ثالثا شرح الأبيات 30 - 69 من القصيدة العينية الجيلي يوصف أحواله في العشق .إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية
كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع عين على العينية العارف بالله عبد الكريم الجيلي شرح معاصر للقصيدة العينية د. سعاد الحكيم
شرح الأبيات من 30 إلى 69 على مدونة عبدالله المسافر بالله
شرح الأبيات من 30 إلى 69 : ثالثا توجّه الشاعر "الجيلي" إلى محبوبه بوصف حاله في العشق ومكانة معشوقه لديه
(30) فكلّ الّذي يقضيه فيّ رضاكم ..... مرامي وفوق القصد ، ما أنا صانع
(31) تلذّ لي الآلام إذ أنت مسقمي ..... وإن تمتحنّي فهي عندي صنائع
(32) تحكّم بما تهواه فيّ فإنّني ..... فقير لسلطان المحبّة طائع
(33) حببتك ، لا لي ، بل لأنّك أهله ..... وما لي في شيء سواك مطامع
(34) فصل إن ترى أودع وعدّ عن اللّقا ..... وأوعد وعد أو عد فها أنا قانع
(35) تمكّن مني الحبّ فانمحق الحشا ..... وأتلفني الوجد الشّديد المنازع
(36) وأشغلني شغلي بها عن شواغلي ..... وأذهلني عنّي الهوى والهوامع
(37) وقد فنيت روحي بقارعة الهوى ..... وأفنيت عن محوي بما أنا قارع
(38) وقام الهوى عندي مقامي فكنته ..... وغيّبت عن كوني فعشقي جامع
(39) غرامي غرام لا يقاس بغيره ....... ودون هيامي للمحبّين مانع
(40) غرامي والتّبريح للروح لازم ..... وسقمي والآلام للجسم تابع
(41) ولوعي وأشجاني وشوقي ولوعتي ..... لجوهر ذاتي في الغرام طبائع
(42) فشوقي نار والهوى : فهو الهوا..... وتربي والما : ذلّتي والمدامع
(43) يلوم الورى نفسي لفرط جنونها ..... وليس بأذني للملام مسامع
(44) ومذ أحشاي حبّيك إنّني ..... لسهم قسيّ النّائبات مواقع
(45) وما لي إن حلّ البلاء التفاتة ..... وما لي إن جاء النّعيم مراتع
(46) وما أنا من يسلو ببعض غرامه ..... عن البعض ، بل بالكلّ ما أنا قانع
(47) وشوقي ، ما شوقي ، وقيت فإنّه ..... جحيم له بين الضّلوع فراقع
(48) وبي كمد لو حمّلته جبالها ..... لدكّت برضواها وهدّت صوامع
(49) ولي كبد حرّاء من ظمأ بها ..... عليك ، ولم يبرد غليلا مصانع
(50) يخيّل لي أنّ السماء على الثّرى ..... طبقن وأنّي بين ذلك واقع
(51) ونفسي نفس أيّ نفس أبيّة ..... ترى الموت نصب العين وهي تسارع
(52) فهمّي وفهمي ، ذا عليك ، وفيك ذا ..... وجدّي ووجدي زآئد ومتابع
(53) وعزمي وزعمي أنّه فوق كلّ ما ..... يراد ، وظنّي إنّما هو نافع
(54) تسامر عيناي السّها بسهادها ..... وتسأل بل ما سال إلّا المدامع
(55) ويرقب مني الطّيف جفني دجنّة ..... وكم زاره طيف وما هو هاجع
(56) ويخبرني عنك الصّبا وهو جاهل ..... فتلتذّ من أخباركم لي مسامع
(57) إذا زمزمت ورق على غصن بانة ..... وجاوب قمريّ على الأيك ساجع
(58) فأذني لم تسمع سوى نغمة الهوى ..... ومنكم فإنّي لا من الطّير سامع
(59) ومن أيّ أين كان إن هبّ ضائع ..... فلي فيه من عطر الغرام بضائع
