بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد على منتدى عبدالله المسافر باللهبيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
« 110 »بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد
- كانت جماعة من الحيوان في واد نضير ، في صراع دائم مع الأسد . 905 - ومن كثرة ما كان الأسد يخطف منها من مكمنه ، كان المرعى قد صار نكدا عليها كلها .- فاحتالوا جميعا ، وجاءوا إلى الأسد ، وقالوا له : سنجرى عليك راتبا بما يشبعك .- فلا تسع من بعد الآن في إثر صيد ، حتى لا تتمرر في حلوقنا هذه الأعشاب ، جواب الأسد على الحيوانات وحديثه عن فائدة الجهد
- قال : أجل ، إن رأيت الوفاء لا المكر ، إذ رأيت كثيرا من الحيل من هذا وذاك .- إنني هالك من أفعال الخلق ومن مكرهم ، وأنا الملدوغ من الحية ومن العقرب . 910 - والنفس من قبيل الخلق كامنة في داخلي ، وهي أسوأ منهم جميعا مكرا وحقدا .- ولقد سمعت أذني الحديث " لا يلدغ المؤمن " ، فاختارت قول الرسول بالروح والقلب . ترجيح الحيوانات التوكل والتكسب على الجهد
- قالوا جميعا : أيها الحكيم العالم ، " الحذر ، دع ، ليس يغني عن قدر " « 1 »- وفي الحذر إثارة للفتنة والشر ، فامض وتوكل ، فالتوكل أفضل ................................................................( 1 ) بالعربية في المتن .« 111 » - ولا تعاند القضاء أيها الحاد المتهور ، حتى لا يعاندك القضاء بدوره . 915 - وينبغي أن يكون المرء ميتا أمام حكم الحق ، حتى لا يأتينه الطعان من رب الفلق . ترجيح الأسد ثانية الجهد والاكتساب على التوكل والتليم
- قال : أجل ، إذا كان التوكل رائدا ، فالأخذ بالسبب أيضا سنة نبوية .- فلقد قال الرسول بصوت عال : اعقل ركبتي البعير وتوكل .- واستمع إلى الرمز القائل " الكاسب حبيب الله " ، ومن التوكل لا تكن متكاسلا في الأخذ بالسبب « 1 » ترجيح الحيوانات للتوكل على الاجتهاد
- قال له الحيوان : إن الكسب من ضعف الخلق ، فاعلم أنه لقمة رياء على قدر الحلق . « 2 » 920 - ولا كسب هناك أفضل من التوكل ، وأي شيء يستحب من الخلق أكثر من التسليم ؟- وكثيرون من هم في الدنيا يفرون من البلاء إلى البلاء ، وكثيرون هم الذين يهربون من الحية إلى التنين .- لقد احتال الإنسان ، وكانت حيله شركا له ، ومن ظنه حبيبا كان سافكا لدمه ................................................................( 1 ) ج / 1 - 420 فاذهب أيها العم وتوكل مع الكسب ، وداوم على الجهد . . . وداوم على الكسب شعرة بشعرة . - وجاهد وأبد الجهد حتى تنجو وإن قعدت عن الجهد فاعلم أنك أبله .( 2 ) ج / 1 - 423 : - إذن فاعلم أن الكسب إنما نشأ من الضعف والاعتماد على الغير في التوكل خطأ . « 112 » - وأغلق الباب والعدو داخل داره ، وكيد فرعون من هذا القبيل .- فلقد قتل مئات الآلاف من الأطفال ذلك الحقود ، في حين أن من كان يقصده كان داخل داره . 925 - ولما كانت هناك كثير من العلل في عيوننا ، فاذهب وأفن بصيرتك في بصيرة الحبيب .- فأن بصيرته نعم العوض عن بصيرتنا ، وإنك لتجد في بصيرته كل ما تهوى .- والطفل طالما أنه لا يمسك ولا يسعى ، لا يكون له من مطية سوى عنق أبيه . ، - لكنه عندما صار فضوليا وأبدى له يدا وقدما ، وقع في العناء من البلايا والمحن - وأرواح الخلق قبل أن " تكتسي " أيدي وأقداما ، كانت تحلق في الوفاء من الصفاء . 930 - وعندما صارت سجينة بأمر " اهبطوا " ، صارت حبيسة للغضب والرضا والحرص .- ونحن عيال الحضرة " الإلهية " نطلب منها الرضاع ، ولذا قال الرسول الخلق عيال " للإله " - وذلك الذي يرسل المطر من السماء ، يستطيع أيضا أن يهب الخبز من رحمته . ترجيح الأسد الجهد على التوكل
