منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي   المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 9:01 pm

المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ ابن العربي مع شرح ست العجم بنت النفيس البغدادية

المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية
بسم الله الرحمن الرحيم
المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية 
أشهدني الحق بمشهد نور الأحدية “ 1 “ ، وطلوع نجم العبودية . 
وقال لي : ارتبطت الأحدية بالعبودية ارتباطا هذا لا . 
ثم قال لي : أنا الأصل ، وأنت الفرع . 
ثم قال لي : الأصل أنت ، والفرع أنا . 
ثم قال لي : أنت الواحد ، وأنا الأحد ، فمن غاب عن الأحدية رآك ، ومن بقي معها رأى نفسه . هي حضرة التوالي ، لو انقصمت لم تكن . 
ثم قال لي : لا تنم إلّا على وتر “ 2 “ .
.....................................................
( 1 ) )الأحدية ) : هي اعتبار الذات من حيث لا نسبة بينها وبين شئ أصلا ، ولا شئ إلى الذات نسبة أصلا ، ولهذا الاعتبار المسمى بالأحدية تقتضي الذات الغنى عن العالمين ، لأنها من هذه الحيثية لا نسبة بينها وبين شئ أصلا . ومن هذا الوجه المسمى بالأحدية يقتضي أن لا تدرك الذات ولا يحاط بها بوجه من الوجوه لسقوط الاعتبارات عنها بالكلية . وهذا هو الاعتبار الذي تسمى به الذات أحدا . 
ثم إن هناك أحدية صفاتية ، وأحدية أسماء ، وأحدية فعلية ، وأحدية جمع . وأحدية الجمع هي مرتبة الأحدية المراد بها أول تعينات الذات ، وأول رتبها الذي لا اعتبار فيه لغير الذات فقط كما هو المشار إليه بقوله ( صلى اللّه عليه وسلم ) : ( كان اللّه ولا شئ معه ) . إذ ليس ثم إلا ذات واحدة مندرج فيها نسب واحديتها . انظر : القاشاني : معجم المصطلحات والإشارات الصوفية : 1 / 171 . 
( 2 ) انظر الحديث : عن الأشعث بن قيس قال ثم تضيفت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقام في بعض الليل فتناول امرأته فضربها ثم ناداني يا أشعث قلت لبيك قال احفظ عني ثلاثا حفظتهن عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( لا تسأل الرجل فيم يضرب امرأته ولا تسأله عمن يعتمد من إخوانه ولا يعتمدهم ولا تنم إلا على وتر ) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . انظر : الحاكم في المستدرك : 
( 4 / 194 الحديث رقم ( 7342 ) والحنبلي في الأحاديث المختارة 1 / 189 ، والبيهقي في -

“ 86 “
ثم قال لي : لا وتران في ليلة “ 1 “ ، فإن أحدنا يبقى .
ثم قال لي : صلّ المغرب ولا تصلّ العتمة “ “. فيجب عليك الوتر ، فتكون شفعا .
ثم قال لي : حجبتك بالأحدية ، ولولا الأحدية ما عرفتني قط . .
ثم قال لي : لا توحد فتكون نصرانيا ، ولا تؤمن فتكون مقلدا ، وإن أسلمت كنت منافقا ، وإن أشركت كنت مجوسيا .
ثم قال لي : اللذات في المطاعم ، والمطاعم في الثمر ، والثمر في الأغصان والأغصان تتفرع من الأصل ، والأصل واحد . ولولا الأرض ، ما ثبت الأصل . ولولا الأصل ما كان الفرع . ولولا الفرع ما كان الثمر . ولولا الثمر ما وجد الأكل . ولولا الأكل ما وجدت اللذة فالكل متعلق بالأرض ، والأرض مفتقرة “ 3 “ إلى “ الماء والماء
............................................................
- السنن الكبرى : 7 / 305 ، وابن ماجة في السنن 1 / 639 ، والطيالسي في مسنده 1 / 20 وللحديث روايات أخرى كثيرة . .
( 1 ) عن قيس بن طلق قال : زارنا أبي في يوم رمضان فأمسى عندنا وأفطر وقام بنا تلك الليلة وأوتر بنا ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه حتى بقي الوتر ثم قدم رجلا من أصحابه فقال أوتر بأصحابك فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : ( لا وتران في ليلة ) انظر : صحيح ابن خزيمة :
2 / 156 ، وابن حبان 6 / 201 ، والترمذي في السنن 2 / 333 . والبيهقي في السنن الكبرى 3 / 36 ، والنسائي 3 / 229 والرواية التي أثبتها لابن خزيمة الحديث رقم ( 1101 ) .
( 2 ) ( العتمة ) : 437 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا . الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه : 1 / 325 .
والبخاري 1 / 233 ، وصحيح ابن خزيمة : 2 / 366 وصحيح ابن حبان 4 : / 544 .
والحاكم في المستدرك : 2 / 59 ، ومسند أبي عوانة : 1 / 378 .
( 3 ) والكل يفتقر إليه وإلا من أين يأتي الماء . إشارة إلى جريان حكم القدرة .
فالكل متعلق به ، وباحث عنه ، لا مهرب منه إلّا إليه . فالكل في الحقيقة سائر إليه سواء عرف ذلك أم لم يعرف .

“ 87 “


مفتقر إلى السحاب والسحاب مفتقر إلى الريح “ “ 1 “ والريح يسخرها الأمر ، والأمر من الحضرة الربانية يصدر . ومن هنا ارق وانظر “ 2 “ ، وتنزّه ، ولا تنطق .
ثم قال لي : احفظ الوسائط .
ثم قال لي : كتبت : طه ، في بنات نعش الصغرى .
ثم قال لي : القطب اليماني هو الشمالي ، وقد أودعتها أول سورة الحديد .
ثم قال لي : لو كان قطبان ، ما دار الفلك ، ولو لم يكن قطبان لتهدمت البنية ، وما جرى الفلك .
ثم قال لي : لا تنظر إلى وجوه القطبين ، وانظر ما غاب في البكرة ، وحينئذ تقول ما شئت . إن شئت : اثنين . وإن شئت : واحدا .
وقال : في ارتباط اللام بالألف سر لا ينكشف ، أودعته في قولي : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ “ 3 “ .
...........................................................
( 1 ) ما بين المعقوفتين : سقط من النسخة : ( ط ) .
( 2 ) ( ارق ) فعل أمر من رق يرقى ، والترقي في المراتب والمقامات ، من أهم المصطلحات الصوفية .
( 3 ) الآية رقم ( 2 ) من سورة الرعد ونصها : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ( 2 ) وفي النسختين ( ط ) ، ( د ) : ( وهو الذي . . . ) وهذا تحريف . 
.

مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية Word
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية PDF
شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية TXT

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: شرح المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 9:02 pm

شرح المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 364 “
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المشهد الثاني عشر
قال الشيخ رحمة اللّه عليه :
( ص ) [ قوله : ( أشهدني الحق بمشهد نور الأحدية وطلوع نجم العبودية ) ] .
( ش ) أقول : يريد به شهوده للحق تعالى في محل تمييز الربوبية من العبودية ، وهذا التمييز لا يكون إلا بالنور ، وهذا الشهود ليس في مكان معروف ، إذ ليس هو في حضرة من الحضرات ولا في اسم من الأسماء ولا في صفة من الصفات ولا في حد من الحدود ، وإنما هو في النور ، وهذا الشهود يشتمل على مجموع الوجود المقيد ، فلو ادعى شاهده أنه شهد محل كل شيء يطلق عليه الوجود لساغ له ذلك ، ولهذا قلنا الاسم إذ يحتوي على مجموع الأسماء ولا في تضمنه مجموع الصفات ولا في حد لأنه محيط بالحدود ، ولا في مكان إذ لا يخلو منه محل تنطلق عليه الشيئية ، وأيضا فإن المكان “ 1 “ لا يقال إلّا على متميز محدود ليكون حاملا لمحمول ، وهذا النور يبرأ عن الكثافة المرادة للتمييز لأنه مميز غير متميز ، لكن قد كان الشاهد له منطبعا في جسم المرآة الموري عنها بهذا النور ، وقد علم في هذا الشهود أنه منطبع في المرآة إلى صورته المقيدة التي ليس لها ثان في وجودها ، وهي مسماة بالأحدية لأجل التفرد فقط ، وهذا الشهود يسمى مقابلة العمى ، وقد يحصل لغير الكامل ولا نعلم أنه شهده ، فلو لا أن هذا الشاهد قد ثبت كماله عندنا بغير الشهود لما أطلقنا عليه تحقيق معرفة هذا الشهود ، لأن شاهده العامي لا يطلق عليه شهود الصورة ، لأن شهودها يشترط فيه حفظه بعد الرجوع من الخلع وهذا الشهود لا يحفظ في حال الخلع ولا في حال الرجوع إلا للكامل المتفرد في عصره ، وهو الذي قد أعطي القدرة على
..........................................................................................
( 1 ) المكان : عبارة عن منزلة في البساط ، يعني بساط الهيبة ، والأنس الدائم لأهل الأدب ، جلساء ، ولهم فيه الاعتدال ، والثبات ، والسكون في الظاهر ، وسرعة الحركة كانت في الباطن ، كما قال تعالى :
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ [ النمل : 88 ] غير أن البسط إذا أفرط في البساط أورث الانبساط ، والانبساط إذا صدر عمن لا يكون مرادا لعينه ، ومحبوبا ، أورث السقوط والطرد ، وذلك قيل : “ إياك والانبساط وأنت من أهل البساط “ قال قدس سره في الفتوحات : المكان للذوات والثبات على الشهود ، وحالة الوجود والرؤية في كل موجود ، يشهد القائم فيه الحق في العمى بالعين التي يشهده بها في الأرض ، بالعين التي يشهده بها في العيد ، بالعين التي يشهده بها في ليس كمثله شيء .

“ 365 “


التفرد في الأجسام والحجب المانعة حتى إذا ضرب على وجهه مثل هذا الحجاب الذي جسمه حقيقة العمى يدرك من ورائه ما احتجب عنه ، ولهذا جعل الشاهد له مقابلا للعماء الذي قد احتوى على صورة متفردة مقيدة ، ولا يمكن سماع الخطاب في هذا الشهود أبدا لأن المخاطب محتجب خاف في الظلمة المذكورة لا يعرف له أبنية ولا شهد الشاهد صورته إلا إدراكا وكذلك الخطاب لا يسمع سماعا ، لكنه يدرك إدراكا قلبيا على سبيل الانتقاش ، ومثاله الناظر في المرآة المعهودة وهو متكلم ، فإنه شهد صورته المنطبعة متحركة الشفتين ، ولا يفهم منها ما يقول لكنه يتصور انطباع الحروف التي نطق بها في باطن هذه الصورة ، وكذلك هذا الشاهد ، فإنه يرسل إليه الخطاب هاهنا في صورة إدراك فيلحظ حركة شفتيه وانتقاش حروف في مرآة قلبه ، فينبغي أن يكون شديد الحس قادرا على التحديد العلمي ، ومرآة قلبه تظهر شريعة التمييز ، تكون قوية الجذب حتى يحصل له فهم مثل هذا الخطاب ، والنور الذي كان محلا في هذا الشهود هو المحيط بالعماء وهو الذي نشأ عنه العرش الذي كان على الماء والسبيل التي أرسل فيها هذا الخطاب إلى الشاهد هي التي جرى فيها الماء ومن محل هذا الشهود كان ينبوعه ، فقد كان هذا الشاهد في حال هذا الخلع مريدا للدخول في الصورة التي كانت قبل الأولية ، لأن هذا الشهود لا يحصل إلا هناك ويتيقن الشاهد أنه قبل الوجود ، وهذا قبل أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ [ الأعراف : 172 ] .


وقوله : ( وطلوع نجم العبودية ) حيث ذكر أحدية الرب اضطر إلى طلوع نجم العبودية ، ليتمكن له هذا الشهود ، وليست هذه الأحدية أحدية الذات المعبّر عنها بالإطلاق ، وإنما هي الأحدية التي تميز الأسماء ، وتجعلها واحدا ، وفي الظاهر لا تطلق على آحاد الأسماء ، لأن كل ما له مثل معنى ، أو صورة ، لا يجوز إطلاق هذا الاسم عليه وإنما أطلق هذا الشاهد الأحدية على هذا الاسم ، وهو الرب لأنه إنما تفرد بشرط غيبة الأسماء الباقية كان فيه جميع الأسماء فانية في الظهور وباقية في المعنى ، ولا معنى للأحدية إلا اسم يفني التمييز ، ويبقي المعاني ، ويظهر منفردا ، فهذا الخطاب من قبل الحقيقة ، وهو محال في الظاهر ، فلما كان مقابلا للعماء في حال هذا الشهود وأرسل إليه الخطاب المذكور في صورة الملاحظة حصل له تردد في عدم المخاطب ووجوده لأن من صفة الخطاب العرفي أن يكون المتخاطبان ظاهران ، كل واحد منهما للآخر صورة ، فلما حصل له هذا الخطاب إدراكا بغير شهود عياني ، لكن إدراكا أيضا مال إلى الجزء عسى يحصل له القطع بوجود المشهود ، فجرى آتيا جريا حقيقيا من خلاف إلى أمام ، فشهد هذا الطالع المذكور في معرض الجري ظاهرا بصفة العبودية فمكّن له الشهود وتيقن بواحدية الرب التي ووري عنها بالأحدية من حين شهوده للطالع متصفا بصفة العبودية ، ولما كان هذا الطالع

