منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:22 pm

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة المسافرين الثلاثة على مدونة عبدالله المسافر بالله
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
[ قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي ]
حكاية المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي الذين إلتقوا صدفة بأحد المنازل ، وكان المسيحي واليهودي شبعين ، فقالا : لنأكل هذه الصدقة غداً ، وكان المسلم جائعاً فبقى جائعاً ، إذ كان مضطراً !!
- استمع إلى حكاية هنا يا بنى ، حتى لا تصبح في ادعائك الفضل ممتحنا .
- لقد ترافق يهودي ومؤمن ومسيحي في سفر .
 
2385 - كان المؤمن رفيقاً في الطريق لضالين ، مثلما يكون العقل مع النفس ومع الشيطان .
- لقد تصادف أن مروزياً ورازياً ترافقا وتآكلا من جراء السفر .
- وحبس غراب وبومة وبازى في قفص واحد ، واقترن الطاهر مع النجس في السجن .
- ونزلوا في منزل ما ذات ليلة ، أهل الشرق وأهل الغرب وما وراءهما .
- وبقي في المنزل الصغير والعظيم ، لعدة أيام " محبوسين " من البرد والبرد .
 
2390 - وعندما انفتح الطريق ، ويسرت الصعاب ، تفرقوا وذهبت كل جماعة إلى مكان .
- وعندما يكسر مليك العقل القفص ، تطير جماعة الطيور ، كل نحو صوب ما .
 
« 217 »
 
- ويبسط "كل طائر" الجناح ، وقبل الجناح الشوق والذكرى، في هوى جنسه صوب المعاد.
- يبسط الجناح كل لحظة مع الدمعة والآهة ، لكن لا وجهة له ولا وجه للطيران .
- وعندما يفتح الطريق يطير كل سرب مثل الريح ، نحو ذلك الذي كان يبسط الجناح على ذكراه .
 
2395 - وتلك الناحية التي كانت دمعه وآهته متوجهة إليها، تكون طريقه عندما يجد الفرصة.
- فانظر في جسدك إلى أعضاء الجسد ، من أي الأماكن قد تجمعت في البدن .
- فهي مائية وترابية وهوائية ونارية وعرشية وأرضية ورومية وكشية « 1 » .
- وعلى أمل العودة ، اتخذ منها ركنا في هذا الخان خوفاً من البرد .
- والبرد متنوع ، وجمود كل جماد ، في شتاء البعد عن شمس العطاء تلك .
 
2400 - وعند تسطع حرارة شمس الغضب تلك ، يصير الجبل حينا كالرمل وحيناً كالعهن .
- وتأخذ الجمادات الثقيلة في الذوبان ، مثل ذوبان الجسد عند انتقال الروح .
- وعندما وصل هؤلاء الرفاق الثلاثة إلى منزل ، أحضر لهم جواد هدية من الحلوى .
- حمل محسن الحلوى لهؤلاء الغرباء الثلاثة من المطبخ الإلهي القريب .
- جاء لهم بخبز ساخن وطبق من الحلوى بالعسل، حملها إليهم ذلك الذي كان آملًا في الثواب.
 
2405 - " الكياسة والأدب لأهل المدر ، والضيافة والقرى لأهل الوبر .
- الضيافة للغريب والقرى ، أودع الرحمن في أهل القرى .
- كل يوم في القرى ضيف حديث ، ماله غير الإله من مغيث .
- كل ليل في القرى وفد جديد ، مالهم ثم سوى الله محيد ! ! " « 2 »
..............................................................
( 1 ) من كش في تركستان
( 2 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .
 
« 218 »
 
- كان هذان الغريبان متخمين من الطعام ، ولعل ذلك المؤمن كان صائماً ذلك اليوم .
 
2410 - وعندما وصلت تلك الحلوى عند صلاة المغرب، كان المؤمن قد بقي في جوع شديد.
- وقال هذان الشخصان : إننا ممتلئان من الطعام ، فلندخره الليلة ، ولنأكله في الغد .
- لنصبر الليلة ، ولنمتع الليلة عن الطعام ، ولندخر هذا الطعام الطيب للغد .
- قال المؤمن : لنأكل هذا الطعام الليلة ، ولندخر الصبر إلى الغد .
- فقالا له : إن هدفك في هذه الحكمة هو أن تأكل وحدك .
 
2415 - فقال : أيها الرفيقان ، ألسنا ثلاثة ؟ ! فما دام الخلاف قد قوع بيننا ، لنقتسم .
- ومن أراد أن يأكل نصيبه ليأكله ، ومن أراد أن يدخره إلى الغد ليدخره .
- فقالا له : دعك من القسمة ، واستمع إلى ما جاء في الخبر من أن القسام في النار .
- قال : إن القسام هو ذلك الذي قسم نفسه بين الهوى وبين الله .
- فالملك للحق ، وكل شئ له ، وان أعطيت نصيباً لآخر فأنت ثنوى .
 
2420 - وكان لهذا الأسد أن يتغلب على الكلاب ، لو لم تكن النوبة ، نوبة هذين الخبيثين .
- كان هدفهما ، أن يتجرع ذلك المسلم الحزن ، وإن يمر عليه الليل وهو جائع .
- فكان مغلوباً لهما ، فقال بتسليم ورضا : سمعاً وطاعة أصحابنا .
- فناموا تلك الليلة ، ثم استيقظوا في الصباح ، واتخذوا زينتهم .
- غسلوا وجوههم وأفواههم ، وكل واحد منهم ، كان له في ورده طريق ومسلك .
 
2425 - وكل منهم يمم بوجهه فترة ما ، إلى ورده ، طالبا فضل الحق .
- فالمؤمن والمسيحي واليهودي والجبري والمجوسي، كلهم متجهون لذلك السلطان العظيم «1»
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 135 : - والمؤمن واليهودي والمسيحي والطيب والشرير ، كلهم متجهون صوب الأحد .
 
« 219 »
 
- بل إن الحصى والتراب والجبل والماء ، لها عودة خفية إلى الله .
- وهذا الكلام لا نهاية له ، فهؤلاء الثلاثة التفوا حول بعضهم البعض تلك اللحظة كما يفعل الأصدقاء .
- قال أحدهم : ليقص كل منكم ما رآه ليلة الأمس في النوم على الآخرين .
 
2430 - وكل من رؤياه أفضل من الآخرين يأخذ هذه الحلوى ، والأفضل يأخذ نصيب كل مفضول .
- وكل من يمضى في " مدارج " العقل أعلى ، يكون طعام الجميع طعاماً له .
- فان روحه المليئة بالأنوار تفوق الجميع ، وحسب الباقين أن يقوموا برعايته .
- وإذا كان البقاء للأبد " نصيبا " للعقلاء ، إذن فهذه الدنيا تكون باقية ، ببقاء المعنى .
- ثم روى اليهودي ما رآه ، وإلى أي مدى تجولت روحه في الليل .
 
2435 - وقال : " لقد تقدمني موسى في الطريق " ، أجل فإن القط يحلم بالشحمة .
- وسرت خلف موسى حتى جبل طور ، وصرنا ثلاثتنا مختفين في النور .
- وكل هذه الظلال الثلاثة محيت في الشمس ، وبعد ذلك صار من ذلك النور فتح الباب .
- وبزغ نور آخر من قلب ذلك النور ، وطلب ذلك النور الحائر السمو على الفور .
- وضاع ثلاثتنا ، موسى ، وأنا ، والطور من ذلك الاشراق للنور .
 
2440 - ثم رأيت الجبل قد انشق إلى ثلاثة فروع ، عندما نفخ فيه نور الحق .
- وعندما تجلى عليه بصفة الهيبة ، أخذ يتفسخ عن نفسه ويمضى نحو كل صوب .
- فذهب فرع منه إلى اليم ، فصار الماء المالح كالسم ، حلوا .
- وذلك الفرع الذي غاص في الأرض ، انبثقت منه عين دواء معينة .
- بحيث صار الماء شفاء لكل المرضى ، من عظمة الوحي المستطاب .
 
2445 - وذلك الفرع الثالث طار سريعاً ، حتى صار إلى جوار الكعبة وأصبح جبل عرفات .
 
« 220 »
 
- ثم إنني عندما أفقت من هذه الصعقة ، كان الطور في موضعه دون زيادة أو نقصان .
- لكنه كان تحت قدم موسى يذوب كالثلج ، لم تبق له أصول أو فروع .
- أو أن الجبل من رعبه صار أرضا مستوية ، أو صار ارتفاعه من الهيبة انخفاضاً .
- ثم انني عدت إلى وعيى من هذه التفرقة ، فرأيت الطور وموسى مستقرين .
 
2450 - وتلك الصحراء الموجودة في سفح الجبل ، مليئة بالخلق ، وجوههم تشبه وجه موسى .
- وعصيهم كعصاه وخرقتهم كخرقته ، وجميعهم يسرعون صوب الطور مشمرى الثياب .
- وكلهم رفعوا أكفهم بالدعاء ، وأخذوا جميعاً يتغنون بنغمة " أرني " .
- ثم انني عندما أفقت من هذه الغشية سريعاً ، ظهر لي وجه كل منهم على شكل آخر .
- كانوا جميعاً من الأنبياء ، من أهل الود ، وفهمت " معنى " اتحاد الأنبياء .
 
2455 - ثم أخذت أرى ملائكة عظام ، كانت صورهم من أجرام البَرَد .
- وفي حلقة أخرى ملائكة آخرون يطلبون العون " من الله " ، وجوههم جميعاً نارية .
- وعلى هذا النسق أخذ ذلك اليهودي يتحدث ، إذن فقد كان يهودياً محمود العاقبة .
- فلا تنظر إلى أي كافر قط باحتقار ، فهناك أمل في أن يموت مسلماً .
- فان علم لك بختام عمره ، حتى تحول عنه الوجه تماماً .
 
2260 - ثم بدأ المسيحي في الكلام ، قائلًا ، لقد أبدى لي المسيح وجهه في المنام .
- ومضيت معه حتى السماء الرابعة ، مركز شمس الدنيا ومثواها .
- وقلاع السماوات في حد ذاتها من العجائب ، ولا نسبة لها بآيات الدنيا .
- وكل انسان يعلم يا فخر البنين ، أن فنون الفلك تزيد عن " فنون " الأرضين .
 
« 221 »
 
حكاية الجمل والثور والكبش الذين وجدوا في الطريق بعض العشب ،
وأخذ كل منهم يقول : أنا آكله
 
- كان جمل وثور وكبش يسيرون معا ، ووجدوا في طريقهم حزمة من العشب .
 
2465 - فقال الكبش ، لو أننا قسمنا هذا يقيناً ، فلن يشبع منه أحد .
- لكن من كان منا أكبر سنا من الآخرين ، فله أن يأكل هذا العشب .
- ذاك أن تقديم الشيوخ ، ورد في سنن المصطفى عليه السلام .
- بالرغم من أن الشيوخ في عصر اللئام هذا ، يقدمهم العوام في موضعين .
- إما في الطعام الذي يكون ساخنا ، أو على ذلك الجسر الذي يكون مهدما من الخلل .
 
2470 - فالعامي لا يخدم شيخاً أو عظيماً أو قائداً ، إلا بقرينة فاسدة .
- وهذا خيرهم ، فما بالك بشرهم ، واعلم قبحهم " بالقياس " إلى جمالهم .
 
مثل
 
- كان أحد الملوك يتقدم نحو المسجد ، وكان النقيب والمطرق يضربان الناس .
- كان المطرق يشج رأس أحدهم ، وكان النقيب يمزق ثوب آخر .
- ومن بينهم كان هناك محزون تلقى عشرة ضربات من العصا دون ذنب إلا أن يتنحى عن الطريق .
 
2475 - فاتجه إلى الملك ودمه يسيل قائلا ، انظر إلى الظلم الظاهر ، فما بالك بالخفى ؟
- وهذا خيرك وأنت ماض إلى المسجد أيها الغوى ، فما بالك بشرك ووزرك .
- ولا يسمع شيخ سلاماً من خسيس ، دون أن يلتوى " ألماً " منه في النهاية .
- وان يظفر الذئب بالولي أفضل له من أن تظفر به النفس الأمارة .
- لأنه مهما كان الذئب ظالماً ، لكن ليس عنده حيلة أو مكر أو كيد .
 
2480 - وإلا متى كان يسقط في الفخ ، لكن المكر عند الانسان شديد . « 1 »
- قال الكبش للثور والجمل ، يا رفيقي ، ما دمنا قد اتفقنا على هذا ،
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 146 - ومكره أنه يظن أنه صاحب الكرم يسمع صوت " المتظلم " ويقول أنا الكرم .
 
« 222 »
 
- فليذكر كل واحد منا عمره ، والأكبر سنا أولى " بالعشب " وعلى الباقين الرضا .
- قال الكبش ، إن المرج الذي كنت أرعى فيه في تلك العهود كان نفس مرج الكبش الذي فدى إسماعيل .
- وقال الثور أنا أسن منك ، فأنا زوج تلك البقرة التي زوجها آدم .
 
2485 - أنا زوج تلك البقرة التي كان آدم جد البشر يحرث بها الأرض .
- وعندما سمع الجمل ذلك من الكبش والثور تعجب ، مد رأسه إلى الأرض وحمل العشب .
- ورفع إلى الهواء تلك الحزمة من القصيل ، ذلك الجمل الأصيل سريعاً بلا قال أو قيل .
- قائلًا : لا حاجة بي إلى التاريخ ، وأنا لي هذا الجسد " العظيم " والرقبة العالية .
- وكل انسان يعلم يا روح أبيكما ، أنني لست بالأصغر منكما .
 
2490 - كما يعلم كل أصحاب النهى ، أن وجودي وأصلى زائد عمالكما .
- والناس جميعاً يعلمون أن هذا الملك العالي ، هو مائة ضعف قدر هذا التراب الذليل .
- فأين فسحة رقاع السماء من أصل بقاع المتربة ؟ !
 
جواب المسلم بما رآه على رفيقيه اليهودي والمسيحي
وحسرتهما على الطعام
 
- ثم قال المسلم : يا رفيقي ، لقد جاء إلى المصطفى سلطاني . « 1 »
- وقال لي : لقد أسرع ذاك إلى الطور ومع كليم الحق لعب نرد العشق .
 
2495 - وذلك الآخر حمله عيسى صاحب القران إلى أوج السماء الرابعة .
- فانهض أيها العاجز المضرور ، وكل هذه الحلوى .
- إن هذين الفاضلين الممتلئين بالفضل قد انطلقا ، وقرآ كتاب الإقبال والمنصب .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 165 - سيد السادات سلطان الرسل ، مفخر الكونين هادي السبل .
 
« 223 »
 
- وأدرك هذان الفاضلان فضليهما ، واشتبكا مع الملائكة في الفضل .
- فهيا أيها السليم المخدوع المتروك في المؤخرة ، انهض واجلس إلى طبق الحلوى .
 
2500 - فقالا له : إذن وأنت الحريص ، آكلت ويا للعجب تلك الحلوى ؟
- قال : ما دام قد أمر ذلك الملك المطاع ، من أكون أنا حتى امتنع عن تلك " الحلوى " ؟
- فهل تعصى أيها اليهودي أمر موسى إذا دعاك إلى خير أو شر ؟
- وأنت أيها المسيحي اتجرؤ على الإشاحة بوجهك عن أمر المسيح في خير أو شر ؟
- فكيف أعصى أنا فخر الأنبياء ؟ لقد أكلت الحلوى ، وأنا سعيد بهذا الآن .
 
2505 - فقالا له : والله إنها رؤيا صادقة ، التي رأيتها أنت وهي أفضل من مائة رؤيا عندنا .
- إن حلمك يقظة يا صاحب السعادة ، فأثره واضح للعيان عند اليقظة « 1 » .
- فدعك من الفضل والمهارة والفن ، فان هذا الامر يحتاج الخدمة والوجه الحسن .
- ومن أجل هذا خلقنا الله تعالى ، إذما خَلَقْتُ. . .الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
- فما ذا أفاد السامري ذلك الفضل ، إلا أنه رده عن باب الله .
 
2510 - وما ذا استفاد قارون من الكيمياء ، أنظر إلى الأرض وقد ابتلعته في قاعها ؟
- وما ذا كسب أبو جهل في النهاية من حيلته ؟ ، ذهب منقلباً من الكفران إلى سقر .
- فاعلم أن فضله ذاك هو أنه رأى النار عياناً ، لا " كما دل على النار الدخان " .
- ويا من دليلك أكثر نتنا عند اللبيب ، في الحقيقة من دليل ذلك الطبيب .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 165
- ان حلمك يقظة يا حسن الأصل ، فقد وصلت في منامك إلى المراد
- وحلمك يقظة يا حسن الطوية ، فمن نومك جاءك الأمر ب " كلوا "
- وحلمك يقظة أيها الرجل الطيب ، فمن حلمك هذا اصفر وجهانا
- وحلمك يقظة يا شبع الروح ، فقد رأيته عياناً بياناً
- وحلمك مثل حلم الأنبياء ، صار حقيقة دون تعبير .
 
« 224 »
 
- فإن لم يكن دليلك سوى هذا يا بنى ، كل الغائط وداوم النظر إلى البول .
 
2525 - ويا من دليلك مثل تلك العصا في كفك دل على عيب العمى « 1 »
- فثمة ضجة وقعقعة وهرج ومرج وخذ وقيد ، وأنت قائل ، انني لا أرى ، فاعذرنى .
 
نداء سيد ملك ترند أن كل من يذهب إلى سمرقند في ثلاثة أو أربعة أيام في مهمة كذا أعطيه خلعة وجواداً وغلاماً وجارية وذهبا كثيراً ، وسماع المهرج خبر هذا المنادى في القرية ومجيئه في خيل البريد إلى الملك قائلًا : أنا لا أستطيع الذهاب
 
- كان عند سيد ملك ترمذ مهرج على وعى .
- وكان لدى الملك أمر مهم في سمرقند ، فبحث عن رسول ينجزه .
- فأمر بانداء بأن كل من يأتيني بخبر من هناك في خمسة أيام ، أهبه الكنوز .
 
2520 - كان المهرج في القرية وسمع بذلك ، فركب وأخذ يجد في السير إلى ترمذ .
- ونفق جوادان في ذلك الطريق ، من سوق الجياد على ذلك النمط .
- ودخل إلى الديوان مسرعاً بتراب الطريق ، في وقت غير مناسب واتخذ طريقه إلى الملك .
- ووقع اللغط في كل الديوان ، ووقر القلق في قلب ذلك السلطان .
- وهلعت قلوب كل الخواص والعوام في المدينة ، ترى أي اضطراب حدث وأي بلاء نزل .
 
2525 - ترى ، أهجم عدو قاهر علينا ؟! أو هل نزل بنا بلاء مهلك من الغيب ؟!
- بحيث دفع المهرج إلى السير الجاد ، بحيث قتل عدة جياد عربية في الطريق ؟
- واجتمع الخلق على قصر الملك متسائلين ، لماذا جاء ذلك المهرج سريعاً هكذا ؟
- فمن سرعته هذه ومبالغته في الجهد ، وقعت الضجة والاضطراب في ترمذ .
- فهذا ضارب بيديه على ركبتيه ، وذلك من الخوف صارخ واويلاه .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 166 - إن دليلنا مثل فكرنا ذليل ، وكثرتنا عند العلماء قليلة .
 
« 225 »


2530 - ومن الرعب والفتنة وخوف النكال ، ذهب كل قلب إلى مائة حي من أحياء الخيال .
- وأخذ كل انسان يحدس حدساً من القياس ، ترى أي نار وقعت في الغطاء ؟ !
- طلب المثول ، وأعطاه الملك الإذن على الفور ، وعندما قبل الأرض بين يديه ، سأله : هه ، ماذا حدث ؟
- كان كل من يسأل عن الحال من ذلك العبوس ، كان يضع يده على شفيه بما يعنى : صمتاً .
- فكان الخوف يزداد من وقاره ذاك ، وصار الجميع من القلق محملقين فيه .
 
2535 - وأشار المهرج ، قائلًا : يا مليك الكرم ، أمهلني لحظة حتى التقط أنفاسى .
- وحتى يعود إلى عقلي لحظة ، فقد سقطت في عالم عجيب .
- وبعد برهة ، تمرر فيها حلق الملك وفوه من الوهم والظن .
- إذ لم يكن قد رأى المهرج على هذه الحال ، فلم يكن هناك جليس أكثر منه مرحاً .
- كان دائماً ما ينشر المزح والقصص ، كان يجعل الملك ضاحكاً سعيداً .
 
2540 - وكان يجعله ضاحكاً في مجلسه بحيث يمسك الملك بطنه بكلتا يديه .
- حتى لا يهن جسده من قوة الضحك ، ويسقط على وجهه .
- ثم هو اليوم شاحب عبوس إلى هذا الحد ، يضع يده على شفته بما يعنى صمتاً أيها الملك .
- كان هناك وهم في وهم وخيال في خيال ، تطوف بالملك ، ترى ماذا يأتي من نكال ؟ !
- فقد كان الملك مهموماً خائفاً ، ذلك أن خوارزم شاه كان ممعناً في سفك الدماء .
 
2545 - وكان قد قتل كثيراً من ملوك تلك الناحية ، إما حيلة ، وإما سطوة ، ذلك العنود .
 
« 226 »
 
- وملك ترمذ كان أيضاً يخشاه ، وزاد وهمه هذا من ألاعيب المهرج .
- فقال ، هيا ، أسرع قل ما حدث ، فمم اضطرابك وقلقك هذا ؟
- قال : لقد سمعت في القرية ان الملك ، وضع منادياً على مفترق كل طريق .
- هاتفاً ، أريد شخصاً يسوق لثلاثة أيام حتى سمرقند وأعطيه الكنوز .
 
2550 - أعطيه الكنوز في المقابل ، عندما يتم الغرض من أداء الرسالة .
- وأنا أسرعت إليك ، من أجل أن أقول لك ، إنني لا أستطيع هذا .
- إن مثل هذا المهارة لا تتأتى من مثلي ، فلا تأمل هذا فىّ .
- قال الملك : اللعنة على سرعتك هذه ، التي أحدثت مائة ضجة في المدينة .
- أمن أجل هذا القدر أيها الساذج الغفل أضرمت النار في المرج والعشب ؟ !
 
2555 - مثل أولئك السذج ذوى الطبول والأعلام ، يصيحون نحن الرسل المسرعون في الفقر والعدم .
- لقد ألقوا بنفاج المشيخة في العالم ، وجعلوا من أنفسهم أمثال " بايزيد " .
- صار كل منهم سالكاً من ذاته واصلًا في ذاته ، وأقام محفلًا في موضع الدعوى .
- مثلما يكون منزل العريس مليئاً بالفتنة والشر ، وقوم " العروس " لا علم لهم بهذا الأمر .
- وثمة ضجة بأن الأمر قد تم نصفه فحسب ، والشروط التي كان ينبغي ان تقوم بها قد تمت .
 
2560 - لقد كنسنا المنازل وزيناها ، ونهضنا سكارى منتشين من هذا الهوس .
- فهل ثم رسالة جاءت من تلك الناحية ؟ ابداً ، وهل جاء طائر إلى هذه الناحية من ذلك السطح ؟ ! اطلاقاً .
- وعلى هذه الرسائل المتتالية ، هل وصل إليكم جواب من تلك الأنحاء ؟
 
« 227 »
 
- لا ، لكن حبيبنا عالم بهذا الأمر ، ذلك لأنه لا بد أن يكون هناك طريق من القلب إلى القلب .
- إذن ، لماذا يكون الطريق خالياً من جواب خطاب من ذلك الحبيب الذي هو أملكم ؟ !
 
2565 - وهناك مائة دليل في السر والعلن ، لكن ، أقصر ولا تكشف الستار عن هذا الباب .
- وعد نحو قصة ذلك المهرج الأحمق ، الذي جلب البلاء على نفسه من ذلك الفضول .
- إذ قال وزيره : يا عماد الحق ، استمع من أقل عبادك إلى عبارة واحدة .
- إن المهرج قد أتى من القرية لأمر ما ، إلا أن رأيه قد تغير ، وندم .
- إنه يقوم بتجديد الحيل القديمة ، ويقوم بالخروج من هذا الأمر عن طريق التهريج .
 
2570 - لقد أبدى الغمد وأخفى السيف ، وينبغي تعذيبه بلا توقف .
- فإنك ان لم تكسر الفسدق أو الجوز ، لا هو يبدي لبه ولا هو يعطى الزيت .
- لا تستمع إلى دفاعه وإنكاره وذلاقة لسانه ، بل أنظر إلى رعشته ولونه .
- لقد قال الحق " سيماهم في وجوههم " ، ذلك أن السيماء منبئه ومنمة .
- إن هذا العيان ضد ذلك الخبر ، فإن هذا الانسان قد خلق معجوناً في الشر .
 
2575 - فقال المهرج صارخاً باكياً ، أيها الصاحب ، لا تسع في دم هذا هذا المسكين .
- فكثير من الظن والوهم يأتيان في الضمير ، لا تكون صادقة أو حقيقية أيها الأمير .
-إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌأيها الوزير ، وليس الظلم بالحق وبخاصة على الفقير .
 
« 228 »
 
- إن الملك يعاقب من يضايقه ، فمن أي شئ يعاقب من يضحكه ؟
- لكن قول الوزير أثر في الملك ، وصار كاشفاً لهذا المكر ولهذا التزوير .
 
2580 - فقال " خذوا " المهرج إلى السجن ، وإياكم أن تغتروا بنفاقة أو احتياله .
- واضربوه كما تضرب الطبول الجوفاء ، حتى يخبرنا " بالأمور " مثلما تخبرنا الطبول .
- إن الطبلة قد تكون مرتخية أو مشدودة مليئة أو فارغة وصوتها ينبؤنا بكل هذه الأمور .
- وحتى يضطر إلى البوح بسره ، بحيث تطمئن هذه القلوب .
- فما دام القول الصادق ذو الضياء طمأنيته ، فإن القلب لا يستريح إلى القول الكاذب .
 
2585 - فالكذب كالقذى والقلب كالفم ، ولا يخفى القذى في الفم أبداً .
- وما دام فيه يتحرك اللسان حتى يدركه ويخرجه من الفم .
- وخاصة عندما تسقط قشة من الريح في العين ، تأخذ العين في " سكب " الدموع ، والانغلاق والانفتاح .
- إننا نركض الآن في أثر هذه القشة ، حتى يتخلص الفم وتتخلص العين من تلك القشة .
- قال المهرج ، أيها الملك ، تريث ، ولا تخمش وجه الحلم والعفو ! !
 
2590 - ما هذا التعجيل في الانتقام إلى هذا الحد ؟ ! ، إنني لن أطير فأنا في يدك .
- وذلك التأديب الذي يكون من أجل الله ، لا تجوز العجلة فيه .
- وذلك الذي يكون من الطبع ومن الغضب العارض ، يكون الإسراع فيه ،
 
« 229 »
 
حتى لا يستر ضيه أحد .
- ويخشى أن يأتيه الرضا فيسكن الغضب ، ويفوته الانتقام ولذته منه .
- والشهية الكاذبة تسرع في الطعام ، خوف فوت اللذة ، وهذا في حد ذاته سقم .
 
2595 - وفي الشهية الصادقة يكون التمهل أولى ، حتى يصير " الطعام " مستساغاً دون ضرر .
- إنك تضربني من أجل رفع البلاء ، حتى ترى الفجوة ، وتقوم بسدها .
- حتى لا يخرج البلاء من هذه الفجوة ، وغيرها ، القضاء لديه الكثير .
- ووسيلة دفع البلاء لا تكون الظلم ، بل الوسيلة هي الإحسان والعفو والكرم .
- لقد قال صلى اللَّه عليه وسلّم : الصدقة مَرَد للبلاء ، وداو مرضاك بالصدقة ، أيها الغنى .
 
2600 - وليس من قبيل الصدقة إحراق الفقير ، وإصابة العين التي تفكر في الحلم بالعمى .
- قال الملك : إن الخير طيب وموقعه طيب ، لكن عندما تقوم بالخير في موضعه ! !
- إنك إن وضعت الملك في موضع " الرخ " فهذا خراب ، ووضع " الحصان " في مكان " الملك " جهل .
- وفي الشريعة هناك العطاء وهناك أيضاً العقاب ، فللملك الصدر ، وللفرس العتبة .
- فما هو العدل ؟ ! إنه وضع الشئ في موضعه ، وما هو الظلم ؟ ! إنه وضع الشئ في غير موضعه ! ! « 1 »
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 171 :
- وما هو العدل إنه روى الأشجار ، وما هو العظم : إنه روى الأشواك .
 
« 230 »
 
2605 - وليس باطلا كل ما خلقه الله سبحانه وتعالى ، من غضب ومن حلم ومن نصح ومن كيد .
- ولا يوجد شئ منها خير مطلق ، كما أنه لا يوجد شئ منها شر مطلق .
- ونفع كل منها وضره في موضعه ، والعلم على هذا الوجه واجب ونافع .
- ورب عقاب يقع على المسكين ، ويكون في ثوابه أفضل من الخبز والحلوى ! !
- ذلك أن الحلوى في غير أوانها تسبب الصفراء ، والصفع الذي يقع على " المرء " يخلصه من خبثه .
 
2610 - فاصفع المسكين لكن حينما يجب الصفع ، فإنه يخلصه من ضرب العنق .
- إن الضرب في معناه إنما يقع على الطوية السيئة ، والعصا تقع على التراب لا على اللباد .
- فلكل سلطان " مجلس " لهو وسجن ، فاللهو للمخلص والسجن للفج غير الناضج .
- وينبغي أن يشق الجرح لكي تضع عليه المرهم ، وإلا جعلت الصديد متمكناً من الجرح .
- حتى يأكل اللحم من تحته ، " ففي " تركة " نصف نفع وخمسون ضرر ! !
 
2615 - قال المهرج : أنا لا أقول أعف ، لكني أقول : تحر الأمر .
- وانتبه ، ولا تغلق طريق الصبر والتأنى ، واصبر وفكر عدة أيام .
- فإنك بالتأني تصل إلى اليقين ، وتقوم بعقابى على اليقين .
- فلماذا تحقق في مشيك " قوله تعالى "يَمْشِي مُكِبًّا، بينما يجوز لك أن تمشى مستويا مستقياً .
 
« 231 »
 
- واستشر جماعة من الصالحين ، واعلم أن الأمر ب " شاورهم " نزل على الرسول .
 
2620 - ومن هنا كانت الآية الكريمة أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ، فمن الشورى يقل السهو ويقل الضلال .
- وهذه العقول مثل المصابيح المضيئة ، وعشرون مصباح أكثر نوراً من مصباح واحد ! !
- فلعل مصباحاً بينها ، يكون مضيئاً بنور السماء .
- وإن غيرة الحق قد وضعت حجاباً ، ومزجت العلوي والسفلى معاً ! !
- فقال " سيروا " وداوموا على الطلب في الدنيا ، واعكفوا على امتحان الحظ والرزق .
 
2625 - وفي المجالس داوم على البحث في العقول ، عن مثل ذلك العقل الذي كان للرسول .
- ذلك أن هذا هو ميراث الرسول فحسب ، إذ يرى الغيوب من قدام ومن وراء .
- واطلب في البصائر هذا البصر ، الذي لا يتحمل شرحه هذا المختصر .
- ومن هنا منع ذلك العظيم الترهب والخلوة في الجبل .
- حتى لا يفوت هذا النوع من اللقاء ، فهو نظرة الإقبال وإكسير البقاء .
 
2630 - ومن بين الصالحين هناك من هو أصلح ، وعلى رأس توقيعه تصديق السلطان .
- وقد صار دعاؤه مقرونا بالإجابة ، ولا يكون كفوا له كبار الإنس والجن .
- وفي مرائه سواء الصالح والطالح ، تكون حجته داحضة .
- فما دمنا قد رفعناه إلى أنفسنا ، قد قضينا على العذر وقضينا على الحجة .
 
« 232 »
 
- وما دام الحق قد جعل القبلة عياناً ، إعلم أن التحري بعدها مردود .
 
2635 - فهيا حول الوجه والرأس عن التحري ، فقد ظهر المعاد وظهر المستقر .
- فإنك إذا ذهلت لحظة واحدة عن هذه القبلة ، تصير مسخراً لكل قبلة باطلة .
- وعندما تصير جاحداً لمن يهبك التمييز ، فإنما ينفر منك خاطر العارف بالقبلة .
- فان كنت تريد البرِ والبُر من هذا المخزن ، لا تبتعد لحظة عمن يشاركونك الألم .
- ففي تلك اللحظة التي تفر فيها من المعين ، فإنك تبتلى ببئس القرين .
 
حكاية تعلق الفأر بالضفدعة .
وربطها لرجليهما معاً بخيط طويل واختطاف الغراب للفأر وبقاء الضفدع
معلقاً في الفضاء وعويلها وتدلها على تعلقها بمن هو من غير جنسها ،
وعدم تجانسها مع من هم من جنسها
 
2640 - شاء القضاء أن يتعارف فأر وضفدع على حافة جدول .
- واتفقا على موعد كل صباح ، يلتقيان في ركن ما .
- فكان كل منهما يلعب نرد القلب مع الآخر ، ويصفى كل ما في صدره من وساوس للآخر .
- كان لقلب كل منهما متسع وفسحة من اللقاء ، كان كل منهما يبوح للآخر ويستمع إليه .
- كانا يتحدثان بالأسرار بلسان وغير لسان ، فاعلم اذن تفسير الجماعة رحمة .
 
2645 - وعندما اقتران ذلك الفرح بذلك السعيد لخمس سنوات كان يتعلم قصصه
 
« 233 »
 
- وجيشان النطق من القلب هو علامة المحبة ، وفقدان النطق يكون من عدم الألفة .
- والقلب الذي رأى الحبيب متى يبقى عبوساً ، والبلبل الذي رأى الورد متى يبقى صامتاً .
- إن السمكة المشوية عادت إلى الحياة بلمسة من الخضر واتخذت سبيلها إلى البحر .
- وعندما جلس الحبيب مع الحبيب ، صارت مئات الآلاف من ألواح الأسرار معلومة ! !
 
2650 - واللوح المحفوظ هو جبهة الحبيب ، يبدي " للحبيب " سر الكونين عياناً .
- والحبيب في قدومه هو هادي الطريق ، ومن هنا قال المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم أصحابي نجوم .
- والنجم هادي في الصحراء وفي البحر ، فركز بصرك على النجم فهو مقتدى .
- واجعل العين دوما قرينة لوجهه ، ولا تثر الغبار عن طريق الجدل والحديث .
- ذلك أن النجم يصبح مختفيا من هذا الغبار ، فالعين أفضل من لسان ذي عثار .
 
2655 - حتى يتحدث ذلك الذي شعاره الوحي ، فهو الذي يهدىء التراب ولا يثير الغبار .
- وعندما صار آدم مظهرا للوحي والوداد ، انطلقت ناطقته مصداقا لعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ.
- ومن صحيفة القلب جرى على لسانه اسم كل شئ كما هو عليه .
- كان اللسان يتحدث جهارا عند رؤيته بكل خواصه وماهيته .
- بنفس ذلك الاسم الجدير بالشئ ، لا مثلما يطلق على المخنث اسم أسد .
 
« 234 »
 
2660 - كان نوح " ماضيا " في الطريق السوى لتسعمائة سنة ، وفي كل يوم كان له تذكير جديد .
- وربما كان ياقوته من ياقوت القلوب ، ولا قرأ الرسالة ولا قوت القلوب .
- ولم يتعلم الوعظ قط من الشروح ، بل من ينبوع الكشوف وشرح الروح .
- من تلك الخمر التي عندما تحتسى ، يفور ماء النطق حتى من الأخرس .
- ويصير الطفل الوليد حبراً فصيحاً ، ويقرأ الحكمة البالغة كأنه المسيح .
 
2665 - ومن الجبل الذي وجد حلاوة الشفة من تلك الخمر ، تعلم داود النبي مائة غزل .
- وتركت كل الطيور شقشقتها ، وصارت متحدثة مع الملك داود ، رفيقة له ! !
- وأي عجب أن يصير الطير ثملًا به ؟ ! ما دام الحديد قد سمع نداء يده ! !
- وريح الصر صر التي صارت قاتلة لعاد ، كيف صارت حمالة لسليمان .
- وريح أخرى كانت تحمل على رأسها عرش الملك كل صباح ومساء على طريق مسيرته شهر .
 
2670 - صارت حمالة له ، وجاسوسة له ، جاعلة قول الغائب محسوسا له - كانت الريح عندما تجد همسا تسر به نحو أذن الملك .
- قائلة : إن فلانا قال كذا ، في هذه اللحظة يا سليمان العظيم ، يا صاحب قران " السعدين "
 
تدبير الفأر مع الضفدع وقوله :
إنني لا أستطيع أن أجىء إليك في الماء عندما أريدك ،
فينبغي أن تكون بيننا صلة بحيث أستطيع عندما أجىء إلى حافة الجدول
أن أخبرك بقدومي كما تستطيع أنت أن تخبرني عندما تجىء إلى فوهة الحجر
. . . إلى آخره
 
« 235 »
 - وهذا الكلام لا نهاية له : إذ قال الفأر للضفدع ذات يوم ، يا مصباح الوعي .
- هناك أوقات أود فيها أن أفضى إليك بسر ، وأنت آنذاك تجول في الماء جولان التركي .
 
2675 - وأكون على حافة الجدول مناديا إياك ، لكنك لا تستمع في الماء إلى أنين العاشقين .
- وفي هذا الوقت المحدد أيها الهمام ، لا أشبع أنا من الحديث معك .
- أن للصلاة والهداية خمسة أوقات ، والعشاق في صلاتهم دائمون .
- وذلك الخمار الذي في تلك الرؤوس ، لا يهدأ بخمسة أوقات ولا بخمسائة الف .
- وليست عبارة " زر غبا " من عادة العشاق ، وأرواح الصادقين شديدة الاستسقاء .
 
2680 - وليست زرغبا من عادة الأسماك ، فلا أنس لأرواحها بعيداً عن البحر .
- إن ماء هذا البحر على عظمته وهوله ، هو جرعة واحدة بالنسبة لخمار الأسماك .
- ولحظة واحدة من الهجران بالنسبة للعاشق كأنها عام ، ووصل عام متصل عنده كأنه الخيال .
- إن العشق مستسق يطلب المستسقى ، وكلاهما في أثر الآخر كالليل والنهار .
- فالنهار عاشقٌ لليل منجذب إليه ، وعندما تمعن النظر " تدرك " أن الليل أكثر عشقا له ! !
 
« 236 »
.
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:23 pm

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة المسافرين الثلاثة على مدونة عبدالله المسافر بالله
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي
 
2685 - لا يتوقفان لحظة عن البحث والطلب ، ولا يتوقف أحدهما لحظة عن السعي في أثر الآخر .
- هذا آخذ بقدم ذاك وذاك آخذ بأذن هذا ، هذا مدهوش أمام ذاك وذاك غائب الوعي أمام هذا .
- وفي قلب المعشوق العاشق بكليته ، وفي قلب " عذرا " دائما ما يوجد وامق ! !
- وليس في قلب العاشق إلا المعشوق ، وليس بينها هاجر أو مهجور .
- إن هذين الجرسين " موجودان " على بعير واحد ، فكيف تصلح بينهما نصيحة " زرغبا " .
 
2690 - فهل زار أحدهم نفسه غباً ؟ ! وهل أحب أحدهم نفسه بالنوبة ؟ !
- إن هذا الاتحاد مما لا يفهمه العقل ، وفهمه متوقف على موت المرء « 1 »
- وإذا كان هذا واجبا بالعقل ، فمن أي شئ وجب قهر النفس ؟ !
- ومع مثل تلك الرحمة الموجودة عند مليك اللب، متى كان يقول دون ضرورة : أقتل نفسك!!
 
إسراف الفأر في التضرع والعجز وطلب الاتصال
بالضفدع المائي
 
- قال : أيها الحبيب العزيز الحنون ، إنني لا استريح دون وجهك لحظة واحدة ! !
 
2695 - فأنت في النهار نوري وكسبى وسعى ، وفي الليل أنت قرارى وسلواى ونومى ! !
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 187 :
- اللهم إلا لرجل مات قبل الموت ، وحمل متاع الوجود إلى الحبيب .
 
« 237 »
 
- فمن المروءة أن تجعلني سعيداً ، وتذكرنى في وقت وفي غير وقت من كرمك .
- لقد جعلت اللقاء عند الافطار هو الموعد اليومى يا حسن النوايا ! !
- ولست أنا بالقانع بهذه المرة الوحيدة ، فأننى في هواك مخلوق عجيب .
- وهناك استسقاء شديد في كبدي ، وكل استسقاء يكون مقرونا بالجوع الشديد « 1 » .
 
2700 - وأنت في غنى عن حزنى أيها الأمير ، فجد بزكاة الجاه وانظر إلى الفقير .
- إن هذا الفقير المجرد من الأدب غير مستحق ، لكن لطفك العام أعلى من ذلك .
- ولطفك العام لا يبحث عن سند ، فأنك شمس ، تطل حتى على الحدث .
- وليس لنورها من هذا ضرر ، وتلك القاذورات " التي تطل عليها " صارت حطباً .
- وعندما مضت القمامة إلى المستوقد ووجدت النور ، بعثت اشعاعها في أبواب الحمام وفي جدارته .
 
2705 - كانت نجسا وصارت الآن زينة عندما تلت عليها الشمس رقيتها .
- كما أدفأت الشمس معدة الأرض ، حتى ابتعلت الأرض بقية القمامة .
- وصارت جزءا من التربة ونما فيها النبات ، " هكذا يمحو الإله السيئات " « 2 » .
- « 3 » فإذا كانت تفعل هذا بالغائط ، وهو أسوأ شئ فتجعل منه نباتاً ، ونرجسا ونسريناً ،
..............................................................
( 1 ) حرفيا : في الشطرة الأول خمسمائة استسقاء وفي الثانية جوع البقر .
( 2 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .
( 3 ) ج : 14 / 191 :
- صار جزءا من التربة وصار ملينا بالنور ، " هكذا يغفر لمن يعطى الغفور " .
- صار جزءا من التربة سعيداً بثماره ، " هكذا يرحم الله العباد "
 
« 238 »
 
- ترى ماذا يمنحه الحق من الجزاء ومن العطاء لنسرين الطاعات .
 
2710 - وإذا كان يمنح الخبيثين هذه الخلعة ، فما بالك بما ينتظر الطيبين من عطاياه .
- إن الحق يعطيهم ما لا عين رأت ، وما لا يستوعبه لسان أو بيان .
- وما نحن وهذا ؟ ! تعال يا حبيبي ، واجعل نهارى مضيئاً بالخلق الحسن .
- فلا تنظر إلى قبحى وإلى أنني مكروه ، وإلى أنني ملىء بالسم كحية الجبل .
- فيا أنا ، إنني قبيح وكل خصالى قبيحة ، فكيف أصير وردا وقد خلقني الله شوكاً .
 
2715 - ويا مطلع ربيع الحسن هب الشوك ورداً ، ولطفك في نهاية الفضل والفن .
- فاعط حاجة الذي هو غاية ( القبح ) من ذاك الكمال ، يا من تزرى بالسر والممشوق .
- فعندما أموت سوف يبكى فضلك ، من الكرم ، برغم أنه برئ من الحاجة .
- وسوف يجلس طويلا على قبرى ، وسوف يذرف الدمع من عينه الجميلة .
 
2720 - وسوف ينوح على حرماني ، وسوف يغمض العين " ندماً " على ظلمه إياي .
- فقدم قليلا من ألطافك الآن ، واجعل في أذني حلقة من ذلك الكلام .
- وما سوف تتحدث به مع قبرى ، انثره على إدراكى الحزين « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 192 :
خذ بيدي في مثل هذه المسكنة ، وأدخل السرور على في هذا الحزن .
 
« 239 »
 
تضرع الفأر للضفدع قائلًا : لا تتعلل ولا تؤجل انجاح هذه الحاجة ، ففي التأخير آفات ،
والصوفي ابن الوقت والابن لا يكف يده عن طرف ثوب أبيه ، والأب المشفق للصوفى وهو وقته لا يحوجه إلى الانتظار للغد مهما يجعله مستغرقاً في روضته سريعة الحساب ، لا كالعوام ينتظر المستقبل ، إنه نهرى وليس دهريا فلا صباح عنده ولا مساء ولا ماض ولا مستقبل ولا أزل ولا أبد هناك ، لا يكون آدم السابق ولا الدجال المسبوق فهذه الرسوم في خطة العقل الجزئي والروح الحيوانية ، وفي عالم اللازمان واللامكان لا توجد هذه الرسوم إذن فهو ابن الوقت أي لا يفهم منه إلا نفى تفرقة الأزمنة كما نفهم من أن الله واحد نفى الإثنينية لا حقيقة الواحدية
 
- قال أحد السادة الذين يهبون الفضة لأحد الصوفية ، يا من روحي وطاء لقدميك ،
- هل تريد درهما الآن يا سلطاني ، أو أعطيك غدا في الضحى ثلاثة دارهم ؟
 
« 240 »
 
2725 - قال : إنني أكثر رضا بنصف درهم بالأمس ، عما تريد اعطاءه إياي اليوم ، وعن مائة درهم في الغد .
- إن الصفعة نقدا أفضل من العطاء نسيئة ، وها هو قفاي أقدمه لك ، فاعطني النقد .
- خاصة تلك الصفعة التي تكون من يدك ، فالصفعة وموضع الصفعة ثملان بك .
- فهيا ، تعال ، يا روحاً للروح ولمائة عالم ، اغتنم سعيداً النقد ، هذه اللحظة .
- ولا تسرق وجه القمر ذاك من السراة ، ولا تعص هذا الجدول أيها الماء الجاري .
 
2730 - حتى يضحك شاطىء الجدول من الماء المعين ، ويطل الياسمين إلى جوار شاطىء الجداول .
- وعندما ترى الخضرة ثملة على شاطىء الجدول ، اعلم من على البعد إذن أن هناك ماءً .
- لقد قال اللهسِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ، والمرج ينبئ عن المطر .
- حتى ولو أمطر ليلا ولم يره أي شخص ، عندما تكون كل نفس ونَفَس غارقين في النوم .
- ونضرة كل روضة جميلة ، دليل على المطر الخفي ! !
 
2735 - يا أخي ، إنني برى وأنت بحرى ، لكنك مليك الرحمة والعطاء .
- فقدم العطاء والأنصبة إلى ، بحيث أصل إلى محضرك في وقت وفي غير وقت .
- إنني على شاطىء الجدول أناديك بالروح ، لكني لا أرى تلطفاً بالإجابة .
 
« 241 »
 
- فقد أُغلق أمامى " سبيل " النزول إلى الماء ، ذلك أن جسدي شكل من تراب .
- فاجعل مددا من رسول أو من علامة ، حتى يخبرك بندائى .
 
2740 - وتباحثا في هذا الأمر هذان الحبيبان ، ثم استقرا في آخر الأمر ؛
- على أن يحصلا على خيط طويل ، حتى ينكشف السر من جذب الخيط .
- على أن يكون طرفه معقوداً على قدم هذا العبد المنحنى ، وطرفه الآخر " معقودا " على قدمك .
- حتى يلتقى جسدانا بهذه الوسيلة ، ونمتزج امتزاج الروح بالبدن .
- والجسد كأنه الحبل على الروح ، يجذبها إلى الأرض من السماء .
 
2745 - وضفدع الروح في ماء نوم انعدام الوعي، نجت من فأر الجسد، وتسعد بهذه النجاة.
- وفأر الجسد يجذبها بذلك الحبل ، وكم من أنواع المرارة تتحملها الروح من هذا الجذب .
- وإن لم يكن جذب الفأر نتن اللب ، لسعد الضفدع أيما سعادة داخل الماء .
- وباقيه ، تسمعه من هبة الشمس للنور عندما يستيقظ من النوم نهاراً .
- لقد عقدت أحد طرفي الخيط على قدمي ، فاعقد ذلك الطرف الآخر على قدمك .
 
2750 - فاستطيع أن أجذبك إلى هذه اليابسة ، فقط ظهر لك طرف الخيط الآن .
- وأحس قلب الضفدع بالمرارة من هذا الحديث ، وقال في نفسه ، إن هذا الخبيث يوقعنى في المشاكل .
- وكل كراهة يحس بها الرجل البهى في قلبه " معناها " أن الأمر لا يخلو من حيلة ما .
 
« 242 »
 
- فاعتبر هذه الفراسة وحيا من الحق وليست وهما ، وأن نور القلب قدم " فهم " " الأمر " من اللوح الكلى .
- وامتناع " الفيل " عن الهجوم على البيت ، مع جهد هذا الفيال وصياحه به .
 
2755 - لم تكن قدم الفيل تتجه نحو الكعبة ، مع كل الضرب الذي تلقاه ، إذ لم يجد فتيلا قل أو كثر .
- وكأن قدميه قد تيبسا ، أو أن روحه زائدة الصولة قد ماتت « 1 » .
- وعندما كانوا يوجهونه نحو اليمن ، كان الفيل الهائج يسرع " في قوة " مائة جواد .
- كان احساس الفيل عالماً بطعنات الغيب ، فما بالك إذن باحساس الولي المتفهم ؟
- وأليس يعقوب النبي عليه السلام ذلك الطاهر الطوية ، كان هكذا مع يوسف وكل اخوته .
 
2760 - عندما طلب اخوته الكبار " من أبيهم " أن يأخذه إلى الخلاء برهة من الزمان .
- قالوا له جميعا : لا تفكر في الضرر ، وأمهلنا ، يا أبانا ، يوماً أو يومين .
- قائلين :ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ، في السير والظعن ؟
- حتى نلعب معاً في المروج ، ونحن في هذه الدعوة أمناء محسنون .
- قال : إن ما أعلمه أن نقله من جواري ، يزيد في قلبي الألم والسقم .
 
2765 - وقلبي هذا لا يكذبني أبداً ، فإن فيه ضياء من نور العرش .
- كان هذا الدليل هو القاطع على فساد " الإخوة " وشاء القضاء ألا يعتد به .
- وفاتته علامة مثل هذه ، لأن القضاء كان يتفلسف في ذلك الزمان .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 200 :
إن الحق قد أخبر روح الفيل ، وأضل أولئك الأخساء ومكر بهم .
 
« 243 »
 
- فليس من العجيب أن يسقط الأعمى في البر ، لكن العجب العجاب أن يسقط فيه مبصر الطريق .
- ولهذا القضاء تصاريف متنوعة ، وختمه " يفعل الله ما يشاء " .
 
2770 - وسواء علم انقلب بفنه أو لم يعلم به ، فان حديده يصير شمعاً من أجل هذا الختم .
- وهذا يشبه أن يقول انقلب : ما دامت هذه هي ارادته فقل : ليكن ما يكون .
- انه يجعل نفسه أيضاً غافلًا عن هذا الأمر ، وفي عقاله يقيد الروح ! ! .
- فإذا صار ذاهلًا في هذا الأمر ذلك العظيم ، فهذا ليس ذهولًا ، إنه ابتلاء .
- إن بلاء واحدا يشتريه في مائة بلاء ، وهبوط واحد يحمله على المعارج .
 
2775 - والساذج المتجرىء الذي تخلصه الخمر ، من خمار مئات الآلاف من القبحاء السذج .
- صار في النهاية أستاذ وناضجاً ، ونجا من رق الدنيا وصار حراً .
- وصار ثملًا من الشراب الأزلي ، وصار مميزاً ، ونجا من الخلق .
- ومن اعتقاداتهم الواهنة المليئة بالتقليد ، ومن الخيالات التي تراها عيونهم التي لا تبصر .
- فوا عجباً ، أي فن تقوم به مداركهم ، أمام جزر البحر الذي لا علامة له ومده ؟
 
2780 - فمن تلك الصحراء وصلت تلك العمارات ، ووصل الملك والسلطان والوزارة ! !
- ومن صحراء العدم تلك ، يصل المشتاقون إلى الشوق إلى عالم الشهادة فوجاً فوجاً .
- ومن هذه البادية تصل قافلة بعد قافلة في كل مساء وصباح .
 
« 244 »
 
- تأتى ، وتبقى رهينة لمنازلنا ، قاتلة : لقد وصلنا هذا دورنا ، امض أنت .
- وعندما فتح الابن عين العقل ، وضع الأب سريعاً متاعه على العربة ! ! وتهيأ للرحيل .
 
2785 - هي جادة المليك ، سائرون من هذه الناحية ، ثم من تلك الناحية صادرون وواردون .
- انظر جيداً ، إننا نمضى جالسين ، ألست ترى أننا نقصد موضعاً جديداً ؟
- إنك لا تأخذ رأس مال من أجل الحاضر ، ولكن من أجل الأمتعة في المآل .
- إذن فهكذا يكون المسافر يا عابد الطريق ، فإن مسيره وسيره في المستقبل .
- كما أنه من حجاب القلب يصل خيل الخيال لحظة بعد أخرى بلا كلال .
 
2790 - فإن لم تكن تلك التصورات من منبع واحد، فكيف تصل في أثر بعضها إلى القلب؟!
- فإن جيوش تصور اتنا تسرع من الظمأ فوجاً فوجاً نحو عين القلب .
- تملأ الجرار ثم تمضى ، تظهر دائماً ثم تختفى .
- فاعتبر الافكار كواكب الفلك ، دائرة في الفلك الآخر للسماء .
- فإن رأيت سعداً ، أشكر وآثر ، وان رأيت نحساً تصدق واستغفر .
 
2795 - ومن نكون نحن وهذا ؟ تعال هنا يا مليكى ، واجعل طالعى مقبلًا ، ودر دورة .
- واجعل الروح مضيئة من أنوار القمر ، فمن ضرر الذنب اسودت الروح .
- وحررها ثانية من الخيال والوهم والظن ، وخلصها ثانية من البئر وجور الرسن .
- حتى يجد قلب من مواساتك الطيبة جناحاً ويحلق خارج الماء والطين .
- يا عزيز مصر ، ويا صادق العهد ، إن يوسف المظلوم في سجنك .
 
« 245 »
 
2800 - فشاهد سريعاً احدى الرؤى لخلاصه ، فالله يحب المحسنين .
- فهناك سبع بقرات عجاف شديدة الأذى ، تأكل البقرات السمان السبع .
- والسنبلات السبع المكروهات اليابسات ، ترعى سنبلاته النضرات .
- وقد ظهر القحط في مصر أيها العزيز ، فهيا ولا تجز هذا أيها المليك .
- فضع يوسفى في حبسك أيها المليك ، وهيا ، وخلصني من أيدي النسوة ! !
 
2805 - إن شهوة الأم قد ألقت بي من ناحية العرش الذي كنت عاكفاً عليه قائلة : اهبطوا .
- فسقطت من ذلك الكمال التام ، من حيلة امرأة عجوز ، في سجن الرحم .
- إنها تأتى بالروح من العرش إلى الأرض ، لا جرم ، في ذلك فالنساء كيدهن عظيم .
- فأول هبوط لي وآخر هبوط لي من امرأة ، عندما كنت روحاً ، وعندما تحولت إلى بدن ! !
- فاستمع إلى نواح يوسف هذا في عثاره ، أو ارحم يعقوب ذاك مسلوب القلب .
 
2810 - فيا ترى أأشكو من الإخوان أو من النسوة ؟ ! الذين ألقوا بي كآدم من الجنان .
- ومن ذلك فأنا ذابل كأوراق الشتاء ، ذلك أنني أكلت الحنطة من جنة الوصل .
- وعندما رأيت لطفك واكرامك ، وذلك السلام المواسى منك ، ورسالتك .
- اكتشفت بخوراً من أجل عين السوء ، وأصابتنى عين السوء حتى وأنا في البخور .
- إن دافع عين السوء من قدام ومن وراء ، هي عينك الوسنى فحسب .
 
2815 - إن عينك الطيبة أيها المليك ، هي القاضية على عين السوء ، المستأصلة لها ، نعم الدواء .
 
« 246 »
 
- بل إن من عينك تصل أنواع الكيمياء ، تجعل عين السوء عيناً للحسن .
- لقد وقعت عين المليك على عين بازى القلب ، فصارت عين بازيه في منتهى علو الهمة .
- فمن شدة الهمة التي وجدها من هذه النظرة ، لا يصيد بازى المليك إلا الأسود .
- وما الأسد ؟ ! فإن هذا الصقر الملكي المعنوي ، هو صيد لك وأنت أيضاً صيد له .
 
2820 - وقد صار صفير بازى الروح في مرج الدين ، صيحاتلا أُحِبُّ الْآفِلِينَ.
- وبازى القلب الذي طار في أثرك ، وصلته نظرة من عطائك الذي لا حد له .
- فوجدت الأنف منك الرائحة والأذن السماع ، وصار لكل حس قسمة مشاعة .
- وعندما تعطى كل حس طريقاً إلى الغيب ، لا يكون لهذا الحس فتور الموت والشيب .
- إنك مالك الملك تعطى الحس شيئا ، حتى يقوم ذلك الحس بالملوكية على الحواس « 1 » .
 
حكاية لصوص الليل الذين وقع بينهم السلطان محمود ذات ليلة ، وقال لهم :
أنا واحد منكم ، واطلاعه على أحوالهم ، إلى آخره
 
2825 - عندما كان السلطان محمود يطوف وحيداً ليلًا ، التقى بجماعة من اللصوص .
- فقالوا له : من أنت يا ذا الوفا ؟ ، قال لهم : أنا واحد منكم .
- وقال أحدهم : أيتها الجماعة التي تحترف المكر ، فليقل كل واحد منكم موضع فنه .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 202 - فجاهد حتى تسمو حواسك ، حتى يسمو أمر الحس من ذلك .
 
« 247 »
 
- ليتحدث مع أصدقائه على سبيل السمر ، عما هو موجود في جبلته من الفن .
- فقال أحدهم أيتها الجماعة التي تتاجر في الفن والحيل ، إن خاصيتى في أذني .
 
2830 - بحيث أعلم ماذا يقوله الكلب من نباحه ، فقال له رفاقه " هذا شيىء هين " كدانقين من دينار .
- فقال آخر : يا جماعة عابدة للذهب ، إن كل خاصيتى في عيني ،
- وان كل ما أراه في الليل الداجى ، أعرفه في النهار بلا شك .
- وقال آخر : إن خاصيتى في ساعدى ، بحيث أحدث النقب بقوة من يدي .
- وقال آخر : إن خاصيتى في أنفى ، وعملي هو التشمم في التراب .
 
2835 - لقد أعطتني سر " الناس معادن " القدرة ، ومن أي شيىء إذن قالها الرسول ؟
- أنني أعلم من تراب الجسد كم فيه من نقد ، وكم لديه من ذهب المنجم .
- ففي أحدهم أدرج منجم ذهب بلا حد ، وآخر دخله أقل من نفقاته .
- انني أشم رائحة التراب كالمجنون ، وأجد تراب ليلى بلا خطأ .
- انني أشم وأعلم من كل قميص ، أفي داخله يوسف أو شيطان .
 
2840 - مثل أحمد الذي شم رائحة في اليمن ، ووجدت أنفى نصيباً من تلك " القوة " .
- " أعلم " أي تراب يكون مجاوراً للذهب ، وأي تراب يكون صفرا وأبتر .
- قال آخر : إن خاصيتى في قبضتي ، بحيث أرمى وهقاً في ارتفاع العلم .
- مثل أحمد الذي ألقت روحه وهقاً ، وحمله ذلك الوهق حتى السماء .
- وقال له الحق ، يا رامى وهق البيت ، إعلم أن ذاك منى ،ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ.
 
2845 - ثم سألوا الملك ، أيها السند ، في أي شيىء يا ترى تكمن قوتك وخاصيتك ؟
« 248 »
 
- قال إن خاصيتى في لحيتي ، بحيث أخلص المجرمين من النقم .
- فعندما يسلم المجرمون للجلادين ، وتتحرك لحيتي يطلقون سراحهم .
- وعندما أحرك لحيتي برحمة ، يطوى أمر ذلك القتل والتعذيب .
- فقال القوم : أنت قطبنا ، وأنت خلاصنا في يوم محنتنا .
 
2850 - ثم خرجوا جميعاً وانطلقوا معاً نحو قصر ذلك الملك الميمون .
- وعندما نبح كلب من الناحية اليمنى ، قال " قائلهم " إنه يقول إن السلطان معكم .
- وحمل ذاك تراباً من ربوة ، " وشمه " فقال : إنه من منزل أرملة .
- ثم ألقى أستاذ الوهق بالوهق ، حتى أصبحوا في الناحية الأخرى من الجدار .
- وعندما شم التراب من مكان آخر ، قال أنه تراب مخزن ملك لا نظير له .
 
2855 - ونقب النقاب فجوة في المخزن ، وحمل كل منهم متاعاً من المخزن .
- وحمل القوم كثيراً من الذهب والثياب المطرزة بالذهب والجواهر الغالية ، وأخفوها سريعاً .
- وقد رأى الملك مقرهم عياناً ، وشاهد سماتهم وعلم أسماءهم وملجأهم وطرقهم .
- وتسلل من بينهم وعاد ، وفي النهار روى في الديوان ما حدث .
- فاسرع القواد وهم في هياج ، وأمسكوا باللصوص ، وقيدوهم .
 
2860 - وأتوا بهم نحو الديوان مقيدين مرتعدين خوفاً على أرواحهم .
- وعندما وقفوا أمام عرش الملك ، " أدركوا " أن صديق الليل هو ذلك الملك الذي كالبدر .
- وذلك الذي كان يعرف بلا شك في النهار كل من يلقى عليه نظرة في الليل ؛
- رأى الملك على العرش وقال في نفسه ، كان هذا معنا ليلة الأمس جوالًا بليل ، وقريناً .
 
« 249 »
 
- ذلك الذي عنده خواص عديدة في لحيته ، إن هذا القبض علينا من سعيه .
 
2865 - كانت عينه عارفة بالملك ، لا جرم ، ومن معرفته أطلق لسانه على الحشم .
- وقال إن هذا الملك تصدق فيه " وهو معكم " ، كان يرى أفعالنا ويسمع أسرارنا .
- لقد طوت عيني الطريق ليلًا وعرفت الملك ، وزاولت العشق طوال الليل مع وجهه القمرى .
- فلأطلب إذن أمنى منه ، فهو لا يشيح بوجهه عن العارف قط .
- فاعلم أن عين العارف أمان في الكونين ، فمنه وجد كل بطل العون .
 
2870 - ذاك أن محمداً كان شفيعاً لكل جرح ، فإن عينه ما زاغت إلا عما سوى الحق .
- وفي ليل الدنيا حيث يكون النور محجوباً ، كان ناظراً إلى الحق راجياً فيه .
- ومنأَ لَمْ نَشْرَحْوجدت عينه الكحل ، ورأى ما لم يتحمل جبريل رؤيته .
- واليتيم الذي يكحله الله ، يصير دراً يتيماً ذا رشد .
- ويصير نوره غالباً على الدرر ، ويصير طالباً لمثل ذلك المطلوب .
 
2875 - كانت عنده وفي نظره مقامات العباد ، فلا جرم أن الله قد سماه شاهدا .
- وعدة الشاهد هي اللسان والعين الحادة ، بحيث لا يهرب منه سر " رآه " في قيام الليل .
- فلو ظهر آلاف في المدعين ، تكون أذن القاضي متجهة نحو الشاهد .
- وعند القضاة في الأحكام هذا الفن ، هو أن الشاهد بالنسبة لهم عينان مبصرتان .
- ومن هنا فقول الشاهد في حكم البصر ، فقد شاهد السر بعين لا غرض فيها .
 
2880 - والمدعى قد رآه لكن بغرض ، والغرض يكون حجاباً على القلب .
 
« 250 »
 
- وان الحق يريد منك أن تكون زاهداً ، حتى تترك الغرض وتصير شاهداً « 1 » .
- فان الغرض كان حجاباً على العين ، ويكون ملتفاً على النظر كأنه الستار ! !
- فلا يرى الأشياء بضجها وضجيجها ، إن " حبك الأشياء يعمى ويصم " .
- وعندما وضعت الشمس نوراً في قلبه ، لم تبق للفلك عنده قيمة .
 
2885 - فرأى الأسرار بلا حجاب ، ومسيرة أرواح المؤمنين والكفار .
- وفي الحقيقة " لا يوجد " في الأرض وفي الفلك العالي ما هو أكثر خفاء من روح الإنسان .
- فعد ، لقد طوى الحق الروح عن الرطب واليابس ، وختمها بخاتممِنْ أَمْرِ رَبِّي.
- ثم إن عين العزيز عندما رأت تلك الروح ، لم يبق إذن شيىء مخفياً عنها .
- فتكون شاهداً مطلقاً في كل نزاع ، ويزيل قوله خمار كل صداع .
 
2890 - واسم الحق هو العدل والشاهد من أجله ، ومن هنا فشاهد العدل هو عين الحبيب .
- والقلب هو موضع تجلى الحق في الدارين ، فإن المليك ينظر إلى الشاهد " وإلى الحسناء " .
- وعشق الحق وسر ملاعبة الشاهد " والحسان " عنده كانت أساس كل صنعته للحجب .
- ومن هنا ففي ليلة المعراج قال عاشق الحسان الذي لنا : لولاك عند اللقاء .
- وهذا القضاء يكون حاكماً على الخير والشر ، ولا يصير الشاهد حاكماً على القضاء .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 216 - ويقول لك الحق أترك الغرض ، حتى يكون كلامك مقبولًا عندنا .
 
« 251 »
 
2895 - لقد صار أمير القضاء أسيراً لذلك القضاء ، فهنيئاً لك يا عين المرتضى الحادة .
- وكثيراً ما طلب العارف من المعروف قائلًا : يا من أنت رقيب علينا في حلو " الحياة " ومرها .
- ويا مشيرنا في الخير والشر ، وقلوبنا غافلة عن اشارتك .
- يا من يرانا ولا نراه في الليل والنهار ، وصارت رؤيتنا للأسباب كمامة على وجوهنا .
- لقد أصطفيت عيني عن الأعين ، حتى شوهدت لي الشمس ليلًا .
 
2900 - وكان ذلك من لطفك المعروف أيها البهى ، " إذ " - " كمال البر في إتمامه " .
- " يا رب أتمم نورنا في الساهرة ، وانجنا من مفضحات قاهرة " « 1 »
- ولا تجعل حبيب الليل مهجوراً في النهار ، ولا تبتل بالبعد الروح التي شاهدت القرب .
- فالبعد عنك موت ذو ألم ونكال ، وبخاصة البعد الذي يكون بعد الوصال .
- ولا تتجاهل ذلك الذي قد رآك ، وارو خضرته النامية السامقه .
 
2905 - انني لم أظهر لا مبالاة في المسير ، فلا تقدم أنت أيضاً اللامبالاة عند التعذيب والأذى .
- هيا ولا تسقه بعيداً عن وجهك ، ذلك الذي رأى وجهك مرة .
- فإن رؤية وجه سواك صارت غلافى الحلق ، لأن " كل شيىء ما خلا الله باطل " .
- أنها أشياء باطلة وتبدى لي الرشد ، وذلك لأن الباطل يجذب الباطل .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن
 
« 252 »
 
- وذرة ذرة مما هو موجود في الأرض والسماء ، " جاذبة " لجنسها ، كل منها ، كأنها الكهرمان .
 
2910 - والمعدة تجذب الخبز حتى يستقر ، أما حرارة الكبد فتجذب الماء .
- والعين منجذبة إلى الحسان في الطرقات ، والمخ باحث عن الروائح في الرياض .
- ذلك أن حس العين خلق منجذباً إلى الألوان ، والمخ والأنف تجذبهما الروائح الطيبة .
- ومن هذه الجاذبات ، أيها الإله العالم بالأسرار ، نجنا ، وذلك بجذب لطفك .
- إنك غالب على كل الجاذبين أيها المشترى ، وجدير بك أن تشترى العاجزين .
 
2915 - واتجه إلى الملك كما يتجه الظمآن إلى السحاب ، ذلك الذي كان في ليلة القدر صاحبا للبدر .
- ولما كانت روحه ولسانه ملكا له ، كان وقته معه ، فكان جريئا في الحديث .
- فقال : لقد صرنا كالأرواح في أسر الطين ، وأنت شمس الروح في يوم الدين .
- وقد حان الوقت يا ملكا خفى السير ، أن تحرك من كرمك لحيتك نحو الخير .
- لقد أبدى كل واحد خاصيته ، وتلك " الفضائل " كلها زادت في الشقاء .
 
2920 - لقد قيدت تلك " الفضائل " رقابنا ، ومن تلك " المناصب " نحن منقلبون أذلاء .
- إن هذا " الفن " يشبه من " في جيدها حبل من مسد " ، وليس من هذه الفنون يوم الموت مدد .
- اللهم إلا نفس تلك الخاصية لذلك الطيب الحواس ، الذي كانت عينه في الليل عارفة بالسلطان .
 
« 253 »
 
- كانت كل تلك " الفضائل " غولا في الطريق ، اللهم إلا العين التي كانت عارفة بالملك .
- لقد استحيى منه الملك يوم البلاط ، لأن عينه كانت ناظرة في الليل إلى الملك ! !
 
2925 - وذلك الكلب العارف بملك الوداد ، ينبغي أن يطلق عليه اسم كلب الكهف .
- والخاصية في الأذن تكون أيضاً طيبة ، إذ أنها من نباح الكلب تكون عارفة بالأسد .
- وعندما يكون الكلب ساهرا في الليل كالحارس ، لا يكون غافلا عن قيام الملوك .
- انتبه ، إذ لا ينبغي الشعور بالعار من أصحاب السمعة السيئة ، بل ينبغي أن يتكلف اللب " بتتبع " أسرارهم .
- وكل من صار مرة واحدة سىء السمعة ، لا ينبغي عليه أن يصير ساذجاً ويبحث عن السمعة ! !
 
2930 - وما أكثر الذهب الذي يُسَوّد بالحرارة ، حتى يصير آمنا من السلب والنهب « 1 » .
 
قصة ذلك الثور البحري الذي أخرج لؤلؤة شاهانية من قاع البحر . . .
وكان يضعها ليلا على ساحل البحر ويرعى في ضوئها وإشعاعها ،
والتاجر الذي يخرج من مكمنه فيخفى الجوهرة بالطمى الأسود والطين الكدر ويهرب أعلى شجرة . . . إلى آخر القصة ، والتقرير
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 218 :
- وكل من يخطوة في أسرارنا ، افتح كلتا عينيك وتعال صوبنا .
 
« 254 »
 
- أخرج ثور بحرى لؤلؤة من البحر ، ووضعها في مرج وأخذ يرعى حولها .
- وفي شعاع نور الجوهرة ، كان الثور البحري يرعى السنبل والسوسن مسرعاً .
- ومن هنا فإن فضلات ذلك الثور من العنبر ، لأن غذاءه النرجس والنيلوفر ! !
- وكل من يكون قوته نور الجلال ، كيف لا يتولد من شفتيه السحر الحلال ؟ .
 
2935 - وكل من كان له مثل النحل نفلا من الوحي ، كيف لا يكون منزله مليئا بالعسل ؟ !
- إنه يرعى في نور الجوهرة ذلك الثور ، ثم يبتعد عن الجوهرة فجأة .
- فيضع أحد التجار الطمى الأسود على اللؤلؤة ، حتى يصير المرج وموضع الخضرة مظلماً .
- ويهرب التاجر فوق شجرة ، والثور باحث عنه بقرنه الحاد الشديد .
- ويطوف ذلك الثور مسرعا عشرين مرة حول المرج ، حتى يطعن ذلك الخصم بقرنه .
 
2940 - وعندما ييأس " من العثور عليه " ذلك الثور ، يعود إلى حيث كان قد وضع الجوهرة ! !
- فيرى الطمى فوق الدرة الملكية ، فيهرب من الطين وكأنه إبليس .
- فإبليس ذلك كان أعمى وأصم عما في داخل الطين ، ومتى يعلم الثور أن في الطين جوهرة ؟ !
- إن الأمر ب " اهبطوا " ألقى الروح في الحضيض ، وجعل من تلك الحائض محرومة من الصلاة ! !
 
« 255 »
 
- فيا أيها الرفاق . . . " اتقوا ذلك المقيل وهذا المقال ، فإن الهوى حيض الرجال " « 1 » .
 
2945 - لقد ألقى الأمر ب " اهبطوا " بالروح في البدن ، حتى خبئت في الطين الدرة العدنية .
- فالتاجر يعرفها لكن الثور لا يعرفها ، يعرفها أصحاب القلوب وليس كل منقب في الطين .
- وكل طين يكون في داخله جوهر ، يكون جوهره منبئاً عن طين آخر .
- وذلك الطين الذي لم يجد نورا من رش الحق ، لم يتحمل صحبة أنواع الطين المليئة بالدر .
- إن هذا الكلام لا نهاية له وفأرنا ، على شاطىء الجدول ينتظرنا منتبهاً ! !
 
العودة إلى قصة طلب ذلك الفأر لذلك الضفدع على شاطىء الجدول وجر طرف
الخيط حتى يعلم الضفدع وهو في الماء أنه يطلبه
 
2950 - إن ذلك المعجون بالعشق يشد الخيط على أمل وصل الضفدع ذي الرشد .
- إنه ينسج حول خيط القلب لحظة بلحظة قائلًا : لقد حصلت على بداية الخيط أي " أول المقصود " ! !
- والقلب والروح صارا كالخيط في الشهود ، منذ أن أبدى أول الخيط وجهه لي ! !
- فجاء غراب البين فجأة لصيد الفأر وحمله من ذلك المكان .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
« 256 »
 
- وعندما حلق الغراب بالفأر في طباق الجو ، انسحب الضفدع أيضاً من قاع الماء .
 
2955 - والفأر في منقار الغراب ، والضفدع أيضاً معلق في الهواء قدمه في الخيط .
- وأخذ الناس يقولون : كيف صاد الغراب ضفدعاً مائيا من مكره ومن كيده .
- وكيف غطس في الماء ؟ ! وكيف اختطفه ؟ ! ومتى يكون الضفدع المائي صيدا لغراب ؟ !
- وأجاب الضفدع : هذا جزاء من يكون قرينا لخسيس مثل من لا كرامة لهم .
- فالغياث من الرفيق من غير الجنس الغياث ، فابحثوا عن جليس طيب أيها العظماء .
 
2960 - والعقل مستغيث من النفْس كثيرة العيوب ، مثل أنف قبيحة على وجهه جميل .
- فكان العقل يقول للضفدع : إن التجانس يقينا عن طريق المعنى وليس عن طريق الماء والطين .
- انتبه ولا تصر عابدا للصورة ولا تقل هذا القول ، ولا تبحث في الصورة عن سر التجانس .
- فالصورة شأنها شأن الجماد وشأن الحجر ، وليس لجامد خبر عن التجانس .
- والروح كالنملة والجسد كحبة القمح ، تجذبها من ناحية إلى أخرى كل لحظة .
 
2965 - وتعلم النملة أن هذه الحبة التي تحملها ، سوف تتحلل وتصبح من جنسها .
 
« 257 »
 
- ونملة أخرى التقطت حبة شعير من الطريق ، ونملة ثالثة حملت حبة قمح مسرعة .
- والشعير لا يسرع نحو القمح ، لكن النملة تسرع نحو النملة بلا جدال .
- وذهاب الشعير نحو القمح تابع لهذا " الذهاب " ، فانظر إلى النملة تعود إلى مَنْ من جنسها .
- فلا تقل أنت : لماذا جنحت حبة الشعير نحو حبة القمح ، ضع عينيك على الخصم لا على الرهينة ! !
 
2970 - إن النملة السوداء على طريق أسود ، النملة مختفية والحبة ظاهرة ، تتقدم الطريق .
- ويقول العقل للعين انظرى جيداً ، متى تسير الحبة قط دون حامل للحبة ؟ !
- ومن هنا جاء الكلب نحو أصحاب الكلب " الكهف " ، فالحبوب هي الصور والنملة هي القلب .
- ومن هنا يتجه عيسى عليه السّلام نحو أطهار القلب ، فالأقفاص مختلفة والأفراخ من جنس واحد .
- إن هذا القفص ظاهر وفرخه خفى ، ومتى يكون القفص سائراً دون حامل للقفص ؟ !
 
2975 - وما أسعد تلك العين التي يكون العقل أميراً عليها ، تكون ناظرة للعواقب عالمة مستقرة ! !
- فاستنبطوا الفرق بين القبيح والطيب من العقل ، لا من العين التي تحدثت عن الأبيض والأسود .
- لقد خدعت العين بخضراء الدمن ، ويقول العقل : اعرضها على محكنا .
 
« 258 »
 
- وآفة الطائر العين التي ترى الشهوة ، ونجاة الطائر من العقل الذي يرى الشبكة .
- وكانت هناك شبكة أخرى لم يدركها العقل ، فانظر إلى وحى الغيب ، من هنا أسرع ذلك الصوب ! !
 
2980 - وتستطيع أن تعرف المتجانس من غير المتجانس عن طريق العقل ، ولا ينبغي الهجوم سريعاً نحو الصور ! !
- وليس التجانس بالصورة لي أو لك ، خلق عيسى عليه السّلام بشراً ، لكنه كان من جنس الملائكة ! !
- فجذبه إلى ما فوق هذه القلعة الزرقاء ، ذلك الطائر الفلكي ، كما جذب الغراب الضفدع .
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:24 pm

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة المسافرين الثلاثة على مدونة عبدالله المسافر بالله
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي
قصة عبد الغوث واختطاف الجن له وإقامته سنوات بين الجن ومجيئه إلى بلده وأهله
بعد سنين ثم عدم تعجبه من الجان تحكم بحكم التجانس في المعنى واتحاد قلبه معهم
- كان عبد الغوث من جنس الجان ، إذ كان كالجن ، بقي تسع سنوات في طيران خفى .
- لقد أنجبت زوجته من زوج آخر ، وتحدث ورثته في مجالسهم عن موته .
 
2985 - وتساءلوا : ترى هل افترسه ذئب أو قاطع طريق ؟ ! أتراه سقط في بئر أو في كمين ؟ ! 
- وانشغل أبناؤه بأمورهم ، ولم يكونوا حتى يتحدثون بأنه كان لهم أب .
- وبعد تسع سنوات جاء لكن كالعارية ، ظهر ثم توارى مرة ثانية .
- نزل ضيفا على أولاده لمدة شهر ، وبعد ذلك لم ير له أحد وجهاً ! !
 
« 259 »


- لقد حمله من هم من جنسه من الجان ، مثلما يسلب الروح طعن السنان .
 
2990 - ولما كان من كتبت له الجنة من جنس الجنة ، صار من هذا التجانس عابداً لله .
- ألم يقل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : اعلم أن الجود والمحمدة هما غصنان من الجنة نزلا إلى الدنيا ؟ !
- فاعلم أن كل ألوان الرحمة هي من جنس الرحمة ، واعلم أن كل أنواع القهر من جنس القهر .
- واللامبالاة تجلب اللامبالاة ، ذلك أنها من جنس واحد بمقياس العقل .
- كان في إدريس عليه السّلام تجانس مع النجوم ، فظل مصاحبا لزحل ثماني سنوات .
 
2995 - كان رفيقا له في المشارق والمغارب ، كان نجيه وموضع أسراره .
- وعندما جاء بعد الغيبة ، أخذ على الأرض يلقى الدروس عن النجوم ! !
- وكانت النجوم مصطفة صفا حسنا أمامه ، وكانت الكواكب حاضرة في درسه .
- حتى أن الخلق من خواص وعوام ، كانوا يسمعون أسرار النجوم .
- وجذبُ التجانس جذب النجوم حتى الأرض ، وجعلها أمامه تفصح وتبين .
 
3000 - وكل واحد منها باح له باسمه وأحواله كما يشرح المرصد .
- ما هو التجانس ؟ ! أنه نوع من النظر ، به يجد كل منهما طريقه إلى الآخر !
- وذلك النظر الذي أخفاه الحق فيه ، عندما يضعه فيك تصير متجانسا معه .
- فما الذي يجذب الجسد نحو كل صوب ؟! إنه النظر ، ومن الذي يجذب الغافل ؟! إنه العالم .
- وعندما يضع في الرجل طبع المرأة ، يصير مخنثاً ، يُنكح ! !
 
« 260 »
 
3005 - وعندما يضع الله في المرأة طبع ذكر، تصير طالبة للمرأة، تلك المرأة المساحقة !!
- وعندما يضع فيك صفات جبريل ، تبحث عن الطريق إلى الهواء كفرخ الطير ! !
- تركز بصرك على الهواء منتظراً ، تصير غريبا عن الأرض عاشقا للسماء .
- وعندما يضع فيك الصفات الحمارية ، فأنت مكتظ " بالطعام " في الإصطبل ، ولو كان لك مائة جناح .
- إن الفأر لم يحقر من أجل صورته ، لقد صار من خبثه مستضعفاً للهرة ! ! .
 
3010 - إنه باحث عن الطعام اللذيذ وخائن وعابد للظلمة ، وهو ثمل من الجبن والفسدق والدبس .
- وعندما يكون طبع الفأر في البازي الأشهب، يكون عاراً على الفئران وعاراً على الوحوش.
- وطبع هاروت وماروت يا بنى ، عندما بدل وأعطاهما طبع البشر ؛
- سقطا مما قيل في شأنه لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، منكسين مقيدين في بئر بابل .
- وابتعد اللوح المحفوظ عن أنظارهما ، وصار لوحاً لهم الساحر والمسحور ! !
 
3015 - هذا والجناح لم يتغير والرأس لم يتغير والجسد لم يتغير ، 
ومع ذلك فموسى عليه السّلام على العرش وفرعون مهان ! !
- فاسع في أثر الطبع وجالس حسن الطبع ، وانظر إلى تقبل زيت الورد للطبع .
- وإن تراب القبر ليجد من المرء الشرف ، حتى يضع القلب على قبره والوجه ، والكف ! !
- فإذا كان التراب من جيرة الجسد الطاهر قد شرف وحاز الإقبال ! !
 
« 261 »
 
- فقل أنت أيضاً : الجار ثم الدار ، فإن كان لك قلب ، أذهب وابحث عن صاحب قلب .
 
3020 - إن ترابه ليصبح في نفس سيرة الروح ، ويصير كحلا في أعين الأعزاء .
- ورب ثاو في قبره كأنه التراب ، أفضل من مائة حي في نفعه وانتشاره !!
- لقد انحسر ظله ، وترابه ذو ظلال ، ومئات الآلاف من الأحياء تحت ظله .
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: شرح قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:25 pm

شرح قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة المسافرين الثلاثة على مدونة عبدالله المسافر بالله
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
شرح قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي
يدرك مولانا أن الحديث سوف يتجه منه إلى وجهة أخرى ، وها هو الحبيب يجرى من آذاني ، ينبهنى ، يأمرني بأن اكشف عن الأسرار ، فلن تكشف ،
وربما حاق بك الأذى ، مثلما حاق بآخرين كالحلاج مثلا الذي ابتلاه الله بالشنق لأنه وضع الأسرار أمام من لا يستحقونها ( استعلامى 6 / 334 ) ،
لكني أنا الذي أقول وأنا الذي اسمع ، فمن يقول أنني أبوح أمام أحد بالأسرار ؟ ، 
لكن هيا تحدث عن مشقة الطلب ، وعن قسوة الطريق وآلامه ، وعن صاحب الكنز ، فإن همم من يجلسون إليك ، لا تصل إلى ما هو أكثر من هذا ، فهم يتجرعون من سم الدنيا القاتل كأساً بعد كأس ، وحرمت عليهم الراحة ، وهم يزيدون في آلام أنفسهم ، وكل ما يقومون به من عمل إنما يقومون به من أجل ابتعاد أكثر وأكثر عن عين الراحة ، عين الفيض الإلهى والمعاني السامية ، وكل هذه السدود واهية لا تدوم ، فهل تستطيع قبضة من التراب أن تطمس البحر الإلهى ؟! 
إن هذه العين الفياضة بالمعاني لا تزال تقول : أنا معكم ، متصلة بكم ، ومتصلة به في ذات الوقت ، ومائي لا نفاد له ، فماذا حدث لكم ؟ ! أيأكل المرء التراب ويترك الماء ؟ !
 
( 2285 - 2294 ) : فافتح عينيك إذن ، ما دمت قد عرفت أن أمراض العين تكون من قهر الله ، وأن غشاوة الختم من غضبه تعالى عليك ، وانظر أي شئ اتخذته بدلا ، بئس ما اخترت ، لكن إياك أن تيأس ، فإذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه وأنسى ذلك جوارحه ومعامله من الأرض حتى يلقى الله وليس عليه شاهد بذنب ( جامع 1 / 22 ) ، ( التفصيلات انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس 1835 - 1858 وشروحها ) .
 
ولا يزال الناس شرهم إليه طالع وعطاؤه إليهم نازل ، يجازى البعاد بالوداد ، ولا يزال يدعو مسئ النهار ليتوب بالليل ومسئ الليل ليتوب بالنهار ، فتتفجر الأشواك بالبراعم والورود ، ويكون قرن الحية تميمة للمحبة ( في معتقد القدماء ) ( استعلامى 6 / 335 ) ويجعل الرمل طحيناً للخليل ( انظر الكتاب الثاني - البيت 382 والبيت 220 ) ويؤوب الجبل مع داود ( انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية 1471 - 1474 وشروحها ) إن الله سبحانه وتعالى يعطى أولياءه العوض من لدنه عن أذى الخلق ونفورهم .
 
( 2295 - 2306 ) : ها هو الفقير يجأر إلى الله تعالى بالشكوى وولى الاظهار أي
 
« 540 »
 
مبدي الأسرار ، إن ما حدث قد حدث من شيطان العجلة ، لأن " التأنى من الرحمن والعجلة من الشيطان " ( انظر البيت 2399 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، وإحراق الفم للتعجل في أكل أقدر مثل فارسي سائر ، إن حكاية الكنز كلها من إلهام الله ، ولا يستطيع أن يحل هذه العقدة سوى من عقدها أي الله تعالى ، إنه كلام سهل ، لكن معانيه بعيدة الغور ،
فمتى تكون المعاني الإلهية سهلة ، إن حقيقة كلام الحق يمكن إدراكها بإلهام الوحي لا بالتفسيرات الصورية ، ويبدي الفقير يأسه : تراه لم يكن مجيدا في الدعاء ومخلصا فيه ليس أمامى إلا أن ائتلف مع حياة الفقر ، إن أي ثبات على الدعاء وعلى العبادة إنما يكون منك أنت ، هو انعكاس لمشيئتك
 
( عن الانعكاس انظر البيت 3252 - 3256 وشروحها من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ونفس هذه المشيئة هي التي تسيرنا في النوم ، وحفظ الله يحفظنا ونحن بلا حول ولا قوة ، ونحن نيام وعهدنا مع الله وعهد الله معنا باق ، فلا نحن نرد " ببلى " حين يقال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ( انظر سورة الأعراف / 172 ) ومع ذلك فهو بربوبيته يحفظ علينا عبوديتنا .
 
( 2307 - 2319 ) : يستمر كلام الفقير بحسب السياق ، لكن المخاطب في الحقيقة هو مولانا جلال الدين ، والليل ليل الاستتار والنهار نهار التجلي ، والليل كأنه ظلمة باطن الحوت ، تستكين فيه الأجساد والنفوس ، وتهاجر الأرواح وتحلم كما يحلم الفيل بالهند ، ( الموطن الأصلي ) ، لكن الله سبحانه وتعالى يرد الأرواح إلى الأجساد بمشرق الشمس ،
 
( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الأبيات 1722 - 1740 ) ، ويفنى في ضوء النهار كل ما صنعته تدابيرنا ( إذا طلع الصباح بطل المصباح )
ونعود إلى حياتنا المادية ، وننطلق في التسبيح مثلما انطلق يونس عليه السّلام في التسبيح عندما خرج من بطن الحوت ( الأنبياء 87 / 88 ) بل كان يونس يسبح وهو في بطن الحوت ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4515 - 4519 وشروحها ) وتدرك مع ذلك أن الليل
 
« 541 »
 
كان رحمة بك ، فأنت في كنفه سبحانه وتعالى دون حول منا أو قوة ، وكنا نظن أنفسنا في ضلال ، مثلما كان موسى عليه السّلام يظن نار الطور نارا وهي نور ، ونحن يا إلهي نعانى من البحر الذي يحط عليه الغثاء أي البصيرة التي تحط عليها المادة ( انظر 809 و 810 من الكتاب الذي بين أيدينا ) بيد أن سحرة فرعون بمجرد إيمانهم أدركوا الحقيقة ، ففرحوا عندما قطعت أيديهم وأرجلهم ( لتفصيل الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، من 1723 إلى 1735 وشروحها والترجمة العربية للكتاب الخامس من 1311 - 1314 وشروحها ) .
 
( 2320 - 2330 ) : ( عن ترك المسبب والتعلق بالسبب أي التشبث بالأسباب الظاهرية للأشياء انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 3152 - 3160 وشروحها ) ،
لكن هذه القاعدة قاعدة المسبب والأسباب لا تنطبق على أولياء الله أو من يعبر عنهم مولانا باسم الأصحاب ، لأن الله سبحانه وتعالى يسبغ عليهم لطفه فيكونون في صدر الخليقة دون هذه الأسباب التي يظن الخلق إنها أسباب الرفعة ، ولماذا أولياء الله فحسب ؟ ! إنما يصل عطاءه إلى المستحق وغير المستحق ، إنهم يهبهم حريتهم ( الحرية الحقيقية في العبودية لله وحده ) ،
 
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي في أعناقهم ، وإلا فإن خلعة الروح موهوبة منه لكل حي ، ومتى كان مستحقا لها في العدم ،
 
( دون أن تصدر منه طاعة أو يزاول عبادة ) ثم يوجه مولانا الدعاء لله تعالى : إنك أنت يا إلهي الذي حولت الأعداء إلى أصدقاء ، وأسبغت على الشوك أكمام الورود ، فاجعل يا إلهي من هذا التراب خصبا ذا ثمار من الفكر والعمل ، واجعل مرة ثانية شيئا ممن لم يك شيئا وخلقته ، إن الدعاء منك أيضاً يا لله فأنت القائل :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
( انظر أيضاً البيت 2217 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) وفي ليل الدنيا ، نحن سفن كسيرة ، تسيرها في بحار رحمتك فتملأها بعطاياك، ( ومن هذا الدخل يكون الإنفاق بالنهار).
 
« 542 »
 
( 2331 - 2342 ) : لا ينبغي أن تفهم من الأبيات أن مولانا من المؤمنين بالجبر ( عن القضية بالتفصيل انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) ، إن قدرة الحق مسلطة على الكون كله ، وهذا ليس جبرا بل معنى الجبروت " ( البيت 621 من الكتاب الأول ) والكلام هنا أيضاً عن الجبروت ، ففي غفلة الخلق ، لا غنى عن رحمة الحق ، ولا قيمة هناك لرأى أو لفن ، ولا نجاة إلا بالدعاء ، إنني مجرد كالألف ، وباطني كحلقة الميم ضيقة من الفراق والشوق ، وإذا كنت ضعيف الروح ، فأية استقامة تأتيتى من الوعي بالبدن ، إنها النفس تطل بمطالبها ، والغفلة وانعدام الوعي اشتغال النفس بهذه الدنيا ، أما العقل واليقظة فإشارة إلى اشتغال الروح بعالم المعنى ، والسالك بينهما في تأرجح والتواء ، ويوجب البعد من حيث ظن السالك انه قرب ، فادع وأنت تحس بالإملاق ، وليس معنى الإملاق هنا هو الإملاق المادي بل الإملاق والفقر بكل صروفه وألوانه .
 
( 2343 - 2353 ) : العريان هنا هو من لا يمتلك شيئا ، ولكي تكتمل أيضاً صورة الغرق في الدمع ، ولا عين لي : أي أحس بالحياء أمامك ، إنه يطلب الدعاء الباكي ، فإذا كان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قال [ اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلب بذروف الدمع من خشيتك قبل أن تكون الدموع دما والأضراس جمراً ] ( مولوى 6 / 334 ) ،
 
إذا كان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ما ماله من سبق قد قال هذا ، فما بالك بي - الحقيقة ما بالك بنا - نحن الغارقون في غفلة الدنيا حتى رؤوسنا ؟
 
إن هذا التمني من الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم من الممكن أن يكون شفاعة لكل أمة وقطرة واحدة من هذا الدمع كافية لنجاة الإنس والجن ، إذا كان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وهو روضة من رياض الجنة قد طلب الدمع مع عدم حاجته إليه ، فما بالك بك وأنت الأرض البور التي تحتاج بالفعل إلى هذا الدمع ؟
 
إن حرصك على نعم الدنيا هو الذي يجعلك بعيدا عن هذا المعنى ، فأنفض يديك منه ، وداوم على الدعاء فما علاقتك بقبول الحق أورده ، ألم تسمع قوله تعالى في الحديث القدسي : [ عبدي أطعني على ما
 
« 543 »
 
أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ] ( مولوى 6 / 335 ) ، فكر في نعم الآخرة التي لا ينضجها إلا دمع العين .
 
( 2360 - 2382 ) : يعلق مولانا على ما حدث للفقير الذي أخذ يشد القوس عند إطلاق السهم بكل قوته مع أن الأمر كان ضع سهما في القوس ثم اتركه يسقط ، ولم ترد كلمة الشد ، هكذا كل من يطلبون الله ( الكنز الحقيقي ) بطرق ملتوية وبعيدة ، إنه أقرب إليك من حبل الوريد ، وكلما أطلقته بعيداً طاش سهمك وابتعدت عن الحقيقة ( انظر تعليقات البيت 1842 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ويذكر الأنقروى رباعية :الحبيب أقرب إلى منى * والأعجب أنى بعيد عنه
/ ماذا أفعل ومع من أستطيع أن أتحدث * فهو إلى جواري وأنا مهجور عنه( 6 - 2 / 56 - 57 ) ويستشهد جعفري ( 14 / 129 )
 
 بهذه الأبيات لحافظ الشيرازي :
لسنوات والقلب لا يفتأ يطلب منا كأس جمشيد * إنه يطلب من الغريب ما هو في حوزته .
والجوهرة الخارجة عن صدف الكون والمكان * تطلب من التائهين على ساحل البحر .
ومسلوب القلب الذي يكون معه الله في كل حال * لم يكن يراه وينادى من على البعد يا الله .
ومن هنا فأن من يطلب الحقيقة عن طريق الفلسفة يكون ظهره دائما إلى الكنز كلما جد في الطلب كلما زاد ابتعاده ، والله تعالى يقول : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا( العنكبوت / 69 )
 
ولم يقل " جاهدوا عنا " وما أشبههم جميعا بكنعان بن نوح ، كانت السفينة في متناول يده ، وكان أبوه يدعوه ، وكان هو يسعى نحو الجبل ليكون فيه
 
« 544 »
 
هلاكه ، فهل تتعظ جبال " الفكر " و " قمم " الفلسفة ؟ إنه يهلك نفسه ، ويعمل فكره ، ويقضى عمره ولا يصل إلى شئ ، فالتعب رخيص على روح الجاهل ، فالجاهل هو الذي يشعر بالعار من التعلم ومن سؤال المرشد ويستقل بصنعة قبل أن يتعلم دقائق الصنعة ( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الأبيات 1421 - 1429 وشروحها )
 
هذا التذاكى حجاب في الطريق ، فدعك من التذاكى وقدم الانكسار ، فالله تعالى قال في الحديث القدسي : [ أنا عند المنكسرة قلوبهم ] ، وكل علماء المدرسة هؤلاء غيلان في طريق الحق ، ( الغول في المأثور الفارسي مخلوق أسطورى يضلل السائرون في الصحراء ويجعلهم يحيدون عن الطريق ) ومن هنا قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ أكثر أهل الجنة البله ] ،
 
أي أولئك الذين يتركون التذاكى ، ولا يرون لأنفسهم فضلا ولا جهدا ( لتفسير معنى البله عند مولانا انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1418 - 1424 وشروحها ) إن كل التذاكى يكون من أجل المنافع الدنيوية ، أما التسليم والتواضع وإنكار فضل النفس إنما يكون من البله الذين يعتبرون أنفسهم أطفالا رضع أمام الأم ( انظر الأبيات 699 - 703 و 3112 من الترجمة العربية للكتاب الخامس ) .
 
ومن دعاء نقله الانقروى :
[ اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك ] والحديث النبوي : [ من انقطع إلى الله كفاه الله سائر مؤنته ورزق من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ] ( 6 - 2 / 13 ) .
 
( 2383 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في مقالات شمس ( مآخذ / 210 ومقالات شمس نسخة موحد 2 / ص 54 ) .
 
والحكاية مليئة بالإيحاءات ، فاليهودي والمسيحي والمسلم الذين ترافقوا في سفر جياع ، وعندما يرزقون رزقا ، فإن أول ما يفكر فيه اليهودي والمسيحي هو أن يتكاتفا معا من أجل أن يحرم المسلم ويظل جائعا ولا ينجو المسلم إلا بالمبادرة ، وإلا بأن يفوت الفرصة على اليهودي والمسيحي ويحرمهما معاً ، وهكذا الدنيا مليئة بغير المتجانسين الذين ينبغي عليهم التعايش معا ، مثلما يتعايش العقل مع النفس


« 545 »
 
والشيطان في الإنسان الواحد وينتصر عليهما ، انتصر المسلم على المسيحي واليهودي ، أو هكذا يجب .
 
( 2391 - 2401 ) : بالموت يتفرق الجميع ، وتطير الطيور المحبوسة في سجن الدنيا ، كل يطير مع من هم من جنسه ( مثل فارسي ) يحركه جناحان : شوقه إلى منبته وأصله أي الجنة ، وذكرى إقامته فيها قبل أن يهبط إلى سجن الدنيا ، وكل يعود إلى حيث كان يشتاق ، " الناس كما يعيشون يموتون وكما يموتون يبعثون " وكل عنصر من عناصر البدن يعود إلى أصله ، ما هو من التراب إلى التراب ، وما هو من رب الأرباب إلى رب الأرباب ( انظر لتفصيل الفكرة الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4439 وشروحها ) .
 
 وما مكوثنا في الدنيا إلا لتجمدنا من علائقها ونعيمها ، ثم تفتت تلك الأجزاء ، وتذوب الثلوج بسطوع شمس الحقيقة ، وتتحرك الجمادات ويمضى كل إلى أصله ( 2403 ) : في المتن من مطبخ " إني قريب " إشارة إلى الآية 186 من سورة البقرةفَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِوالمراد أن المهدى سبب والرزق كله من الله سبحانه وتعالى ، والأبيات العربية إشارة إلى حديث نبوي [ الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر ] ( أحاديث مثنوى / 206 ) .
 
( 2417 - 2420 ) : يحتج اليهودي والمسيحي على المسلم الذي يقترح القسمة بقول مأثور قال بعض المفسرين انه حديث نبوي ( ! ! ) وهكذا يحتجان بقول مسلم من أجل خداع المسلم ، ويجيب المسلم بأن المقصود بالقسام الذي يقسم نفسه بين هوى الدنيا والآخرة ( فالدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا )
 
وهذا أي قسمة العبد نفسه بين دينه وهواه إشراك ، كان منطق المسلم مستقيماً ، فليأخذ كل نصيبه يأكله أو يدخره للغد فهذا شأنه ، لكن النوبة كانت نوبتهما إن كانت القوة والغلبة لهما بحكم انهما اثنان لا بد أن ينزل على رأيهما .
 
« 546 »
 
( 2426 ) : ( لتسبيح الجماد وعبادته ، انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات :
1008 - 1027 والكتاب الأول الأبيات 515 - 520 و 842 - 2120 وشروحها ) .
 
( 2438 ) : النور الأخر هو تجلى ذات الحق التي انحمى فيها الطور وموسى عليه السّلام وذلك اليهودي ( استعلامى 6 / 362 ) الحالم .
 
( 2452 ) : إشارة إلى الآية الكريمةقالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ، قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي( الأعراف / 143 ) .
 
( 2457 - 2459 ) : اليهودي المقيم على دينه الذي يحلم بموسى عليه السّلام يهودي محمود العاقبة ، أي قد يدرك إن فهم الديانة الموسوية على حقيقتها حقيقة خاتم الأنبياء ويتبعه ، ومن هنا فمن الواجب ألا تحتقر كافرا ، فمن يدريك بعاقبته ، وإلام سينتهى ؟ ! [ إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم عمله بعلم أهل النار وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعلم أهل النار ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة ] ( جامع 1 / 79 ) .
 
( 2460 - 2463 ) : يزايد المسيحي على اليهودي ، فينقل رؤياه على الأفلاك حيث الفلك الرابع مثوى عيسى عليه السّلام في المأثور الإسلامي ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 5755 - 5767 وشروحها ) والمقصود بفنون الفلك قدرته .
 
( 2466 ) : توحى حكاية اليهودي والمسيحي والمسلم والتسابق في أهمية الرؤيا لمولانا بحكاية أخرى وردت شبيهتها في سندباد نامه ، كما ورد في نثر الدر للآبى " قالوا وجد بعير وأرنب وثعلب جبنة فاصطلحوا على أن تكون لأكبرهم سنا ، فقال الأرنب : إني ولدت قبل أن خلق الله السماوات والأرض ، فقال الثعلب صدق وإني شهدت ولادته ، فأخذ البعير الجبنة ، وقال : من رآني يعلم أنى لم أولد البارحة ، ( عن مآخذ فروزانفر ، ص 210 ) .
 
( 2467 ) : إشارة إلى الحديث المنسوب إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم " كبروا الكبر " ( انظر البيت 2050 من الترجمة العربية ، للكتاب الرابع ، ولمولانا موقف آخر في تعريف
 
« 547 »
 
الشيخ انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 2160 - 2168 وشروحها ) ، وهناك حديث نبوي آخر [ ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا ] .
 
( 2472 ) : لم يهتم أحدٌ من مفسري المثنوى بالبحث عن أصل الحكاية الواردة تحت عنوان " مثل " .
( 2489 ) : هذه قمة في فكر مولانا جلال الدين الواقعي الذي يهديه إلى كل المتشدقين بالتاريخ الذهبي والأمجاد الماضية ، إن الذي يفوز في النهاية هو الأقوى ، فما حاجة الجمل إلى التاريخ أمام البقرة وأمام الكبش ، إنما يحتاج الضعيف إلى التاريخ ليثبت لنفسه حقوقا لا يستطيع أن ينالها .
 
( 2505 - 2506 ) : لقد نفج اليهودي والمسيحي في الفضل ، وتذاكيا على المسلم ، لكن المسلم كان قد بادر وأكل الحلوى فما حاجته إلى الصعود إلى السماء ، أو رؤيا الجبال التي تذوب وتنشق ؟ إنه كن في حاجة إلى الحلوى ، أكلها والسلام ، هذا الدرس العميق يقدمه جلال الدين الذي قدمه الغرب لنا كصوفى غارق في رؤى السماوات ، وكأنه كان يوجهه إلى مسلمى اليوم الغارقين في أحلام الماضي ورؤى المجد الذي ضاع ، واليهودي والمسيحي يغيران على أملاكهم وأموالهم وأرضهم وإنتاجهم وهم لا يقفون ولا يبادرون ، وها هو اليهودي والمسيحي يعترفان بأن هذه هي الرؤيا الصادقة حقيقة ، إن حلمه حقيقة وواقع ملموس .
 
( 2507 - 2516 ) : يعود مولانا جلال الدين إلى الدروس وكأنه يفر من الموضوع إلى ما فجر القصة في الأصل ؛ عيب التذاكى والتظاهر بالمهارة وعرض الفضل ، إنك لست مخلوقا لهذا ، إنك مخلوق للعبادة ولمعرفة اللهوَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( الذاريات / 65 ) ، وإن هذه المهارة وهذا التذاكى لا يعنيان شيئاً في طريق الحق ( انظر 1403 من الكتاب الرابع ) وانظر إلى الأذكياء من قبلك : السامري الذي صنع العجل
 
« 548 »
 
الذهبي وأغرى بني إسرائيل بعبادته ، وقارون الذي أتقن صنعة تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة ، وأبى جهل الذي وقف أمام دعوة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ، وانظر إلى نهاياتهم ، لقد رأى موسى عليه السّلام بفضله النار عيانا لم يعرفها عن طريق الاستدلال ، أليس الطبيب يستدل على المرض من البول والبراز فياله من دليل نتن ، إن مجرد استنادك على الدليل يجعلك على عماك مثلما تدل العصا وهي موجودة في يد الأعمى ، وإن صاحب الضجة والجلبة والفتق والرتق وذلك الجاه الدنيوي عندما يصل إلى الحقيقة ،
 
 يقول لك :
اعذرنى فأنا لا أرى ، أتراك تستطيع أن تراها وأنت منغمس في هذا الصخب ؟ ! ( 2517 ) : سيد ملك ترمذ فيما يبدو حاكم مدينة ترمذ في عصر محمد خوارزمشاه ، وما يروى عن سيد ملك ترمز والمهرج " دلقك " ( دلقك بالفارسية تعنى مهرج واعتبرها بعضهم اسما ) ربما من بقايا ذكريات مولانا جلال الدين منذ عهد طفولته ( وقد مرت حكايات عنه في الكتاب الثاني من البيت 2341 والكتاب الخامس من البيت 3509 )
إن لب الحكاية هنا عن موضوع التذاكى والتظاهر بالمهارة مما يوقع المدعى في مشاكل لا حصر لها ، فعندما يطلب سيد ملك ترمذ رسولًا مسرعاً يأتي المهرج على وجه السرعة ليقول إنه لا يستطيع القيام بالمهمة التي يريدها الملك ، غافلا عن الضجة التي أحدثها ، والبلبلة التي حدثت من رؤية المهرج يجد كل هذا الجد ، ثم الشك في أن للأمر ما وراءه من مخاطر محدقة بالمملكة ، والصورة التي يقدمها مولانا في هذا الصدد شديدة الحيوية
 
 كما يشير مولانا ( في البيت 2544 ) إلى سوء سياسة محمد خوارزمشاه مع ولاته ، وعداوته لهم ، وتجريده الحملات التأديبية عليهم مما كان له أثره فيما بعد في انهيار المملكة بسهولة شديدة على يد الغز والمغولي .
 
( 2555 - 2565 ) : إن هذه الضجة التي أحدثها المهرج تذكر مولانا بشئ آخر : أولئك الصوفية الذين لا يعرفون من السلوك أو من التصوف شيئا إلا المظهر والاعلام
 
« 549 »
 
والبيارق والمواكب والولائم ، ومع ذلك فهم يتشدقون بأنهم ذوو فنون في الطريق ، ويتنفجون بالمشيخة ، وكان الواحد منهم أبو يزيد البسطامي في زمانه ، ولا أحد منهم لديه أدنى دليل على أنه مقبول في عالم المعنى ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1740 وما يليها الترجمة العربية للكتاب الخامس من 2436 إلى 2441 )
 
أولئك الصوفية الذين لم يدركوا أمارة واحدة من أمارات الطريق ، ولم يتلقوا إشارة واحدة من الجانب الآخر بأن عباداتهم مقبولة ، ولم ينفتح أمامهم طريق من القلب إلى القلب ، وله أماراته ، تريد أن أحدثك عن هذه الامارات ؟ !
 
 لا . . . لا تكشف لهم الستار عن هذا الباب ، وإلا وصلت دعاويهم إلى ادعاء معرفة .
 
( 2566 - 2574 ) : ها هو الوزير يتدخل لكي يبين أنه أكثر حرصاً على الأمير من حرص الأمير على نفسه ، وليوقع المهرج المسكين في شر أعماله ( وكم من المهرجين ضيعتهم فكاهة في مجلس أو حديث عابر لا يقصد منه شئ ) ، في الانقروى : ويلٌ لمن يحدث فيكذب ليضحك به القلب ، ويل له ويل له ، إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها الناس يهوى لها العبد كما بين السماء والأرض وإنه ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدمه .
 
 ( 6 - 2 / 96 ) . إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث . إن هذا المهرج الداهية لا بد أنه يخفى شيئا وأراد أن يبوح به لكنه غير رأيه ، إن وجهه ينبئ عن مصائب جسام ، وهذا مصداقا الآية الكريمةسِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ( الفتح / 29 ) ، إن الأمر واضح للعيان ، لكن الخبر يكذبه وهذا أدعى إلى الشك والحذر من الشر الكامن في هذا الإنسان .
 
( 2577 ) :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ(الحجرات / 12) .
 
( 2582 - 2584 ) : الطبل هنا رمز على الوجود الملىء بالمتناقضات ، لكن ( الصوت ) هو
 
« 550 »
 
الذي ينبئ عن الطبل ، فارغا كان أو ممتلئا ، مشدودا أو رخوا ، ( انظر البيت 733 من الكتاب الرابع ) وقد يكون الضرب هنا بمثابة الألم الذي يصاب به الإنسان فيجعله يبوح عن مكنون الضمير ، وذلك حتى يطهر المرء ، " فالصدق طمأنينة والكذب ربية ، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، ( مولوى 6 / 361 ) .
 
( 2591 ) : يشير مولانا على لسان المهرج ، إلى قاعدة في تنفيذ الحدود وهي عدم التعجيل في إنزال الحد ، ويفرق بين الغضب على حدود الله ، والغضب من أجل الهوى ، ففي الأول ينبغي أن يتريث السلطان ، وفي الثاني من المفهوم أنه لا يتريث حتى لا يسترضيه أحد .
 
( 2596 - 2600 ) : هب أن البلاء سوف يأتي من ناحيتي ، وهب أنك بالقضاء على سوف تأمن هذا البلاء ، لكن حذار فالقضاء يدخر كثيرا من البلايا المؤكدة غير هذا البلاء المحتمل الذي سوف يأتي من ناحيتي أنا ، فادفع البلاء عنك بالتصدق على روحي ، ألم تسمع قول المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم [ الصدقة ترد البلاء وتزيد العمر ] ، وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ داو مرضاكم بالصدقة ] ( أحاديث مثنوى / 208 ) .
 
وليس من قبيل الصدفة أن تعطل عين الحلم ، فالحلم على من تظنه مذنبا وعدم تعجيل العقوبة له من قبيل الصدفة أيضاً . وعن أبي جعفر رضي الله عنه قال : " البر وصدقة السر ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان عن سبعين ميتة سوء " . ( جعفري 14 / 174 ) .
 
( 2602 - 2604 ) : الحديث بمصطلحات الشطرنج .
 
( 2605 ) :رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ( آل عمران / 191 ) . ولابن الفارض :فلا عبث والخلق لم يخلقوا سدى * وإن لم تكن أفعالهم بالسديدة( عن الانقروى 2 - 6 / 104 )
 
( 2608 - 2614 ) : إن العقاب الذي تنزله بالفقير والمسكين عندما يكون في موضعه


« 551 »
 
إنما ينجيه من بلايا كثيرة ، فقد يرده عن فعل ما يستوجب عقابا أشد وأنكى ، والبيت رقم 1661 تكرار المعاني وردت في الأبيات 4014 - 4020 فارجع إلى الأبيات وشروحها في الترجمة العربية ، وأساسها أن العقاب لا يقع على ذات الشخص بل يقع على الصفة السيئة فيه ، وفكرة شق الجرح لتطهيره من الصديد وردت فيما سبق ضمن أفكار عديدة تعبر عن معنى واحد هو أن من الخراب ما قد يكون عمارة ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2341 - 2353 وشروحها ) .
 
( 2617 - 2629 ) : إشارة إلى الآية الكريمة أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( الملك / 22 ) ، وفي البيتين التاليين يطالب المهرج الملك بان يستشير في أمره ، فمن الشورى يقل الضلال ، والأمر بالشورى تنزل على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فقال له وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر ِومدح المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم ( انظر البيت 1596 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
 واستعانة العقول ببعضها للوصول إلى الحق فكرة تتكرر كثيرا عند مولانا جلال الدين ، وغيرة الحق هي تجلى الحق بالكبرياء والقهر عندما يحول أحد المريدين نظره إلى ما سوى الله والغيرة هنا بمعنى امتزاج التجليات الصورية والمعنوية بحيث تختفى الحقيقة عمن ليسوا بأهل لها ، " وسيروا " إشارة إلى قوله تعالى قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ( العنكبوت / 20 ) .
 
 إلا أن الأمر هنا بالسير للبحث عن رجل الحق حيث يوجد الإقبال والرزق ، وعقل الرسول المقصود به العقل الكامل ، والمقصودون ورثة هذا العقل وهم الأولياء الكاملون ، ولا تخلو الأرض منهم ، فكن بين الناس ودعك من الترهب ، وفكرة أن هناك من بين كل فئة من هو على رأسها فكرة دق عليها ناصر خسرو كثيرا من أجل إثبات الإمامة ( فالإمام هو رأس الصالحين والمجتبى على كل الخلق ) ( ديوان ناصر خسرو ص 173 ) . لكن مولانا يقصد هنا الولاية ( الولاية هي التي حلت محل الإمامة
 
« 552 »
 
عند الصوفية ) ويشتم من هذه الأبيات فكرة عن الإمام الغائب ، وأنه غائب عن الأنظار لكنه موجود بين الخلائق وهو من تأثير الفكر الشيعي الإثنى عشرى ويفصح مولانا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قد نهى عن الرهبانية ( انظر أيضاً البيت 483 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وذلك على أساس أن البحث والطلب يكونان بين الناس ، ودائما اعتبر مولانا الاعتزال نوعا من التنطع الذي لا ينفق مع روح الإسلام ، فاللقاء مع الأولياء هو إكسير البقاء ، ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات ، 592 - 594 وشروحها والبيت 1069 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2630 - 2639 ) : يدق مولانا على فكرة الاجتباء والانتقاء : فالصالحون كثيرون لكن من بينهم من هو أصلح ( طبق ناصر خسرو الفكرة على كل ما في الكون ، انظر الديوان ص 173 ) ،
وهؤلاء الصلح معترف بهم من سلطان البشر ، ومن ثم فالتمس منهم الدعاء لأن دعاءهم مقرون بالاستجابة ،
وهم قبلة البشر ، والتحري عن القبلة مكروه في حالة إعلانها ، ومن ثم فحجة من يجادل الأولياء داحضة ، ومن يولى وجهه عن القبلة المعلومة لا شك أنه يتبع قبلة باطلة ، فلماذا تشيح بوجهك عمن يمنحك التميز وتجلب نفوره منكوَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ. . .حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ( الشورى / 16 ) ،
 
وإنك تجد دائما ما تصبو إليه إذا كنت بين عشاق الحق أولئك الذين يشاركونك الألم ، وإذا اخترت أحدا عنهم كان لك بئس القرين ( الزخرف / 38 ) ،
 
وعند مولانا فريد الدين العطار :
لحظة واحدة من صحبة رجال الله * أفضل من مائة سنة من التقى وفي خطاب الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم :
[ يا علي إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأنواع البر فتقرب إلى الله بأنواع العقل تسبقهم درجة وزلفى عن الله ] ( انقروى 6 - 2 / 109 ) .
 
« 553 »
 
( 2640 ) : يضرب مولانا مثلا عن صداقة عدم المتجانسين وعما تفضى إليه من بلايا بحكاية صداقة الفأر والضفدعة ( انظر عن التجانس وعدمه الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2655 - 2680 وشروحها والبيت 2909 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والقصة مأخوذة عن خرافات ايسوب ( فرزوانفر مآخذ نقلا عن نيكلسون ، ص 211 ) وفي البيت 2644 يشير إلى الحديث " الجماعة رحمة والفرقة عذاب " ( جامع 1 / 145 ) ويترك مولانا القصة فلا يعود إليها في البيت 2637 .
 
( 2646 - 2655 ) : جيشان النطق يعنى انطلاق الكلام ، وفقدان النطق أو انقطاعه يعنى السكون والسكوت ، وحبل الحديث دائما ما يكون متصلا بين الأحبة ، والصمت هو البذي يسود عندما يتجالس الأعداء وهكذا ينشرح القلب عندما يرى الجيب ، ويغرد البلبل عندما يرى الورد ، وهكذا أيضاً عندما التقى موسى بالخضر ، جاشت المعاني وطلب منه موسى أن يبلغا مجمع البحرين ( الكهف / 61 )
أو بتعبير الصوفية نقطة التقاء وجود هذه الدنيا بوجود الحياة الآخرة حيث يكون سر الخلود ، وتعود السمكة المشوية إلى الحياة وتتخذ سبيلها في البحر سربا ( انظر البيت 1970 من الكتاب الثالث ) ،
وبتأثير الولي تكون حياة الخلود للمريد ، واللوح هو باطن رجل الحق تدرج فيه أسرار الوجود ، والمريد يقرأ أسرار الكون في جبهة الشيخ ، والحبيب ( الولي ) هو هادي الطريق ، ومن هنا قال المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم : [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ] لكن لا تجادل ، سلم نفسك له واستسلم ، فالجدل بمثابة الغبار وانظر ، ولا تتحدث فالبصر أولى ، وتوق عثرات اللسان بالصمت ، واستمع إلى أحاديث عالم الغيب .
 
( 2656 - 2672 ) : يواصل مولانا جلال الدين الحديث عن إرشاد رجال الحق بأمثلة من سير الأنبياء صلوات الله عليهم ، بداية من آدم عليه السّلام الذي كان مظهرا للوحي والدليل انه عُلم الأسماء على حقيقتها ، لا بعد أن تلاعب بها البشر ، وأهانوها ، بحيث أصبحوا يطلقون


« 554 »
 
على المخنث اسم أسد ( قد تكون تورية على أساس أن اسم أرسلان وهو أسد بالتركية كان يطلق على العديد من الأمراء في زمانه ) ، ومن بعد آدم كان نوح عليه السّلام مظهرا لهذا الوحي ، ومكث فيهم ألفا إلا خمسين ، قلبه مظهر للوحي ، وهذا دون أن يتعلم فلا هو قرأ الرسالة ( القشيرية ) ولا قرأ قوت القلوب ( لأبى طالب المكي ) فكل ما تعلمه نوح تعلمه عن طريق القلب لا عن طريق الشروح ولا عن طريق التفاسير ، كان الفيض الإلهى هو معلمه ، ذلك الفيض الذي يجعل حتى الأخرس ينطق ، ومنه أيضاً ينطق الطفل ، ولم لا ؟ !
 
ألم يؤت عيسى عليه السّلام هذا العطاء الذي جعله ينطق ، وهو في المهد ؟ !
 
ولم البشر فحسب ، الجبل أيضاً حينما ذاق حلاوة هذا الشراب ، أوب مع داود عليه السّلام ورجع منه الغناء والغزل ( انظر البيتين 2501 و 2834 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ، وانظر سورة الأنبياء الآية 79 ) ، وأي عجب أن يؤوب معه الوحش والطير وقد ألنا له الحديد ؟ !
 
ناهيك بمعجزات سليمان عليه السّلام ، فتلك الرياح التي كانت رجوما على قوم عاد كانت حمالة له ، ناقلة له الأخبار والأنباء .
 
( 2673 - 2676 ) : لقد كررنا هذا الكلام كثيرا وهو كلام بلا نهاية ، فلنعد إلى حكاية الفأر والضفدع ومصباح الوعي أو العقل هنا أي يا مسبباً لنور الروح ( للوعى بمعنى الروح انظر البيت 1455 من الكتاب الرابع والبيت 734 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وتتمدد الصلة بين الفأر والضفدع بأنها علاقة عشق ، وحديث العشاق بأنه أنين .
 
( 2677 - 2693 ) : إن الصلاة مفروضة على عامة المؤمنين لخمسة أوقات ، هي لقاء بين العاشق والمعشوق ، ومن هنا فالعشاق في صلاتهم دائمونالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ( المعارج / 23 ) قال الشيخ الأكبر " وإن كان بين الصلاتين أمور " ( مولوى 6 / 373 ) ، فإن خمار السكر بالخمر الإلهية الذي في رؤوسهم لا يهن أو لا يستقر لا بخمس صلوات ولا بخمسمائة الف صلاة ، والعاشق لا يقنع بالحديث الذي قاله الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم
 
« 555 »
 
لأبى هريرة : [ زر غبا تزدد حبا ] ( جامع 2 / 27 ) ، إنهم أسماك بحر الحياة ، لا صبر لهم عن الماء لحظة واحدة ، فهل يشبع المصاب بالاستسقاء من الماء ؟ ! ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 3190 - 3911 )
 
أنظر : إن حركة العالم كلها قائمة على العشق ، العشق هو الذي يجذب تماسك أجزاء العالم ، وأجزاء البدن ، والأضداد ، العشق هو الذي يحفظ الحياة
( انظر لتفصيلات الفكرة الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4400 - 4423 وشروحها ) . إن العاشق منصرف بكليته إلى المعشوق انصراف وامق إلى عذرا ،
( وامق وعذرا عاشقان أسطوريان في التراث الفارسي القديم وانتقل إلى التراث الإسلامي ونظمها شعرا الشاعر العنصري والشاعر فخر الدين أسعد الجرجاني ) ، فهل يمكن أن يزور المرء نفسه غباً ؟ !
 
العاشق والمعشوق نفس واحدة ، فهل يحب إنسان نفسه على نوبات ؟ ! إن هذا الأمر لا يمكن إدراكه بالعقل ، بل بالموت والفناء حيث يبقى العاشق ببقاء المعشوق ( للبقاء في الفناء انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) وهل من العقل أن تفنى النفس ؟ !
وكيف يطلب منك قتل هذه النفس وهو الرحيم الودود أن لم يكن في قتلها حياة لك ؟ !
 
( 2694 - 2711 ) : يعود مولانا إلى ضراعة الفار للضفدع ، أي فأر وأي ضفدع ، إن الفار هنا رمز للسالك ، والضفدع رمز للمرشد الهادي المقيم في بحر الوجود ، والسالك يعبر عن شوقه ، ذلك الشوق ، الذي يشبه الاستسقاء ، فالمستسقى لا يشبع من الماء ، هو جائع إلى محبوبه ذلك الجوع الذي لا يعرف الشبع ، فجد أيها الغنى بزكاة الجاه ففي الحديث " زكاة الجاه إغاثة اللهفان " ( استعلامى 6 / 352 ) .
 
وذلك لأن " الموت كفارة لكل مسلم " ( انقروى 2 - 6 / 126 ) . فهبني أيها الغنى لست مجدا في الطلب ولا مستقيما في السلوك ، فأين لطفك وشمس رحمتك الساطعة على المستحق وغير المستحق ، إن الشمس تشرق على القمامة ، ولا يصيب نورها ضرر من هذه القمامة ، بل إنها بلطفها تحول هذه
 
« 556 »
 
القمامة إلى وقود يسطع بالنور في الحمامات ، تحولها من نجس إلى زينة ، تجعل من القمامة سماداً ينبت الورود والرياحين والثمار ، هل فهمت إذن معنى تبديل الله السيئات إلى حسنات ؟ ! ( الفرقان / 70 ) ، وإذا كان هذا فعل رحمته ولطفه بالخبيثين فماذا يفعل بالطيبين وعباداتهم ؟ ! إنه يعطيهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( انظر البيت 3408 من الكتاب الثالث ) . 
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: شرح قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:26 pm

شرح قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة المسافرين الثلاثة على مدونة عبدالله المسافر بالله
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
شرح قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي
( 2712 - 2722 ) : لا يزال السالك يتضرع ويتساءل : ما لنا وهذا الحديث ، وما مقدار جدارتى به ؟ وأين أنا منه ؟ إنك أنت فقط إليها الحبيب الذي تستطيع أن تحول قبحى إلى جمال ، وشوكى إلى ورود وسمى إلى شهد ، لطفك فحسب هو الجدير بمحو هذا القبح ، ربيعك هو فقط الذي يستطيع أن يهب الشوك خلعة الورد والحية خلعة الطاووس ، وكل هذا القبح الذي في لا يؤيسنى ، فإنني الجأ إلى منبع الرحمة والعطايا ، " إن شديد القبح يلجأ إلى شديد الجمال " ، ومن فيض لطفك ، سوف تبكى على إذا أنا مت حسرة في سبيل هذا الطلب ، فابك على حاجتي وضعفي وضراعتى وأنا بين الأحياء :فلا الفينك بعد الموت تندنبى * وفي حياتي ما زودتنى زادي


( 2723 ) : العنوان هنا حافل بالمعاني الصوفية وكلها تجرى حول معنى الوقت ، فالسالك يريد أن يلحق بالوقت الذي هو فيه ففي التأخير آفات ، والوقت بمثابة الوالد له ، وهو بمثابة الابن ، والابن دائما ما هو متعلق بطرف ثوب أبيه ، وإلا ضاع ، والأب لا يعرف ابنه ، ولا يؤجل حاجته ، والصوفي لا ينظر للمستقبل كالعوام ، إنه نهرى ، أي كالنهر دائما في جريان وتجدد ، وليس دهريا ، أي لا تجرى عليه الأزمنة من صباح ومساء وماض ومستقبل ،

فكلها أمور رهينة بالعقل ، فهو ابن الوقت أي ليس محدوداً بزمان ، فكل هذه المصطلحات لا توجد في عالم اللازمان واللامكان ، وابن الوقت تعنى نفى الأزمنة ، فهو يعيش في حاضر خالد ، فوقت الصوفي وارد غيبى ومشيئة الله وفعله ولا

« 557 »

فاعل سوى الحق ( استعلامى 6 / 354 ) . ونفى الوقت يعنى نفى الزمان مثلما تعنى الله واحد نفى الأثنينية دون أن تدل على حقيقة هذا الواحد .

( 2723 - 2727 ) : يسوق مولانا لطيفة بهذا المعنى لم يبحث لها أحد المفسرين عن أصل :

ذلك الصوفي الذي قال له أحد الأسخياء هل تحب أن أعطيك درهما اليوم أو ثلاثة دراهم في الغد ، فقال لو استطعت أن تعطيني نصف درهم بالأمس أفضل من مائة درهم في الغد ، إن الصوفي يريد عطاهء حاضرا ، لكنه في نفس الوقت يعطى الجواد درسا في أن الأزمنة لا تعنى شيئا عنده ، تستطيع أن تهب غدا أو أن تهب اليوم ، لكن هل تستطيع أن تهب بالأمس ،

( عطية الله لنا جميعا بالأمس ، في يوم الميثاق ، وفي يوم أن حفظناً نطفا في ظهور أجدادنا يوم الطوفان - انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 331 - 336 وشروحها ) والصفعة النقد أفضل من العطاء النسيق مثلٌ فارسي سائر لكن مولانا يضيف : ليست أي صفعة بل الصفعة من يد الحبيب .

( 2728 - 2734 ) : ظاهر الكلام هنا على أن الفأر يتحدث مع الضفدع ، لكن يبدو أن مولانا جلال الدين قد ترك كل ما يتعلق بالحكاية واستمر في إفاضاته عن جوار العاشق ( المريد ) للمعشوق ( المراد ) ، وروح الروح تعبير عن الخالق ( انظر البيت 1275 من الكتاب الثالث ) فهيا تعال واغتنم هذه اللحظة ( هذا الوقت ) ،

والقمر هو الحقيقة والسراة هم السالكون ، والماء هو المعرفة ، والجدول هو العبد الذي يجرى فيه ماء المعرفة ، والياسمين والخضرة كناية عن تجليات عشق الحق على العبد ، فوجود العاشق دليل على وجود المعرفة ويعبر عنها بالماء المعين ، الحق سبحانه وتعالى قد قال أن سيماء العابدين في وجوههم ( الفتح / 29 وانظر البيت 2573 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( استعلامى 6 / 354 ) قال نجم الدين " سيما المحبين في وجوههم من أثر السجود لأنهم لا يسجدون لشئ من الدنيا والعقبى إلا لله مخلصين " ( مولوى 6 / 381 )

والمرج ينبئ عن المطر حتى ولو نزل بليل ، أي أن الألطاف الإلهية بادية في الخليفة حتى ولو لم ير البشر الإله


« 558 »
 

( 2735 - 2743 ) : يمزج مولانا بين الفأر والضفدع وبين السالك والمراد فتقرب الكنايات من الواقع ، والبحري كناية عن الشيخ الواصل الذي يستطيع أن يعيش في بحر المعرفة والبرى هو الذي لا يزال مرتبطا بالبر أو التراب فهو جسد لا يستطيع أن ينزل إلى بحر الروح ، ولا محيص له من أن ينتظر عطاء المقيمين في بحر الروح ، لكن يجب عليه في البداية أن يكون مقيما بالقرب منهم على شاطىء الجدول، حتى يصل للجسد عطاء الروح.
 
( 2744 - 2748 ) : في هذه الأبيات يفسر مولانا - كعادته - رموز حكاية : فالجسد يحيط بالروح إحاطة الحبل ، فإما أن يصفو ويجذبها إلى السماء ، وإما أن يعكف على الشهوات ويجذبها على الأرض ، أما الروح فهي كالضفدع نائمة مستريحة مسترضية تحت ماء المعرفة فارغة من أذى الجسد ومن شده ومن جذبه ، وبذلك الحبل يجذبها فأر الجسد ، والروح في مرارة من ارتباطها بهذا الجسد ، تعالى مما يشدها إليه ويسوقها إلى معاناته ، وفي جزء من الحكاية سنرى كيف يؤدى ارتباط الضفدع بالفار إلى كثير من معاناة الضفدع ، فحال الروح مثل حال هذا الضفدع في تعلقها بالجسد الذي يعد سجنا لها ، فالروح حين نوم الجسد تكون في عالم من السرور والسعادة ( عالم ماء المعرفة ) وإذا لم يجذبها فأر الجسد من عالمها السعيد هذا لظلت فيه ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 2100 - 2108 )

والبيت 2748 اختلف فيه المفسرون فقد فسره بعضهم بأن النهار يعنى يوم القيامة ، وتستمع إلى بقية تحرر الروح من سجن الجسد يوم القيامة من الله المتعال ، وهناك تفسير بأن مولانا يقصد بأن إفاضاته خارج الحكاية قد طالت ، وعندما يطلع النهار سوف يواصل قص بقيتها ، وكيف سيجرى الله سبحانه وتعالى بقيتها على لسانه ، وهناك تفسير آخر بأنك سوف تفهم بقية ما لا يستطيع مولانا التصريح به عندما تسطع عليك شمس الحقيقة وتصل إلى مرتبة الكمال إلهاماً من الحق ( استعلامى 6 / 355 )

ويرى مولوى أن باقية تستمعه عندما تستطع عليك شمس الحقيقة وتستيقظ من نوم الغفلة على فحوى " أن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " ( مولوى 6 / 383 ) .


« 559 »

( 2752 - 2758 ) : الحديث هنا عن الادراكات القلبية لرجل الحق والتي لا تستند على أدلة ظاهرة ، بل هي فراسة ( انظر البيت 2704 من الكتاب الثالث ) نور يقذفه الله في قلب عبده من اللوح المحفوظ فالمؤمن ينظر بنور الله ، وهي وحى الحق وليست من كتاب أو مدرسة ، ولك هذا لأن الضفدع ( الروح ) أحس بأن الفأر ( الجسد ) يعمل على توقيعه في المشاكل ، ولماذا تستبعد حدوث هذا الوحي ؟ ! لقد حدث لذلك الفيل الذي ساقه أبرهة لهدم الكعبة ( عام 570 م ) ف

لم يكن يتجه إلى الكعبة ، ولم يدركه سائق الفيل عندما كان يسوق الفيل تجاه الكعبة بكل ما أوتى من قوة ، بينما كان يسرع في سيره إذا وجهه جهة أخرى ، كان الفيل عالما بقهر الله وهو الحيوان ، وهناك كثير من البشر لا يفهمونه ولا يدركونه .


( 2759 - 2767 ) : يقدم مولانا مثالا آخر على الإدراك الباطني لرجل الغيب ، كان يعقوب عليه السّلام عالما بكل ما سيحدث ليوسف عليه السّلام من إخوته ، أمره إلا يقصص رؤياه على أخوته ، فيكيدوا له ، وكان يمانع في خروجه مع إخوته ، ومع ذلك فقد رضخ ، وسمح لهم أن يأخذوه ، كان قلبه دليله القاطع على فساد الإخوة وتأمرهم وتبييتهم للغدر ،

ومع ذلك ، " الله غالب على أمره " ، كان القضاء أن يحدث ما حدث ، وألا يعتد يعقوب عليه السّلام بدليل قلبه ، لكن القضاء آنذاك كان يفكر بشكل مقلوب كما يفعل الفلاسفة ، وهكذا ديدن القضاء وفعله ، وحين يجئ القضاء يضيق الفضاء .
 

" وإذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب عن ذوى الحاجة عقولهم حتى ينفذ فيهم قضاءه وقدره فإذا أمضى أمره رد عليهم عقولهم وفتحت الندامة " ( انقروى 6 - 2 / 135 - 136 ) ولتفصيل الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 1645 - 1651 وشروحها والأبيات 464 - 473 وشروحها و 380 - 389 وشروحها ) .

( 2768 - 2779 ) : القضاء سواءٌ كان حلوا أم مرا ينبغي أن يرضى به المرء لأن رضا الله سبحانه وتعالى لا يكون إلا بهذا ، ومهما كان القلب صلبا فإنه يصبح في يد العناية الإلهية في ليونة الشمع ، يصبح القلب المستنير غافلا ، بل تكون غفلة مقصودة لكي ينفذ قضاء الله


« 560 »

، وهذا الأمر ليس من الذهول ، إنه ابتلاء ، ( انظر البيت 15 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 743 من الكتاب الثالث ) لكن هذا الابتلاء الواحد يخلصه من مائة بلاء . كيف هذا ؟ ! انظر إلى العامي يشرب الخمر الإلهى فيخلص هذا الخمر من كل القبحاء الذين يحيطون به ، يصبح ناضجاً حرا ، لا يأبه بخيالات الخلق وأوهامهم ، يستطيع بعدها أن يكون عالما ببحر العناية الإلهية وجزه ومده . وعند السبزواري ( ص 423 ) المقصود بالصحراء هنا سعة عالم الملكوت وهذا العالم إلى جوار عالم الملكوت كحلقة في فلاة ، فالأرواح الثملة بعشق الأحد تأتى بشكل متواتر من عالم الملكوت إلى عالم الملك والشهادة ثم تعود .

( 2780 - 2788 ) : نحن كلنا مسافرون في هذا الطريق ، طريق الحق . . . نأتى منه ، وعن طريقه تكون عودتنا ، كل جاه ونعيم ومنصب يصل من ذلك العالم الذي يبدو عدما ولا وجود ظاهري أو صوري له وهو أصل الوجود ومنبعه ( انظر البيت 3772 من الكتاب الثالث والبيت 1367 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وكل ما يبدو في عالمنا هذا إنما جاء من ذلك العالم ، ومن ذلك العالم ، تأتى القوافل كل صباح ومساء ( المولودون ) إلى عالم الشهادة من عالم الغيب ، وفي المقابل تمضى قافلة أخرى ( الموتى ) إننا نبدو مقيمين ( جلوسا ) لكننا في الحقيقة سائرون وماضون ، أليس كل ما نكتبه هنا في الحقيقة هو من أجل المآل ، من أجل ذلك العالم الآخر الذي لا شك أننا عائدون إليه من نفس الطريق ، وهكذا سفر الرجال لا يكون سفرا هنا وسيرا هنا بل يكون سيرا إلى هناك ، إلى تلك الناحية ، إلى عالم المستقبل .


( 2789 - 2794 ) : كيف يكون هذا السفر الذي تحدثت عنه ؟ ! إنه تماماً كما كان يكون ورود الأفكار والصورة والخيالات على القلب ، فكرة بعد أخرى ، وصورة بعد أخرى وخيال بعد آخر ، كلها تسرع ظمأى نحو منبع القلب تملأ جرارها وتستمد القوة ثم تعود ، كأنها كواكب الفلك ، تدور عليك بالسعد وبالنحس ، بعضها رحماني وبعضها شيطانى ، فإن كانت سعدا اشرك وآثر بما أعطيت ، وإن كانت نحسا فتصدق واستغفر " إذا أصبحت فتصدق

« 561 »

بصدقة تذهب عنك نحس ذلك اليوم ، وإذا أمسيت فتصدق بصدقه تذهب عنك نحس تلك الليلة " ( أحاديث مثنوى ، ص 211 ) .


( 2795 - 2803 ) : من نكون نحن لندرك هذه الأمور ؟ أو لنسيطر على هذه الأفكار ؟


إني أناجيك يا خالقي ومليكى ، فأنت فوق الأفلاك ، فدر دورة واشملنى برعايتك وعنايتك ، وحول سير أفكاري إلى الطهر والنقاء ، وامح عن الروح أدر ان الذنوب ، واسطع عليها بأنوارك ، أنوار معرفتك ، فهذه الروح التي كالقمر أصابها الخسوف عندما صارت في مرحلة الذنب ، وما هذا إلا من الخيال والوهم والظن

( عن الخيال انظر البيت 2778 من الكتاب الذي بين أيدينا وعن الظن انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ،  الأبيات 4112 - 4123 وشروحها والبيت 2330 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، خلصها يا إلهي من بئر الدنيا وما يشدنا إليه من حبال إما أن تقذفنا في أعماقها أو تخلصنا منها ( انظر الكتاب الأول البيتين 851 و 852 والكتاب الرابع البيت 674 ) ،

فمن هذه الرعاية يستطيع القلب أن يجد جناحين يحلق بهما خارج سجن الجسد ، هيا أيها العزيز ، فإن الروح تتعذب في سجن البدن مثلما تعذب يوسف عليه السّلام في سجن العزيز ، هيا ، يا صادق العهد في نجاة عبادك الطيبين ، شاهد رؤياء في نجاته ( سورة يوسف / 43 - 54 ) هيا ، فالله يحب المحسنين ، إن البقرات السبع العجاف

( أعضاء الجسد ) تأكل البقرات السمان السبع ( لطائف القلب السبعة ) أو بتفسير نقله المولوي " أراد بالبقر العجاف النفس ومشتهياتها المشبه بجهنم من حيث أن كلا منها يأكلن الدين والطاعات وأراد بالسنبلات اليابسات الوساوس والشيطانية ومن السنبلات الخضر الصفات الحميدة ( مولوى 6 / 390 ) ، فيها يا إلهي ولا تجز على أن أظل على هذا الحال في التأرجح بين الطين والنفخة الإلهية ، وبين الأرض والسماء .

( 2804 - 2816 ) : هيا يا إلهي ، إن يكن ثم حبس أو سجن فليكن يوسف روحي في حبسك أنت وفي سجنك أنت ، وخلصني بهذا السجن من أيدي نساء الشهوة ، وأولئك الذين لا
 

« 562 »

يتصفون بصفات رجال الطريق ، فقد كان هبوطى إلى هذه الدنيا حقيقة ومجازاً من تلك الشهوة التي سيطرت على أمي ، فأمى الأولى من شهوتها إلى الشجرة المحرمة أنزلت أبى من موطنه وموطني ، وأمي الثانية من شهوتها حبستني في سجن الرحم ثم ألقت بي في سجن الدنيا ، استمع إلى نواح يوسف الروح عليه السّلام في سجن البدن هذا ، أو فارحم يعقوب المشيخة الذي ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ، أأشكو يا إلهي من إخوان السوء في هذا الزمان ، أو أشكو من كيد النسوة اللائي القين بي بعيداً عن حنان وصلك ، فأصبحت ذابلا عبدا رقيقا أسيرا للقوت ولمتطلبات الدنيا ، ثم تبت على آدم واجتبيته ، ولحقني شئ من التوبة التي تبتها عليه . في الانقروى " من لم ينفع لحظه لم ينفع لفظه " ( 206 / 145 ) .

فكانت بمثابة البخور من عين السوء ، لكن مشيئتك أنت هي التي تمنع الأذى ، حتى وإن كان ثم بخور ولم تكن مشئيتك ، لأصبح ذلك البخور أذى وليس دواء ، فإن عنايتك أيها الإله هي العلاج من عين السوء ، بها إنها تبذل السيئات إلى حسنات ، وتجعل من عين السوء عينا للحسن ، إنها الكيمياء التي تبدل هذا المعدن الخسيس ، الجسد الإنسانى ، إلى معدن نفيس للروح باحث عنك ، طالب لك منصرف عن كل هذه الدنيا ومغرياتها ( انظر الأبيات 592 - 594 من الكتاب الرابع )
 

( 2817 - 2824 ) : تريد أن تفهم هذا التبديل انظر إلى عين المليك تقع على قلب السالك ، فتصبح عين هذا القلب في منتهى علو الهمة ، يصبح باحثا عن الحق ، فلا يقنع بهذه العلوم الأرضية ، لا يكون الصيد همه حتى صيد الأسود ، يصبح العاشق والمعشوق والصيد والصياد ، لا يهمه أن يصيد أو يصاد ( انظر الأبيات 1053 - 1055 من الكتاب الرابع وشروحها )

إن كل شئ ما خلا الله بالنسبة له باطل وآفل ، وهو كإبراهيم الخليل عليه السّلام ، لا يحب الآفلين ، ولا يطلب سوى الله ، وعندما ينظر إليه الله سبحانه وتعالى بعين الرعاية ، يمنحه الرؤية الباطنية التي لا حدود لها ولإدراكها ، فتسيطر على كل حواسه ، فينظر بالله ويسمع به ويسعى به ، هذا الحس الباطني هو ملك الحواس وهو لا يفتر ولا تحيق به الشيخوخة ولا

« 563 »

يشيب ، لا يعتريه ما يعترى الأجساد من تغير وتبدل فهو دائم الأستمداد من عين الحياة ، التي لا ينضب معينها ولا يغور ماؤها ولا يكدر ولا يأسن .

( 2825 ) : لم يهتم أحد من الباحثين بإيراد أصل للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، والمراد أن كلا من البشر له خاصيته من الخواص ، لكن الذي يكون مدعاه للنجاة ذلك الذي رأى السلطان ليلا ثم عرفه نهارا ، إنه صاحب قبس من نور الغيب وهو في الدنيا .

( 2832 ) : فسر استعلامى ( 6 / 360 ) قيرْوان بأنها مدينة القيرْوان وقال أنها في ليبيا ( ! ! ) وقيروان هنا الليل المظلم الذي يشبه القار .

( 2835 ) : " الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " .

( 2836 - 2840 ) : الكلام هنا عن العارف الذي يعلم بمجرد مطالعة تراب الجسد قدر الاستعداد الروحي الموجود فيه وهو متفاوت تفاوتا شديداً بين الناس ، وكان ليعقوب عليه السلام هذه الخاصية فقد اختص بشم قميص يوسف وهو في كنعان بينما كان حامل القميص لا يعرف عن سره شيئاً ، وكانت أيضاً لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم الذي شم رائحة أويس القرني من اليمن ، كما كانت أيضاً للمجنون الذي شم تراب ليلى وبه عرف قبرها

 وانشد :
أرادوا ليخفوا قبرها عن محبها * وطيب تراب القبر دل على القبر .

والبيت لمسلم بن الوليد في الأصل :
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه * فطيب تراب القبر دل على القبر .
ولعل الحكاية التي رويت عن المجنون مشتقة منه ( مآخذ / 212 ) .

( 2842 - 2844 ) : يزاوج مولانا جلال الدين بين ذلك اللص الذي تكمن سر قوته في قبضته ، ويرى أنه مهما بلغت قوة قبضته فلن تبلغ القوة الروحانية الموجودة في قبضة المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم الذي رمى وهقا من الاتصال الرباني حمله إلى أعلى عليين في ليلة المعراج .

( 2865 - 2885 ) : إنه عذر الانبساط ، فالذي يعرف الملك يطلق لسانه على الحشم ،

« 564 »

تصدق على المستوى الظاهري وعلى المستوى الصوفي ، واستخدام الآية القرآنية يوحى بغلبة المستوى الثاني ، كما يوحى المعنى بأن للأولياء والأنبياء حق الشفعة في العصاة من الأمة ، ويواصل اللص كلاما لا يعقل إلا على المستوى الصوفي ، قد شاهد اللص الملك في ليل الحياة الدنيوية ، لم يشاهد فحسب بل عشقه ، ويضرب الأنقروى ( 6 - 2 / 155 )

مثلا هنا هو " أطلب العلة كي أغفر الذلة " . والأبيات التالية تبتعد عن سياق الحكاية وعن جو اللصوصية ابتعاداً تاماً ، ولا يعقل أن يكون الحديث على لسان اللص ، بل هو على لسان سيد المشفعين يوم القيامة ، فلأن محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ما زاغ بصره إلا عن رؤية كل ما سوى الله سبحانه وتعالى ، أصبح شفيعا لكل عاص مرهما لكل جرح ، ففي ليل الدنيا كان مبصرا للحق ، لأن الله سبحانه وتعالى قد شرح صدره ، وكحل عينيه بهذا الشرح بحيث أصبح لهذا اليتيم من در الرؤية وجوهر البصيرة ما لم يكن للملائكة ، ومن جراء هذه الرؤية سماه الله سبحانه وتعالى " شاهداً " ( الأحزاب / 45 ) ،


والشاهد بصيرة نفاذة ، تشاهد في قيام الليل الأسرار ، ولا يفوتها سر منها ومن هنا فإن الحق " القاضي " يعتمد على شهادة هذا الشاهد ، لا على قول المدعى ، فالمدعى غالبا ما هو صاحب غرض ، ومن هنا يطلب الله منك الزهد في كل الأغراض حتى ترتفع من مرتبة المدعى إلى مرتبة الشاهد
- ذلك لأن كل صاحب غرض صاحب حجاب على الرؤية ولا يبصر الأمور كما هي - ومن هنا دعا الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم " اللهم أرنا الأشياء كما هي " ،

ومن هنا قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أيضاً : " حبك الشئ يعمى ويصم " ، نظرتك إلى الأشياء بغير موضوعية وبعين الغرض هي التي تبعدك عن حقيقتها ، ومن هنا عندما سقطت شمس الحقيقة في قلب محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فإن كل الأغراض أصبحت في قلبه بلا قيمة ، وأصبح عالماً بما في قلوب المؤمنين والكفار .

( 2886 - 2895 ) : لكن الأمور دائما ما تكون في خفاء ، وليس أدل على ذلك من ذلك الشئ الواضح الخفي ، روح الإنسان ، لقد أخفاها الله تعالى ، وجعلها من أمره ومن


« 565 »

خصوصياته التي لا يطلع عليها بشر ، فليس هناك إذن لكل عين بالإطلاح على أسرار هذه الروح ، ومن ثم فإن عين النبي وعين الولي ، أو ما يعبر عنه مولانا بعين العزيز أبصرت هذه الروح ، لم يبق شئ خفيا عنها ، فهي الشاهد المطلق وهي الفيصل في كل نزاع وحكمها هو الفصل ، ولأن الحق عدل ومن أسمائه العدل ، فالشاهد العدول يلزمه من أجل الحكم العادل ، كما أن الشاهد العدول هو عين القاضي في الدنيا ، لأنه عالمٌ بالقلب ، " احذروهم هم جواسيس القلوب " والله تعالى لا ينظر إلى الصور بل ينظر إلى القلوب ، وهناك معنى آخر للشاهد في اللغة الفارسية ، فهو يعنى المعشوق ويعنى الحسناء : وملاعبة الحسناء حجاب على وجه الحقيقة أيضا ، فإنك ترى الملاعبة ولا ترى اللاعب ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن الله تعالى يحفظ محبته لأوليائه

( حسانه ) في حجبه ، بحيث لا يبصرهم من لا يستحق رؤيتهم " أوليائي تحت قبابى - قبائى - لا يعرفهم سوى أوليائي " ، هذه هي الغيرة الإلهية على من يحبهم ، ولولا هذا الحب لما قال لسيد الأنبياء والأولياء ليلة المعراج ، " لو لاك لما خلقت الأفلاك " وينقل الأنقروى ( 6 - 2 / 163 ) حديثا آخر " إن الله أعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود " .

إنه قضاؤه بالمحبة ، وقضاؤه المسيطر على الخير والشر ، والشاهد يظل شاهدا ، ولا ينقلب إلى قاض ، وإن كان للأولياء نصيب من هذه الرؤية ، ذلك أن كلهم أسرى لهذا القضاء ، فهنيئا لتلك العين الحادة ، عين الولي العزيز المرتضى التي أبصرت الحق ، وأبصرها الحق ، وأصبح لها نصيب منه .

( 2869 - 2914 ) : يخاطب العارف المعروف ، إنك أنت الرقيب علينا في حلو الحياة ومرها ، وكل ما نفعله إنما نفعله بإشاراتك دون علم منا ، وذلك أنك ترانا ولا نراك ، ذلك أن هذه العين الجسدية لا ترى إلا الأسباب ، وبهما لا يمكن رؤية المسبب
( انظر الكتاب الثاني ، البيت 3156 ) ، لكن العين التي تصطفيها يا الله هي العين التي تستطيع أن تبصر شمس الحقيقة في ليل الدنيا المدلهم ، وهذا يا إلهي من لطفك بالعبد وإن لم يكن العبد مستحقا ، وما

 
« 566 »

الإحسان إلا بالإتمام ، فيا ربناأَتْمِمْ لَنا نُورَنا( التحريم / 8 ) ، ولا تبتل حبيبك في الدنيا بأن يكون مهجورا في الآخرة ، وكيف تبتليه بالبعد بعد الوصال وهو أشق أنواع البعد والهجر ، لقد زرعت نبتة من حبك في قلبه ، فروها بماء معرفتك ، وجازني يا إلهي على دوامى السير في طريقك بدوام لطفك ، ولا تحرمني من رؤية وجهك بعد أن أبصرته ، فرؤية كل شئ سواه عبودية وغل في القدم يمنع السير ، وما خلاك باطل ، وكل نعيم زائل ، لكنها تجذب الباطلين ، ويظنون أن الكمال والرشد فيها
( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2655 - 2680 وشروحها والكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2852 - 2841 ) ،

وجاذبية كل شئ لما يشابهه ، من الأمور الطبيعية فالمعدة تجذب الخبز ، والكبد يجذب الماء ، والحسان يجذبون العين ، والرياض تجذب الشم ، لكن جذب لطفك يا إلهي هو الذي ينجينا من كل ألوان الجذب الباطلة والتي تبعدنا عنك ، فاشترنا أنت يا الله من كل هذه الأشياء ،
ألست القائل إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ( التوبة / 111 ) .

( 2915 - 2923 ) : يعود مولانا لي قصة السلطان محمود واللصوص ، ويوجه اللص صاحب العين البصيرة بالليل الحديث إلى السلطان ، لكنه الحديث مع ذلك يمكن أن يحمل على محمل حديث العارف بالله إلى الله ، لقد اتجه إلى الملك التجاه الظمآن إلى السحاب ، فقد كان يعرف الملك ، وصاحبه في تلك الليلة التي كانت أشبه بليلة القدر بالنسبة له ، ففيها يستجاب الدعاء ،
وهذا الانبساط من مصاحبة المليك هو الذي جعله واعيا لما يقول ، كان " الوقت " وقته ، وفي حوزته ، ومن ثم كان جريئا في الحديث منطلقا فيه ، فهذا هو " الحال " الذي أراده فيه ، ولا ينبغي أن يفوته ، ذلك أن " الموت ولا الفوت " .
إن خواص الخلق وقدراتهم وفضائلهم كلها تزيد في الشقاء وفي البعد ، ولم تعد إلا خاصيتك أنت في اللطف والرحمة ، فإلى أي شئ أو صلتنا فضائلنا وقدراتنا وقوتنا ؟ !
إلا أن سقطنا منقوبين على أعناقنا ؟ ! فيها أيها السلطان محمود حرك لحيتك حتى تنجو من سيف الجلاد ، فإن صاحب انظر إليك في ليل
« 567 »

اللصوصية والسطو هو الذي عرفك وهو الذي يرجوك .


( 2924 - 2930 ) : وهكذا فإن الملك في يوم العرض استحيا من ذلك الذي أبصره في الليل ، إن الكلب الذي كان عارفا بالمليك لأنه تبع أولئك العارفين به ، قد لحق بهم ، وظل يذكر معهم وصنوا لهم حتى يوم القيامة ، فإن لم تكن ثم عين مبصرة ، فلتكن هناك أذن سميعة ، فبالأذن السميعة تستطيع من نباح هذا الكلب العارف أن تعرف أين توجد أسد الله ؟ !
هل تتعجب أنني أضرب المثل بكلب ؟ ! !

إن الكلب الساهر هو الذي يعرف قيام الملوك ( الأولياء ) وحتى إن كان القلب سىء السمعة فمن أدراك بهؤلاء الذين ساءت سمعتهم بين الخلق ، أترك ظواهر أحوالهم ، ودعك عن لومهم ، ووظف عقلك لتتبع أسرارهم ، فرب أشعث أغبر . . . ،

إن هؤلاء يرون أن من السذاجة أن يبحثوا عن حسن السمعة منك لأنك لا تفهمهم في شئ ، إنهم على مثال الذهب الذي يسود ويغطى بالصدأ حتى تعمى عنه أعين اللصوص ( انظر الكتاب الرابع ، البيت 2173 ) .

( 2931 - 2949 ) : الحكاية هنا كما يقول فروزانفر ( مآخذ / 212 - 213 ) مأخوذة من كتاب داراب نامه لأبى طاهر الطرسوسي وفيه بعض القصص الشعبي المتداول حتى القرن السادس الهجري . وصورة الثور البحري كما يقدمها مولانا هي صورة شعبية عن ذلك الحيوان الذي يرعى السوسن والسنبل فتكون فضلاته من العنبر .


والجوهرة الشاهانية أو الكيانية في المأثور الفارسي ، جوهرة كانت في خزانة الملك الأسطورى الضحاك ، واستولى عليها الكيانيون وكانوا يضعونها على رايتهم ، وهي هنا رمز للروح المضيئة المستنيرة التي يرين عليها طين الجسد فيطفىء نورها ، والثور لا يعرف قيمة الجوهرة المغطاة بالطين مثل إبليس الذي لم يعرف جوهرة آدم ( النفخة الإلهية ) .

ونظر إليه باحتقار كمخلوق من طين ، وهكذا فمنذ أن صدر الأمر للروح بالهبوط " من المحل الأرفع " وهي حبيسة في الطين ، فإياكم والهوى الذي جعل إبليس لا ينظر إلا إلى الطين من الهوى ، فالهوى حيض الرجال ،

« 568 »

والحائض لا تصلى ، واعلموا أن الجوهرة مخبوءة في الطين ، والتاجر يعرف قيمتها وإن كانت مغطاة بالطين ، لكن الثور هو الذي لا يعرف قيمتها ، وهناك بعض الناس يعلمون أن هذه الجوهرة لديهم ، وهم أيضاً ينبئون عن آخرين لا يعلمون بوجود هذه الجوهرة عندهم ، لأنهم قد حرموا من رش النور .

[ إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل ] ويشبه الانقروى ( 6 - 2 / 172 ) ما ورد في الأبيات وبين بيت ابن الفارض :ومن فضل ما أسأرت شرب معاصري * ومن كان قبلي فالفضائل فضلتىوعلى كل حال فمثل هذا الكلام لا نهاية له ، ولا يزال الفأر الذي كنا نتحدث عنه ينتظر الضفدع المعشوق على شاطىء النهر .

( 2950 - 2953 ) : عودة إي قصة الفأر والضفدع ، أو المريد الذي يحتاج إلى هداية الشيخ ( انظر 2964 و 2735 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ويتناوب مولانا الحديث عن ظاهر القصة وعن باطنها ، وأول الخيط هو بداية المقصود وبداية صلة المريد بالشيخ وبداية الطريق ، إن ما بينهما يشبه تماما قلب العارف السالك عندما يجد لذة القرب وبداية الشهود ، إنه يدق وينحل ويصير في نحول الشعرة .

( 2958 - 2970 ) : إن ما حدث للضفدع بعد أن اختطفه الغرب لأنه معلق بالخيط مع الفأر قد حدث له لأنه اقترن مع من هو من غير جنسه ، وهكذا الاقتران بالإخساء ، [ والمرء على دين خليله فلينظر أيكم من يخالل ] ، وكان مولانا يقول : الله الله الصحبة عزيزة ، لا تصاحبوا غير أبناء الجنس ( مناقب العارفين 1 / 283 ) ، ( انقروى / 1959 ) .

وهكذا العقل عندما يكون عابدا للنفس ، والنفس كأنها الأنف القبيح على الوجه الجميل ، يضيع جمال هذا الوجه ، وقبح النفس يضيع جمال العقل ، إن التجانس ، مهم وهو التناسب الروحي والتناسب الباطني والانسجام الفكري ( انظر البيت 2909 من الكتاب الذي بين أيدينا والأبيات من 2103 - 2106 من الكتاب الثاني ) وهكذا كان العقل يقول للضفدع : متى يكون التجانس عن طريق

« 569 »

الجسد أو عن طريق الصور ، والبصر غالبا ما يخطئ في الصور ، ويظن التجانس حيث لا يوجد التجانس ، انظر إن نملة ما تجر حبة من الشعير ونملة أخرى تجر حبة من القمح ، وتلتقى النملتان وأنت تظن أن القمح والشعير قد التقيا ، إن الظاهر غالبا ما يتحلل ويضمحل من حس الروح ، لا تنظر إذن إلى ما يحمله الناس ، بل انظر إلى الناس أنفسهم .

( 2971 - 2982 ) : وإن لم تنظر جيدا استخدم عقلك ، وفكر : هل تسير حبة القمح أو حبة الشعير ؟ ! وإذا كان الأمر بالصورة فكيف تبع الكلب أهل الكهف ؟ ! إنه التجانس الباطني ( القلبي ) ( انظر 2952 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وهكذا عيسى عليه السّلام كان في صورة البشر لكنه من جنس الملائكة ومن ثم سكن مع الملائكة في الفلك الرابع ، إن الأففاص ( الأجساد ) ظاهرة والأفراخ ( الأرواح ) خفية ، ولا يوجد قفص يسير وحده دون حامل للقفص ( تلك القوة الباطنة التي تجذب الأجساد إلى بعضها ) ،

 إنها عين الباطن التي تكون سعيدة ويكون العقل المدرك للمعرفة الطالب للكمال أميراً عليها ( انظر البيت 329 من الكتاب الرابع والبيت 1128 والبيت 4429 من الكتاب الذي بين أيدينا )

 إن العين تميز بين الألوان لكن العقل هو الذي يعرف الفرق بين الطيب والخبيث وإلا ما قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ إياكم وخضراء الدمن ] أي المرأة الحسناء في المنبت السوء ، والمحك هو العقل ، إن الطائر الذي لا عقل له يرى الحب ولا يرى الشبكة ( زينة الدنيا دون خداعها وغرورها ) ،


حتى هذا العقل المدرك ، هناك شباك بالنسبة له غير مدركة ، إنه وحى الغيب فحسب ، وذلك الذي يملكه المرشدون الكاملون والأولياء فأسرع إليهم ، فإن هناك من ألوان الخداع ما هو أدق من الشعرة ، لا تبدو لك ، فتظن أن التجانس الصوري تجانسا ، وسواء بالنسبة لي أو بالنسبة لك لا يكون التجانس بالصور ، والدليل عيسى عليه السّلام ، لقد جذبته الملائكة إلى أعلى ، كما جذب الغراب الضفدع إلى أعلى ، فالضفدع الذي انقاد لفأر ، أصبح من جنسه ، فاختطفه الغراب بالرغم من أنه مائي وبحرى .
 

( 2983 - 2989 ) : لا يزال الحديث عن التجانس ، يضرب مولانا المثل بشخصية


« 570 » 

عبد الغوث وهو شخصية أسطورية كانت على صلة بالجن ، وكان من صحابة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم من يسمى تميم الداري تقول الروايات أن الجن اختطفته وانه بعد تجارب عجيبة عاد إلى أهله ، وفي الروايات الشعبية نجد بعض القصص عن تحول بشر إلى جن ، وعن الزواج بين البشر والجن ( استعلامى 6 / 370 ) ، وهكذا فإن عبد الغوث لأنه من جنس الجن عندما عاد إلى أهله لم يصبر بينهم أكثر من شهر واحد .


( 2990 - 3000 ) : ومن كُتبت له الجنة يصبح من جنس الجنة - فيلهمه الله القيام بفعل أهل الجنة ، ومن هنا قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ السخاء وحسن الخلق غصنان من شجرة الجنة ] ، وقال صلى اللَّه عليه وسلّم [ السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدلية إلى الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى الجنة ، والبخل شجرة من أشجار النار أغصانها متدلية في الدنيا ، من أخذ بغصن من أغصائها ، قاده ذلك الغصن إلى النار ] ( مولوى 6 / 414 )

( عن أنهار الجنة وأن لها أصولا في الدنيا ، انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الأبيات 1630 - 1640 وشروحها ، وعن أن الجنة أو النار المتمثلة من خصال البشر الطيبة أو القبيحة في الدنيا ، انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 3450 - 3480 وشروحها ) .

ثم يضرب مولانا مثلا آخر بإدريس عليه السّلام ، لقد كان عند تجانس مع النجوم ، ومن ثم كان رفيقا لزحل ، متعلما منه ، معلما لبقية النجوم ثم معلما للناس أحوال النجوم ومداراتها وكيف يرصدونها ( القصة هنا مختلطة بقصة هرمس انظر : سه حكيم مسلمان ، لسيد حسن نصر ) .

( 30 - 3014 ) : يفسر مولانا جلال الدين التجانس أو انجذاب كل شئ إلى من هو من جنسه بأنه نوع من " النظر " ويفسر استعلامى النظر بأنه الرؤية الباطنية ( 6 / 371 ) ويفسرها جعفري نفس التفسير ( 14 / 241 ) وفسرها جلبنارلى ( 642 / 6 )

بالنظرة ، ولست أظنه إلا أن مولانا جلال الدين يقصد بها التناظر ، شئ ما موجود داخل كل إنسان يؤدى إلى تعارف الأرواح ، وإلى الائتلاف ، وهذا النظر - يفسر مولانا - مخبوء في كل إنسان ، وهذا النظر

« 571 » 

عالم يجذب جاهلا ( الجسد ) ، ثم إن الأمثلة التي يقدمها مولانا بعد ذلك تبين أن النظر ما هو إلا الطبع المخفى في الإنسان والذي قد يختلف اختلافا بينا عن الصورة ( يكون المرء في صورة رجل لكنه مخنث ، أو في صورة امرأة لكنها مساحقة ) ، ويكون إنسانا لكن في طبع الملائكة فهو نزاع إلى السمو ، ليس الأمر إذن بالصورة فالفأر لم يحقر لشكله بل لطبعه ، والطبع قابل لتبديل ، فلو ركب طبع البشر في الملائكة لارتكبوا كل خطايا البشر والدليل هاروت وماروت ، لقد نزلا من مقامإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ( الصافات ، 175 ) حيث كانوا في صف العبادة إلى أحط درك في البشرية ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 796 - 706 وشروحها ) وبدلا من إلهام الحق ، كان تعليم السحرة ببابل .

( 3016 - 3022 ) : النظر هو الطبع ، فاسع في أثر الطبع ، فحتى زيت الورد يتأثر بما يمتزج به ، وقد أورد الأنقروى الأبيات التالية لسعدى الشيرازي في نفس المعنى :

- تلقيت قطعة طين طيبة الرائحة ذات يوم في حمام .
- فقلت لها : أمسك أنت أم عبير * فقد ثملت من رائحتك المحببة .
فأجابت : كنت مدرة لا تذكر * لكنني عاشرت المحبوب فترة .
فأثر فيّ كمال الجليس * وإلا فأنا نفس التراب .

كما أن البيتين التاليين يبينان نفس المعنى :أصحب أخا كرم تحظى بصحبته * فالطبع مكتسب من كل مصحوب.فالريح أخذة مما تمر به * نتنا من النتن أو طيبا من الطيب. ( أنقروى 6 - 2 / 190 - 191 ) والنفس قابلة للطبع ، والمرء على دين خليله ، والجار ثم الدار والرفيق قبل الطريق ( أحاديث مثنوى / 212 )

وانظر : حتى تراب القبر يعامل بقيمة من يودع فيه ، وقد يكون مزارا إذا دفن فيه جسد طاهر :


« 572 »
  

والناس صنفان موتى في حياتهم * وآخرون ببطن الأرض أحياءكما قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم :
[ من زار قبرى بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ] . وقال صلى اللَّه عليه وسلم :
[ من زار قبرى وجبت له شفاعتي ] .
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.docx    قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:27 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.docx 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.pdf


عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديباجة مولانا الدفتر السادس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» فهرس الموضوعات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» مقدمة المحقق والمترجم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: