عشق الملك لجارية مريضة وتدبيره من أجل شفائها المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
عشق الملك لجارية مريضة على منتدى عبدالله المسافر باللهعشق الملك لجارية المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
« 39 »عشق الملك لجارية مريضة وتدبيره من أجل شفائها
35 - استمعوا أيها الأصدقاء إلى هذه الحكاية ، إنها في الحقيقة تصفية لأحوالنا . « 1 » .- كان هناك أحد الملوك فيما مضى من الزمان ، كان قد جمع ملك الدنيا وملك الدين .- واتفق أن ركب الملك مع خواصه ، ذات يوم من أجل الصيد .- ورأى الملك جارية في طريقه ، فصار غلاما لها ذلك الملك . « 2 » .- وعندما أخذ طائر روحه يتخبط في قفص " جسده " ، دفع المال واشترى تلك الجارية . 40 - وعندما اشتراها وقر عينا ، شاء القضاء أن تسقط تلك الجارية مريضة .- لقد كان عند أحدهم حمار ولم يكن لديه سرج له ، وعندما وجد السرج اختطف الذئب الحمار .- وكان لديه الإناء ولم يكن يحصل على الماء ، ولما حصل على الماء انكسر الإناء ................................................................( 1 ) ج / 1 - 72 : - وإذا أدركنا أمرنا على حقيقتة ، استفدنا من الدنيا والآخرة .( 2 ) ج / 1 - 72 : - كان يسعى في أثر صيد في الجبل والوادي ، فسقط بغتة صيدا في شبك العشق .« 40 » - وجمع الملك الأطباء عن يمين ويسار ، وقال : إن روح كل منا أمانة بين أيديكم .- والأمر بالنسبة لروحى أنا سهل ، لكنها روح روحي ، فأنا مريض مهدم وهي دوائى . 45 - وكل من يكتشف العلاج الناجع لروحى ، فله منى الكنوز والدر والمرجان .- فقالوا جميعا : سوف نبذل كل ما في وسعنا ، ولنضم خبراتنا ونشترك في هذا الأمر .- فكل واحد منا مسيح عصره وأوانه ، ولكل ألم عندنا ما يصلح من دواء .- ولم يقولوا " بمشيئة الله " بطرا من عند أنفسهم ، ومن ثم أبدى لهم الله تعالى عجز البشر .- وما أقصده أن ترك الاستثناء من قبيل القسوة ، وليس الأمر بالقول ، فالقول عرض من الأعراض . 50 - وكثيرون هم الذين لم ينطقوا بهذه العبارة ، لكنها تكون مقترنة بأرواحهم إقترانا .- ومهما بذلوا من علاج ومن دواء ، زاد في المرض ، ولم يجعل حاجتهم مقضية .- فصارت الجارية من مرضها في نحول الشعرة ، وجرت عين الملك بالدموع الدامية .- لقد شاء القضاء أن يؤدى كل علاج إلى عكس مفعوله ، فالخل بالعسل زاد في الصفراء وزيت اللوز أدى إلى الإمساك . ! ! « 41 » - والإهليلج أدى إلى إنقباض المعدة بحيث فقدت طبيعتها ، والماء صار مددا لنار " الجوف " وكأنه النفط . « 1 » ظهور عجز الحكماء عن معالجة الجارية واتجاه الملك إلى الحضرة الإلهية
ورؤيته أحد الأولياء في النوم
55 - وعندما رأى الملك عجز الحكماء ، أسرع إلى المسجد حافيا .- ودخل المسجد ، واتجه صوب المحراب ، وأصبح موضع سجوده مبللا من دمعه .- وعندما عاد إلى وعيه من استغراقه في الفناء ، انطلق بلسان فصيح في التحميد والدعاء ؛- قائلا : يا من أقل عطية من عطاياك ملك الدنيا ، ما ذا أقول وأنت العالم بالسر . ؟ « 2 »- ويا من أنت الملجأ على الدوام لحاجاتنا ، لقد أخطأنا الطريق مرة ثانية . 60 - لكنك قلت : وبالرغم من أنى أعرف سرك ، هيا إجعله سريعا واضحا عليك ! !...............................................................( 1 ) ج / 1 - 73 : زاد ضعف قلبها وقل نومها ، وزاد إحمرار عينيها والقلب ملىء بالغم والألم - - - - - - - وما وصفه الأطباء من شراب وأدوية ووصفات ، ضيع كرامتهم تماما( 2 ) ج / 81 - : - إن أحوالنا وأحوال هؤلاء الأطباء سواء بسواء ، تكون بلا قيمة أمام لطفك العام . « 42 » - وعندما صرخ صرخة من أعماق الروح ، بدأ بحر العطاء في الجيشان - وبينما هو في بكائه غلبه النوم ، فرأى شيخا في ما يراه النائم .- وقال له : أيها الملك ، بشراك ، حاجتك مقضية ، إذ يأتيك غدا من لدنا غريب .- وعندما يأتيك فهو حكيم حاذق ، واعلم أنه صادق ، لأنه بالفعل أمين وصادق . 65 - وانظر في علاجه إلى السحر المطلق ، وانظر في ما يمزجه من دواء إلى قدرة الحق ! !- وعندما حل الموعد وطلع النهار ، وبزغت الشمس من المشرق حارقة للأنجم .- كان الملك منتظرا في الشرفة ، حتى يتحقق مما أبدى له من سر .- فرأى شخصا فاضلا وقورا ، شمسا ( بازغة ) في قلب الظل .- كان يقترب من بعيد وكأنه الهلال ، كان عدما ووجودا . . . كأنه الخيال . 70 - إن الخيال يكون كالعدم بالنسبة للنفس ، فانظر إلى عالم بأكمله قائم على خيال .- فصلحهم وحربهم قائمان على خيال ، وفخرهم وعارهم مستندان على خيال .- وتلك الخيالات التي هي فخاخ الأولياء ، هي انعكاس لحسان بستان الله . « 43 » - وذلك الخيال الذي رآه الملك في النوم ، كان يتجلى في طلعة الضيف « 1 »- وتقدم الملك بدلا من الحجاب نحو ذلك الضيف القادم إليه من الغيب . « 2 » 75 - وكلاهما ينتمى إلى هذا البحر تعلما السباحة فيه ، وروحاهما متصلتان دون رتق « 3 » .- قال ( الملك ) : لقد كنت أنت محبوبى لا تلك الجارية ، لكن الأمور في هذه الدنيا تفضى إلى بعضها ، - يا من أنت لي كالمصطفى أنا لك كعمر ، فلأشمر عن ثيابي في خدمتك . سؤال الله ولى التوفيق إلى رعاية الأدب في كل الأحوال
وبيان وخامة ترك الأدب ومضاره
- إننا نسأل الله التوفيق إلى الأدب ، فمن لا أدب عنده صار محروما من لطف الرب .- وما أساء عديم الأدب إلى نفسه فحسب ، بل أضرم النار في كل الآفاق . 80 - كانت هناك مائدة تنزل من السماء ، بلا شراء ولا بيع ولا مساومة أو قيل وقال ................................................................( 1 ) ج / 1 - 82 : - لقد كان نور الحق ظاهرا في ذلك الولي ، فكن حسن الرؤية إذا كنت من أهل القلوب .- وعندما ظهر ولى الحق ذاك من بعيد ، كان النور ينبعث من قمة رأسه إلى أخمص قدميه .( 2 ) ج / 1 - 82 : - وعندما استقبل ضيف الغيب ، كان كالسكر الذي مزج بالورد .( 3 ) ج / 1 - 82 : - كان أحدهما كالظمآن والآخر كالماء ، وكان أحدهما كالثمل والآخر كالخمر . « 44 » - وكان هناك عدد من معدومى الأدب بين قوم موسى ، فقالوا : أين الفوم والعدس ؟- فانقطعت مائدة السماء وخبزها ، وبقي لنا شقاء الزراعة والفأس والمنجل ! ! - ثم إن عيسى عندما تشفع لهم ، أرسل إلينا الغنيمة والمائدة الحاضرة « 1 » .- فترك الوقحاء الأدب ، وأخذوا كالمتسولين يتخاطفون قطع اللحم . 85 - فلامهم عيسى قائلا : إنها دائمة . . . ولن تنقطع عن الأرض .- إن ممارسة سوء الظن وإبداء الحرص ، تكون من قبيل الكفران أمام مائدة العظيم .- وبسبب أولئك العمى الذين يملكون وجوها كوجوه الشحاذين ، أغلق أمامهم ذلك الباب من أبواب الرحمة .- فالسحاب يشح بالمطر نتيجة لمنع الزكاة ، ومن الزنا ينتشر الوباء في أنحاء البلاد .- وكل ما يحيق بك من أضرار وأحزان ، نتيجة لانعدام الخشية والتوقح . 90 - وكل من يبدي عدم الخشية في طريق الحبيب ، ، ليس رجلا . . بل قاطع لطريق الرجال .- ومن الأدب صار هذا الفلك مليئا بالنور ، ومن الأدب يكون الملك معصوما طاهرا ................................................................( 1 ) ج / 1 - 93 : - فعادت المائدة إلى النزول من السماء ، عندما دعا قائلا أنزل علينا مائدة .« 45 » - ومن الوقاحة حاق الكسوف بالشمس ، وصار عزازيل من جرأته مبعدا مطرودا . « 1 » لقاء الملك مع ذلك الولي الذي أبدى له في النوم
- فتح ذراعيه وعانقه ، واحتواه بقلبه وروحه وكأنه العشق « 2 » .- وطفق يقبل يده وجبهته ، ويسأله عن موطنه وطريقه . 95 - وظل يصحبه حتى صدر ( المجلس ) وهو يسأله ، وقال له : لقد وقعت على كنز لكن بالصبر .- وقال : يا نور الحق ويا دفعا للحرج أنت مصداق الصبر مفتاح الفرج . « 3 » - ويا من لقياك جواب لكل سؤال ، وكل مشكل له منك الحل بلا قيل أو قال .- إنك ترجمان لكل ما هو موجود في القلب ، وأنت آخذُ بيد كل من قدمه في الطين .- " مرحبا يا مجتبى يا مرتضى ، إن تغب جاء القضا ضاق الفضا...............................................................( 1 ) ج / 1 - 94 : - وكل من يبدي الوقاحة في الطريق ، يصبح غريقا في وادى الحيرة - هيا وأتمم الحديث عن الملك وضيفه ، فليس لهذا الكلام من نهاية .( 2 ) ج / 1 - 100 : عندما تقدم الملك من ضيفه ، كان ملكا لكنه ذهب إليه بمسكنة شديدة .( 3 ) ج / 1 - 100 : إن الصبر مر لكن عاقبته أنه يمنح ثمرة شديدة النفع . « 46 » 100 - أنت مولى القوم من لا يشتهى ، قد ردى كلا لئن لم ينتهى « 1 » - عندما انتهى المجلس ورفعت مائدة الكرم ، أخذ بيده وقاده إلى الحرم اصطحاب الملك ذلك الطبيب إلى فراش المريضة ليفحصها
- لقد قص عليه ما جرى للمريضة ومرضها ، ثم أجلسه من بعد ذلك إليها .- فجس النبض ، وطالع لون الوجه ، وفحص قارورة البول ، كما سمع علامات المرض وما صحبه ( من أعراض ) .- وقال : إن كل علاج قاموا به لم يكن إصلاحا ، بل كان تخريبا . 105 - لقد كانوا عن حال الباطن غافلين ، " أستعيذ الله مما يفترون " .- وأدرك سر الألم ، وانكشف له المستور ، لكنه كتمه ولم يبح به للسلطان .- لم يكن تعبها من الصفراء أو من السوداء ، فرائحة كل حطب ( يحترق ) تبدو من دخانه .- لقد أدرك من تأوهها أنه تأوه القلب ، فالبدن معافى ، لكنها عليلة القلب .- والعشق بين من مرض القلب . ولا مرض هناك مثل مرض القلب . 110 - وعلة العاشق غير بقية العلل ، فالعشق هو الأصطرلاب لأسرار الإله .- والعشق سواء من هذه الناحية أو من تلك الناحية ، إنما يقودنا في النهاية إلى تلك الناحية .- وكل ما أقوله شرحا وبيانا للعشق ، أخجل منه عندما أصل إلى العشق نفسه .- وبالرغم من أن تفسير اللسان موضح ومبين ، لكن العشق أكثر وضوحا دون لسان ................................................................( 1 ) بالعربية في المتن .« 47 » - ومهما كان القلم مسرعا في الكتابة ، فإنه عندما وصل إلى العشق تحطم وصار بددا . « 1 » 115 - والعقل في شرحه عجز كحمار في وحل ، فشرح العشق إحساس يتحدث به العشق نفسه .- والشمس تكون دليلا على الشمس ، فإن أعوزك الدليل ، لا تشح عنها بالوجه .- والظل وإن كان يدل عليها ، إلا أنها في كل لحظة تنشر نورا من أنوار الروح .- والظل يأتي بالنوم وكأنه السمر ، وعندما تسطع الشمس ينشق القمر .- وليس هناك من غريب في هذا العالم مثل الشمس ، لكن شمس الروح باقية فليس لها من أمس . 120 - وبالرغم من أن الشمس الخارجة عن ( الذات ) وحيدة في بابها ، إلا أنه يمكن تصوير مثلها .- لكن الشمس التي منها أبدع الأثير ، لا يكون لها نظير في الذهن أو خارج الذات .- فإني للتصور استيعاب ذاته ؟ بحيث يمكن له أن يتصور مثلها .- وعندما تطرق الحديث إلى طلعة شمس الدين البهية ، تورات شمس الفلك الرابع بالحجاب . « 2 »- ومن الواجب ما دام اسمه قد ذكر ، أن نقدم رمزا من رموز إنعامه ................................................................( 1 ) ج / 1 - 103 : - وعندما وصل الحديث إلى وصف هذا الحال ، تحطم القلم وتمزقت الأوراق على السواء( 2 ) ج / 1 - 105 : شمس الدين التبريزي الذي هو نور مطلق . . هو شمس من أنوار الحق .« 48 » 125 - إن هذا النفس قد أمسك بتلابيب روحي ، فقد وجدت فيه رائحة قميص يوسف .- قائلا : بحق صحبة السنين ، هلا أعدت على مسامعنا رمزا من ألوان السعادة ؟- حتى تصبح السماء ضاحكة والأرض ضاحكة ، وحتى تكون قوة العقل والروح أضعافا مضاعفة . « 1 » « 2 »- " لا تكلفنى فإني في الفنا ، كلت أفهامى فلا أبغى ثنا - كل شئ قاله غير المفيق ، إن تصلف أو تكلف لا يليق " « 3 » « 4 » 130 - وماذا أقول ؟ وليس في عرق في وعيه ، عن ذلك الحبيب الذي لا نظير له . « 5 » - فاترك الآن تفسير هذا الهجران وهذه المشقة إلى وقت آخر .- " قال أطعمني فإني جائع ، واعتجل فالوقت سيف قاطع " « 6 » - والصوفي هو ابن الوقت أيها الرفيق ، وليس قول غدا من شرط الطريق .- ألست أنت نفسك رجلا صوفيا ؟ فاعلم إذن أن من النسيئة يحيق العدم بالموجود ................................................................( 1 ) حرفيا : مائة ضعف .( 2 ) ج / 1 - 105 : - قلت يا نائيا عن الحبيب ، أأنت كمريض ناء عن الطبيب ؟ .( 3 ) بالعربية في المتن .( 4 ) ج / 1 - 105 : وكل ما يقوله لما لم يكن موافقا ، ويكون تكلفا لا يليق تماما .( 5 ) ج / 1 - 106 : - إن الثناء منى هو ترك الثناء ، فهو دليل على وجودي ووجودي ذنب .( 6 ) بالعربية في المتن .« 49 » 135 - قلت : من الأفضل أن يكتم سر الحبيب ، فاستمع إليه من خلال الحكاية .- ومن الأفضل لأسرار الأحبة ، أن ترد خلال أحاديث الآخرين .- قال : تحدث حديثا صريحا مباشرا ، ولا تتدخل أنت . . هيا يا صاحب الأفضال .- ولترفع الحجب ولتتحدث حديثا صريحا ، فلست أطيق حسناء تتستر بملابسها- قلت : لو أنها انكشفت عيانا ، فلن تبقى أنت ولاعناقك . . ولا ما بيننا . 140 - فاشته . . . لكن في حدود ، فإن القشة لا تتحمل الجبل .- والشمس التي أضاءت هذا العالم ، إن اقتربت قليلا أحرقته كله « 1 » .- ولا تطلب الفتنة والتمرد وسفك الدماء ، ولا تتحدث أكثر من هذا عن شمس الدين التبريزي .- ولا آخر لهذا الأمر فتحدث عن البداية ، وعد وقص علينا بقية الحكاية طلب ذلك الولي خلوة من الملك من أجل إدراك مرض الجارية « 2 »
- قال : أيها الملك فلتخل المكان ، ولتبعد الأقرباء والغرباء على السواء . 145 - ولا ينصتن أحد في الممرات ، وذلك حتى أسأل هذه الجارية عن بعض الأشياء . « 3 » ................................................................( 1 ) ج / 1 - 107 : - حتى لا يصير القلب دما وتنفلت الروح من الجسد ، ضم شفتيك الآن واغمض عينيك .( 2 ) ج / 1 - 116 : - وعندما سمع الحكيم ذلك الكلام ، صار بباطنه شريكا للملك في همه .( 3 ) ج / 1 - 116 : - أخلى الملك المكان وخرج ، ليسأل الطبيب الجارية عن أحوالها .« 50 » - وخلا المنزل إلا من الطبيب والمريضة فلا ديار واحد .- واستدرجها في الحديث قائلا : أين موطنك ؟ فإن علاج كل مدينة يختلف عن الأخرى .- ومن هم أقاربك في هذه المدينة ؟ ومع من كانت ألفتك وعلقتك ؟- ووضع يده على نبضها ، وأخذ يسأل عنها واحدة بعد أخرى ، وعما حاق بها من جور الفلك . 150 - وعندما تتغرس شوكة في قدم أحد ، فإنه يضع قدمه على ركبته .- ولا يزال فكره يبحث عن طرف تلك الشوكة ، وإن لم يجدها يبلل موضع ( الألم ) بلعابه . .- وإذا كانت شوكة القدم صعبة المنال إلى هذا الحد ، فكيف تكون الشوكة في القلب ؟ أجب - وإذا كان كل خسيس يرى شوكة القلب ، فمتى كانت للأحزان سطوة على أحد ؟- وإذا غرس أحدهم شوكة تحت ذيل حمار ، ولا يستطيع لها دفعا ، لا يفتأ يقفز و " يبرطع " . 155 - إنه يقفز فيشتد انغراس تلك الشوكة ، إذ يجب أن يكون هناك عاقل لينتزعها - والحمار من أجل أن يتخلص من الشوكة ، ومن حرقته وألمه ، يبرطع فيجرح مائة موضع « 1 »...............................................................( 1 ) ج / 1 - 116 : - ومتى يدفع ذلك الرفس . الشوكة خارجا ، إنما يلزمها حاذق يضع يده على موضعها . « 51 » - وذلك الحكيم المقتلع للشوك كان أستاذا ، كان يتحسس بيديه مجربا موضعا بموضع - وأخذ مسامرا يسأل تلك الجارية عن أحوال أصدقائها .- وأخذت هي تفضى للحكيم بما لديها من أنباء عن موطنها وسادتها ومدينتها ومسكنها . 160 - كان يسلم أذنيه لما تقصه عليه ، لكن كل انتباهه كان منصبا على نبضها وحركته .- وذلك ليدرك عند أي اسم سيسرع نبضها ، فإنه هو الذي يكون مقصودها من الدنيا .- وأحصت أصدقاءها في موطنها عددا ، فذكر الحكيم اسم مدينة أخرى .- وسألها : عندما غادرت موطنك . . أي المدن كانت إقامتك فيها أكثر من غيرها ؟- فذكرت أسم مدينة ومر عليها ، لأن نبضها ولونها لم يتغيرا . 165 - وتحدثت عن المدن وسادتها فيها واحدة بعد الأخرى . . عن مقامها فيها وعمن عاشرتهم .- وتحدثت عن المدن مدينة بعد مدينة ودارا بعد دار ، ولم يتحرك عرقها أو يشحب وجهها .- وظل نبضها على حاله لم يتغير ، حتى سألها عن سمرقند الحلوة كالسكر . « 1 » - فأسرع نبضها ، واحمر لونها ثم شحب ، وذلك لأنها فارقت الصائغ السمرقندي ................................................................( 1 ) ج / 1 - 117 - فتأوهت تلك الحسناء بحزن ، وسال الدمع من عينيها جدولا . - وقالت : لقد أتى بي أحد التجار إلى تلك المدينة واشترانى صائغ فيها . - وعشت في كنفه ستة أشهر ثم بأعنى ، وعندئذ تضرج وجهها بنار الحزن . « 52 » - وعندما علم الحكيم ذلك السر عن مريضته ، أدرك أصل الألم والبلاء . 170 - وسألها : في أي حي كان يعيش وأي شارع ؟ قالت : على رأس قنطرة غاتفر . « 1 » .- فقال : عرفت مرضك وسرعان ما أبدى في شفائك صنوف السحر . .- فلتسعدى ولتهنئى ولتطيبى خاطرا ، فسوف أفعل بك ما تفعله الأمطار في الرياض .- وسوف أحمل همك ، فلا تحملى هما ، وأنا أكثر شفقة عليك من مائة أب .- لكن ، حذار حذار وإياك أن تبوحى بهذا السر لأحد مهما فتش الملك عن أمرك . 175 - وعندما يكون قلبك قبرا لسرك ، فإنك سرعان ما تنالين مقصودك .- إذا قال الرسول عليه السلام : كل من كتم سره سرعان ما وصل إلى مقصوده .- فالحبة عندما تختبئ في باطن الأرض ، يصبح سرها خضرة في البستان .- وإذا لم يكن الذهب والفضة مكنونين ، فمتى كان لهما أن يتكونا في أعماق المنجم ؟- إن وعود ذلك الحكيم واللطف الذي أبداه ، جعلت الجارية آمنة من الخوف . 180 - والوعود إن كانت صادقة تكون مقبولة لدى القلب ، وإن كانت مجرد وعود فهي تزيل القلق والاضطراب .- ووعود أهل الكرم كنز لا يفنى ، ووعود الأخساء عناء للنفس . « 2 »...............................................................( 1 ) ج / 1 - 117 : - قال ذلك الحكيم المصيب لتلك الجارية آنذاك : الآن نجوت من العذاب .( 2 ) ج / 1 - 118 - : وينبغي الوفاء بالوعود تماما ، وإلا كنت سخيفا ساذجا .« 53 »إدراك ذلك الولي للمرض وعرضه الأمر على الملك « 1 »
- ثم نهض بعد ذلك وذهب إلى الملك وأخبره بشئ عن ذلك الأمر . « 2 »- وقال له : الرأي أن نحضر ذلك الرجل من أجل علاج ذلك المرض . « 3 »- إستدع الصائغ من تلك المدينة البعيدة ، واستدرجه بالخلعة والذهب . « 4 » 185 - وعندما سمع السلطان قول الحكيم ، تقبل نصيحته بالروح والقلب . « 5 » انفاذ الملك الرسل إلى سمرقند لإحضار الصائغ
- أرسل الملك رسولين إلى تلك الناحية ، متميزين بالحذق والكفاءة ومن العدول .- ووصل هذان الأميران إلى سمرقند ، مبشرين ذلك الصائغ من قبل الملك العظيم .- وقالا له : أيها الأستاذ الحاذق ذا المعرفة الكاملة ، لقد ذاعت صفاتك في البلاد .- والملك فلان قد اختارك صائغا له ، فأنت عظيم في هذه الحرفة ................................................................( 1 ) ج / 1 - 122 - : - عندما علم ذلك الحكيم الحنون بالسر ، أدرك تفصيلات مرض الجارية .( 2 ) ج / 1 - 122 : - قال الملك : قل لي ما هو التدبير ؟ ، وفي هذا الحزن ما لزوم التأخير .( 3 ) ج / 1 - 122 : فأرسل رسلا يخبرونه بالأمر ، ويأملوه بهذا الفضل والإيثار .( 4 ) ج / 1 - 122 : عندما رأى ذلك الفقير الفضة والذهب ، انفصل عن أهله من جرائهما . - فالذهب يجعل العقل مفتونا والها ، خاصة بالمفلس الذي يجعله مفتضحا . والذهب وإن كان بالعقل ، يأتي به العاقل بسهولة ويسر .( 5 ) ج / 1 - 124 : وقال له إني طوع أمرك ، وفعلك هو فعلى فقم به . « 54 » 190 - وهاك هذه الخلعة فخذها ، وهاك الذهب والفضة ، وعنما تأتى ، تصبح من خواص الملك وندمائه . .- ورأى الرجل الخلعة والمال الكثير ، فاغتر ، وانفصل عن مدينته وعياله .- وانطلق الرجل سعيدا في الطريق ، غافلا عن أن الملك قد دبر لهلاكه .- وامتطى جوادا عربيا وساقه سعيدا ، واعتبر الخلعة ثمنا لدمه .- فيا من انطلقت في الرحيل برضا شديد ، " ما أشبهك " بمن سعى إلى حتفه بظلفه . 195 - كان يتخيل الملك والعز والعظمة ، وقال له عزرائيل : أجل ، إمضِ ، سوف تنالها .- وعندما وصل من الطريق ذلك الرجل الغريب ، أدخله الطبيب إلى حضرة الملك- وحملوه إلى الملك بالتجلة والإكرام ، حتى يحترق أمام تلك الشمعة المنسوبة إلى طراز .- ورآه الملك فأبدى له صنوف التعظيم وسلم إليه خزانة ذهيه . « 1 »- ثم قال له الحكيم : أيها الملك العظيم ، هب تلك الجارية لهذا السيد . 200 - حتى تشفى الجارية بوصاله ، ويطفئ ماء وصله تلك النار .- فوهبه الملك تلك الحسناء ، وقرن بين هذين اللذين يطلب كل منهما وصل الآخر...............................................................( 1 ) ج / 1 - 125 : وأمره أن يصنع من الذهب الأساور والأطواق والخلاخيل والأحزمة . ومن أنواع الأواني ما لا حصر له ، بما يليق بمجلس أنس الملك . وآخذ الرجل الذهب وانشغل بعمله ، غافلا عن الأحوال وعما يحاك له . « 55 » - وأخذ كل منهما ينال وطره من الآخر طيلة ستة أشهر ، حتى شفيت تلك الفتاة تماما .- ثم أعد له من بعد ذلك شرابا ، شربه وأخذ يذوب أمام الفتاة .- وعندما لم يبق له من المرض جمال ، لم تبق روح الفتاة بين حبائله . 205 - وعندما صار قبيحا مريضا شاحب الوجه ، أخذ حبه في قلبها يبرد قليلا قليلا - إن أنواع العشق التي تكون من أجل اللون ، لا تكون عشقا ، بل عاقبتها العار .- وليت هذا العار كان قد انتهى دفعة واحدة ، حتى لا يحيق به سوء القضاء .- لقد سال الدم من عينيه اللتين كالجدول ، فقد كان وجهه عدوا لروحه .- فجناح الطاووس عدو له ، وما أكثر الملوك الذين قتلتهم حشمتهم . 210 - فقال : أنا ذلك الغزال . . . ومن أجل نافجتى ، سفك ذلك الصياد دمى النقى .- وأنا ذلك الثعلب الصحراوى الذي كمنوا له ، وقطعوا رأسه من أجل فرائه .- وأنا ذلك الفيل وبطعنة من الفيال سفك دمى من أجل سنى .- وذلك الذي قتلني من أجل من هم دونى ، ليس يدرى أن دمى لا يطل .- فاليوم علىّ وغدا عليه ، وكيف يضيع هدرا دم مثلي إنسانا . 215 - والجدار وإن ألقى ظلا ممتدا ، فإن هذا الظل يرتد إليه ثانية .- وهذه الدنيا كالجبل وأفعالنا كالنداء ، ويرتد إلينا من هذا النداء الصدى .- قال هذا ومضى لتوه إلى بطن الأرض ، وخلصت تلك الجارية من العشق والشقاء .- ذلك أن عشق الموتى ليس دائما ، لأن الموتى لا يعودون إلينا .- وعشق الحي بالنسبة للروح والبصر ، أكثر نضرة كل لحظة من البراعم « 56 » 220 - فاختر عشق ذلك الحي فهو باق ، ويسقيك الشراب الذي يطيل العمر .- واختر عشق ذلك الذي وجد الأنبياء من عشقه الحشمة والعظمة .- ولا تقل لا سبيل لنا إلى حضرة ذلك الملك ، فإن الأمور لا تكون صعبة مع " ذي " الكبرياء . بيان أن قتل الصائغ ودس السم له كان بإشارة إلهية
لا بهوى النفس والفكر الفاسد
- لم يكن قتل ذلك الرجل على يد الحكيم على سبيل الخوف أو الطمع .- ولم يقتله الملك من جراء طبعه ، وما لم يأته الأمر والإلهام من الإله . 225 - فذلك الغلام الذي قتله الخضر ، لم يدرك العوام سر مقتله .- وذلك الذي يجد من الحق الوحي والجواب ، كل ما يأمر به هو " عين " الصواب .- وذلك الذي يهب الروح يجوز له أن يقتل ، فهو نائب الله ، ويده يد الله .- فضع رأسك أمامه وكأنك إسماعيل ، وضح بالروح سعيدا ضاحكا أمام سيفه .- حتى تبقى روحك ضاحكة إلى الأبد ، مثل روح أحمد الطاهرة مع الأحد . 230 - إن الملك لم يسفك ذلك الدم شهوة ، فدعك من سوء الظن ومن الجدل . « 57 » - لقد ظننت أنه ارتكب فعلا دنسا ، ومتى تترك التصفية غشا " في حال " الصفاء ؟ ! « 1 »- ومن أجل ذلك تكون تلك الرياضة وهذه القسوة " على النفس " ، حتى يفصل الكور الشوائب عن الفضة .- ومن أجل ذلك يكون الامتحان بين الصحيح والزائف ، حتى ليصهر الذهب ليطفو الدخيل فوقه . 235 - ولو لم يكن فعله من إلهام الإله ، لكان كلبا عقورا وليس ملكا .- لقد كان طاهرا من الشهوة والحرص والهوى ، ولقد فعل فعلا حسنا وإن بدى سيئا .- والخضر وإن كان قد خرق السفينة في البحر ، فإن هناك مائة إصلاح في هذا الخرق .- ووهم موسى مع كل ما كان له من نور وفضل ، صار محجوبا عن ذلك ، فلا تطر أنت بلا جناح .- إنه ورد أحمر ، فلا تسمه دما ، وهو ثمل بالعقل ، فلا تصفه بالمجنون . 240 - وشهوته إن كانت متجهة إلى دماء المسلمين ، أكون لو ذكرت اسمه من الكافرين .- فإن العرش ليهتز من مدح الشقي ، وبمدحه يسوء ظن المتقى ................................................................( 1 ) ج / 1 - 133 : - فدعك من الظن الخطأ يا سىء الظن ، واقرأ " إن بعض الظن إثم " « 58 » - لقد كان ملكا ، بل كان ملكا شديد الوعي ، كان من الخواص . . . خواص الله - وذلك الشخص الذي يقتله مثل هذا الملك ، إنما يجذبه نحو الإقبال والدرجة الرفيعة .- هذا وإن لم تكن ترى نفعه في قهره ، فمتى كان ذلك اللطف المطلق باحثا عن القهر ؟ 245 - والطفل يرتعد " فرقا " من مبضع الحجام ، بينما تكون الأم المشفقة راضية مسرورة .- إنه يسلب نصف روح ويهب مائة روح ، يهب ما لا يتأتى لك في وهم .- إنك تقيس الأمور بنفسك . . لكنك سقطت بعيدا بعيدا ، فانظر جيدا . « 1 » . .