- قال الأسد : أجل ، لكن رب العباد وضع سلما أمام أقدامنا .- وينبغي الصعود إلى السطح درجة درجة ، والطمع الساذج هنا من قبيل الجبر . 935 - ولك قدم فكيف تجعل من نفسك أعرج ؟ ولك يد ، فكيف تخفي قبضتك ؟- ولو وضع السيد فأسا في يد عبد ، فإنما يكون مراده معلوما دون بيان .« 113 » - واليد كالفأس في إشاراته ، والتفكر في العواقب عباراته .- وعندما تتمسك بإشاراته بالروح ، وتضحي بالروح وفاء لتلك الإشارة ؛ - تعطيك إشاراته الأسرار ، ويضع الإصر عن كاهلك ، ويعطيك العمل . 940 - وأنت حامل " للأمانة " فيجعلك محمولا " في البر والبحر " ، وأنت قابل " لأمره " فيجعلك مقبولا .- وإن كنت قابلا لأمره يجعلك قائلا " لأسراره " ، وإن بحثت عن الوصل تصبح بعدها واصلا .- والسعي يكون شكرا لنعمة القدرة ، وجبرك إنكار لتلك النعمة .- وشكر القدرة يزيدك قدرة ، والجبر يجعل النعمة تتسرب من كفك .- وجبرك يكون نوما فلا تنم في الطريق ، لا تنم ما لم تر هذا الباب والبلاط . 945 - انتبه ، ولا تنم أيها الكسول فاقد الاعتبار إلا تحت تلك الشجرة المثمرة .- حتى تجعل الرياح الأغصان ناثرة للثمار في كل لحظة ، وتصب علي النائم الثمار والزاد .- أثمة جبر ونوم بين قطاع الطرق ؟ ومتى يجد الطائر المغرد في غير أو ان أمانا ؟- وإنك إن تكبرت على إشاراته ، تظن نفسك رجلا ، وأنت " في الحقيقة " امرأة .- ويضيع حتى هذا القدر من العقل الذي لديك ، والرأس الذي يطير العقل منه يصبح ذيلا . 950 - ذلك أن الجحود يكون شؤما وشنارا ، يحمل الجاحد إلى الدرك الأسفل من النار .« 114 » - وإن توكلت فزاول العمل ، زاول الكسب ، ثم اعتمد على الجبار . « 1 » ترجيح الحيوان ثانية التوكل على الجهد
- فرفعوا عليه جميعا أصواتهم قائلين : هؤلاء الحريصون الذين تذرعوا بالأسباب ؛- وهم مئات آلاف الآلاف من الرجال والنساء ، لما ذا صاروا إذن محرومين من منافع الدهر ؟- ومئات الآلاف من الأجيال من بداية الدنيا ، فتحوا مثل التنانين مئات الأفواه ؛ 955 - ولقد مكرت كثيرا تلك الجماعة من أرباب العلم ، بحيث كانت الجبال تقتلع من أساسها من جراء هذا المكر ،- ولقد وصف مكرهم ذو الجلال ، بأنه تزول منه الجبال - فلم يتحقق لهم من الصيد ومن العمل ، إلا ما كتب لهم من قسمة الأزل .- فكفوا جميعا عن التدبير وعن العمل ، وبقي فعل الله وكلمته .- فلا تعتبر الكسب إلا مجرد اسم أيها الشهير ، ولا تظنن الجهد إلا من قبيل الوهم أيها العيار .إمعان عزرائيل النظر في رجل ،
وهروب ذلك الرجل إلى قصر سليمان عليه السلام ،
وتقرير ترجيح التوكل على الجهد وقلة فائدة الجهد
