا يكون ما رآه سوى نداء الغول !
 أيها الفلك . انك لتسرع في دورانك بفتنة آخر الزمان . ألا


 
“ 251 “
 
فلتمهلنا بعض الوقت ! انك لخنجر حاد في تهجمك علينا ! بل انك لرمح ملوث بالسموم !
 أيها الفلك . تعلم الرفق من رحمة الحق . ولا تنهش بمثل لدغة الحية قلوب النمال .
فبحق من جعلك دولابا دائرا فوق هذه الدار ( الدنيا ) .
 
2315  دُر على صورة أخرى ، وكن رحيما بنا ، من قبل أن تستأصل حذورنا !
 بحق أنت كنت مربينا في البداية ، فنمت أغصاننا من الماء والتراب ! 
بل بحق ذلك المليك الذي خلقك صافيا ، وأطلع فيك كل تلك المشاعل ، وجعلك هكذا معمورا باقيا ، 
حتى ظن الدهري انك أزلي ! والشكر ( لله ) أننا قد عرفنا بدايتك فالأنبياء قد أخبرونا بسرك هذا .
 
2320 فالآدمىّ يعلم أن الدار حادثة ، وليس يعلم ذلك العنكبوتُ العابث في جوانبها ! 
وكيف تعلم البعوضة من أىّ وقت كان البستان ؟ وهي التي تولد في الربيع ويكون موتها في الشتاء ! 
والدودة التي تتولد في الخشب وهو واهى الحال ، كيف تعلم حال الخشب حينما كان غصنا ؟
ولو أن الدودة علمت بماهيته ، لكانت عقلا تبدى على صورة دودة .
وان العقل ليظهر ذاته في كثير من الألوان ، لكنه يبعد فراسخ
 
“ 252 “
 
عن هذه الألوان . كبعد الجن ( عن الصور التي تتبدى فيها ) .
 
2325  بل هو أسمى من الملك ، فاىّ مجال هنا للجن ؟ لكنك تطير بجناح الذباب ، ولهذا فإنك تتهاوى في طيرانك !
 ومع أن عقلك يطير محلقا نحو العلا ، فان طائر تقليدك يرتعى في الحضيض .
وما العلم التقليدي الا وبال على أرواحنا . انه عارية ، ونحن قد ركنا إلى أنه علمنا ( الحقيقي ) .
بل إن من الواجب أن يغدو المرء متجاهلا مثل هذا العقل ، ويجب عليه - ازاءه - أن يتشبث بالجنون !
 فكل ما رأيت فيه نفعا لذاتك فاهرب منه ! لتحسُ السهم ولتهرق ماء الحياة !
 
 2330  وكل من يمتدحك كن له معنِّفا وأقرض المفلس ربحك ورأس مالك .
ودع الأمان ، وانزل منزل الخوف ! وتخل عن حسن السمعة وكن مفتضحا ذائع الصيت ! 
انني قد جربت العقل البعيد الفكر . فمن بعد هذا سوف أجعل نفسي مجنونا !
 
كيف اعتذر فتى مستهتر لرجل فاضل انكر عليه زواجه
من احدى العاهرات
 
لقد قال السيد الأجل ذات مساء لذلك المستهتر : “ انك قد تزوجت متعجلا بامرأة فاجرة !


“ 253 “
 
وكان الواجب أن تنبئنى بأمرك . حتى نزوجك من امرأة ذات عفاف “ .
 
2335  فقال : “ انني قد تزوجت تسع عفيفات صالحات ، فغدون عاهرات ، واضمحل من الحزن بدني ! 
فتزوجت هذا العاهرة بدون معرفة بها لأرى ماذا يؤول اليه أمرها .
انني كثيرا ما جربت العقل . وانى - بعد هذا - لملتمس مغر سا للجنون ! “
 
كيف استطاع مستفسر ان يدفع إلى الكلام ذلك العظيم
الذي كان يتظاهر بالجنون
 
كان أحد الرجال يقول : “ انى أريد رجلا عاقلا لكي أشاوره في احدى المشكلات “ .
فقال امرؤ له : “ ما في مدينتنا عاقل قط ، سوى هذا الرجل الذي يبدو كالمجنون !
 
2340  ها هو ذا فلان ، وقد امتطى عودا من القصب وأخذ يعدو به بين الأطفال .
انه صاحب رأى ، ( ذكاؤه ) جذوة من اللهب وقدره ( رفيع ) كالسماء وشأنه كالنجوم ! عدالته “ 1 “
قد أصبحت روحا للملائكة المقربين ! لكنه قد احتجب
.................................................................
( 1 ) العدالة من معاني كلمة “ فر “ ، وقد اخترنا هذا المعنى في ترجمة البيت .


 
“ 254 “
 
وراء هذا الجنون ! “ لكن ، لا تحسبن كل مجنون روحا ( عاقلا ) . لا تسجد للعجل كما فعل السامرىّ ! 
فحينما تحدث إليك الولىّ ، كاشفا لك مائة ألف غيب وسر خفيّ ،
 
2345  فان ذلك الفهم لم يكن لك ، ولا كان لك ذلك العلم . وما كنت تستطيع - من قبل - أن تميز بين البعر وبين العود ! 
فإذا ما حجب الولىّ نفسه بقناع من الجنون ، فكيف تتسنى لك معرفتة ، أيها الأعمى ؟
فلو أنك فتحت عين اليقين ، لأبصرت “ 1 “ بها تحت كل حجر جنديا ( من جنود الله ) .
فأمام تلك العين المفتوحة الرشيدة ، يكون كل رادء صوفىّ محتضنا كليما .
ان الولىّ هو الذي يذيع أمر الولىّ ، ويجعل من يشاء ذا حظ من ذلك .
 
2350  وليس يستطيع انسان أن يعرفه بالعقل ، ما دام هو قد تظاهر بالجنون .
فلو أن لصا بصيرا سرق متاع رجل أعمى ، فهل يستطيع الأعمى أن يتعرف على اللص لو مر بجانبه ؟
ان الأعمى لا يعرف من كان سارقه ، حتى ولو اصطلام به ذلك اللص العنيد .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : فأبصر .
 
“ 255 “
 
فحين يعض كلب رجلا أعمى مهلهل الثياب ، فأنى له أن يعرف ذلك الكلب الضاري ؟
 
كيف تهجم الكلب على السائل الأعمى
 
كان في أحد الطرقات كلب يتهجم كليث الوغى على سائل أعمى .
 
2355 - فالكلب يتهجم غاضبا على الدراويش ، في حين أن القمر يكتحل بتراب أقدامهم ! 
فأصبح الأعمى عاجزا أمام صوت الكلب ومن خشيته . فأقبل الأعمى على الكلب يزجى له التعظيم ! 
قائلا : “ يا أمير الصيد يا ليث القنص ! 
ان الحكم لك ، فارفع يدك عنى ! “ فالضرورة قد دفعت ذلك الحكيم أن يعظم ذلك حمار ويلقبه بالكريم .
ولقد جعلته الضرورة أيضا ، يقول : “ ما الذي يعود عليك من اصطياد نحيف مثلي ؟
 
2360 - ان أمثالك يصطادون حمار الوحش في الفلوات ، وأنت تصيد الأعمى في الطريق ! 
ألا ما أسوأ هذا ! ان نظراءك يطلبون حمار الوحش صيدا ، وأنت للكيد تطلب أعمى في الطريق .
فذلك الكلب العالم هو الذي تصيد حمار الوحش . وأما الكلب الخسيس فهو الذي تهجم على الأعمى .


.
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:27 pm

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض
“ 256 “
 
والكلب حينما تزود بالعلم ، خلص من الضلال . فهو يتصيد في الآجام الصيد الحلال .
والكلب - حينما صار عالما - أصبح سريع الوثبات . وهو حين صار عارفا غدا من أصحاب الكهف !
 
 2365 - لقد غدا الكلب عارفا بمن هو أمير الصيد ! فيا الهى ، أىّ شئ هو ذلك النور العليم ؟
ولا يكون امتناع المعرفة على الأعمى لأنه بدون عينين . بل لعل ذلك يكون لأنه ثمل بالجهالة ! 
وليس الأعمى بأكثر من الأرض افتقادا للعينين . والأرض قد غدت - بفضل الحق - مبصرة للخصوم ! 
لقد رأت نور موسى فأظهرت له الاعزاز ! ولقد خسفت قارون ، ( حينما ) عرفت قارون ! 
ولقد رجفت لا هلاك كل دعىّ “ 1 “ . وفهمت من الحق قوله :” يا أَرْضُ ابْلَعي ماءَك ““ 2 “ .
 
2370 - فالتراب والماء والهواء والنار ذات الشرر ، كلها ليست بذات خبر عنا ، لكنها عارفة بالحق ! 
لكننا - على عكس ذلك - خبيرون بغير الحق ، وأما الحق فلا خبر لنا عنه ولا عن الكثير من نذره !
 فلا جرم أن جملتهن قد” أَشْفَقْنَ منْها ““ 3 “ ، وفتر سعيهن إلى الامتزاج بهذه الحياة .
.................................................................
( 1 ) إشارة إلى قصة صالح مع قومه وكيف زلزلت بهم الأرض .
( 2 ) سورة هود ، 11 : 44 .
( 3 ) انظر : سورة الأحزاب ، 33 : 72 .

 
“ 257 “
 
وقلن : “ اننا جميعا نافرات من هذه الحياة التي يكون المرء فيها حيا إزاء الخلق ، ميتا إزاء الخالق ! 
والمرء حين ينقطع عن الخلق يكون يتيما . وللأنس بالحق لا بد من قلب سليم .
 
2375 - فحينما يسرق لص متاعا من رجل أعمى ، فان هذا الأعمى يظل يصرخ في عماه .
وما لم يقل له اللص : “ انني أنا اللص الذي سرق منك ، أنا اللص البارع ! 
“ فكيف يعرف ذلك الأعمى سارقه ، ما دام لا يمتلك نور العين ولا ذاك الضياء ؟
فإذا قال لك ذلك فأحكم الامساك به ، حتى يذكر لك علامات المتاع ( المسروق ) .
فالجهاد الأكبر هو احكام القبض على ذلك اللص حتى يخبرك بما سرق وما حمل .
 
2380 - فهو - أولا - قد سرق منك كحل عينيك . فلئن أخذته منه استرجعت بصرك ! 
أما متاع الحكمة الذي أضاعه قلبك ، فهو موجود - يقينا - عند أصحاب القلوب .
ان صاحب القلب الأعمى - مهما كان ذا روح وسمع وبصر - لا يعرف اللص الشيطان بآثاره .
فسل عن ذلك أهل القلوب ، ولا تسل عنه جمادا . فالخلق - بالقياس إلى صاحب القلب - مثل الجماد .
 
“ 258 “
 
لقد اقترب طالب المشورة من ذلك ( المتنظاهر بالجنون ) ، وقال :
“ أيها الوالد الذي أصبح طفلا ! أطلعنى على السر ! “
 
 2385 - فأجابه قائلا : “ تخلّ عن حلقة الباب ، فليس هذا الباب مفتوحا .
وانصرف اليوم ، فإنه ليس يوم الأسرار ! فلو كان للمكان سبيل مع الكلامكان ، لكنتُ كالشيوخ ( جالسا أعلم ) فوق دكان ! “
 
كيف نادى المحتسب ثملا أطاح به السكر ليصحبه إلى السجن
 
وصل المحتسب في منتصف الليل إلى أحد الأماكن ، فرأى رجلا منطرحا إزاء قاعدة جدار .
فقال : “ انك لسكران ، فماذا شربت ، خبرني ! “ فأجاب “ لقد شربتُ مما بهذا الإبريق ! 
“ فقال المحتسب : “ فأخبرني ، ماذا بهذا الإبريق ؟ “ ، فقال الرجل : “ بقية ما شربت ! “ ، فقال المحتسب : “ ان هذا لخفىّ ! “
 
2390 - وأردف قائلا : “ ما هذا الذي شربته ؟ “ فقال الرجل : “ انه بعض ما احتواه هذا الإبريق ! 
وتتابع السؤال والجواب في حلقة مفرغة . فوحل المحتسب مثلما يَوحَل الحمار .
وقال للرجل : تنبه ، ثم قل : آه . فأخذ السكران يردد : هو ، هو .
فقال المحتسب : أأقول لك انطق “ آه “ ، فتنطق “ هو “ ؟


 
“ 259 “
 
فقال السكران : انني سعيد وأما أنت فقد حنى الهم ظهرك .
والآه تصدر عن ( الاحساس ) بالألم أو الحزن أو الظلم . وأما “ هو “ ، هتاف السكارى ، فإنه ينبعث من السرور !
 
