منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:03 pm

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي على مدونة عبدالله المسافر
كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي
[ رؤية موسى الراعي ومناجاته ]

1720 -  رأى موسى راعيا على الطريق ، وكان هذا يردد : “ الهي ، يا من تصطفي ( من تشاء ) ،
 أين أنت حتى أصبح خادما لك ، فأصلح نعليك ، وأمشط رأسك ! وأغسل ثيابك ، 
وأقتل ما بها من القمل ! وأحمل الحليب إليك ، أيها العظيم ! 
وأقبل يدك اللطيفة وأمسح قدمك الرقيق ، وأنظف مخدعك حين يجئ وقت المنام .
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة الأحزاب ، 33 : 41 .



“ 195 “
 
يا من فداؤك كل أغنامى ! ويا من لذكرك حنينى وهيامي ! “
 
 1725 وأخذ الراعي يردد هذا النمط من هراء القول . ورآه موسى ، فناداه قائلا : “ مع من تتحدث أيها الرجل ؟ 
“ فقال الراعي : “ مع ذلك الشخص الذي خلقنا . مع من ظهرت بقدرته هذه الأرض ، وتلك السماوات “ .
فقال موسى : “ حذار ، انك قد أو غلت في ادبارك . وما غدوت بقولك هذا مسلما بل صرت من الكافرين .
ما هذا العبث وما هذا الكفر والهذيان ؟ ألا فلتحش فمك بقطعة من القطن .
ان نتن كفرك قد جعل العالم كله منتنا ! بل إن كفرك قد مزق ديباجة الدين !
 
 1730 ان النعل والجورب يليقان بك . ولكن متى كان مثل هذين يليقان بالشمس ؟
فلو أنك لم تغلق حلقك عن مثل هذا الكلام ، فان نارا سوف تندلع وتلتهم الخلق ! 
وان لم تكن النار قد أندلعت فما هذا الدخان ؟ ولماذا أصبحت نفسك مسودة وروحك مردودا ؟
وان كنت تعلم أن الله هو الحاكم ، فكيف اعتقدت بمثل هذا السفه والوقاحة ؟
ان صداقة الأحمق هي عين العداوة . وما أغنى الحق تعالى عن مثل هذه العبادة ! 
 
1735 فمع من تتحدث ؟ أمع العم أو الخال ؟ وهل الجسم والحاجة من صفات ذي الجلال ؟


 
“ 196 “
 
ان الحليب يشربه من يكون قابلا للنشأة والنماء . والنعل يلبسه من هو بحاجة إلى القدم .
وحتى لو كان هذا القيل والقال ( موجها ) لعبد الله الذي قال عنه الحق : “ انه ذاتي وأنا ذاته “ ، 
هذا العبد الذي هو مغزى حديث الحق : “ مرضت فلم تعدنى .
لقد غدوت مريضا ، وليس عبدي وحده هو الذي مرض “ ،
 لكان مقالك هذا عبثا وهراء في حق هذا العبد ، بعد أن غدوت له سمعا وبصرا “ 1 “
 
 1740 ان التحدث بدون أدب مع خواص الحق ، يميت القلب ويجعل الصحائف سودا .
فمع أن الرجال والنساء جميعا من جنس واحد ، فإنك لو سميت رجلا “ فاطمة “ ، 
لسعى لقتلك ان وجد إلى ذلك سبيلا ، مع أنه قد يكون حسن الخلق حليما وادعا .
ان اسم فاطمة مدح في حق النساء ، لكنك لو دعوت رجلا به كان كطعن السنان ! 
واليد والقدم هما في حقنا من صفات المديح . لكنهما في حق الخالق المنزه ذم !
 
 1745 وقوله : “ لم يلد ولم يولد “ هو الوصف اللائق به ، مع أنه خالق الوالد والمولود .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ وقد غدا بي يسمع وبي يبصير “ .



“ 197 “
 
وكل ما كان جسما فالولادة صفة له . وكل ما يولد فهو من هذا الجانب من النهر .
ذلك لأنه من عالم الكون والفساد ، فهو مهين . ومن المحقق أنه حادث ويقتضى محدثا “ .
فقال الراعي : “ يا موسى ، لقد ختمت على فمي ! وها أنت ذا قد أحرقت بالندم روحي ! 
“ ومزق ثيابه وتأوه ، ثم انطلق مسرعا إلى الصحراء ومضى .
 
كيف عاتب الحق تعالى موسى عليه السلام من اجل الراعي
 
1750  فجاء موسى الوحي من الله ( قائلا ) : “ لقد أبعدت عنى واحدا من عبادي ! 
فهل أيتت لعقد أواصر الوصل ، أم أنك حئت لايقاع الفراق ؟
فما استطعت لا تخط خطوة نحو ايقاع الفراق ، فأبغض الحلال “ 1 “ عندي هو الطلاق ! 
لقد وضعت لكل انسان سيرة ، ووهبت كل رجل مصطلحا للتعبير ، 
يكون في اعتباره مدحا على حين أنه في اعتبارك ذم . ويكون في مذاقه شهدا وهو في مذاقك سم !
 
 1755 انني منزه عن كل طهر وتلوث ، وعن كل روح ثقلت ( في عبادتي ) أو خفِّت .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ أبغض الأشياء . . . “

“ 198 “
 
والتكليف من جانبي لم يكن لربح أنشده . لكن ذلك كان لكي أنعم على عبادي .
فأهل الهند لهم أسلوبهم في المديح . ولأهل السند كذلك أسلوبهم .
ولست أغدو طاهرا بتسبيحهم بل هو المتطهرون بذلك ، الناثرون الدر .
ولسنا ننظر إلى اللسان والقال ، بل نحن ننظر إلى الباطن والحال .
 
1760  فنظرنا انما هو لخشوع القلب ، حتى لو جاء اللسان مجردا من الخشوع .
فالقلب يكون هو الجوهر ، أما الكلام فعرض . والعرض يأتي كالطفيلى أما الجوهر فهو المقصد والغرض .
فإلى متى هذه الألفاظ ، وذلك الاضمار والمجاز ؟ انى أطلب لهيب ( الحب ) ،
 فاحترق ، وتقرّب بهذا الاحتراق ! أشعل في روحك نارا من العشق ، ثم احرق بها كل فكر وكل عبارة !
 يا موسى ! ان العارفين بالآداب نوع من الناس ، والذين تحترق نفوسهم وأرواحهم ( بالمحبة ) نوع آخر “ .
 
1765 ان اللعشان احتراقا في كل لحظة ! وليس يفرض العشر والخراج على قرية خربة ! 
فلو أنه أخطأ في القول فلا تسمه خاطئا . وان كان مجللا بالدماء ، فلا تغسل الشهداء فالدم أولى بالشهداء من الماء ! 
وخطأ المحب خير من مائة صواب ! فليس في داخل الكعبة رسم للقبلة .
وأي ضرر يحيق بالغواص
 
“ 199 “
 
ان لم يلبس النعل الواقى من الغوص في الثلوج ؟
فلا تلتمس الهداية عند السكارى . وكيف تطلب ممن تهلهلت ثيابهم رفو تلك الثياب ؟
 
1770 ان ملة العشق قد انفصلت عن كافة الأديان . فمذهب العشاق وملتهم هو الله .
ولو لم يكن تلياقوتة خاتم فلا ضير في ذلك . والعشق في خضم الأسى ، ليس مثيرا للأسى !
 
كيف جاء الوحي موسى عليه السلام 
موضحا عذر ذلك الراعي
 
ولقد ألقى الله - بعد ذلك - أسرارا في أعماق قلب موسى ، ليست مما يُباح به .
لقد تدفقت الكلمات إلى قلب موسى ، وامتزج الشهود بالكلام .
فكم ذهل عن ذاته وكن عاد إلى الوعي ! وكم طار محلقا من الأزل إلى الأبد !
 
 1775 فلو أنني شرحت أكثر من هذا لكان من البلاهة . ذلك لأن شرح هذا يتجاوز علمنا .
ولو أنني ذكرته لا قتلعت العقول ! ولو أنني كتبته لا نشق كثير من الأقلام ! فحين سمع موسى هذا العتاب من الحق ، هرع وراء الراعي موغلا في البيداء .


 
“ 200 “
 
وانطلق مقتفيا آثار قدمي ذلك الحيران . فكان نيثر الغبار من أذيال الصحراء .
وان خطوة قدم الانسان الموله لهى متميزة عن خطى الآخرين .
 
1780 فتارة يمضى مستقيما كالرخ من القمة نحو القرار . وتارة يمضى بخطى متقاطعة مثل الفيل “ 1 “ .
وتارة يمضى كالموج متطاولا رافعا علمه . وتارة يمضى زاحفا فوق بطنه كالسمكة .
وتارة يخط وصف حاله فوق التراب ، كالرمِّال الذي يضرب الرمال .
وفي النهاية أدرك موسى الراعي ورآه . وقال البشير ( للراعى ) .
“ ان الاذن قد جاء ! فلا تلتمس آدابا ولا ترتيبا ، وانطق بكل ما يبتغيه قلبك الشجي ! 
 
1785 ان كفرك دين ، ودينك نور للروح ! وانك لآمن ، والعالم بك في أمان ! أيها المعافي ! 
ان الله يفعل ما يشاء . فاذهب ، وأطلق لسانك بدون محاباة “ “ 2 “ .
فقال الراعي : “ يا موسى . انى قد تجاوزت ذلك . انني الآن مجلل بدماء قلبي ! 
لقد تجاوزت سدرة المنتهى . وخطوت مائة ألف عام في ذلك الجانب !
.................................................................
( 1 ) الإشارة هنا لقطع الشطرنج وطريقة نقل الرخ والفيل .
( 2 ) بدون أية مراعاة للمجاملة ولطيف القول .


 
“ 201 “
 
انك قد أعملت سوطك ، فدار حصانى ، فبلغ قبة السماء ، ثم تجاوز الآفاق !
 
 1790 فعسى الله أن يجعل جوهرنا الانساني نجي سر لاهوته . وليبارك الله لك يدك وساعدك ! 
فالآن قد تجاوز حالي نطاق القول . فهذا الذي أقوله ليس حقيقة حالي “ .
انك تبصر النقش الذي يكون في المرآة . وهذا النقش صورتك أنت ، وليس صورة المرآة .
والأنفاس التي ينفثها لاعب الناى في الناى ، هل تنتمى للناى ؟
لا ، بل هي منتمية للرجل .
فكن متنبها حين تنطق بالحمد والثناء ، واعلم أنهما شبيهان بهراء ذلك الراعي ! 
 
1795 فحمدك ان بدت أفضليته بالقياس إلى حمد الراعي ، فإنه بالقياس إلى الحق عاجز أبتر ! 
فلكم تقول - حين يرتفع الغطاء - “ ليس هذا ما كانوا يظنون “ .
فقبول ذكرك هذا انما هو من الرحمة . لقد رُخص لك به ، مثل صلاة المستحاضة ! 
فصلاتها تكون ملوثة بالدماء . وذكرك يكون مشوبا بالتشبيه والكيف ! والدم نجس ، لكنه يغسل بالماء ، لكن للباطن نجاسات ،
 
 1800 لا تتناقص من باطن الرجل المجد ، الا بماء لطف الخالق ! 
فليتك في سجودك كنت تدير وجهك ، وتدرك معنى دعائك :
سبحان ربى .
 
“ 202 “
 
قائلا : “ يا من سجودى مثل وجودي ، غير جدير به ، ألا فلتبهنا الخير جزاء منك على شرنا ! 
“ ان هذه الأرض لتحمل أثرا من حلم الحق . فهي قد تلقت النجس ولكنها جادت بالورد ثمارا !
 انها تحجب لنا أقذارنا ولقاء ذلك تنبت منهما الأزاهير !
 
 1805 فحين رأى الكافر أنه في العطاء والجود أقل من التراب ، وأدنى أصالة منه ، 
وأنه لم ينبت من وجوده ورد ولا ثمار ، وأنه لم ينشد سوى فساد كل ما هو نقى ،
 قال : “ انني قد تقهقرت في السير ، فواحسرتاه ! ( يا ليتني كنت ترابا “ 1 “ ) .
يا ليتني ما اخترت السفر من ترابيتى ، اذن لكنت أتلقى الحب كما يتلقاه التراب .
فحينما قمت بالسفر امتحنني الطريق . فماذا كانت الهدية التي جلبتها من هذا السفر ؟ “ 
 
1810  فهو من جراء كل هذا الميل نحو التراب ، لم يكن يبصر أمام وجهه أية فأئدة للسفر .
لقد كان اعراضه بوجهه هو ذلك الحرص والطمع ! أما توجهه نحو الطريق فكان ذلك الصدق ، وتلك الضراعة ! 
فكل عشب يكون له ميل نحو العلا ، فهو في ازدياد وحياة ونماء .
فإذا ما حوّل رأسه نحو الثرى ، فهو في تضاؤل وذبول ونقص وغبن .
.................................................................
( 1 ) سورة النبأ ، 78 : 40 .