960 - دخل أحد الوجهاء وقت الضحى إلى مجلس مظالم سليمان وهو يهرول .- كان وجهه شاحبا من الخوف وشفتاه زرقاوين ، فسأله سليمان ما الخبر أيها السيد ؟...............................................................( 1 ) ج / 1 - 431 : - اعتمد على الجبار حتى تنجو ، وإلا سقطت في بلاء الضلالة . « 115 » - قال : لقد نظر إليّ عزرائيل هكذا نظرة مليئة بالغضب والحقد .- قال : هيا قل ما ذا تريد الآن ؟ اطلب ، قال : مر الريح يا ملاذ الروح ؛- أن تحملني من هنا إلى الهند ، ربما أنجو بروحي إن ذهبت إلى هناك . 965 - وأليس الخلق هاربين من الفقر ، ومن ثم فهم فرائس للحرص والأمل ؟- فخوف الفقر مثال على ذلك الرعب ، واعلم أن الهند رمز للحرص والسعي .- فأمر الريح أن تحمله على وجه السرعة من فوق المحيط إلى قلب الهند .- وفي اليوم التالي ، عند انعقاد الديوان ولقاء " الرعية " ، قال الملك سليمان لعزرائيل :- لماذا نظرت بغضب إلى ذلك المسلم بحيث فارق أهله ؟ « 1 » 970 - قال : متى نظرت إليه بغضب ؟ لقد وجدته في طريقي فنظرت إليه بعجب ؛- لأن الله تعالى كان قد أمرني بأن أقبض روحه في الهند . « 2 » - فقلت مندهشا : لو كان له مائة جناح ، فبعيد عليه أن ينتقل إلى الهند . « 3 »- وأنت أيضا - أيها الأسد - قس أمور الدنيا كلها على هذا النسق ، وافتح عينيك وانظر .- فممن نهرب ؟ أمن أنفسنا ؟ ! يا للمحال ، وممن نختطف ؟ من الحق ؟ ! يا للوبال ! ! !...............................................................( 1 ) ج / 1 - 445 : لأي سبب نظرت بغضب إلى ذلك المسلم ، قل يا رسول الرب - فعجيب ذلك الذي فعلته ، بحيث شردته عن أهله وداره .( 2 ) ج / 1 - 445 : - قال له : يا ملك الدنيا ، لقد أخطأ الفهم وتخيل أمورا .( 3 ) ج / 1 - 445 : - ورأيته هنا واندهشت كثيرا ، وفكرت وازدادت حيرتي . - وعندما وصلت إلى الهند بأمر الحق ، رأيته هناك وقبضت روحه .« 116 » ترجيح الأسد ثانية للجهد على التوكل وبيانه لفوائد الجهد
975 - قال الأسد : أجل ، لكن أنظر أيضا إلى جهود الأنبياء والمؤمنين . « 1 » - لقد صدق الله تعالى جهدهم وما عانوه من جفاء ومن حلو ومر .- فأصبحت كل جهودهم حالا لطيفا ، " وكل شيء من ظريف هو ظريف " . « 2 » - وشباكهم بأجمعها صادت طيور الفلك ، وكل ما كان لديهم من نقص انقلب إلى زيادة .- فجاهد ما استطعت أيها العظيم في طريق الأنبياء والأولياء . 980 - والجهاد ليس من قبيل مغالبة القضاء ، فهو أيضا ما كتبه علينا القضاء .- وإني لأكون كافرا إن قلت إن السائر في طريق الإيمان والطاعة ، قد أحدث ضرا للحظة واحدة .- وإذا كانت الرأس لم تشج فلا تربطها ، وجاهد ليوم أو يومين ، ثم اضحك فيما تبقى " من أيام " .- فذلك الذي طلب الدنيا ، بحث عن محال سئ ، أما الذي طلب العقبى ، فقد طلب حسن الحال .- وأنواع المكر في طلب الدنيا شيء سخيف ، وأنواع المكر في طلب الآخرة أمر مطلوب . 985 - والتدبير يكون في إحداث فجوة في السجن ، والمكر في سد هذه الفجوة أمر سئ ................................................................( 1 ) ج / 1 - 448 : - والسعي للأبرار والجهاد للمؤمنين ، حتى الآن منذ بدء الخلق .( 2 ) بالعربية في المتن . « 117 » - وهذه الدنيا سجن ونحن سجناء ، فانقب السجن وخلص نفسك .- وما هي الدنيا ؟ هي الغفلة عن الله ، ليست في الكساء والمال والميزان والنساء .- والمال الذي تحمله من أجل الدين ، سماه الرسول " نعم المال الصالح " .- والماء في السفينة هلاك للسفينة ، والماء تحت السفينة ظهير لها ومعين . 990 - وذلك عندما يطرد المرء عن قلبه المال والملك ، ومن هنا لم يسم سليمان نفسه سوى بالمسكين .- والجرة المغلقة في البحر العباب ، طفت فوقه من قلبها الملئ بالريح .- وعندما يكون الهواء في باطن الدرويش ، يصبح ساكنا فوق بحر العالم . « 1 »- وبالرغم من أن هذا العالم كان ملكا لسليمان ، كان الملك في نظره هباء .- فأغلق فوهة القلب إذن واختم عليها ، واملأه بهواه الكبرياء الإلهي . 995 - فالجهد حق ، والتداوي حق ، والألم حق ، والمنكر لهذا جاهد من أجل أن ينفي الجهد « 2 »تقرير ترجيح الجهد على التوكل- وعلى هذا النمط ساق الأسد كثيرا من البراهين ، بحيث مل الجبريون من الرد عليها .- فترك الثعلب والغزال والأرنب وابن آوى الجبر والقيل والقال .- وعاهدوا الأسد المفترس ، ألا يبخس في هذا البيع ................................................................( 1 ) ج / 1 - 449 : - فلا يستطيع الماء أن يغرقه ، فإن له قلبا سعيدا بالنفخة الإلهية .( 2 ) ج / 1 - 449 : - فزاول الكسب واسع وجاهد ، حتى تعرف أسرار العلم اللدني . - وبالرغم من أن هذا العالم قائم على الجهد ، فمتى صار الجهد شهدا في فم الجاهل ؟ « 118 » - فيأتيه رزقه كل يوم بلا تعب منه ، ولا تعود به حاجة إلى طلبه . « 1 » 1000 - ومن كانت القرعة تقع عليه يوما بعد يوم ، كان يسرع نحو الأسد وكأنه الفهد .- وعندما وصلت هذه الكأس في دورانها إلى الأرنب ، صاح قائلا : حتام هذا الجور ؟ إنكار الحيوان على الأرنب تأخره في الذهاب إلى الأسد
- قال له القوم : لنا ردح من الزمن ونحن نضحي بأرواحنا فداء للحفاظ على العهد والوفاء .- فلا تطلب لنا سوء السمعة أيها العنود ، وحتى لا يغضب الأسد ، هيا ، اذهب إليه بأسرع ما يمكنك . جواب الأرنب عليهم
- قال : أمهلوني أيها الرفاق ، حتى تنالوا النجاة الكبرى . 1005 - وحتى تجد أرواحكم الأمان بمكرى ، ويبقى هذا ميراثا لأبنائكم .- وكل نبي بين الأمم في هذه الدنيا ، يكون على هذا النسق ، فيسمي بالمخلص ................................................................( 1 ) ج / 1 - 457 : - وعندما أخذوا بينهم موثقا وذهبوا آنذاك إلى المرعي أمنين من الأسد المفترس . - اجتمعت تلك الحيوانات في مكان واحد ، وقد ثارت بينهم ضوضاء وضجة . - كان كل منهم يطرح رأيا وتدبيرا ، وكان كل منهم يسعى في دم الآخر . - وفي النهاية اتفقوا فيما بينهم ، أن تطرح القرعة فيما بينهم . - وكل من تقع عليه القرعة يكون الفريسة ، ويكون طعاما للأسد دون مناقشة . - واتفقوا فيما بينهم جميعا ، أن تكون القرعة مناط الاختيار . « 119 » - فقد كان طريق النجاة يوحى إليه من الفلك ، بينما كان " هذا الطريق " مختفيا كإنسان العين .- ورآه الخلق صغيرا كإنسان العين ، ولم يفهم إنسان عظمة إنسان العين . اعتراض الحيوان على كلام الأرنب
- قال له القوم : استمع أيها الحمار ، وسيطر على نفسك ، كما ينبغي لأرنب . 1010 - وانتبه ، ما هذا التنفج الذي لم يدر بخاطر من هم أفضل منك ؟- فهل أُصبت بالعجب ؟ أو أن قضاءنا في أثرك ؟ وإلا فمتى كان هذا الحديث لائقا بمن هم مثلك ؟ جواب الأرنب على الحيوان
- قال : أيها الرفاق ، لقد ألهمني الحق ، وألا يقع لضعيف رأى قوى ؟- وما علمه الحق للنحل ، لا يكون للأسد ولا لحمار الوحش .- إنه يصنع بيوتا مليئة بالشهد الطري ، فلقد فتح الله عليه أبواب العلم . 1015 - وما علمه الحق لدودة القز ، هل علم فيل قط هذا النوع من العلم ؟- وآدم المخلوق من تراب تعلم العلم من الحق ، حتى تألق علمه في السماء السابعة ! ! - فحطم أسماء الملائكة " وحط " من قدرها ، برغم أنف ذلك الذي كان يشك في الحق .- فصنع لذلك العجل الذي بلغ من العمر ستمائة ألف عام كمامة ، أجل . . . لذلك العجل .« 120 » - وذلك لكي لا يستطيع أن يتجرع لبانة علم الدين ، وحتى لا يطوف حول ذلك القصر المشيد . 1020 - وعلوم أهل الحس صارت كالكمامة بالنسبة لهم ، وذلك لكي لا يشربوا لبانة ذلك العلم السامي .- وفي قطرة القلب سقطت جوهرة ، لم يهبها - جل شأنه - للبحار والأفلاك .- فحتام أنت عاكف على الصورة يا عابد الصورة ، ألم تنج روحك من الصورة التي لا معنى لها ؟- ولو كان الإنسان إنسانا بالصورة ، لكان أحمد وأبو جهل سيين .- والصورة على الجدار تشبه الإنسان ، فانظر . . ماذا يقل عن الصورة ؟ 1025 - إنه ينقص الروح ، فاذهب إلى تلك الصورة اللامعة ، وابحث عن ذلك الجوهر النادر .- لقد صارت رؤوس كل أسود العالم حقيرة دنية ، عندما مدت الأيدي إلى كلب أصحاب " الكهف " - فأي ضرر أصابه من تلك الصورة المنفرة ، ما دامت روحه قد غرقت في بحر النور ؟- ولا صور ولا أوصاف في أقلام " الحق " ، وصفات العالم والعادل موجودة في الكتب .- والعالم والعادل كلها معان فحسب ، ولا تجدها في مكان ، قدام أو وراء . 1030 - إنها تحط على الجسد من اللامكان ، وشمس الروح لا يستوعبها فلك . « 121 » ذكر علم الأرنب وبيان فضيلة العلم ومنافعه
- إن هذا الكلام لا نهاية له فتنبه ، واصرف اهتمامك إلى قصة الأرنب .- وبع أذن الحمار ، واشتر أذنا أخرى ، فإن أذن الحمار لا تدرك هذا الكلام .- وامض ، وانظر إلى أرنب يقوم بألاعيب الثعالب ، وانظر إلى مكر الأرنب وقضائه على الأسد .- فالعلم هو الخاتم بالنسبة لملك سليمان ، والعالم بأجمعه صورة ، وروحه العلم . 1035 - ومن هذا الفضل ، صارت مخلوقات البحار والجبال والأودية كلها بلا حيلة أمام الإنسان .- فالأسد والنمر كلاهما خائف منه وكأنها فئران ، والتمساح والبحر كلاهما منه في هم وحزن .- ومنه لجأ الجن والشياطين إلى سكنى السواحل ، وكل منهم اتخذ له مخبأً في مكان ما .- فللإنسان أعداء كثار مختفون ، والإنسان الحذر إنسان عاقل .- فالمختفون من الخلق قبيحهم وطيبهم ، يطرق أذاهم الخلق في كل لحظة . 1040 - تمضى من أجل الغسل إلى جدول ما ، فتؤذيك شوكة داخل الماء .- وبالرغم من أن الشوك صغير مختف في الماء ، إلا أنه عندما يخزك تعلم أنه موجود .- وأشواك الإيحاءات والوساوس ، تكون من آلاف الأشخاص ، لا من شخص واحد .- فانتظر حتى تتبدل أحاسيسك ، وتراها ، ويحل لك الإشكال .« 122 » - حتى تعلم أحاديث من قد رددت ، وحتى تعرف من جعلتهم أئمة لك . طلب الحيوان ثانية من الأرنب البوم بسر تفكيره
1045 - ثم قالوا : أيها الأرنب الهمام ، اعرض علينا ما وصل إليه إدراكك .- ويا من اشتبكت مع أسد ، بح لنا بما فكرت فيه من رأى .- فإن المشورة تمنح الإدراك والذكاء ، والعقول تسدى العون للعقول .- وقال الرسول : شاور يا صاحب الرأي فالمستشار مؤتمن .امتناع الأرنب عن البوم بالسر لهم « 1 »- قال : لا ينبغي البوح بكل سر ، فإن الأمور قد تصيب أحيانا وقد تخيب . « 2 » 1050 - وإنك إن تحدثت بصفاء مع المراة ، سرعان ما يتكدر وجهها أمامنا .- وتحدث قليلا عن هذه الأمور الثلاثة : عن ذهبك وذهابك ومذهبك .- فإن لهذه الأمور الثلاثة خصوما وأعداء كثيرين يترصدونك ، فكيف يعرفونها ؟- وإن قلتها لواحد أو اثنين فالوداع ، " كل سر جاوز الاثنين شاع " « 3 »- وإنك إن ربطت ثلاثة طيور إلى بعضها ، تبقى متألمة سجينة على الأرض . 1055 - ثم تتشاور فيما بينها من طرف خفي " وتتحدث " كناية وبشكل مختلط وبما يلقي الغير في الخطأ ................................................................( 1 ) ج / 1 - 479 : - ينبغي الاستماع إلى قول الرسول بالروح ، فكرره ليُعلم مقصودك سريعا .( 2 ) حر : فحينا يأتي فردا ما تتوقعه زوجا ، وحينا يأتي زوجا ما تظنه فردا .( 3 ) بالعربية في المتن . « 123 » - لقد كان الرسول يشاور من طرف خفي ، وكان يجيب على صحابه دون أن يدرى من لا علم له " بالأمر " .- وكان يقول رأيه مغلفا بالمثال ، بحيث لا يدرى الخصم رأسه من قدمه .- فكان يأخذ الجواب " الذي يقنعه " منه ، لكنه لم يكن يظفر من " جواب " لسؤاله إلا بالنذر اليسير . « 1 » قصة مكر الأرنب
« 2 »- لقد تأخر ساعة في الرحيل ، ثم امتثل أمام الأسد الضارب بمخالبه . 1060 - ولأنه تأخر في الذهاب إليه ، كان الأسد يزمجر وهو ينكت في التراب .- وهو يقول : ألم أقل أن عهد هؤلاء الأخساء واه غير محقق شديد الفجاجة ؟- لقد فضحتني « 3 » أقوالهم الجوفاء ، فحتام يخدعني هذا الدهر ؟ حتام- إن الأمير المتسيب يصاب بالعجز الشديد ، بحيث لا يدرى ما وراءه وما قدامه من حمقه .- فالطريق ممهد لكن الشباك تحته ، وهناك قحط في المعنى موجود بين الأسماء . 1065 - والألفاظ والأسماء كالشباك ، واللفظ الحلو كالرمل " يمتص " أعمارنا ................................................................( 1 ) ج / 1 - 479 : - هذا الكلام لا نهاية له ، فعد نحو الأرنب الشجاع لنرى ما فعل .( 2 ) ج / 1 - 483 : - الخلاصة أن الأرنب لم يفصح عن تدبيره ، وفكر مع نفسه كثيرا .- ولم يبح بالسر خيره وشره للحيوان ، إذ كان يعتبر روحه وسره أمرا واحدا .( 3 ) حر : أوقعتني من فوق الحمار . « 124 » - وذلك الرمل الذي يفور منه الماء نادر جدا ، فامض وابحث عنه .- هذا الرمل يا بني هو رجل الله ، الذي اتصل بالحق وانفصل عن ذاته .- وماء الدين العذب يفور منه ، ومنه الحياة والنماء لطالبيه .- ومن هو غير رجل الحق اعتبره رملا جافا ، يتشرب ماء عمرك في كل لحظة . 1070 - فكن طالبا للحكمة من رجل حكيم ، حتى تصبح منه بصيرا وعليما .- يصبح طالب الحكمة منبعا للحكمة ، ويصبح فارغا من التحصيل وتوخي السبب .- ويصبح اللوح الحافظ لوحا محفوظا ، ويصبح عقله ذا حظ من الروح .- لقد كان عقله بمثابة المعلم له من البداية ، ومن بعد هذا صار العقل تلميذا له .