مجىء رسول الروم إلى عمر رضي الله عنه ورؤيته لكراماته المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
مجىء رسول الروم إلى عمر على منتدى عبدالله المسافر باللهمجىء رسول الروم إلى عمر ابن الخطاب ورؤيته لكراماته الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
تفسير " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر "
- أيها العظماء ، لقد قتلنا خصما خارج " وجودنا " ، وبقي خصم أخطر منه يقيم في بواطننا .- وقتله عمل لا يتأتى بالعقل والذكاء ، وأسد الباطن لا يُسخر لأرنب .- فهذه النفس جحيم ، والجحيم أفعى ، لا تقل ولا تنقص بماء البحار . 1385 - إنها تشرب البحار السبعة ، ثم لا يقل إحراقها ، تلك المحرقة للخلق ................................................................( 1 ) ج / 1 - 605 : - وما دمت تُعطى هذه الدولة في دورك ، فلأي سبب انتفخت أوداجك .( 2 ) ج / 1 - 605 : - أي يوم أو يومين والدنيا ساعة ، وكل من تركها في راحة . - فاستمع إلى معنى الترك راحة ، ثم إحتس بعدها كأس البقاء . - واترك هذه الجيفة للكلاب ، وحطم زجاجة الظن . « 150 » - والحجارة والكفار ذوو القلوب الحجرية ، يدخلونها مساكين خجلين .- فلا تسكن أبدا بهذا الغذاء ، حتى يخاطبها الحق بهذا النداء :- هل شبعت ؟ فتقول الممتلئة : ليس بعد ، فهاك النار ، هاك النار ، هاك الاحتراق - تجعل العالم لقمة واحدة وتبتلعها ، ولا تزال معدتها نصيح : هل من مزيد ؟ 1390 - ويضع الحق عليها قدمه من اللامكان ، وآنذاك تسكن من كن فكان .- ولما كانت نفوسنا هذه جزءا من الجحيم ، فإن هذه الأجزاء دائما ما تتسم بطبع الكل " الذي تنتمي إليه .- وقدم الحق هي التي تقتلها ، ومن غير الحق يشد قوس الحق ؟- وفي القوس لا يوضع إلا السهم المستقيم ، ولهذا القوس المغشوش سهام معوجة .- فاستقم كالسهم ثم انطلق من القوس ، فمن القوس ينطلق بلا شك كل سهم مستقيم . 1395 - وما دمت قد عدت من الجهاد الظاهري ، فقد اتجهت إلى الجهاد الباطني - فقد رجعنا من الجهاد الأصغر ، ثم اتجهنا مع النبي إلى الجهاد الأكبر .- وإنني أطلب من الحق القوة والمكنة والجرأة ، حتى أحفر بإبرة جبل قاف هذا .- وأعلم أنه أمر سهل أن يكون ثم أسد يشق الصفوف ، لكن الأسد الحقيقي هو الذي يهزم النفس . « 1 » مجىء رسول الروم إلى عمر رضي الله عنه ورؤيته لكراماته
- استمع إلى قصة في بيان هذا الأمر ، حتى تظفر بحصة من سر قولي ................................................................( 1 ) ج / 1 - 608 : - حتى يصبح بعونه من أسد الله ، وينجو من النفس وفرعونيتها .
« 151 » 1400 - لقد جاء إلى عمر رسول من قبل القيصر ، جاء حتى المدينة عبر صحراء شاسعة .- وسأل : أين قصر الخليفة أيها الحشم ؟ حتى أسوق جوادى إليه وأحمل متاعي .- فقال له الناس : ليس له قصر ، ولعمر قصر " واحد " هو الروح المضيئة .- ومع أن له صيتا من الإمارة ، إلا أنه كالدراويش صاحب كوخ .- فكيف لك أن ترى قصره أيها الأخ ، ما دامت هناك شعرة واحدة في عين قلبك . 1405 - فلتطهر عين القلب من الشعر والعلل ، ومن بعدها تكون لك عين تبصر قصره .- وكل من له روح طاهرة من الشهوات ، سرعان ما يرى الإيوان والحضرة الطاهرة .- وعندما تطهر محمد من هذه النار ودخانها ، أينما ولى فثم وجه الله .- وما دمت رفيقا للوسوسة التي تريد بك السوء ، متى تعلم معنى ثم وجه الله ؟- وكل من يكون له شرح في صدره ، فإنه يرى الشمس في كل مدينة . 1410 - والحق ظاهر عن كل ما سواه ، وكأنه القمر بين النجوم .- فضع طرفي إصبعك على عينيك و " أجبني " هل ترى شيئا من الدنيا ؟ قل الحق!! - فإن كنت لا ترى هذه الدنيا فهي ليست معدومة ، والعيب ليس إلا من إصبعي النفس الشؤم .- ثم ارفع طرفي إصبعيك هذين من أمام عينيك ، ومن بعدها شاهد كل ما تريد .- لقد قالت أمة نوح له : أين العقاب؟ قال : ما وراء الوارد في آية "فاستغشوا ثيابهم". « 152 » 1415 - فلقد لففتم وجوهكم ورؤوسكم بثيابكم ، فلا جرم أنكم لم تروا بالرغم من وجود عيونكم .- والإنسان رؤية وما عداها فجلد ، والرؤية الحقة هي رؤية الحبيب .- وما لم تتيسر رؤية الحبيب فخير لها أن تكون عمياء ، والبعد عن الحبيب الذي لا يبقى أولى .- وعندما سمع رسول الروم هذه الكلمات النضرة ، أصبح أشد شوقا .- وصرف بصره إلى البحث عن عمر ، وأضاع متاعه وجواده . 1420 - وفي إثر رجل الأمر ذاك ، أخذ يطوف بكل ناحية كالمجنون متسائلا :- أمثل هذا الرجل يوجد في الدنيا ، ويكون مختفيا عن الدنيا كأنه الروح ؟ !- لقد بحث عنه ليكون عبدا له ، ولا جرم أن من جد وجد .- ورأته أعرابية غريبا " عن المكان " فقالت له عمر الآن تحت ذلك النخيل .- إنه تحت ظل النخلة منفصل عن الناس ، فانظر إلى ظل الله نائما في الظل . رؤية رسول الروم لعمر رضي الله عنه نائما تحت الشجرة
1425 - فجاء إلى ذلك المكان ووقف بعيدا ، وأبصر عمر فتملكته رعدة .- وحطت هيبة من ذلك النائم على الرسول ، وطرأ حال طيب على روحه .- والحب والهيبة كلاهما ضد للآخر ، وهذان الضدان اجتمعا في كبده .- وقال في نفسه : لقد رأيت الملوك ، وكنت في حضرتهم عظيما مقربا .- ولم تقع علىّ هيبة من الملوك ولم أهبهم ، وهيبة هذا الرجل سلبت لبى . 1430 - كما تجولت في آجام الأسود والنمور ، ولم يشحب وجهي خوفا منهم .- وكثيرا ما حضرت المواقع والحروب ، وكنت كالأسد عندما يحتدم القتال . « 153 » - وكثيرا ما أثخنت الآخرين بالطعان ، كما تلقيث الطعنات ، وكنت أقوى قلبا من الآخرين .- ومن هذا الرجل النائم بلا سلاح ، يرتعد جسدي كله ، فما هذا الأمر ؟ !- إن هذه هي هيبة الحق وليست من الخلق ، إنها ليست هيبة هذا الرجل لابس الخرق ! ! 1435 - وكل من خاف الله واختار التقوى ، خافته الجن والإنس وكل من وقع بصره عليه .- وعقد يده احتراما وهو يفكر في هذه الأمر ، وبعد برهة من الزمن استيقظ عمر من نومه .[ سلام رسول الروم على عمر ]- فأدى فروض الطاعة لعمر وألقى عليه السلام ، إذ قال الرسول ": السلام ثم الكلام".- فرد عليه السلام واستدعاه إليه ، وأمنه ، وأجلسه إلى جواره .- إن " لا تخافوا " نزلت في حق الخائفين ، فهي آية جديرة بكل من هو خائف . 1440 - وكل من يخاف يأمنونه ، ودائما ما يقومون بطمأنة قلب الخائف .- وكيف تقول " لا تخف " لمن ليس بخائف ، وأي درس تعطيه إياه وهو لا يحتاجه ؟- لقد أسعد " عمر " ذلك المسلوب القلب ، وطيب خاطره المضطرب .- ثم حدثه من بعدها بالكلام الدقيق ، عن صفات الحق ، إنه نعم الرفيق .- وعن إلطافات الحق بالأبدال ، حتى يعلم ذلك " الرسول " المقام والحال . 1445 - فالحال كأنه الجلوة لتلك العروس الحسناء ، والمقام هو الإختلاء بها .- والجلوة يشهدها العريس وغير العريس ، وفي وقت الخلوة لا يوجد إلا العريس العزيز .
« 154 » - فالعروس جعلوها في الجلوة ليراها الخواص والعوام ، وفي الخلوة ينبغي أن يكون العريس فحسب مع العروس .- وهناك كثيرون من أهل الحال بين الصوفية ، وندر من بينهم من يكون من أهل المقام .- ولقد علمه عمر منازل روحه ، كما علمه أيضا رحلات نفسه . 1450 - وحدثه عن ذلك الزمان الذي كان خاليا من الزمان ، وعن مقام القدس المنسوب لذي الجلال . . .- وعن ذلك الهواء الذي كانت عنقاء الروح قد رأت فيه من قبل الانطلاق والفتوح- وكل طيران منها كان زائدا عن الآفاق ، أكثر من رجاء المشتاق ومن نهمته .- وعندما وجد عمر ذلك الذي يبدو غريبا رفيقا ، ووجد روحه طالبة للأسرار .- كان شيخا كاملا والطالب مشتهيا ، كان الرجل ذا همة والمطية على الباب . 1455 - رآه ذلك المرشد جديرا بالإرشاد ، فغرس بذوره الطاهرة في أرض طاهرة توجيه رسول الروم الأسئلة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
- سأله الرجل : يا أمير المؤمنين ، الروح من أعلى فكيف هبطت إلى الأرض ؟- وكيف استوعب القفص الطائر الذي لا يحده حد ؟ قال : لقد تلا الحق على الروح الرقى والقصص .- وعندما يتلو رقيته على المعدومات التي لا عيون لها ولا آذان تفور كلها " بالحركة " .- ومن رقيته تنقلب المعدومات سعيدة نحو الوجود بأسرع ما يمكنها . « 155 » 1460 - ثم إنه عندما يتلو على الموجود رقية ما ، يسوق الموجود منها مسرعا نحو العدم .- لقد قالها في آذان الورود وجعلها ضاحكة ، وقالها للحجر وجعله عقيقا في المنجم .- وتلا آية على الجسد حتى صار روحا ، وقالها للشمس حتى صارت ساطعة مشرقة .- ثم همس في أذنها بنقطة مخيفة ، فوقع على وجه الشمس مائة كسوف .- وما الذي تلاه ذلك المفوه الفصيح في آذان السحاب حتى ساق الدموع من مآقية كما تنصب من أفواه القرب ! ! 1465 - وما الذي تلاه الحق في أذن التراب ، حتى صار مراقبا " ساكنا " وبقي صامتا ؟ !- وكل من صار حائرا " مستغرقا " في تردده ، همس الحق في أذنه بلغز من الألغاز - وذلك حتى يجعله سجينا بين ظنين ، " قائلا " : ترى أأفعل ما همس لي به أو أقوم بعكسه ؟- ومن الحق أيضا يرجح أحد الظنين ، ومن كنف لطفه يختار واحدا من الاثنين .- وإن لم تكن تريد أن يظل لب الروح في " وهدة " التردد ، فقلل من ضغطك على هذه القطنة في أذن الروح . « 1 » 1470 - حتى تفهم كل ألغازه ، وحتى تدرك المعميات والواضحات .- فتصبح الأذن موضعا لوحي الحق ، وما هو الوحي ؟ إنه الجدير بالقول عن طريق الحس الخفي ................................................................( 1 ) ج / 1 - 635 : - فأخرج قطن الوسواس من الأذن ، حتى يحل فيها النداء من الفلك .« 156 » - فعين الروح وأذنها غير هذه الحواس الظاهرة ، وعين العقل وأذن الظن يفتقران إليه .- ولفظ الجبر جعل العشق مني نافد الصبر ، ومن ليس بعاشق سجين في " نطاق " الجبر .- إنها معية مع الحق وليست جبرا ، إنها تجل للقمر ، وليست سحابا . 1475 - وإن كان هذا جبرا فليس جبر العامة ، وليس جبر تلك الأمارة تابعة هواها .- وهم يعرفون " حقيقة " الجبر يا بني ، فقد فتح الله أبصار قلوبهم .- ولقد صار الغيب والآتي ظاهرين لهم ، وصار ذكر الماضي هباء عندهم .- واختيارهم وجبرهم من نوع آخر ، فالقطرات في الأصداف تتحول إلى درر .- وهي في خارج الصدف " مجرد " قطرات صغيرة أو كبيرة ، لكنها في الصدف درر صغيرة وكبيرة . 1480 - وهؤلاء القوم يتصفون بطبع نافجة الغزال ، ظاهرهم دم والمسك في بواطنهم .- ولا تتساءل : إنه من الواضح أن هذه المادة دم ، فكيف تصبح مسكا عندما تصل إلى النافجة ؟- ولا تقل : لقد كان نحاسا وإن إختفى ظاهره ، وإلا كيف يتحول في قلب الأكسير إلى جوهر ؟ !- فالاختيار والجبر كانا فيك مجرد خيال ، وعندما انتقلا إليهم تحولا إلى نور لذي الجلال .
« 157 » - فالخبز يكون على المائدة " مجرد " جماد ، ويصبح في أجساد الناس روحا هانئة 1485 - وهو لا يتحلل وهو على المائدة ، والروح تحلله من " فعل " السلسبيل .- وهذه هي قوة الروح يا صحيح القراءة ، فما بالك بقوة روح الروح ذاك ؟ « 1 » - والإنسان مضغة من اللحم لكنه ذو عقل وروح ، هي التي تشق الجبال وتطوى البحار .- وقوة الروح محطمة للجبل شاقة للصخر ، وقوة روح الروح مصداقها " إنشق القمر " .- والقلب لو يفتح فوهة خزانة السر ، لجعل الروح " متجهة " نحو العرش " مسرعة " كالتركي في هجومه « 2 » إعلان آدم مسئوليته عن زلته قائلا : ربنا ظلمنا ونسبة إبليس ذنبه إلى الله تعالى قائلا :
بما أغويتني
1490 - فانظر إلى فعلنا وفعل الحق كليهما ، واعتبر فعلنا موجودا فهو واضح- وإن لم يكن فعل الحق ذا دخل ، لا تقل لأحد إذن لم فعلت ما فعلت ؟- وخلق الحق موجد لأفعالنا ، وأفعالنا آثار لخلق الحق . « 3 »- والناطق إما يتدبر الكلام أو الغرض منه ، وكيف يصبح في لحظة واحدة محيطا بعرضين ؟...............................................................( 1 ) ج / 1 - 636 : - فالخبز قوة لجسدك ، لكن أمعن النظر لتدرك كيف يكون قوة للروح يا بني .( 2 ) ج / 1 - 636 : - ولو تحدث اللسان بالأسرار الخفية ، لأضرم النار وأحرق هذا العالم .( 3 ) ج / 1 - 657 : - لكن ذلك الفعل يكون من اختيارنا ، ومن ثم يكون جزاؤنا النار أو " رضا " الحبيب .« 158 » - فإن اتجه إلى المعنى غفل عن اللفظ ، ولا يبصر أحد وجه الشئ وظهره في لحظة واحدة . 1495 - فإنك إن رأيت ما هو أمامك في لحظة ما ، متى ترى في نفس الوقت ما هو خلفك ؟ ألا فلتتدبر هذا الأمر ؟- وإن لم تكن الروح محيطة باللفظ والمعنى ، كيف - إذن - تقوم بخلقهما معا . ؟- والحق محيط بالألفاظ والمعاني يا بنى ، ولا يمنعه فعل عن " القيام " بفعل آخر .- لقد قال الشيطان " بما أغويتني " ، وأنكر مسئوليته ذلك الشيطان الدني .- وقال آدم " ظلمنا أنفسنا " ولم يكن مثله غافلا عن فعل الحق . 1500 - ففي ذنبه أخفى دور الحق أدبا منه ، بينما امتنع الآخر عن إسناد ذنبه إلى نفسه .- وقال له " الحق " بعد أن تاب : يا آدم ألست أنا الذي خلقت فيك ذلك الجرم والبلاء ؟- وألم يكن ذلك من قضائي وقدري ؟ فكيف كتمت ذلك عندما قدمت العذر ؟- قال : خفت . . ولم أترك الأدب ، قال الحق : وأنا راعيت ذلك لك .- فكل من يؤدي فروض الاحترام يُحترم ، وكل من يأتي بالسكر يُمزج له باللوز . 1505 - فالطيبات لمن ؟ للطيبين ، فأسعد الحبيب أو أجفه ، ، ، ثم أنظر ! !- ولتأت أيها القلب بمثال لبيان الفرق ، حتى تميز بين الجبر والاختيار .- فيد تكون مهتزة إرتعاشا ، ويد تقوم أنت بهزها .- واعتبر كلتا الحركتين من خلق الحق ، لكن ليس في الإمكان القياس بينهما .- فإنك تكون نادما إن هززتها أنت ، لكن متى رأيت المرتعش نادما ؟ « 1 »...............................................................( 1 ) ج / 1 - 669 : - فمتى رأيت المرتعش نادما ؟ وأي عكوف لك على مثل هذا الجبر ؟ . « 159 » 1510 - وهذه مناقشة عقلية . . أي عقل ؟! ذلك المحتال ، الذي ربما يحمل ضعيفا إلى هناك .- والمبحث العقلي وإن كان درا ومرجانا ، فإن بحث الروح من نوع سواه .- ذلك أن بحث الروح في مقام آخر ، ولخمر الروح قوام مختلف .- وحين يكون البحث العقلي فيه مؤثرا ، يكون عمر - الذي نتحدث عنه - وأبو جهل نجيين .- وعندما تحول عمر من العقل نحو الروح ، صار أبو الحكم من حكمها أبا جهل . 1515 - فهو كامل سواء من جهة الحس ومن جهة العقل ، هذا وإن كان بالنسبة للروح أبا جهل .- فاعلم أن مبحث العقل والحس مجرد أثر أو سبب ، أما مبحث الروح فهو أمر عجيب في غاية العجب .- لقد سطع ضوء الروح ولم يبق لازم أو ملزوم يا طالب الضياء . . أو ما ينبغي وما يقتضي .- ذلك أن البصيرة التي يكون نورها بازغا ، تكون في غنى تام عن دليل هو بمثابة العصا . تفسير " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ "
- لقد عدنا إلى سياق حكايتنا ، لكن . . متى خرجنا منها أصلا ؟ 1520 - فإن تطرقنا إلى حديث الجهل فهو سجنه ، وإن تطرقنا إلى " حديث " العلم ، فهو إيوانه .- وإن غلب علينا النعاس فنحن سكارى به ، وإن حلت بنا اليقظة فنحن في يده .
« 160 » - وإن بكينا فنحن سحابه كثير الحيل ، وإن ضحكنا ، فنحن آنذاك برقه .- وإنا كنا في شحناء وحرب فانعكاس لقهره ، وإن كنا في سلام ومودة فانعكاس للطفه .- ومن نكون نحن في هذه الدنيا شديدة الإعوجاج ، إلا كحرف الألف ، وماذا تملك الألف في الأصل ؟ هباء منثورا . « 1 » سؤال الرسول عمر رضي الله عنه عن سبب ابتلاء
الأرواح بماء الجسد وطينه« 2 »
1525 - قال : يا عمر ، أية حكمة كانت وأي سر في حبس تلك " الروح " الصافية في هذا المكان الكدر .- فأصبح ماء زلال مختفيا في طين ، وأصبحت الروح الصافية في أسر الأبدان . « 3 »- قال : إنك تخوض في نقاش عجيب ، وتجعل المعنى حبيسا للحروف ................................................................( 1 ) ج / 1 - 673 : - فإن أصبحت كالألف مجردا ، تصبح في هذا الطريق رجلا فريدا . فجاهد حتى تترك كل ما هو سوى الحق ، وتصرف القلب عن هذه الدنيا الفانية .( 2 ) ج / 1 - 675 : - هذا الكلام لا نهاية له يا بني ، فتحدث عن رسول الروم وعن عمر . - عندما سمع الرسول هذا الكلام من عمر ، إنبثق نور من قلبه . - فانمحى من أمامه سواء السؤال والجواب ، وصار فارغا من السؤال ومن الجواب . - فلقد أدرك الأصل وجاوز الفرع ، وشرع في سؤال آخر من أجل حكمة الشرع .( 3 ) ج / 1 - 675 : فتفضل ببيان الفائدة . . أية حكمة كانت هذه ، وأي نفع في حبس الطائر في القفص ؟ . « 161 » - لقد حبست المعنى الحر المطلق ، وجعلت الذكر أسيرا للحروف .- فهل قمت بهذا الأمر من أجل فائدة ما ؟ وأنت نفسك في حجاب عن هذه الفائدة . « 1 » 1530 - فكيف لا يرى ذلك الذي تتولد منه الفوائد ذلك الذي صار مرئيا لنا ؟ !- وهناك مئات الآلاف من الفوائد كل منها تعد الفوائد التي ندركها بالنسبة لها قليلة القيمة .- ونفس نطقك هذا وهو جزء من أجزاء صار فائدة ، فكيف يكون الكل الكلي خاليا منها ؟- وعملك هذا وأنت مجرد جزء ذو فائدة ، فكيف ترفع يدك معترضا على الكل ؟- فإن لم يكن للقول فائدة لا تقله ، وإن كانت له فائدة ، فدعك من الاعتراض . .واشكر . 1535 - وشكر الخالق طوق في كل عنق ، وليس جدلا أو عبوسا بالوجه .- ولو كان العبوس بالوجه هو الشكر فحسب ، فلا أحد هناك شاكر . . وكلهم كالخل- وإن كان على الخل أن يسلك طريقه إلى الكبد ، قل : لتكن خلا ممزوجا بالعسل من سكر " الشكر "- والمعنى في الشعر لا يكون خاليا من الغموض ، وهو كحجر المقلاع لا يمكن السيطرة عليه ................................................................( 1 ) ج / 1 - 675 : - لقد حبست المعنى الحر المطلق ، وجعلت الهواء حبيسا للحروف . - ولقد قمت بهذا الأمر من أجل فائدة ، وإن كنت أنت نفسك في حجاب عن هذه الفائدة . « 162 »في معنى أن " من أراد أن يجلس مع الله
فليجلس مع أهل التصوف"
- لقد غاب ذلك الرسول عن نفسه من هذا الكأس أو الكأسين ، فلا الرسالة بقيت في ذاكرته ولا السفارة . 1540 - وصار والها في قدرة الله ، فقد وصل إلى هذا المكان مجرد رسول فصار ملكا .- وعندما وصل إلى البحر صار بحرا ، وعندما غرست الحبة في المزرعة صارت مزرعة .- وعندما اتصل الخبز بأبي البشر ، صار الخبز الميت حيا عالما .- وعندما صار الشمع والحطب فداءً للنار ، تحولت ذاتهما الظلمانية إلى أنوار .- وحجر الأثمد عندما وضع في العيون ، صار بصرا ، وأصبح حارسا في ذلك المكان . 1545 - وما أسعده ذلك الرجل الذي نجا من نفسه ، وأصبح متصلا بوجود حي .- وويله ذلك الحي الذي جلس مع ميت ، صار ميتا وفرت منه الحياة .- لكنك عندما أهرعت إلى القرآن ، إمتزجت مع أرواح الأنبياء .- فالقرآن هو حال الأنبياء ، وهم أسماك في بحر الكبرياء .- وإذا كنت تقرأ القرآن لكنه لا يكون مقبولا لديك ، إستعر بصرا من الأنبياء والأولياء . 1550 - وإن كنت قابلا ، فإنك عندما تقرأ القصص ، يضيق طائر روحك بالقفص - والطائر الذي يكون حبيسا في القفص ، من جهله لا يبحث عن النجاة .
« 163 » - والأرواح التي نجت من الأقفاص ، تكون جديرة بالأنبياء والأئمة .- ومن خارجها تأتيها النداءات من الدين ، قائلة لها هاك طريق النجاة ، هاك إياه - فلقد نجونا بالدين من هذا القفص الضيق ، ولا علاج لهذا القفص إلا هذا الطريق . 1555 - إنك لتجعل نفسك مريضا شاكيا باكيا ، حتى يقوموا بإخراجك من دائرة الشهرة .- فإن الشهرة بين الخلق قيد محكم ، وما ذا يقل هذا القيد في الطريق عن القيد المحكم ؟ « 1 ».