“ 366 “


مستلزما ضروريا وجب أن يكون ناشئا عن النور المميز بين الشاهد والمشهود هاهنا ، ولهذا كان ممكنا لهذا الشهود ، وفي هذا اللزوم أعني لزوم هذا الطالع لهذا الشهود ، وإشارة إلى نشأة اسم الرب من العبد وبالعكس ، ولهذا كان كل واحد منهما متوقفا على الآخر وأيضا ضرورية حد الرب ، فإنه متى أقر العبد بإثبات الربوبية اضطر إلى توحيده ، لأن أحدا لا يعبد ربين لأن الاستنطاق في ( ألست ) كان للإقرار برب واحد ، ومنه قالوا : ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ الزمر : 3 ] ، فمتى ثبتت العبادة أو التسليم الذي ينشأ عنه الألوهية ، أو الإقرار بالربوبية وجب التوحيد وجوبا ، فكأنه قال : ( أشهدني الحق صورته في اسم الأحدية التي تنشأ عن الإقرار بالربوبية ومكّن لي هذا الشهود طالع نجم العبودية ) .


( ص ) [ قوله : ( وقال لي : ارتبطت لأحد بالعبودية ارتباط هذا لا ثم قال لي : أنا الأصل وأنت الفرع ، ثم قال لي : أنت الواحد ، وأنا الأحد ، فمن غاب عن الأحدية رآك ومن بقي معها رأى نفسه هي حضرة التوالي لو انقسمت لم تكن ) ] .


( ش ) أقول : يريد بهذا الخطاب إظهار حقيقة ما شهده في مفتتح هذا الشهود ويؤيد به ما ذكرناه من التزام العبودية توحيد الرب تعالى ، ولهذا مثله بلام الألف ، لأن كل واحد من هذين الحرفين اللذين قد صارا واحدا في المنظر متوقف على الآخر عند وضع حقيقة هذا الحرف ، وكذلك العبودية والربوبية كل واحدة منهما تتوقف على الأخرى توقفا ضروريا وينشأ عنهما الارتباط كنشأة هذا الحرف عند مزاج الحرفين في إرادة الوضع ، وقد قلنا في هذا الحرف : إنه نشأ عن الأحدية في كتاب الختم ، فلهذا مثّل به مشيرا إلى اتحاد الربوبية بالعبودية وعبرّ عن هذا الاتحاد بالارتباط لأن كليهما موجودان وعبّرنا نحن عنهما بالاتحاد ، لأن العبودية فانية لا حقيقة لها فنحن نطقنا من جهة الحقيقة وهذا الشاهد نطق من جهة الظاهر مريدا لإثبات رب وعبد ، وإلا فلا يخفى عنه ما أردناه من الحقيقة ، ومراده بالأحدية هو الإشارة إلى توحيد الرب أحدية الذات كما ذكرناه في مفتتح هذا الشهود .
قوله : ( ثم قال لي : أنا الأصل وأنت الفرع ) أقول : مراده بهذا التنزل الإشارة إلى أحدية الوجود ، وفيه معنى الإشارة إلى ما ذكره من الارتباط لأنه قد جعل العبد بمنزلة اللام والرب بمنزلة الألف ، لأن الألف أول الحروف وعنه تفرعت الحروف كلها حتى اللام ، وقد قال في موضع آخر : إن الألف صامت والحروف ناطقة فيه يشير بهذا النطق إلى ظهور نشأة الحروف عن الألف ، لأنه نشأ عن الواحدية والواحد أصل الأعداد ، وكذلك

“ 367 “


الواحد في الوجود أصل الموجودات كالحال في آدم عليه السلام ، فإنه الأصل والعالم فرعه وأيضا فإنه من حين ظهر اللّه بصورة تحقق الوجود المقيد إذ الصورة أصل التقييد ولا معنى للتقييد إلا تمييز كثرة الوجود فقد جعل الحق صورته بمنزلة آدم وجعل صورة هذا الشاهد من جملة الفروع وهذا تنزل رحماني ينشأ عن العدل الذي هو قيوم الخلافة فقد تسمى اللّه له في حال هذا الشهود رحمانيا وقد لحظ الشاهد منه حقيقة الخلافة ، فلهذا قال اللّه له :
( أنا الأصل وأنت الفرع ) ، وأقول : إن هذا الخطاب قد ورد إليه عند إرادة خلع بعض الأسماء والصفات عليه ، فإنه كثيرا ما يحصل مثل هذا الشهود ، ويكون اللّه يريد به إظهار بعض صفاته على الشاهد ، ونحن نشهد كيفية هذا الخلع الذي أريد فيه الظهور بتلك الخلعة في حال الشهود ، وقد وقع لي هذا في كشف أشهدني فيه مقام الجلالة وصفاء أراني فيه كيفية خلع هذا الوصف عليّ ووضعت هذا الشهود في كتاب الختم ، وهذا قد حصل لهذا الشاهد بعد العود من النزول إلى السماء الدنيا بآن واحد ، ومن حيث أنه ابتداء في هذا الخطاب بأنا الأصل وأنت الفرع وجب أن تكون الأسماء والصفات التي خلعت رحمانية وصورية ، فالأسماء للرحمة والصفات للصورة ، والدليل عليه أنه بعد الرجوع من النزول بآن واحد من قولنا : إن النزول إنما يكون من اللّه بصورة العارف المنفرد في عصره ، فبعد الرجوع بآن واحد يعود صورة العارف إليه فقد كان خلع [ هذه “ 1 “ ] الصفات عليه في كيفية رجوع صورته إليه ، وهذا مما حصل لهذا الشاهد في الليل .


قوله : ( ثم قال لي : الأصل أنت والفرع أنا ) أقول : مراده بهذا التنزل إظهار حقيقة كمال الوجود فإنه لم يكمل إلا بوجود العارف الواحد ، ولا يصدق هذا الكمال إلا بمقابلة لصورة اللّه تعالى ، فمن هناك يتصف الوجود بكلا الصفتين اللتين هما الإطلاق والتقييد ، ومن قبل هذا الاتصاف كان متصفا بالإطلاق فقط ، وكماله عبارة عن وجود الصفتين ، فإذا ثبت هذا وجب أن يكون عند إطلاق الصفة الواحدة ناقصا فكأن وجود العارف هو المكمل إذ وجوده تحقق التقييد للوجود من أجل المقابلة المذكورة ، فقد جعل العارف من حيث هو مكمل أصلا ، وجعل المشهود نفسه فرعا إذ كان من قبل بصفته واحدة وهي صفة الإطلاق .
قوله : ( ثم قال لي : أنت الواحد ، وأنا الأحد ، فمن غاب عن الأحدية زال ، ومن
..........................................................................................
( 1 ) في الأصل هذا وتم تغييرها لمناسبة السياق .

“ 368 “


بقي معها رأى نفسه ، هي حضرة التوالي ، لو انقسمت لم تكن ) أقول : مراده بهذا التنزل إظهار حقيقة المقابلة التي هي خلق الكامل على الصورة ، فإن المشهود هو الناظر نفسه في مرآة وجوده ، والمشهود هو المنظور وهو المخلوق على الصورة ، والناظر متصف بالأحدية إذ هي اسم للإطلاق والمنظور مسمى بالواحدية إذ هي من أسماء التقييد ، والأحد منتزع من الأحدية والواحد منتزع من الواحدية ، فكأنه قال له : أنت مسمّى بالتقييد ، وأنا مسمّى بالإطلاق .
قوله : ( فمن غاب عن الأحدية زال ) ، هذا الزوال ضروري وذلك أنه عند انتقال العارف يزول عينه من المرآة التي هي محل المقابلة ويغيب عن صورته ويعود فانيا في الذات فناء وجوديا ولا توجد عينه المقيدة ، وما دام باقيا لا ينتقل لا يزال خاصا لنفسه المقيدة ، ويشهد كيفية التوالي ، وهذا هو توالي الفيض شيئا فشيئا من غير تخلل زمان ، فإن الفيض لا يزال متتاليا بحسب الآنات على العارف ، وهو يفيض على الموجودات بقدر ما يفاض عليه ، فحيثية الصورية هي الحضرة ، والمظاهر هي المتوالية ، وبهذا الاعتبار كان العارف واسطة بين اللّه وخلقه كما قلنا ، وقد قيل له في موضع آخر : ( بك أوجد ) ، فما دام العارف موجودا يجد نفسه حضرة لمرور المظاهر عليه كما قيل له .
قوله : ( لو انقسمت لم تكن ) يريد به أن صورة العارف لا تتجزأ في حال المقابلة ولا يدخل عليها الانقسام لأنه واسطة بين المتجزئين ، ولو انقسم لثبت واسطة أخرى وكان للواحد ، وقد قلنا : إنه واحد في كل عصر .
فقوله : ( لو انقسمت لم تكن ) أي : لم تكن مقابلة للصورة إذ اللّه واحد وهو مشاهد لنفسه في مرآة الوجود ، فالشهود صورة واحدة أيضا فلا يجوز مقابلة اثنين ، فكأنه قال له : لو انقسمت صورة العارف الواحد آن المقابلة لم يكن واحدا ، والواحدية ضرورية لأن الناظر واحد وهو اللّه تعالى والمنظور واحد وهي صورة العارف وهي المنطبعة وهي محل الفيض المتتالي .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : لا أنتم إلا على وتر ، ثم قال لي : وتران في ليلة ، فإن أحدنا يبقى ، قال لي : صل المغرب ولا تصل العتمة ، فيجب عليك الوتر فيكون شفعا ) ] .
( ش ) أقول : يريد به تفرده بالاتصاف بمجموع الأوصاف التي يتضمنها الليل والنهار ، فإن الليل هو صفة للذات في حال إطلاقها والنهار صفتها في حال تقييدها وليس لنا من

“ 369 “


الأسماء والصفات والمظاهر والشؤون والفيض والوجود ما يخرج عن هاتين الصفتين وكلاهما لواحد ، فكأنه قال له : لا أنتم إلا متصفا بالأحدية التي تتضمن مجموع هذه الصفات ، وأيضا لا يتصف إلا وأنت واحد .
قوله : ( ثم قال لي : لا وتران في ليلة ، فإن أحدنا يبقى ) أقول : يريد به الإشارة إلى التفرد بالإطلاق أيضا فإن الليل قد قلنا إنه صفة الذات في حال إطلاقها ، وليس في الإطلاق ثنوية معنى ولا صورة ولا تمييز ، إذ لا نور ولا تحديد إذ لا جسم نوراني قابل لكن أحدية لذات مطلقة بريئة عن الحصر والتقييد صمدانية لا خلاء فيها يكون محلا لثان ، فعند هذه العتمة التي هي الليل ، يفنى الشاهد ويبقى المشهود بريئا عن الصفات والأسماء فهو الباقي بعد الاثنينية .
قوله : ( ثم قال لي : صل المغرب ، ولا تصل العتمة ، فيجب عليك الوتر فيكون شفعا ) أقول : مراده بهذا الخطاب صفة التقييد والليل صفة الإطلاق ولا يكمل هاتان الصفتان إلا بصلاتين فبصلاة المغرب كمال صفة التقييد ، وبها يتميز عن الليل ، وبصلاة الصبح كمال صفة الإطلاق التي هي الليل ، فالمقصد في هذا الخطاب التمييز بين الصفتين وتفرد الشاهد بأحدهما في هذا الشهود ، وهذا تفرد بصفة التقييد التي هي النهار ، ولهذا قيل له : صل المغرب ولا تصل العتمة أي : لا تمازج بين الصفتين فعلا ، وظاهر هذا كأنه بقوله له لا تفعل في هذه الصفة التي هي الإطلاق ما تفعله في التقييد الذي هو النهار لأن من صفات التقييد الحركة والأفعال الظاهرة وكلها مباينة لصفات الإطلاق إذ من صفاته السكون والأفعال الخافية كالمعاني وما أشبهها ، فالصلاة من صفات التقييد إذ هي منوطة بالحركة .
فقوله : ( صلّ المغرب ) أي اختتم صفات التقييد في ذاتك وصفا ، ونهيه عن صلاة العتمة لعدم الحركة في الإطلاق ، وأيضا فإنه إذا صلى العتمة مازج بين الصفتين ، وقد قلنا :
إن القصد في هذا الخطاب التمييز بينهما لئلا تكون الأفعال بينهما مشتركة ، وليس أفعال أحدهما تناسب الأفعال الواحدة في الأخرى ، فمتى صلّى العتمة حصلت الممازجة بين الصفتين والقصد انفراد كل واحدة منهما بأفعالها اللائقة بها .


وقوله : ( فيجب عليك الوتر فيكون شفعا ) يريد به إنه إذا صلى المغرب والعتمة حصلت المناسبة في الفعل ، فيكون عين النسبة صفة ثالثة داخلة على هاتين الصفتين ، فتحصل الوترية بهذه النسبة ، فيكون هناك ثنوية من حيث الارتباط لأن كل واحدة من الصلاتين تعود متوقفة على الأخرى ، وهما متمايزتان في الخارج فتجب الثنوية ضرورة

“ 370 “


والحقيقة تأبى ذلك .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : حجبتك بالأحدية ، ولولا الأحدية ما عرفتني وما عرفتني قط ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب استعلاؤه على الجهل وهذا الاستعلاء بعينه حجاب بالأحدية عن الكثرة ، لأن الكثرة منوطة بالجهل إذ موجبها كمال الجاهل في جهله ، وقد قلنا في كتاب الختم : إن موجب الكثرة والتمايز نور إشراق ليتحقق به الجاهل في جهله ، فإن من شرط كمال الوجود عالما وجاهلا فالأحدية للعالم باللّه والكثرة للجاهل به ، فحجاب العالم بالأحدية لئلا يصدق عليه الجهل ، وحجاب الجاهل بالكثرة لئلا يصدق عليه العلم ، لأن حقيقة اللّه واحدة لا تكثر فيها ، فمتى شهد الجاهل هذه الحقيقة انتفت عنه صفات الجهل ، وقد قلنا : إن الجهل من شروط كمال الوجود فلا يشهد هذه الحقيقة إلا العارف الذي هو العالم ، فشهودها بعينه هو حجابه عن الجهل ولولا هذا الشهود لما عرفت حقيقة اللّه تعالى ، ومن حين هذا الشهود المراد “ 1 “ للاتصاف لا يشهد اللّه من حيث أحديته مرة ثانية ، وإليه أشار بقوله في الفتوحات المكية : إن اللّه لا يتجلى لأحد مرتين ، يريد به تجلي الأحدية ، فإنه في التجلي الأول ظهر بحقيقته ، وكان المراد فناء “ 2 “ المتجلي له وهو عين الاتصاف ، فإذا حصل هذا الفناء لا يفتقر إلى فناء آخر فلا فائدة في التجلي الأحدي مرة ثانية .
..............................................................................
( 1 ) المراد : عبارة عن المجذوب عن إرادته ، فإنه مع تهيؤ المراد له يتعمد في طلبه ، ولا يفتقر إلى الإرادة والقصد ، والمراد : من المجذوب عن الإرادة ، المحبوب ، لا من هو مراد لما أريد به ، لا بد له من إرادة ، تتعلق بما أريد به منه ، هذا إذا كان المراد لما أريد به من أهل الطريق ، ولا يقع إلا ما هو مراد له ، وأما العوام فقد يظهر بينهم ما أريد به من غير إرادتهم ، ومن خصائص المحبوب ألا يبتلى بالشدائد والمشاق في أحواله من حيث كونه محبوبا ، فإن ابتلي ، فذلك بكونه محبا ، فجاوز المجذوب حينئذ المجذوب عن إرادته الرسوم كلها ، الساترة بخصوصيتها عين الحق ، والذي كشفه بتجليه هو المطلب الفاني ، وجاوز أيضا المقامات من غير مكابدة ومشقة ، فإنها تطوى له ، فلا يفتح عن بصيرته إلا وقد يقع بادي النظر على الحق من غير مزاحمة رسوم السوى .
هذا هو قسم من أقسام الفناء ، وهو فناء الفعل في الفعل ، ولم يشمل على فناء الصفة والذات في الذات .
( 2 ) الفناء : فناء رؤية العبد لفعله بقيام اللّه تعالى على ذلك .

“ 371 “


قوله : ( ولولا الأحدية ما عرفتني ) أي : لولا حجابك عن الجهل لما فنيت في ذاتي ولا حصل لك الاتصاف بأوصافها .
قوله : ( وما عرفتني قط ) يشير به إلى آن انفصال التجلي الأحدي ، فإنه من حين هذا الانفصال لا يعود يصدق على الشاهد العلم لأنه يقتضي معلوما وهو متصف بالعلم والمعلوم ، والإحاطة حقيقة واحدة ، فليس هناك علم ومعلوم متمايزين ، وفيه إشارة إلى قولهم رحمهم اللّه :
“ من عرف نفسه فقد عرف ربه “
، فالعارف يعرف حقيقة نفسه فقط متصفا بالأحدية ولا يبقى هناك ثان يعود معروفا لعارف .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : لا توحّد فتكون نصرانيا ، وإن آمنت كنت مقلدا ، وإن أسلمت كنت منافقا وإن أشركت كنت مجوسيا ) ] .
( ش ) أقول : يريد بهذا الخطاب نفي المزاج في حكم التوحيد ، فإنه ليس توحيد الحق كتوحيد النصارى فإنهم يعنون ثلاث صور معنوية ويدخلون عليها كيفية في صورة المزاج فيجعلونها واحدا ، وليس توحيد الحق كذلك ، وإنما هو رد إلى أصل واطلاع على خفاء وإظهار في صورة رجوع إلى عدم وخلوص من جهل إلى علم وحجاب بأحدية عن تكثر ، كما قال : وكل هذه صفات عائدة على المبدأ ، ونحن من حيث أننا شاهدون لا نمازج ولا نكيّف ولا نجعل واحدا لكننا نعلم واحديتها في الحقيقة بأدلة الرسل ، ويتصف بذلك الواحد كما كنّا عليه أولا في العلم ، والأصل فيه رجوع من وجود هو عدم إلى عدم هو وجود على الإطلاق بغير كيفية ولا لمية ولا همة طلب هكذا وجدته أنا ، فإذا اتصف الشاهد بهذا الاتصاف الذي ذكرنا يعود موحدا في الحقيقة ، لأن الموحد فيها عبارة عمن يجعل أشياء متعددة واحدة ، ونحن لا نجعل ، فلسنا موحّدين ولكن موحّدين يجعل اللّه لنا فانين ، وفي مثل هذا قال إمام هذه الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه اللّه منشدا :
ما وحد الواحد واحد * إذ كل من وحده جاحد
فمن حين جعل العارف واحدا متصفا بالأحدية انتفى عنه جعل الأشياء ، وقد قلنا من الموحد .
قوله : ( وإن آمنت كنت مقلدا ) يشير به إلى الإيمان بالمعرفة تقليدا ، فإن العارف بالتقليد لا يطلق عليه اسم العارف حقيقة لأنه ليس متصفا لكنه عالم من جمله علماء الرسوم ، فكأنه نبّه في هذا الخطاب في صورة تحذير لئلا يأخذ المعرفة تقليدا ومجموع هذا الخطاب مما حصل له قبل الكمال من قوله : ( لا توحّد ) إلى قوله : ( كنت مجوسيا ) .

“ 372 “


وقوله : ( وإن أسلمت كنت منافقا ) يريد به التنبيه على أخذ هذه المعرفة تقليدا ، فإن المسلم إلى المدعين يجوز أن يكون منافقا لأنه لا تحقيق عنده يكون يقينا قلبيا ، وإنما هو سماع وتسليم ظاهر لا إصغاء حقيقي ، لأنه لا يكون محققا إلّا من شهد الحقيقة من حيث هي وهذا سامع مقلد ، فلا يبعد أن يكون بتسليمه منافقا إذ لا حقيقة عنده ، وهذه كلها صفات تباين المراد للكمال ، وقد يحذر منها إن كان دائم الشهود الصوري كهذا الشاهد قبل الكمال ، فإنه قد كان شاهد الصورة دائما ، وكذلك قوله : ( وإن أشركت كنت مجوسيا ) ويريد به النهر عن إثبات الثنوية التي عليها تبنى قاعدة المجوسية إذ شيمتهم الشرك ، وهذا الشاهد مراد للاتصاف بالأحدية المباينة للثنوية ، وهذه الأوصاف المذكورة كلها ، فقبل الاتصاف بها تخوف منها اضطرارا إذا كان دائم الخطاب .


( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : اللذات في المطاعم ، والمطاعم في الثمر ، والثمر في الأغصان والأغصان تتفرع من الأصل ، والأصل واحد ، ولولا الأرض ما ثبت الأصل ، ولولا الأصل ما كان الفرع ، ولولا الفرع ما كان الثمر ) ] .


( ش ) أقول : معنى هذا الخطاب ظاهر ، وفيه إشارة إلى أحدية الوجود وارتباط بعضه ببعض ، وافتقار البعض إلى البعض ، فإنه إذا اتصف الكامل بهذه الأحدية وصفا عرف أن كل شيء من ذاته مفتقر إلى غيره ولأجل هذا الاتصاف قال : إن ( اللذات في المطاعم ) يشير فيه إلى الذوق لأن الاتصاف يشبه الذوق لأنه ليس الناطق بالنار كالوالج فيها ، فإن الوالج متصف والناطق عالم ، فيريد بهذا أن أحدية الوجود لا تؤخذ إلا اتصافا وذوقا من مفيض إلى مفاض عليه وشربا ذاتيا جاذبا قابلا للفيض ، فإذا اتصفت جوارح الكامل بهذه الأوصاف عاد معطيا كلا من جوارحه حقه ، ومظهرا ما ينبغي ظهوره ومخفيا لما ينبغي خفاؤه ، ومستلذا لما ينبغي استلذاذه ، وكل هذا بعد المعرفة والاتصاف بالموجودات المفتقرة بعضها إلى بعض والحياة الواحدة السارية في الوجود المتكثر مثل قوله : ( اللذات في المطاعم ) مشيرا به إلى الذوق .


وقوله : ( والمطاعم في الثمر ) يشير به إلى ذائق وذوق ومذاق ، فالذائق المتصف والمذاق هو الثمر والذوق هي الكيفية التي يتكيف بها الذائق عند المزاج الحاصل آن الأكل .
قوله : ( والثمر في الأغصان ) يشير به إلى افتقار هذا الفرع المذاق إلى واسطة تستمد بها الحياة .

“ 373 “


وقوله : ( والأغصان تتفرع من الأصل ) وهذا أظهر في الإشارة إلى الاستمداد بالواسطة من الحياة الناشئة من الماء ، فإن مجموع ما ذكر يتوقف وجوده على هذا الأصل .
وقوله : ( والأصل واحد ) عاد إلى ذكر الواحد مشيرا إلى أحدية الوجود ونفي الكثرة في الحقيقة ، وأما في الظاهر ، فإنه يقول لولا الواحد لما وجدت الكثرة كالحال في أصل الثمر .
وقوله : ( ولولا الأرض ما ثبت الأصل ) يشير به إلى الواسطة الموجبة للكثرة من الواحد فإنه لولا كثافة هذا الجسم التي هي بمنزلة الأرض لما يجري ، وكذلك أصل الثمار لولا الأرض لما ظهر ولولا ظهوره لما تفرع .
وقوله : ( ولو الأصل ما كان الفرع ) الإشارة إلى الاختصار في اللفظ ، كأنه يقول :
وبالجملة لولا الواحد لما كانت الكثرة إذ هو أصلها .
وقوله : ( ولولا الفرع لما كان الثمر ) يشير به إلى بيان تعلق الموجودات بعضها ببعض ، وكذلك قوله في تمام هذا الخطاب : ( ولولا الثمر ما وجد الأكل ) يشير به إلى الواسطة التي تقيم الجسد ، فإنه بواسطة وجود الثمر وجد الأكل ، وفي مثل هذا نقل عن الإمام العالم أبي عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي رحمه اللّه أنه أخبر أن امرأة قد وضعت ولدا بغير فم ، فقال : يكون أم هذا المولود بغير ثدي ، ففحصوا عن ذلك فوجدوها كما قال ، فسألوه من أين لك ذلك ؟ فقال : لما ولد بغير فم عرفنا أن اللّه تعالى لم يجعل له رزقا ، ومنه المثل العامي “ من شق الأشداق يأتي بالأرزاق “ .
وقوله : ( لولا الأكل ما وجدت اللذة ) عاد إلى ذكر الذوق ، فإنه بواسطة الذوق ، حصل للعارف هذا الوصف وبواسطة الأكل حصل الذوق والأكل هاهنا بمنزلة الاتصاف ، فكأنه يقول : لولا الاتصاف لما حصل لهذا العارف الفرق بين المطاعم وما أشبهها .
وقوله : ( فكله متعلق بالأرض ) يشير به إلى الواسطة التي يستمد الموجودات بها الحياة ، فإن كل شيء لا يخلو من الكثافة وهي الأرض المذكورة وبواسطتها تستمد الحياة والأرض مفتقرة إلى الماء هذا ظاهر المعنى ، إذ الماء هو الحياة لأن كل شيء يريد الاستمداد من الحياة حتى الأرض والجماد .
وقوله : ( والماء مفتقر إلى السحاب ) يشير به إلى استمداد القريب من البعيد ، فإن السحاب بخار البحر ، ويرسله اللّه من الغني إلى الفقير ، فإن البحر مستغن عن الحياة والأرض الهامدة مفتقرة إليه ، فيفيض اللّه عليها بواسطة تراكم الأبخرة مترامية من البحر الحياة بالماء .
وقوله : ( والسحاب مفتقر إلى الريح ) يشير به إلى كيفية واسطة الفيض من الغني

“ 374 “


تعالى على المفتقرين ، فإن بواسطة الريح ينبعث الغمام في صورة إرسال مثل قوله تعالى :
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً [ فاطر : 9 ] .
وقوله : ( والريح يسخّرها ) الأمر تأييد لما ذكرناه من كيفية بعثة الحياة من جناب الغنى إلى جهة الافتقار .
( ص ) [ وقوله : ( والأمر من الحضرة الربانية يصدر ، ومن هاهنا ارق ، وانظر وتنزه ولا تنطق ) ] .
( ش ) يريد به الإشارة إلى مبعث الأنبياء عليهم السلام ، فإنه ينشأ من اسم الرب فإنه لا يوجد نبي ولا رسول إلا متحققا بالعبودية كقوله تعالى في حق عيسى عليه السلام : إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ [ الزخرف : 59 ] ، وقوله تعالى : قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [ الزخرف : 81 ] ، ومتى ثبتت العبودية وجب حكم الرب ضرورة والأمر من أعباء الربوبية يمتحن اللّه بتحمله من يشاء من عباده المرادين للقيام به كالرسل والأنبياء والأولياء وغيرهم من المتهيئين للقيام بحمل عبء هذا الاسم فلا يكون أمر إلا صادرا عنه ، إذ الأمر منوط بالحكم ، والحكم عبارة عن حقيقة نفوذ اسم الرب .
وقوله : ( ومن هاهنا ارق وانظر ) يشير به إلى أنه من حين تحقيق العبودية بأخذ النبي في النبوة برقي لائق به ، وكذلك الرسول في رسالته والولي في ولايته إذ هو منشأ المعارج لأن النبوة والرسالة والولاية لا يكون شيء منها إلا بعد شهود الحق تعالى من اسمه الرب ، لأننا قلنا : إن هذه الأوصاف لا تكون إلا بعد تحقيق العبودية ليتحقق القيام بعبء الرب ، ومنه التجلي الموسوي الموجب للصعقة بتدكدك الجبل ، ومفتتح الخطاب له بقوله تعالى : إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [ القصص : 30 ] ، هذا للرسل والأنبياء ، وأما الأولياء فإنهم من حين تحقيق العبودية يتجلى اللّه لهم في هذا الاسم ، فيكون أول مراتب الكمال من المراتب الثلاث هناك بأخذ الولي في الترقي والتنزه في المراتب المذكورة مع سقوط الاعتراض ، وهذا مما حصل له قبل الكمال .
( ص ) [ قوله : ( ثم قال لي : احفظ الوسائط ، ثم قال لي : كتبت طه في بنات نعش الصغرى ، ثم قال لي : القطب “ 1 “ اليماني هو القطب الشمالي وقد أودعتها أول سورة
..........................................................................................
( 1 ) القطب : وهو الغوث ، وقد سمي غوثا لالتجاء الملهوف إليه ، وهو عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر اللّه في كل زمان ، أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه ، فإذا قلبه إلى جانب الكون ، كان به مسلطا عليه ، قائما فيه ، والتدبير الأعم نيابة عن الحقيقة ، السيادة المنفردة بالقطيعة العظمى في الدهر كله ومأخذه في موكل إليه في التدبير محيط الاسم الذي مدلوله سوى أحدية الجمع ، ومحل

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Empty
مُساهمةموضوع: شرح المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس   المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي Emptyالجمعة يناير 05, 2024 9:03 pm

شرح المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب شرح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية ابن العربي شرح الشيخة ست العجم بنت النفيس

الشيخة الصالحة العالمة الزاهدة
ست العجم بنت النفيس بن أبي القاسم البغدادية
المتوفاة بعد سنة 852 ه‍

“ 375 “

الحديد ) ] .
( ش ) أقول : مراده بالوسائط الشهود السابق على الكمال ، ويشير به إلى تكرار التجلي في اسم الرب عند إرادة تحقيق العبودية ، وهو الشهود الصوري ، فبواسطته يترقى الشاهد إلى مرتبة الكمال ، فلما قيل له في الخطاب السابق من هاهنا : ارق وانظر كانت الإشارة إلى الحضرة الربانية فهي الواسطة بالحقيقة بين المراد للكمال وكماله ، وقد قيل له في مشهد الساق : إن عليه الاعتماد يعني على الساق ، ويريد به شهود صورة اللّه تعالى ظاهرا من هذا الاسم الذي هو الرب وهو الواسطة بعينها ، فكأنه قال له : احفظ الشهود الصوري الذي هو واسطة بينك وبين كمالك .
قوله : ( ثم قال لي : كتبت طه في بنات نعش الصغرى ) أقول : مراده بهذا التنزل المورى عنه بالكتابة تحقيق قراءة طه في موقف القيامة ، لأن بنات نعش الصغرى على ما قيل : إنها من الكواكب الجنوبية وهي موازية لليمن ، وكل موضع أقول فيه مقابلة ، فإنما أريد به المواردة ، ولما كان اليمن محل الآلي بالقرآن المجيد ، وجب أن تقابله بنات نعش المذكورة من أجل الإشارة إليه صلى اللّه عليه وسلم إذ كان في طه هذه الإشارة ، وهو قوله : طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ طه 1 : 2 ] ، فكأنه يشير في كتابه فيها لهذه السورة إلى التذكير حيث قال : ( عليك ) إشارة إليه صلى اللّه عليه وسلم . قوله : ( ثم قال لي : القطب اليماني هو القطب الشمالي وقد أودعتها أول سورة الحديد ) أقول : هذا التنزل ظاهر المعنى لأنه يشير فيه إلى أحدية الوجود وهي الظاهرة لنا ، ومتى ثبتت هذه الأحدية كان القطبان واحدا ولاتصاف الأحدية بالكثرة جعلت في رأي العين اثنين حتى يكون كل شيء متميزا ،
.............................................................................
نظره من أن العالم من حيث محاذاته نقطة الكعبة ، وبيت العزة ، والبيت المعمور ، ومحل القدمين ، ومستوى الرحمن ، فهو يسري في الكون ، وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد على وجه يحكم به الأذواق الصحيحة ولا تأباه الفطرة السليمة ، بيده قسطاس الفيض الأعم وزنه يتبع علمه ، وعلمه يتبع علم الحق ، وعلم الحق يتبع الماهيات الغير المجبولة ، حيث يعطيه العلم بها بحسبها ، وهو قلب نقيض روح الحياة محل الكون الأعلى والأسفل من ينبوع الغيب الظاهر في لبس المظاهر ، باهري الإمامين ، وشرايين الأعداد حتى يظفر منه كل قطر الوجود ، مع الأنفاس ، والآيات ، بحضه المقدر له ، ولعلمه سعة لا يقبل الغاية في سعته .
منزلة القطب والإمامة منزلة ما لها علامة يملكها مالك تعالى عن صفة السير والإقامة في لونه اصفرار في أيمن الخد منه شامة خفية ، ما لها نتوء أيده اللّه بالسلامة .

“ 376 “


والثنوية داخلة عليه ، وأما في الحقيقة فالقطب واحد على الإطلاق وإن حصل التكثر فيكون بحسب الاعتبارات ولهذا جعل مدار الوجود عليه أما في الحقيقة فعلى الكامل والأفلاك على قطب واحد في الحقيقة أيضا وإن كان في رأي العين اثنين فخفاء أحديته مثل خفاء العمد عن الأبصار .
قوله : ( وقد أودعتها أول سورة الحديد ) يشير إلى قوله تعالى : هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ [ الحديد : 3 ] ، وهو تأييد الأحدية كما قلنا .
( ص ) [ قوله : ( قال لي : لو لم يكن قطبان لتهدمت البنية ما دار الفلك ولو لم يكن قطبان لتهدمت البنية وما جرى الفلك ، ثم قال لي : لا تنظر وجوه القطبين وانظر ما غاب في البكرة ، وحينئذ تقول ما شئت إن شئت اثنين ، وإن شئت واحدا ) ] .
( ش ) أقول : مراده بهذا الخطاب تأييد ما ذكره من أحدية الوجود به ، فإنه لو كان هناك ثنوية لما تحقق للواحد قلب واحد ، وقد قال تعالى : ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [ الأحزاب : 4 ] ، فلو لا أن الوجود واحد بالشخص لما جعل الفلك قلبه ، وصورة الواحد الشخصية محركة لهذا الفلك وأحدية هذا الشخص خافية في آلة الحركة حتى أن كل شيء ينفرد تكون الأحدية خافية في تفرده ، لكن لا يجوز تعريفه بها لأجل وجود المماثل بل يجوز تعريفه بالواحدية خصوصا الحركة الدورية ، فإنها تستقل بالأحدية ظاهرا وباطنا لأجل عدم المماثل ، ولما كانت الأفلاك الدائرة مشهودة التكثر وجب أن يوري عن مدارها بالواحدية وهو المحور ، ولما سبق في العلم أن قليلا من الناس يعتقدون صدور الأفعال من هذه الأفلاك ، وجب أن يكون في رأي العين عند الدورة يرتسم فيها رسمان يسمونها هؤلاء بالقطبين لتحقيق كلامهم وإلا في الحقيقة ، فإن المعول على القطب الواحد الذي يسمى على اصطلاح هؤلاء محورا .
قوله : ( ولو لم يكن قطبان لتهدمت البنية وما جرى الفلك ) يريد به في ظاهر الأمر فإنه لو لم يكن فاعل ومفعول ومحل ، وهو المحيط لما تحقق وزن الفلك ، فإنه في حال الدوران إلى محرك ، والمحرك خاف ، فوجب أن يكون ذلك بحصول الثنوية فيه في رأي العين .
قوله : ( ثم قال لي : لا تنظر وجوه القطبين ، وانظر ما غاب في البكرة ، وحينئذ تقول ما شئت إن شئت اثنين ، وإن شئت واحدا ) أقول : مراده بهذا الخطاب نهيه عن إثبات الثنوية فإن وجود القطبين ظاهرهما والوجود في ظاهره متكثر ، فمتى وقف الشاهد المهيأ للكمال مع ظاهر الوجود لم يحصل له الباطن الذي هو الحقيقة ، فكأنه قال له : لا تنظر إلى

“ 377 “


ظاهر الكثرة ولا إلى وجود الثنوية فإن الأصل أحدية الوجود ، ولهذا أمره بالنظر إلى ما غاب في الكثرة “ 1 “ مشيرا إلى واحدية القطب وهو المعبّر عنه في الظاهر بالمحور .
وقوله : ( وحينئذ تقول ما شئت إن شئت اثنين وإن شئت واحدا ) يشير به إلى وقوفه على الأحدية عيانا واتصافا فإذا حصل هذا الاتصاف له وعاد كاملا عاد مخبرا بمشيئته إن قال اثنان أشار إلى صفاته المتكثرة ، لأن الثنوية لازمة للتقييد ، وإن قال واحدا أشار إلى صورته الواحدية المتصفة بالذات الأحدية ، لأن الكمال عبارة عن الاتصاف بأوصاف الذات بعد الفناء فيها وهذا مما حصل له قبل الكمال .
( ص ) [ قوله : ( وفي ارتباط اللام بالألف سر لا ينكشف أودعته في قولي وهو :
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ [ الرعد : 2 ] .
( ش ) أقول : إنه عاد إلى أول المشهد عود استدارة وهو عطف الآخر على الأول وهذا خصوص بهذا المشهد فلما افتتح في أوله متمثلا في ارتباط العبودية بالأحدية بلام الألف ، وأراد الاستدارة لهذا الشهود فعاد إلى ذكر لام الألف مختتما به كما افتتح أولا ، وهذا راجع إلى صيغة الترتيب لأجل قصد إخفائه ، ونحن حذونا حذوه في كتمانه دون سائر كلمات الشهود ، فإنني لم أخف شيئا علم اللّه تعالى سوى هذا الأمر .
فقوله : ( سر لا ينكشف ) يريد به حقيقة الاتحاد بين اسم الرب والعبد ووقوف كل منهما على الآخر ، فإن هذا الاتحاد من غوامض الأسرار ، وقد أشار إليه الإمام الأوحد العارف الكامل سهل بن عبد اللّه التستري بقوله : “ إن للربوبية سرا إذا ظهر يطلب الربوبية “ .
وقد ذكرنا هذا الكلام عنه في عدة مواضع من هذا الكتاب لأجل مناسبته بها وكل منهما رحمهما اللّه يشير إلى الاتحاد بين الرب والعبد كما أخفي حقيقة العمد عند رأي الناظرين في السماوات وهو عين الاتحاد الذي هاهنا ، لأن إخفاءه عين اتحاده كما أن الارتباط في لام الألف حقيقة الاتحاد فلو ظهر العمد للناظرين ظهرت واحدية الوجود لكل من نظر فيه ، ولم يبقى للواحد المنفرد سر يختص به وإلى هذا السر هو اتحاد العمد أشار ابن عباس رضي اللّه عنه بقوله : لو فسرت لكم قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ [ الطلاق : 12 ] ، لرجمتموني . أو قال : لقلتم : إني كافر . فجعله رضي اللّه عنه بمنزلة السبيل ضرورة لتنزل الأمر .
* * *
.........................................................
( 1 ) فوجود الحق في الوجود ، وإنما يختلف عند الواجد بحكم الأسماء الإلهية ، وبحكم الاستعدادات الكونية في كل نفس إلى لا غاية .

.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشهد الثاني عشر مشهد نور الأحدية بطلوع نجم العبودية .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشهد الثاني مشهد نور الأخذ بطلوع نجم الإقرار .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الحادي عشر مشهد نور الألوهية بطلوع نجم “ لا “ .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الثامن مشهد نور الصخرة بطلوع نجم البحر .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد الأول مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
» المشهد العاشر مشهد نور الحيرة بطلوع نجم العدم .كتاب مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: