كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
كيف باع الصوفية بهيمة المسافر على مدونة عبدالله المسافركيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
“ 83 “كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع
وصل صوفي مسافر إلى احدى الزوايا وهناك جاء بحماره وقاده إلى الحظيرة . 515 وقد اليه بيده قليلا من الماء وبعض العلف ، ولم يفعل كما فعل الصوفي الذي سبق لنا ذكره “ 1 “ لقد احتاط للأمر من السهو ومن التخبط ، ولكن - إذا حُمّ القضاء - فأي جدوى للاحتياط ؟وكان هؤلاء الصوفية معوزين فقراء . والفقر كاد أن ينطوى على كفر يورث البوار .أيها الغنى البشم ! حذار ولا تهزأ من انحراف ذلك الفقير المتألم ! فهذا الجمع من الصوفية - لفرط فاقتهم - قد اتفقت كلمتهم على بيع الحمار . 520 قائلين : “ ان الضرورة تبيح أكل الميتة ، وكن من فساد جعلته الضرورة صلاحا ! “ وسرعان ما باعوا ذلك الحمار الصغير واشتروا بثمنه طعاما شهيا ، وأضاؤوا الشموع ! وتعالت الصيحات في جوانب الخانقاه : “ ان الليلة للطعام الشهى والشره ومجلس السماع !.................................................................( 1 ) بدأت قصة ذلك الصوفي في البيت 156 ، ثم استؤنفت في الأبيات 204 - 250 .“ 84 “ وكفانا حملا لهذا الزنبيل وكفانا سؤالا وكفانا صبرا ، وكفانا صوما يطول مداه “ “ 1 “ اننا أيضا من خلق الله ، من ذوى الروح . وها هي ذي السعادة قد حلت الليلة في ضيافتنا ! “ 525 وهم بذلك قد غرسوا وبذور الباطل ، إذ قد ظنوا من الروح ما لا شأن له بالروح .وذلك المسافر أيضا كان متعبا من الطريق الطويل ، فرأى هذا الاقبال والتكريم .فكل من هؤلاء الصوفية دلله ورعاه ، ولعبوا جميعا نرد الرعاية على أحسن الوجوه ! فلما رأى الصوفي ميلهم اليه ، قال : “ لو أنني لم أطرب الليلة فمتى يكون ذلك ؟ “ فأكلوا لذيذ الطعام ثم بدأ السماع ، فالمتلا جوّ الزواية بالدخان والغبار ، 530 دخان من المطبخ ، وغبار يتصاعد من الأرض ، تدقها أقدام الراقصين ! وأرواح ثائرة غلب عليها الاشتياق والوجد ! فتارة كانوا يصفقون بالأيدي ، وتارة يدقون بالأقدام . وحينا كانوا يكنسون أرض الصفة بجباههم .ان الصوفي يطول انتظاره لينال مبتغاه من الدنيا ، ولهذا فان الصوفي يكون كثير الأكل !.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ يدوم ثلاثة أيام “ . “ 85 “ وما كذلك يكون الصوفي الذي اغتذى حتى شبع من نور الحق ، فان هذا يكون بريئا من عار التسول ! وليس من أمثال هذا الصوفي سوى قلة بين آلاف . وفي ظلال دولة هؤلاء تعيش الكثرة الباقية . 535 وحينما اكتمل السماع من أوله إلى آخره ، بدأ المطرب من جديد يعزف نغمة قوية ! وبدأ يترنم قائلا : “ ذهب الحمار ! ذهب الحمار ! “ فدفعت حرارة النغمة جملة الحاضرين لمشاركته الغناء .وبتلك الحرارة ظلوا يرقصون حتى السحر ، ويصفقون بالأكف مرددين : “ ان الحمار مضى وولى يا فتى “ .وعلى سبيل التقليد بدأ هذا الصوفي أيضا يترنم مرددا : “ ذهب الحمار ! “ .وحينما انقضت هذه النشورة والانفعال وذاك السماع ، بزغ الصبح ، فقالوا جميعا : “ الوداع “ . 540 - وخلت الزاوية الا من هذا الصوفي . وكان هذا المسافر يمسح الغبار عن متاعه .وأخرج الصوفي متاعه من الحجرة ليربطه فوق الحمار . وكان ينشد رفيقا للسفر .ولقد سارع عله يلحق برفقاء الطريق . ودخل الحظيرة فلم يجد حماره فيها ! فقال : “ لعلّ ذلك الخادم قد أخذه إلى الماء ، فإنه لم يشرب بالأمس الا قدرا ضيئلا “ . “ 86 “ وأقبل الخادم فسأله الصوفىّ : “ أين الحمار ؟ “ فقال له الخادم :“ انظر إلى لحيتك ! “ فقام بينهما العراك . 545 فقال الصوفي : “ انني قد أسلمت إليك هذا الحمار . وجعلتك موكلا به ، فالزم حدود هذا البحث ولا تجادلنى . وردّ إلى ما أودعته عندك ! انني أطلب منك ما كنت أسلمتك إياه . فلتعد الىّ ما كنت قد أرسلته إليك .ولقد قال الرسول : “ ان كل ما أخذته يدلك لا بد لها أن تعيده في عاقبة الأمر .فان كنت - لعنادك - لا ترضى بهذا ، فهلمّ أنا وأنت إلى منزل قاضى الشريعة . 550 فقال الخادم : “ لقد كنت مغلوبا على أمرى فان الصوفية تهجموا علىّ فغدوت خائفا على روحي ! فهل تلقى بين القطط كبدا وأحشاء ثم تبحث بعد ذلك عن أثر لها ؟ان رغيفا من الخبز بين مائة من الجياع شبيه بقطة هزيلة أمام مائة كلب ! “ فقال الصوفي : “ فلنسلم أنهم قد أخذوه منك ظلما ، وأنهم أصبحوا قاصدين دمى ، أنا المسكين ، فإنك لم تجىء ، ولم تقل لي : “ ها هم أولاء يأخذون حمارك ، أيها المسكين ! “ “ 87 “ 555 حتى أبتاع حماري ممن عساه يكون قد اشتراه والا اقتسم الصوفية بينهم مالي .لقد كانت هناك مائة وسيلة لتدارك الأمر ، حينما كان الصوفية حاضرين ، أما الآن فقد تفرقوا في الأقاليم .فبمن أمسك الآن ؟ . ومن ذا الذي آخذه إلى القاضي ؟ ان هذا القضاء قد هبط فوق رأسي من جرّائك ! كيف لا تجىء ولا تقول لي : “ أيها الغريب ، لقد وقع بك مثل هذا الظلم الرهيب ! “ فقال الخادم : “ والله ، انى قد جئت إليك مرارا ، حتى أنبئك بهذه الأعمال ، 560 فكنت تقول لي : “ ان الحمار مضى وولى يا فتى ! “ ، وكنت أكثر انفعالا من جميع الناطقين بهذا القول .فكنت دائما أرجع قائلا : “ انه واقف على هذا الأمر . وهو راض بهذا القضاء ، فهو رجل عارف ! “ فقال الصوفىّ : “ انهم جميعا كانوا يحسنون ترديد هذا القول ولقد راق لي أنا أيضا أن أردده ! وان تقليد هؤلاء هو الذي أسملنى للريح . فعلى هذا التقليد مئتان من العنات ! وبخاصة تقليد مثل هؤلاء الذين لا طائل وراءهم . فليكن سخط إبراهيم على الآفلين ! 565 ان ذوق هذه الجماعة كان يلقى بأصدائه في قلبي ، فتحقق للقلب من تلك الأصداء ذوق مماثل ! “
“ 88 “ ولا بدّ لك من أن تشرق عليك “ 1 “ أشعة الرفقاء الطيبين ، حتى تغدو مستمدا ماءك من البحر ، بدون ( هداية من تلك ) الأشعة .واعلم أن أول نور “ 2 “ وقع عليك انما هو التقليد . فإذا تتابع الاشراق فهذا هو التحقيق .فلا تنقطع عن الرفقاء ما لم يكتمل لك التحقيق . ولا تنفصل عن الصدف ، فان هذه القطرة لم تصبح بعد درّا .فان كنت تريد أن يتحقق الصفاء لعينك وسمعك وعقلك ، فلتمزقن ما يغشيها من أستار الطمع ! 570 ذلك لأن تقليد هذا الصوفي كان مبعثه الطمع ، فحجب عقله عن النور واللمع .فالحرص على الطعام الشهىّ ، والحرص على الذوق والسماع ، وقفا حائلا بين عقله وبين الاطلاع .فلو أن الطمع استقر في المرآة ، لصارت تلك المرآة مثيلة لنا في النفاق ! ولو أن الميزان أصيب بالطمع في المال ، متى كان الميزان يقول الصدق حين وصف الحال ؟ان كل نبي خاطب قومه في صفاء قائلا : “ أنا لا أطلب منكم أجرا على رسالتي . 575 فلست سوى دليل ، وما المشترى الا الله . ولقد جعل الحق أجرى في كلتا الناحيتين “ 3 “ .................................................................( 1 ) حرفيا : “ تنعكس فوقك “ .( 2 ) حرفيا : “ انعكاس “ .( 3 ) الناحيتان هنا هما الدنيا والأخرة .“ 89 “ فماذا يكون جزاء عملي ؟ انه رؤية الحبيب ! حتى وان أعطاني أبو بكر أربعين ألف ( درهم ) .فهذه الآلاف الأربعون التي وهبني إياها ليست أجرى . ومتى يكون الشبه “ 1 “ مثيلا لدر عدن ؟وهأنذا أروى لك حكاية ، فاستمع إليها بعقلك ، حتى تعلم أن الطمع قد أصبح حجابا لأذنك ! فكل من كان طامعا غدا متعثر اللسان . ومع الطمع ، كيف يحل النور بالعين والقلب ؟ 580 ان خيال الجاه والمال يكون أمام البصر كالشعرة حين تصيب العين .وما كذلك من كان ثملا ، قد امتلأت روحه بالحق ، فإنه يظل حرا ، حتى ولو أعطيته الكنوز ! فكل من سعدت نفسه بمشاهدة الحق ، يبدو هذا العالم ميتا أمام عينيه .لكن هذا الصوفي كان بعيدا عن نشوة الشهود ، فلا جرم أنه كان - من حرصه - في ظلمة كالأعمى .وقد يستمع المبهور بالحرص إلى مائة حكاية ، فلا تنفذ نادرة منها في أذن حرصه ! كيف بعث القاضي بالمنادين للطواف بمفلس حول المدينة
585 كان هناك رجل مفلس ، لا سكن له ولا دار ، فاستقر في سجن....................................................( 1 ) “ الشبه “ هو النحاس الأصفر .“ 90 “وقيد لا فكاك منه ! وكان يأكل طعام رفاقه في السجن ، فأصبح بطمعه ثقيلا على قلوب الخلق ، كأنه جبل قاف .فما كان أحد يجسر على أن يتناول لقمة ، ذلك لأن هذا الملتهم كان ينقضّ عليها ! وكل من كان بعيدا عن دعوة الرحمن ، فعينه عين متسول ولو كان سلطانا ! لقد داس هذا الرجل كل مروءة بقدميه ، وأصبح السجن جحيما من جراء هذا الجشع الأكول . 590 فلو أنك هربت على أمل في الراحة ، فقد تواجهك الآفة من ذلك الطرق أيضا ! فما من ركن خلا من الوحوش أو الفخاخ . وليست هناك راحة الا في خلوة الحق .وحتى زاوية سجن الدنيا التي لا مفر منها ، ليست بدون أجر أو بلا تكلفة ! فوالله لو أنك نزلت في جحر فأر ، فهناك أيضا تكون مبتلى بمخالب القط .ان الانسان ليتضخم جسمه من الخيال ، ان كانت خيالاته ذات جمال ! 595 وان أظهرت له خيالاته ما يسوء ، ذاب كما ينصهر الشمع من النار ! فلو أنك كنت بين الحيات والعقارب ، وألقى الله في نفسك خيالات طيبة عنها ،
“ 91 “ لأصبحت الحيات والعقارب مؤنسة لك . فان خيالك هذا يكون كالكيمياء للنحاس ! ان الصبر قد غدا بالخيال الجميل حلو المذاق . ذلك لأنه قد أقبل مبشرا بعلامات الفرج “ 1 “ .وان الفرج ليأتي من ايمان الضمير . أما ضعف الايمان فيأس وعذاب . 600 والصبر يحظى بتاج من الايمان ، لأن من لا صبر له لا ايمان له .ولقد قال الرسول : “ ان الله يهب الايمان لمن لم يكن الصبر في طبيعته “ “ 2 “ .ان ذلك الشخص الذي يكون في عينك شبيها بالثعبان ، قد يكون صورة جميلة في نظر غيرك .ذلك لأنه يتجلى لعينك خيال كفره ، على حين يتجلى لعين محبِّه خيال ايمانه .وهاتان الصفتان تجتمعان في شخص واحد ، فحينا يكون سمكة ، وحينا يكون شصا ! 605 فنصفه يكون مؤمنا ونصفه يكون كافرا ! نصفه يكون من الحرص ونصفه الآخر من الصبر ! ولقد قال تعالى : “ ان منكم مؤمنا ، كما قال أيضا ان منكم كافرا عريقا في كفره “ 3 “ .فمثل هذا الانسان كثور نصفه الأيسر أسود ، ونصفه الآخر...................................................................( 1 ) إشارة إلى القول المعروف : “ الصبر مفتاح الفرج “ .( 2 ) هذا ترجمة لمعنى الحديث : انظر لفظ الحديث في التعليقات .( 3 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير “ . ( 64 : 2 ) .“ 92 “ ابيض مثل القمر ! فكل من يرى هذا النصف فإنه يعرض عنه ، وأما من يرى النصف الآخر ، فإنه يسعى اليه ! لقد كان يوسف يبدو في أعين اخوته قبيحا كالبغل ، وهو ذاته كان في نظر يعقوب شبيها بالحور ! 610 فالخيال القبيح هو الذي جعل العين الحسية وعين العقل المحتجبة تريانه قبيحا .واعلم أن هذه العين الظاهرة ظلّ لتلك العين المحتجبة . فكل ما تراه عين الباطن ، تدور نحوه عين الظاهر .وانك أيها الانسان مكاني ولكن أصلك في اللامكان . فلتغلق هذا الدكان ولتفتح ذلك الدكان .فلا تهرب إلى هذا العالم ذي الجهات الست ، ففي هذه الجهات أسوأ مواقع أحجار النرد ، حيث تحق الهزيمة . كيف شكا أهل السجن إلى وكيل القاضي من عدوان ذلك المفلس
فذهب أهل السجن يشكون أمرهم إلى وكيل القاضي ، وكان رجلا واسع الادراك . 615 قائلين : “ لتحمل سلامنا الآن إلى القاضي ، ثم أبلغه تأذينا من هذا الرجل السافل .فلقد أقام بالسجن على الدوام هذا الرجل المتلاف المضرّ ! وهو كالذبابة حاضر في كل طعام ، يتصدى متوقحا بدون دعوة “ 93 “ أو سلام ! طعام ستين شخصا أمامه لا يعد شيئا ، وهو يصطنع الصمم لو قلت له “ كفاك ! “ فليس يجد رجل من السجناء لقمة . وإذا استطاع بمائة حيلة أن يجد شيئا يأكله . 620 غشيه في الحال هذا الجهنمي الحلق ، وكل حجته أن الله أمر البشر بقوله : “ كلوا . . . “ فلتخلِّصنا من ذلك القحط الذي دام ثلاث سنين ، وليدم الله ظل مولانا إلى الأبد ! فاما أخرجت من السجن ذلك الجاموس الأكول ، أو خصصت له مؤونة من أحد الأوقاف .فيا من سعدت بك الذكور والا ناث ، أنصفنا بعد التك ، فإنك أنت المستغاث ! “ فتوجه إلى القاضي هذا الوكيل المهذب ، ونقل اليه شكاية هؤلاء ، بكل تفصيلاتها . 625 فاستدعى القاضي ذلك المفلس من السجن للمثول أمامه ، ثم استفسر عن حاله من كبار أعوانه .فثبت لدى القاضي كل ما تقدم به هذا الجمع في شكايتهم .فقال له القاضي : “ انهض من هذا السجن ، ولتتوجه إلى منزلك الموروث “ .فقال المفلس : “ ليس لي منزل سوى احسانك . انني مثل الكافر ، وسجنك هو جنتي ! فلو أنك أخرجتني من السجن وأقصيتنى ، فلسوف أموت من الفاقة والكد “ .“ 94 “ 630 فهو كإبليس الذي كان يخاطب الله بقوله :” أَنْظرْني إلى يَوْم يُبْعَثُونَ “ *” 1 “ .فاننى سعيد في سجن الدينا هذا ، حيث أنى هاهنا أقتل أبناء عدوى ! فكل من كان منهم صاحب قوت من الايمان ، أو يمتلك رغيفا تزود به للطريق ، فاننى آخذه منه ، تارة بالمكر وتارة بالخداع ، حتى تتعالى منهم صيحات الندم .فأنا حينا أهددهم بالفاقة والمسكنة ، وحينا أحجب أبصارهم بغدائر الشعر والخال ! “ 635 ان قوت الايمان قليل في هذا السجن ، والقليل الذي يوجد منه مهدد بعدوان هذا الكلب ! وقوت الذوق يتحقق بالصلاة والصيام وبمائة من أفعال الخضوع ، فيختلسه الشيطان دفعة واحدة !أستعيذ الله من شيطانه * قد هلكنا آه من طغيانه “ 2 “انه كلب واحد كلنه يجد سبيله إلى الألوف ! وكل من تطرق اليه الشيطان فقد أصبح هو الشيطان ! وكل من استشعرت منه البرودة فاعلم أن الشيطان كامن فيه ! ان الشيطان قد اتخذ من جلد هذا خباء ! 640 وحين لا يجد الشيطان صورة فإنه يظهر لك في الخيال ، ليدفع خيالك إلى أن يقودك نحو الوبال .فحينما هو خيال اللهو وحينا طيف الدكان . وطورا هو خيال العلم...................................................................( 1 ) الأعراف ، 7 : 14 .( 2 ) هذا البيت عربى في الأصل .“ 95 “ وطورا خيال السكن والدار .فحذار ، وأكثر من ذكر ربك في كل لحظة ، ولا يكن ذلك باللسان وحده ، بل بالروح ذاتها .فقال القاضي للمفلس : “ أقم البينة على افلاسك “ . فأجاب بقوله : “ هاك أهل السجن شهداء على ذلك “ .فقال القاضي : “ انهم متهمون في شهادتهم ، ذلك لأنهم يهربون منك ويبكون دما ( من عدوانك ) .645 وهم جميعا يطلبون الخلاص منك ، فهذا الغرض ربما جعلهم يشهدون بالباطل “ .فقال جميع أهل المحكمة : “ نحن أيضا شهود على افلاس هذا الرجل وعلى ادبار حاله “ .وكل من سأله القاضي عن حال قال : “ أيها المولى ! انفض يدك من هذا الرجل “ .فقال القاضي : “ طوفوا به حول المدينة وأعلنوا أن هذا مفلس ، وعربيد مسرف .ونادوا معلنين أمره في جميع الطرق . واقرعوا طبل افلاسه في كل مكان .650 فلا يبعه أحد قط نسيئا ، ولا يقرضه انسان قط دانقا .فكل من يحضره الىّ هنا بدعوى احتيال ، فانى لن أبعث به بعد ذلك إلى السجن .ان افلاسه قد أصبح ثابتا أمامى ، وليس في حوزته شئ قط ، لا نقد ولا يضاعة “ .“ 96 “ والانسان يقيم في حبس هذه الدنيا ، وذلك من أجل أن يثبت افلاسه .وان الله قد نادى أيضا بافلاس إبليس في القرآن الكريم ، 655 قائلا : انه مخادع مفلس قبيح القول ، فلايكن أحد شريكا له ولا نديما ! وان فعلت ذلك ، ثم اتخذته عذرا لك ، فهو مفلس ، فأنى لك أن تنال منه ربحا ؟وحين اشتعلت هذه الفتنة ، أحضروا جمل كردى كان يبيع الحطب .فأخذ الكردي المسكين يصيح وينتحب ، كما أنه أسعد الموكل بدانق ( على سبيل الرشوة ) ، لكنهم أخذوا بعيره من وقت الضحى حتى الليل ، ولم يجد صراخه نفعا . 660 وجلس فوق الجمل ذلك القحط الكبير ، وأما صاحب الجمل فكان يجرى وراءه .فسارعوا إلى الطواف به من ناحية إلى ناحية ، ومن شارع إلى شارع ، حتى عرفته كل المدينة عيانا .وأمام كل حمام وكل سوق كان جميع الناس يتأملون شكله .وكان هناك عشرة منادين من ذوى الأصوات الجهيرة ينادون بالتركية والرومية والكردية والعربية :“ ان هذا رجل مفلس لا يملك شيئا . فلا يقرضه أحد من الناس فلسا . 665 انه لا يملك مثقال حبة لا ظاهرا ولا باطنا ! انه مفلس زائف“ 97 “ مخادع ، وقربة منتفخة ! فحذار ، حذار . لا تتعاملوا معه . وحينما ترونه فأحكموا عقد أكياسكم “ 1 “ .فان أنتم أحضرتم هذا الرجل المنحل إلى المحكمة ، فانى لن أرسل جثة إلى السجن .انه لطيف القول ، لكن حلقه شديد الاتساع . يبدو مدثَّرا بجديد الثياب ، لكنه من الداخل خلق الشعار “ 2 “ .فلو أنه لبس هذا الثوب ليتخذ منه أداة للمكر ، فهو عارية اتخذها ليخدع عامة الخلق . 670 فلتعلم - أيها الرجل الطيب - أن لفظ الحكمة على لسان غير الحكيم ليس الا حللا مستعارة .فاللص قادر على أن يرتدى الحلة ، لكن كيف يستطيع ذلك المقطوع اليد أن يأخذ بيدك ؟وحين أقبل المساء ، نزل المفلس عن الجمل . فقال له الكردي ، ان منزلي بعيد ، وقد تأخر الوقت .لقد ركبت جملي منذ الصباح . وقد سامحتك في الشعير ، فهل أقل من أن تدفع لي ثمن التبن ؟......................................................................( 1 ) الشطر الثاني من البيت ترجم على أساس رواية مختلفة عن رواية النص ، ذكرها نيكولسون في حاشية النص ووجدناها آقرب إلى السياق .ونص الشطر الثاني في هذه الرواية هو : “ جونكه بينيدش كره محكم كنيد “ .( 2 ) نص الشطر الثاني من البيت يبدو غامض المعنى . ولكننا لو قرأناه على النحو التالي : “ بادثار ذو شعار شاخ “ اتضح المعنى . وقد جعلنا هذه القراءة أساسا للترجمة . وبهذا ينسجم معنى البيت مع ما يليه . “ 98 “ فقال المفلس : “ وفيم كنا ندور حتى الآن ؟ وأين عقلك ؟ أليس في الدار أحد ؟ “ 675 لقد بلغ طبل افلاسى أجواز السماء السابعة ، وأنت لم تسمع قط بسوء تلك الواقعة ؟فالطمع الساذج قد سد منافذ أذنيك ، وانه - يا بنى - ليصم ويعمى ! فحتى اللَبنات والأحجار قد سمعت هذا البيان ( الذي أخذ يردد ) : “ ان هذا ان العربيد مفلس خاوى الوفاض “ .لقد هتفوا بهذا النداء حتى المساء ، لكنه لم يطرق سمع صاحب الجمل ، لأنه كان ممتلئا حافل النفس بالطمع .ان الله قد ختم على الأسماع والأبصار ! وكم من الصور ، وكم من الأصداء وراء الحجب ! 680 وهو الذي يوصل إلى العين ما يشاء من الجمال ومن الكمال ومن نظرات المحبة .وهو الذي يوصل إلى الاذن ما يشاء من الأنغام والبشائر أو من الصراخ .ان الكون ملىء بالوسائل ولكنك تبقى بدون حيلة ، ما لم يفتح الله لك منفذا إليها .ومع أنك قد تكون الآن غافلا عن تلك الحيلة ، فان الله يظهرها لك عيانا في وقت الحاجة .ولقد قال الرسول ان الاله المجيد ، قد خلق لكل داء دواء .“ 99 “ 685 لكنك - بدون أمره - لا تستطيع أن تهتدى إلى لون دواء علَّتك ولا رائحته .فتنبه - أيها الباحث عن العلاج - ووجه عينك نحو اللامكان ، كما تتوجه عين القتيل نحو الروح .ان هذا العالم قد انبثق من اللامكان . ذلك لأنه من اللامكانية صار لهذا العالم مكان .فلتعد ثانية من الوجود نحو العدم ان كنت ربانيا ، طالبا ربك .ان هذا العدم هو مكان الدخل ، فلا تحد عنه ! أما هذا الوجود المنى على الزيادة والنقص ، فمكان الانفاق . 690 وما دام العدم هو مقرّ مصنع الحق ، فكل ما كان خارج هذا المقر فليس بذى قيمة .فلتلهمنا بعض الكلام الدقيق ، الذي يستدّر منلك الرحمة ، أيها الاله الرفيق ! فالدعاء منك ، والا ستجابة أيضا منك . والأمان منك والهيبة أيضا تكون منك .ولو نطقنا بالحظأ فأصلح أخطاءنا ، فإنك أنت المصلح ، يا سلطان الكلام .ان لديك الكيمياء التي تبدل جوهره فلو كان نهرا من الدماء لجعلته نيلا ! 695 ومثل هذه الأفعال الكيماوية بعض قدراتك ، كما أن أمثال هذا الإكسير من أسرارك .لقد مزجت الماء بالتراب ، ومن الطين والماء صوّرت جسد الانسان . .
يتبع