 2395 - فقال المحتسب : “ لست أعرف هذا ، فانهض ! انهض ! ولا تتكلف العرفان “ 1 “ ، ودعك من هذا العناد “ .
فقال السكران : “ ما شأنك وشأني ؟ اذهب عنى ! “ فقال المحتسب : “ انك سكران ، فانهض ، وأقبل معي إلى السجن “ .
فقال السكران : “ أيها المحتسب ! دعني وامض لسبيلك ! فمن ذا الذي يستطيع أن يأخذ رهنا ممن لا يملك الثياب ؟
فلو كانت لي قوة على الذهاب لذهبت إلى منزلي ، ولما جرى هذا بيننا ! ولو أنني كنت ذا عقل وامكان ، لتبوأت منصة مثل الشيوخ ! “
 
كيف جر المستفسر ذلك العظيم مرة ثانية إلى الكلام
ليزداد علما بحاله
 
2400 - فقال هذا الطالب : “ يا من امتطيت عودا من القصب . سُق حصانك لحظة نحو هذا الجانب ! 
“ فركب نحوه قائلا : “ هيا ، عجل بالقول ، : فان حصانى عنيف ، حاد الطبع ! 
سارع حتى لا يضربك الحصان ، وأوضح ما تريد السؤال عنه “ .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ لا تنحت العرفان “ ، ومعناه : “ لا تتصنع العرفان “ .



“ 260 “
 
فلم ير السائل مجالا لكي يبوح بسر قلبه . فلجأ إلى المراوغة ، وجرّه إلى المزاح .
فقال : “ أريد أن أتزوج امرأة من هذا الدرب . فأي من نسائه تليق بمثلى ؟
 
2405 - فقال : “ ان في العالم ثلاثة أنواع من النساء ، نوعان منهن عناء ، وأما النوع الثالث فهو كنز الروح ! 
فاحداهن حين تتزوجها ، تكون كلها لك . وآخرى يكون نصفها لك ، ونصفها الآخر منفصلا عنك .
وثالثة لا تكون لك قط فاعلم ذلك . والآن ، وقد سمعت ، فتنحّ عن طريقي ، فانى منطلق .
والا عاجلك حصانى بركلة تطيح بك ، فلا تنهض منها حتى الأبد ! “ وركب الشيخ منطلقا بين الأطفال . فناداه ذلك الشاب مرة أخرى .
 
2410 - قائلا : “ أقبل ، واذكر لي تفسير هذا . لقد قلت إن النساء ثلاثة أنواع ، فاختر ( لي من بينهن ) “ .
فركب نحوه وقال له : “ ان البكر التي تخصك ، تكون كلها لك ، وبها تجد من الغم الخلاص .
والثيب ( بلا ولد ) يكون لك نصفها . وأما ذات الولد فهذه لا تكون لك قط .
فما دامت ذات ولد من زوجها الأول ، فان حبها وكل خاطرها يتوجه اليه .
والآن ابتعد والا سدّد حصانى لك ركلة ، وتلقيت ضربة من حافر هذا الجواد القويّ ! “




 
“ 261 “
 
2415 - وأطلق الشيخ صيحات الوجد ثم انطلق ، ونادى الأطفال ليقبلوا ثانية نحوه .
فناداه ذلك السائل مرة أخرى وقال : “ أقبل ، فقد بقي لدىّ سؤال ، أيها الملك العظيم !
 “ فتوجه ثانية نحوه وقال : أسرع وقل لي ما هذا السؤال ، فان هذا الطفل قد سرق كرتى من الميدان ! 
“ فقال السائل : “ أيها المليك . ما هذا الوله وما هذا الفعل ، مع مثل هذا العقل والأدب ؟ 
ألا ما أعجب ذلك ! لقد تجاوزت العقل الكلىّ في البيان . انك شمس فكيف احتجبت وراء الجنون ؟ “
 
 2420 فقال ( الحكيم ) : “ ان هؤلاء الأوباش قد ارتأوا رأيا ، أن يجعلوني قاضيا في مدينتهم .
ولقد امتنعت من ذلك ، لكنهم أبوا قائلين : “ ليس لدينا عالم صاحب فن مثلك .
فمع وجودك ، يكون من الحرام والخبيث أن يروى الحديث في مجلس القضاء من هو دونك ( علما وعرفانا ) .
فالشريعة لا تأذن لنا بأن نختار من لا يساويك مليكا واماما “ .
فلهذه الضرورة غدوتُ مثل الأحمق المجنون ، لكنني - في الباطن - بقيت على حالي .
 
2425 - فعقلى كنز ، وأنا الخربة ( التي تخفيه ) . فلو أنني أظهرت الكنز لكنت مجنونا ! 
وما المجنون الا من لم يغد مجنونا . انه ذلك الذي رأى العسس ولم يذهب إلى داره .
 
“ 262 “
 
ومعرفتي جوهر ، وليست عرضا . فهي ليست ثمنا لكل غرض ( دنيوىّ ) .
انى منجم القند ، بل أنا منبت قصب السكر ! فهو ينبت منى ، وأنا في الوقفت ذاته آكل منه ! 
والعلم يكون تقليديا مصطنعا ، عندما يأسى صاحبه لنفور مستمعيه .
 
2430 - فلئن كان ( علم الدين ) من أجل الرزق “ 1 “ ، لا من أجل الأستنارة ، فصاحبه دنىء كطالب علم الدنيا .
فهو طالب علم من أجل العام والخاص لا ليجد من هذا العالم الخلاص .
فهو مثل الفأر جعل كل طرف جُحرا ، حينما ردّه عن الباب نور النهار قائلا : “ ابتعد “ .
فلما لم يكن له سبيل إلى المرج والضياء ، فإنه قد أخذ يبذل جهده في تلك الظلمات .
فلو أن الله وهبه جناحين جناحي العقل ، لخلص من طبيعة الفأر وحلِّق مثل الطيور !
 
2435 - وان هو لم ينشُد الجناحين بقي تحت الثرى ، بدون أمل في أن يسلك سبيل السماك “ 2 “ .
ان علم الكلام الذي لا روح فيه ، يكون متعشقا لوجوه من يشترونه !
.................................................................
( 1 ) حرفيا : من اجل الحبة . السماك أحد الكواكب النيرة .
( 2 ) ويطلق هذا الاسم عادة على كوكبين يعرفان بالسماكين ، أحدهما في جهة الشمال والآخر في جهة الجنوب .


 
“ 263 “
 
ومع أنه وقت البحث فيه يبدو عظيما ، فإنه يعدو موانا ويمضى حينما لا يجد المشترى !
 وأما أنا فمشترىّ هو الله . وهو الذي يرفعني ، ( على مقتضى قوله ) :” إنَّ اللَّهَ اشْتَرى منَ الْمُؤْمنينَ أَنْفُسَهُمْ ““ 1 “ 
وثمن دمى هو جمال الحق ذي الجلال . وانى لأغتذى من ثمن دمى بكسب حلال .
 
2440 - فدعك من هؤلاء المشترين المفلسين وأي شراء تقدر عليه قبضة من الطين ! 
ولا تأكل الطين ، ولا تكن له مشتريا ولا طالبا ، فآكل الطين يكون دائما مصفر الوجه ( شاحب الطلعة ) .
واغتذ بقلبك حتى تكون دائم الشباب ويجعل التجلي طلعتك مثل الأرجوان ! 
يا رب ، ان هذا العطاء ليس على قدر أعمالنا . فلطفك هذا لائق بما لك من لطف خفىّ فخذ بيدنا ،
 وخلصنا من قبضة ( وجودنا المادي ) ، وارفع الحجاب بيننا وبينك ولا تمزّق سترنا .
 
2445  ثم خلصنا من هذه النفس ( الحيوانية ) الخبيثة ، فان سكينها قد بلغ منا العظام .
فمن ذا الذي يرفع هذا القيد المحكم عنا ، أيها المليك الذي لا تاج له ولا تخت ؟
ومن ذا الذي يستطيع أن يفتح مثل هذا القفل الثقيل سوى
.................................................................
( 1 ) التوبة ، 9 : 111 .
 
“ 264 “
 
فضلك ، أيها الودود ! فلنحوّل رؤوسنا عن أنفسنا متجهين نحوك ما دمت أنت أقرب الينا من أنفسنا .
وهذا الدعاء أيضا من عطائك وتعليمك والا فكيف ينبت بستان الورد في ( رماد ) الموقد ؟
 
2450 - وليس سوى اكرامك ما يستطيع أن ينقل الفهم والعقل بين الدم والأمعاء .
وهذا النور المنساب من قطعتين من الشحم “ 1 “ ، تلاطم أمواجه السماء ! 
وقطعة اللحم التي قُدَّ منها اللسان ، يتدفق سيل الحكمة منها مثل النهر ،
 نحو فجوات تسمى بالآذان ، ومنها إلى بستان الروح ، وثمراتُه هي العقول .
وشرع الخالق هو الطريق الأرحب إلى بستان الروح . وكل بساتين العالم وحدائقه فرع لهذا البستان .
 
2455 - ذلك أصل السعادة ! ذلك نبعها ! فسارع إلى قراءة قوله تعالى :” تَجْري منْ تَحْتهَا الْأَنْهارُ “ *” 2 “
 
تتمة نصح الرسول عليه السلام للمريض
 
قال الرسول لذلك المريض ، عندما ذهب لعيادة هذا الصاحب العليل ،
.................................................................
( 1 ) العينان .
( 2 ) سورة البروج ، 85 : 11 .

 
“ 265 “
 
“ لعلك قد دعوت دعاء ، كان لك بمثابة سمّ زعاف تناولته عن جهل .
فلتذكر أي دعاء هتفت به ، عندما غدوت ثائرا من جرّاء مكر النفس “ .
فقال : “ انني لست أذكر ، فاجعل همتك معي ، تَعد إلى الذاكرة برهة من الزمن “ .
 
2460 - ولقد تجلَّى في خاطره هذا الدعاء ، بحضور المصطفى ، الذي أفاض عليه من نوره ! 
فبهمة المصطفى ، معدن النور ، تجلَّى أمام خاطره ما كان قد نسيه ! 
وأشرق من تلك النافذة ، التي تصل بين القلب والقلب ذلك النور الذي يظهر الحق من الباطل .
فقال : “ ها هي ذي ذاكرتى قد عادت ، أيها الرسول ! وها هو ذا الدعاء الذي هتفتُ به ، أنا الفضولىّ !
 فحينما أصبحتُ أسير الاثم ، وأغرقنى ، أخذت أتعلق بالأعشاب ،
 
2465 - وكان يجيئنا منك التهديد والوعيد ، منذرا المجرمين بعذاب بالغ شديد ، فغدوتُ مضطربا ، ولم تكن لي حيلة !
 لقد كان القيد محكما ، لا سبيل إلى فتح أقفاله ! ولم يكن هناك مكان للصبر ، ولا سبيل للهرب ، ولا أمل في التوبة ، ولا مجال للعناد ! 
فأخذت أتأوّه من الحزن مثل هاروت وماروت ، قائلا : يا خالقي !


 
“ 266 “
 
ان هاروت وماروت قد اختارا بوضوح بئر بابل ، على خطر ( عذاب الآخرة ) .
 
2470 حتى يلقيا هنا عذاب الآخرة ، وانهما لما كران عاقلان ، شبيهان بالسحرة ! 
ولقد أحسنا صنعا ، فقد كان ألم الدخان أهون عليهما من عذاب النار .
فإنه لا حدّ لوصف آلام ذلك العالم “ 1 “ ، ولكم يهون أمامه ألم الدنيا ! 
وما أسعد من جاهد البدن ، وكان له زاجرا وألزمه العدالة ! 
ولكي يخلص من عذاب ذلك العالم ، يلزم نفسه بمشقة العبادة .
 
2475 لقد كنت أقول : يا الهى ! أرسل الىّ هذا العذاب عاجلا في الدنيا ، حتى يكون لي فراغ منه في الآخرة ! 
لقد كنت أطرق الباب بمثل هذا الرجاء ! وهكذا ظهر بي هذا المرض ، وأصبحت روحي لا قرار لها من الألم .
وهكذا عجزت عن ذكرى وأورادى ، وأصبحت لا أدرى بنفسي ، ولا بالخير والشر ! 
ولو أنني لم أر وجهك الآن ، أيها السعيد المبارك النفحات ،
 
 2480 لا نطلقت من قيد الحياة انطلاقا كاملا . لقد أضفيت علىّ هذا العطف بأسلوبك الملكىّ “ .
.................................................................
( 1 ) الآخرة .


 
“ 267 “
 
فقال الرسول : “ حذار ، ولا تهتف بهذا الدعاء مرة ثانية ! لا تقتلع نفسك من أصلها وأساسها ! 
فأية طاقة لك - يا من أنت كالنملة الواهية - حتى يضع فوقك مثل هذا الجبل العالي ؟
 “ فقال : “ لقد تبت - أيها السلطان - ولن تدفعني الجرأة بعد ذلك إلى التفوه بجزاف القول !
 ان هذه الدنيا تيه ، وأنت لنا مثل موسى ! ونحن من الاثم قد بقينا في التيه رهن البلاء !
 
 2485  ونحن نقطع الطريق سنين ، وفي آخر الأمر ، نجد أنفسنا أسارى أول منازله ! 
فلو أن قلب موسى كان راضيا عنا ، لبدت لنا السبيل في التيه ، وتجلت حدودها .
وأما ان كان بالغ النفور منا ، فكيف تصل الينا موائدنا من السماء ؟
ومتى كانت الينابيع تتفجر من الصخر ؟ أم كيف يكون لأرواحنا أمان في القفار ؟
بل إن النار لتأتينا بد لا من الخوان ! وان اللهب ليدهمنا في هذا المنزل !
 
2490 فلما أصبح موسى صاحب قلبين إزاء أحوالنا ، فإنه حينا يكون خصمنا 
وحينا يكون صاحبنا ، فغضبه يشعل النار في متاعنا ، وأما حلمه فيكون درعا لنا في مواجهة البلاء .
 
“ 268 “
 
وكيف يتحول الغضب أيضا إلى حلم ؟ ان هذا أيضا ليس بغريب على لطفك ، أيها العزيز .
وان مدح الحاضر لمدعاة للحرج ، ولهذا فانى قد تعمدت - على هذا النحو - ذكر اسم موسى .
والا فكيف يجيز لي موسى أن أذكر أي انسان في حضرتك ؟
 
2495 وعهدنا يتحطم مائة مرة ، بل وألف مرة ، وأما عهدك فهو ثابت راسخ كالجبل !
 وعهدنا كالقش ضعيف أمام كل ريح ، وأما عهدك فجبل ، بل هو أقوى “ 1 “ من مائة جبل ! 
فبحق ما لك من قوة على تلويننا ، كن رحيما بنا ، يا أمير الألوان !
 لقد رأينا أنفسنا ورأينا عارنا ، فلا تزدنا امتحانا ، أيها المليك ! فلعلك بذلك تدع فضائحنا الأخرى مستورة ، أيها الكريم المستعان !
 
 2500  فأنت بدون حدّ في الجمال والكمال ، ونحن بدون حد في العوج والضلال ! 
فوجه - أيها الكريم - ( كمالك ) الذي لا يُحدّ إلى زمرة اللئام ، الذين يعافون عوجا لا يحدّ ! هيا ، فان التمزق لم يُبق منا سوى خيط واحد .
 لقد كنا مصرا ( عامرا ) فلم يبق منا سوى حائط واحد ! ( وتدارك ) البقية ! تداركها أيها المولى ، حتى لا تفعم السعادة روح الشيطان .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : أكثر .



“ 269 “
 
وليس ذلك من أجلنا ، بل من أجل اللطف الأول ، فإنك به تبحث عن التائهين .
 
2505 - فلتظهر لنا الرحمة ، مثلما أظهرت قدرتك ، يا من أودعت الرحمات في اللحم والشحم ! 
ولئن كان هذا الدعاء يزيدك غضبا ، فلتعلمنا أنت الدعاء ، أيها العظيم ! 
مثلما ( صنعت ) بآدم حين سقط من الجنة ، فوهبته الرُجعى ، فخلص من الشيطان القبيح .
وما الشيطان حتى يتفوق على آدم ، وحتى يغلبه في اللعب على مثل هذه الرُقعة ! 
ولقد صار كل هذا - في الحقيقة - نفعا لآدم ، كما صارت الخديعة لعنة على ( الشيطان ) الحاسد .
 
2510 - لقد رأى لعبة واحدة ، لكنه غفل عن مائتي لعبة ، وبهذا دمر دعائم منزله !
 انه - في الليل - قد أشعل النار في مزرعة الآخرين ، فإذا بالريح تحمل النار إلى مزرعته !
 ان اللعنة التي أصابت الشيطان كانت حجابا لعينيه ، وبهذا ظن أن خداعه مضرة لخصمه .
فاللعنة هي التي تجعل المرء مُعوج الابصار ، وتصيره حاسدا مغرورا حقودا ،
 حتى أنه لا يعلم أن كل من عمل السوء ، يرتدّ اليه السوء - في عاقبة الأمر - ويصيبه .


 
“ 270 “
 
2515 - انه يبصر جميع اللعب البارعة معكوسة ، وبهذا تنقلب وبالا عليه ونقصانا ووكسا !
 ذلك لأنه لو أبصر حقيقة نفسه ، لرأى جرحها مُهلكا لا يلتئم ! 
وإذ ذاك تشبّ آلامُه من جراء هذه الرؤية الباطنية ، ويخرجه ذلك الألم من حجابه .
فالأمهات ما لم يشعرن بآلام الوضع ، فان الأطفال لا يجدون سبيلا قط إلى أن يولدوا .
فهذه الأمانة ( الإلهية ) مكانها القلب . والقلب حامل بها . وهذه النصائح شبيهة بالقابلة .
 
2520  وقد تقول القابلة ان المرأة لا تتألم . لكن الألم ضروريّ . انه هو السبيل أمام الطفل .
والذي يكون بدون ألم قاطعُ طريق . ذلك لأن الخلوّ من الألم يجعل المرء يقول : “ أنا الله ! 
“ ان قول : “ أنا “ في غير وقتها لعنة ( على قائلها ) . وأما قولها في وقتها فرحمة عليه “ 1 “ .
فقول المنصور “ أنا “ كان رحمة محقَّقة ! وأما قول فرعون “ أنا “ فكان لعنة ، فتأمل ذلك ! 
فلا جرم أن كل طائر صاح في غير وقته ، يكون قطعُ رأسه واجبا ، ( لضمان صدق ) الاعلام .
.................................................................
( 1 ) يقصد بقول : “ انا “ في غير وقتها ، قولها حين يُوكد الانسان ذاته ، ويظهر غروره . أما “ أنا “ التي تقال في وقتها ، فهي عند الصوفية قول “ أنا “ بعد أن يكون قائلها قد افنى ذاته في الله ، ولم يعد لذاته الانسانية وجود منفصل يستشعره أمام الخالق .


 
“ 271 “
 
2525 - فما قطعُ الرأس ؟ انه قتل النفس ( الحيوانية ) بالجهاد ، وترك القول بتأكيد الذات الانسانية .
فذلك مثل اقتلاعك الإبرة من العقرب ، حتى تظفر هذه بالنجاة من الموت .
وانك لتقتلع أنياب الثعبان المفعمة بالسموم حتى ينجو الثعبان من بلاء الرجم .
وليس يقتل النفس الحيوانية سوى ظل العارف ، فكن وثيق التعلق بأهداب قاتل النفس هذا ! 
فان أنت أحكمت التعلق به ، فذلك توفيق الله . وكل قوة تظهر بك ، فتلك اشعاع منه “ 1 “ .
 
2530 - فكن على يقين صادق من قوله تعالى : “ وما رميت إذ رميت “ .
فكل ما تزرعه الروح يكون من روح الروح .
انه الآخذ باليد ، وهو حامل الأعباء . فكن في كل لحظة على أمل في تلقى الهامه .
ولا بأس عليك لو طال انتظارك إياه . فأنت قد سميته الممهل وكذلك الآخذ .
وانه ليتأخر في أخذك برحمته ، لكنه يحكم انزال الرحمة بك .
وحضوره يجعلك لا تغيب عنه لحظة واحدة .
وان كنت تريد شرحا لهذا الوصل والولاء ، فاقرأ - بتفكير ممعن - سورة “ الضحى “ .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ فتلك من جذبه “ .


 
“ 272 “


 
2535 - وان أنت قلت إن كل الشرور منه ، فمتى كان في ذلك نقصان لفضله ؟
فصنعه للشر يكون أيضا من كماله . وانى لذاكر لك مثالا ، أيها المفضال :
ان نقَّاشا قد نقش لونين من النقوش ، أحدهما صاف ، والآخر خال من الصفاء .
لقد نقش صورة يوسف ، والحور ذات الصور المليحة ، ونقش صورة العفاريت والأبالسة القباح ! 
وكلا هذين اللونين من النقوش ناطق بأستاذيته . وليس ذلك القبح قبحه ، بل إنه جوده !
 
 2540 - لقد جعل القبيح غاية في قبحه ، وقد أحاطت به كافة ألوان القبح ، حتى يتضح كمال علمه ، ويحيق العار بمنكر أستاذيته .
ولو لم يعرف كيف يصنع القبح لكان ناقصا ! ولهذا السبب فإنه هو خلاق الكافر والمخلص !
 فالكفر والايمان - من هذا الوجه - شاهدان على ألوهيته ، وكلاهما له ساجدان !
 لكن المؤمن يكون ساجدا طوعا ، ذلك لأنه ملتمس رضى الله ساع اليه .
 
2545 - وأما الكافر فيكون عابدا الله كرها ، لكن قصده يكون من أجل مُراد آخر .
انه يعمر قلعة السلطان ، لكنه يدعى الامارة فيها ! 
ولقد أصبح باغيا لتغدو القلعة ملكا له ، لكن القلعة تعود - في النهاية - إلى السلطان .

 
“ 273 “
 
وأما المؤمن فإنه يعمر هذه القلعة من أجل المليك ، لا من أجل الجاه .
ان القبيح يقول : “ أيها المليك الذي يخلق القبح ! انك قادر على خلق الجمال والقبح المهين !
 
 2550 - وأما الجميل فيقول : “ يا مليك الحسن والبهاء ! لقد جعلتني نقيّا من العيوب “ .
 
كيف وصى الرسول عليه السلام ذلك المريض وعلمه الدعاء
 
قال الرسول لذلك المريض : “ ادع هكذا : يا من تجعل العسير يسيرا !
آتنا في دار دنيانا حسن * آتنا في دار عقبانا حسن “ 1 “
واجعل طريقنا لطيفا مثل البستان . انك أنت مقصدنا ، أيها الكريم “ .
ان المؤمنين يقولون يوم الحشر : “ أيتها الملائكة ! ألم تكن النار طريقا مشتركا ؟
 
2555 - أليس يجب أن يمرّ بها المؤمن والكافر ؟ انا لم نر في هذا الطريق دخانا ولا نارا ! 
ها هي ذي الجنة وبلاط الأمان ! فأين كان ذلك الممرّ الدنىء ؟ “
.................................................................
( 1 ) هذا البيت عربى في الأصل ، ويتضمن اقتباسا من القرآن الكريم .
انظر : ، سورة البقرة ، 2 : 201 .
 
“ 274 “
 
فيقول لهم الملائكة : “ ان تلك الروضة المخضلة ، التي شاهد تموها في ذلك المكان أثناء عبوركم ، 
كانت هي الجحيم ، ومستقر العذاب الشديد ! ولقد أصبحت لكم حديقة وبستانا وشجرا !
 ذلك لأنكم - إزاء هذه النفس الجهنمية الطباع ، هذه النارية الكافرة ، الباحثة عن الفتنة –
 
 2560 - قد بذلتم الجهود ، فأصبحت مفعمة بالصفاء ، وأطفأتم نارها في سبيل الله .
ونارُ الشهوة التي تقذف باللهب ، صارت - عندكم - روضة من التقوى ، ونور هداية ! 
ونار الغضب أيضا قد أصبحت عندكم حلما ! وظلمة الجهل كذلك قد أصبحت عندكم علما ! 
ونار الحرص قد صارت عندكم ايثارا ! وهذا الحسد كان مثل الشوك فصار بستان ورد ! 
فما دمتم أنتم قد بادرتم من قبل إلى اطفاء نيران أنفسكم ، في سبيل الله ،
 
2565 - فقد جعلتم النفس النارية مثل البستان ، وغرستم بها بذور الوفاء ! 
وها هي ذي بلابل الذكر والتسبيح ، تصدق بالألحان العذبة في روضتها ، على شاطىء النهر !
 انكم قد أجبتم داعى الحق ، فحملتم بذلك الماء إلى جحيم النفس .
وها هو ذا جحيمنا أيضا قد أصبح ازاءكم روضة وحديقة ورد ، وأوراقا وتغريدا ! “
 
“ 275 “
 
فما مكافأة الاحسان يا بنىّ ؟ انها اللطف والاحسان والثواب المعتبر .
 
2570 - ألستم أنتم الذين قلتم : “ ان ( وجودنا الذاتي ) ضحية مبذولة للخالق “ 1 “ ، 
ونحن الفانون أمام صفات البقاء ! ومهما نكن عقلاء أو مجانين ، فانا سكارى ذلك سكارى ذلك الساقي وتلك الكأس .
وانا لنحنى الرؤوس لا رادته ومشيئته . ونهبُ الأرواحَ الحلوة رهنا ( لمحبته ) .
فما دام خيال الحبيب نجىّ أسرارنا ، فدأبنا أن نكون خداما له ونقدم اليه أرواحنا “ .
فحيثما أُشعلت شمعة البلاء احترقت بها مائة ألف من أرواح العشاق .
 
2575  فالعاشقون الذين وصلوا إلى داخل الدار هم الفَراش لشمع وجه الحبيب .
أيها القلب ! توجه إلى حيث تُقابل بالاشراق ، إلى من يكونون لك كالمجن في مواجهة البلاء ! 
إلى من يفسحون لك مكانا في أرواحهم ، حتى يجعلوك مفعما بالحميَّا مثل الكأس ! 
ولتتخذ لك مقرا بين أرواحهم ! ألا فلتجعل الفلك منزلك ، أيها البدار المنير !
.................................................................
( 1 ) ترجمنا الشطر الأول بشئ من التصرف .


 
“ 276 “
 
ولسوف يفتحون أمامك دفتر القلب ، مثل عطارد ، حتى يكشفوا لك الأسرار .
 
2580 - وحين تكون حائرا ، فالتحق بذويك . ولئن كنت قطعة من القمر فالتحق بالبدر .
فلماذا يكون للجزء اجتناب لكله ؟ وماذا يكون كل هذا الامتزاج بالمخالفين ؟
فتأمل كيف أصبح الجنس في مسيره أنواعا . وتأمل كيف أصبحت المغيَّبات بتجليها أعيانا .
فإلى متى تشترى الخداع كالنساء ، أيها الخالي من الرشد ؟
وكيف تتلقى المدد من الكذب والخداع ؟
انك لتأخذ الملق واللفظ الحلو والخداع ، وتضعها بجيبك كأنما هي ذهب !
 
 2585 - وان ( تلقيك ) الشتم والضرب من ملوك ( الروح ) لخير لك من ملق أهل الضلال ! 
فتقبل صفع هؤلاء الملوك ، ولا تقبل شَهد الأخسَّاء ، حتى يجعلك رجلا اقبالُ هؤلاء الرجال .
ذلك لأن الدولة والخلعة تجيئك من هؤلاء . فالجسد يغدو في كنف الروح روحا .
وحيثما رأيت عاريا جائعا ، فاعلم أنه قد هرب من الأستاذ ، 
حتى يغدو على ذلك النحو الذي يبتغيه قلبه ، ذلك القلب ، الكفيف الشرير الذي لا حاصل له !
 
 2590 - ولو أنه غدا على هذا النحو الذي أراده أستاذه ، لا زدانت بذلك

 
“ 277 “
 
نفسه وغدا زينة لذويه ! فكل من يهرب من الأستاذ في الدنيا ، فاعلم أنه انما يهرب من السعادة ! 
لقد تعلمت حرفة يتكسب بها البدن فشمِّر عن ساعدك وتعلَّم حرفة دينية “ 1 “ .
انك قد غدوت في هذه الدنيا غنيا را فلا في الحلل ، فماذا أنت فاعل حين تخرج منها ؟
فتعلم الحرفة التي تعود عليك في الآخرة بدخل ، هو كسب المغفرة !
 
2595 - فذلك العالم ( الآخر ) مدينة حافلة بالأسواق والكسب فلا تظن أن الكسب وقف على هذه الدنيا ! 
فالحق تعالى قال إن كسب الدنيا - أمام ذلك الكسب ( الأخروى ) - كلعب الأطفال .
انه كمعانقة طفل آخر ، يلتصق به التصاق المتحابين .
أو كالأطفال حينما يقيمون في لعبهم دكانا ، لا جدوى منه الا قضاء الوقت !
 فإذا ما جاء المساء فان الطفل ( صاحب الدكان ) يعود إلى منزله جائعا ، وقد ذهب الأطفال وتركوه وحيدا .
 
2600 - فهذه الدنيا ملعب ، والموت هو المساء . وأنت تعود منها خالى الكيس بالغ العناء .
وكسب الدين هو العشق ، والجذب الباطني . انه القابلية لتلقى نور الحق ، أيها الحرون .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : فادفع قبضتك إلى احدى الحرف الدينية .

 
“ 278 “
 
وهذه النفس الخسيسة تريد لك الكسب الفاني ! فالأم تعمل لهذا الكسب الخسيس ؟ ألا فلتدعه ، كفاك ! 
ولو أن النفس الخسيسة التمست لك الكسب الشريف لكان لها من وراء ذلك حيلة ومكر !

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:28 pm

شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض
( 2141 ) بدأ الشاعر في هذا البيت رواية قصة وردت في أحد الأحاديث النبوية . وقد أطال الشاعر الوقوف عند مختلف دقائق هذه القصة ، واستطرد استطرادات كثيرة . والحديث المشار اليه روى على الوجه التالي :

“ 526 “
 
“ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفّ فصار مثل الفرخ . فقال له رسول الله : هل كنت تدعو بشئ أو تسأله إياه . قال : نعم . كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبى به في الآخرة فعجله في الدنيا . فقال رسول الله : سبجان الله . لا تطيقه ( أو لا تستطيعه ) ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : فدعا الله له فشفاه “ .
وقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم ، وغيره من المصادر ( انظر : تعليقات نيكولسون . وانظر أيضا : فروزانفر : مآخذ قصص ، 66 ) .
 
( 2143 ) تروى أحاديث متعددة في الحث على عيادة المريض ، وبيان ثوابها . ( انظر : النووي : رياض الصالحين ، 368 - 373 ) .
 
( 2150 ) قول الشاعر “ وكصانع الأصنام ، انحت لك من الحجر صديقا “ ، تعبير رائع عن الدعوة إلى اكتساب الأصدقاء . فالحجر الصلد أبعد الأشياء عن الاستجابة ، وهو هنا رمز للانسان العنيد ، الذي يغلق قلبه دون الناس . ومثل هذا - في رأى الشاعر - يجب ألا يستعصى على المرء اكتساب وده . وكأنما المرء في اكتساب هذا النوع من الأصدقاء صانع أصنام ، ينحت من الحجر تماثيل يتعلق بها قلبه .
 
( 2154 ) “ ما دمت - أيها المريد - عاجزا عن معرفه الأولياء الصادقين ، فاقصد كل درويش ، والتمس حقيقة حاله ، فلعلك بيحثك تهتدى إلى العارف الكامل ، وشأنك في ذلك شأن الباحث عن الكنز ، ينقب عنه في كل خربة حتى يهتدى اليه “ .
 
( 2156 - 2161 ) في هذه الأبيات إشارة إلى حديث سبقت الإشارة اليه . ( انظر البيت 1738 وشرحه ) . ولم يتضمن هذا الحديث ذكر موسى .
 
( 2156 ) قول الشاعر : “ يا من شهدت طلوع البدر من جيبك “ يشير إلى معجزة موسى إذ أدخل يده في جيبه ، فخرجت بيضاء من غير

 
“ 527 “

 
سوء . انظر الآيات الكريمة : ( 7 : 108 ) ، ( 26 : 33 ) ، ( 27 : 12 ) .
( 2167 ) يبدأ الشاعر في هذا البيت رواية قصة وردت في كتاب “ جوامع الحكايات “ لمحمد عوفي . والقصة - كما رواها عوفي - تذكر أن البستاني وجد في بستانه أربعة أشخاص ، أحدهما فقيه والثاني شريف والثالث جندي والرابع بائع “ جوّال “ . والقصة في رواية عوفي تخلو من كثير من التفصيلات التي جاءت في رواية المثنوى . لقد أضاف إليها جلال الدين من التفصيلات ما جعلها تبدو أكثر واقعية ، كما صورها بأسلوب ساخر يختلف كثيرا عن أسلوب عوفي . وقد رأيت أن أورد هنا ترجمة عربية للقصة ، كما وردت في كتاب عوفي .
قال : “ حكى أن أربعة أشخاص من أصناف البشر دخلوا بستانا ، وشغلوا بأكل الفاكهة . وكان واحد من هؤلاء فقيها وثانيهم علويا ، وثالثهم جنديا ورابعهم سوقيا . ودخل صاحب البستان فرآهم وقد أتلفوا كثيرا من الفاكهة .
وكان رجلا ذكيا فتفكر قائلا : انهم أربعة أشخاص ، ولن أقدر على الأربعة مجتمعين .
فتوجَّه إليهم ثم قال للعالم ( الفقيه ) : انك رجل عالم ، وأنت لنا قدوة ومرشد .
وقد ارتبطت مصالح دينانا وأخرانا بيركة أقدام العلماء وحركة أقلامهم . وأما ثانيكم فهو سيد كبير من أسرة النبي ، ونحن جميعا موالى أسرته ، ذلك لأن محبتها واجب أمرنا به الله حين قال : “ قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى “ .
وأما ثالثكم فجندى من أرباب السيف ، وان عمران ديارنا وأرواحنا منوط بسيف هؤلاء . فلو أنكم دخلتم بستاني ، وأكلتم كل فاكهتى بدون حق ما ضننت بها عليكم ، ولكن من ذا يكون هذا الرجل السوقي ؟ وبأية وسيلة دخل في بستاني ؟
وما فضيلته التي تتيح له أكل فاكهتى ؟ ثم مد يده وأمسك بجيب السوقي ، وحمل عليه حملة قوية حتى طرحه أرضا ، ووضع القيد في يديه ورجليه . ثم توجه إلى الجندي وقال : انني عبد للعلماء ولأنباء النبي . وأما أنت ، أفلم تعلم



“ 528 “
 
أنني دفعت للسلطان خراج هذا المال ، وأنه لم يبق له قبلي شئ أكثر مما دفعت ؟ فلو أن الأئمة والأشراف تقاضونى روحي ( لبذلتها ) وعددت نفسي مقصرا ! أما أنت فلم تقل لي من أنت ، ولا بأي حق عدوت على مالي ! وأمسكه هو أيضا ، وأدبه تأديبا كاملا ، وأحكم قيد يديه ورجليه . وبعد ذلك توجه إلى العالم وقال : ان الناس جميعا عبيد لآل بيت الرسول ، وحرمة نسبت هؤلاء ظاهرة للجميع . أما أنت ، يا من تدعى العلم ، أما حصلت من العلم ذلك القدر الذي تعرف به أنه لا يجوز دخول بستان سواك بغير اذن ؟ فأي قدر من العلم بقي لك ؟ انى ومالي وروحي فداء لآل الرسول . أما كل جاهل يدعى العلم ، ويستحل أموال المسلمين ، فإنه يكون جديرا بالتأديب ، مستحقا للتعذيب . ولقد أدبه أيضا ، أدبا بالغا ثم قيده ، وإذ ذاك ، بقي العلوي وحيدا ، فتوجه اليه وقال : أيها المدعى الخسيس ، يا صاحب الشعر الكثيف والجهل الوافر ! انك لم تقل لي بأي سبب أجزت التطاول عى بستاني ، وأضعت على مالي ؟ وهل قال الرسول عليه السلام أن مالي حلال للعلويين ؟ ثم إنه قيد ذلك الرجل أيضا ، وبهذه الطريقة استطاع أن يقيد الرجال الأربعة ، ثم استوفى منهم ثمن كرومه “ . وقد نقل فروزانفر النص الفارسي لهذه القصة ( مآخذ ، 67 - 69 ) ، أما نيكولسون فترجمها إلى الا نجليزية في تعليقاته .
 