- ويقول له العقل - كما قال جبريل - يا أحمد . . لو تقدمت خطوة لاحترقت . 1075 - فاتركنى ، وانطلق من الآن فصاعدا ، فهذا هو حدى يا سلطان الروح .- وكل من يبقى من كسله بلا شكر ولا صبر ، كل ما يعلمه أن يتعلق بقدم الجبر .- وكل من توسل بالجبر فقد أمرض نفسه ، حتى وسده جبره ، في النهاية ثرى قبره - إذ قال الرسول إن من يتمارض يصيب نفسه بالمرض ، ويظل حتى ينطفئ كالمصباح .- فما هو الجبر ؟ إنه جبر الكسير أو وصل عرق متفسخ . 1080 - وما دمت لم تكسر قدمك في هذا الطريق ، فممن تسخر ؟ وأي قدم ربطت ؟- وذلك الذي كسر قدمه في طريق الجهد ، أتى إليه البراق فامتطاه .- كان حاملا للدين فأصبح محمولا به ، كان قابلا للأمر فأصبح مقبولا " من الله " .- ولقد قبلت الأمر حتى الأن من المليك ، ومن بعد ذلك تلقي على الجيش بأوامرك .- وحتى الآن كان الفلك ذا تأثير عليك ، ومن بعد هذا تكون أميرا على الفلك . « 125 » 1085 - وإن كان ثمة إشكال يعن لك عند النظر ، فإنك تشك إذن في آية " إنشق القمر " .- فجدد الإيمان لا بقول اللسان ، يا من جددت الهوى في باطنك .- وما دام الهوى متجددا ، لا يتجدد الإيمان ، فهذا الهوى ليس إلا قفلا على البوابة .- ولقد قمت بتأويل الكلام البكر ، فأول نفسك ، لا تقم بتأويل الذكر .- إنك تؤول القرآن على هواك ، فصار المعنى السني منك دنيا معوجا .زيف التأويل الركيك للذبابة« 1 » 1090 - أخذت تلك الذبابة ترفع رأسها كالملاح ، فوق الأوراق " الساقطة " والقش وبول الحمار .- وقالت : لقد تمنيت البحر والسفين ، وبقيت فترة أفكر فيهما .- وهاهو البحر ، وهذه هي السفينة ، وأنا الملاح وأهل للرأي والتدبير .- وأخذت تسوق السفينة فوق البحر ، وكان هذا الأمر يبدو لها فائقا عن الحد .- كان ذلك البول بلا شطآن بالنسبة لها ، فأين ذلك النظر الذي يرى ذاك الأمر على حقيقته ؟ 1095 - لقد كان عالمها بقدر رؤيتها ، والعين الواسعة الأفق بحرها بقدر رؤيتها ................................................................( 1 ) ج / 1 - 496 : - إن أحوالك تشبه أحوال تلك الذبابة الغريبة ، التي كانت تعتبر نفسها إنسانا . - لقد كانت ثملة بالإحساس بالذات دون شراب ، وكانت ذرة واعتبرت نفسها شمسا . . - ولقد سمعت أوصاف البزاة ذلك الزمان ، فقالت : إنني عنقاء الوقت دون جدال . . . « 126 » - وصاحب التأويل الباطل كالذبابة ، وهمه بول الحمار ، وتصوره القذى والغثاء .- ولو تركت الذبابة تأويلها برأيها ، لحولها الإقبال إلى طائر البُلح المبارك .- ولا تكون ذبابة تلك التي تعتبر ، إذ لا تكون روحها جديرة بصورتها . ضيق الأسد من تأخر الأرنب
- مثل ذلك الأرنب الذي هاجم الأسد ، متى كانت روحه جديرة بجسده ؟ 1100 - قال الأسد محتدا غاضبا ، لقد أغمض العدو عيني عن طريق أذني .- ولقد قيدتني حيل الجبريين ، وسيفهم الخشبي قد جرح جسدي .- ومن الآن فصاعدا لن أسمع هذا الكلام المعسول ، فكلها أصوات شياطين وغيلان .- فلتمزقهم أيها القلب ولا تتوقف ، ولتسلخ عنهم جلودهم ، فليسوا إلا جلود .- وما هو الجلد ؟ إنه زخرف القول ، فهو كنقش ترس على الماء لا دوام له . 1105 - فالكلام كالجلد ، واعتبر المعنى كاللب ، والكلام كالصورة ، والمعنى كالروح .- والجلد يكون غطاء للب المعيوب ، أما اللب الجيد ، فالغيب يخفيه غيرة منه .- وعندما يكون القلم من الريح والورق من الماء ، فإن كل ما تكتبه يفنى سريعا .- وإن طلبت الوفاء من النقش على الماء ، فإنما تعود عاضّا بنان الندم .- والريح في الناس هي الهوى والشهوة ، وعندما تجاوز الهوى تكون رسالة الحق . 1110 - ورسائل الخالق تكون طيبة ، فهي ثابتة من قمة الرأس إلى أخمص القدم - وخطب الملوك في تغير مستمر ، والمجد المجد هو مجد الأنبياء وخطبهم .- فجلال الملوك يكون من الهوى ، وكتاب أعمال الأنبياء من الكبرياء " الإلهي " « 127 » - وأسماء الملوك تمحى من فوق الدراهم ، والسكة تضرب إلى الأبد باسم أحمد .- واسم أحمد هو اسم كل الأنبياء ، فالمائة عندما تذكر تتضمن التسعين . « 1 » أيضا في بيان مكر الأرنب
1115 - لقد تأخر الأرنب كثيرا في المضي إليه ، ومكر مكرا فيما بينه وبين نفسه- واتخذ طريقه بعد تأخر شديد ، لكي يسر في أذن الأسد بسر أو سرين .- فيالها من عوالم موجودة في سويداء العقل ، وياله من شاسع ذلك البحر المسمي بحر العقل . « 2 »- وصورنا في هذا البحر العذب ، تسرع كأنها الأواني فوق سطح الماء .- وما لم تمتلئ فهي كالطسوت فوق سطح الماء ، وعندما يمتليء الطست يغوص في الماء . 1120 - فالعقل عالم مختفٍ وظاهر ، وصورنا هي الموج ، أو قطرة منه .- وكل من يجعل من الصورة وسيلة له ، فإن البحر يلقي به بعيدا من جراء هذه الوسيلة .- بحيث لا يرى القلب من يلقي فيه بالأسرار ، وبحيث لا يرى السهم من يلقي به بعيدا .- ويحرن جواده ، ومن العناد ، يسوق هذا الجواد في الطريق الوعر .- وذلك الفارس يعلم أن جواده حرون ، والجواد يسوقه هو نفسه وكأنه الريح ................................................................( 1 ) ج / 1 - 499 : - وهذا الكلام لا نهاية له يا بنى ، فحدث عن قصة الأرنب والأسد الهصور .( 2 ) ج / 1 - 504 : - فعقل البشر بحر بلا نهاية ، وينبغي للبحر غواص يا بنى . « 128 » 1125 - وهو في صراخ وبحث وتفتيش ذلك الحائر ، يظل متسائلا وباحثا من باب لباب .- قائلا : من الذي سرق جوادي ؟ ومتى ؟ فما هو الموجود تحت فخذك أيها السيد ؟- أجل . . إنه الجواد . . لكن أين هذا الجواد ؟ أفق أيها الفارس الباحث عن الجواد « 1 »- والروح ضالة عن الوجود والقرب ، كالدن ، باطنه مليئ بالشراب وهو متيبس الشفة . « 2 »- فمتى ترى الأحمر والأخضر والأصفر ما لم تر فوق هذه الأنوار الثلاث ؟ 1130 - لكن ما دام تمييزك بين الألوان قد ضل ، فقد وضع حجاب أمامك دون نور تلك الألوان .- وما دامت تلك الألوان تكون مستورة عنك ليلا ، تعلم إذن أن رؤية تلك الألوان كانت من النور .- فلا رؤية للون دون النور الخارجي ، وهكذا أيضا لون خيال الباطن .- وهذا النور الخارجي من الشمس ومن السها ، أما الباطني فهو من انعكاس أنوار العلا .- والنور نور العين ، وهو نفسه نور القلب ، فأنوار العيون حاصلة من أنوار القلوب ................................................................( 1 ) ج / 1 - 504 : - ويقول له المستمع الأوصاف سرا ، حتى يعرف الرجل جواده ثانية .( 2 ) ج / 1 - 504 : - فزد الألم في باطنك ، حتى ترى الأحمر والأخضر والأصفر ..
يتبع