مجيء الرفاق إلى البيمارستان لعيادة ذي النون المصري المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
مجيء الرفاق إلى البيمارستان على مدونة عبدالله المسافر باللهمجيء الرفاق إلى البيمارستان لعيادة ذي النون المصري التأخير المثنوي المعنوي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مجيء الرفاق إلى البيمارستان لعيادة ذي النون المصري
رحمة الله عليه
« 138 » ظهور فضل لقمان وبراعته أمام الممتحنين « 1 »
- وكل طعام كان يجلب إليه ، كان يرسل في طلب لقمان . 1515 - حتى يمد لقمان يده إليه ، وحتى يأكل السيد من بعد أكله .- كان السيد يأكل بقاياه بلذة واشتهاء ، وكل طعام لم يكن يأكل منه ، كان يلقي به بعيدا .- حتى وإن كان يأكله بلا رغبة ولا اشتهاء ، وهكذا كانت العلاقة بينهما ، لا نهاية لها .- وكان قد جلب إليه بعض ثمار الدابوق " الخربوز " كهدية ، فقال : إذهب يا بني ، واستدع لقمان « 2 »- وعندما قطعها وأعطاه شريحة ، أكلها وكأنها السكر ، وكأنها العسل . 1520 - ولأنه كان يأكلها باشتهاء ، استمر في إعطائه ، حتى بلغت تلك الشرائح سبع عشرة بالتمام .- وبقيت شريحة ، فقال : لآكلها أنا ، حتى أنظر بنفسي أية دابوقة حلوة ................................................................( 1 ) ج / 4 - 45 : - ( محمد تقي جعفري : تفسير ونقد وتحليل مثنوي جلال الدين محمد مولوي - جلد 4 - جلد دوم از دفتر دوم - ط 11 - انتشارات اسلامي - تهران - بهار 1366 ه . ش . فيما بعد ج / 4 ) : وعندما عرف سيد لقمان لقمانا ، كان عبدا له وأحس نحوه بالعشق .( 2 ) ج / 4 - 45 : كان قد جلب له بعض ثمار الدابوق ، ولكن لقمان كان غائبا في تلك اللحظة . - قال السيد : يا غلام ، استدع لقمانا ، إذهب سريعا واستدع ولدنا لقمان ، - وعندما جاء لقمان وجلس أمامه ، امسك السيد سريعا بسكين . « 139 » - إنه يأكلها بهذا الشكل ، بحيث أنه من تلذذه ، أصبحت الطباع تشتهيها ، وتشتهي قضمها .- وعندما أكلها ، اشتعلت فيه النار من مرارتها ، وطفح لسانه بالبثور ، واحترق حلقه .- وغاب برهة عن الوعي من مرارتها ، ثم قال له : يا من أنت الروح والدنيا ، 1525 - كيف جعلت سما عسلا إلى هذه الدرجة ؟ وكيف اعتبرت القهر لطفا ؟- وما هذا الصبر ؟ وما سببه ؟ أتراك قد أصبحت عدوا لروحك ؟- ولما ذا لم تتعلل بحجة ما ؟ قائلا : عندي عذر فتوقف برهة .- قال : إنني من يديك التي تهب النعم ، قد أكلت كثيرا ، بحيث انحنيت خجلا .- فاستحييت ألا أشرب المر من يدك مرة واحدة يا صاحب المعرفة . 1530 - وما دامت كل أعضائي من إنعامك قد نبتت ، وغرقت في شبكك وحبوبك ،- فإنني إن صرخت واستغثت من مر واحد ، ليكن تراب مائة طريق على رؤوس كل أعضائي .- واللذة التي كانت في يدك التي تهب السكر، ما ذا تركت من مرارة في ذلك الدابوق؟ « 140 » - ومن المحبة ، تصبح كل المرارات حلوة ، ومن المحبة ، يصبح كل النحاس ذهبا .- ومن المحبة ، تصبح كل الثمالة صافية ، ومن المحبة ، تصبح كل الآلام شافية . « 1 » 1535 - ومن المحبة ، يبعث الميت حيا ، ومن المحبة ، يقلب الملك عبدا .- وهذه المحبة بدورها نتيجة للمعرفة ، ومخدوع جزاف القول ، متى جلس على هذا العرش ؟- ومتى أدت المعرفة الناقصة إلى هذا العشق ؟ والعشق يولد ناقصا ، إن كان موجها إلى جماد .- وعندما رأى على جماد ما لونا مطلوبا ، وسمع من مجرد صفير صوتا محبوبا .- والمعرفة الناقصة لا تعرف الفرق ، فلا جرم أن تعتبر البرق شمسا . 1540 - وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال إن كل ناقص ملعون ، كان هذا مؤولا بأنه نقصان العقول .- ذلك أن ناقص الجسد يكون موضعا للرحمة ، ولا يليق بالمرحوم الطعن واللعنة .- ونقص العقل مرض سئ ، لأنه يوجب اللعنة ، وهو أيضا جزاء البعد ................................................................( 1 ) ج / 4 - 146 : -- ومن المحبة تصبح الأشواك ورودا ، ومن المحبة ، يصبح الخل خمرا .- ومن المحبة ، تصبح المشنقة عرشا ، ومن المحبة ، يصبح الحمل إقبالا .- ومن المحبة ، يصبح السجن روضة ، وبلا محبة تصبح الروضة مستوقدا .- ومن المحبة تصبح النار نورا ، ومن المحبة ، يصبح الشيطان حورا .- ومن المحبة ، يصبح الحجر زيتا ، وبلا محبة يصبح الشمع حديدا .- ومن المحبة يصبح الحزن سرورا ، ومن المحبة يصبح الغول هاديا .- ومن المحبة ، يصبح الوخز عسلا ، وبلا محبة يصبح الأسد فأرا .- ومن المحبة يصبح السقم صحة ، ومن المحبة ، يصبح القهر رحمة . « 141 » - لأنه ليس من المستبعد تكميل العقول ، لكن تكميل الأبدان ليس بالأمر المقدور- وكفر كل مجوسي مبعد وفرعونيته ، إنما حدثت كلها من نقصان العقل 1545 - ومن أجل نقص البدن جاز الفرج ، وفي القرآن : ليس على الأعمى حرج " .- والبرق يكون آفلا عديم الوفاء ، وأنت لا تعرف الآفل من الباقي يا عديم الصفاء .- والبرق يضحك ، يضحك على من ؟ قل ، على ذلك الذي يعلق القلب بنوره .- وأنوار الفلك معقورة الأقدام ، وأين ذلك الذي لا هو بالشرقي ولا بالغربي ؟ .- واعلم أن من طبيعة البرق أنه يخطف الأبصار ، واعلم أن النور الباقي كله أنصار . 1550 - وسوق الجواد على زبد البحر ، وقراءة الخطاب على نور البرق ،- هو من الحرص وعدم رؤية العاقبة ، وهو ضحك على قلب المرء ، وعلى عقله- والعقل من خواصه أنه ناظر إلى العاقبة ، وتكون نفسا تلك التي لا تنظر إلى العاقبة .- والعقل المغلوب للنفس ، صار نفسا ، وعندما هزم المشترى من زحل ، صار نحسا .- وفي هذا النحس ، أعمل هذا البصر ، وانظر في من أصابك بهذا النحس . « 142 » 1555 - وذلك النظر الذي ينظر إلى هذا الجزر والمد ، أحدث فجوة من النحس صوب السعد .- ومن هذا فإنه يقوم بتحويلك من حال إلى حال ، مبديا الضد بالضد عند الإنتقال .- حتى يتولد لديك الخوف من ذات الشمال ، ولذة ذات اليمين ، يرجوها الرجال .- وحتى تصبح ذا جناحين ، فإن الطير ذا الجناح الواحد يعجز عن الطيران ، أيها النقي .- فإما لا تتركني أخوض في هذا الكلام ، وإلا فمرني أن أقول الأمر بتمامه 1560 - وإن لم ترد هذا وذاك ، فالأمر لك ، وأية معرفة للمرء بما هو مقصدك- وتنبغي روح إبراهيم عليه السّلام حتى يرى بالنور ، وهو في النار الفردوس والقصور .- ويصعد درجة درجة على الشمس والقمر ، حتى لا يبقى كأنه حلقة الباب .- وتعبر مثل الخليل من السماء السابعة ، إذ قال : لا أحب الآفلين .- وعالم الجسد هذا موقع في الخطأ ، اللهم إلا لذلك الذي تحرر من الشهوة إتمام حكاية حسد أولئك الحشم للغلام المقرب
1565 - إن قصة الملك والأمراء وحسدهم للغلام المقرب وسلطان العقل ،- قد تأخرت من جذب الكلام الجذوب ، وينبغي العودة إليها وإتمامها .- وبستاني الملك ذو الإقبال والحظ ، كيف لا يميز بين شجرة وشجرة ؟- تلك الشجرة التي تكون مرة معوجة ، وتلك الشجرة التي تساوي الواحدة منها سبعمائة ، - كيف يكون بينهما تسوية في التربة ، ما دام يراهما بعين العاقبة ؟ « 143 » 1570 - وما ذا تكون ثمار هذه الأشجار في النهاية ، بالرغم من أنهما متساويان في هذه اللحظة للنظر .- والشيخ الذي صار ينظر بنور الله ، يكون عالما بالبداية والنهاية .- فأغلق العين الناظرة إلى المزود ، من أجل الحق ، وافتح العين الناظرة إلى العاقبة ، فيما سبق .- وأولئك الحساد كانوا أشجارا سيئة ، كانوا سيئي الأصل منحوسي الطالع .- كانوا يغلون غضبا ويزبدون ، وفي الخفاء أخذوا يمكرون . 1575 - وذلك حتى يشنقوا الغلام المقرب ، ويجتثوا جذوره من الزمان .- وكيف يصير فانيا . ؟ ما دامت روحه مليكة ، وكانت جذوره في عصمة الله .- وعلم الملك بتلك الأسرار ، لكنه مثل أبي بكر الربابي ، تغاضى عن الأمر .- وأثناء مشاهدته لقلوب سيئي الأصل ، كان يسخر من أولئك المحتالين .- إنهم يمكرون هؤلاء القوم المحتالون ، حتى يوقعوا بالملك في الفقاع . 1580 - أثم مليك شديد العظمة لا حدود له ، متى يستوعبه ذلك الفقاع ، أيها الحمر .- لقد خاطوا شبكة من أجل الملك ، وهم في نهاية الأمر قد تعلموا التدبير منه- ومن نحس التلميذ أن يبدأ في مطامنة أستاذه والتقدم عليه .- ومع أي أستاذ ؟ أستاذ الدنيا ، والذي أمامه الخفي والعلن سيان .- لقد صارت عينه مصداقا ل " ينظر بنور الله " ولقد كان ممزقا لحجب الجهل . « 144 » 1585 - ومن قلب منقوب كأنه الغطاء المهلهل ، يعقد ستارا امام ذلك الحكيم - ويضحك عليه الستار بمائة فم ، وكل فم صار شقا على ذلك الستار .- ويقول ذلك الأستاذ للتلميذ : يا أقل من كلب ، أليس لديك وفاء لي ؟- فلا تعتبرني أستاذا حلالا للمشكلات ، هبني مثلك تلميذا أعمى القلب .- ألم تكن لك مني الفنون في الروح والقلب ، وبدوني لم يكن ليجري لك ماء ؟ 1590 - ومن ثم يعد قلبي معملا لإقبالك ، فكيف تحطم هذا المعمل أيها المعوج ؟- ثم تقول له " أيها التلميذ " لأقدح الزند في الخفاء ، أليس من القلب إلى القلب كوة ؟- إنه يرى فكرك آخر الأمر من الكوة ، والقلب يشهد من ذكرك لهذا الأمر .- وافترض أنه لا يواجهك به من الكرم ، وكل ما تقوله ، يضحك منه ويقول نعم ، - إنه لا يضحك لذة من مبحثك ، إنه يضحك على إصرارك وعنادك . 1595 - ومن ثم صار الخداع جزاء على الخداع ، ويا كاسر الكأس ، تلق إناء " على رأسك " ، هذا هو الجزاء .- ولو كانت ضحكته لك هي ضحكة الرضا ، لتفتحت مئات الآلاف من الورود أمامك .- وعندما يجعل قلبه ينغمس في الرضا ، إعلم أن شمسك قد دخلت في برج الحمل .- ومنه يضحك سواء النهار والربيع ، وتمتزج معا ، البراعم والمروج . « 145 » - ويلقي مئات من البلابل وطيور القمري ، بتغريدهم في هذا العالم الفقير إلى الزاد . 1600 - وما دمت ترى أوراق روحك صفراء مسودة ، كيف لا تعلم غضب المليك ؟- وشمس المليك في برج العتاب ، تجعل القلوب سوداء كأنها الكتاب .- وأوراق عطارد ذاك ، هي أرواحنا ، وذلك البياض والسواد ، ميزان لنا .- ثم يعود ويكتب منشورا أحمر وأخضر ، حتى يخلص الأرواح من الهوس والعجز .- ثم ينسخ الربيع الجديد الأحمر والأخضر ، في اعتباره ، وكأنه قوس قزح . « 1 » انعكاس تعظيم رسالة سليمان عليه السّلام في قلب بلقيس
من صورة الهدهد الضئيلة
1605 - لتكن هناك رحمة ذات مائة ضعف على روح بلقيس ، تلك التي وهبها الله عقلا يزن عقول مائة رجل .- لقد جاء هدهد إليها برسالة وأمارة من سليمان عليه السّلام ، فيها عدة كلمات ، ذات بيان- فقرأت تلك الكلمات الموجودة فيها باهتمام ، ولم تنظر باحتقار إلى الرسول .- لقد رأت جسده جسد هدهد وروحه روح عنقاء ، ورأت حسه كالزبد ، وقلبه كالبحر ................................................................( 1 ) ج / 4 - 163 : - واستمع في هذا المعنى إلى قصة ، حتى تحصل من المعاني على حصة . « 146 » - والعقل مع الحس في حرب ، من هذه الطلاسم ذات اللونين ، مثل حرب محمد صلى اللّه عليه وسلم مع أمثال أبي جهل . 1610 - والكفار رأوا أحمد من البشر ، لأنهم لم يروا منه انشقاق القمر- فلتحث التراب في عينك التي ترى المحسوس ، وعين الحس عدوة العقل والدين .- ولقد دعا الله عين الحس عينا عمياء ، وقال أنها عابدة للصنم ، ودعاها عدوة لنا .- ذلك أنها رأت الزبد ، ولم تر البحر ، ذلك أنها رأت الحاضر ، ولم تر الغد .- وسيد الحال والغد ماثل أمامه ، وهو لا يرى من الكنز إلا ربع دانق . 1615 - وذرة من تلك الشمس تأتي بالرسالة ، فتصبح الشمس أمة لتلك الذرة .- وقطرة من بحر الوحدة ، لو صارت سفيرا ، لصارت البحار السبعة أسيرة لتلك القطرة .- ولو أصبح كف من التراب مسرعا إليه ، لطأطأت الأفلاك رؤوسها أمامه .- وتراب آدم عندما صار مسرعا إلى الحق ، سجدت أمام ترابه الملائكة .- " والسماء انشقت " ، من أي شيء في النهاية ؟ ، من عين واحدة فتحها مخلوق من تراب . 1620 - والتراب من ثقله يترسب تحت الماء ، فانظر إلى تراب يجاوز العرش من سرعته .- واعلم إذن أن تلك اللطافة ليست من الماء ، وأنها ليست سوى عطاء المبدع الوهاب . « 147 » - وإن جعل الهواء والنار سفليين ، أو جعل الشوك ينفذ من الورد ،- فهو الحاكم ، ويفعل الله ما يشاء ، أن يستخرج الدواء من قلب نفس الألم .- وإن جعل الهواء والنار سفليين ، وجعل فيهما الظلمة والثفل والثقل ، 1625 - أو جعل الأرض والماء علويين ، أو جعل طريق الفلك مطويا بالقدم « 1 »- إذن فقد صارت يقيناتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، لقد قال لمخلوق من تراب " افتح جناحيك " .- وقال لمخلوق من نار : اذهب ، وكن إبليس ، وكن تحت سابع أرض ، صاحب تلبيس .- ويا آدم المخلوق من تراب ، امض أنت على السها ، ويا إبليس المخلوق من نار ، امض حتى الثرى .- ولست أنا بالطباع الأربعة ولا بالعلة الأولى ، وأنا في تصريف ملكي الباقي دائما . 1630 - وعملي بلا علة ومستقيم ، إنه تقديري ، وليس علة ، أيها السقيم .- وأنا أغير عادتي عندما ينبغي ، وأجلس هذا الغبار في المقدمة ، عندما ينبغي .- وأقول للبحر : هيا ، كن مليئا بالنار ، وأقول للنار : امضى ، وكوني روضة ................................................................( 1 ) ج / 4 - 178 : - ليس عند أحد الجرأة لأن يقول كيف ، وكثير من الأكباد تلك التي صارت دما في هذا الطريق . « 148 » - وأقول للجبل : كن خفيفا وكأنك الصوف ، وأقول للفلك : اهبط ، وكن أمام العين .- وأقول : أيتها الشمس ، كوني قرينة للقمر ، واجعلهما كليهما كسحابتين سوداوين . 1635 - ونجعل عين الشمس جافة ، ونجعل بفضلنا عين الدم مسكا .- والشمس والقمر كأنهما بقرتان سوداوان ، يربط الله النير على عنقيهما . إنكار المتفلسف على آية إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً
- كان أحد المقرئين يقرأ من الكتاب ، آيةإِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً، أي أسد الماء عن العين .- وأخفي الماء في الأعماق ، وأجعل العيون جافة ، وأرضا بورا .- فمن الذي يأتي بالماء مرة أخرى في العين ، إلا أنا ذو الفضل والخطر ، الذي لا مثل لي . 1640 - وكان أحد المتفلسفين المناطقة الهازلين ، يمر من ناحية المكتب في تلك اللحظة .- وعندما سمع الآية ، قال من إنكاره : نأتي بالماء بالمعاول .- فنحن بضربات الفؤوس وحدة الطبر ، نأتي بالماء من الأغوار إلى أعلى .- ونام لليلة ، ورأى أن أحد الشجعان قد صفعه ، فأصاب كلتي عينيه بالعمى .- وقال له : إيت من هذين النبعين للعين بالنور - أيها الشقي - بالطبر إن كنت صادقا . 1645 - ونهض صباحا فوجد عينيه عمياوين ، وقد اختفى النور الفياض من عتبته . « 149 » - ولو أنه قد ناح واستغفر ، لعاد إليه من الكرم النور الضائع .- لكن الاستغفار ليس أيضا في اليد ، ولذة التوبة ليست هبة لكل ثمل .- وقبح الأعمال ، وشؤم الجحود ، كانت قد سدت طريق التوبة أمام قلبه .- وصار القلب من صلابته كأنه الصخرة ، فكيف تشقه التوبة من أجل الزراعة ؟ 1650 - فأين مثيل شعيب عليه السّلام ، حتى يجعل الجبل أرضا زراعية بدعائه ؟- ومن ضراعة ذلك الخليل واعتقاده ، صار ممكنا الأمر الصعب والمستحيل .- أو بتوسل المقوقس إلى الرسول ، صارت أرضا جبلية مزرعة ذات أصول .- وهكذا على العكس ، فإن إنكار المرء ، يجعل الذهب نحاسا والصلح حربا .- وهذا المحتال كان حجر جذب ممسوخ ، يجعل التراب القابل حجرا وحصى . 1655 - وليس لكل قلب الأمر بالسجود ، وأجر الرحمة ليس أيضا لكل أجير .- فحذار ، ولا ترتكب الجرم والذنب اعتمادا على هذا ، قائلا : سوف أتوب وأدخل في حمى " الله " .- وإنما ينبغي للتوبة حرقة ودمع ، وإنما يشترط للتوبة برق وسحاب .- وإنما ينبغي للفاكهة نار وماء ، وإنما يجب على السحب والبرق هذا المنوال .- وما لم يكن برق القلب وسحاب العين ، متى تهدأ نار التهديد والغضب ؟ « 1 » 1660 - فمتى تنبت خضرة لذة الوصال ؟ ومتى تجيش العيون بالماء الزلال ؟- ومتى تبوح الرياض بالأسرار للمروج ، ومتى يعقد البنفسج العهد مع الفل ؟...............................................................( 1 ) ج / 4 - 225 : - وما لم يكن بكاء السحاب ، وما لم يكن ضحك البرق يا بني . « 150 » - ومتى تبسط شجرة سنار كفها بالدعاء ؟ ومتى تشمخ شجرة برأسها في الهواء ؟- ومتى تأخذ برعمة في نفض كمها الملئ بالنثار أيام الربيع ؟- ومتى تتألق زهرة الشقائق بوجهها وكأنه الدم؟ ومتى يخرج الورد الذهب من كيسه؟ 1665 - ومتى يأتي البلبل ويشم الورد ؟ ومتى تهدل الفاختة كالطالب : كو كو أي أين ؟ أين ؟- ومتى يصيح اللقلق : لق ، لق من أعماق روحه ، وما ذا تعني ؟ تعني : لك الملك أيها المستعان .- ومتى يبدي التراب أسرار الضمير ؟ ومتى يصبح البستان بلا قمر سماء ومنيرا ؟- ومن أين أتوا كلهم بتلك الحلل ؟ إنها كلها من كريم رحيم .- وتلك اللطائف دليل على الحسن ، إنها آثار قدم رجل عابد . 1670 - وإنما يفرح بالأمارة من رأى المليك ، وما لم يره ، لا يكون عنده انتباه إليها .- وروح ذلك لشخص الذي في أوان " ألست " ، رأى ربه ، وصار فاقدا لوعيه ، ثملا .- إنما يعرف رائحة الخمر من شرب الخمر ، وما دام لم لم يشربها ، أي علم له بشم أريجها ؟- ذلك أن الحكمة كالناقة الضالة ، وهي كالدلالة ، دالة للملوك .- إنك ترى في النوم صاحب وجه حسن ، يعدك ، ويعطيك الأمارات . « 151 » 1675 - وبقول لك : سيتم لك المراد ، وهاك أمارة ، أن فلانا يأتي إليك غدا .- وأمارة أخرى : أنه سيكون راكبا ، وأمارة ثالثة : أنه سوف يعانقك .- وأمارة رابعة ، أنه يبش في وجهك ، وأمارة خامسة : أن يعقد يده أمامك " تأدبا " .- وأمارة سادسة : ألا تقص هذه الرؤيا على أحد غدا متسرعا .- وعن تلك الأمارة قال لزكريا عليه السّلام حين قال لهآيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ 1680 - واصمت ثلاث ليال عن الخير والشر ، وهذه أمارة أن يحيى سيولد لك .- ولا تنبس طيلة ثلاثة أيام ببنت شفة ، فهذا السكوت هو آيتك المقصودة .- فحذار لا تتحدث عن هذه الآية ، وأخف هذا الكلام في قلبك .- وهكذا يقول له هذه الأمارات التي تشبه السكر ، وما ذا تكون هذه ؟ بل مائة آية أخرى .- كانت أيضا آية على ذلك الملك والجاه الذي تطلبه ، وسوف تجده . 1685 - ذلك أنك كنت تبكي عند طلبه الليالي الطوال ، وأنك تحترق من الضراعة عند السحر .- وأنك بدونه قد أظلم نهارك ، وصارت عنقك رقيقة كأنها المغزل .- وأنك أخرجت كل ما تملكه زكاة ، وبذلت حتى ثيابك ، مثل اللاعبين بطهر .- وأنك بذلت متاعك وجافيت النوم وأصابك الشحوب ، وضحيت برأسك ، وصرت في " نحول " الشعرة .- ومكثت طويلا في النار وكأنك العود ، وتعرضت كثيرا للسيف وكأنك الخوذة 1690 - ومن أنواع هذه المسكنة مائة ألف ، وهذا طبع العشاق ، ولا يحده حصر . « 152 » - وما دمت قد رأيت هذا الحلم بالليل ، فقد طلع النهار ، ورجاء فيه ، صار يومك موفقا .- وأخذت تدير عينك يمينا ويسارا ، متسائلا : أين هذه الأمارات والعلامات ؟- وترتعد كورقة شجرة صائحا : ويلاه ، إن مر النهار ، ولم تظهر الأمارات .- ولا تفتأ تسرع في الحي والسوق والدار ، مثل ذلك الذي فقد عجله . 1695 - أيها السيد : خيرا ؟ ما هذا العدو المستمر ؟ هل ضاع هنا ما لديك ؟ أو من يكون لك ؟- فتقول له : خير ، لكن خيري لا يجوز أن يعلم به غيري .- وإن تحدثت عنه ضاعت إحدى أماراته ، وما دامت الأمارة قد أصابها الفوت ، أصبح الوقت كالموت .- وتنظر في وجه كل إنسان راكب ، ويقول لك : لا تنظر إليّ كالمجنون .- فتقول له : لقد فقدت صاحبا ، وتوجهت بحثا وتنقيبا عنه . 1700 - ولتدم دولتك أيها الفارس ، ارحم العاشقين ، واعذرنى .- وما دمت قد طلبت بجد ، فقد جاءك النظر ، والجد لا يخطئ ، هكذا جاء في الخبر .- ففثمة فارس قد جاء فجأة حسن الإقبال ، وقام باحتضانك بشدة .- وأنت قد غبت عن الوعي ، وسقطت في ناحية ، وقال من هو على غير علم :يا له من رياء ونفاق . ! !- فماذا يرى هو ، وما علمه بهذا الوجه الذي يعانيه ، إنه لا يدرى علامة وصل من هذي . 1705 - إن هذه الأمارة من حق من يكون قد رآها ، وكيف تظهر الأمارة لآخر لم يرها . ؟ « 153 » - وكل برهة تصل فيها أمارة منه ، تصل للمرء منها روح الروح .- لقد تقدم الماء إلى السمكة المسكينة ، وهذه هي الأمارات : تلك آيات الكتاب .- ومن ثم فالأمارات الموجودة في الأنبياء ، خاصة بتلك الروح التي تكون عارفة .- ولقد بقي هذا الكلام ناقصا لا يستقر على حال ، ولا جرأة لي ، بل أنا مسلوب القلب ، فاعذرني . 1710 - ومتى يستطيع أحد أن يعد الذرات ؟ خاصة ذلك الذي سلب منه العشق اللب .- فهل أقوم بعد أوراق البستان ؟ وهل أقوم بعد هديل القطى ونعيق الغربان ؟- إنها لا تتأتى في حصر ، لكني أعدها ، من أجل رشد من تعرض للامتحان .- ونحس عطارد أو سعد المشترى ، لا يتأتى في بيان أو حصر ، إن عددته .- لكن بعض آثار هذين يجب تفسيرها ، أي النفع والضر . 1715 - حتى تصبح آثار القضاء معلومة ، أو نبذة منها لأهل السعد والنحس .- وعندما يصبح المشترى طالعا لأحد ، يصبح مسرورا من السعادة والجاه .- وذلك الذي يكون طالعه زحل ، ينبغي أن يحتاط في الأمور من كل شرور .- وإن لم أتحدث عن ذلك الذي طالعه زحل ، يحترق بناره ذلك المسكين . « 1 »...............................................................( 1 ) ج / 4 - 227 : -- فكف أيها العابث ، حتى لا تأتي من تلك الشمس ، نار متاججة على حين غرة- ومن الكواكب الموجودة في الفلك الذي لا حدود له ، لا يبقى في لحظة ، لا نور ولا أثر .- وكن مشغولا بما فيه ثمر ، وكن معزولا عن بقية الأحوال .- وحركة الأفلاك لا تكون إلا عقيمة ، ولا ثمر فيه إلا ذلك اللطف العميم . « 154 » - ولقد أمرنا مليكنا قائلا : اذكروا الله ، ورآنا في النار فوهبنا النور . 1720 - وقال : بالرغم من أنني مستغن عن ذكركم ، فإنه لا تليق بي الصور .- لكن الثمل بالصور والخيال ، لا يدرك ذاتنا التي بلا مثال .- والذكر على مثال الأجساد خيال ناقص ، والوصف على مثال المليك ، خالص من تلك الأمور .- فهل يقول أحد في وصف المليك : إنه ليس نساجا ؟ أي مدح هذا ؟ ألا يكون هذا جهلا ؟.