( 2183 ) الجنيد البغدادي ، وأبو يزيد البسطامي امامان من أكبر أئمة الصوفية . توفى أبو يزيد عام 260 ه ، وتوفى الجنيد عام 297 ه .
 
( 2196 - 2197 ) يدافع الشاعر في هذه الأبيات عن الأشراف المنتمين إلى بيت الرسول ، إزاء ما اتهمهم به البستاني من الزيف والانتساب الكاذب . وخلاصة دفاعه أن المرء إذا ساءت أحواله وأفعاله ساءت ظنونه بسواه . فما قاله البستاني عن الأشراف ، لم يكن الا صدى لخبث نفسه ، وسوء ظنه . وهذا شبيه بقول الشاعر العربي :
 
“ 529 “
 
إذ ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم( 2204 ) شمر ، هو شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين يوم كربلاء ، في العاشر من محرم عام 61 ه . وكان قتله للحسين مثالا للخسة والجبن ، لأنه لم ينازله منازلة الرجال ، بل تحين الفرصة حين تكاثر الرجال على الحسين ، فركب صدره واحتز رأسه . أما يزيد فهو يزيد بن معاوية ثاني الخلفاء الأمويين ، وهو الذي حدثت في عهده مأساة الحسين .
 
( 2218 ) يبدأ الشاعر بهذا البيت رواية قصة تحكى عن أبي يزيد البسطامي . ( انظر أصول هذه القصة في “ مآخذ قصص “ لفروزانفر وكذلك في تعليقات نيكولسون “ .
 
( 2221 ) أورد الشراح تفسيرات متعددة لهذا البيت ، وهي جميعا تدخل في باب التأويل البعيد . ( انظر - على سبيل المثال - شرح صاحب المنهج القوى . ج 2 ، ص 473 ) . ولقد نشأت هذه الصعوبة من تفسير كلمة “ حق “ في البيت على أنها تعنى الله . فالقرآن الكريم لا توجد به آية تعبر عن المعنى الذي أشار اليه البيت . وكل ما ذكره الشراح من الآيات لا تعبر عن هذا المعنى الا بكثير من التأويل .
ولعل خير وسيلة لفهم هذا البيت هي أن تفسر كلمة “ حق “ هنا بمعناها الحرفي . فتكون ترجمة البيت : “ ان القول الحق في السفر هو أنك حيثما توجهت يجب عليك أن تلتمس رجلا “ . وبذلك يكون معنى البيت مطابقا للقول العربي : “ خذ الرفيق قبل الطريق “ .
 
( 2222 - 2224 ) “ عليك أن تطلب الجوهر الحقيقي قبل كل شئ ، وإذا ما تحقق لك الجوهر ، تحققت لك معه أعراض كثيرة ، تابعة له . أما من ركز همه في الأعراض فلن يتحقق له الجوهر قط . ومثال ذلك من يزرع القمح ، فهو بالضرورة يحصل على التبن ، إلى جانب

 
“ 530 “
 
القمح ، أما من يزرع التبن ، فلن يحصل قط على القمح . ومن طلب الله بالخلاص قلبي ، وصل إلى الله ، وتحقق له بهذا الوصول كل ما تصبو اليه النفوس من آمال .
 
( 2225 ) من قصد الكعبة للحج ، فسوف يرى مكة - إلى جانب قيامه بالحج . فالحج إلى الكعبة هو القصد الجوهري ، ورؤية مكة عرض جانبي تحقق بدون قصد خاص .
( 2231 ) “ خضر زمانه “ . ( انظر : المثنوى ، ج 1 ، الأبيات 224 ، 2969 ، 2971 وشروحها ) .
 
( 2233 ) “ الفيل الذي يرى في منامه بلاد الهند “ ، رمز للصوفى العارف الذي يشهد في تأمله عالم الروح ، وطنه الحبيب الذي يحلم به ، فكأنما هو فيل مغترب رأى في منامه بلاد الهند .
 
( 2234 - 2235 ) النوم يمثل انطلاق الروح من عقال الجسد .
( انظر : المثنوى ، 1 ، 387 - 389 ) . ولهذا فان الانسان يرى في النوم ما لا يراه في اليقظة .
 
( 2236 ) العارف - وهو من استطاع تخليص روحه من سلطان الجسد - يتحقق له في يقظته شهود روحي .
 
( 2244 ) يتفق معنى هذا البيت مع ما يقوله الصوفية عن “ الانسان الكامل “ ، وهو أنه أفضل مخلوقات الله .
 
( 2245 ) في هذا البيت تعبير عن معنى حديث قدسي ، نصه :
ما وسعني أرضى ولا سمائي ، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن التقى النقى الورع .
 
( 2247 - 2249 ) في هذين البيتين تعبير عن الفناء في الله والاتحاد به ، وهما من النظريات المشهورة عند الصوفية ، والقول بهما مبنى على التجربة الروحية ، التي يتحدث بها العارفون من أهل التصوف .
 
[ شرح من بيت 2250 إلى بيت 2400 ]
( 2252 ) يعود الشاعر هنا إلى رواية “ قصة الصحابي المريض “
 
“ 531 “
 
انتى بدأها في البيت 2141 ، ثم استطرد منها إلى سواها من الموضوعات .
 
( 2257 - 2265 ) في هذه الأبيات يعبر الصحابي عن الألم ، وأثره في تنبيه الروح ، وايقاظ القلب والضمير . وقد سبق له أن عبر عن مثل هذا المعنى في حديثه عن الخزن . ( انظر المثنوى ، ج 1 ، الأبيات 817 - 822 وشرحها ) .
 
( 2270 - 2271 ) “ لو أن المستشار كان امرأة أو طفلا ( وكلاهما مجرد من الحكمة ) ، فان مشاورتهما تجوز ، شريطة أن يعمل المرء بخلاف ما أشارا به “ . وفي هذا البيت تعبير عن معنى الحديث الذي يروى عن الرسول قوله : “ شاوروهن وخالفوهن “ .
 
( 2278 ) “ النفس قادرة على الخداع ، تقدم الوعود البراقة ، وتخلفها ، ومع لا تفقد مقدرتها على الخداع “ .
 
( 2281 ) يذكر هذا البيت خرافة عن أثر السحر على رجولة الرجال ، وهي من الخرافات التي لا تزال شائعة بين السذج والجلاء . وقد اتخذ الشاعر من حالة العجز - التي يقال إنها تصيب الرجل من جراء “ الربط “ - رمزا إلى حالة العجز الروحي الذي يقعد الرجل عن التحرر من سلطان المادة . والنفس هي مسببة هذا العجز الروحي ، بما تزينه للمرء من لذات الحس وشهواته .
 
( 2282 ) حسام الدين مثال للعارف الكامل . ولا سبيل إلى خلاص أسارى الحس من غفلتهم الا بمعونة العارفين أصحاب الكمال .
 
( 2283 ) لقد ألقى الله حجابا على قلوب الخلق من جراء ما ارتكبوه من مظالم . وهذا القضاء ينزل بالناس لو توجه بالضراعة إلى الله قلب جريح .
 
( 2285 ) النفس الحسية تكون في بداية أمرها صغيرة كالدودة ثم تكبر فتصبح كالثعبان ، ثم يتعاظم أمرها فتصبح تنينا .
 
( 2286 - 2287 ) هذه النفس الثائرة العصية تغدو طيعة بفضل
 
“ 532 “
 
تعليم العارف وارشاده ، وقوته الروحية ، فكأنما هي الحية ، وقد أصبحت عصا طيعة في كف موسى . قال تعالى : “ فألقاها فإذا هي حية تسعى ، قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى “ . ( 20 : 20 - 21 ) .
 
( 2288 ) لا يزال الشاعر يشبه حسام الدين بموسى . ويشير إلى معجزة أخرى من معجزات موسى ، ذكرت في قوله تعالى : “ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى “ . فهو يطلب من حسام الدين ( مثال الرجل الكامل ) يدا بيضاء ( أي مكرمة جديدة ) ، وهي أن يكشف بعرفانه دياجير الظلمة التي غمرت الناس .
 
( 2290 ) للنفس مكر يخدع الناس ، فهي تظهر لهم في صورة تبديها أهون من حقيقتها ، فيستهينون بأمرها ، على حين أنها تقودهم إلى الهلاك وهم لا يشعرون .
 
( 2291 ) ظهور النفس قليلة الخطر أمام العارف ، لا يخدعه من حقيقتها ، كما هو الحال بالنسبة لعامة الناس ، بل يقويه ، ويزيد من قدرته على مقاومتها . وهذا شبيه بما حدث للرسول في وقعة بدر ، حينما ظهرت جيوش المشركين قليلة في عينيه ، فزاده ذلك استهانة بأمرها ، واقداما على القتال . ( انظر : سورة الأنفال ، 8 : 43 - 44 ) .
 
( 2292 - 2297 ) هذه الأبيات تتحدث عن غزوة بدر ، وما حققه الرسول من نصر فيها ، بعون الله وتأييده . وقد وصف القرآن الكريم هذه الغزوة في سورة الأنفال . وأبيات الشاعر هنا تعبر عن معنى الآيات الكريمة ، التي سبقت الإشارة إليها في التعليق على البيت 2291 .
 
( 2296 ) التأييد الإلهي للرسول أظهر الكفار قلة في عينيه ، فيسَّر له ذلك ما كان ميسورا ، وجعله يقبل على الأمر العسير ، بدون خشية ولا وجل . قال تعالى : “ إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر “ . الآية . ( 8 : 43 ) .

 
“ 533 “
 
 
( 2298 ) من لم يظفر بمثل هذا التأييد الإلهي الذي ظفر به الرسول ، يكون من خذلان الله له أن يظهر لعينيه الأمر العسير يسيرا ، فهذا المخذول شبيه بمن أبصر الأسد هرة ، أو رأى المائة مقاتل شخصا واحدا ، فدفعه الغرور وسوء التقدير إلى القتال .
 
( 2300 - 2301 ) من خذلان الكافرين أن سيف الرسول ظهر لهم وكأنه حربة واهية ، وأن هذا الرسول القوى المؤيد بالله بدا لهم ضعيفا ، فتجاسروا على قتاله ، فحاقت بهم الهزيمة .
 
( 2302 ) ظهور الرسول ضعيفا للكفار كان استدراجا إليها ، أدى إلى هزيمتهم ، وقادهم إلى جزائهم في النار .
 
