ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة على مدونة عبدالله المسافر باللهذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة المثنوي المعنوي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة
وبيان فائدة العيادة
- مرض سيد من الصحابة ، وصار من مرضه " في نحول " الخيط .- فذهب المصطفى صلى الله عليه وسلّم لعيادته ، فقد كان خلقه كله اللطف والكرم .- وفي ذهابك لعيادة " المريض " فائدة ، وفائدتها أيضا عائدة عليك .- والفائدة الأولى أنه ربما كان ذلك المريض قطبا ، أو ملكا " من ملوك الطريق " . « 188 » 2150 - وما دمت لا تملك عينين في قلبك أيها العنود ، فإنك لا تعرف الحطب من العود .- فما دام هناك كنز في العالم ، لا تتضايق ، ولا تعتبر أن أي خرابة خالية من الكنز .- وداوم على غشيان " مجالس " الدراويش كيفما أتفق ، وعندما تجد الأمارة ، داوم الطواف بجد .- وما دامت تلك العين الباطنية ليست لك ، فداوم على الظن أنه في كل وجود .- وإن لم يكن قطبا ، فمن الممكن أن يكون رفيق طريق ، وإن لم يكن ملكا ، قد يكون فارس الجيش . 2155 - فاعتبر إذن صلة رفاق الطريق أمرا لازما ، مهما يكن ، راجلا أو فارسا .- وإن كان عدوا ، فالإحسان إليه طيب ، فرب عدو انقلب بالإحسان إلى صديق- وإن لم ينقلب إلى صديق ، فإن حقده يقل ، ذلك أن الإحسان مرهم للحقد- وهناك فوائد كثيرة غير هذه ، لكني أخاف التطويل أيها الرفيق .- والخلاصة أقولها لك : كن رفيقا للجميع ، وكن كالنحات ، إنحت من الحجر رفيقا . 2160 - ذلك أن الجماعة وكثرة القافلة ، تكسر من قطاع الطرق ظهورهم وسنانهم . وحي الحق تعالى لموسى عليه السّلام : لما ذا لم تأت لعيادتي
- لقد هبط هذا العتاب من الحق على موسى عليه السّلام ، وقال له : يا من رأيت طلوع القمر من جيبك . « 189 » - لقد جعلتك مشرقا من النور الإلهي ، وأنا الحق ، قد مرضت ، فلم لم تعدني ؟- قال : سبحانك ، إنك منزه عن الضرر ، أي سر هذا ؟ بينه لي ، يا إلهي .- فقال له ثانية : لما ذا لم تسأل عني في مرضي تكرما منك ؟ 2165 - قال : يا رب ، إنه لا يلحق بك نقصان ، لقد تاه عقلي ، ففسر لي هذا الكلام .- قال : أجل ، لقد مرض عبد من خواصي المختارين ، وهو أنا ، فانظر جيدا .- فعذره عذري ، ومرضه مرضي .- وكل من يريد مجالسة الله ، فعليه بالجلوس في محضر الأولياء .- وإنك إن انقطعت عن حضور الأولياء ، فإنك هالك ، ذلك أنك جزء بلا كل . 2170 - وكل من فصله الشيطان عن الكرام ، يجده بلا أهل ، فيبتلع رأسه .- والبعد عن الجماعة شبرا واحدا وللحظة واحدة ، هو مكر من الشيطان ، فاستمع إلى هذا ، واعلمه جيدا تفريق البستاني بين الصوفي والفقيه والعلوي
- عندما نظر بستاني في بستانه ، رأى ثلاثة رجال ، كأنهم لصوص .- كانوا فقيها وشريفا علويا وصوفيا ، كل منهم هازل شرير لا وفاء عنده . « 190 » - قال : إن لي عليهم مائة حجة ، لكنهم جماعة ، والجماعة قوة2175 - وأنا لن أقوى بمفردي على ثلاثة أشخاص ، فلأفرق بينهم إذن .- ولألق بكل واحد منهم في ناحية ، وعندما يصير كل منهم وحيدا ، أقتلع شاربه .- فاحتال ، وصرف الصوفي ، حتى يفسد ما بينه وبين رفيقيه .- وقال للصوفي : إذهب إلى الحجرة ، وأحضر كليما لهذين الرفيقين .- وذهب الصوفي ، فأسر إلى الرفيقين قائلا : إنك فقيه ، وهذا شريف مشهور . 2180 - إننا نأكل خبزنا بفتواك ، ونحلق بجناح علمك .- ثم إن هذا الآخر أمير علينا وسلطان ، فهو سيد من آل المصطفى صلى الله عليه وسلّم .- فمن يكون هذا الصوفي البطين الخسيس ، حتى يكون جليسا لكما أيها الملكين ؟- وعندما يعود ، إصرفاه عنكما ، وأقيما - في المقابل - أسبوعا في بستاني ورياضي .- وما يكون البستان ؟ إن روحي لكما ، يا من كنتما لي كعيني اليمنى ! ! 2185 - ووسوس لهما ، وخدعهما . . . آه ، لا ينبغي الصبر عن الرفاق .- وعندما صرفا الصوفي وذهب ، تبعه الخصم بعصا غليظة .- وقال له : أيها الكلب ، هل من التصوف أن تسطو على بستاننا جدلا منك هكذا سريعا ؟- فهل دلك الجنيد على هذا الطريق أو أبو اليزيد ؟ وعن أي شيخ أو مرشد جاءك هذا ؟ « 191 » - ودق الصوفي عندما وجده وحيدا ، وجعله نصف قتيل ، وشج رأسه 2190 - قال الصوفي : إن نوبتي قد مرت ، لكن يا رفيقيّ ، نوبتكما قادمة لا محالة .- فهل إعتبرتماني غريبا ؟ أليس كذلك ؟ لست أكثر غربة عنكما من هذا الديوث .- إن ما تجرعته هو طعام لكما ، ومثل هذا الشراب جزاء لكل دني . « 1 »- وهذه الدنيا جبل ، وحديثك ومقالك ، يرتد إليك على هيئة صدى .- وعندما فرغ البستاني من الصوفي ، تعلل بحجة أخرى مثل " تلك الحجة " . 2195 - وقال : يا شريفي ، إذهب إلى الحجرة ، ذلك أنني خبزت رقاقا من أجل الإفطار .- وعلى باب المنزل قل للخادم قيماز ، حتى يحضر ذلك الرقاق والأوز .- وعندما صرفه ، قال : يا حاد الرؤية ، إنك فقيه ، هذا واضح ومؤكد .- وإنه ليدعي أنه من الأشراف وهي دعوى باردة ، فمن يدري ما ذا فعلت أمه !!- فهل تثق في المرأة وفي فعل المرأة ؟ أعقل ناقص وثم ثقة ؟!! 2200 - وما أكثر الأغبياء الذين نسبوا أنفسهم إلى النبي وإلى علي في هذا الزمان !! - وكل من يصير من زنا وزناة ، إنما يكون هذا ظنه في حق الربانيين .- وكل من تدور رأسه من كثرة ما دار هو ، يرى أن المنزل يدور مثله...............................................................( 1 ) ج / 4 - 567 : - وما جرى علىّ جار لا محالة عليكما ، ولا محيص لكما من تجرع عصي قهره . « 192 » - وما قاله ذلك البستاني الفضولي ، كان حاله هو ، وحاشاه عن أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم - فلو لم يكن هو من نسل مرتدين ، متى كان ليقول هذا الكلام عن الآل . 2205 - وزاد في الوسوسة ، واستمع إليها الفقيه ، فذهب في إثره ذلك الظلوم السفيه .- فقال " للشريف " : أيها الحمار ، من الذي دعاك إلى هذه الحديقة ؟ فهل تراك ورثت لصوصيتك هذه عن النبي .- إن جرو الأسد يشبه الأسد ، فأي شبه لك بالرسول ؟ قل لي .- وفعل بالشريف ذلك الرجل اللجوج ، ما يفعله خارجي بآل ياسين .- فأي حقد يكنه دائما الشيطان والغول ، مثل يزيد وشمر لآل الرسول ؟ 2210 - وتضعضع الشريف من ضربات ذلك الظالم ، فقال للفقيه : لقد نجونا من الماء ! !- فاثبت أنت ، فقد بقيت فردا في قلة ، وصر كالطبل ، وتلق الضربات على بطنك .- فإن لم أكن شريفا ولائقا بك ونجيا لك ، فلست أقل منك في نظر هذا الظالم .- ولقد أسلمتني لصاحب الغرض هذا ، وتصرفت بحمق ، فليكن لك بئس العوض .- ولقد فرغ منه " البستاني " فأقبل قائلا : يا فقيه ، أي فقيه أنت ؟ ! يا عارا على كل سفيه . 2215 - أهذه فتواك يا مبتور اليد ؟ أن تدخل بستاني ، ولا تقول : هناك أمر . « 1 »...............................................................( 1 ) ج / 4 - 577 : - فهل أعطاك أبو حنيفة هذه الفتوى ؟ أو نقلتها عن الشافعي يا غير جدير بشيء . « 193 » - وهل قرأت هذه الرخصة في الوسيط ؟ أو ترى كانت هذه المسألة في المحيط ؟- قال : الحق معك ، فاضرب ، وقد طالت يدك ، وهذا جزاء من إفترق عن الرفاق . « 1 » عودة إلى قصة المريض وعيادة الرسول عليه السّلام .
- هذه العيادة من أجل هذه الصلة ، وهذه الصلة تحتوي على مائة محبة .- لقد مضى إلى عيادة المريض ، ذلك الرسول الذي لا ندله ، فرأى ذلك الصحابي في حال النزع . 2220 - وعندما تصير بعيدا عن حضور الأولياء ، فقد صرت في الحقيقة بعيدا عن الله .- فإذا كانت نتيجة هجر رفاق الطريق غما ، متى يكون فراق وجوه ملوك " الطريق " أقل منه ؟- فاطلب ظلال ملوك " الطريق " ، وأسرع في كل لحظة ، حتى تصبح من ذلك الظل أفضل من الشمس . « 2 »- وإذا كان في نيتك السفر ، فامض على هذه النية ، وإن كنت في الحضر ، لا تغفل عنها . « 3 »...............................................................( 1 ) ج / 4 - 578 : - إنني جدير بهذا وبمائة من أمثاله ، فلما ذا انفصلت عن صديقي حاقدا ؟ . - ولقد إستمعت إلى خدعتك وتلبيسك ، وها أنا الطم على رأسي صائحا " ضاع شرفك " . - والخلاصة أنه ضربه كثيرا وجرحه ، وأخرجه من البستان ، وأغلق الباب . - وكل صديق بقي بعيدا عن رفاقه ، فإنما يصيبه كل هذا السوء .( 2 ) ج / 4 - 596 : - فاذهب ونم في ظل مقبل ، ربما يخلصك صاحب قلب .( 3 ) ج / 4 - 596 : - والفاختة لذلك تقول ليل نهار : كو كو أي أين أين ؟ ، فابحث عن كنز خفي بين الدراويش . - وطف من باب إلى باب ومن حي إلى حي ، وقم بالبحث ، قم بالبحث ، قم بالبحث . - ولا تشح بالوجه عن الأولياء ما استطعت ، واجتهد ، والله أعلم بالصواب . « 194 » قول شيخ لأبي اليزيد : أنا الكعبة فطف حولي
- كان شيخ الأمة أبو اليزيد يسعى نحو مكة قاصدا الحج والعمرة . 2225 - وكان من عادته عندما كان يذهب إلى كل مدينة ، أن يبدأ بتفقد الأعزاء .- وكان يطوف متسائلا : من يوجد في هذه المدينة ويكون متكئا على أركان البصيرة ؟- قال الحق : عندما تمضي في السفر ، ينبغي أن تطلب رجل الطريق في البداية .- واقصد كنزا ، فإن هذا النفع والعز يأتيان تبعا ، واعتبرهما فرعا .- وكل من يزرع يكون هدفه الحنطة ، وأحيانا يأتيه القش تبعا لها . 2230 - وتزرع القش ، فلا ينبت لك قمح ، فابحث عن إنسان ، إبحث عن إنسان ، إبحث عن إنسان .- واقصد الكعبة ، ما دام الحج قد آن أوانه ، وما دمت قد ذهبت ، فسوف تشاهد مكة أيضا .- وكان الهدف من المعراج رؤية الحبيب ، وتبعا له ، كان العرش والملائكة . « 1 » حكاية
- بنى أحد المريدين المبتدئين منزلا جديدا ، وأتى الشيخ ، ورأى المنزل .- فقال الشيخ لمريده المبتديء ذاك ، ممتحنا ذلك الطيب الفكر ................................................................( 1 ) ج / 4 - 598 : - ولقد قال السيد : الأعمال بالنيات ، ونيتك الخيرة فتقت كثيرا من الورود . - ونية المؤمن تكون أفضل من عمله ، وهكذا قال سلطان القلوب . « 195 » 2235 - من أجل ما ذا صنعت كوة أيها الرفيق ؟ قال : حتى يأتي النور من ذلك الطريق .- قال : هذا فرع ، إذ ينبغي أن تكون حاجتك منها أن تسمع صوت الأذان .- ولقد كان أبو اليزيد يبحث في السفر كثيرا ، حتى يجد إنسانا يكون خضر وقته .- فرأى شيخا ذا جسد كأنه الهلال ، وآنس فيه أبهة الرجال ومقامهم .- كان مكفوف البصر ، وقلبه كأنه الشمس ، وكأنه فيل رأى الهند في المنام . 2240 - يرى وهو مغمض العينين نائما مائة من الطرب ، وعندما يفتحها لا يراها ، وهذا هو العجب .- وكثير من العجائب تتضح في النوم ، والقلب أثناء النوم يصبح كوة .- وذلك الذي يكون يقظانا ويرى منامه ، هو عارف فاكتحل بترابه . « 1 »- فجلس إليه ، وأخذ يسأله عن الحال ، فوجده فقيرا معولا .- وسأله الآخر : إلى أين العزم يا أبا اليزيد ؟ وإلى أين تجر أحمال الغربة ؟ 2245 - قال : إنني عازم على الكعبة منذ الفجر، قال : لنر، ما ذا معك كزاد للطريق؟- قال : معي مائتا درهم من الفضة ، وهي معقودة جيدا في طرف الرداء .- قال : طف حولي سبع مرات ، واعتبر هذا أفضل من طواف الحج .- وأعطني هذه الدراهم أيها الجواد ، واعلم أنك حججت ، وتم لك المراد .- واعتمرت ، ووجدت العمر الباقي ، وصرت صافيا ، وهرولت على الصفا 2250 - وبحق ذلك الحق الذي رأته روحك ، أنه قد اصطفاني على بيته ................................................................( 1 ) ج / 4 - 616 : - وعندما رآه أبو اليزيد من الأقطاب ، أبدى له المسكنة ، وأسرع إليه . « 196 » - ومهما كانت الكعبة دار بره ، فإن خلقتي أيضا دار سره .- فمذ بنى تلك الدار لم يدخل إليها ، وفي هذه الدار لم يدخل سوى ذلك الحي .- وما دمت قد رأيتني فقد رأيت الحق ، وطفت حول كعبة الصدق .- فخدمتي بمثابة طاعة لله وحمد له تعالى ، حتى لا تظنن أن الحق منفصل عني . 2255 - فافتح العين جيدا ، وأمعن في النظر، حتى ترى نور الحق في البشر. «1»- وكان عند أبي اليزيد اللب " المدرك " لتلك النكات ، فجعلها كحلقة ذهبية في أذنه .- وجاء منه أبو اليزيد إلى المزيد ، وبلغ المنتهي في الطريق غاية المنتهى . معرفة الرسول صلى الله عليه وسلّم أن سبب مرض ذلك الصحابي
هو التوقع في الدعاء
- عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلّم ذلك المريض ، لاطفه برقة ذلك الصديق الحميم- فانبعثت فيه الحياة عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وكأن ذلك النفس قد خلقه . 2260 - وقال : لقد منحني المرض هذا الإقبال ، إذ جاء إلي هذا السلطان في الصباح .- حتى نعمت بالصحة والعافية ، من قدوم هذا المليك بلا حاشية...............................................................( 1 ) ج / 4 - 617 : - لقد قال الحق عن الكعبة بيتي مرة واحدة ، وناداني بيا عبدي سبعين مرة . - ويا أبا اليزيد ، لقد أدركت الكعبة ، ووجدت مائة بهاء وعز ومجد . « 197 » - فيا له من مرض وتعب وحمى ذات بركة ، ويا له من ألم مبارك وسهر ليل .- وفي شيخوختي من اللطف والكرم ، وهبني الحق مثل هذا المرض والسقم .- إذ منحني وجعا في الظهر حتى لأفزع من النوم هلعا كل ليلة في منتصفها . 2265 - حتى لا أنام طوال الليل وكأنني الجاموس ، وهبني الله آلاما من لطفه .- ومن هذا الإنكسار تحرك لطف الملوك ، ومن خوفي خمدت نار الجحيم .- لقد حل تعب الكنز الذي فيه أنواع الرحمة ، وتجدد اللب عندما تشقق الجلد .- فيا أيها الأخ ، إن الصبر في الموضع البارد على الغم والمرض والوهن والألم ،- هو نبع ماء الحياة وكأس السكر ، وكل أنواع الرفعة هذه في المذلة والضعة . 2270 - وفصول الربيع كلها مضمرة في الخريف ، وذلك الخريف " مضمر " في الربيع ، فلا تهرب منه .- وكن رفيقا للغم ، وائتلف مع الوحشة ، وداوم في موتك على طلب العمر الطويل .- وما تقوله لك نفسك : هذا موضع سئ ، لا تستمع إليها ، فإن ديدنها قول عكس الحقيقة .« 198 » - وخالفها ، فهكذا ورد عن الأنبياء كوصية بشأن الدنيا .- وإن المشورة واجبة في الأمور ، حتى يقل الندم آخر الأمر . 2275 - ولقد قام الأنبياء بكثير من التدابير ، حتى صار هذا الطاحون دائرا على هذا الحجر .- والنفس لا تفتأ تريد التخريب ، وأن تجعل الخلق ضالين حائرين .- وقالت الأمة : مع من أقوم بالمشورة ؟ وقال الأنبياء : مع العقل الإمام .- وقالت : وإن كان ثم امرأة أو طفل لا عقل له ولا رأى مستنير .- قال : شاوره وخالفه فيما قاله ، واتخذ طريقك . 2280 - واعتبر نفسك " التي بين جنبيك " امرأة ، بل وأسوأ من المرأة ، ذلك أن المرأة جزء ، والنفس كل الشر .- وإذا قمت بالمشورة مع نفسك ، فقم بمخالفة كل ما تقوله تلك الدنية .- فحتى إن أمرتك النفس الماكرة بالصلاة والصوم ، تولد فيك المكر .- وفي المشورة مع نفسك ، عند الفعال ، يكون عكس ما تشير به ، هو الكمال .- وإنك لا تقوى عليها ولا على جدالها ، فاذهب إلى رفيق طريق ، واختلط به . 2285 - فإن العقل يقوى من عقل آخر، ألا يجد السكر الكمال من قصب السكر؟ «1»- ولقد رأيت الكثير من مكر النفس ، فإنها تسلب بسحرها التمييز .- وإنها لتضع الوعود الجديدة في يدك ، وهي التي حطمتها آلاف المرات ................................................................( 1 ) ج / 4 - 639 : - الشطرة الثانية : وإنما يتم كمال الحرفي بحرفي آخر . « 199 » - وإنها إن أمهلتك مائة سنة من العمر ، فإنها تقدم لك كل يوم ذريعة جديدة - وتقول وعودها الغثة بلهجة حارة ، وهي ساحرة للرجولة ، " تربط " الرجل . 2290 - فيا ضياء الحق ، يا حسام الدين ، تعال ، فبدونك لا ينمو نبات في الأرض البور .- فلقد أسدل من الفلك حجاب ما ، بسبب لعنة أحدهم ، قد تأذى قلبه .- وهذا القضاء ، إنما يعالجه أيضا القضاء ، وعقول الخلق في القضاء عاجزة ، عاجزة .- لقد صارت تلك الحية السوداء أفعوان ، تلك التي كانت مجرد دودة ملقاة في الطريق .- والأفعوان والحية في يدك ، صارا عصا ، يا من ثملت روح موسى بك 2295 - ولقد أعطاك الله حكم " خذها ولا تخف " لكي تصير الأفعى في يدك عصا .- فهيا ، أبد اليد البيضاء أيها الملك ، واجعل الصبح الجديد ينبثق من الليالي السوداء .- لقد تأجج الجحيم ، فانفث فيه رقية منك ، يا من نفسك زائد عن نفس البحر .- والبحر ماكر ، أبدى زبدا ، وثم جحيم أبدى الصهد من مكره .- وإنه ليظهر هينا في نظرك ، حتى تراه ضعيفا ، ويتحرك غضبك 2300 - مثلما كان الجيش كثير العدد ، لكنه أبداه في نظر الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قليلا- حتى هاجمه الرسول صلى اللّه عليه وسلّم دون خوف ، وإن كان قد رآه كثيرا ، لتوخى الحذر . « 200 » - لقد كانت تلك عناية ، وكنت أهلها يا أحمد ، وإلا لوجلت .- ولقد أبدى له الله ولأصحابه ، هذا الجهاد الظاهر والباطن قليلا .- وذلك حتى تتيسر اليسرى من أجله ، وحتى يحول وجهه عن العسرى . 2305 - وإبداؤه لك قليلا كان نصرا ، فقد كان الحق رفيقا ومعلما للطريق .- وذلك الذي لا يكون الحق ظهيرا له من الظفر ، ويله إن بدى له القط أسدا هصورا .- وويله إن رأى مائة " شخص " من بعيد شخصا واحدا ، حتى يتقدم للنزال غرورا .- ومن هنا يبدي ذا الفقار مجرد حربة ، ومن هنا يبدي الأسد الهصور كالقط .- حتى يشتبك الأحمق في القتال متشجعا ، فيظفر بهم بين مخالبه بهذه الحيلة . 2310 - وحتى يأتي أولئك الحمقى بأقدامهم نحو الجحيم .- وحينا يبدي قشة ، حتى تنفخ فيها متسرعا ، لتمحوها من الوجود .- فحذار ، إن هذه القشة جبال راسخة ، الدنيا باكية منها ، وأنت ضاحك " سخرية " .- وهو يبدي ماء هذا الجدول حتى الكعب ، ومائة من أمثال عوج بن عنق غرقى فيه .- وهو يبدي له موج الدم وكأنه تل من مسك ، ويبدي قاع البحر ترابا جافا « 201 » 2315 - ولقد رأى فرعون الأعمى ذلك البحر يابسة ، حتى ساق فيه من جرأته وقوته .- وعندما دخل فيه ، إذا به في قاع البحر ، ومتى كانت عين فرعون مبصرة ؟- والعين تصبح مبصرة من لقاء الحق ، ومن أين للحق أن يصبح نجيا لكل أحمق ؟ .- إنه يرى السكر ، وهو في حد ذاته سم قاتل ، ويرى الطريق ، وهو في أصله نداء الغول .- ويا أيها الفلك ، إنك تصبح حادا في فتنة آخر الزمان ، فالمهلة ، لحظة واحدة من الزمان . 2320 - إنك خنجر حاد تتجه إلى هلاكنا ، وإنك نصل مسمم تقصد هلاكنا .- أيها الفلك ، تعلم الرحمة من رحمة الحق ، وعلى قلوب النمل ، لا توجه لدغات الحية .- بحق ذلك الذي أدار عجلتك فوق هذه الدار .- أن تتحول عنا وترحمنا ، وذلك من قبل أن تقتلع جذورنا .- بحق تلك الحضانة التي قمت بها من البداية ، حتى نبتت أغصاننا من الماء والتراب . 2325 - وبحق ذلك المليك الذي خلقك صافيا ، وجعل كثيرا من المشاعل تبدو منك .- ذلك الذي جعلك معمورا باقيا ، حتى ظنك الدهري موجودا من الأزل . « 202 » - والشكر " لله " أننا عرفنا بدايتك ، وباح لنا الأنبياء بسرك هذا .- فيعلم الإنسان أن الدار حادثة ، ولست بالعنكبوت " خلقت " فيها عبثا .- ومتى تعلم البعوضة ملك من هذا البستان ، فقد ولدت في الربيع ، وموتها في الشتاء . 2330 - والدودة التي تولد في الخشبة واهنة الحال ، متى تعرف الخشب وقت أن كان غصنا ؟- وإن علمت الدودة عن ماهيتها ، لكانت عقلا ، ولكانت في صورتها فحسب دودة .- والعقل يبدي لنفسه الصور ، لكنه كالجني بعيد عنها بآلاف الفراسخ .- إنه أعلى من الملك ، فما بالك بالجني ؟ إن لك طيران الذباب ، ولذلك تطير في الحضيض .- وإن كان عقلك يطير نحو الأوج ، فطائر تقليدك يرعى في الحضيض . 2335 - والعلم " النائج عن " التقليد وبال على أرواحنا ، إنه عارية ، ونحن مطمئنون أنه لنا .- وينبغي الانصراف عن هذا العقل الجاهل ، وينبغي التشبث بالجنون- وكل ما تراه نفعا لك ، أهرب منه ، واشرب السم ، وأرق ماء الحياة .- وكل من يمدحك ، أشتمه ، واقرض النفع والمال للمفلس .- ودعك من الأمن ، وكن في موضع الخوف ، ودعك من الشرف ، وكن مفتضحا مشارا إليه بالبنان . 2340 - فلقد جربت العقل عميق التفكير ، ومن بعد ، لأجعل نفسي مجنونا . « 203 » إعتذار المهرج للسيد الأجل وبيان السبب في زواجه من بغير
- قال السيد الأجل للمهرج ذات ليلة : هل خطبت بغيا من عجلتك ؟- لقد كان ينبغي أن تطرح هذا الأمر عليّ حتى أزوجك بإحدى الحرائر .- قال : لقد تزوجت تسعا من الحرائر العفيفات ، فانقلبن إلى بغايا ، بحيث نحلت حزنا .- فخطبت تلك البغي جهلا ، حتى أرى إلام تؤول العاقبة . 2345 - ولقد جربت العقل كثيرا ، ومن الآن فصاعدا ، عليّ أن أبحث عن مغرس للجنون . دفع ذلك السائل لذلك الذكي الذي كان قد تظاهر بالجنون
إلى الكلام بالحيلة
- كان أحدهم يقول : أريد عاقلا أستشيره في مشكلة ما .- فقال له أحدهم : ليس في بلدنا عاقل إلا ذلك الذي يتظاهر بالجنون .- لقد ركب عودا من البوص ، فهاكه يا فلان ، إنه يجري بين الصبيان . « 1 »- إنه صاحب رأي ، ألمعي لوذعي ، وقدره كالسماء ، وقطعة من كوكب . 2350 - ولقد صار بهاؤه روحا للملائكة المقربين ، لكنه إختفى في هذا الجنون .- لكن لا تعتبر كل مجنون روحا ، ولا تسجد للعجل كأنك السامري- وعندما يقوم أحد الأولياء بالبوح لك بمئات الآلاف من أنباء الغيب والأسرار الخفية ،- ولم يكن عندك معرفة بها أو فهم لها ، لما ميزت فيها بين الروث والعود .- وما دام الولي قد جعل لنفسه حجابا من الجنون ، فمتى عرفته إذن أيها الأعمى ؟...............................................................( 1 ) ج / 4 - 677 : - يلعب بالكرة في أيامه ولياليه ، وهو كنز الدنيا وروح العالم .« 204 » 2355 - وإن كانت بصيرتك مفتحة يقينا ، فانظر تحت كل حجر إلى قائد " همام " .- وأمام تلك العين التي تكون مفتوحة قائدة ، يحتوي كل كليم على مثيل للكليم .- والولي إنما يشهره الولي ، وكل من أراده ، يجعله ذا نصيب منه .- ولا يستطيع أحد أن يعرفه بالعقل ، ذلك أنه قد جعل نفسه مجنونا .- وعندما يسرق لص مبصر شيئا من أعمى ، هل يعرفه " الأعمى " أبدا عندما يمر به ؟ 2360 - ولا يعرف الأعمى من كان سارقه ، بالرغم من أن اللص العنود يصطدم به .- وعندما يعقر كلب درويشا أعمى ، أنى له أن يعرف هذا الكلب العقور ؟ هجوم كلب على متسول أعمى
- كان كلب في حي يهجم كأسد الشرى على متسول أعمى .- والكلب يهاجم الدراويش غاضبا ، والقمر يكتحل بتراب الدراويش .- وعجز الأعمى من نباح الكلب وخاف منه ، فبدأ الأعمى في تعظيم الكلب . 2365 - قائلا له : يا أمير الصيد ويا أسد القنص ، لك اليد الطولى ، فأقلع عن الهجوم عليّ .- فمن الضرورة قام ذلك الحكيم بتعظيم ذيل الحمار ولقبه بالكريم .- فمن الضرورة ، قال له : أيها الأسد ، ما ذا تجنيه من صيد نحيل مثلي ؟- إن رفاقك يصيدون حمر الوحش في الصحراء ، وأنت تصيد الأعمى في الطريق ؟ إنه لا يجمل بك . « 205 » - إن رفاقك يبحثون عن حمار الوحش صيدا ، وأنت تبحث عن الأعمى في الطريق كيدا ؟ 2370 - وذلك الكلب المدرب العالم قام بصيد حمر الوحش ، بينما هاجم ذلك الكلب الدني الأعمى .- فعند ما تعلم الكلب العلم ، نجا من الضلال ، وقام في الآجام بالصيد الحلال .- والكلب عندما صار عالما ، صار جلدا على الزحف ، وعندما صار عارفا ، صار من أصحاب الكهف .- ولقد صار الكلب عارفا بمن يكون أميرا للصيد ، فيا إلهي ، أي شيء يكون هذا النور المعلم ؟- والأعمى لا يعرف ، ليس لأنه فاقد البصر ، بل من الجهل والغضب الأسود . 2375 - ولا يوجد من هو أكثر عمى من الأرض ، وهذه الأرض صارت بفضل الله ناظرة إلى الخصم .- ورأت نور موسى عليه السّلام فأكرمته ، وخسفت بقارون ، وعرفت قارون .- وزلزلت الأرض في هلاك كل دعي ، وفهمت من الحق عندما قال لها " إبلعي " .- والتراب والماء والهواء والنار ذات الشرر ، هي بلا علم معنا ، لكنها مع الحق ذات علم .- ونحن على العكس منها ، على علم بغير الحق ، وبلا علم بالحق ، وبالعديد من النذر . 2380 - فلا جرم أنها كلها أشفقن منها ، لكن إشفاقها ضعف عندما إختلطت بالحيوان . « 206 » - وقالت : إننا كلنا ضائقون من هذه الحياة ، حياة من يكون حيا مع الخلق ، ميتا مع الحق .- وعندما يبتعد عن الخلق يكون يتيما ، لكن القلب السليم هو الذي يجد الأنس مع الحق .- وعندما يسرق اللص متاعا من أعمى ، فإن ذلك الأعمى ، يتألم على العمياء .- وما لم يقل له اللص : ها أنا ذا الذي سرقت نك ، فأنا لص شديد المهارة ، 2385 - متى يعرف الأعمى سارقه ؟ ما لم يكن لديه نور العين وذلك الضياء ؟- وإن قال ، فأمسك به بشدة ، حتى يقر لك بعلامات المتاع المسروق .- ومن ثم فإن الجهاد الأكبر هو تعذيب اللص ، حتى يقر بما سلب ، وبما سرق .- فهو في البداية ، قد سرق كحل بصيرتك ، وعندما تسترده ، تسترد بصيرتك .- وبضاعة الحكمة الضائعة من القلب ، تسترد يقينا عند أهل القلوب . 2390 - وأعمى القلب ، وهو ذو روح وسمع وبصر ، لا يعرف اللص الشيطان من أثره .- فابحث عنها عند أهل القلوب ، ولا تطلبها من الجماد ، فإن الخلائق عنده على مثال الجماد .- ولقد جاء إليه ذلك الباحث عن المشورة قائلا : أيها الأب الذي صار طفلا ، بح لي بسر .- قال : إذهب عن هذه الحلقة ، فليس هذا الباب مفتوحا ، وعد ، فليس اليوم يوم السر . « 207 » - فلو كان للمكان طريق في اللامكان ، لكان لي مثل الشيوخ الآخرين . . . دكان . استدعاء محتسب لثمل مهدم إلى السجن
2395 - وصل المحتسب في منتصف الليل إلى مكان ما ، فرأى أسفل جدار ثملا راقدا .- قال : ها ، أيها الثمل ، ما ذا شربت ؟ قل ، قال : شربت من ذلك الموجود في الجرة .- قال : الخلاصة ، قل لي ما هو ذلك الموجود في الجرة ؟ قال : من ذلك الذي شربت منه . قال : هذا غامض ،- فما ذا كان ذلك الذي شربته ؟ ، قال : ذلك الذي كان مخبوءا في الجرة .- وأخذ هذا السؤال وهذا الجواب يدوران بينهما ، فبقي المحتسب كحمار في وحل . 2400 - قال له المحتسب : هيا ، تأوه ، فأخذ الثمل يقول : هو . . . هو .- قال : قلت لك تأوه فتقول هو ؟ قال : أنا سعيد ، وأنت أحناك الغم - وإن الآهة من الألم والغم والظلم ، وقول السكارى " هو " من السرور .- قال المحتسب : أنا لا أعرف هذا " الهراء " ، انهض ، انهض ، ولا تدع المعرفة ، ودعك من هذا العناد - قال : امض ، فما ذا بيني وبينك ؟ ، قال : أنت ثمل ، انهض ، وتعال معي إلى السجن . 2405 - فقال الثمل : أيها المحتسب ، دعني ، وامض ، فمتى يمكن أخذ رهن من عار ؟- فلو كانت لي قوة على السير ، لذهبت إلى منزلي ، ومتى كان هذا يتيسر لي ؟ ! « 208 » - ولو كنت ذا عقل وإمكان ، لكنت كالشيوخ جالسا على رأس الدكان . « 1 » جر السائل ثانية لذلك الرجل الأريب في الكلام ليعلم أكثر عن حاله
- قال ذلك الطالب " للمشورة " : يا راكبا على عود البوص ، تعال آخرا ولو للحظة واحدة ، وسق الفرس إلى هذه الناحية .- فساق نحوه قائلا : هيا ، قل سريعا ، فإن جوادي حرون جدا وحاد الطبع 2410 - وذلك حتى لا يرفسك ، أسرع ، عن أي شيء تسأل ؟ تحدث صراحة .- فلم يجد مجالا للبوح بسر قلبه ، فصرف النظر عنه ، ودخل في موضوع على سبيل الهزل .- " وقال " : أريد أن أتزوج من هذه الحارة ، فأي النساء تليق بشخص مثلي ؟- قال : النساء ثلاثة في هذه الدنيا ، اثنتان منهن ألم ، وواحدة كنز متجدد .- وهي التي إن أردتها ، تكون كلها لك ، والأخرى نصفها لك ، ونصفها بعيد عنك . 2415 - والثالثة ، ليس لك منها شيء ، إعلم هذا . . . هل سمعت ما قلت ؟ إبتعد ، فأنا ماض .- حتى لا يوجه إليك جوادي رفسة ، فتسقط ، ولا تنهض إلى الأبد .- وساق الشيخ ، وانخرط بين الصبيان ، فناداه الشاب مرة أخرى .- قائلا : تعال ، وفسر لي ما قلت آخرا ، لقد قلت أن النساء ثلاثة ، فاختر لي ................................................................( 1 ) ج / 4 - 699 : - ولو كان لي رأى وتدبير ، لكان لي كالشيوخ جاه وتوقير . - ولكان لي أيضا زنبيل وكدية ، ولكانت لي نذورات كل الأيام . - فدعك مني فلقد ضللت الطريق ، وابحث عن ذوي اللحي الطويلة والزوايا . .
يتبع