(60) وإن زمجر الرّعد الحجازيّ بالصّفا ..... وأبرق من شعبي جياد لوامع
(61) يصوّر لي الوهم المخيّل أنّ ذا ..... ثناك وهذا من ثناياك ساطع
(62) فأسمع عنكم كلّ أخرس ناطقا ...... وأبصركم في كلّ شيء أطالع
(63) إذا شاهدت عيني جمال ملاحة ..... فما نظري إلا بعينك واقع
(64) وما اهتزّ من قدّقنا تحت طلعة ..... من البدر أبدت أم خبتها البراقع
(65) ولا سلسلت أعناقها بغرامها ..... تصافيف جعد خطّهنّ وقائع
(66) ولا نقّطت خال الملاحة بهجة ..... على وجنة ، إلّا وحرفك بارع
(67) فأنت الّذي لي فيه يظهر حسنه ..... به ، لا بنفسي ، ما له من ينازع
(68) وإن حثّ جلدي من كثيف خشونة ..... فلي فيه من ألطاف حسنك رادع
(69) تخذتك وجها والأنام بطانة ..... فأنجمهم غابت وشمسك طالعشرح الأبيات :( 30 ) فكلّ الّذي يقضيه فيّ رضاكم ..... مرامي وفوق القصد ، ما أنا صانع
المفردات :
يقضيه : يحكم به ، وينفذه ، ويمضيه .
مرامي : مطلبي .
فوق القصد : أكثر من المراد .
ما أنا صانع : ليس لي صنع .
المعنى :
يقول الجيلي ، إنني أرضى بكل ما ترضونه لي من قضاء ، ولست بصانع لأمر ، ولا أطلب تغييرا ولا تبديلا ، بل ها أنا ساكن تحت مجاري الأقدار.
وفي البيت تأكيد على معنى الرضا عند الصوفية ، وأصله الرضا عن مراد اللّه تعالى في كل ما قضى وقدّر .
والرضا يتدرج في أقوال الصوفية من عدم الاعتراض على القضاء ، إلى التسليم لقضاء اللّه تعالى ورفع الاختيار ، إلى سكون القلب بمعنى سروره بالقضاء .
وقد أتى الجيلي هنا برفع الاختيار وبسكون القلب تحت مجاري الأقدار ، وفي البيت اللاحق سنرى سرور القلب بالمقدور .
( 31 ) تلذّلي الآلام إذ أنت مسقمي ..... وإن تمتحنّي فهي عندي صنائع المفردات :
إذ أنت مسقمي : لأنك أنت مسقمي وممرضي .
واستخدم الجيلي “ إذ أنت “ ، وإذ : ظرفية زمنية ، ليشير إلى وقوع السقم ، أي عندما أنت تسقمني وتمرضني .
وإن تمتحنّي : تختبرني .
والامتحان عند الصوفية من مستلزمات السلوك ، لأنه اختبار يكشف حقيقة أعماق السالك وادعاءاته من ناحية ، ويكشف عن مقدراته وطاقاته ومدى رسوخه أمام عظائم الأمور من ناحية ثانية . [ انظر “ بلاء “ ، شروحات البيت رقم 22 ] .
"" بلاء في شروحات البيت رقم 22 : البلاء - لغة - هو الامتحان والاختبار .
وقد فرّق الصوفية بين الامتحان والبلاء ، فالامتحان هو أن يمتحن اللّه تعالى محبّيه وطالبيه بأنواع البلايا في قلوبهم ، كالخوف والحزن والقبض والهيبة ؛ وقد أخذ الصوفية الامتحان من قوله تعالى :"أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى"[ الحجرات : 3 ] .
أما البلاء فهو أعلى عندهم من الامتحان ،لأن الامتحان يؤثر في القلب فقط على حين أنّ البلاء اسم للألم الذي يظهر على قلب المؤمن وجسده.
ووقوع البلاء لسالكي المتصوفة هو ضرورة منهجية ، لأنه يظهر أحوال الرجال ويفضح المدّعي ؛ فمن ابتلي وصبر وما شكا ، فهو نعم العبد .