( 2303 - 2304 ) النبي يظهر لخصومه ضعيفا ، فهو في بداية أمره يكون قليل الأنصار ، فيظنون أنهم قادرون على القضاء عليه بأقل جهد .
وهم لا يدركون أن وراء هذا المظهر قوة لا قبل لهم بها ، هي قوة الله .
فظاهر النبي أنه - بالقياس إلى خصومه - ضعيف كالقشة ، وحقيقته أنه أكثر ثباتا من الجبال ، يزول معاندوه ، ويحيق بهم قهر الله ، وتبقى دعوة النبي بين الناس ، ضاحكة من خصومها .
 
( 2305 ) عوج بن عنق : من الشخصيات الأسطورية التي عرفها المسلمون عن أساطير بني إسرائيل شخصية عوج بن عنق . وعنق اسم أمه التي قيل إنها احدى بنات آدم من صلبه . وقد جاء وصف عوج بن عنق في قصص الأنبياء على الوجه التالي :
“ قال ابن عمر : كان طول عوج ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا بالذراع الأول . وكان عوج يحتجز السحاب ويشرب منه الماء ، ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس ، يرفعه إليها ، ويأكله .
ويروى أنه أنى نوحا أيام الطوفان فقال له : احملنى معك في سفينتك ، فقال له : اذهب يا عدو الله ، فانى لم أومر بك . فطبق الماء



“ 534 “
 
الأرض من سهل ومن جبل ، وما جاوز ركبتيه . وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يد موسى . وكان لموسى عسكر فرسخ في فرسخ ، فجاء عوج ونظر إليهم ثم جاء إلى الجبل وقدّ منه صخرة على قدر العسكر ، ثم حملها ليطبقها عليهم ، فبعث الله عليه الهدهد ومعه الطيور ، فجعلت تنقر بمناقيرها حتى قورت الصخرة ، وانثقبت فوقعت في عنق عوج بن عنق ، فطوقته وصرعته ، فأقبل موسى وطوله عشرة أذرع ، وطول عصاه عشرة أذرع وققز إلى فوق عشرة أذرع فما أصاب منه الا كعبه وهو مصروع في الأرض ، فقتله . قالوا فأقبل جماعة كثيرة ومعهم الخناجر فجهدوا حتى حزوا رأسه ، فلما قتل ، وقع على نيل مصر ، فحسره سنة “ . ( الثعلبي : قصص الأنبياء ، ص 265 ) .
وقد استخدم الشاعر شخصية عوج في تصوير استدراج الله للكفار ، إذ يظهر لهم الماء ضحلا لا يتجاوز عمقه كعب الرجل ، في حين أن الماء يكون عميقا بحيث يغرق مائة من أمثال عوج بن عنق . وفي البيت إشارة إلى أن قوة الحس ، مهما عظمت ، فهي ضعيفة أمام قوة الروح .
 
( 2307 - 2308 ) في البيتين إشارة إلى قصة هلاك فرعون . ( انظر :
سورة البقرة ، 2 : 50 ) .
 
( 2318 ) الدهري هو المادي الذي يؤمن بقدم العالم وأزليته .
وكان في بلاد العرب قبل الاسلام جماعة آمنوا بذلك . وقد أشار إليهم القرآن الكريم بقوله تعالى : “ وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر “ . ( 45 : 24 ) .
 
( 2319 ) “ لولا الأنبياء ما استطاع الناس ادراك أسرار الفلك وأنه مثلهم مخلوق محدث “ .
 
( 2320 ) “ النبي المطلع على أسرار خلق السماوات والأرض هو الذي يخبر عن حدوث الأفلاك . ولا سبيل للانسان إلى ادراك ذلك بتجربته الذاتية ، لقصر عمره . فالانسان بالقياس إلى الأفلاك ،
 
“ 535 “
 
كالعنكبوت بالقياس إلى الدار . فبينما صاحب الدار يدرك سر بنائها ، فان العنكبوت ينسج خيوطه في جوانبها ، من غير أن يدرك من سرها شيئا .
 
( 2321 - 2322 ) في البيتين صورتان بيانيتان ، تعبران عن المعنى الذي ورد في البيت السابق ، وهو أن الكائنات الحسية لا تستطيع أن تتجاوز الحس ، إلى مدركات سبقت وجودها الحسى . وحياة الحس أيضا قصيرة المدى ، وهذا مما يزيدها عجزا فوق عجزها . فالبعوضة لا تستطيع أن تعرف أصل البستان . ودودة الخشب لا علم لها بأصل الخشب .
 
( 2323 - 2325 ) الادراك الحق يكون للعقل وحده . وليس المقصود بالعقل هنا ذلك العقل الجزئي الذي يعتد بقدرته الانسان .
فهذا - في نظر جلال الدين وغيره من الصوفية - محدود المعرفة .
فالعقل المقصود هنا هو العقل الكلى الذي يظهر ذاته في كثير من الصور ، فكأنما هو جنى يتجلى في مختلف الصور ، بل اين منه الجنى ، وهو أسمى من الملك . ولولا عجز المستمع عن ادراك عيمق المعاني ، لما جاز تشبيه العقل الكلى بالجن في قدرته على الظهور بمختلف الصور .
 
( 2328 ) “ الجنون “ هنا معناه الخروج على ما تعارفت عليه عقول أهل التقليد . فالعقل المقلد والعلم التقليدى يتنافيان مع العرفان الصوفي .
 
( 2333 - 2337 ) في هذه الأبيات حكاية قصيرة ساقها الشاعر لا يضاح معنى البيت 2332 ، وفيه يسخر الشاعر من العقل ( المقلِّد ) ، ويفضل عليه عرفان الروح ( وهو ما قد يصفه بعض المقلدين بأنه جنون ) . فهذه الحكاية ترمز إلى أن عشقا روحيا ظاهره الجنون وباطنه العقل خير من عقل مقلد ، ظاهره العلم ، وهو في حقيقة أمره أسير الجهل .
 
( 2338 ) بدأ الشاعر هنا قصة رجل عاقل كان يتظاهر بالحمق ،

 
“ 536 “
 
فيركب قصبة كالأطفال ، ويمضى بها في الطريق . والظاهر أن هذه القصة - كما يقول نيكولسون - كانت شائعة قبل زمن الشاعر . وقد ذكر نيكولسون صورا متعددة لهذه القصة نقلها عن بستان العارفين ، لأبى اليث السمرقندي ، وكذلك عن جوامع الحكايات لمحمد عوفي .
( انظر تعليقات نيكولسون ) . كما أورد فروزانفر صورا أخرى لهذه القصة عن العقد الفريد لا بن عبد ربه ، وربيع الأبرار للزمخشري ، واسكندرنامه ( المنثور ) . ( مآخذ قصص ، 70 - 72 ) .


ويعزى تظاهر الرجل بالجنون في هذه القصص ، إلى أسباب مختلفة . فمنها ما ينسب اليه أنه أراد بذلك الفرار من منصب حكومي كان يراد اسناده اليه . ومنها ما ذكر أنه انما فعل ذلك ليستطيع الأمر بالمعروف والنهى على المنكر من غير أن يقع تحت طائلة العقاب . وقد وجدتُ في العقد الفريد صورة أخرى لهذه القصة ، مرويَّة عن العتبىّ ، وهي كما يلي :
“ سمعت أبا عبد الرحمن بشرا يقول : كان في زمن المهدىّ صوفي ، وكان عاقلا عالما ورعا ، فتحمق ليجد السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وكان يركب قصبة في كل جمعة يومين : الاثنين والخميس ، فإذا ركب في هذين اليومين فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة .
 فيخرج ، ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان ، فيصعد تلا وينادى بأعلى صوته : ما فعل النبيون والمرسلون ؟ أليسوا في أعلى عليين ؟
فيقولون نعم : فيقول : هاتوا أبا بكر الصديق . فأخذ غلام فأجلس بين يديه ، فيقول : جزاك الله خيرا أبا بكر عن الرعية . فقد عدلت ، وقمت بالقسط ، وخلقت محمدا عليه الصلاة والسلام فأحسنت الخلافة . . . “ .
وهكذا يذكر الخلفاء الواحد بعد الآخر ويبين ما لهم وما عليهم ، حتى بلغ دولة بنى العباس ، فسكت . فقيل له : “ هذا أبو العباس أمير المؤمنين . قال : بلغ أمرنا إلى بني هاشم . ارفعوا حساب

“ 537 “
 
هؤلاء جملة واقذفوا بهم في النار جميعا “ . ( العقد الفريد ، 6 ، 152 - 154 ) .
 
( 2343 ) السامرىّ . ( انظر : المثنوى ، 1 ، البيت 2258 وشرحه ) .
والشاعر هنا يحذر من اعتبار الجنون علامة من علامات الولاية . وهذه الخرافة كانت منتشرة بين السذج حتى وقت قريب ، فكثيرا ما ظنوا البله أولياء .
 
( 2347 ) “ لو أبصرت بعين اليقين لرأيت تحت كل مظهر متواضع جنديا من جنود الله ، كما قد يجد المرء كنزا كان مختفيا تحت قطعة من الحجر .
 
( 2348 ) العين القادرة على ابصار اليقين لا يحجبها عن ادراك جوهر العارف بساطة مظهره . انها ترى - في رادء كل صوفي - رجلا يناجى ربه ويسمع منه ، شبيها بموسى الكليم .
 
( 2351 - 2353 ) “ العَمى “ في هذه الأبيات مستخدم بطريقة رمزية . وهو يعنى هنا العجز عن معرفة الأولياء والمرشدين . فمن سلبت المادية والحسية بصيرته ، وصرفته عن جوهر الروح ، لا يستطيع أن يكتشف هذه العلة في نفسه ، لأنه ذو بصيرة مظلمة ، فهو كالأعمى الذي لا يعرف سارقه ، حتى ولو الصطدم به ذلك السارق ، على الطريق .
 
( 2354 ) يبدأ الشاعر هنا حكاية تمثيلية صغيرة عن الأعمى الحكيم ، والكلب العقور . وقد استخدم “ العمَى “ هنا في معناه الحسى . فالعمى الحسىّ لا يقف حائلا دون الحكمة ، ولا يعوق صاحبه عن تحصيل العرفان . وليس افتقاد البصر مؤديا - بالضرورة - إلى الجهل ، لأن بصيرة الروح أقوى وأعمق من ابصار العينين . والكلب العقورفي هذه الحكاية رمز للطاغية الظالم الذي يؤذى الدراويش الصالحين . “ والعمى الحسىّ “ هنا يشير إلى انصراف العارفين عما حولهم من المظاهر التي تأسر الحس ، من غير أن يكون لذلك أثر على حكمتهم وعرفانهم ، بدليل


“ 538 “
 
أن الدرويش الأعمى ، قد استطاع أن يخلص نفسه من الكلب الضاري .
 
( 2362 - 2363 ) “ الكلب العالم “ رمز للمتعلق بالحس الذي حصَّل شيئا من العلم . فمثل هذا يميز بين الكسب الحلال ، والكسب الحرام .
 
( 2364 ) قول الشاعر : “ والكلب حين صار عالما أصبح سريع الوثبات “ ، يعنى أن المتعلق بالحس ، حينما حصَّل العلم ، تحقق له بعض التحرر من سلطان الحس . وهو حين صار عارفا غدا من أصحاب الكهف . والإشارة هنا إلى كلب أصحاب الكهف الذي يشار اليه كثيرا على أنه قد تحققت له مرتبة البشرية المكرمة ، وذلك بملازمة لأصحاب الكهف . قال سعدى :
“ ان ابن نوح عاشر الأشرار ، فضاع بذلك بيت نبوته . وكلب أصحاب الكهف اقتفى أثر الصالحين بضعة أيام ، فصار كالبشر “ .
( الكلستان ، الحكاية الرابعة ) .
وانظر أيضا : المثنوى ، 1 ، 1022 وشرحه .
 
( 2365 ) “ لقد غدا كلب ( أصحاب الكهف ) عارفا بخالقه ، فيا الهى ، ما أعجب نور العرفان ، وما أقواه على كشف الحقائق ! “ ( 2366 ) بيِّن الشاعر هنا أن افتقاد بصر العينين لا يعنى فقدان البصيرة .
 
( 2368 ) قارون : ( انظر : المثنوى ، 1 ، 864 وشرحه ) .
 
( 2369 ) قول الشاعر : “ ولقد رجفت لاهلاك كل دعىّ “ يشير إلى قوله تعالى في قصة صالح : “ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين “ . ( 7 : 78 ) . انظر : المثنوى ، 1 : 2509 - 2569 ، وشرح هذه الأبيات .
أما قول الشاعر : “ وفهمت من الحق قوله : يا أرض ابلعي ماءك “ ، فيشير إلى قصة نوح والطوفان ، وكيف أطاعت الأرض أمر

.
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:36 pm

شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض
“ 539 “
ربها بعد الطوفان حين أمرها أن تبلع ماءها .
 
( 2370 - 2371 ) قد يعرف بعض الجماد عن الله أكثر مما يعرف بعض عقلاء البشر . يستشهد الشاعر على ذلك بطاعة السماوات والأرض لأمر الله . ( انظر أيضا : المثنوى ، 1 ، 512 - 513 ) .
 
( 2372 ) هذا البيت يشير إلى قوله تعالى : “ انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلموما جهولا “ . ( 33 : 72 ) . انظر : المثنوى ، 1 ، 1958 وشرحه .
 
( 2373 ) يفسر الشاعر اعراض السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة بأنه نفور من تلك الحياة التي يصبح فيها المخلوق شديد السعي إلى الخلق والبعد عن الحق .
 
( 2374 ) ان الانقطاع عن الخلق يجعل المرء يتيما منفردا . لكن مجرد الانقطاع عن الخلق لا يعنى الأنس بالله ، بل لا بد لذلك من قلب سليم . والقلب السليم قد ذكر في القرآن الكريم مرتبطا بإبراهيم الخليل . انظر الآيات : ( 26 : 89 ) ، ( 37 : 84 ) .
 
( 2375 - 2378 ) “ اللص “ هنا رمز للشيطان ، أو للنفس الحسية وشهواتها . والأعمى هو الانسان الذي لم يرزق الكشف الروحي .
ومعنى “ الامساك باللص “ مراقبة الشيطان ، أو النفس ، حتى يستطيع المرء أن يتخلص من سلطان الشر .
 
( 2379 ) “ الجهاد الأكبر “ هو جهاد النفس الأمارة بالسوء . فعلى المرء أن يقوى في مراقبتها ومحاسبتها حتى يتخلص من آثارها السيئة .
 
( 2380 ) النفس الحسية تغشى بصيرة الروح . وأولى مراحل الابصار الروحي تكون بعد اخضاع تلك النفس .


( 2381 ) “ أصحاب القلوب “ هم المرشدون العارفون .
 
( 2383 ) “ الجهاد “ هنا رمز لمن تجرد من الحياة الروحية . وهو
 
“ 540 “
 
المقابل المضاد لأصحاب القلوب .
 
( 2384 ) عاد الشاعر هنا إلى قصة “ الحكيم الذي كان يتظاهر بالحق “ . وهي التي بدأها بالبيت 2338 .
( 2385 ) قوله : “ تخل عن حلقة الباب “ يعنى لا تطرق الباب .
وهذا القول - على لسان الحكيم - يعنى أنه ليس على استعداد للتباحث مع المستفسر ، فالباب لن يفتح ، لأن ذلك اليوم لم يكن يوم الأسرار . وهذا المعنى يتضح في البيت التالي . فالعارف لا يقبل على التعليم من أجل الكسب والزهو ، كما يفعل العلماء المقلِّدون ، فقد يمر بحالات تجعله راغبا في العزلة والتأمل .
 
( 2386 ) “ لو كانت من علماء الحس المقلدين ، لكان سبيلي أن أجلس فوق دكان وأمارس التلعيم “ .
 
( 2387 ) “ المحتسب “ هو الموظف الادارى الذي كان يناط به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ومراقبة الأسواق والآداب العامة .
وقد خصص فصل لبيان واجبات المحتسب في كتاب الأحكام السلطانية ، للماوردي ، وكذلك وصلت الينا بعض كتب الحسبة ، ومن أهم مؤلفيها الشيزرى صاحب “ نهاية الرتبة في طلب الحسبة “ ، ومحمد القرشي صاحب “ معالم القربة في أحكام الحسبة “ . وتضم الموسوعات العربية القديمة فصولا عن الحسبة ، ومن أهمها ما ورد في “ نهاية الأرب “ للنويرى .
 
( 2392 ) طلب المحتسبُ إلى السكران أن يقول ( آه ) ، حتى يشم أنفاسه ، لكن السكران لم يستجب له ، وأخذ يهتف “ هو ، هو “ ، وهو هتاف الصوفية عندما تنتابهم سكرة الوجد .
 
[ شرح من بيت 2400 إلى بيت 2550 ]
 
( 2400 ) عاد الشاعر إلى قصة الحكيم الذي كان يتلكف الحمق .
 
( 2412 ) جاء في نص عربى لهذه القصة رواه صاحب العقد الفريد : “ البكر لك ، والثيِّب عليك ، وذات الولد لا تقربها “ .



“ 541 “
 
( 2425 ) يقول الحكيم ان هذا الجنون الذي تظاهر به ، برغم اكتمال عقله ، يشبه أرضا خرابا تخفى في باطنها كنزا . فظاهرها يدعو إلى الزهد فيها ، لكن باطنها عامر بالكنز النفيس .
 
( 2426 ) “ العسس “ رمز للحكام الدنيويين الظالمين ، الذين يهرب منهم الصوفية ، ذلك لأن الصوفية لا يقبلون التورط فيما يرتكبه مثل هؤلاء الحكام من المظالم .
 
( 2427 ) يقول هذا الحكيم انه لا يبيع علمه من أجل أغراض دينوية عارضة ، فعلمه جوهر خالد ، وليس عرضا فانيا .
 
( 2428 ) يعبر الحكيم في هذا البيت عن تساميه على الأغراض المادية . فقلبه الصافي يتلقى العرفان من الخالق ، وهو سعيد بهذا العرفان الذي يتكشف له .
 
( 2436 ) “ علم الكلام يتوقف ازدهاره على مقدار ما يلاقيه من اقبال المستمعين . فهو علم يستمد وجوده من غرور أصحابه ، وحبهم للظهور ، : وليست له حياة ذاتية “ .
 
( 2439 ) انظر : المثنوى ، 1 ، 1750 وشرحه .
 
( 2440 ) أي عطاء يقدر عليه أهل الدنيا ؟ وماذا يكون عطاؤهم إذا قيس بعطاء الخالق الوهاب ؟
 
( 2441 ) “ أكل الطين “ رمز للاسراف في التعلق بالمادية . ومن أصيب بمثل هذا الاسراف اعتل كيانه .
 
( 2442 ) “ غذاء الروح “ هو الذي يجعل الانسان دائم الشباب .
والروح ذاتها لا تشيخ ، أما الجسد فيشيخ ويفنى . وقول الشاعر :
“ اغتذ بقلبك “ يعنى : اجعل غذاء الروح قوام وجودك .
( 2448 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب اليه من حبل الوريد “ .
( 50 : 16 ) .

 
“ 542 “
 
( 2449 ) الدعاء والصلوات - التي يرفعها البشر إلى خالقهم - مستمدة من الخالق‌ذاته ، فهو الذي علمهم إياها ، فتساموا بها ، والا فان الوجود الانساني الذي غلب عليه الحس لا تنبثق منه هذه الصلوات . ان هذه الأفعال الروحية الصادرة عن البشر ، شبيهة بورود نبتت في رماد الموقد .
 
( 2450 ) كرم الله أيضا هو الذي بث الفهم والادارك في اللحم والدم ، وجعل المعاني الفكرية المجردة متعلقة بكيان حسىّ .
 
( 2451 ) الابصار - كما يقول الشاعر - نور يفيض من العينين فتلاطم أمواجه السماء . وفي هذا تعبير عن اتساع البصر لكل هذه المشاهد المتجلية في السماوات والأرض .
 
( 2455 ) جنة الروح هي أصل السعادة ونبعها ومجلاها .
 
( 2456 ) يعود الشاعر هنا إلى قصة الرسول والصحابي المريض ، وهي القصة التي بدأت في البيت 2141 .
 
( 2457 - 2458 ) انظر شرح البيت 2141 .
ويشير هذان البيتان إلى نوع من صحابة الرسول تلقوا تعاليمه بتزمت . وهؤلاء هم الأصل في ظهور فرقة الخوارج التي بنيت تعاليمها على هذا التزمت في التفسير .
وقد أشار الشاعر إلى هؤلاء من قبل . ( انظر : المثنوى ، 1 ، 366 - 370 ) .
 
( 2468 - 2470 ) انظر قصة هاروت وماروت . ( المثنوى ، 1 ، شرح الأبيات 3321 - 3354 ) .
وفي هذه الأبيات تفسير جديد للقصة ، هو أن هاروت وماروت آثرا أن يلقيا - في الدنيا - نصيبهما من العذاب ، لقاء ما اقترفا من الاثم والخطيئة ، بدلا من معاناة ذلك في الآخرة .
 
( 2471 ) “ ألم الدخان “ رمز لعذاب الدنيا ، فهو بالقياس إلى
 
“ 543 “
 
عذاب الآخرة شبيه بالدخان ، إذا قيس بالنار .
( 2481 ) انظر حديث الرسول في شرح البيت 2141 .
 
( 2484 ) كان موسى يريد أن يسير ببنى إسرائيل إلى الأرض المقدسة ، بعد أن خرجوا من مصر ولكنهم خافوا دخولها على من كان بها من الحكام والأقوام ، وجبنوا عن القتال . قال تعالى : “ قالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون “ ( 5 : 24 ) . فحزن موسى لذلك وشكاهم إلى الله ، فكان عقابهم أن الله أوقعهم في التيه ، وحرم علهيم دخول الأرض المقدسة أربعين سنة .
قال تعالى : “ قال رب انى لا أملك الا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين . قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين “ . ( 5 : 25 - 26 ) .


يقول الزمخشري عن التيه : “ التيه المفازة التي يتاه فيها . روى أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ ، يسيرون كل يوم جادين ، حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه . . . . . . فان قلت : هل كان معهم في التيه موسى وهارون عليهما السلام ؟ قلت : اختلف في ذلك ، فقيل لم يكونا معهم ، لأن كان عقابا . وقد طلب موسى إلى ربه أن يفرق بينهما وبينهم . وقيل : كانا معهم الا أنه كان ذلك روحا لهما وسلامة ، لا عقوبة ، كالنار لإبراهيم “ . ( تفسير الكشاف ، 1 ، 622 - 623 ) .


ويمكن أن يفسر البيت تفسيرا رمزيا على أساس أن التيه رمز للعالم المادي الذي تاهت الأرواح فيه عن أصلها . وأن الرسول يرشد الأرواح في هذا التيه . وأن الاثم ( وهو التعلق بلذات الدنيا ومتاعها ) هو الذي يبقى الأرواح في التيه رهن البلاء .
 
( 2485 ) مضمون هذا البيت شبيه بما أصاب قوم موسى حين

“ 544 “
 
وقعوا في التيه ، فقد لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ ( انظر شرح البيت السابق ) .
 
( 2486 ) استخدم موسى في هذا البيت رمزا لمحمد صلى الله عليه وسلم . وفي البيتين 2493 - 2494 تعليل لهذا الرمز .


( 2487 ) “ الموائد “ التي كانت تنزل على بنى اسرئيل هي المن والسلوى . قال تعالى : “ وظلمنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى “. ( 2 : 57 ).
 
( 2488 ) في البيت إشارة إلى معجزة لموسى ذكرت في القرآن الكريم . قال تعالى : “ وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا “ . ( 2 : 60 ) .
( 2489 ) إذا غضب الرسول على قومه أصابهم العذاب . ولا يقتصر هذا على ما يصيبهم في الآخرة ، بل إن بعضه قد يصيبهم في الدنيا .
 
( 2490 ) “ القلبان “ هما الرضى والسخط . والرسول يرضى عن قومه إذا أحسنوا ، ويغضب عليهم ان أساؤوا . وكل انسان عرضة لحالى الرضى والسخط ، على مقتضى أفعاله .
 
( 2493 - 2494 ) في هذين البيتين يعتذر الصحابي عن اتخاذ موسى رمزا للرسول في أعماله - وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين - فيقول انه فعل ذلك لأن مدح الحاضر مدعاة للحرج . فهذا الصحابي كان يدلى بهذه الأقوال في حضرة الرسول ، فلجأ إلى الرمز ، والا فان موسى ذاته ما كان ليجيز أن يُذكر اسمه على أنه مثال للتعبير عن كمال محمد .
 
( 2496 ) انتهى الكلام الموجهُ إلى الرسول في هذا البيت .
 
( 2497 ) بدأ الشاعر هنا مجموعة من الأبيات ، في مناجاة الله .
فالصفات التي تضمنتها هذه الأبيات لا تصدق الا على الخالق . وليس من المستطاع أن نعرف ما إذا كان الشاعر يتحدث بهذه المناجاة حديثا



“ 545 “
 
مباشرا ، أم أنه يجريها على لسان الصحابي الذي كان يكلم الرسول .
وهذا الأمر - على أية حال - لا يخلق صعوبة في فهم الأبيات .
( 2507 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم “ . ( 2 : 37 ) .
 
( 2508 ) يصور جلال الدين الشيطان ملاعبا لآدم على رقعة الشطرنج . وقد سبق له التعبير عن هذا المعنى بصورة لطيفة . ( انظر الأبيات 129 - 131 ) .
 
( 2514 ) انظر الآيات الكريمة : ( 35 : 43 ) ، ( 4 : 79 ) ، ( 41 : 46 ) .
 
( 2516 - 2517 ) أول العلاج معرفة الداء . والشيطان وأمثاله قد أعماهم الغرور ، فأصبحوا غافلين عن حقيقة أنفسهم . ولو أنهم فطنوا لقبحها ، لكان ذلك بداية لسعيهم إلى الصلاحها .
 
( 2518 - 2520 ) حين يتألم المرء لسوء حاله يكون ذلك بشيرا بمولد روحي جديد . فالأم تشعر بالألم قبل ولادة طفلها . والمريد يشعر بالألم لما فرط منه قبل انبثاق وعيه الروحي . لكنه بحاجة إلى المرشد ، ليعاونه على استنباط ذلك الوعي الروحي ، كما تحتاج الأم إلى القابلة في ولادة طفلها . وكل انسان قد انطوى قلبه على “ الأمانة “ ، وهي القدرة على الايمان والعلم والمحبة . لكن النفس الحسية - بامعانها في الشهوات واللذات - تحجب عن الانسان الوعي بهذه الأمانة . فالألم من سوء حال النفس هو البداية لذلك الوعي . ونصائح المرشد ضرورية لمعاونة المريد .
 
( 2521 ) من لم يحس بالألم كان طاغيا وتأله ، كما فعل فرعون وأمثاله من الطغاة . وهو أيضا قاطع طريق لأنه يؤذى الأنبياء ، ويقطع على الناس سبيل الاهتداء بهديهم .
 
( 2524 ) إذا كان الاعتماد في معرفة المواقيت على أصوات الطير ،
 
“ 546 “
 
فوجب قطع رأس الطائر الذي يصيح قبل وقته ، حتى يكون هناك تحقق من صدق الاعلام . والطائر الذي يصيح قبل وقته رمز للنفس الحسية التي تدفع صاحبها إلى الغرور والاعتداد بذاته ، فيؤكد لها وجودا منفصلا عن خالقه .
 
( 2526 - 2527 ) قتل النفس الحسية في الانسان شبيه باقتلاع الإبرة من العقرب ، أو الأنياب من الحية . فقتل النفس الأمارة بالسوء يهيىء للمرء النجاة بروحه . واقتلاع الإبرة أو الأنياب يبعد خطر الموت عن العقرب والحية ، وبذلك تتحقق لهما النجاة من القتل .
 
( 2530 ) كل ما يتجلى في الروح فهو من الهام الخالق .
 
( 2534 ) سبق للشاعر أن قدم تأويلا صوفيا لبعض آيات هذه السورة ( انظر الأبيات 295 - 301 ) .
ويفهم من هذا البيت - على ضوء الأبيات السابقة عليه - أن الله لا يتخلى عن عبده المؤمن النقى القلب ، مهما طال بالعبد انتظارُ الهام الخالق .
 
( 2535 - 2543 ) يقدم الشاعر تفسيرا لخلق الشر في هذه الأبيات فهو يقول إن خلق الله للشر دليل على كمال قدرته . فكأنه بذلك يقول إن الله هو الفنان الأعظم ، الذي يخلق الجميل ، ولا يعجز عن خلق القبيح .
 
( 2537 - 2541 ) أراد جلال الدين أن يقرب إلى الأذهان معنى تجلى القدرة الكاملة في خلق الخير والشر ، فمثل لذلك بالفنان الذي يصور الجمال والقبح على السواء . ويكون تصويره لهذا وذاك دليلا على كمال فنه . فكأن جلال الدين بذلك قد ذهب إلى أن الفن ليس مقصورا على صنع الجمال ، بل هو أيضا في القدرة على تصوير القبح .
فالفن اذن هو الخلق ، وليس مقصورا على صنع الجمال . وشاعرنا - بهذا الرأي - قد سبق شاعر الألمان جوته بمئات السنين . . فهذا
 
“ 547 “
 
الأخير قد قال : الفن قوة مشكلِّة قبل أن يكون جميلا . . . وحين يكون كذلك ، يكون فنا صحيحا عظيما ، أصح وأعظم من الفن الجميل .
نفسه “ . ( انظر : كاسيرر : مدخل إلى فلسفه الحضارة الانسانية .
الترجمة العربية لاحسان عباس ، ومحمد يوسف نجم ، ص 246 ) .
 
( 2543 ) انظر : المثنوى ، 1 ، 2446 ) .
 
( 2544 - 2545 ) كل من المؤمن والكافر يكون خاضعا لله ، لكن المؤمن يخضع عن طواعية ورضى ، وأما الكافر فيخضع مكرها . قال تعالى : “ ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها “ .
( 13 : 15 ) .
 
( 2546 ) الكافر قد يعمر الأرض ، ويبذل في ذلك جهده ، ولكن عمله هذا لا يكون في سبيل الله ، بل من أجل نفسه ، وغروره الذاتي .
فهو يدعى الامارة على ما هو ملك الخالق .
( 2547 ) يظن الكافر الباغي أنه قد تملك الأرض بطغيانه . ولكن كل شئ يؤول إلى الخالق ، في نهاية الأمر . قال تعالى : “ انا نحن نرث الأرض ومن عليها والينا يرجعون “ . ( 19 : 40 ) .
 
( 2549 ) الكافر القبيح الأفعال يتخذ من الجبر حجة يبرر بها سوء عمله . فهو يعزو ذلك إلى إرادة الله ، الذي لو شاء لخلقه من الأخيار الصالحين .
 
[ شرح من بيت 2550 إلى بيت 2700 ]
( 2550 ) الصالح الخير ينسب حسن فعله إلى الله ، ويشكره على ما وهبه من هداية لتجنب الأخطاء .
 
( 2551 ) استأنف الشاعر من جديد قصة الرسول والصحابي المريض .
 
( 2552 ) يتضمن هذا البيت نظما لآية كريمة . كان الرسول قد علم صاحبه المريض أن يدعو بها ربه ، هي قوله تعالى : “ ربنا آتنا في الدنيا

 
“ 548 “
 
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار “ . ( 2 : 201 ) .
انظر نص الحديث في شرحنا للبيت 2141 .
 
( 2553 ) “ ما دمت أنت مقصدنا - أيها الخالق الكريم - فهون علينا أهوال الطريق ، واجعل طريقنا إليك لطيفا كالبستان “ .
 
( 2554 - 2555 ) قول الشاعر : “ ألم تكن النار طريقا مشتركا “ .
يشير إلى قوله تعالى : “ وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا “ . ( 19 : 71 ) .
 
( 2569 ) في البيت اقتباس من قوله تعالى : “ هل جزاء الاحسان الا الاحسان “ . ( 55 : 60 ) .
 
( 2574 - 2575 ) ان المحبين يحترقون بنار المحبة ، يجذبهم إليها نور وجه الحبيب ، فيندفعون نحوها كما يندفع الفراش نحو الشموع .


( 2576 ) بدأ الشاعر هنا يوجه الخطاب إلى المريد ، ويبين فضل المرشد على المريد . فالمرشد نور يغمر المريد ، وهو مجن يقيه محنة العالم الحسى وبلاءه .
 
( 2578 ) شبِّه الشاعرُ المرشد بالأفق السماوي ، والمريد بالكوكب الذي يتعلق بهذا الأفق .


( 2579 ) عطارد كاتب الفلك ، فهو الذي يفتح دفتر الفلك ويسجل به الأحداث ، والمرشدون يفتحون لك دفتر القلب ليكشفوا لك خفى الأسرار .
 
( 2580 ) دعك من الحيرة ، والتحق بذوي قرباك من أهل القلوب .وان كنت قطعة من النور ، فالتحق بالكل الذي أنت منه .
 
( 2581 ) “ لماذا يكون اجتنابك للمرشدين العارفين ؟ وما هذا التخلي عنهم والا متزاج بالمخالفين ؟ “


( 2582 ) يعبر هذا البيت عن نظرية الفيض المستمدة من الأ فلا طونية المحدثة . يقول اخوان الصفاء : “ ان الأشياء كلها بأجمعها صور وأعيان


 
“ 549 “
 
غيريات أفاضها الباري تعالى على العقل الفعال . . . ومن العقل على النفس الكلية الفلكية التي هي نفس العالم بأسره . . . . ومن النفس الكلية .
فاضت على الهيولى الأولى . . . . ومن الهيولى على النفس الجزئية .
البشرية . . . . فمن أراد أن يعرف صور الأشياء في النفس الكلية قبل فيضها على الهيولى ، فليعتبر صور مصنوعات البشر ، كيف تكونها في نفوسهم قبل اظهارهم لها في الهيولات الموضوعة لهم في صناعتهم . . . .


ومن أراد أيضا أن يعرف كيف كانت صور الأشياء في العقل الفعال قبل فيضه على النفس الكلية ، وكيف كان قبولها تلك الرسوم والصور ، فليعتبر حال رسوم المعلومات التي في أنفس العلماء . . . . ومن أراد أيضا أن يعرف حال المعلومات في علم الباري عز وجل ، قبل فيضه على العقل ، فليعتبر حال العدد كيف كان في الواحد الذي قبل الاثنين “ . ( رسائل اخوان الصفاء ، 1 ، 398 - 399 ) .


لقد انتقد الشاعر - في البيت السابق - اجتناب الجزء لكله ، واندفاعه إلى ما يصرفه عن هذا الكل . ثم بين في هذا البيت الصلة بين الواحد وبين الكثرة ، وكيف يتوالى الفيض حتى تتحول الأجناس إلى أنواع ، وتصير المغيبات الروحية أعيانا حسية ملموسة .
( 2583 ) من خدعه ظاهر الحس ومغرياته عن حقيقة جوهره ، كان كالنساء يخدعهن معسول القول ، وكاذب الثناء .
 
( 2584 ) هذا المغتر بالكذب والخداع ، يحرص عليهما حرصه على الذهب .
 
( 2585 ) ان ما قد يلقاه المريد من تعنيف المرشد وقسوته خير له من كذب المدح وزائف الثناء .
 
( 2596 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب وان الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون “ .
( 29 : 64 ) .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالأربعاء سبتمبر 09, 2020 9:51 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 WORD
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 TXT
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» مقدمة مولانا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: