[ تفسير صوفي ] : في تأويل قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ ) .
يقول الإمام جعفر الصادق {عليه السلام} :
" الحمد : حاء وميم ودال .
فالحاء : من الوحدانية . والميم من الملك . والدال من الديمومية .
فمن عرفه بالوحدانية والديمومية والملك فقد عرفه " .
ويقول : " ألف الحمد : من آلائه وهو الواحد ، فبآلائه
أنقذ أهل معرفته من سخطه وسوء قضائه .
واللام : من لطفه وهو الواحد ، فبلطفه أذاقهم حلاوة عطفه وسقاهم كأس بره .
والحاء : فمن حمده وهو السابق بحمد نفسه قبل خلقه ، فبسابق حمده
استقرت النعم على خلقه وقدروا على حمده .
والميم : فمن مجده . فبجلال مجده زينهم بنور قدسه .
والدال : من دينه الإسلام ، فهو السلام ، ودينه الإسلام ،
وداره السلام ، وتحيتهم فيها سلام لأهل الإسلام في دار السلام " .
ويقول الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي :
" قيل : معنى الحمد لله ، أي : أنت المحمود بجميع صفاتك وأفعالك .
وقيل : الحمد لله ، أي : لا حامد لله إلا الله ...
وقيل : الحمد لله : الثناء لله . فثناء المؤمنين في قراءة فاتحة الكتاب ،
وثناء المريدين بالذكر في الخلوات ، وثناء العارفين في الشوق إليه والأنس به ...
وقيل : الحمد لله رب العالمين ، عن العالمين ، قبل العالمين ،
بعجز العالمين عن أداء حمد رب العالمين " .
ويقول : " قيل : حمد نفسه بنفسه حين علم عجز الخلق عن بلوغ حمده " .
ويقول : " قيل : الحمد لله رب العالمين ، أي : الحمد لله يكون على السراء والضراء ،
والشكر لا يكون إلا على النعماء ...
وقيل : إن الحمد يكون لاستغراق الحامد في النعم ، والشكر للاستزادة " .
ويقول الشيخ ابن عطاء الأدمي :
" الحمد لله رب العالمين معناه : الشكر لله ، إذ كان منه الامتنان على تعليمنا
إياه حتى حمدناه ... الحمد لله إقرار المؤمنين بوحدانيته .
فالأول [ الله ] إقرار بالألوهية ،
والثاني [ رب ] إقرار بالربوبية ،
والثالث [ العالمين ] إقرار بالتعظيم " .
ويقول الشيخ الأكبر ابن عربي :
" أي إليه يرجع عواقب الثناء ، فهو المُثني والمُثنى عليه " .
ويقول الشيخ عبد الكريم الجيلي :
" الحمد لله : أثنى الله على نفسه بما يستحقه ، وثناؤه على نفسه
عين ظهوره وتجليه فيما هو له . والألف واللام إن كانا للشمول
الذي اعتبر بمعنى كل المحامد لله ، فهو المراد بجميع الصفات
المحمودة بالحقية والخلقية . فثناؤه على نفسه بظهوره في المراتب
الإلهية والمراتب الخلقية كما هو عليه الوجود ، ومذهب أهل السنة في لام الحمد أنه للشمول "
" ] الحمد لله [ ... اللام : لام التمليك ، يعنى : كل حمد يحمده أهل السموات
والأرض في الدنيا والآخرة ملك له ، وهو الذي أعطاهم استعداد الحمد
ليحمدوه بآثار قدرته على قد استعدادهم واستطاعتهم ، لكن حمد الخلق له مخلوق ،
فإن حمده لنفسه قديم باق . فإن قيل : أليس شكر المنعم واجباً مثل شكر
الأستاذ عن تعليمه وشكر السلطان على عدله وشكر المحسن على إحسانه ،
قال : ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله )؟
فالجواب : أن الحمد والتعظيم المتعلق بالعبد المنعم نظراً إلى وصول
النعمة من قبله ، وهو في الحقيقة راجع إليه تعالى ، لأنه تعالى لولم
يخلق نفسه تلك النعمة ، ولو لم يحدث داعية الإحسان في قلب العبد
المحسن لما قدر ذلك العبد على الإحسان والإنعام ، فلا محسن في الحقيقة
إلا الله ، ولا مستحق للحمد إلا هو تعالى . وفي تعليق الحمد باسم الذات
المستجمع لجميع الصفات : إشارة إلى أنه المستحق له بذاته سواء حمده حامد أولم
يحمده " .
حمد الواصلين
الإمام جعفر الصادق {عليه السلام}
حمد الواصلين : هو قوله تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أَذْهَبَ عَنّا الْحَزَنَ )
*************************************************
موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان
للسيد الشيخ محمد الكسنزان(قدس الله سره العزيز)