والبلاء هو غير “ الشقاء “ الذي يصيب الكافرين والمعرضين عن اللّه عزّ وجلّ.""
صنائع : جمع . صنيعة ، وهي المعروف والخير .
المعنى :
يقول الجيلي ؛ إنني مريض وبما أنك ممرضي فالآلام تلذلي . وإن اختبرتني في هواك فأنا ثابت على عشقك لا أتغير .
والامتحان هنا أو الآلام ، هو صنيعة ومعروف ، لأن المؤمن إذا ثبت صابرا وشاكرا عند الامتحان ، أضيف ذلك إلى
جميل أعماله ، يقول ذو النون المصري [ اللمع : 307 ] : “ ومن لم يعدّ البلاء نعمة فليس من الحكماء “ .
ويؤكد الصوفية على أن العاشق يثبت عند الامتحان أكثر مما يثبت المؤمن الصالح أو السالك المريد ، لأن العاشق مأخوذ بالنظر إلى معشوقه لا يلتفت إلى ما يعاني بدنه أو روحه من آلام .
( 32 ) تحكّم بما تهواه فيّ فإنّني ..... فقير لسلطان المحبّة طائع
المفردات :
تحكّم بما تهواه فيّ : أي إفعل فيّ ما تريد .
فقير : الفقر هو الحاجة .
ويرى الصوفيون إن الفقر هو صفة كل المخلوقات ، فكل موجود سوى اللّه تعالى هو فقير بوجه من الوجوه.
فليس في الوجود إلا غنيّ واحد هو اللّه تعالى ، وكل من عداه فقراء إليه .
حتى أضحى لفظ “ فقير “ اسم علم على المتصوف والسالك في القرنين الثالث والرابع الهجريين .
المعنى :
يخاطب الجيلي محبوبه قائلا : أحكم وتحكّم فيّ ، وليمتدّ سلطان هواك على جميع ذاتي ، فأنا عاشق ساكن تحت تجلّيات قهر محبتك وسلطانها .
( 33 ) حببتك ، لا لي ، بل لأنّك أهله ..... وما لي في شيء سواك مطامع
المفردات :
بل لأنك أهله : أي أحببتك لأنك أهل للحب . ويسمي الصوفية هذا النوع من الحب بالحب الذي يستوجبه مقام المحبوب ، في مقابل الحب الانساني الذي يطمح فيه الإنسان بامتلاك محبوبه .
وقد كان لرابعة العدوية فضل السبق في ترسيخ هذين النوعين من الحب الإلهي :
حب الهوى ، والحب الذي يستوجبه المحبوب لذاته ومقامه .
فأنشدت :
أحبّك حبين حبّ الهوى ..... وحبّا لأنك أهل لذاكا
المعنى :
يواصل الجيلي خطاب محبوبه فيقول : أحببتك لا لتكون لي ، بل لأن مقامك استوجب حبا فأحببتك .
وها هي نفسي الآن فارغة عن أي طلب ، لأنها - من جهة - منعت من الطمع في امتلاكك ؛ وهي - في الأصل ومن جهة ثانية - زاهدة في كل ما عداك لم تطمع يوما في سواك .
( 34 ) فصل إن ترى أو دع وعدّ عن اللّقا ..... وأوعد وعد أو عد فها أنا قانع
المفردات :
فصل : فعل أمر من وصل ، بمعنى صلني ولا تهجرني .
دع : اترك . واهجر .
وعدّ عن اللقا : تجاوز عن اللقاء .
وأوعد : من الوعيد وهو للتخويف والشر ، وهنا أوعد بالهجر .
وعد : فعل أمر من وعد ، والوعد للخير وهنا الوعد بالقرب والوصل .
عد : ارجع ، أي ارجع عن وعدك بالقرب
المعنى :
يتابع الجيلي المعنى السابق فيقول : ها أنا قانع بكل ما تفعل بي من وصل وهجر ، من وعد بالقرب أو وعيد بالهجر .
( 35 ) تمكّن مني الحبّ فانمحق الحشا ..... وأتلفني الوجد الشّديد المنازع
المفردات :
فانمحق : فامحّى وذهب . والمحق في اللغة الصوفية هو فناء العبد في الحق . ويميز الصوفية بين أنواع ثلاثة من الفناء هي الطمس والمحو والمحق .
فالطمس هو فناء صفات العبد في صفات الحق ، والمحو فناء أفعال العبد في فعل الحق ، والمحق هو فناء العبد في الحق .
واتلفني : أهلكني وأفناني ، والتلف عند الصوفيين هو ما ينتظر منه الهلاك في الحين .
الوجد : ما يلاقيه القلب من شديد العشق [ راجع . شروحات البيت رقم 19 ] .
"" شروحات البيت رقم 19 : يتابع الجيلي تفصيل أحواله وأحاسيسه في الحب ، ويدّعي أن الوجد الحقيقي هو ما يقاسيه من آلام الهوى ، وأنّ كل آلام الآخرين إنما هي صورة وجد وليست وجدا .
كذلك الأمر في الموت ، فالموت الحقيقي هو موته وجدا بمحبوبه وما عداه ليس له من الموت إلا الصورة""
المنازع : المميت .
المعنى :
يتابع الجيلي وصف أثر الحب على كينونته فيقول : تمكّن الحب من أعماق قلبي فمحقها ، وأكمل الوجد فناء قلبي فأتلفه بعد محق .
( 36 ) وأشغلني شغلي بها عن شواغلي ..... وأذهلني عنّي الهوى والهوامع
المفردات :
واذهلني عني : غيّبني عن الإحساس بوجودي . والذهول من مقامات الوجد عند الصوفيين .
قال الواسطي : “ مقامات الوجد أربعة :
الذهول ، ثم الحيرة ، ثم السكر ، ثم الصحو “ [ راجع . عوارف المعارف . السهروردي . ص 527 ] .
وجعل بعضهم وصول سر السالك إلى مقام الذهول من علامات الاتصال [م . ن ، ص 516].
الهوامع : همع بمعنى سقط من مكان عال ، والهوامع هنا تشير إلى كل ما يهبط على الشاعر العاشق من صور تجليات محبوبه ، أو من أحوال وواردات .
المعنى :
يتابع الجيلي وصف أحواله فيقول : أخذني اشتغالي بالمحبوب عن كل شيء سواه ، وغيّبني حبي وما يتجلى لي من صور المحبوب عن نفسي وعن إحساسي بوجودي.
( 37 ) وقد فنيت روحي بقارعة الهوى ..... وأفنيت عن محوي بما أنا قارع
المفردات :
فنيت روحي : تلفت وذهبت ، والفناء في اصطلاح المتصوفين هو أن يفنى الإنسان عن الأشياء كلها شغلا بما فني به ، والفاني لا يشعر بنفسه ولا بشيء من لوازمها ، لأن احساسه هو مع ما أفناه .
وإذا قيل فني الإنسان عن نفسه وعن الخلق ، فنفسه والخلق موجودون ولكنه لا يشعر بهم .
بقارعة الهوى : بما يصيبني من شديد الهوى وعظيمه ، والقارعة الأمر العظيم .
وأفنيت عن محوي : وغيّبت وذهلت عن محوي ، ويستعير الصوفيون صورة المحو الحسي ليعبروا به عن فناء صور الإنسان وأفعاله وأحواله مع بقاء وجوده ، لأن المحو هو ذهاب كيفية الشيء مع بقاء وجوده ، تماما كما نمحو الكتابة عن اللوح فتذهب الكتابة ويبقى اللوح .
بما أنا قارع : بما أحس وأشعر .
المعنى :
يتابع الجيلي وصفه للتدرج في أحوال العشق ويصل في هذا البيت إلى الفناء والمحو . فيقول : محيت روحي لما نزل بي من الغرام الشديد ، وغبت عن هذا المحو بما أعانيه من أهوال الهوى .
( 38 ) وقام الهوى عندي مقامي فكنته ..... وغيّبت عن كوني فعشقي جامع
المفردات :
وغيّبت : الغيبة هي غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق لإشتغال الحس بما يرد عليه .
عن كوني : عن وجودي الكائن المحسوس .
فعشقي جامع : العشق عند الجيلي هو آخر مراتب انجذاب القلب إلى محبوبه ، ذلك أنه إذا طفح الإنجذاب حتى أفنى المحبّ والمحبوب سمي عشقا ، وفي هذا المقام يرى العاشق معشوقه فلا يعرفه .
وهذا آخر مقامات الوصول والقرب ، فيه ينكر العارف معروفه فلا يبقى عارف ولا معروف ولا عاشق ولا معشوق ،ولا يبقى إلا العشق وحده.
فهو ، أعني العشق ، في ابتداء ظهوره يفني العاشق حتى لا يبقي له اسما ولا رسما .
فإذا امتحق العاشق وانطمس ، أخذ العشق في فناء المعشوق والعاشق [ راجع . الإنسان الكامل ، 1 / 48 - 49 ] .
جامع : أي يبقى العشق وحده ولا عاشق ولا معشوق .
المعنى :
بعد الفناء والمحو في البيت السابق يتابع الجيلي وصف فنائه وفناء معشوقه وبقاء العشق .
فيقول : إنه في مرحلة أولى سحقه حبّه لمحبوبه ومحقه ، ثم احتل هذا الحب كيانه فكان هو عين حبه لمحبوبه .
وفي مرحلة ثانية غيّبه العشق عن ذاته وعن كونه عين حبه لمحبوبه ففني عاشق ومعشوق ، ولم يبق إلا العشق .
( 39 ) غرامي غرام لا يقاس بغيره ..... ودون هيامي للمحبّين مانع
المفردات :
هيامي : هام يهيم هياما أي انشغل بالمحبوب ، ولم يعي سواه .
المعنى :
بعد أن وصف الجيلي تدرّجه في مراتب العشق يباهي هنا بتفرّده بين العشاق ،
فيقول : تفرّد غرامي في العشق فلا يقاس به ، ولا يصل إلى هيامي هائم لأن دون ذلك موانع لا يستطيع تجاوزها .
وهذا معنى يتردد كثيرا عند عشاق المتصوفة ويتكرر في أشعارهم ، فكل عاشق منهم يعلن بأن غرامه لا يقاس بغيره ،وأنه لا يصل إلى هيامه محبّ.
يقول ابن الفارض في المعنى نفسه:
يحشر العاشقون تحت لوائي ..... وجميع الملاح تحت لواكا
( 40 ) غرامي والتّبريح للروح لازم ..... وسقمي والآلام للجسم تابع
المفردات :
والتبريح : التعذيب والشدة ؛
وتباريح الشوق : توهجه .
لازم : ملازم ، لا يفارق .
المعنى :
يخاطب الجيلي محبوبه ، قائلا ؛ هذه روحي لا يفارقها غرامي وتوهّج شوقي إليك ، وهذا بدني لا تفارقه الأمراض والآلام .
( 41 ) ولوعي وأشجاني وشوقي ولوعتي ..... لجوهر ذاتي في الغرام طبائع
المفردات :
ولوعي : الولع هو المرتبة الثانية للمحبة حيث يقوى ويشتد انجذاب القلب إلى محبوبه ؛ [ راجع . شروحات البيت رقم 5 ] .
"" شروحات البيت رقم 5 : يقول الجيلي : أغري قلبي بالوصول إلى ماء زرود ، ولكن يا لهفي ما أكثر الطالبين وما أقلّ الواصلين ، ويا خوف نفسي كم مات طالب والع ولم تبتلّ شفتاه الماء . ""
وأشجاني : وأحزاني .
طبائع : ج . طبيعة .
المعنى :
يقول الجيلي هنا ؛ إن جوهر ذاته في الغرام يتكون من عناصر أربعة هي :
الولع ، والشجن ، والشوق ، واللوعة .
( 42 ) فشوقي : نار ، والهوى : فهو الهوا ، ..... وتربي والما : ذلّتي والمدامع
المفردات :
فهو الهوا : فهو الهواء ، أي عنصر الهواء .
والما : والماء .
المعنى :
الشاعر هنا يفصل الصورة التي أجملها في البيت السابق .
فكما أن الطبيعة التي عنها تكوّن الوجود تتألف من عناصر أربعة هي الماء والهواء والنار والتراب .
كذلك جوهر وجوده تكوّن من طبيعة غرامه بعناصرها الأربعة :
فشوقه يقابل عنصر النار .
وهواه يقابل عنصر الهواء .
وذلته تقابل عنصر التراب.
ودموعه تقابل عنصر الماء .
( 43 ) يلوم الورى نفسي لفرط جنونها ..... وليس بأذني للملام مسامع
المفردات :
الورى : الخلق ، المخلوقات .
فرط جنونها : شدته ، والجنون هنا ليس سببه فساد مزاج أدى إلى المرض العقلي المعروف ، بل اشتهر مجانين الصوفية بأنهم قوم انحجبت عقولهم القائمة على تدبير حياتهم ومعاشهم بما فجأهم من الحق .
ويسميهم ابن الجوزي في صفة الصفوة : عقلاء المجانين ، والبهاليل [ جمع : بهلول ] ، والمجانين الإلهيين [ جمع . مجنون إلهي ] .
المعنى :
يشتكي الجيلي اللوم واللائمين ، فيقول :
إن المخلوقات كلها تلومني لأنني مهيّم بالحب ، مجنون عن دنياي ومعاشي .
وها هي أذني وإن امتلكت مسامع تستقبل كل صوت في الكون ، إلا أنها تجرّدت عن مسامع تسمع بها لوما على الحب والحبيب .
يضيف الجيلي هنا إلى التمييز المعروف بين عضو السمع وحاسة السمع موضوعا جديدا ، وهو أن حاسة السمع عنده تتمتع باستقلالية وطاقة نقدية .!!
فهي ليست مجرد أداة استقبال تسمع كل ما يعرض لها ، بل تنتقي وتقبل وترفض ، وهي خليّة عن مسامع تستقبل ملامة في الحب .
( 44 ) ومذ أو ترت أحشاي حبّيك إنّني ..... لسهم قسيّ النّائبات مواقع
المفردات :
أوترت : جعلتها وترا ، والوتر هو الرقم المفرد وأوله “ الثلاثة “ .
أحشاي : إشارة إلى الكبد مركز الحب [ راجع . شروحات البيت رقم 27 ]
"" شروحات البيت رقم 27 : استعار الجيلي جمال النبي يوسف عليه السّلام وأطلقه على محبوبه محولا الاسم إلى صفة ، فمحبوبه هو جمال الدنيا .
وهنا يناديه على عادة العشاق في تأوهاتهم “ أيا يوسف الدنيا “ ، بمعنى أي أيا جمال الدنيا ، إن كبدي تمزقت من الحزن لفقدك ، كما تمزقت كبد يعقوب عليه السّلام حين غاب عنه وجه يوسف ، فهل ترجع كما رجع يوسف؟! ""
حبّيك : إشارة إلى الحبين الواردين في قول رابعة ،
وهما :حب الهوى ، وحب التعظيم والإجلال الذي يستحقه مقام المحبوب .
تقول رابعة : “ أحبك حبين : حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاك “ .
قسي : جمع . قوس .
النائبات : المصائب
مواقع : جمع . موقع وهو مكان وقوع السهم .المعنى :يتابع الجيلي شكواه ، فيخاطب محبوبه قائلا ؛ أحبّك حبين : حب الهوى وحب التعظيم .
وجاءت احشاي العاشقة لتثلّث حبّيك ، فأحشاي وحبّيك ثلاثة أي وتر . . .
ومنذ ثلّثت أحشاي حبيّك أصبحت هدفا لسهم المصائب والبلايا .
.
يتبع