بيان أن الطاغية في عين قهره مقهور وفي عين نصره مأسور .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
بيان أن الطاغية في عين قهره مقهور على مدونة عبدالله المسافر باللهبيان أن الطاغية في عين قهره مقهور المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
بيان أن الطاغية في عين قهره مقهور وفي عين نصره مأسور
- لقد ظفر اللص بسيد ما وسرق ذهبه ، وبينما كان مشغولا بهذا وصل الوالي .
4565 - ولو أنه هرب من السيد ذلك الزمان ، فإن الوالي كان سيحرش خلفه الأعوان .
- كان نصر اللص هزيمة له ، ذلك أن نصره هذا اختطف رأسه .
- كان نصره علي السيد فخاله ، وذلك حتى يصل الوالي ويأخذ القود .
“ 390 “
- فيا من قد انتصرت علي الخلق في الوغي ، وانهمكت في القتال والغلبة .
- لقد جعله “ اللّه “ مهزوما لَكَ عن قصد وعمد ، حتى يجرك في نفس حلقته .
4570 - فهيا وأقصر العنان عن مطاردة هذا المهزوم ، ولا تسق - في هذا الأمر - حتى لا تصير هالكا .
- فما داموا قد جذبوك بهذا الحيلة إلي الشبكة ، فسوف تري الهجوم عليك “ فيما بعد “ في الزحام .
- ومتي صار العقل سعيدا بهذا النصر ، ما دام قد رأي في انتصاره الفساد .
- إن العقل الذي يري العاقبة حاد البصر ، ذلك أن الله تعالى قد كحله من كحله .
- لقد قال الرسول عليه السلام : إن أهل الجنة ضعفاء في الخصومة وهذا من فضلهم .
4575 - وهذا من كمال الحزم وسوء الظن عندهم ، لا نقصا أو خوفا أو ضعفا في الدين .
- لقد سمعوا عن إظفار عدوهم بهم من السر كلمة “ لولا رجال مؤمنون “ .
- وإن كف الأيدي عن الكفار الملاعين ، قد فرض من أجل خلاص المؤمنين .
- فأقرأ قصة عهد الحديبية ، واعلم منها المعني الصحيح ل “ كف أيديكم “ .
“ 391 “
- إنه - عليه السلام - حتى في نصره هذا، قد رأي نفسه مغلوبا بشراك الكبرياء “1” .
4580 - فقال : لست من أجل هذا أضحك ، أي من أجل أغلالكم أو لأنني ظفرت بكم فجأة .
- إنني أضحك لأنني بالقيود والأغلال . . . أجركم إلي رياض أشجار السرو والورود .
- فيا عجبا ، إنني من النار التي لا مفر منها أتي بكم مغلولين مقيدين إلي الرياض .
- إنني أجركم من الجحيم إلي الخلد ، وأنتم مقيدون بالقيد الثقيل .
- وكل مقلد في هذا الطريق طيبا كان أو شريرا ، يجر مقيدا هكذا إلي الحضرة الإلهية .
4585 - وكلهم يمضون في هذا الطريق وهم في قيود الخوف والابتلاء اللهم إلا الأولياء .
- إنهم يتحملون هذا الطريق كأنه السخرة ، اللهم إلا أولئك الذين وقفوا علي أسرار الأمر .
- فجاهد حتى يتألق منك النور ، وحتى يهون عليك السلوك والطاعة .
- إنك تحمل الأطفال إلي المكتب بالإجبار ، ذلك أنهم يجهلون فوائده .
- وعندما يفهمون هذه الفوائد يسرعون إلي المكتب ، وتتفتح أرواحهم من هذا الذهاب .
4590 - إن الطفل يذهب إلي المكتب متعثرا وباعوجاج ، لأنه لم ير شيئا قط أجرا لعمله .
- وعندما تضع “ دانقا “ في كيسه تشجيعا له ، لا ينام الليل أنذاك وكأنه اللص .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 198 : ولقد جاءه الخطاب ب “ ما رميت إذ رميت “ وتحير ، والله أعلم الصواب .
“ 392 “
- فجاهد حتى يصلك أجر الطاعة ، فتبدأ أنذاك في حسد المطيعين .
- إن “ ائتيا كرها “ قد نزلت في من كان مقلدا ، أما “ ائتيا طوعا “ فهي لمن عجنوا بالصفاء .
- فهذا محب للحق من أجل علة ، والآخر - دون غرض في نفسه - يكون في خلة .
4595 - هذا يحب المرضعة من أجل ما يرضعه منها من لبن ، وذاك ضحي بقلبه من أجل تلك السيدة .
- والطفل لا خبر لديه عن حسنها ، ولا غرض لقلبه منها إلا في لبنها .
- أما الثاني فهو عاشق للمرضعة نفسها ، وهو ثابت على عشقه لها دون غرض .
- ومن هنا ، فمحب الحق على الرجاء أو الخوف ، إنما يقرأ دفتر التقليد عند الدرس .
- وأين ذلك المحب للحق من أجل الحق و “ أين ذلك “ الذي يكون منفصلا عن العلل والأغراض ؟
4600 - لكن لما كان هذا وذاك طالبين للحق ، فإن جذب الحق يجذبهم إليه .
- سواء كان محبا للحق من أجل غيره ، ولكي ينال دائما من “ بره “ وخيره . .
- أو محبا للحق لعينه لا سواه خائفا من بينه .
- وكل هذا السعي عند كليهما هو ذلك السبب ، أي انشغال القلب بذلك المحبوب .
“ 393 “
جذب المعشوق للعاشق من حيث لا يعلمه العاشق ولا يرجوه
ولا يخطر بباله ولا يظهر في ذلك الجذب أثر في العاشق
إلا الخوف الممزوج باليأس مع دوام الطلب
- ها نحن أولياء أتينا إلي هذا الموضع ، إنه بالرغم من أنه لم يكن عند صدر جهان جذب لذلك العاشق في السر .
4605 - متي كان صبره إذن ينفد من الفراق ؟ ومتي كان يعود مسرعا نحو الموطن ؟
- إن ميل المعشوقين خفي ومستور ، وميل العاشقين ذو مائة طبل ونفير .
- وهناك حكاية “ تساق “ اعتبارا في هذا المجال ، لكن البخاري قد نفد صبره في الانتظار .
- فلنترك قصها إذن ، فهو في بحث وسعي ، حتى يري وجه محبوبه قبل أن يوافيه الأجل .
- وحتى ينجو من الموت ، ويجد منه النجاة ، ذلك أن رؤية الحبيب هي ماء الحياة .
4610 - وكل من لا تدفع رؤيته الموت ، لا هو بحبيب ، ولا هو بزاد أو ثمر .
- فالحب هو ذلك الحب أيها المشتاق الثمل ، الذي لو حاق بك الموت فيه يكون حلوا .
- فلقد صارت أمارة صدق الإيمان أيها الفتي هي أن يحلو لك الموت فيه .
- وإن لم يكن إيمانك هكذا أيها العزيز ، فلست بكامل فامض وأبحث عن كمال الدين .
“ 394 “
- وكل من كان في أثرك محبا للموت ، وكان غير مكروه من قلبك فهو حبيب .
4615 - وما دامت الكراهية قد انتفت “ عن الموت “ فهو ليس بموت ، إنه صورة الموت ، لكنه انتقال .
- وعندما تنتفي الكراهية يصير الموت نفعا ، ومن ثم يصح أن يكون الموت دفعا “ للأجساد والصور “ .
- والحبيب علي وجه الحقيقة هو الحق ، وذلك الذي قال لك “ أنت لي وأنا لك “ .
- واستمع الآن ، فها هو ذا العاشق “ البخاري “ يصل ، وقد شد العشق وثاقة بحبل من مسد .
- وعندما أبصر وجه صدر جهان ، كأنما طار من جسده طائر الروح .
4620 - أنهدّ جسده وسقط كأنه الخشب اليابس ، وسرت فيه البرودة من مفرق الرأس إلي أخمص القدم .
- ومهما أحرقوا من بخور أو رشوا “ علي وجهه “ ماء ورد ، لم يتحرك ولم ينبس ببنت شفة .
- وعندما رأي الملك وجهه الشبيه بالزعفران ، ترجل عن مطيته ومشي صوبه .
- وقال : إن العاشق يبحث عن المعشوق بقلق وجد ، وعندما وجد المعشوق ذهب ذلك العاشق .
- إنك عاشق للحق ، وعندما يتجلى الحق فإنه لا يبقي منك شعرة واحدة .
4625 - إن مائة مثلك فانون أمام تلك النظرة ، إنك عاشق لنفي ذاتك أيها السيد .
“ 395 “
- إنك ظل وعاشق للشمس ، وعندما تسطع الشمس ، لا غرو أن الظل يفر مسرعا “ 1 “ .
تظلم البعوضة من الريح لحضرة سليمان عليه السلام
- لقد جاءت البعوضة من الرياض والأعشاب ، إلي محضر سليمان عليه السلام متظلمة له .
- وقالت : يا سليمان إنك تنشر العدل بين الشياطين والإنس والجن .
- والطيور والأسماك في حمي عدلك ، ومن هو ذلك الضال الذي لم يبتغ فضلك ؟
4630 - فأنصفنا ، إنا شديد والمسكنة ، ونحن بلا نصيب من البساتين والرياض .
- وإن مشكلات كل ضعيف لها منك الحل ، والبعوضة في حد ذاتها مثل في الضعف .
- إن شهرتنا في الضعف وانكسار الجناح ، مثل شهرتك في اللطف ورعاية المساكين .
- ويا من أنت في منتهي درجات القدرة ، نحن في منتهي النقصان والضعف .
- فأنصفنا وخلصنا من الغم ، وخذ بأيدينا يا من يدك هي يد الله تعالى .
4635 - فقال سليمان : يا طالب الإنصاف ، ممن تطلب العدل والإنصاف ؟
- فقل لي : من ذلك الظالم الذي خمش وجهك من كبريائه وعنجهيته ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 217 : وعندما يطل قرص الشمس من المشرق ، لا يبقى من الليل أو من النجم أثر ، وعندما يدخل العشق قلبا ، يلقي العقل بمتاعة خارجا . مثل أسد شرب مع غزال مرتين أو أربع ، فغاب الغزال عن الوعي وسقط ، مثل بعوضة أمام ريح عاتية ، فافهم الله أعلم بالسداد .
“ 396 “
- عجبا : أين هو الظالم في عهدنا وليس في سجننا أو مقيدا في أغلالنا ؟
- ذلك أن الظلم قد مات يوم ولدنا فمن الذي زاول الظلم في عهدنا إذن ؟
- وعندما ظهر النور انمحت الظلمة ، فالظلمة هي أصل الظلم وعضده .
4640 - والشياطين الآن تقوم بالكسب والطاعة ، وآخرون منهم مصفدون بالأغلال .
- وأصل ظلم الظلمة من الشيطان ، والشيطان مصفد في الأغلال فكيف ظهر الظلم ؟
- لقد أعطانا الله الملك بأمر “ كن “ فكان ، وحتى لا يضج الخلق بالشكوي نحو السماء .
- وحتى لا يصعد دخان “ قلوب المظلومين “ إلي الأعالي ، حتى لا تضطرب الأفلاك ونجوم السها .
- وحتى لا يهتز العرش من أنين اليتيم ، وحتى لا تصاب روح بالسقم من الظلم .
4645 - ومن هنا فقد أقمنا شريعة في الممالك ، حتى لا ترتفع إلي الفلك صيحة “ يا ربي “ .
- فلا تنظر أيها المظلوم نحو السماء ، فإن لك الآن ملكا سماويا .
- قالت البعوضة : إن شكواي من الريح التي مدت كلتا يدي ظلمها علينا .
- ولقد ضقنا ذرعا من ظلمها ، ونعاني فيها الويلات بأفواه صامتة “ 1 “ .
أمر سليمان عليه السلام البعوضة المتظلمة
بإحضار الخصم إلى ديوان الحكم
- فقال سليمان : يا جميلة الخطي ، ينبغي عليك أن تسمعي منصتة إلي أمر الحق .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 220 : فظلمها علينا صريح وواضح للعيان ، ولا حيلة لا لنا إلا الشكوي ، فخذ بحقنا منها وأنصفنا ، أيها الكريم العادل يا من طبعك الإكرام .
“ 397 “
4650 - فقد قال الحق : أحذر أيها الحكم أن تسمع من خصم دون أن تسمع إلي الخصم الآخر .
- وما لم يحضر الخصمان معا ، فإن الحق لا يظهر للحاكم .
- ولو أتي أحد الخصوم بمائة تضرع ، فحذار حذار أن تأخذ قوله “ مأخذ الجد “ دون وجود خصمه .
- وأنا لا أجرؤ علي عصيان الأمر ، فأذهبي وأحضري خصمك إلي .
- فقالت : إن قولك صحيح ذو برهان ، وخصمي هو الريح وهو تحت أمرك .
4655 - فصاح ذلك الملك : يا ريح الصبا ، لقد شكت البعوضة إلي من ظلمك فأقبلي .
- هيا قفا متقابلين أنت والخصم ، وأجيبي عليه وأدفعي عنك العدو .
- وعندما سمعت الريح جاءت علي وجه السرعة ، فهمت البعوضة بالفرار .
- فقال سليمان إلي أين أيتها البعوضة ؟ انتظري حتى أقضي بينكما .
- فقالت : أيها الملك : أن موتي من وجودها ، لقد أسود يومي هذا من دخانها .
4660 - وما دامت قد حضرت كيف أجد القرار ، إنها تخرب بنياني من أساسه .
- وهكذا يكون الباحث عن العتبة الإلهية ، عندما يتجلى الإله يصير هو فانيا .
- وبالرغم من أن ذلك الاتصال بقاء خالص ، لكن ذلك البقاء متوقف في البداية علي الفناء .
- والظلال التي تكون باحثة عن النور ، تنعدم عندما يظهر لها ذلك النور .
“ 398 “
- فمتي يبقي العقل عندما يطل هو ،كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
4665 - إنما يهلك أمام وجهه الوجود والعدم ، والوجود في العدم أمر طريف في حد ذاته .
- وفي هذا المحضر تاهت العقول ، وعندما وصل القلم إلي هنا انكسر
ملاطفة المعشوق للعاشق الغائب عن الوعي حتى يعود إلى وعيه
“ 1 “
- أخذ صدر جهان يعيده إلي وعليه رويدا دويدا صدر “ بحلو “ بيانه .
- وهمس الملك في أذنه : أيها الشحاذ ، لقد جئت بالذهب نثارا لك فافتح حجرك “ 2 “ .
- فكيف فرت روحك التي كانت تخفق في فراقي عندما أتيت لنجدتها ؟
4670 - يا من رأيت في فراقي الحلو والمر ، عد إلي وعيك من إغمائك . . . عد .
- إن طائرا منزليا يصطحب جملا مضيفا إياه في منزله لقليل العقل .
- ذلك أن الجمل عندما وضع خفه في كن الطائر ، خرب المنزل وسقط السقف .
- إن كن الطائر هو وعينا وعقلنا ، ووعي صالح طالب لناقة الله .
- وعندما أطلت الناقة في مائة وطينه ، لم يبق الطين هناك ولم تبق روحه أو قلبه .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 229 : لأعد صوب صدر جهان وملاطفته لعاشقه في السر .
( 2 ) ج / 9 - 229 : وأمسك به ووضع رأسه إلي جواره ، وهو يذرف الدموع الندية .
“ 399 “
4675 - لقد جعل فضل العشق الإنسان فضوليا ، وهو من تزيده هذا ظلوم جهول .
- إنه جهول وفي هذا الصيد الصعب يعانق الأرنب أسدا .
- فمتي كان له أن “ يجرؤ “ علي عناق الأسد ، إذا كان قد رأي الأسد وعرفه ؟
- إنه ظالم لنفسه ولروحه ، فانظر إلي الظلم الذي يختطف الكرة من أنواع العدل ؟
- إن جهله أستاذ للعلوم ، وظلمه قد صار رشادا لأنواع العدل .
4680 - أخذ بيده وقال : إن نفسه المسلوب إنما يعود إليه عندما أهبه أنا النفس .
- وما دام يحيا بي هذا الميت الجسد ، فإنها تكون روحي تلك التي تتجه إلي .
- وإنني لأجعله من هذه الروح ذا حشمة وجاه ، وتري الروح التي أهبها عطيتي .
- إن الروح التي لم يسمح لها لا تري وجه الحبيب ، إنما تراها تلك الروح التي يكون أصلها من حيه .
- إنني كالقصاب أنفخ هذا الصديق ، حتى يترك لبه اللبيب ذاك الجلد .
4685 - وقال : أيتها الروح الخائفة من البلاء ، لقد فتحنا باب وصالنا فتفضلي
- يا من ذاتنا غيابك عن الذات وسكرك ، يا من وجودك دائما من وجودنا .
- إنني في هذه اللحظة ، وبلا شفة ، أكشف لك الأسرار القديمة وأولا بأول فاستمع إليها .
- ذلك أن الشفاه تفر من هذا النفس ، وتنقتح علي حافة الجدول الخفي .
- فافتح الأذن التي بلا أذن في هذا النفس ، من أجل سر “ يفعل الله ما يشاء “
“ 400 “
4690 - وعندما سمع نداء الوصل ، أخذ الميت يتحرك قليلا قليلا .
- إنه ليس أقل من التراب ، الذي من أفتنانه برياح الصبا ، يرتدي “ وشاحا “ أخضر ويطل برأسه من العدم .
- وليس أقل من النطفة التي من الخطاب ، تلد أمثال يوسف الصديق بوجوه كالشمس .
- وليس أقل من الريح التي من أمر “ كن “ تصير في الرحم طاووسا وبلبلا حلو التغريد . “ 1 “
- وليس أقل من الجبل الصخري الذي ولد ناقة كأنها مولودة من ناقة أخري .
4695 - ودعك من هذا كله ، أليس أصل العدم ذاك ولد عالما ويلده لحظة بلحظة ؟
- فقفز واهتز ودار دورتين بفرح شديد ، ثم انكب على وجهه ساجدا .
عودة العاشق المغمى عليه إلى وعيه واتجاهه إلى
شكر المعشوق والثناء عليه .
- قال : يا عنقاء الحق يا مطافا للروح ، الشكر “ لله أنك قد عدت من جبل قاف “ . “ 2 “ .
- يا إسرافيل أوان قيامه العشق ، ويا من أنت عشق للعشق ويا منية العشق .
- إن أول خلعة أريد منك أن تخلعها علّي ، إنني أريد أذنا تضعها علي كوتي .
4700 - فبالرغم من أنك تعلم حالي ، بصفوة قلبك ، فاستمع إلي أقوالي يا راعيا لعبيدك ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 230 : وليس أقل من النار التي في أمر السلام ، صارت روضة على الخليل حلو الكلام .
وليس أقل من قطعة الخشب التي دفعا للعدو ، صارت حبة منكرة من أمرة .
( 2 ) ج / 9 - 238 : وتهلل من وجهه وصار سعيداً ، وفي الوصال تحرر من قيد الهجر
“ 401 “
- ومئات ألاف المرات - أيها الصدر الفريد - قد طار مني الوعي رغبة في سمعك .
- إن سمعك ذاك وإصغاءك لي ، وهذه البسمات التي تطيل العمر .
- وذلك الإنصات لما أقوله قل أو كثر ، هو فتنة لروحي سيئة الظن .
- إن زيفي الذي تعلمه جيدا قد قبلته أنت كأنه النقد الصحيح .
4705 - ومن أجل جريء وقح مغرور “ مثلي “ ، تتضاءل الأحلام إلي جوار حلمك وتصير كذرة الهباء .
- فأعلم أولا أنني عندما تخلصت من شصك ، فر من أمامي كل ما هو أول وآخر .
- واسمع ثانيا أيها الصدر الودود ، لقد طوفت كثيرا وبحثت ولم يكن لك ثان ! !
- وثالثا : إنني عندما خرجت عن معيتك ، فكأنني قلت : ثالث ثلاثة .
- ورابعا : لما كانت مزرعتي قد احترقت ، فإنني لا أعلم الخامسة من الرابعة “1” .
4710 - وحيثما تجد دماء “ مسكوبة “ علي التراب ، فاعلم علي وجه اليقين أنها من عيوننا .
- إن قولي بمثابة الرعد وهذا الصوت والحنين ، يريد سحابا حتى يمطر علي الأرض .
- إنني حائر بين الحديث والبكاء ، أبكي أم أتحدث ، “ رباه “ ما ذا أفعل ؟
- فإن تحدثت فاتني البكاء ، وإن بكيت فكيف أفصح عن الشكر والثناء ؟
- إن الدم يتساقط من المأقي أيها الملك ، فأنظر إلي ما سال من مأقى ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 238 : وخامسا في هجرك يا صدر جهان ، كتب في خسارة حتى من حواسي الخمسة .
وسادسا بدون وجهك ، كان الحزن يمطر على من الجهات الستة .
ولا أدري السابع من الثامن فقد تهت ، ويبكى الفلك علي دما .
“ 402 “
4715 - قال هذا وانخرط في البكاء ذلك النحيل ، حتى بكي عليه الوضيع والشريف .
- وانطلق من قلبه العديد من صيحات الوجد ، فتحلق حوله كل أهل بخاري .
- فهو متحدث كيفما اتفق ، باك كيفما أتفق ، ضاحك كيفما اتفق ، فاندهش الرجال والنساء والصغار والكبار ! !
- وصارت المدينة بأجمعها مشاركة إياه ذرافة الدمع ، واختلط الرجال بالنساء وكأنها القيامة .
- وكانت السماء تقول في تلك اللحظة للأرض ، إن لم تكوني شهدت القيامة فانظري إليها .
4720 - والعقل حائر : أي عشق هذا وأي حال ؟ أفراقه أعجب أم هذا الوصال ؟
- وتلا الفلك كتاب القيامة ، حتى مزقت المجرة ثيابها !
- إن العشق ذو غربة عن العالمين ، والاثنان والسبعون “ مذهبا “ فيه من قبيل الجنون .
- إنه خفي جدا لكن حيرته بادية ، وأرواح سلاطين الروح في حسرته .
- ومذهبه غير الاثنين والسبعين مذهبا ، وعروش الملوك “ إلي جواره “ مجرد جبيرة ساق .
4725 - إن مطرب العشق يتغني بهذا وقت السماع ، العبودية قيد والسيادة صداع .
- إذن فماذا يكون العشق ؟ إنه بحر العدم ، لقد حطمت العقل هنا القدم .
- صارت العبودية والسلطنة معلومتين ، وعن هذين الحجابين كتم العشق .
- وليت الوجود كان ذا لسان ، حتى يرفع الحجب عن الموجودات .
“ 403 “
- وكل ما تقوله يا نفس الوجود عن الوجود ، اعلم أنك قد وضعت به حجابا اخر عليه .
4730 - إن آفة الإدراك هو ذلك المقال والحال ، وغسل الدم بالدم محال محال .
- وأنا لما كنت صفيا للهائمين فيه ، فإنني أنفخ ليل نهار ، لكن في قفص .
- إنك ثملة جدا غائبه عن الوعي مضطربة أيتها الروح ، فعلي أي جنب كنت نائمة ليلة الأمس ؟
- انتبه انتبه وحذار أن تفيض بنفس ، انهض أولا وأطلب من سمح له “ به “ ! !
- عاشق وثمل وفاتح فاك متحدثا ؟ الله . . . الله . . . جمل علي قناة ! !
4735 - وعندما يتحدث اللسان عن سره وعن لطفه ، تتلو السماء قائلة : يا جميل الستر .
- أي ستر ؟ والنار في صوف وقطن ، مهما تخفيها تكون أكثر ظهورا .
- وكيف أسعي في إخفاء سره ؟ وهو يطل كالعلم قائلا : هأنذا .
- إنه يأخذ رغم أنفي بكلتا أذني قائلا : أيها الغبي ؟ كيف تخفيه ؟ اخفه إذن ! !
- أقول له : إمض ، فالبرغم من أنك في غليان ، إلا أنك كالروح خفي وظاهر .
4740 - فيقول : إن جسدي هذا محبوس في دن ، لكني أصفر كالخمر في محفل ! !
- أقول له : إمض قبل أن تسقط في الأسر ، إمض حتى لا تحيق بك آفة السكر ! !
- يقول : إن شربي من الكأس للطيف ، وهي رفيقة نهاري حتى صلاة المغرب .
“ 404 “
- وعندما يأتي المغرب ويسرق مني الكأس ، أقول له : أعدها إلي فلم يأت مغربي بعد .
- ومن هنا سمي العرب الخمر بالمدام ، ذلك أن شاربها لا يشبع من شربها علي الدوام .
4745 - إن العشق ينضج خمر التحقيق ، ويكون “ هو “ الساقي الخفي للصديق .
- وعندما تبحث أنت بالتوفيق الحسن ، تكون الخمر هي ماء الروح والإبريق هو الجسد .
- وعندما تزيد في خمر التوفيق ، فإن قوة الخمر تكسر الإبريق .
- يتحول الماء إلي ساق ، ويثمل بالماء ، ولا تقل لي كيف ؟ الله أعلم بالصواب .
- إن شعاع الساقي هو الذي انصب في العقار ، فغلي العقار وصار رجراجا متماسكا .
4750 - فسل في معني هذا ذلك المتحير ، فمتي كنت قد رأيت العقار بهذا الشكل ؟
- وفي رأي كل عالم بداهة أن كل متحرك يلزمه محرك ما .
حكاية عاشق طويل الهجران وكثير الامتحان
- كان أحد الشباب قد جن “ 1 “ “ عشقا “ بامرأة ، ولم تكن أيام الوصول تمد يدها له .
- فعذبه عشقه هذا فوق الأرض ، فلماذا يكون العشق في بدايته “ في عذاب “ الحقد ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 252 : كان أحد الشاب قد عشق امرأة ، فقضي الليل والنهار دون أكل أو نوم .
صار مسلوب القلب مضطربا ومجنونا ثملا ، ولم تكن أيات الوصل تمديدها له
“ 405 “
- لماذا يكون العشق في البداية دمويا ؟ بحيث يهرب منه كل من يكون خارج حلقتنا ؟
4755 - وعندما كان يرسل رسولا إلي المرأة ، كان الرسول يتحول حسدا إلي حائل بينه وبينها .
- وعندما كتب لها كاتبه خطابا ، كان نائبها يقرأ الخطاب مصحفا .
- وإن أرسل الصبا رسولا في الوفاء ، كان ذلك الصبا يظلم من “ كثرة ما يحمله “ من غبار .
- وإن أرسل رقعة علي جناح طائر ، كان جناح الطائر يحرق الرقعة من حرارته .
- لقد سدت الغيرة طريق الحيلة ، وكسرت راية عسكر الفكر .
4760 - كان الانتظار يسري عنه في البداية ، وفي النهاية هزمه حتى الانتظار .
- وكان أحيانا يقول : هذا بلاء بلا دواء ، وأحيانا كان يقول :
بل حياة لأرواحنا .
- كان الوجود أحيانا يطل برأسه منه ، وأحيانا كان يأخذ نصيبا من العدم “ 1 “ .
- وعندما كانت “ رغبة “ الجسد تفتر عنده ، كانت عين الاتحاد “ بالمحبوب “ تجيش فيه حارة .
- وعندما وطن النفس علي غربة الاستغناء ، أسرعت إليه القدرة علي الاستغناء .
4765 - صارت عناقيد فكرة بلا نقصان ، وصار مرشدا للسارين كأنه القمر .
- فرب ببغاء حسن الصوت لكنه صامت ، ورب حلو الروح لكنه عابس الوجه .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 252 : وحينا كان صراخة يصل إلي الفلك وحينا كان خيال الحبيب يصير رفيقا له .
“ 406 “
- فاذهب إلي المقابر واجلس صامتا للحظة واحدة ، وانظر إلي أولئك الصامتين المتحدثين .
- لكنك وإن رأيت ترابهم متوحد اللون ، إلا أن أحوالهم الروحية ليست سواء .
- إن شحم الأحياء ولحمهم واحد وعلي السواء ، لكن ذاك يكون حزينا وهذا يكون فرحا .
4770 - فأي علم لك بأحوالهم ما لم تسمع أقوالهم ، ما دامت أحوالهم خافية عليك ؟
- تسمع من المقال كثيرا من صيحات الوجد ، فمتي تري الحالة المتشابهة المستترة ؟
- وصورنا سواء ، لكنها تتصف بالتضاد ، والتراب أيضا سواء لكن الأرواح مختلفة .
- وكذلك الأصوات كلها علي وتيرة واحدة ، لكن أحدها مليء بالألم والآخر مليء بألوان الدلال .
- إنك تسمع صهيل الخيول عند القتال ، وتسمع تغريد الطيور عند التنزه .
4775 - فواحد “ يصيح “ من الحقد واخر “ يتحدث “ من المحبة ، وواحد “ يصرخ “ من الألم ، وهذا “ يشدو “ من السرور .
- وكل من يكون بعيدا عن أحوالهم ، تكون تلك الأصوات في “ سمعه “ علي السواء .
- وتلك شجرة تهتز من ضربات الفأس ، وهناك شجرة أخري “ تهتز “ من نسيم السحر .
- وكثيرا ما خدعت بقدر يحتوي علي شيء تافه ، ذلك لأنها تغلي بينما يكون غطاؤها فوقها .
“ 407 “
- ويقول لك شخص : هذا حساء سائغ فتعال ، سواء كان حساء حقيقا أو حساء خفيفا “ يُعطي للمريض “ .
4780 - فإن لم تكن لديك قبسة من روح ذي فراسة بالوجوه ، فاذهب واحصل علي أنف عارف بالروائح .
- وتلك الأنف التي تطوف حول تلك الروضة ، تضيء حتى عيون أمثال يعقوب .
- فهيا وقل أحوال مفتت الكبد ذاك ، فلقد ابتعدنا عن البخاري يا بني .
إيجاد العاشق المعشوق وبيان أن من جد وجد مصداقا للآية الكريمة
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
- ظل ذلك الشاب في بحث وسعي لسبع سنوات ، وصار من التفكير في الوصل كأنه الخيال .
- وإن ظل الحق يكون فوق رأس العبد ، ومن جد وجد في النهاية .
4785 - وقال الرسول عليه السلام : عندما تقرع بابا ، فسوف يطل رأس من هذا الباب في النهاية .
- وعندما تجلس علي رأس حي أحد ، فسوف تري وجهه في نهاية الأمر .
- وعندما تخرج التراب من بئر كل يوم ، فسوف تصل في النهاية إلي الماء الصافي .
- وكل الناس يعرفون هذا وإن لم تصدقه أنت ، إن ما تزرعه تحصده في يوم من الأيام .
- فهل ضربت الحديد بالحجر ولم يقفز الشرر ، إن هذا لا يكون وإن حدث يكون نادرا .
4790 - وذلك الذي لا يكون له في الآخرة حظ أو نجاة، لا ينظر عقله إلا في الأمور النادرة.
“ 408 “
- فيقول : إن فلانا زرع ولم يجن الثمر ، وذاك حصل علي الصدف ولم يكن في الصدف جوهر .
- وبلعم بن باعوراء وإبليس اللعين ، لم تجدهما عبادتهما فتيلا .
- لكن مئات الآلاف من الأنبياء والسالكين ، لا يخطرون بخاطر هذا السييء الظن .
- إنه يحتج بهذين بحيث ينشر في القلب الظلمة ، فمتي يضع الإدبار شيئا غير هذا في قلبه ؟
4795 - إنه يقول : رُب شخص يكون تناول الخبز سرور قلبه ، ثم يصير موتا له ويقف في حقله .
- إذن فامض أيها المدبر ولا تأكل الخبز ، حتى لا تقع مثله في الاضطراب والشر .
- فمئات الآلاف من الخلق يأكلون الخبز ، فيجدون “ به “ القوة ويربون الروح .
- فأين وقفت أنت علي هذا الشخص النادر إن لم تكن محروما وابن أحمق ؟
- وهذه الدنيا مليئة بالشموس وضوء القمر ، وقد تركها وطأطأ رأسه في بئر .
4800 - قائلا : إذا كان هذا الأمر حقا فأين النور ؟ ارفع رأسك من البئر وانظر أيها الدني .
- لقد وجد كل العالم من الشرق إلي الغرب هذا النور ، وما دمت في بئر فلن يسطع عليك .
- فاترك البئر واذهب إلي الإيوان والكروم ، وكفاك جدلا هنا فاللجاج شؤم .
“ 409 “
- هيا ولا تقل : إن فلانا قد زرع في عام كذا ، لكن الجراد أكل زراعته
- إذن فلماذا أزرع وهنا مجال للخوف ؟ ولماذا أبذر هذا القمح من يدي ؟
4805 - وذلك الذي لم يترك الزرع والفلاحة ، ملأ برغم أنفك أهراءه . “ 1 “ .
- لقد كان يداوم علي قرع الباب شوقا وأملا وفي النهاية ظفر ذات يوم بالخلوة .
- لقد هرب خوف العسس ذات ليلة إلي بستان ، فوجد حبيبه كأنه الشمع والمصباح .
- فقال لمسبب السبب في تلك اللحظة : يا إلهي لتنزل رحمتك علي العسس .
- لقد سببت الأسباب من حيث لا تعلم ، وحملتني من أبواب الجحيم إلي الجنة .
4810 - لقد جعلت هذا الأمر سببا ، حتى لا أستهين بأي شئ ولو كان شوكة واحدة .
- فعند انكسار القدم يخلق الحق جناحا ، وحتى في قاع البئر يفتح سبحانه وتعالي بابا “ 2 “ .
- فلا تنظر إلي أنك علي شجرة أو في “ قاع “ بئر ، بل انظر إلي فأنا مفتاح الطريق .
- وإن كنت تريد بقية هذا الحديث ، فالتمسه يا أخي في الكتاب الرابع .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 258 : ذعك من هذا البيان ، وسق لحظة ، نحو أحوال ذلك العاشق الشاب .
( 2 ) ج / 9 - 258 : وكل ما يكون في نظرك باعثا على الكراهية ، هو في الحقيقة رحمة .
.