 
“ 203 “
 
فحينما يكون ميل روحك إلى العلو ، فأنت في ارتقاء ، ويكون مرجعك إلى هناك .
 
1815 وان كنت منقلبا فوق رأسك متوجها نحو الأرض ، فأنت آفل ، والله لا يجب الآفلين “ 1 “ .
 
كيف سال موسى عليه السلام الحق تعالى 
عن سر غلبة الظالمين
 
فقال موسى : “ أيها الكريم الفعَّال . يا من ذكرك لحظة واحدة يعدل عمرا طويلا ! 
لقد رأيت نقوشا مشوهة عوجاء من الماء والطين ، فاعترض قلبي عليها كما فعلت الملائكة .
فماذا يكون القصد من تصوير نقش ثم غرس بذور الفساد فيه ؟
أو من اشعال نار الظلم والفساد ، التي تحرق المسجد والساجدين ؟
 
1820 ولماذا إثارة نبع الدموع الدامية ، أو الملوثة بالدم “ 2 “ ، من أجل الضراعة ؟
وانى لأعلم يقينا أن هذا عين حكمتك ، لكن مقصودى هو العيان والمشاهدة .
فذلك اليقين يدعوني إلى أن ألزم الصمت ، وأما الحرص على المشاهدة فيدفعنى إلى الجيشان !
.................................................................
( 1 ) انظر قوله تعالى ، حكاية عن إبراهيم : “ لا أحب الآفلين “ .
( 6 : 76 ) .
( 2 ) حرفيا : “ الدموع الدامية أو الصفراء . . . “ .
 
“ 204 “
 
لقد كشفت للملائكة سرك ، ( وأظهرت ) أن مثل هذا الشهد جدير بأن ( تكتنفه ) الابر ! 
فعرضت عليهم نور آدم عيانا ، فانجلت بذلك المشكلات أمام الملائكة .

1825 وحشرك هو الذي يخبر عن سر الموت ، كما تنبىء الثمار عن سر الأوراق .
والدم والنطفة هما سر الحسن الآدمي ، فالقلة - في النهاية - سابقة على كل كثرة .
فالطفل الجاهل يبدأ بغسل اللوح ، وبعد ذلك يكتب فوقه الحروف .
والله يجعل القلب دما ودمعا مستهانا ، وبعد ذلك يخط فوقه الأسرار ! ففي وقت غسل اللوح ، يجب على الطفل أن يعلم أن اللوح سيُجعل دفترا .
 
1830 وحينما يوضع أساس لأحد المنازل ، فان أساس المنزل القديم يُقتلع في أول الأمر .
والطين يُرفع من قاع الثرى في البداية ، حتى تستطيع - في النهاية - أن تحسب الماء المعين .
والأطفال يبكون من الحجامة بكاء مرا ، ذلك لأنهم لا يعلمون سر ذلك الأمر .
أما الرجل فهو يدفع الذهب للحجَّام ، ويعتز بالإبرة التي تشرب الدماء !

“ 205 “
 
والحمَّال يجرى نحو الحمل الثقيل ، ثم يختطف ذلك الحمل من الآخرين .
 
1835 فتأمل صراع الحمالين من أجل الحمل . فهكذا يكون اجتهاد البصير بالأمور .
ولما كانت الأحمال هي أساس الراحة ، فان المرارة أيضا هي البشير بالنعمة .
ولقد حُفت الجنة بمكروهاتنا ، كما حُفت النار بشهواتنا “ 1 “ .
فالبذرة التي انبثقت عنها مادة نارك ليست سوى غصن ندى “ 2 “ .
وأما من احتراق بالنار “ 3 “ فهو قرين الكوثر ! وكل من كان في السجن قرين المحنة ، فذلك جزاء له على لقمة وشهوة !
 
 1840 وكل من كان في القصر قرين السعادة ، فذلك جزاء له على كفاح وعناء ! وكل من رأيته فريدا بما يحوز من ذهب وفضة ، فاعلم أنه قد لزوم الصبر في تكسبه .
فحينما تصبح العين نفِّاذة فإنها تشاهد ( الحقيقة ) بدون أسباب .
أما أنت - يا أسير الحس - فلتنصت إلى الأسباب .
.................................................................
( 1 ) هذا البيت مقتبس من حديث عن أبي هريرة رواه أحمد في مسنده وكذلك رواه مسلم . ونص الحديث أن الرسول قال : “ حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات “ .
( 2 ) يقصد “ بالغصن الندى “ اللذات والشهوات .
( 3 ) من عانى نار مجاهدة النفس ومكافحة الأهواء .


 
“ 206 “
 
وكل من تحررت روحه من سلطان الطبائع ، فهو الذي بلغ منزلة تجاوز الأسباب .
فإذ ذلك تبصر العين نبع معجزات الأنبياء غير مقترن بالأسباب ولا منبعث من الماء والعشب .
 
1845 فهذا السبب شبيه بما بين الطبيب والعليل ، أو هو مثل ما بين السراج والفتيل .
فافتل لسراج ليلك فتيلا جديدا ، وكن على علم بأن ضياء الشمس أنقى من كل ذلك .
اذهب ، وهيىء الطين من أجل سقف الدار وكن على علم بأن سقف السماء منزه عن الطين ! 
أواه لقد انقضت خلوة الليل وبزغ النهار ، ساعة أن غدا حبيبنا مبددا لنا الهموم .
 
وما يكون تجلى البدر الا في الظلام . فلا تنشد مُراد القلب الا بعناء القلب !
 1850 لقد أعرضت عن عيسى ، وربيت الحمار “ 1 “ ، فلا جرم أنك كالحمار خارج الأستار ! والعلم والعرفان هما طالع عيسى ، وليسا طالع الحمار ، أيها الحمارى الصفات .
انك تسمع أنين الحمار فتستشعر الرحمة . ثم أنت لا تدرى - أيها الحمار - أن حمارا يسيطر عليك “ 2 “ .
.................................................................
( 1 ) لقد أعرضت عن الروح وربيت الجسد .
( 2 ) حرفيا : “ يأمرك “ .
 
“ 207 “
 
فكن رحيما بعيسى ولا تكن رحيما بالحمار ! ولا تجعل الطبع سيدا على عقلك ! 
ولتدع الطبع يبكى بكاء حارا مريرا ! ولتأخذن منه لكي تؤدى دين الروح .
 
1855 لقد قضيت السنين غلاما للحمار ، فكفاك هذا . ذلك لأن غلام الحمار يكون متخلفا وراء الحمار .
ونفسك هي المراد من قول الرسول “ أخروهن . . . “ فالنفس يجب أن تكون الأخيرة في حين أن العقل يكون الأول .
وهذا العقل الوضيح قد أصبح شريكا للحمار في مزاجه ! فليس له تفكر الا في طريقة للحصول على العلف ! أما حمار عيسى فقد تخلق بمزاج القلب ، واتخذ له منزلا في مقام العقلاء .
ذلك لأن العقل كان غالبا والحمار ضعيفا ، فالراكب القوى قد جعل الحمار نحيفا .
 
1860 وهذا الحمار الذابل قد غدا تنينا ، من جراء ضعف عقلك يا من لست تعدو في قيمتك الحمار ! 
فلو أن عيسى جعلك عليل القلب ، فلا تتركه فان منه أيضا تجيئك الصحة .
وكيف أنت مع الآلام يا عيسى ، يا صاحب الأنفاس العيسوية ؟
انه ليس في العالم كنز بدون ثعبان .
وماذا تستشعر يا عيسى من رؤية اليهود ؟ وكيف أنت يا يوسف مع المكار الحسود ؟


 
“ 208 “
 
لقد كانت كل أيامك ولياليك وقفا على هؤلاء الحمقى ، وكنت تمدهم بالحياة وكأنك الليل والنهار ! 
 
1865 فآها من هؤلاء المجردين من الفضل ذوى الوجوه المصفرة ! وأي فضل يتولد من الصفراء ؟ شئ سوى ألم الرأس .
فلتفعل بالنفاق والاحتيال والسرقة والخداع ما تفعله بها شمس المشرق .
فأنت في الدنيا والدين عسل ، ونحن خل . وعلاج هذه الصفراء هو مزيج الخل والعسل .
ونحن نزيد الخل لأننا قوم نعانى من الزحير . فلتزد أنت العسل ، ولا تمسك كرمك عنا ! 
فهذا ما كان لأنقا بنا ، وهكذا جاء فعلنا . والرمال في العين ماذا تزيدها ؟ لا شئ الا العمى .
 
1870 وذاك ما كان لائقا بك ، أيها الكحل العزيز ! فكل من ليس بشئ يجد عندك شيئا .
ولقد أصبح قلبك مكتويا بنار هؤلاء الظالمين . ولم يكن لك من خطاب سوى قولك : “ اهد قومي “ “ 1 “ .
انك منجم العود ، فلو أنهم أشعلوا بك النار ، للمؤوا هذا العالم بالعطر والريحان .
ولست أنت بذلك العود الندى تنتقص منه النار ، ولا أنت بذلك الروح الذي يغدو أسير الحزن .
.................................................................
( 1 ) إشارة إلى ما رروى من أن الرسول عليه السلام - حينما كسرت سنه في غزوة أحد - دعا ربه قائلا : “ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون “ .
 
“ 209 “
 
فالعود يحترق ويبقى منجم العود بمنأى من الاحتراق وكيف تحمل الريح على منبع النور ؟
 
1875  يا من ( قبست ) منك السماوات الصفاء ! يا من جفاؤك أحلى من الوفاء .
ذلك لأنه لو وقع من العاقل جفاء ، فإنه يكون أفضل من وفاء الجاهلين .
ولقد قال الرسول : “ عداوة العاقل ، خير من صداقة الجاهل “ .
 
كيف ازعج أمير رجلا نائما كانت أفعى 
قد دخلت في فمه
 
كان أحد العقلاء ممتطيا صهوة حصان ، ( فمر بالقرب من ) أفعى كانت تدخل في فم رجل نائم .
ولقد أبصر ذلك الراكب الأفعى ، فسارع إليها ليفزعها لكن الفرضة أفلتت .
 
1880  ولما كان لهذا الرجل مدد كبير من عقله ، فإنه ضرب النائم بضع ضربات قوية بالدبوس .
فحملته ضربات ذلك الدبوس القوى على الفرار حتى التجأ إلى احدى الأشجار .
وكان قد تساقط من الشجرة تفاح كثير ، وغدا عفنا . فقال الأمير :
“ كل من هذا ، يا من تعلقت بالآلام ! “ .
وأعطى الرجل كثيرا من التفاح ليأكلة ، حتى صار ذلك التفاح يتساقط من فمه .
 
“ 210 “
 
فصاح قائلا : “ وما نهاية هذا ، أيها الأمير ؟ لماذا تسلطت على ؟
وماذا صنعت بك ؟
 
1885  فان كنت من الأصل تستشعر عداء لروحي ، فاضرب بسيفك ضربة واحدة ، وأرق دمى ! 
فما أشأم تلك الساعة التي ظهرت لك فيها ! وما أسعد من لم يقع بصره على وجهك !
 فلا جناية ، ولا اثم ولا كثير ، ولا قليل . ان الملحدين لا يجيزون هذا الظلم .
ان الدم ليتفجر من فمي مع الكلمات ! فلتجره على ذلك يا الهى في النهاية “ .
وكان في كل لحظة يلقى سبابا جديدا . أما الأمير فكان يضربه ، ( قائلا ) : “ اجر في هذه الصحراء “ .
 
1890  فمن ضربات الدبوس ، ( ومن خوف ) ذلك الفارس المنطلق كالريح ، كان الرجل يعدو ، ثم يعود فيسقط فوق وجهه .
لقد كان ممتلئا بالطعام مثقلا بالنعاس ، مرهقا . وقد أصابت قدميه ووجهه آلاف الجراح .
وظل حتى المساء يجرة ثم يرخى ليه العنان حتى أصابه القئ من تأثير الصفراء .
فخرجت منه المآكل ، رديئها وطيبها . وقفزت الأفعى خارجة منه مع ذلك القئ .
فحينما رأى أن تلك الأفعى قد خرجت من جوفه ، سجد أمام ذلك الطيب الفعال !


 
“ 211 “
 
1895  وما أن أبصر تلك الأفعى السوادء الرهيبة ، القبيحة الجسيمة ، حتى ذهبت عنه تلك الآلام .
وقال : “ انك أنت جبريل الرحمة ! أم لعلك الاله الذي هو ولى النعمة ! فبوركت تلك الساعة التي رأيتك فيها ! 
لقد كانت ميتا ، وأنت وهبتانى روحا جديدا ! لقد كنت لي طالبا ، كما تفعل الأمهات . وكنت أنا هاربا منك كما تفعل الحمير .
فالمحار يدفعه الغباء للفرار من صاحبه . وصاحبه يدفعه كرم العنصر إلى اقتفاء أثره .
 
1900 وهو لا يطلبه من أجل نفع ولا ضرر . لكنه يطلبه حتى لا يمزقه ذئب أو وحش كاسر .
فما أسعد هذا الذي يرى وجهك ، أو يقع فجأة على جادتك ! يا من أثنت عليك الروح الطاهرة ! 
لكم وجهت إليك من الكلمات ما هو عبث وهراء ! فيا أيها السيد الملك الأمير !
 انى لم أتكلم ، بل جهلي هو الذي تكلم ، فلا تؤاخذني على ذلك ! 
فلو أنني عرفت القليل عن هذه الحال ، فكيف كنت أستطيع النطق بالسخف ؟
 
1905  ولو أنت حدثتني بإشارة واحدة إلى تلك الحال . لكنت قد لهجت بالثناء عليك يا مليح الخصال ! 
لكنك كنت مثيرا بالتزامك الصمت ، وكنت في صمتك تضربني فوق رأسي !



“ 212 “
 
قصار رأسي ذاهلا وطار العقل من رأسي ، وبخاصة لأن رأسي هذا قليل العقل .
فاصفح عنى يا من أنت مليح الوجه والفعال . وتجاوز لي عما وجهته إليك بدافع من الجنون .
فقال الأمير : “ لو أنني كنت نطقت بإشارة إلى ذلك لذابت مرارتك في الحال رعبا “ 1 “ .
 
 1910  ولو أنني كنت قد ذكرت لك أوصاف الأفعى ، لكان الخوف قد جلب على روحك الدمار ! 
ولقد قال المصطفى : لو أنني أفضت في شرح ذلك العدو الكامن في أرواحكم ،
 لتفجرت مرائر الشجعان ، ولما سلك أحدهم سبيلا ولا اهتم بعمل .
ولما بقيت لقلبه حرارة في الضراعة . ولا بقيت لجسمة قوة على الصوم والصلاة ! 
ولغدا عدما مثل الفأر أمام القط ! ولزلزل مثل الحمل أمام الذئب ! 
 
1915 ولم تبق عنده حيلة ولا حراك . ولهذا فقد جعلت سكوتى عن ذكر هذا تدعيما لكم .
فهأنذا صامت مثل أبى بكر الربابى ، وهأنذا أضرب الحديد بيدي مثل داوود .
حتى يغدو المحال بيدي محققا . ويصير الطائر المفتقد جناحيه ذا
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ لغدت مرارتك في الحال ماء “ . والمرارة تذكر كثيرا على أنها موطن الشجاعة في الرجل .

 
“ 213 “
 
قوادم .
فما دام الخالق قد قال :” يَدُ اللَّه فَوْقَ أَيْديهمْ ““ 1 “ ، فان الله قد أعلن أن أيدينا هي يده .
ولهذا فانى على يقين أن لي يدا طولى ، تصل إلى ما فوق السماء السابعة .
 
1920  ولقد أظهرت يدي فضلها فوق السماء . فيا قارىء القرآن ! أقرأ آية شق القمر “ 2 “ .
وهذا الوصف أيضا انما هو من أجل ضعاف العقول ! وكيف يتسنى شرح القدرة للضعفاء “ 3 “ ؟
ولسوف تعلم بنفسك حين ترفع رأسك من غفوتك ، أن قد حان ، اختتام ( قولي ) ، والله أعلم بالصواب .
فأنت لم تكن ذا قوة على تناول الطعام ، ولا كان لك سبيل إلى القئ ولا اهتمام به “ 4 “ .
وكنت أستمع إلى فحشك وأسوق حماري . وكنت أتمتم بقولي :
“ رب يسر “ .
 
1925  ولم يكن لدى اذن بأن أبوح بالسبب . ولا كانت لي قدرة على أن أقول بتركك .
وكنت في كل لحظة أهفت من آلام قلبي : “ اللهم اهد قومي ، انهم لا يعلمون “ .
.................................................................
( 1 ) سورة الفتح ، 48 : 10 .
( 2 ) سورة القمر ، 54 : 1 .
( 3 ) اظهار المعجرة المشهودة كان ضرورة املاها ضعف عقول الناس فالضعفاء عاجزون عن تصور معنى القدرة بدون دليل محسوس .
( 4 ) الخطاب هنا موجه إلى الرجل الذي ابتلع الثعبان . 

“ 214 “
 
وكان ذلك الرجل الذي برئ من الألم يوالى السجود ( قائلا ) :
“ يا من أنت لي سعادة واقبال وكنز ! لسوف تلقى جزاءك من الله أيها الشريف ! 
فليس يملك القوة على شكرك هذا الضعيف ! ان الحق هو الذي سيؤدى شكر ،
 أيها المقتدى فليست لي شفة ولا فم “ 1 “ ، ولا صوت كفء ذلك “ .
 
1930  فعلى هذا المثال تكون عداوة العقلاء . ان سمهم يكون بهجة للروح ! 
أما صداقة الأبله فهي عناء وضلال . فاستمع إلى هذه الحكاية ، على سبيل المثال :
 
الاعتماد على تودد الدب ووفائه
[ بيان الحكاية ]
كان تنين يجتذب ( بين فكيه ) دبا ، فأقبل رجل شجاع وقام بنجدته .
والرجال الأبطال في هذا العالم هم المدد ، حينما تدرك أسماعهم صرخات المظلومين .
انهم يستمعون من كل جانب إلى صرخات المظلومين ، فيسرعون نحوها مثل رحمة الله .
 
1935 فهؤلاء هم العمد لهذه الدنيا المتداعية ! هؤلاء هم الأطباء لخفىّ الأدواء !
.................................................................
( 1 ) حرفيا : فك .



“ 215 “
 
انهم محض محبة وعدالة ورحمة ! بل هم مثل الحق بريئون من العلة والرشوة ! 
( فان سألت أحدهم ) : “ لماذا تبادر إلى منح ( المستغيث ) كل هذا العون ؟ “ أجابك قائلا : “ دافعى إلى ذلك حزنه وافتقاره “ .
ان المحبة هي صيد الرجل الشجاع ، وليس للدواء ما ينقِّب عنه في الدنيا سوى المرض .
فحيثما يوجد المرض يذهب اليه الدواء . وحيثما توجد القيعان ، يندفع نحوها الماء .
 
1940  فان كنت بحاجة إلى ماء الرحمة ، فامض وكن للتواضع ملتزما ، 
ثم اشرب بعد ذلك خمر الرحمة خرم الرحمة وكن بها منتشيا .
وسوف تنوالى الرحمات حتى تغمر . فلا تقتصر - يا بنىّ - على الدخول تحت رحمة واحدة .
واجعل الفلك تحت قدمك ، أيها الشجاع ! واستمع من فوق الفلك إلى ألحان السماع ! 
وأخرج من أذنك قطن الوسواس ، حتى ينفذ إلى سمعك هتاف الأفلاك .
ونظف كلتا عينيك من شعر العيب ، لتستطيع شهود حديقة الغيب وبستانه .
 
1945  وادفع عن ذهنك وعن أنفك الزكان ، حتى تنفذ إلى مشامك نسمات الله .
ولا تدع ( في كيانك ) قط أثرا للحمى أو الصفراء ، وذلك لكي تجد للكون مذاق السكر .
 
“ 216 “
 
وعالج رجولتك ولا تتخذ العنة مهربا ، حتى تظهر لك مائة لون من ملاح الوجوه .
وانزع قيد الجسد عن قدم الروح لتكون قادرة على التجول حول المنتدى .
وأبعد عن يدك وعنقك غلّ البخل . وحقق لنفسك حظا جديدا في هذا الفلك العتيق ! 
 
1950 وان لم تقدر على ذلك فطر إلى كعبة اللطف ، واعرض عجزك هذا على المعين .
فالنواح والبكاء ذخيرة عظيمة أما الرحمة الكلية فهي المربى الذي يفوقهما قوة واقتدارا .
ان المربية والأم لتلتمسان الذرائع ( للعطف ) . وانهما - لهذا - تترقبان بكاء الطفل .
ولقد خلق الله لك طفل الحاجات ، وذلك لك يبكى فيأتيه - إذ ذاك - الحليب .
قال تعالى :” قُل ادْعُوا اللَّهَ ““ 1 “ ولا تكفوا عن الضراعة ، وذلك لينهمر عليكم حليب رحماته .
 
1955 فهزيم الرياح ، والسحب التي تمطر الحليب هما لتفريج همنا ، فاعتصم بالصبر ساعة .
ألم تسمع قوله تعالى :” في السَّماء رزْقُكُمْ ““ 2 “ ؟ فلماذا تشبثت بهذا المكان الوضيع ؟
.................................................................
( 1 ) سورة الاسرارء ، 17 : 110 .
( 2 ) انظر : سورة الذاريات : 51 : 22 .

.
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:24 pm

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي
“ 217 “
فاعلم أن خوفك ويأسك هما صوت الغول الذي يجتذب أذنك إلى قرارة الوضاعة .
وكل نداء يجتذبك نحو العلا ، فاعلم أنه قد جاءك من الأعالي 
وأما كل نداء يستشير فيك الحرص ، فاعلم أنه صوت الذئب الذي يمزق الناس !
 
 1960 وليس الارتفاع هنا باعتبار المكان بل إنه هو كلّ تعال نحو العقل والروح .
وكل سبب قد جاء أسمى من الأثر . فالحجر والحديد هما أكثر تفوقا من الشرر .
فهذا رجل قد احتل مكانة أرفع من آخر يشمخ برأسه مع أنه - في الصورة - قد جلس إلى جانبه .
فالارتفاع هنا هو من ناحية الشرف . فالمكان النائي عن صدارة الشرف يُستخف به .
والحجر والحديد - من جهة سبقهما في العمل - هما جديران بهذا التفوق .
 
1965 لكن ذلك الشرر - ( ان نظر اليه ) من جهة المقصود منه - كان من هذا الوجه أكثر تفوقا من الحديد والحجر .
ان الحجر والحديد هما البداية ، وأما الشرر فهو النهاية ؛ لكن هذين هما الجسد ، وأما الشرر فهو الروح .
ولئن كان هذا الشرر متأخرا في الزمان ، فإنه في الصفة أسمى من الحجر والحديد .
فالغصن أسبق في الزمن من الثمار . لكن الثمار أكثر فضلا من الأغصان .

“ 218 “
 
ولما كان المقصود من الشجر هو الثمر . فالثمر هو الأول وأما الشجر فهو الآخر .
 
1970 ان الدب - حين استغاث من التنين - أنقذه من بين مخالبه رجل شجاع .
فالحيلة والرجولة قد تضافرتا معا ، فاستطاع ( الرجل ) أن يقتل التنين بهذه القوة .
فالتنين قوىّ ، لكنه ليس بصاحب حيلة . وهناك أيضا حيلة فوق حيلتك ! 
فحينما ترى حيلتك فارجع وعد إلى البداية لترى من أين أتت .
فكل ما كان في المنخفض فقد جاء من القمم . فسارع وارفع بصرك نحو الأعالي .
 
1975 ان النظر إلى أعلى يهب البصر نورا ، مع أنه في بداية الأمر ، بلاء ، يخطف الأبصار ! 
فلتجعلنّ العين أليفة للنور . وان لم تكن خفاشا ، فانظر نحو ذلك الجانب .
وان ابصارك للعاقبة لهو علامة اشراق نورك . . أما الشهوة العاجلة فهي حقيقة قبرك ! 
فمن كان بصيرا بالعاقبة ، وقد شهد مائة لعبة لا يرقى إلى مشابهته من سمع بلعبة واحدة .
لقد أصبح هذا مغترا بتلك اللعبة الواحدة ، إلى حدّ أن التكبر أبعده عن الأساتذة .


 
“ 219 “
 
1980 فهو كالسامرىّ حينما شهد في نفسه مثل هذا الفضل ، فدفعه الكبر إلى عصيان موسى .
انه كان قد تعلم هذا الفضل من موسى ، ثم أغمض العينين عن معلمه .
فلا جرم أن موسى قد لعب لعبة أخرى ، محت لعبة السامرىّ واختطفت حياته ! 
فما أكثر المعرفة التي تسرع إلى الرأس فتؤدى إلى تفوقه ثم هي ذاتها تذهب بالرأس ! 
فان كنت تريد ألا يذهب رأسك ، فكن قدما . ثم التجىء إلى حمى قطب من أصحاب الرأي .
 
1985 ولئن كنت ملكا فلا تعتبر نفسك أسمى منزلة منه ! وان كنت شهدا فلا تحصد سوى نباته .
ان فكرك صورة أما فكره فهو روح ! ونقدك زائف وأما نقده فهو المنجم ! انه أنت فابحث عن ذاتك فيه !
واهتف : “ كوكو “ “ 1 “ ، وطر كالفاختة نحوه .
فإن لم ترد أن تخدم ( الشيوخ ) من أبناء الجنس الانساني فأنت مثل الدب في فم التنين ! 
فلعل أستاذا يقوم بانقاذك ، ويسحبك بعيدا عن الخطر .
 
1990 وما دمت لا تملك القوة فالزم الضراعة . وما دمت أعمى فلا تنمرد على البصير .
..............................................................
( 1 ) “ كوكو “ معناها “ أين أين ؟ “ ، فهنا تورية بين لفظ الكملة وبين معناها .



“ 220 “
 
وانك لأسوأ من الدب ، لأنك لست تنوع من الألم . فالدب قد نجا من الألم حينما استغاب .
الهى ! اجعل قلوبنا الحجرية مثل الشمع ! واجعل ضراعتنا إليك حلوة ، مستجابة برحمتك !
 
كيف قال سائل أعمى : “ انني اعانى من عمى مضاعف! “
 
كان أعمى قد دأب على أن يقول : “ أمانا ، فانى أقاسى لونين من العمى ، يا أهل الزمان ! فانتبهوا ، واشفقوا علىّ اشفاقا مضاعفا ، ما دام على نوعان من العمى ، أنا واقع بينهما “ .
 
1995 فقال أحدهم له : “ انا نرى لك عمى واحدا . فما هو العمى الآخر ؟
أظهره لنا !
 “ فقال : “ انني قبيح الصوت خشن الدعاء ! وقد اقترن قبح الصوت عندي بالعمى ! فصوتى القبيح صار مصدرا اللغم .
ومن وقع صوتي ينكمش عطف الخلق .
وان صوتي القبيح لينطلق إلى كل مكان ، فيغدو مصدرا للسخط والغمّ والبغضاء .
فضاعفوا رحمتكم لهذا العمى المضاعف !
وأفسحوا مجالا لهذا الذي لا مجال له “ .
 
“ 221 “
 
2000  ولقد تناقص - بهذه الشكوى - قبحُ صوته ، وصار الناس - في العطف عليه - قلبا واحدا ! 
فلطفُ صوت قلبه - حين أعلن السرّ - قد جعل صوته لطيفا وأما من كان صوت قلبه قبيحا فان عما المثلث يبعده بعدا سر مديا .
لكن الوهابين ( من أصل الكمال ) يمنحون بدون ما سبب ، فلعلهم يضعون يدا فوق رأسه القبيح .
فحين غدا صوت ذلك السائل حلوا مثيرا للشفقة ، كانت تلين له كالشمع قلوب من تحجرت قلوبهم .
 
2005  أما ضراعة الكافر فهي إذ كانت قبيحة كالنهيق ، فإنها - من جراء ذلك - لم تقترن بالإجابة .
ان قوله تعالى :” اخْسَؤُا ““ 1 “ ، قد انطبق على قبيح الصوت ، الذي هو كالكلب ثمل بدم الخلق .
ولما كانت ضراعة الدب قد الجتذبت الرحمة ، وضراعتك لم تكن كذلك بل كانت قبيحة .
فاعلم أنك سلكت إزاء يوسف “ 2 “ مسلك الذئاب ، أو أنك شربت من دم برئ ! 
فقدم التوبة ثم استفرغ ما شربت . وان كان جرحك قديما ، فاذهب وداوه بالاكتواء .
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة المؤمنون ، 23 : 108 .
( 2 ) انظر : سورة يوسف ، 12 : 8 - 20 .

“ 222 “
تتمة حكاية الدب وذلك الأبله الذي كان قد ركن إلى وفائه
 
2010  ان الدب حين خلص من التنين ، ورأى هذا الكرم من ذلك الرجل الجسور ، ذلك الدب المسكين أصبح مثل كلب أصحاب الكهف ، مقتفيا أثر من حمل عنه العبء ! وقد استلقى من العناء ذلك المسلم وصار الدب - لتعلقه به - حارسا له ! ومرّ به رجل فقال له : “ ما الحال ؟ وما صلة هذا الدب بك ، أيها الأخ ؟ “ فذكر له القصة وحديث التنين : فقال الرجل : “ لا تعلق قلبك بدب ، أيها الأحمق .
 
2015 ان صداقة الأبله أسوأ من عدواته . فأولى بك أن تدفعه عنك بكل حيلة تعلمها “ .
فقال صاحب الدب : “ والله ما قال هذا الا عن حسد ! والا فأي خليقة الدب تراها فيه ؟ أنظر إلى هذه المحبة !
 “ فقال الرجل : “ ان مودة الحمقى لخادعة . وحسدي هذا خير لك من محبة الدب ! 
فهيا ، أقبل معي ، وادفع عنك هذا الدب . لا تتخذ الدب صفيا !
 لا تترك أبناء جنسك ! “ فقال صاحب الدب : “ اذهب عنى . اذهب لشأنك أيها
 
“ 223 “
 
الحسود ! “ فقال الرجل : “ لقد كان هذا شأني ، لكنه لم يكن من نصيبك “ 1 “ .
 
2020  انني لست أقل من الدب ، أيها الشريف . فلتتركه حتى أصبح لك رفيقا .
فقلبي يرتعد قلقا من أجلك فلا تدخل الأجمة مع مثل هذا الدب .
فقلبي هذا لم يرتعد قط جزافا . انه نور الحق ، ولا ادعاء في ذلك ولا غرور .
انني مؤمن وقد أصبحت ناظرا بنور الله . فحذار حذار . اهرب من بيت النار هذا ! 
“ لقد قال عابر السبيل كل هذا ، ولم ينفذ قوله إلى أذن صاحب الدب ، فسوء الظن سد عظيم بين المرء وسمعه .
 
2025  وأمسك الرجل بيد صاحب الدب ، فسجها ذلك منه . فقال “ سأنصرف الآن ما دمت لست بصاحب رشيد “ .
فقال صاحب الدب : “ اذهب ولا تحمل الهم من أجلى . وأقلل من تكلف العرفان “ 2 “ ، يا أبا الفضول ! 
“ فعاد اى مخاطبته قائلا : “ انني لست عدوا لك . ولو أنك أقبلت ورائى لكان ذلك لطفا منك “ .
فقال صاحب الدب : “ انى مثقل بالنعاس فاتركنى واذهب “ .
فقال الناصح : “ ليتك تنقاد “ 3 “ للرفيق في آخر الأمر ،
.................................................................
( 1 ) لم يكن من نصيبك ان تفيد من نصحى لك وتدخلى في امرك .
فقد كان نصحى إياك واجبا افترضته على نفسي ، وشأنا يعنيني .
( 2 ) حرفيا : “ وأقلل من نحت العرفان . . . “
( 3 ) حرفيا : “ كن منقادا للرفيق . . . “ .


 
“ 224 “
 
حتى تنام في ظل عاقل ، وفي جوار محب من أصحاب القلوب ! “
 
2030 فاستولى الخيال على صاحب الدب ، لما أبداه هذا الرجل من دأب ، 
وسرعان ما تملكه الغضب وتغير وجهه ، قائلا : “ لعل هذا جاء للعدوان علىّ . أم لعله قاتل ، 
أو سائل طامع ، أو أتونىّ “ 1 “ حقير ، أو أنه عقد رهانه مع أصدقائه على أن يخيفنى من صحبة هذا الجليس ! 
“ ومن خبث ضميره لم يرد بخاطره قط أي ظن حسن .
وكان كل ظنه الحسن موقوفا على الدب ! فلعله كان من ذات جنس هذا الدب !
 
2035  فالخسِّة “ 2 “ قد جعلته يتهم أحد العقلاء ، ويعتقد أن الدب ، من أهل المحبة والعدالة .
 
كيف قال موسى عليه السلام لعابد العجل :
“ أين خيالك المتفكر واين حزمك ؟ “


قال موسى لرجل ثمل بالخيال : “ يا من ساء ظنُّك من جراء شقائك وضلالك ! لقد كان لك مائة شك في نبوّتى ، مع مثل هذا البرهان ، وهذا الخلق الكريم !
.................................................................
( 1 ) “ الأتونى “ هو الذي يشعل النار في الحمامات ، وكان هذا العمل من المهن الحقيرة .
( 2 ) حرفيا : فالكلبية . . .


“ 225 “
 
ولقد شهدت منى آلاف المعجزات فتضاعفت بها أو هامك وظنونك وشكك مائة مرة ! 
لقد كنت تضيق بما ينتابك من خيال ووسواس ، فتوجه الطعن إلى نبوّتى !
 
 2040 انى رفعت التراب من قاع البحر عيانا ، حتى أن أنقذتكم من حتى أنقذتكم من شر آل فرعون ! 
وكانت المائدة والأطباق تنزل من السماء طوال أربعين عاما ! وبدعائى تفجر الماء “ 1 “ من الحجر ! 
فهذه ومائة من أمثالها ، وكل هذه الدلائل الحارة والباردة لم تنتقص من الأوهام عندك أيها البارد ! 
لقد أطلق العجل خوارا ، فسجدت مسحورا ، وهتفت قائلا : أنت الهى ! 
فكأنما طوفان قد جرف إليك تلك الأوهام ، وتغلب النومُ على عقلك البارد .
 
2045  فكيف لم تستشعر سوء الظن ازاءه ! وكيف سجدت على هذه الصورة أيها القبيح الوجه ؟
ولماذا لم يتطرق إليك خيال عن تزويره “ 2 “ ، أو عن فساد سحره الذي يستولى على الأحمق ؟
فمن ذا يكون السامرىّ - أيها الكلاب - حتى يصوغ في الدنيا الها ؟
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ النهر “ .
( 2 ) المقصود بالضمير هنا هو السامري الذي أضل بني إسرائيل ، ودعاهم إلى عبادة العجل . وسيرد ذكره في البيت التالي .


 
“ 226 “
 
فكيف غدوتم معه قلبا واحدا على هذا التزوير ؟ وكيف غدوتم عاطلين من كل اشكال حوله ؟
فهل يصبح العجل - بالدجل - جديرا بالألوهية في حين أن نبوة مثلي يقع حولها مائة خلاف ؟
 
2050  ان الغباء دفعك إلى أن تسجد أمام العجل . وغدا عقلك صيدا لسحر السامرىّ .
لقد سرق عينيك من نور ذي الجلال ما أنت عليه من هذا الجهل الوافر ، والضلال الحق ! 
فساء عقلك هذا وساء اختيارك . فمن كان مثلك منجما للجهل فما أجدره بالقتل ! 
لقد أطلق العجل الذهبي خواره ، فماذا قال ، حتى تفتقت لدى الحمقى كل هذه الرغاب ؟
ولقد شهدتهم منى الكثير الذي يفوق ذلك عجبا ، ولكن متى كان كل خسيس يتقبل الحق ؟
 
2055  فما الذي يجتذب أهل الباطل ؟ انه الباطل . وما الذي يروق العاطلين ؟ انه العاطل ! 
ذلك لأن كل جنس يجتذب جنسه . فكيف يتوجه الثور نحو الأسد الضاري .
وأيان يستشعر الذئب عشق يوسف ؟ الا ان كان ذلك عن مكر يعلله بافتراسه .
فان خلص من طباع الذئاب غدا نديما للأسرار ، ككلب أصحاب الكهف الذي بلغ مرتبة البشر .


 
“ 227 “
 
ان أبا بكر - حين تنسم أريج محمد - قال : “ ليس هذا ! الوجه وجه كاذب “ .
 
2060  أما أبو جهل - فهو إذ لم يكن من أصحاب الشجن - فقد رأى انشقاق القمر مائة مرة ، ولم يصدق ! 
فنحن نخفي الحقيقة عن الملتاع ، الذي افتضح أمره “ 1 “ ، لكنها لا تخفي عليه ! 
وأما ذلك الذي يكون جاهلا بها ، بعيدا عن ألم هواها فكثيرا ما يُرشد إليها ، لكنه لا يراها ! 
فيجب أن تكون مرآة القلب صافية ، لتستطيع أن تميز بين ما ينعكس فيها من صور جميلة وأخرى قبيحة .
 
كيف قرر ذلك الرجل الناصح ترك المغتر بالدب
بعد ان بالغ في نصحه
 
ان ذلك المسلم ترك الأبله ، وعاد مسرعا ، وهو يتمتم : “ لا حول ولا قوة الا بالله “ .
 
2065  وقال : “ ما دام اجتهادي في النصح والجدال ، يزيد تولد الأوهام في قلبه ، فقد سدّ سبيل الموعظة والنصح ، والله قد أمرنا بالاعراض عنه “ 2 “ .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ الذي وقع له من السطح طشت “ ، وهذه العبارة كناية عن الفضيحة .
( 2 ) حرفيا : واتصل بنا أمر “ أعرض عنهم “ وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ فأعرض عنهم وانتظر انهم منتظرون “ . ( السجدة ، 32 : 30 ) .
 
“ 228 “
 
فحين يكون دواؤك مما يزيد الداء ، فادخر القصة لمن يكون راغبا فيها ، واقرأ قوله تعالى :” عَبَسَ وَتَوَلَّى ““ 1 “ .
فلئن جاءك الأعمى طالب حق فليس يجوز أن تجرح قلبه من جراء فقره .
انك - يا محمد - لحريص على رشاد الكبراء وذلك لكي يتعلم العوام من سراتهم .
 
2070  يا أحمد ! لقد رأيت أن جماعة من الأمراء أصغوا إليك ، فسعدت بذلك ،
 لعل هؤلاء الرؤساء يصيرون للدين ولاة مؤيدين ، وهم السادة بين العرب والحبش .
ويتجاوز صيت ذلك البصرة وتبوك ، ذلك لأن الناس على دين الملوك .
ولهذا فقد حوّلت وجهك عن هذا الضرير المهتدى ، وضاق به صدرك .
قائلا : “ ان هذه الفرصة قلما يتاح لها هذا الجو ، وأنت من الأصدقاء وأمامك فسحة من الوقت .
 
2075  ولقد زحمتنى في هذا الوقت الضيق . وانى أسدى لك هذه النصيحة لا عن غضب ولا خصام “ .
يا أحمد ! ان ضريرا واحدا كهذا خير عند الله من مائة قيصر ، ومائة وزير ! 
فلتذكرن أن الناس معادن ، وأن معدنا واحدا خير من مائة ألف !
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة عبس ، 80 : 1 - 4 .
 
“ 229 “
 
فمنجم الياقوت والعقيق المستور ، خير من مائة ألف منجم للنحاس ! 
يا أحمد . ان المال هنا ليس بذى جدوى . بل لا بد من صدر ملىء بالعشق والألم والآهات .
 
2080  لقد جاءك أعمى مستنير القلب . فلا تغلق الباب . وابذل له النصح فان النصح من حقه .
فلو أن أبلهين أو ثلاثة أصبحوا لك منكرين ، فكيف تصير مرا ، ما دمت أنت منجم السكر ؟
ولو أن أبلهين أو ثلاثة يلقون عليك التهم ، فان الحق هو شاهدك الذي يؤيدك .
فقال الرسول : انني لست أحفل باقرار الخلق بي . فمن كان الحق له شاهدا فأي غم يعتريه ؟
فلو أن خفاشا وجد ما يلائمه في احدى الشموس فقد قام الدليل على أنها ليست هي الشمس !
 
 2085 فنفرة الخفافيش ( منى ) قد نهضت دليلا على أنى أنا الشمس المشرقة الجليلة .
فلو أن جُعَلا أقبل راغبا على ماء ورد ، فهذا يقوم دليلا على أنه ليس بماء ورد .
ولو أن نقدا زائفا غدا مقبلا على المحك فهذا دليل على أن المحك يتطرق اليه النقص والشك ! واللص يريد الليل ولا يطلب النهار ، فاعلم ذلك . وأنا لست الليل بل أنا النهار الذي يضئ العالم !
 
“ 230 “
 
انني أنا الفارق ، وأنا الفاروق . أنا مثل الغربال ، لا سبيل للقش إلى أن ينفذ خلاله .
 
2090  انني أفصل الدقيق عن النخالة ، فأظهر أن هذه هي القشرة ، وذاك هو اللب “ 1 “ .
فأنا في الدنيا مثل ميزان الخالق ، فأنا أميز بها بين كل خفيف وكل ثقيل .
ان العجل يظن أن الثور هو الاله . فالمشترى ( هنا ) حمار والبضاعة لائقة به “ 2 “ .
وأنا لست بثور ، ولا العجل بمقبل على شرائى . أنا لست شوكا حتى تتخذني الجمال مرعى .
ان الكافر ليظن أنه قد آذاني بالجور ، ولعله لم يعدُ إزاحة الغبار عن مرآتى .
 
كيف تملق أحد المجانين جالينوس
وكيف خاف جالينوس من ذلك
 
2095 قال جالينوس لأصحابه : “ ليعطنى ( واحد منكم ) هذا الصنف من الدواء “ .
فقال له أحد هؤلاء : “ يا صاحب الفنون ! ان هذا الدواء يطلب .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ فأظهر ان هذه هي النقوش وذاك هو النفوس “ .
والنقوش رمز لأهل الصورة أما النفوس فهي رمز لأهل المعنى .
( 2 ) أخطا الشراح كثيرا في فهم هذا البيت . والمراد بالمشترى هنا العجل الذي يبحث عن الله ، فيظن أنه الثور . فما دام هذا الباحث غبيا كالحمار ، فهو لم يستطع ان يتصور كائنا أعظم من الثور .
 
“ 231 “
 
من أجل الجنون ! وما أبعد هذا عن عقلك ! فلا تعدالى ذكر هذا “ . فقال جالينوس : “ لقد تطلع أحد المجانين بوجهه نحوى ! ونظر بلطف إلى وجهي برهة من الوقت . وغمز لي بعينه ، وجذب “ 1 “ كمي ! فلو لم يكن لي تجانس معه ، لما كان هذا القبيح الطلعة يتجه بوجهه نحوي .
 
2100 ولو لم يشاهد فيّ جنسه فيكف كان يقبل نحوي ؟ وكيف كان يتعلق بمن لم يكن من جنسه ؟ “ فحين يرتبط شخصان معا ، فليس من شك قط أن شيئا مشتركا يجمعهما .
وكيف يطير طائر مع غير جنسه ؟ ان صحبة غير المجانس معناها القبر واللحد .
 
السبب الذي من اجله طار طائر والتمس الغذاء
مع طائر آخر لم يكن من جنسه
 
قال أحد الحكماء : “ لقد رأيت في برية غرابا ولقلقا يجريان معا .
فبقيت في عجب من ذلك ، وبحثت حاليهما ، لعلى أجد أثرا لما يربط بينهما .
 
2105 وحينما اقتربت منهما حيران متعجبا ، وجدت أن كليهما كان أعرج “ .
.................................................................
( 1 ) فضلنا رواية “ كشيد “ في هذا البيت بدلا من “ دريد “ في نص نيكولسون .

“ 232 “
 
وأي ارتباط للباز الملكي المتسامى إلى العرش ببومة عالقة بمنخفض من الأرض .
فهذا ينتمى إلى الشمس في آفاقها العالية ، وأما تلك فليست الا خفاشا من قرارة سجين ! هذا نور برئ من كل عيب . وأما تلك فعيماء متسولة على كل باب ! هذا قمر يطاول في تعاليه المشترى . وأما تلك فدودة تغوص بين البعر .
 
2110 هذا يوسفىّ المحيا ، عيسوى الأنفاس ، وأما تلك فهي ذئبة أو هي أتان ذات جرس .
هذا قد أصبح محلقا في اللامكان ، وأما تلك فقابعة في الحظائر مثل الكلاب .
ان الورد يقول - بلسان الحال - للجعل : “ أيها النتن الإبط ! لئن كنت تفرّ من بستان الورد ، فليس من شك أن نفرتك علامة على كمال البستان ! ان غيرتى لعصا تضربك فوق رأسك قائلة : “ أيها الخسيس اذهب بعيدا عن هنا !
 
 2115  فإنك لو اختلطت بي أيها الدنىء لوقع الظن بأنك من معدنى .
فالخميلة هي المكان الذي يليق بالبلابل . وخير موطن للجعلان هو المزابل .
فما دام الحق هو الذي صاننى من القذارة فكيف يجوز أنه يرسل الىّ القذارة ؟


“ 233 “
 
لقد كان بي عرق واحد منها ، قطعه الله . فكيف السبيل إلى أن ينفذ الىّ هذا العرق الخسيس ؟
لقد كانت لآدم علامة منذ الأزل ، أن الملائكة - لمكانته - خرّت ساجدة له .
 
2120  وعلامة لآدم أن إبليس لم يسجد له ، قائلا : “ انى أنا الملك وأنا الرئيس “ .
فلو كان إبليس قد سجد له ، لما كان ذلك آدم ، بل كان شخصا سواه ! فسجود كل ملك آدم كان ميزان ( فضله ) ، وكذلك كان جحود كل عدوله برهان ( صدقه ) .
وكما أن اقرار الملك شاهد له ، فكذلك كفران الكلب الخسيس “ 1 “ شاهد له !
 
تتمة قصة اعتماد ذلك المغرور على تملق الدب
 
لقد نام الرجل ، وكان الدب يدفع عنه الذباب . لكن الذباب كان يرجع بعناد .
 
2125  ولقد ذبه بضع مرات عن وجه الشاب ، لكنه سرعان ما كان يعود اليه .
فصار الدب غاضبا من الذباب ، فمضى ، وأخذ من الجبل حجرا غليظا ،
.................................................................
( 1 ) “ الكلب الخسيس “ هنا يقصد به “ إبليس “ .
 
“ 234 “
 
وأحضره معه ، فرأى الذباب قد اتخذ مكانه من جديد فوق وجه الرجل النائم .
فرفع حجر الطاحون هذا ، وضرب به الذباب ، لعل الذباب يتراجع وينصرف .
فجعل الحجر وجه الرجل حطاما . ولقد أعلن هذا المثل للناس جميعا :
 
2130 أن حب الأبله هو - على وجه اليقين - مثل حب الدب . فبغض الأبله محبة ، وأما محبته فهي البغضاء .
وعهده واه خرب ضعيف . وكلامه سمين وأما وفاؤه فنحيف ! ولو أنه أقسم لك فلا تصدقه . فالرجل المعوج الكلام يحنث في القسم .
وما دام كلامه - من غير قسم - كان كذبا ، فلا يخدعنك مكره وقسمه “ 1 “ .
فنفسه هي الحاكمة ، وأما عقله فأسير ! فافترض أنه أقسم مائة ألف مرة على القرآن .
 
2135 فما دام يحنث في العهد - بغير قسم - فهو لو أقسم يحنث أيضا في قسمه .
ذلك لأن نفسه تغدو أكثر ثورة من جراء ذلك ، فإنك قد قيدتها بالقسم العظيم .
……………………................................................
( 1 ) حرفيا : “ فلا تقع في اللبن المخض بمكره وقسمه “ ، أي لا يجعلنك مكره وخداعه ضحية لغشه فتأخذ اللبن المخض منه على أنه حليب .


 
“ 235 “
 
فحين يضع أسير قيدا على الحاكم ، فان الحاكم يحطم القيد ، وينطلق خارجه .
وفي غضب يدق بهذا القيد رأس الأسير ، ويلقى بقسمه في وجهه .
فلتنفض يدك من ( استجابته لقوله تعالى ) :” أَوْفُوا بالْعُقُود ““ 1 “ .
ولا تخاطبه ( بقوله تعالى ) :” احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ ““ 2 “ .
 
2140  وأما ذلك الذي يعرف العهد لمن عاهده فإنه يجعل من جسده خيطا ويلتف حول صاحب عهده .
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شرح كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:25 pm

شرح كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي
( 1719 ) لو كان تنزيه الخالق يستند إلى وصفه بأنه ليس بحائك أو ماشابه ذلك من الصفات الجسدية ، فليس هذا بتنزيه . ولا يصدر مثل هذا القول الا عن جاهل .
 
( 1720 - 1760 ) يروى الشاعر في هذه الأبيات قصة عن موسى - عليه السلام - وأحد الرعاة ، توضح التباين في تصور الله بين الراعي ، وبين ذلك النبي المرسل . ثم يتحدث الشاعر بعد ذلك عن مدى مسؤولية الجاهل عن هذا التصور الخاطىء .
وقد وردت في العقد الفريد صورة بسيطة لهذه القصة ، لم يذكر فيها موسى ، ولكن جوهرها مشابه لجوهر قصة موسى والراعي ، كما رواها الشاعر . وفيما يلي نص قصة العقد الفريد .
“ قال الأصمعي : كان الشعبي يحدث أنه كان في بني إسرائيل عابد جاهل قد ترهب في صومعته ، وله حمار يرعى حول الصومعة ، فاطلع عليه من الصومعة فرآه يرعى ، فرفع يديه إلى السماء ، فقال : لو كان لك حمار كنت أرعيه مع حماري ، وما كان يشق علىّ . فهم به نبىّ كان فيهم في ذلك الزمان ، فأوحى الله اليه . دعه ، فإنما أثيب كل انسان على
 
“ 509 “
 
قدر عقله “ . ( العقد الفريد ، 6 ، 164 ) .
وذكر فروزانفر صورا متعددة لهذه القصة من مصادر مختلفة .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 59 - 61 ) .
وقد تناول جلال الدين هذه القصة بأسلوبه الفنى ، فصاغ لها حوارا رائعا ، وأغناها بكثير من الصور .
 
( 1737 - 1739 ) يصف الشاعر في هذه الأبيات الانسان الكامل .
ويقول على لسان موسى : ان مثل هذه الأوصاف الجسدية التي تحدَّث بها الراعي عن الخالق لا تجوز في حق الانسان الكامل ، فهي - من باب أولى - غير جائزة في حق الله ، جل وعلا .
 
( 1737 ) “ العبد الذي قال عنه الحق : انه ذاتي وأنا ذاته “ هو العبد الذي أفنى ذاته في ذات الحق ، فصدق عليه قوله تعالى : “ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى “ . ( 8 : 17 ) .
 
( 1738 ) يتضمن هذا البيت إشارة إلى حديث رواه أبو هريرة عن الرسول . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ ان الله عز وجل يقول يوم القيامة ، يا ابن آدم ، مرضت فلم تعدنى ! قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده . أما علمت أنك لو عدته لو جدتنى عنده ؟ يا ابن آدم ، استطعمتك فلم تطعمنى ! قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أنه استطمعك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لو جدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني ! قال :
يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه . أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ؟ “ . رواه مسلم .
( النوري : رياض الصالحين ، 369 - 370 ) .
 
( 1739 ) “ بعد ان غدوت له سمعا وبصرا “ : هذه العبارة تتضمن إشارة إلى الحديث القدسي الذي رواه الرسول بقوله : “ يقول الله
 
“ 510 “
 
تعالى : ما زال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت عينه التي يبصر بها ، وسمعه الذي يسمع به ، ويده التي يبطش بها “ .
( السراج : اللمع ، 463 ) .
 
( 1746 ) “ هذا الجانب من النهر “ ، كناية عن عالم الدنيا .
 
( 1752 ) في البيت اقتباس من حديث يَروى عن الرسول قوله :
“ ما خلق الله مباحا أحب اليه من العتاق ، وما خلق الله مباحا أبغض اليه من الطلاق “ . ( المنهج القوى ، 2 : 396 ) .
 
( 1753 - 1754 ) كل مؤمن يعبد ربه ، ولكن درجة الادراك لمعنى العبادة ، وأسلوب التعبير عنها ، يختلف من شخص إلى آخر . فتعبد الرجل الساذج لا يمكن أن يكون شبيها بتعبد النبىّ أو العارف .
 
( 1755 - 1756 ) ذات الخالق منزهة عن كل طهر وتلوث ، فمقاييس الانسان في هذين الأمرين لا تصدق عليها ، كما أن الخالق غنى عن العالمين ، لا حاجة به إلى عبادة الناس . وقد فرض عليهم التكاليف لا لربح ينشده منها ، وانما لتكون سبيل الناس للسمو بأنفسهم ، والوصول إلى درجة الكمال الروحي ، وهذان هما السبيل إلى رضى الله ، وتحقيق السعادة الأبدية .
 
( 1760 ) في هذا البيت يبدو أنت الشاعر يدافع عن أهل الشطح من الصوفية ، الذين
قد ترد على ألسنتهم عبارات منافية لمألوف القول ومعقولة ، ومع ذلك لا يعوز قلوبهم الاخلاص والايمان والخشوع .
 
( 1765 ) يدافع الشاعر هنا عن أهل الشطح من الصوفية . فعنده أن هؤلاء من العشاق الذين تحترق قلوبهم في كل لحظة . فليس يفترض فيهم ما يفترض في أهل الصحو من مراعاة للآداب ، فالعاشق صار - من جراء احتراقه - مثل القرية الخربة ، وهذه لا يفرض عليها خراج ولا عشور .
 
( 1768 ) الصلاة في كل اتجاه جائزة في الكعبة . والتوجه إلى الله ممكن

 
“ 511 “
 
في كل أنجاه ، لأن الله منزه عن المكانية . وكما لا يكون الغواص ، بحاجة إلى ارتداء ما يقيه من الغوص ، فكذلك طالب الوصال لا يتوسل إلى ذلك بما هو من معوّقات الوصال .
 
( 1769 ) سكارى المحبة لا يكون سلوكهم من ذلك اللون التقليدى المعروف ، فهؤلاء لا تلتمس عندهم الهداية التي ينشدها العوام . ومن يَفترض فهيم الاقلاع عن سلوكهم فهو شبيه بمن يطلب إلى من تهلهلت ثيابه أن يقوم برفوها .
 
( 1771 ) افتقار العارف المحب إلى الصور الظاهرية لا ينتقص منه ، كما لا ينتقص من الياقوتة أن تكون مجردة من نقش الخاتم . وإذا كان العاشق غريق بحار الأسى ، فلا ضير عليه من آلام العشق .
 
( 1788 ) “ سدرة المنتهى “ هي نهاية المكانة التي يبلغها الانسان ، في سيره إلى الله تعالى . ( انظر : مثنوى ، 1 ، شرح 1066 ) .
 
( 1790 ) يعتبر الحلاج من أقدم من تحدث عن الناسوت واللاهوت في الاسلام . قال :سبحان من أظهر ناسوتُه * سرّ سنا لا هوته الثاقبوقال : “ اللهم انك المتجلى من كل جهة ، المتخلي عن كل جهة ، بحق قيامك بحقي ، وبحق قيامي بحقك ، وقيامي بحقك يخالف قيامك بحقي ، فان قيامي بحقك ناسوتية ، وقيامك بحقي لا هوتية ، وكما أن ناسوتيتى مستهلكة في لا هو تيتك ، فلا هو ، تيتك مسؤولة عن ناسوتيتى ، غير مماسة لها “ .
وقول جلال الدين - على لسان الراعي - لا يتعدى دعاء الله أن يجعل كيانه الانساني جديرا بأن يكون نجى سرّ الخالق .
 
( 1792 - 1795 ) انتهى حديث الراعي إلى موسى في البيت 1791 .
وعاد الشاعر من جديد إلى سرد آرائه . وقد وقعت شبهات حول تفسير البيتين
 
( 1792 - 1793 ) إذ اعتبرهما بعض الشراح من كلام

“ 512 “
 
الراعي لموسى . والواقع أنهما حديث مباشر من الشاعر ، وهما مرتبطان بالبيتين التاليين لهما . فالشاعر يحذر المتعبدين من الاغترار بما يوجهونه إلى الخالق من مدح وثناء ظانين أنهم بذلك قوة وفوه حقه . فالثناء مهما علا لن يتجاوز ما يفهمه قائله من معنى الكمال . ولهذا فان الانسان يستمد تصورة المثالي من صورة نفسه ، ظانا أن هذا التصوره شئ خارج عن ذاته ، وليس الأمر كذلك . فهو كمن نظر إلى المرآة فرأى صورته ، فحسبها شيئا مختلفا عن ذاته ، أو كمن نفخ في النار ، وحسب الأنغام أمرا منفصلا عن أنفاسه .
 
( 1797 ) المستحاضة ، هي الحائض التي لا ينقطع عنها الدم بعد انقضاء فترة الحيض .
( 1799 - 1800 ) من اليسير التطهر من النجس الذي يصيب ظاهر الانسان ، أما النجس الذي يصيب باطنه فيصعب التطهر منه .
 
[ شرح من بيت 1801 إلى بيت 1950 ]
 
( 1808 ) عبر الشاعر عن اغترار الكافر بحياته الدنيوية ، وحرصه عليها ، بأنه اختار الخروج عن ترابيته ، ثم يقول : انه لو بقي ترابا ، لاستطاع أن يكون كالتراب ، يتلقى الحبة وينمينها . فالخروج عن الترابية يرمز إلى غرور الكافر - في تناسيه أصله - وكذلك يرمز إلى عقمه ، وعجزه عن الأثمار .
 
( 1809 ) ان رحلة الكافر في الحياة الدنيا لم تكن رحلة مثمرة ، ولهذا فقد عاد منها بدون أن يحصل شيئا .
 
( 1811 ) الاعراض عن طريق اليقظة الروحية مبعثه الحرص والطمع ، وأما الانطلاق في هذا السبيل فدافعه الصدق والاخلاص .
 
( 1817 ) “ اعتراض الملائكة “ ، هو القول الذي روى القرآن الكريم أنهم خاطبوا به ربهم حين أخبرهم بخلق آدم . قال تعالى : “ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء . . “ . ( 2 : 30 ) .
 
( 1821 ) يريد موسى أن يطمئن بالشهود والعيان ، كما فعل إبراهيم .
قال تعالى : “ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى ، قال
 
“ 513 “
 
أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي “ . ( 2 : 260 ) .
 
( 1823 ) “ لقد كشفت للملائكة سر خلق آدم ، وأظهرت لهم أن مثل هذا المخلوق كان جديرا بأن يُخلق برغم أنه كان عرضة لا رتكاب المعاصي ، فهو قد تحقق بصفات كمالية تفوق ما كان يتوقع أن يقترف من مخالفات “ . وقد رمز الشاعر للروح الآدمي بالشهد ، وأما الجسد فقد رمز له بالابر .
 
( 1824 ) حين عرض الخالق نور آدم على الملائكة تبين لهم ما لم يكونوا يعلمون ، وأدركوا حكمة الله في خلق الانسان .
 
( 1825 ) كل ما بدا للادراك الآدمي سرا غامضا ، يكشفه الله في نهاية الأمر . فهو الذي كشف للملائكة سر خلق آدم . وهو الذي يكشف بالحشر سر الموت ، كما يكشف الثمار عن سر الأوراق .
 
( 1826 ) الموجودات تبدأ بداية متواضعة ، ثم تتجلى بعد ذلك امكاناتها . فالدم والنطفة هما بداية الوجود الانساني . ومن هذه البداية يتشكل الجمال الانساني بصورته ، ثم بمعناه .
 
( 1827 - 1828 ) العلم هو أحد الأمور التي تكون ذات بداية متواضعة . فالعالم يكون - في أول أمره - طفلا يغسل اللوح ليكتب فوقه . وكذلك القلب الانساني ، هو - في بداية أمره - دم ودموع ( أي مجرد حياة حسية عاطفية ) ، ثم ينتهى به الأمر إلى أن يكون موضعا لتجلى الأسرار الإلهية .
 
( 1829 ) لكي يحقق كل عمل امكاناته الكاملة يجب أن يتضح هدفه منذ البداية . فالطفل الذي يغسل اللوح يجب أن يعلم أن ذلك للتعلم ، وليس للعب .
 
( 1830 ) من الواجب أن يبدأ العمل على أساس سليم . فعند الشروع في بناء منزل ، يجب أن يزال من موقعه الأساس القديم ، قبل وضع الأساس الجديد .


 
“ 514 “
 
( 1831 ) للوصول إلى النتيجة المثمرة لا بد من التعب والعناء . لا بد من الحفر ، ورع الطين ، من أجل الوصول إلى الماء .
 
( 1832 - 1833 ) عناء الكد والسعي يكون بغيضا إلى الجهلاء ، الذين لا يدركون عاقبة الأمور . أما العارفون المدركون لتلك العاقبة فالعناء محبب إلى نفوسهم . ان الجلاء شبيهون بالأطفال الذين لا يدركون من إبرة الحجام سوى وخزها . أما العارفون فهم شبيهون بالرجال المدركين لجدوى إبرة الحجام ، ولهذا فإنهم يقبلون عليها راغبين ، ويبذلون في سبيلها المال .
 
( 1834 - 1835 ) كل من أدرك نتيجة الجهد سارع إلى بذله . فهو كالحمال الذي يسابق الآخرين إلى حمل الأثقال ، لأنه يعلم ما يعود عليه من ربح لقاء ذلك . وهكذا البصير بالعواقب . يبذل جهده في هذه الحياة ، لأنه يعلم نتيجة ذلك .
 
( 1842 - 1844 ) من صفت نفسه ، وأصبح ذا بصيرة روحية فهو قادر على ادراك الحقائق من غير حاجة إلى أسباب ومبررات . أما من يعتمد في معارفه على الحواص فهو أسير الأسباب والعلل . وليست تتحقق منزلة الكشف الا لمن تحررت روحه من سلطان المادة . فمثل هذا يكون قادرا على ادراك معجزات الأنبياء ، على أساس حقيقتها الروحية المستمدة من عالم الغيب ، ولا يقف ازاءها موقف أسير الحس ، الذي ينظر إليها نظرة سطحية ، لا تخرج عن نطاق العالم المادي .
 
( 1845 ) “ الأسباب “ قادرة على أن تبين أمورا حسية محدودة ، كما يكون من شفاء المريض بمعالجة الطبيب ، أو إضاءة السراج باشعال الفتيل .
 
( 1846 ) “ ابذل جهدك لتصحيح هذه الأسباب التي تستند إليها في تحصيل المعارف . وكن على يقين أن هناك عرفانا أسمى من كل ذلك ، يشبه نور الشمس ، على حين أن معارف الحس شبيهة بنور السراج “ .

 
“ 515 “
 
( 1847 ) الطين الذي يتكون منه سقف الدار رمز للأسباب التي تُستمد منها معارف الحس . أما سقف السماء فهو رمز لعرفان الروح .
وهذا العرفان منزه عن الأسباب .
 
( 1848 ) “ لقد انقضت خلوة التجلي بما شاع فيها من أنس ، وبزغ صبح الوعي الحسىّ “ .
 
( 1849 ) لا بد للقلب أن يلقى العناء حتى يتحقق له مثل هذا التجلي .
فالبدر لا يتجلى الا في الظلام .
 
( 1850 ) “ نبي الله عيسى وقد امتطى الحمار “ رمز للروح وهي مرتبطة بالجسد . فمن عُنى بجسده وغفل عن روحه شبيه بمن يرعى الحمار ويعرض عن عيسى . فلا جرم أن من يفعل هذا يكون خارج نطاق العرفان .
 
( 1852 ) “ أنين الحمار “ رمز لنداء البدن وهو يلتمس الشهوات .
فمن استجاب لهذا النداء شبيه بمن وقع تحت سيطرة حمار ، لأن البدن في حسيته وتعلقه باللذات شبيه بالحمار .
 
( 1853 ) “ كن رحيما بالروح ، ولا تكن رحيما بالجسد . ولا تتح لغرائزك سبيل التحكم في عقلك “ .
( 1856 ) في البيت إشارة إلى حديث يَروى عن الرسول قوله :
“ أخروهن من حيث أخرهن الله “ . ويقال إن المقصود من هذه الحديث تأخير النساء عن الرجال في صلاة الجماعة ، أي جعلهن في الصفوف الخلفية . وقد فسر الشاعر هذا الحديث تفسيرا رمزيا ، فاعتبر المرأة رمزيا ، للنفس الأمارة بالسوء ، وهذه يجب أن تتنحى جانبا لكي يتقدم عليها العقل .
 
( 1857 ) العقل الوضيع ينحط في تفكيره ، ولا يبقى له نشاط خارج نطاق الحس . وإذ ذاك يصبح شريكا للجسد ، لا هم له الا تحصيل اللذات .
 
( 1858 - 1859 ) لقد تغلبت روح عيسى على جسده وأخضعته ،



“ 516 “
 
فالروح القوية يتضاءل أمامها الجسد .
( 1860 ) الجسد الضعيف يقوى ويتسلط ، حينما يقترن بعقل ضعيف .
 
( 1861 ) “ فلو أن المرشد الروحي قسا عليك وآلمك ، فلا تعرض عنه ، فان هذا الألم هو السبيل الذي تكسب منه روحك قوة ومناعة “ .
 
( 1862 ) ان المرشد العارف يلقى جحودا وحسدا من الناس ، برغم أنه كنز روحي أتيح لهم . فهذه الآلام التي يعانيها العارف شبيهة بالثعبان الذي يحرس الكنز . فهناك خرافة شعبية تؤمن بأن كل كنز لا بد له من ثعبان يحرسه . فكأنما يريد الشاعر أن يقول إن كل مرشد عارف لا بد له أن يقابل بحسد الحاسدين وكيدهم .
 
( 1863 ) المرشد العارف يلقى من الحاقدين والحاسدين ما لقيه عيسى من اليهود ، وما لقيه يوسف من اخوته الحاسدين .
 
( 1865 ) لا فضل عند الحاقدين ذوى الوجوه الصفراء . انهم شبيهون بمرض الصفراء ، لا فضل له سوى ما يحدثه من صداع . وفي الشطر الثاني من البيت تأكيد للدم بما يشبه المدح .
 
( 1866 ) ورد الشطر الثاني من البيت : “ ما نفاق . . . “ بدلا من “ بانفاق . . . “ ، في بعض الروايات . فيكون معنى البيت :
“ فلتفعل أنت ( أيها المرشد ) ما تفعله شمس المشرق . وأما نحن ( أهل الدنيا ) ففعلُنا نفاق واحتيال وسرقة وخداع “ .
 
( 1867 ) “ أنت - أيها المرشد - في تساميك ، واستقامتك في الدين والدنيا ، شبيه بالعسل ، ونحن في سوء أخلاقنا شبيهون بالخلّ .
ولا علاج لعلتنا باقتباسنا من أخلاقك “ .
 
( 1868 ) “ لتزدد - أيها المرشد - فضلا كلما ازددنا نحن سوء خلق ! ذلك لأن سوء خلقنا ناشىء من اعتلالنا ، فنحن في حاجة إلى مزيد من عنايتك وكرمك “ .
 
“ 517 “
 
( 1869 ) “ لئن ساءت أفعالنا فهذا مدى قدرتنا . فالنفس السيئة لا يصدر عنها سوى السوء . وكل ما يصدر عنها من سوء يزيدها خبثا ، كالرمل في العين يزيدها عمى “ .
 
( 1870 ) أفعال المرشد الخيرة جديرة بنفسه الخيرة . انه كالكحل ينير لضعاف النظر أبصارهم . وهو لا يبخل بعونه على أحد ، مهما بلغ هو ان أمره .
 
( 1871 ) الانسان الكامل يكتوى بنار الظالمين ، ومع ذلك لا يحقد عليهم ، بل إنه لا يضن عليهم بالحب والحنان . وهذا ما أثر عن الرسول عندما أصيب في غزوة أحد ، فدعا ربه قائلا : “ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون “ .
 
( 1872 - 1875 ) في هذه الأبيات يصف الشاعر الانسان الكامل .
 
( 1872 ) “ منجم العود “ : العود بطبيعة الحال نبات . فكلمة “ منجم “ هنا استعملت استعمالا مجازيا . وقد ترجمنا بها كلمة “ كان “ الفارسية . ويقصد بمنجم العود منبته أو مصدره .
 
( 1877 ) لم يقف الشاعر عند مفهوم هذا الحديث ، وهو أن عداوة العاقل خير من صداقة الجاهل ، بل تعدى ذلك إلى بيان النفع الذي يتحقق من عداوة العاقل ، والضرر الذي يحدث من صداقة الجاهل ، فساق قصتين لبيان ذلك : أو لا هما قصة “ الأمير والرجل الذي دخلت في بطنه حية “ . ( الأبيات 1878 - 1930 ) ، والثانية قصة “ الرجل الذي صاحب الدب “ ( البيت 1932 وما يليه ) .
 
( 1878 ) الفارس العاقل في هذه القصة رمز للمرشد الروحي ، أما الرجل النائم فهو رمز للجاهل الغافل .
 
( 1911 - 1913 ) لعل الحديث المشار اليه بهذه الأبيات هو ذلك الذي ذكره صاحب المنهج القوى ( مرويا عن أبي الدرداء ، باخراج الطبراني
 
“ 518 “
 
والحاكم ) ، ونصفه : “ لو تعلمون ما أعلم ، لبكيتم كثيرا ، ولضحكتم قليلا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى ، لا تدرون تنجون أو لا تنجون “ . ( المنهج القوى ، 2 ، 426 ) .
وعن أنس بن مالك أن الرسول عليه السلام خطب فقال : “ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا “ . ( النووي : رياض الصالحين ، ص 209 ) .
 
( 1914 - 1920 ) مضى الشاعر في شرح الحديث ، وتصوير معناه .
وقد أجرى هذا الشرح على لسان الرسول ، لتقريب المعنى إلى أفهام سامعيه .
 
( 1916 ) مما يكثر ذكره في كتب الصوفية أن الرسول عرف الأولياء الذين جاءوا بعده ، وأنه كان يظهر لهم ويخاطبهم . وهم كثيرا ما ينسبون إلى الرسول أقوالا ، يذكرون أنه حدث بها هؤلاء الأولياء . ولهذا لا يستغرب أن ينسب اليه معرفة أبى بكر الربابى ، وما اشتهر به من طول الصمت .
أما قوله : “ وهأنذا أضرب الحديد بيدي مثل داوود “ ، فمعناه :
“ وهأنذا ألين تلك القلوب القاسية ، وأسعى إلى تغييرها ، كما كان داوود يصنع بالحديد “ .
 
( 1920 ) معجزة شق القمر أظهرت - فوق السماء - ما كان ليد الرسول من المقدرة .
 
( 1921 ) قول الشاعر : “ وهذه الصفة أيضا هي من جراء ضعف العقول “ ، يمكن أن يفهم على وجهين ، حسب تفسيرنا لما أراده الشاعر بكلمة “ الصفة “ . فربما كان المقصود بهذه الصفة لزوم الصمت حتى لا يخطئ ضعاف العقول فهم المعاني . وربما كان المقصود بها الحديث عن قدرة الله بأسلوب تمثيلى ، ينسب إلى الله اليد ، وغيرها من الأعضاء .
 
“ 519 “
 
( 1926 ) انظر التعليق على البيت 1871 .
 
( 1932 ) يبدأ الشاعر هنا حكاية معروفة هي حكاية الدب الذي قتل صاحبه . ( انظر : تعليقات نيكولسون ، وانظر أيضا : فروزانفر :
مآخذ قصص ، 62 ) .
 
( 1938 ) الرجل الشجاع لا يهدف إلى نفع من وراء أعماله الخيرة ، وليس له من دافع ولا هدف سوى المحبة . انه كالدوا ، لا غاية له سوى إزالة المرض .
 
( 1943 ) “ هتاف الأفلاك “ : كان المعتقد في زمن الشاعر أن للأفلاك أنغاما وألحانا . والنص التالي - وهو من رسائل اخوان الصفاء - يوضح لنا هذا المفهوم :
“ ولما كانت الأفلاك دائرات ، والكواكب والنجوم متحركات ، وجب أن يكون لها أصوات ونغمات . ولما كانت مستوية في نظامها ، محفوظة عليها صورة تمامها وكمالها ، وجب أن تكون حركاتها منفصلة ، وأصواتها متصلة ، وأقسامها معتدلة ، ونغماتها لذيذة ، وألحانها بديعة ، ومقالتها تسبيحا وتقديسا وتكبيرا ، وتهليلا تفرح له نفوس المستعمين لها ، والحافين بها من الملائكة والنفوس التي تقدم عليها ، وتصعد إليها . وتلك الحركات والأصوات هي مكيال الدهور والأزمان التي بها يحكم على عالمها بالبقاء من حيث هي . . . وقد استمعتها النفوس وهي في عالم الكون والفساد ، فتذكرت بها عالم الأفلاك ولذات النفوس التي هناك ، من فسحة الجنان ، وروضة الريحان ، وعلمت أنها في أحسن الأحوال ، وأطيب اللذات ، وأتم الأشكال وأدوم السرور . . “ . ( رسائل اخوان الصفاء : 3 ، 90 - 91 ) .
 
( 1944 ) “ نزه بصرك وبصيرتك عن الحسية ، والتعلق بالمادة ، وإذ ذاك تستطيع شهود حديقة الغيب “ .
 
( 1946 ) “ خلِّص كيانك من علل الحس وأمراضه ، لأن هذه الأمراض تعوقك عن تذوق حلاوة العرفان الروحي “ .


 
“ 520 “
 
( 1947 ) “ الرجولة “ هنا رمز لقوة الروح وانطلاقها ، و “ العنة “ رمز لضعفها وتراخيها . والشاعر يدعو إلى تقوية الروح حتى تصبح بقوتها وتحررها مجلى للشهود ، وما يكشفه من ألوان الحسن والجمال .
 
( 1949 ) “ الفلك العتيق “ ، هو عالم الحس الذي يؤول إلى بلى وفناء .
 
[ شرح من بيت 1950 إلى بيت 2100 ]
 
( 1951 ) قول الشاعر : “ فالنواح والبكاء ذخيرة عظيمة “ ، يعنى أن دموع الندم والخوف هما من أسباب رحمة الله وغفرانه .
 
( 1956 ) “ ان لكم في السماء أرزاقا روحية عظيمة ، فلماذا تشبثتم بعالم الحس الوضيع ؟ “ .
 
( 1957 ) “ صوت الغول “ رمز للضلال . فالخوف واليأس يبعدان المرء عن سلوك سبيل اليقظة الروحية ، ويقودانه إلى الهلاك ، كما تفعل الغول بالمسافرين في البيداء .
 
( 1959 ) “ صوت الذئب “ هو نداء الحرص والشهوات الحسية .
 
( 1980 - 1982 ) السامري : ( انظر : مثنوى ، ج 1 ، البيت 2258 ، وشرحه ) .
 
( 1987 ) قول الشاعر : “ انه أنت فابحث عن ذاتك فيه “ ، يعنى :
أن المرشد بمثاليته وتساميه يمثل حقيقة جوهرك ، فاطلب عنده تلك الحقيقة .
 
( 1988 ) “ فان أعرضت عن المرشدين العارفين ، فأنت أسير الحرص والطمع ، ومآلك إلى هلاك محقق ، كما كان مآل ذلك الدب بين فكى التنين “ .
 
( 1993 ) بدأ الشاعر في هذه البيت قصة قصيرة ، هي حكاية السائل الأعمى . وقد وردت هذه القصة في محاضرات الراغب الأصفهاني على الوجه التالي :
“ كان أعمى يقول : ارحموا ذا الزمانتين ، فقيل : ما هما ؟

 
“ 521 “
 
قال العمى ، وقبح الصوت . أما سمعتم :فبى عيبان ان عدا * فخير منهما الموت
فقير ما له قدر * وأعمى ما له صوتكما وردت بصورة مشابهة لهذه في شرح نهج البلاغة ، نقلا عن الجاحظ . ( انظر : فروزانفر : مآخذ قصص وتمثيلات ، 65 ) .
 
( 2006 ) “ قبيح الصوت الذي يكون ثملا بدم الخلق “ هو من يجيز لنفسه قذف الأعراض ، ويتناول بالسوء سيرة الخلق .
 
( 2009 ) الجرح القديم لا سبيل إلى مداواته الا بالكى . والنفس الموغلة في الآثام والخطايا هي في أمس الحاجة إلى مثل هذا العلاج القاسى .
 
( 2010 ) في الأبيات التالية يصور الشاعر ذلك الرجل الذي أنقذ الدب وكأنه شخص عنيد أبله . ولا تناقض بين هذه الصورة ، وبين ما سبق وصفه به من الشجاعة والنجدة . فهذا الرجل الشجاع ، كانت تنقصه اليقظة الروحية ، وسلامة الادراك ، ولهذا فان شجاعته لم تنقذه من المصير الذي ينتظر أمثاله .
 
( 2023 ) قول الشاعر : “ انني مؤمن وقد أصبحت ناظرا بنور الله “ ، يتضمن اقتباسا من حديث يروى عن الرسول قوله : “ اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله “ . ( انظر : المثنوى ، 1 ، البيت 1331 وشرحه ) . أما قوله : “ اهرب من بيت النار هذا “ ، فمعناه : “ دع عنك محبة الدب - ( وهي هنا رمز لصداقة الأبله ) - لأنها شبيهة بعبادة النار “ .
 
( 2040 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون “ . ( 2 : 50 ) .
 
( 2041 ) في البيت إشارة لبعض معجزات موسى التي ورد ذكرها في القرآن الكريم . قال تعالى : “ وأنزلنا عليكم المن والسلوى “ .
( 2 : 57 ) . وقال : “ وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك
 
“ 522 “
 
الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم “ .
( 2 : 60 ) .
 
( 2044 ) في هذا البيت يعاتب موسى عابد العجل ذلك الذي شك فيما أظهره موسى من معجزات عظيمة ، على حين أنه خر ساجدا عندما سمع صوت العجل . فكأن صوت العجل طوفان جرف إلى نفسه الأوهام ، وكل ما ثار عنده من شكوك حول الدين والايمان ، وكأنما عقل هذا الكافر المخالف قد غلبه نوم الغفلة ، فلم تبق له أية مقدرة على التفكير .
( 2047 ) السامرىّ : ( انظر : المثنوى ، 1 ، البيت 2258 وشرحه ) .
 
( 2068 - 2075 ) في هذه الأبيات تعبير عن قصة معروفة ، رويت على أنها سبب لنزول سورة “ عبس “ ، وأوردها صاحب الكشاف على الوجه التالي :
“ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ( الأعمى ) . .
وكان عنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، يدعوهم إلى الاسلام ، رجاء أن يسلم باسلامهم غيرهم . فقال :
يا رسول الله ، اقرئنى وعلمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، وهو لا يعلم تشاغله بالقوم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، فنزلت “ عبس وتولى “ . فكان رسول الله يكرمه ويقول إذا رآه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربى . ويقول : هل لك من حاجة “ .
( الزمخشري : تفسير الكشاف : 4 ، 700 - 701 ) .
 
( 2071 ) الحبش : من الواضح أن المقصود بهذه الكلمة تلك الجماعة التي كانت تعرف “ بأحابيش قريش “ . وهناك خلاف حول تفسير كلمة أحابيش ، فقد فهمها البعض على أنها تعنى عبيدا من الحبشة ، ولكن نصوصا تاريخية متعددة بينت أنهم كانوا جماعات تنتمى إلى بعض
 
“ 523 “
 
القبائل العربية ، وكانت قريش تستخدم هذه الجماعات في حراسة قوافلها التجارية ، فكأنهم كانوا لها بمثابة الحلفاء . ( انظر : عبد الحميد العبادي : أحابيش قريش ، هل كانوا عربا أو حبشا ؟ بحث في مجلة كلية الآداب - جامعة القاهرة ، مايو 1932 ) .
 
( 2072 ) “ بصره “ تمثل في هذا البيت مشكلة تاريخية . فإن كان المقصود بها مدينة البصرة العراقية ، فإنها لم تنشأ الا بعد وفاة الرسول ببضع سنوات . واجتماع الرسول بصناديد قريش كان قبل الهجرة ، فمعنى ذلك أن هذه المدينة قد ذكرت في قصة جرت وقائعها قبل بناء هذه المدينة بنحو خمسة عشر عاما . فهل هذا خطأ تاريخي وقع فيه الشاعر ؟ أم أن المقصود مدينة بُصرى ، “ من أعمال دمشق ، وهي قصبة حوران “ “ 1 “ والتي يصفها ياقوت بأنها “ مشهورة عند العرب قديما وحديثا “ ، وقد فتحها العرب عام 13 ه . ومما يساعد على مثل هذا التفسير أنها اقترنت في ذكرها هنا بتبوك “ وهي أيضا من أرض الشام “ توجه إليها النبي عليه السلام في عام تسمع للهجرة - وهي آخر غزواته - ولما وصلها وجد أن من تجمع فيها من الروم وبعض القبائل العربية قد تفرقوا “ 2 “ .
وربما كان ذكر الشاعر للبصرة هنا مبنيا على استبعاد عنصر الزمن في مثل هذا المقام . فالأبيات تعبر عن تفسير عتاب الخالق لرسوله ، كما ورد في سورة “ عبس “ . ويكون المراد بذكر البصرة هنا الموقع الذي قامت عليه هذه المدينة . . بعد فتح العراق .
ومما روى عن علي بن أبي طالب أن الرسول ذكر البصرة ، وتنبأ بحدوث موقعة الجمل . قال : “ سمعت رسول الله يقول : تفتح أرض
.................................................................
( 1 ) ياقوت : معجم البلدان ، مادة بصرى .
( 2 ) المصدر السابق : مادة تبوك .
 
“ 524 “
 
يقال لها البصرة “ 1 “ . . الخ “ . وهذا الخبر - برغم ما يمكن أن يوجه اليه من النقد - يشيع أن الرسول ذكر البصرة ، وتنبأ بما يحدث فيها .
ومما له مغزاه أن هذا الخبر مذكور في معجم البلدان لياقوت . وهذا المؤلف - مثل جلال الدين - من رجال القرآن السابع ، كما أنه جمع الكثير من معلوماته في ذات المنطقة التي عاش بها جلال الدين .
 
( 2077 ) روى أبو هريرة عن الرسول أنه قال : “ الناس معادن كمعادن الذهب والقضة “ . ( المنهج القوى : 2 ، 452 ) .
 
( 2086 ) “ الجعل “ حشرة صغيرة تقبل على الروائح الكريهة ، وتنفر من الروائح الطيبة .
 
( 2090 ) “ انني أمير بين أهل الصورة وبين أهل المعنى “ .
 
( 2095 - 2102 ) رويت هذه القصة في مصادر أخرى بشئ من الاختلاف عن رواية جلال الدين . فقد ذكرها ابن حزم في طوق الحمامة ، وهي في روايته تدور حول أبقراط . وذكرها صاحب قابوس نامه ، وروايته أشبه برواية جلال الدين ، الا أن بطلها هو محمد بن زكريا الرازي ، وليس جالينوس . ( انظر : تعليقات نيكولسون ، وانظر أيضا :
فروزانفر : مآخذ قصص ، 66 ) .
 
[ شرح من بيت 2100 إلى بيت 2250 ]
 
( 2103 - 2105 ) تناول الغزالي المعنى الذي عبرت عنه هذه الأبيات على الوجه التالي : “ وكان مالك بن دينار يقول : لا يتفق اثنان في عشرة الا في أحدهما وصف من الآخر ، وأن أجناس الناس كأجناس الطير ، ولا يتفق نوعان من الطير في الطيران الا وبينهما مناسبة . قال :
فرأى يوما غرابا مع حمامة ، فعجب من ذلك فقال : اتفقا وليسا من شكل واحد ، ثم طارا ، فإذا هما أعرجان “ . ( انظر : فروزانفر ، مآخذ قصص ، 66 ) .\
.................................................................
( 1 ) المصدر السابق : 1 ، 436 .

“ 525 “
 
( 2107 ) سجِّين : هذه الكملة تعنى هنا الجحيم . ( انظر :
المثنوى : 1 ، 640 ) .
 
( 2118 ) “ الورد “ في الأبيات السابقة رمز لأهل الكمال .
والشاعر - في هذا البيت - يقول : “ لقد خلصت من الحسية خلاصا كاملا ، وكانت بي آثار منها . فالله - الذي طهرني منها - لن يرجعها الىّ “ .
 
( 2135 - 2136 ) عبر الشاعر عن مثاليته الخلقية بقوله : ان من لا يتقيد بعهده ، فإنه لا يتقيد بقسمه . ويمضى في تحليل هذه الفكرة على أساس نفسي فيقول : ان القسم يكون بمثابة قيد فرض عليه ، وهذا القيد يجعل نفسه الحسية أكثر ميلا إلى الثورة على العهد ، والتخلي عنه .
 
( 2137 - 2138 ) “ الأسير “ في هذين البيتين رمز للعقل ، و “ الحاكم “ رمز للنفس الحسية . فالانسان المتعلق بشهوات الحس ولذاته تحكمة نفسه الحسية . فإذا حاول عقله أن يقيد هذه النفس بقسم أو عهد كان بمثابة أسير وضع قيدا على حاكمه . والحاكم لا يبقى في القيد بل ينطلق منه ، ثم يحطم عبده الذي قيده . وهكذا النفس الطاغية ، ما لم تهذب فان العقل لا يستطيع السيطرة عليها بأية صورة ، ولئن حاول أن يحد من طغيانها عن طريق الزامها بالعهود ، كان ذلك مدعاة لازدياد ثورتها واندفاعها .
 
( 2140 ) قول الشاعر : “ يجعل من جسده خيطا ، ويلتف حول صاحب عهده “ ، يعنى أنه يرهق جسده في الوفاء بالعهد لمن عاهده ، ولا يحيد قط عن دائرة الوفاء له .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالأربعاء سبتمبر 09, 2020 9:50 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 WORD
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 TXT
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالأربعاء سبتمبر 09, 2020 9:51 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 WORD
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 TXT
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إنكار موسى عليه السّلام مناجاة الراعي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» مقدمة مولانا الكتاب المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: