شرح الشيخ عبد الغفور اللارى على الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين
الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي
الجزء الأول
شرح الدرة الفاخرة لعبد الغفور اللارى
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
1 - قوله الحمد للّه الّذي تجلى بذاته لذاته : أي علم ذاته بذاته لا بعلم زائد على ذاته ، وهذا علم على وجه كلى جملي ، وأشار به إلى التعيّن الأول .قوله فتعين في باطن علمه : أي تعيّن بعد ذلك تعينا ثبوتيا في باطن علمه ، وهذا علم تفصيلي ، وأشار به إلى التعين الثاني .قوله ثم انعكست آثار تلك المجالى : أي انصبغ ذاته بأحكام تلك المجالى وآثارها ، وهذا إشارة إلى مرتبة الإمكان أي وجود الممكنات في العين .قوله إلى ظاهره : ظاهر الوجود عبارة عن الوجود البحت من غير اعتبار شيء أو لا اعتباره معه ، وباطن الوجود عبارة عن عرصة علمه سبحانه .قوله فصارت الوحدة كثرة : من غير تغير في حقيقة الوجود ووحدته الحقيقية ومن غير تغير ونقص في صفاته الحقيقية أيضا لأن الكثرة كثرة نسبية .قوله كما تشاهد وتعاين : أي تشاهد الكثرة ، وهذا ظاهر ، أو تشاهد الوحدة التي صارت كثرة ، والمعنى على هذا أنّ مشاهدك في الواقع الوحدة في صورة الكثرة سواء عرفت أم لم تعرف .قوله رجعت تلك الكثرة إلى وحدتها الأولى : بالخلع عن خواصّ الكثرات وأحكامها وارتفاعها عن نظر شهوده صلى اللّه عليه وسلم إلى أن يتصل بالوحدة ص « 76 »الأولى ، وهذا هو المرتبة الخاصّة لنبيّنا صلى اللّه عليه وسلم ، ولذا لم يصرّح باسمه صلى اللّه عليه وسلم .قوله الذين لهم في وراثة هذه الفضيلة يد طولى : أي وراثة حظ ونصيب من هذه بسبب المتابعة ، لا أنها حاصلة لهم حقيقة بالوراثة لما عرفت من اختصاصها به صلى اللّه عليه وسلم . 3 - قوله انّ في الوجود واجبا : أي في ما بين الموجودات موجود واجب وجوده لذاته .قوله وإلا لزم انحصار الموجود في الممكن : لانحصاره عقلا فيما وجب وجوده وما أمكن وجوده .قوله فيلزم أن لا يوجد شيء أصلا : أي لا يكون شيء موجودا وهو خلاف الواقع .قوله فانّ الممكن وإن كان متعددا الخ : يعنى أن طبيعة الممكن ، وإن كان متعدد الأفراد لا يستقل الخ ، والحاصل أن الممكن نوع وحقيقة لا يوجد بنفسه ولا يوجد غيره ، ولا ينفع تعدد أفراده وادّعاء استناد بعضها إلى بعض لأن الكلام في نفس هذا النوع وتحققه . 4 - قوله ذهنا وخارجا : أي الوجود الذهني عين الموجود الذهني ، والوجود الخارجي عين الموجود الخارجي ، كذا نقل عنهم .ص « 77 » قوله ولما استلزم ذلك اشتراك الوجود بين الوجودات الخاصة لفظا لا معنى الخ : فيه بحث لجواز أن يكون الوجودات الخاصة للأشياء عينها ، ويكون كل واحد من الأشياء بهذا الاعتبار فردا للوجود المطلق ، فيكون الوجود المطلق مشتركا معنويا بين الوجودات الخاصة التي هي عين الأشياء . هذا وقد يتوهّم أنّ كون وجود الشيء عينه يوجب كون ذلك الشيء واجبا بناء على أن وجود الشيء إذا كان عينه كان موجودا بذاته والموجود بذاته واجب ، وليس كذلك لأن الموجود بذاته إن أريد به أن ذاته مقتضية لوجوده وتحققه فلا نسلّم أن وجود الشيء إذا كان عينه كان موجودا بذاته بهذا المعنى ، وإن أريد به أن ذاته مبدأ للآثار فمسلّم ، لكن لا نسلّم أن ما يكون كذلك واجب لجواز أن يكون كونه مبدأ للآثار مجعولا للفاعل كما أن اتصافه بالوجود يكون مجعولا له على تقدير كون الوجود زائدا .قوله لعدم زوال اعتقاد مطلقه : أي مطلق الوجود عند زوال خصوصيته : أي خصوصية الوجود ، يعنى ربما نعتقد أن شيئا موجود نتردد أنه واجب أو جوهر أو عرض ، واجتماع ذلك الاعتقاد مع ذلك التردد يدلّ على اشتراك الوجود معنى .قوله وبوقوعه موردا للتقسيم المعنوي : بأن نقول : الوجود إما واجبي أو ممكنى ، وبيّن بطلانه بغير ذلك في موضعه ، فمن أراد استقصاء الكلام في ذلك فليرجع إليه .قوله مرادهما بالعينية عدم التمايز الخارجي : خصّ الذكر بالوجود الخارجي مع أنه كان الكلام في السابق شاملا للوجود الذهني أيضا لأنه لا فرق بين الوجودين فيما ذكر ، فتركه للمقايسة . ص « 78 » 5 - قوله ووجودات الأشياء هي هذه الحصص : أي جميع الأشياء الموجودة حتى الواجب ، وفيه أن الوجود المضاف ، من حيث هو مضاف ، موقوف على اتصاف الشيء بالوجود وكونه موجودا ، فلو كان موجودا بذلك الوجود المضاف لزم الدور ، وأيضا المضاف أمر معقول محض ، والمعقول عندهم غير موجود ، والاتصاف نسبة يقتضي تحققها بالفعل تحقّق الطرفين ، وأيضا يلزم توقّف كون الواجب موجودا على التعقّل ، وأيضا لو كان الوجود الخاصّ للشئ الوجود المطلق مع الإضافة لزم أن يكون قائما بالشيء ، ومن البيّن أن هذا المفهوم غير قائم بالشيء ، كيف ومعنى الموجود ما له الوجود لا ما له وجود الشيء . ويمكن أن يجاب عن الجميع بأنه إذا تحقق علة وجود الشيء يصير بحيث ينتزع منه العقل مفهوم الوجود عند التعقل لا أنه قام به هذا المفهوم بالفعل ، فمعنى الموجود ما له الوجود بهذا المعنى أي ما ينتزع منه الوجود عند التعقل ، ولما كان ذلك موجبا لصحة إضافة الوجود إلى الشيء عبّر عن وجود الشيء بالوجود المضاف فتأمل .6 - قوله وكذا بياض الثلج والعاج : فإن قيل الثلج ليس بأبيض حقيقة كما بيّن في موضعه ، قلنا هو بمجرد أن يرى أبيض يصلح للتمثيل .- قوله في الحاشية معنى الحصة من مفهوم الكون هو نفس ذلك المفهوم مع خصوصية الإضافة فلا تعدد أصلا : قيل لا بدّ في الحصة من خصوصية ترجّح إضافتها إلى ماهية ما دون غيرها ، فإن نفس المفهوم المطلق لا يقتضي إضافتها إلى خصوص شيء ، بل نسبتها إلى جميع الأشياء على السوية ، وجوابه ما مرّ من مسئلة الانتزاع .ص « 79 » قوله في الحاشية انما هو بحسب العقل لا غير فليس في الخارج أمر هو الماهية الخ : حاصله أن تعدد الوجودات إنما هو في العقل ، وموجوديّة هذا الموجود ليس بحسب العقل ، وفيه أن ذلك يستدعى أن لا تتصف الماهية بالوجود لأنك حكمت بأن ليس في خارج العقل شيء من تلك الوجودات المفروضة . ويمكن أن يجاب بأن القائل بهذا الكلام مانع وذلك سنده الأخصّ وإبطال السند الأخص لا يفيد ، ولا يجاب بمسألة الانتزاع إذ ليس مذهب الحكماء ذلك في مسئلة الوجود .قوله في الحاشية ولو سلّم فاتحاد الموضوع الخ : يعنى أن المفهوم العامّ والحصّة موجودان في الخارج الّا إنهما واحد [ إذ ] لا وجود [ إلا ] للفرد لأن الكلى وجوده في الخارج عين وجود الفرد الموجود ، فلا يكون في الخارج إلا أمر واحد ، فالمراد بالمحمول الكلى الذاتي وبالموضوع الفرد الموجود في الخارج .قوله في الحاشية كما حقّق في موضعه الخ : حيث هربوا من التسلسل لو كان اتصاف الماهية بالوجود بحسب الخارج ، لأن ثبوت 3 صفة لشيء فرع على وجود المثبت له . ص « 80 » قوله في الحاشية بأن الوجود العقلي نوعان أصيل كوجود العلم : كأنّه جعل الوجود العقلي أعمّ من الوجود في العقل والوجود للعقل وللمعقول ، فإن العلم ليس موجودا في العقل ومتصوّرا ومشعورا به ، بل هو موجود في الخارج في نفسه قائم بالعقل ثابت له ، وكذا الوجود الخارجي ليس متصوّرا ، بل قائم بالمتصوّر حين هو متصوّر . ويلزم من ذلك أن يكون الوجود موجودا في خارج الذهن ، إلا أنه قائم بالأمر الذهني الموجود في الذهن المتصوّر المشعور به . وهذا خلاف المذهب ، فإنه قد استدلّ على أن الوجود ليس موجودا إلا أن يحمل الأمر على الانتزاع .قوله في الحاشية فان توقفه على علمه به سبحانه ينافي الوجوب : وأيضا اتصافه بالعلم يتوقف على اتصافه بالوجود ، فلو توقف اتصافه بالوجود على العلم واتصافه به لزم الدور .7 - قوله عين الذات في الواجب تعالى : أي الواجب تعالى فرد من أفراد العامّ بخلاف الممكن ، فإنه ليس فردا له بل ما قام به فرد له .8 - قوله تفريع : الغرض منه أن يبيّن أن ما ذهب إليه الصوفية الموحّدة في مسئلة الوجود لا ينافي العقل النظري .9 - قوله والتشكيك الواقع فيه الخ : ما ذهب إليه الحكماء من عرضيّة هذا المفهوم بالنسبة إلى أفرادها المختلفة الحقائق إنما استدلوا عليه بكونه مشككا فهذا رد لهم .قوله وهو منقوض بالعارض : وأيضا قولهم ولا ذاتيها واحدا ، إن أريد بالذاتي المطلق الّذي يتصف تارة بالقوة وتارة بالضعف فهو واحد وذاتي لا محالة ، وإنص « 81 » أريد به المقيّد بالقوة والمقيّد بالضعف فالتعدد مسلّم ، ولكن لا يستلزم ذلك تعدد الذاتي المطلق المذكور . ومنشأ الغلط هاهنا توهّم أن القوى مع وصف القوة ذاتي وكذا الضعيف مع وصف الضعف ذاتي ، وليس كذلك بل القوة وصف عارض للذاتى بعد تحققه في ضمن بعض الأفراد ، وكذا الضعف عارض له في ضمن بعض آخر ، ولو سلّم فلا ينافي أيضا وحدة المطلق الذاتىّ فإنّ ذاتىّ الذاتىّ ذاتىّ .قوله وأيضا الاختلاف الخ : هذا نقض تفصيلي أو إجمالى متعلق بخصوص مادة الماهية ، يعنى أن ماهية المقدار تختلف في ضمن الذارع والذراعين بالزيادة والنقصان مع أنه واحد عندكم وفي نفس الأمر أيضا . - قوله في الحاشية غير صحيح : إذ من الظاهر أن المفهوم المتصوّر من قولنا بودن لا يحمل على الواجب تعالى ، وكذا الحاصل بالمصدر من هذا المفهوم أعنى بودگى .قوله في الحاشية وكيف يصح ذلك وهم مصرّحون بأنه من المعقولات الثانية : ما صرّحوا به هو أنه من المعقولات الثانية بالنسبة إلى الممكنات حيث يعرض لها الوجود بحسب العقل لا بحسب الخارج ، ولم يصرّحوا بأنه من المعقولات الثانية بالنسبة إلى الواجب لأنه موجود بنفسه لا بعروض فرد من الوجود له ، فيجوز أن لا يكون معقولا ثانيا بالنسبة إليه سبحانه ، نعم يعلم بالبديهة أن المتصوّر من لفظ الوجود عرفا لم يحمل عليه مواطأة كما سبق .ص « 82 » 10 - قوله لو لم يقصد به : أي يقوله كل ضوء وكل علم ، الاختلاف في الحقيقة ، بل قصد به الاختلاف في الظهور .11 - قوله عن جميع التعلقات الكونية : إشارة إلى الفناء عن الوجود البشرى الجسماني .قوله والقوانين العلمية : إشارة إلى أن الوجود البشرى الروحاني ، متى فنى ، تحقّق الفناء الحقيقي الّذي لا يرد صاحبه .قوله بنور كاشف : هو انفتاح عين البصيرة .قوله عند ظهور طور وراء طور العقل : بمعنى أن العقل لا يفي بإدراكه ولا يصل إليه بقوته الفكرية ، لا بمعنى أنه ينكره ويحيله كما يفهم من قوله بعد :والمقصود رفع الاستحالة العقلية الخ ، فإن ما ينكره العقل الخالص عن شوب الوهم ويحيله فهو مستحيل . فإن قلت : هذا ينافي ما نقل عن الشيخ صدر الدين القونوى قدس سره في الحاشية في هذا الموضع من قوله : فقد تحكم باستحالة أشياء كثيرة هي عند أصحاب العقول المطلقة من القيود المذكورة من قبيل الممكنة الوقوع بل واجبة الوقوع . قلت : قوله : إن للعقول حدا تقف عنده من حيث هي مقيّدة بأفكارها ، إشارة إلى تلك العقول المحبوسة في مضيق الفكر 4 والنظر ، والعقل المحبوس في مضيق الفكر يستمد من القوة الوهمية ، ولا يتمشى أمره في ذلك إلا بإعانة من ص « 83 » الوهم كما أثبته الحكماء في موضعه ويطول الكلام ببيانه ، وهذا العقل يمكن له أن يصير مغلوبا للوهم في بعض الأوقات ، فيتشبث بمقدمات الوهم ، ويحكم باستحالة شيء من الكشفيات ، وهو في هذه المرتبة ليس عقلا خالصا ، ولو تخلّص عن بحت حكم الوهم لم يحكم باستحالة شيء من الأمور المحقّقة ، وذلك من الأمور المتفقة ، فارتفع ما قلت من المنافاة .أو تقول : أراد بالاستحالة غاية الاستبعاد أي يستبعد الأشياء الكثيرة استبعادا يقرب من حد الإحالة . - قوله في الحاشية لبقية حكم تردد : متعلق بنسبة مضمون ما سبق من النفي والإثبات .قوله في الحاشية باق : أي ثابت ولفظ باق للمشاكلة .12 - قوله فإن كثيرا من الحكماء والمتكلمين ذهبوا إلى وجود الكلى الطبيعي في الخارج : ذهبوا إلى أن الحقيقة العقلية الإنسانية الكلية في نفسها غير متعين بتعين من التعينات الخارجية بل الذهنية أيضا ، لكن يتعين بعد تحققه في ضمن الأفراد بتعينها ، بأن يكون في ضمن كل تعين عين ذلك التعين ، ففي ضمن زيد عين زيد ومتصف بصفاته وأفعاله المتميزة المخصوصة ، وفي ضمن عمرو عين عمرو ومتصف بصفاته وأفعاله ، وكذا في ضمن خالد ، وهي في نفسها وبحسب ذاتها وحقيقتها عارية عن جميعها ، فهذه الحقيقة الواحدة المطلقة في مرتبتها متكثرة متقيدة في مراتب افرادها بحسب ذاتها .18 - قوله فإن كان مطلقا ثبت المطلوب : فإن قلت : المطلق بهذا المعنى هو الكلى الطبيعي ، فلو ثبت المطلوب بكون مبدأ الموجودات هو ذلك المطلق لزم أن يكون ص « 84 » الواجب عندهم كليا طبيعيا ، وليس مذهبهم ذلك . قلنا : لا نسلّم أنه إذا اعتبر مطلقا يكون كليا طبيعيا ، بل يجوز أن يكون موجودا متعينا في ذاته بحيث يجامع جميع التعينات ، ولا يأبى عن تعين ما ، كما حقّقه قدس سره في موضعه ، قوله : ثم إنه لا يخفى الخ مع حاشية علّقت عليه وهي قوله : يكون حينئذ الخ .19 - قوله ينبغي أن يكون هو في نفسه غير متعين : بأن لا يتعين أصلا ، أو يتعين بتعين خارج عنه ، ولو لم يكن كذلك كان متعينا بتعين هو عينه وننقل الكلام إليه ، فإما أن ينتهى إلى تعين هو في نفسه غير متعين أو يتسلسل . فإن قلت : إذا كان كل متعين عين تعينه فلا يكون هناك أمور متعددة ، فكيف يتصوّر التسلسل ؟ قلنا : هناك أمور متعددة تعددا اعتباريا . لا يقال : فيكون التسلسل في الأمور الاعتبارية لأنّا نقول :الاعتبار صفة التعدد ، وأما المتعدد فهو أمور حقيقية كما لا يخفى . - قوله في الحاشية لا بأس بعدم الانفكاك الخ : يعنى لزوم تعين لذات مطلقة ، وامتناع انفكاكه عنها لا ينافي إطلاقها في ذاتها وبحسب مرتبتها كما هو الواقع عندهم في الذات المتعالية اللازمة لها جميع التعينات الأزلية الأبدية .20 - قوله إذا تصوره العقل بهذا التعين امتنع عن فرض اشتراكه : لكن بحيث لا يأبى تعينه بهذا الوجه عن أن يظهر بصور الكليات الموجودة في الذهن الصادقة المحمولة على أفرادها ، ويكون بحسب هذا الظهور كليا طبيعيا كما يكون بحسب الظهور بصورة زيد مثلا جزئيا حقيقيا ، ولا يكون بحسب ذاته لا كليا ولا جزئيا حقيقيا . ص « 85 » 21 - قوله واعتبر ذلك بالنفس الناطقة السارية في أقطار البدن فإنها باعتبار تعلقها بالبصر مثلا ظاهرة بصورته ومنصبغة بآثاره وأحكامه ، وباعتبار تعلّقها بالسمع منصبغة بأحكام السمع ، وكذا باعتبار نسبتها إلى القوة الطبيعية غاذية وهاضمة ونامية ومولّدة وغير ذلك ، وباعتبار نسبتها إلى القوة النفسانية مدركة ومحركة وقس على ذلك ، فهو أنموذج للذات المطلقة المذكورة .قوله بل بالنفس الناطقة الكمالية : أي الكاملة ، واختيار النسبة والتشبث بيائها دأب هذه الطائفة لما فيه من لطافة وغرابة . والترقي المفهوم من لفظة بل له وجوه : أحدها أن النفس الناطقة لم تظهر بصور أجزاء البدن وقواها حقيقة ، بل تتصف باعتبار كل منها بصفة غير ما في الآخر ، وثانيها أن البدن مع جميع أجزائها وقواها كشىء واحد بخلاف الأبدان المتروّحة فإنها أمور منفصل واحد منها عن الآخر ، وثالثها أن آثار كل واحد منها مخالف مضادّ لآثار الآخر ، وكل ذلك من وجوه التشبه بالمقصود ، فهذا أشبه وأكمل في المثالية .23 - قوله وكذلك أرواح الكمّل : أي بعد الموت كما يتبادر من عنوان قولنا :روح فلان وأرواح هؤلاء .[ 42 ] - قوله في الحاشية فلا يوجد دونها : أي دون شيء منها ، ومعها أيضا :ص « 86 » مع جميعها ، وفيه بحث لأن الجنس موجود في ضمن جميع أنواعه في آن واحد .قوله [ في الحاشية ] إذ الجنس لا يوجد الخ : دليل لقولنا : فلا يوجد دونها .قوله في الحاشية فجاز أن يوجد جنسها : أي ما اعتبر جنسا لا أنه جنس حقيقي .23 - قوله فلما رأوه : أي الحق سبحانه ، متعاليا عن الزمان والمكان :أي عن إحاطتهما ، علموا أن نسبة جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبة متساوية :ومماثلة لنسبته إلى كل شيء من الزمانيات والمجرّدات والماديّات .قوله ظهوره في ، كل زمان وكل مكان : أي مع مقارنة كل زمان ومكان .قوله وبأي صورة أراد : ولو صورة الزمان والمكان . 24 - قوله تمثيل : هذا تمثيل تامّ ، وإن كان فرق بين ظهور الصورة في المرآة وبين ظهوره سبحانه في مجاليه العلمية والعينية ، لأنه سبحانه مقوّم لمجاليه .وأيضا هو الموجود حقيقة ومجاليه ليس لها وجود حقيقة ، بل ينعكس إليها نور الوجود كما ينعكس عكس القرطاس الأحمر إلى الجدار ، وليس هو أحمر حقيقة . وأما وجه الشبه فهو أصل الظهور بالصور المختلفة وبقاء الوحدة كما كانت من غير تغير بوجه أصلا ، وعدم منع الظهور بالبعض عن الظهور ببعض آخر .ص « 87 » 25 - قوله وعند شيخيهم : يعنى أبا الحسن الأشعري وهو شيخ الأشاعرة وأبا الحسين البصري وهو شيخ المعتزلة منهم ، وقد سبق ذلك .قوله ونفى الشريك عنه : في صفات الربوبية ونعوت الإلهية ، لأنه المتفق على نفيه ، وإلا فالصوفية على أن لا شريك له في الوجود والتحقق ، فمعنى لا إله إلا اللّه :لا موجود إلا اللّه .قوله فإنه لا يمكن أن يتوهّم فيه : أي في الوجود المطلق بالمعنى الّذي سبق أعنى حقيقة الوجود البسيط الحقيقي العاري عن جميع ما سواه من التعينات المتعين بنفسه بحيث بجامع التعينات كلها وبعضها دون بعض .قوله فهو الموجود أو الوجود الإضافى : لفظة أو للتخيير في العبارة .قوله وهو ليس بشيء : لا علما ولا عينا وذلك هو حقيقة العدم لا مفهومه الحاصل في الذهن ، فإنه موجود ذهني داخل في الموجود المطلق المذكور وتعين من تعينات الوجود المطلق ، ولو فرض أنه شيء إلا أنه لا يشاركه في نعوت الربوبية .26 - قوله وهي اعتباره من حيث هو هو : أي وحدته ثابتة ، حيث تعتبر ذاته من حيث هي هي وحيث لا اثنينية ، لا زائدة . والحاصل أن الوحدة ، كسائر الصفات ، عينه بحسب الحقيقة ونفس الأمر وغيره بحسب الاعتبار والتعقّل .قوله ومنها تنتشئ الوحدة والكثرة : يعنى أنهما من صور تعينات تلك الوحدة كما أن مراتب العلوم صور تعينات علمه سبحانه .ص « 88 » قوله وهي : أي هذه الوحدة . والمراد أن الذات باعتبار تلك الوحدة لها اعتباران .قوله سمّيت أحدية : مقابلة للواحدية لا الأحدية الذاتية ، فالأحدية بلا قيد هو المقابل للواحدية .28 - قوله واما الصوفية فذهبوا إلى أن صفاته سبحانه عين ذاته بحسب الوجود وغيرها بحسب التعقل : قد يتوهّم من ظاهر العبارة عدم فرق بين مذهب الحكماء والصوفية لأن الظاهر أن التغاير بحسب المفهوم والتغاير بحسب التعقل واحد ، وفي التحقيق فرق بينهما لأن المغايرة بين الذات والصفة بحسب المفهوم أن مفهوميهما متغايران وما صدقاهما عليه واحد ، والمراد بالمغايرة بحسب التعقل في قول الصوفية أن مفهوم الصفة كما يكون مغايرا لمفهوم الذات كذلك ما صدق عليه الصفة مغاير لما صدق عليه الذات ، ولكن مغايرته هذه بحسب التعقل وبحسب الوجود العلمي التعينى ، فإن علمه سبحانه تعين من حملة تعينات ذاته ، كالأمور المنفصلة بعينه بلا تفاوت في ذلك أصلا ، فإن كل ما عداه فهو تعين من تعيناته ، ولا فرق في ذلك بين الصفات والأمور المنفصلة ، وإنما تمتاز الصفة من غيرها بنسبة وخصوصية أخرى ، لكن التأثير للذات لا للصفات ، فمبدأ الانكشاف ذاته لا صفته هذه فليتأمل . فهو سبحانه باعتبار مبدئية الانكشاف علم ، 1 وهو باعتبار ذلك وكل اعتبار هو باعتبار العلم عالم لا يتحقق إلا في العلم ، فما صدق ص « 89 » عليه العلم حقيقة ليس ذاته بل ذاته مع اعتبار ما وهو غير ممكن ، وكذلك ما صدق عليه الواجب ليس نفس ذاته بل مع اعتبار ما وهو وصف الوجوب ، فذاته سبحانه مصداق الواجب لا ما صدق عليه الواجب ، وقس عليه جميع الصفات والاعتبارات التي تحمل على الذات ، فإنها من حيث هي هي وفي المرتبة التي هي فيها هي هي لا نعت ولا اسم ولا رسم فاحفظ هذا . صرّح بذلك قدس سره في الحاشية بقوله : فصفاته سبحانه نسب واعتبارات وإضافات تلحق الذات المتعالية بقياسها إلى متعلقاتها . قوله إلى نفى الصفات : يحتمل أن يكون مراد الحكماء نفى الصفات المؤثّرة ، فذلك لا يتحقق في الخارج ولا في التعقل إذ قد عرفت أن ما في العقل ليس مؤثرا بل المؤثر هو الذات ، بل هو أيضا من الآثار المترتبة على الذات ، فلا ينافي مذهبهم قول الصوفية فافهم .قوله حق المغايرة : وهي المغايرة في الوجود الحقيقي العيني .29 - قوله وقال أيضا ذواتنا ناقصة : ظاهر هذا الكلام أقرب قول الحكماء ، لكن المراد بها ما يطابق قول الصوفية . قوله لا تحتاج في شيء : من وجوده وصفات كماله ، إلى شيء : غير ذاته ، كافية للكل : أي لكل الأشياء ، في الكل : أي في كل ما يليق بها من الوجود وتوابعه .قوله ليس فيها اثنينية بوجه من الوجوه : بحسب الواقع والوجود الحقيقي ، وإنما الاثنينية كلها بحسب العلم والتعقل .ص « 90 » 30 - قوله أطبق الكل : أي من الطوائف الثلاث .قوله لم يشكل عليهم الأمر في تعلق علمه الخ : يعنى أن الزائد على الذات يجوز بحسب فرض العقل أن يكون صورة مطابقة لأمر خارجي بخلاف نفس الذات ، فلا إشكال في نفس جواز تعلق علمه بالمعلوم بكونه صورة مطابقة له ، وأما أنّ تعلق علمه بالحادث يقتضي حدوثه أولا فهو بحث آخر .31 - قوله لما عقل ذاته بذاته : أي لا بصفة زائدة على ذاته .قوله لزمه تعقل الكثرة : لأن العلم بالعلة التامة يستلزم العلم بالمعلول . وحاصل كلام الشيخ أن علمه سبحانه بذاته عين ذاته وحضوري ، وعلمه بغيره زائد على ذاته وحصولي كعلم الممكنات .32 - قوله فاعلا وقابلا معا : أي فاعلا لشيء وقابلا لذلك الشيء بعينه ، فإنه ممتنع عندهم .قوله بصفات غير إضافية ولا سلبية : بل حقيقية مع حصرهم لها فيهما .قوله محلا لمعلولاته الممكنة المتكثرة : الحادثة بعضها ، وهو ممتنع على رأى المتكلمين المجوّزين كونه تعالى محلا لغير الحوادث .قوله بأن معلوله الأول غير مباين : لأن المعلول الاوّل حينئذ يكون هو العلم بالمعلول الأول ، لأن العلم بالشيء مقدّم على الشيء ، ووجود الشيء بعد العلم به .قوله وبأنه تعالى لا يوجد شيئا مما يباينه بذاته الخ : مذهبهم أن الأول سبحانه ص « 91 » يوجد كل شيء بذاته بدون توسط شيء في ذلك .قوله من مذاهب الحكماء : أي مسائل الحكماء .قوله وأفلاطون القائل الخ : بعد أن قال بالعلم ، وكذا قوله : والمشّاءون القائلون .تفصيل أقوالهم وتحقيقها يطلب من موضعه .33 - ثم أشار الشارح الخ : حاصل مذهبه أن علمه بذاته وبالمعلول الأول بلا صورة مغايرة ، وعلمه بالأشياء الأخر بصور منطبعة في المعلول الأول وسائر الجواهر العقلية .قوله غير صورة ذاته التي بها هو هو : الصورة تطلق تارة على أمر حاك مبدأ الانكشاف أعنى العلم ، وقد تطلق على نفس الشيء حال كونه مشعورا به أعنى المعلوم ، والمراد هاهنا المعنى الثاني ، والدليل عليه قوله : التي بها هو هو . واعلم أن مطلوب الشارح المحقق هاهنا أنّ علم الأول سبحانه ليس بحصول صورة فيه ، بل يجوز أن يعلم الشيء بذات ذلك الشيء أو بحصول صورة غير حالّة فيه ، وأيّده بمقدّمات ظنيّة ظاهرية وهي تنتهى إلى قوله : وإذا تقدم هذا . ثم عيّن المطلوب وفصّل بأنه سبحانه علم ذاته بذاته ، وعلم المعلول الأول بذات المعلول الأول بحضوره وحصوله عنده ، وعلم سائر الموجودات بحصول صورها في العقول ، وهذا أيضا طريق خطابي لا برهاني كأنه يفيد إقناعا ما . واعلم أن لفظ الصورة المضافة توهّم اثنينية بين الذات والصورة ولو لم يكن في البيّن كان أولى وأظهر بأن يقال : العاقل كما لا يحتاج في إدراك ص « 92 » ذاته إلى صورة غير ذاته بل يعقل ذاته بذاته .قوله بصورة تتصورها أو تستحضرها : أي بصورة تولّدها ابتداء أو تستحضرها بعد غيبوبتها عن المدرك .قوله بل إنما تتضاعف اعتباراتك الخ : أي كان لك اعتبار واحد هو علمك بذاتك فتضاعف وحصل لك اعتبار آخر هو علمك بصورة ذاتك ، وقد أشرنا إلى أن صورة الذات مجرّد لفظ وليس هناك صورة ، فإن أريد بصورة من حيث أنه صورة أي الذات مع وصف المعلومية فلا صورة أيضا بهذا المعنى .والحق تصوير ذلك في علم الإنسان بالصورة الصادرة عنه عند إدراكه شيئا مغايرا ، وكان سوق التركيب أيضا يقتضي ذلك ، فالحق أن يقال : بل إنما تتضاعف اعتباراتك المتعلقة بذلك الشيء وبتلك الصورة .قوله فقط : أي 5 لا بصورة أمر آخر بعد ذلك وهو المراد بقوله قدس سره في الحاشية : أي لا الصورة .قوله أو على سبيل التركيب : عطف على تتضاعف بحسب المعنى ،ص « 93 » أي تتضاعف اعتباراتك أو تتركب . لفظة أو للتخيير في العبارة .قوله وإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك : ومع أن هذا الصادر ليس صادرا عنك حقيقة بل بحسب الظاهر فإن ذلك أيضا من أسباب البعد .34 - قوله ليس دون حصول الشيء لقابله : أي ليس قرب الشيء للفاعل أنقص من قرب الشيء لقابله في كونه حاصلا له .قوله فإذن المعلولات الذاتية : أي التي لا واسطة بينها وبين فاعلها بوجه من الوجوه .قوله للعاقل الفاعل لذاته : متعلق بكل من العاقل والفاعل .قوله حاصلة : أي جاز أن تحصل له ، فإن تلك المقدّمات لا تفيد إلا جواز ذلك ، ولذلك تصدّى لإثباته ثانيا بقوله : وإذ قد تقدم ، فإلى هاهنا بيان لكون المطلوب الّذي هو كونه عالما سبحانه من غير حلول صورة فيه أمرا ممكنا عند العقل ، والباقي تشخيص لكيفية المطلوب 2 على التعيين والاستدلال عليه .[ 31 ] أ - قوله في الحاشية وعلمه بتلك الجواهر وجودها وصدورها عنه ، وعلمه بما انطبع صورته فيها بحصول الصور المنطبعة فيها : واعلم أنص « 94 » صور سائر الجواهر العقلية منطبعة في المعلول الأول أعنى العقل الأول ، فعلم الأول بها بتلك الصور كالأشياء الأخر المرتسمة صورها في الجواهر ، فالظاهر من مذهبه أن علمه تعالى بالجوهر الأول وجوده وصدوره عنه وبباقي الموجودات المعلولة بالصور المنطبعة إذ لا ضرورة للقول بمثل هذا الاعتبار إلا في الصادر الأول ، وإن كان ظاهر عبارته أعنى قوله : لمّا كانت الجواهر العقلية الخ ناظرا إلى ما ذكره قدس سره .35 - قوله فإذن وجود المعلول الأول هو نفس تعقل الأول إياه : ما يتفرع على المقدمات كون المعلول الأول معلوما له سبحانه بنفسه لا بصورة زائدة . ثم لما وجب أن يكون لما اتصف بوصف المعلومية من حصول ووجود ما ، وإذ ليس في التعقل ففي الخارج ، ثبت أنه بوجوده وحصوله الخارجي حاضرة عنده ، فحصوله في الخارج وتعقله سبحانه له واحد ، فثبت أن وجود المعلول الأول نفس تعقله سبحانه إياه . وحيث كان المطلوب تعيين التعقل وتشخيصه كان الحق أن يقال :فتعقل الأول إياه نفس وجوده . ثم إنه لمّا كان كل شيء معلولا له سبحانه بغير واسطة وبواسطة فنقول : هذا الدليل يقتضي أن يكون علمه سبحانه بجميع الموجودات نفس وجودها ، فإن الأول سبحانه مع المعلول الأول علة للمعلول الثاني ، وعلمه سبحانه بذاته وبالمعلول الأول علة للعلم بالمعلول الثاني ، وكما أنّه لا تغاير بين العلتين لا تغاير بين المعلولين وهلم جرا إلى المعلول الأخير .[ 31 ] ب - قوله في الحاشية وعلمه بمعلولاته وجودها عنده : أي بمقتضى.
يتبع
كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي وورد
كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي PDF
كتاب الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين الشيخ نور الدين عبد الرحمن جامي TXT