قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
قصة نجدة الرسول عليه السلام على مدونة عبدالله المسافر باللهقصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ وقلة الماء
واستسلمت للموت وقد تدلت ألسنة الخلق والإبِل من أفواههم
- كانت قافلة من العرب في ذلك الوادي ، قد جفت قربها من انحباس المطر .
“ 271 “
- وقد بقيت وسط تلك الصحراء تنادي موتها .
- وفجأة ظهر علي الطريق مغيث الكونين ، أي المصطفى عليه السلام من أجل عون “ تلك القافلة “ .
3135 - فأبصر في ذلك المكان قافلة كبيرة العدد ، “ متساقطة “ علي هجير الرمال في طريق صعب ووعر .
- وقد أخرجت إبلهم ألسنتها ، وتساقط القوم علي الرمال في كل صوب .
- فأشفق عليهم : هيا قوموا سريعا ، وليسرع عدد من الصحاب ، نحو تلك الكثبان .
- فإن عبدا أسود سائر بقربة علي بعير يحملها إلي سيده متعجلا .
- فهاتوا هذا الجمّال الأسود بما يحمله إلي كرها “ إن لم يأت طوعا “ .
3140 - وأسرع أولئك الطلاب نحو الكثبان ، وبعد برهة رأوا الأمر تماما كما قال عليه السلام .
- كان هناك عبد أسود يمضي علي جمل عليه قربة مليئة بالماء كأنها الهدْيَة تحمل الهدية .
- فقالوا له : يستدعيك في هذه الناحية فخر البشر وخير الوري ،
- قال لا أعرف من تقصدون . . فقال اخر : إنه قمري الوجه حلو الطباع “ 1 “ .
- وأخذوا يمدحونه عليه السلام بما فيه ، فقال : يبدو أنكم تقصدون ذلك الشاعر ،
3145 - الذي جعل جماعة من الناس عاجزة أمامه بسحره ؟ ولن أتقدم إليه ولو نصف شبر .
- فأتوا به جارين إياه نحو ذلك المكان ، فرفع عقيرته يا لشتم وأخذ يبصق بغضب .
- وعندما أتوا به أمام ذلك العزيز ، قال : اشربوا الماء وخذوا منه حاجتكم .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 296 : السيد والزعيم محمد نور الروح ، الأعظم والأقيم شفيع المجرمين .
“ 272 “
- فارتوي الجميع من تلك القربة ، وشربت منها الإبل ، كما ارتوي كل إنسان .
- كما ملأ الروايات “ 1 “ من قربته تلك ، فنظر سحاب السماء مشدوها حسدا له .
3150 - ورأي ذلك الشخص أنه من قربة واحدة ، قد بردت حرارة العديد من أمثال هاوية “ الجحيم “ .
- ورأي هذا الشخص أنه من قربة واحدة من الماء ، امتلأت قرب عديدة دون “ أدني “ اضطراب .
- كانت قربته في حد ذاتها مجرد حجاب ، أما أمواج الفضل فقد كانت تصل بأمره من البحر الأصلي .
- فالماء من الغليان يتحول إلي بخار ، ثم يتحول البخار من البرودة إلي ماء .
- بل إنه بلا علة وخارج عن هذا الترتيب ، كان يجري الماء مكونا إياه من العدم .
3155 - وأنت من طفولتك عندما رأيت الأسباب ، قد تعلقت بها وهذا من جهلك بالسبب الأصلي .
- ولأنك غافل بالأسباب عن المسبب ، فإنك تميل إلي تلك الحجب .
- وعندما تنتفي الأسباب فإنك تقوم بالضرب علي رأسك “ ندما “ قائلا :
ربنا ربنا .
- فيجيبك الإله : أمض نحو السبب ما دمت قد ذكرتني من صنعي ويا للعجب .
- قال : من الآن فصاعدا سوف أراك في كل شيء ، ولن أنظر إلي السبب أو إلي مظاهره الخادعة .
3160 - فيقول له “ الإله “ : “ ولو ردوا لعادوا “ إن هذا هو ديدنك ، يا من أنت واهن في التوبة والميثاق .
- لكني لا ألقي بالا إلي الأمر وأرحمك ، فرحمتي واسعة ، وأن مداري هو الرحمة .
..............................................................
( 1 ) الروايات : القرب الكبيرة .
“ 273 “
- ولا أنظر إلي نكوصك عن العهد ، وأعطيك عطاء الكرم ما دمت تدعوني في هذه اللحظة “ 1 “ .
- صارت القافلة حائرة من عمله هذا ، قائلة ، يا محمد إن طبعك من طبع البحر
- وقد جعلت من قربة صغيرة مجرد وسيلة ، فأغرقت بها العرب والكرد “ فضلا “ .
ملء قربة ذلك الغلام من الغيب بالماء معجزة منه عليه السلام
وتحويل هذا الغلام الأسود إلى أبيض بإذن اللّه تعالى
3165 - أنظر أيها الغلام الآن إلي قربتك مليئة بالماء ، حتى لا تتحدث شاكيا بخير أو شر .
- فتحير ذلك الأسود من برهانه عليه السلام ، وأخذ إيمانه يتفتح من اللامكان .
- لقد رأي عين ماء سيالة من الهواء ، ورأي قربته دريئة لفيضها .
- ومن تلك النظرة ، مزق الوسائل أيضا ، حتى رأي عين الغيب عيانا .
- فامتلأت عينا الغلام بالدموع لتلك اللحظة ، ونسي سيده ومقامه .
3170 - وعجزت قدماه عن السير في الطريق ويداه عن الحركة ، وأحدث الإله في روحه زلزالا .
- ثم فك إساره من أجل المصلحة ، قائلا له : عد إلي وعيك ، وعد في طريقك أيها المستفيد .
- ليس هذا بأوان الحيرة فالحيرة أمامك ، فامض في الطريق سريعا جلدا من فورك .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 297 : والحاصل أنك تعلقت بالسبب ، لكنك معذور فلم ترَ سواه .
“ 274 “
- ووضع المصطفى يده علي وجهه ، فقبلها بوجد ، وأمطرها بالقبلات .
- ومسح المصطفى آنذاك وجهه بيده المباركة ، وجعله من السعداء .
3175 - صار أبيض “ البشرة “ ذلك الزنجي وليد الحبش ، صار كالبدر وصار ليله كالنهار المضيء .
- صار كيوسف الصديق في جماله وفي رقته ، فقال له المصطفى : امض الآن إلي قريتك وارو عن الأحوال .
- فأخذ يسير دون رأس أو قدم ثملا ، لم يكن ليعرف له رأسا من قدم عند السير .
- ثم أتي بقربتين مليئتين بالماء الجاري ، نحو سيده في موضع القافلة “ 1 “ .
رؤية السيد لغلامه أبيض البشرة وعدم معرفته إياه وقوله له :
لقد قتلت غلامي وأخذك القصاص فرمى بك اللّه بين يدي
- راه السيد من علي البعد وأخذته الدهشة ، ومن دهشته نادي أهل تلك القرية .
3180 - قائلا لهم : هذه قربتنا وهذا بعيرنا ، فإلي أين مضي العبد الأسود ؟
- إن ذاك الذي يأتي من بعيد بدر ، يزري نور وجهه بنور النهار .
- فأين غلامنا ؟ أتراه ضل الطريق ؟ أو ظفر به أحد الذئاب وفتك به “ 2 “ ؟
- وعندما وصل إليه سأله : من أنت ؟ هل أنت تركي أو مولود في اليمن ؟
- وقل : ماذا صنعت بغلامي وانطق بالصدق ، واعترف إن كنت قد قتلته ، وإياك والاحتيال .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 301 : كان سيده قد جلس منتظرا علي الطريق ، هل يأتي غلامه ذاك سريعا أو متأخرا .
( 2 ) ج / 8 - 303 : أو ربما قتله هذا المجرم ، وأتي به بعيره إلي هنا من قدره .
“ 275 “
3185 - قال : لو كنت قتلته كيف اتي إليك ؟ وكيف اتي بقدمي إلي موضع القصاص “ 1 “ ؟
- أين غلامي ؟ قال : هو أنا ، وقد جعلتني يد فضل اللّه ذا ضياء .
- هه ؟ ماذا تقول ؟ أين غلامي ؟ حذار لن تنجو مني إلا بالصدق .
- فقال له : إن الأسرار التي بينك وبين هذا الغلام ، أرويها لك كلها سرا سرا .
- أقول لك كل ما حدث منذ أن اشتريتني حتى الآن .
3190 - حتى تعلم كما أنني ما زلت حيا ، وإن كان صبح قد تفتح من دجاي .
- لقد تغير اللون ، لكن الروح الطاهرة فارغة من الألوان والأركان والتراب .
- إن العارفين بالأجساد سرعان ما ينكروننا ، لكن شاربي الماء من العين يتركون القرب والدنان .
- والعارفون بالأرواح فارغون من الأعداد ، وهم غارقون في البحر الذي لا كيفية له ولا مقدار .
- فصر روحا وعن طريق الروح اعرف الحبيب ، وكن رفيقا للرؤية لا ابنا للقياس .
3195 - وعندما جعل المَلَك مع العقل في سلك واحد ، جعلهما علي صورتين لحكمة يعلمها .
- فاتخذ الملَك جناحا وقوادم كالطير ، أما العقل فقد ترك الجناح واختار المجد .
- فلا جرم أن كليهما كان نصيرا للآخر ، وكلاهما حسن الوجه دائر حول الآخر .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 303 : قال . . لا . . إن هذا لا يقنعني وينبغي أن تصدقني القول عن سر مكرك .
“ 276 “
- وكلاهما أي الملك والعقل مدركان للحق ، وكلاهما معين للإنسان وساجد له .
- والنفس والشيطان كانا “ مادة “ واحدة من البداية ، كانا عدوين وحاسدين لآدم .
3200 - فالذي رأي ادم طينا نفر منه ، لكن من راه نورا من اللّه سجد له .
- ومنه - سبحانه وتعالي - كان هذان “ أي العقل والملك “ مستنيري البصر ، بينما لم تر أبصار النفس والشيطان إلا الطين .
- لقد عجز هذا البيان الآن كحمار في ثلج ، ولا يجوز لك أن تتلو الإنجيل علي يهودي .
- وكيف يمكن الحديث مع شيعي عن عمر ؟ وكيف يمكن عزف العود أمام أصم ؟
- لكن لو كان في ركن من القرية إنسان واحد ، لكانت صيحات الوجد التي أبوح بها أكثر من هذا .
3205 - ولو كان هناك مستحق للشرح لنطق له الحجر والمدر وصارا شارحين ذوي رسوخ .
بيان أن الحق تعالى في كل ما أعطاه وخلقه من السماوات والأرضين
والأعيان والأعراض خلقه كله باستدعاء الحاجة وينبغي أن يحتاج
المرء شيئا لكي يعطيه إياه مصداقا للآية الكريمة
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ فالاضطرار هو دليل الاستحقاق
- إن تضرع مريم وألمها ، هو الذي جعل طفلا مثل ذلك الطفل يشرع في الكلام .
- إن جزءاً منها قد تحدث من أجلها وذلك دون تدخل منها ، ومن ثم فأجزاؤك ذات حديث في السر جزءا جزءا .
“ 277 “
- ويشهد علي هذه الأجزاء يداك ورجلاك أيها السالك ، فحتام تجعل للمنكر يدا وقدما ؟
- وإذا لم تكن مستحقا للشرح والقول ، فإن ناطقة الناطق قد شاهدتك ثم نامت .
3210 - وكل ما ظهر في الوجود إنما ظهر من أجل محتاج ، وحتى يجد الطالب الشيء الذي يبحث عنه .
- وإذا كان الحق تعالي قد خلق السماوات ، فقد خلقها من أجل دفع حاجات .
- وحيثما يكون ألم يمضي إليه الدواء ، وحيثما يكون فقر يمضي إليه الزاد ،
- وحيثما يكون مشكل فالجواب متوجه إليه ، وحيثما تكون سفينة يجري الماء .
- فقلل البحث عن الماء وأحصل علي الظمأ ، حتى يتفجر الماء “ لك “ من أعلي ومن أسفل .
3215 - وما لم يولد الطفل رقيق الحلق ، متي يجري له اللبن من ثدي أمه ؟
- فامض إلي تلك الأعالي ، وأسرع إلي تلك الأسافل ، حتى تصير ظمان رهن الحرارة .
- وبعد ذلك ابحث عن خرير المياه مستهديا بطنين زنبور الهواء “ الرعد “ لكي تشرب أيها العظيم .
- وليست حاجتك أقل من حاجة النبات ، فهو يأخذ الماء ويجذبه نحوه .
- أو تأتي أنت وتحول جزءا من الماء ، نحو الزرع اليابس حتى يجد به النضرة .
3220 - فاجذب الجواهر المضمرة إلي زرع الروح فإن سحاب الرحمة ملآن بماء الكوثر .
- وكن ظامئا حتى يأتيك الخطاب ب “ سقاهم ربهم “ واللّه أعلم بالصواب .
“ 278 “
مجىء تلك المرأة الكافرة بطفلها الرضيع إلى المصطفى عليه السلام
ونطقه كعيسى بمعجزات الرسول صلّى اللّه عليه وسلم
- وكان من تلك القرية أيضا امرأة من الكفار ، أسرعت إلي الرسول من أجل الامتحان .
- قدمت إلي الرسول عليه السلام في خمارها ، وفي حضنها طفل رضيع يبلغ الشهرين من العمر .
- فقال الطفل “ سلم اللّه عليك ، يا رسول اللّه جئنا إليك “ “ 1 “ .
3225 - قالت له أمه غاضبة : اصمت ! ! من الذي لقنك هذه الشهادة في أذنيك ؟
- ومن الذي علمك هذا أيها الطفل الصغير ، حتى صار لسانك في طفولتك . فصيحا مفوها “ 2 “
- قال لقد علمه الحق ، ثم جبريل ، وهو يردد معي الآن هذا البيان .
- قالت : فأين هو إذن ؟ قال : فوق رأسك وأنت لا ترينه فانظري إلي أعلي .
- إن جبريل واقف فوق رأسك ، صار لي دليلا في كل أمر من الأمور .
3230 - قالت : فهل تراه أنت ؟ قال : بلي ، إنه متألق فوق رأسك كأنه بدر التمام .
- إنه يعلمني وصف الرسول ، ويخلصني من عليائه من الانحطاط “ الذي أنا فيه “ .
- ثم قال له الرسول : أيها الطفيل الرضيع ، ما اسمك ، قله لي وكن مطيعا ! !
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) حرفيا مثل جرير وذكر جرير هنا محال بالطبع .
“ 279 “
- قال : إن اسمي عند اللّه هو عبد العزيز ، لكنه عند هذه الشرذمة من المخنثين عبد العزي .
- وأنا بريء من العزي ونفور ونظيف ، بحق من أعطاك هذه النبوة .
3235 - وهكذا ألقي الطفل ذو الشهرين كبدر التمام ، درسا بليغا كأنه “ العلماء الجالسون “ في الصدر .
- ثم هبت رائحة حنوط في تلك اللحظة من الجنة ، شمها أنف الطفل وأنف الأم .
- فقال كلاهما : إن تسليم الروح علي رائحة تلك الحنوط أفضل من “ العيش “ مع خوف السقوط .
- وذلك الذي يعرف به الحق ، فإن الجامد والحي يجيبانه بآلاف من التصديق .
- وذلك الذي يكون اللّه له حافظا ، تكون الطيور والأسماك حارسة له .
اختطاف العقاب نعل المصطفى عليه السلام ،
وحمله إلى الهواء وقلبه وسقوط حية سوداء من النعل
3240 - بينما كانوا في هذا الأمر ، إذ سمع المصطفى أذان الصلاة قادما من العلا
- فطلب ماء وجدد وضوءه ، وغسل يده ووجهه بهذا الماء البارد .
- وغسل قدميه واتجه إلي نعله ، لكن عقابا اختطف منه النعل .
- وحمله في الهواء وكأنه الريح ، ثم قلبه وسقطت منه حية .
- مد يده نحو النعل ذلك الحسن الخطاب ، لكن العقاب اختطف النعل من يده “ 1 “ .
3245 - سقطت من النعل حية سوداء ، ومن تلك العناية صار العقاب مريدا لخيره .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 322 : ثم طار به في الهواء كالريح ، وقلبه فسقطت منه حية .
“ 280 “
- ثم هبط العقاب بالنعل ثانية قائلا له : هذا هو فهذه واتجه إلي صلاتك .
- لقد توقحت هكذا من أجل الضرورة ، وأنا الذي لا أستطيع أذي .
- واويلاه لذلك الذي يمشي اختيالا بلا ضرورة وإن أفتاه الهوي بذلك .
- فشكره الرسول عليه السلام وقال له : لقد رأيناه جفاء وهو في حد ذاته عين الوفاء .
3250 - لقد اختطفت نعلي وكنت في حيرة من هذا الأمر ، كنت تحمل همي بينما كنت مشغولا بشيء اخر .
- هذا وإن كان الله قد أبدي لي كل غيب ، إلا أن القلب كان مشغولا بنفسه في تلك اللحظة .
- قال “ العقاب “ : حاشاك أن تحل بك غفلة ، إن رؤيتي لذلك الغيب هي انعكاس وجودك أيضا .
- وأن أري الحية في النعل من الجو ليس مني ، بل من صورتك أيضا أيها المصطفى .
- إن الوجود النوراني نور بأجمعه ، أما الوجود الظلماني فهو بأجمعه مزبلة .
3255 - ويكون الوجود الصوري لعبد اللّه كله نورا ، أما الوجود الصوري للمبعد فكله عمي .
- فاعلم صورة كل إنسان وانظر إليها أيها الحبيب ، داوم علي معاشرة من تراه من جنسك .
وجه الاعتبار من هذه الحكاية والعلم يقينا أن مع العسر يسرا
- إن هذه الحكاية عبرة من أجلك أيها الحبيب ، حتى تكون راضيا في حكم اللّه .
- حتى تكون فطنا وحسن الظن ، عندما تتعرض لحادثة سيئة فجأة .
“ 281 “
- وبينما تصفر وجوه الآخرين خوفا منها ، تكون أنت ضاحكا كالورد عند النفع والضر .
3260 - ذلك أنك تقوم بانتزاع الورق من الوردة ورقة ورقة ، لكنها لا تترك الضحك ولا تنثني ؟
- وتقول : كيف أهتم بالشوك وأنا الذي جعلت الضحك والسرور ينبثق من الشوك ؟
- وكل ما يجعلك شاكيا من القضاء ، أعلم يقينا أنه قد اشتراك من بلاء ( أشد ) .
- “ ما التصوف ؟ قال : وجدان الفرح في الفؤاد عن إتيان الترح “ 1 “ “ .
- فاعلم أن عقابه عقاب اختطف النعل من المصطفى الذي وصف بحسن الخلق .
3265 - حتى ينجي قدمه من لدغ الحية ، وما أسعد العقل الذي ينفض عن نفسه الغبار .
- قال “ لا تأسوا علي ما فاتكم “ “ أن أتي السرحان وأردي شاتكم “ 2 “ “ “ 3 “
- فإن هذا البلاء دفع لبلايا عظيمة ، وتلك الخسارة منع لخسارات جسيمة “ 4 “ .
طلب ذلك الرجل من موسى تعلم لسان الدواب والطير
- قال أحد الشبان لموسي : علمني لسان الحيوان .
- ربما أحصل علي عبرة في ديني من منطق الحيوانات والوحوش .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) بالعربية في المتن .
( 3 ) ج / 8 - 326 : لكنه قال : ذاك قد فات فلا تغتم ، وإن صار قديما ، فسوف يعود جديدا .
( 4 ) ج / 8 - 326 : وفوات المال كان راحة للروح أيها الحبيب ، فالمال عندما اجتمع ، صار وبالا للروح
“ 282 “
3270 - فإن ألسنة بني ادم بأجمعهم ، لا تتحدث إلا عن الماء والخبز والحيلة والاحتيال .
- فلعل للحيوانات اهتمامات أخري ، تبديها عند تدبير أمورها في هذه الدنيا ! !
- فقال له موسي : امض ودعك من هذا الهوس ، فإن في هذا خطرا عظيما “ عليك “ من قدام ووراء .
- فاطلب العبرة واليقظة من الله العلي ، لا من الكتاب ولا من المقال ولا من الحرف والشفة .
- فصار الرجل من رده أكثر إلحاحا ، ذلك أن الإنسان أكثر حرصا علي ما منع .
3275 - فقال يا موسي عندما سطع نورك ، وجد كل شي شيئا من “ إنعامك وإحسانك “ .
- وإن حرماني من هذا المراد ، لا يليق بلطفك أيها الجواد .
- فأنت في زماننا نائب للحق علي الأرض ، وإن منعتني أودي بي هذا المنع إلي “ هاوية “ القنوط .
- قال موسي : يا رب ، إن هذا الرجل الساذج ، يبدو أن الشيطان الرجيم قد تسلط عليه .
- وإذا علمته ما يطلب ينقلب الأمر وبالا عليه ، وإن لم أعلمه ضاق صدره مني .
3280 - قال اللّه : يا موسي علمه ، فإننا لم نرد دعاء قط رفع إلينا وهذا من كرمنا .
- قال موسي : يا رب ، إنه سوف يندم ، سوف يعض علي يديه ويمزق الثياب “ عن جسده “ .
- فالقدرة ليست خليقة بكل إنسان ، والعجز أفضل ، فهو أساس التقي
- ومن هنا كان الفقر فخرا إلي الأبد ، فأولئك الذين لا تصل أيديهم يبقون متقين .
- ومن هنا فالغَنِي والغني مردودان ، لأنهما من القدرة قد ودعا الصبر
“ 283 “
3285 - فالعجز والفقر أمان للإنسان ، فهو من ابتلاء النفس شديد الحرص ومغتم .
- وذلك الغم يحل به من الرغبات التي لا لزوم لها ، التي اعتاد عليها ذلك الذي سقط فريسة للأوهام “ 1 “ .
- وتسيطر الرغبة في الطين علي أكل الطين ، ولا يحلو الورد بالسكر لذلك المسكين .
الوحي إلى موسى بأن : علمه ما يحتاجه الأمر أو بعضه “ 2 “
- قال الله تعالى : أعطه ما يلزمه فحسب ، وأطلق يديه في الاختيار .
- والاختيار هو ملح العبادة ، وإلا لدار الفلك بالرغم منه .
3290 - فإن دورانه لا طمعا في ثواب أو خوفا من عقاب ، فالاختيار فضل عند الحساب .
- وكل العالم مسبح لله سبحانه وتعالي ، وليس هذا التسبيح الجبري مقابل أجر .
- فضع السيف في يد “ المرء “ وخلصه من عجزه ، فإما يصير غازيا أو قاطع طريق .
- ومن هنا صار الاختيار للإنسان “ من كرمنا “ ، فصار نصفهم نحل عسل ونصفهم حيات .
- والكفار في حد ذاتهم منبع للسم كالحيات ، في حين أن المؤمنين منبع للعسل كنحل العسل .
3295 - لقد امتصوا الرحيق المختار من النبات ، حتى صاروا كالنحل ريقهم حياة .
..............................................................
( 1 ) في النص : سقط فريسة للغول .
( 2 ) ج / 8 - 336 : ثم هبط رسل الوحي من الحضرة قائلا له : استمع إلي كل ما يتحدث به من لطفك .
“ 284 “
- بينما شرب الكافر شربة من صديد ، ومن قوته هذا ظهر السم فيه .
- فأهل إلهام الله هم عين الحياة ، أهل تسويل الهوي هم سم الممات .
- وهذا المدح والتحسين والإعجاب في الدنيا ، من الاختيار والحفاظ علي الوعي بالخير .
- وكل الفسقة عندما يدخلون السجن ، يتحولون إلي تقاة زهاد داعين للحق .
3300 - فعندما مضت القدرة كسد العمل ، فانتبه حتى لا يأخذ الأجل رأس المال .
- وقدرتك هي رأسمال تجارتك فانتبه ، وحافظ علي أوان القدرة وانتظر .
- والإنسان يمتطي جواد “ كرمنا “ ، وعنان الاختيار في كف إدراكه .
- ثم نصحه موسي بحب وقال له : إن مرادك هذا سوف يرتد عليك وسوف يفضحك “ 1 “ .
- فأترك هذا الهوس واتق اللّه ، فقد أعطاك الشيطان درسا ليمكر بك “ 2 “
قناعة ذلك الطالب بتعلم لسان الدواجن والكلاب
وإجابة موسى عليه السلام
3305 - قال الشاب : يكفي نطق الكلاب ، فالكلب حارس الباب ، ونطق الطائر الداجن ذي الجناح .
- قال له موسي : هيا ، ها أنت ذا تعلم فامض ، لقد وصل إليك “ ما طلبت “ ويكشف لك منطق هذين .
- وفي الصباح لكي يمتحن الأمر ، وقف منتظرا علي عتبة داره .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : سوف يصيب وجهك بالشحوب .
( 2 ) ج / 8 - 336 : هيا وامض ، وادع بأن يقل صداعك ، فإن مرادك هذا سوف يلقي بك في مائة تعب .
“ 285 “
- ونفضت الخادمة السفرة فسقط منها فتات الخبز البائت من بقايا الطعام .
- فاختطفها ديك كأنها غنيمة له ، قال الكلب له : لقد ظلمتني فامض .
3310 - إنك تستطيع أن تلتقط حبوب القمح في حين أني عاجز عن أكل الحبوب في الدار .
- إنك تستطيع أن تأكل القمح والشعير وبقية الحبوب وأنا لا أستطيع ذلك أيها الطروب .
- إن هذه اللقمة من العيش هي كل مئونتنا من العيش، فحتي هذا القدر هل تختطفه من الكلاب؟
جواب الديك على الكلب
- فقال له الديك : اسكت ولا تغتم ، فإن الله سوف يعوضك عن هذا “ الفتات “ بخير منه .
- إن جواد هذا السيد سوف ينفق ، وكل غدا حتى تشبع ، وكفاك حزنا .
3315 - أليس موت الجواد عيدا عند الكلاب ، بحيث يكون رزقا وافرا دون جهد وكدح .
- وعندما سمع الرجل باع الجواد ، فصار ديكه خجلا أمام الكلب .
- وفي اليوم التالي اختطف الديك فتات الخبز أيضا ، وأطلق عليه الكلب لسان عذله .
- قائلا له : أيها الديك المخادع ، حتام هذا الباطل : إنك ظالم كاذب محتال
- أين الجواد الذي قلت : إنه سوف ينفق ، أيها المنجم الأعمي المحروم من الصدق ؟
3320 - فقال له ذلك الديك العارف ، لقد نفق الجواد لكن في مكان اخر .
- لقد باع الجواد ونجا من الخسارة ، وألقي بخسارته علي “ كواهل “ الآخرين .
“ 286 “
- لكن بغله سوف ينفق غدا ، وتكون هذه النعمة قاصرة علي الكلاب .
- فباع البغل سريعا ذلك الحريص ، ووجد مهربا من الحزن والخسران من فوره .
- وفي اليوم الثالث قال الكلب لذلك الديك : يا أمير الكاذبين يا من دقت الطبول والكوس “ إعلانا بكذلك “ “ 1 “ .
3325 - قال : لقد باع البغل سريعا ، وغدا سوف يصاب غلامه .
- وعندما يموت ذلك الغلام ، فإن أهله سوف يوزعون الخبز علي الكلاب والسائلين .
- فسمع هذا وباع غلامه ، ونجا من الخسارة وتهلل وجهه .
- وأخذ يؤدي الشكر ويبدي السرور قائلا : لقد نجوت من ثلاث كوارث في زمن وجيز .
- ومنذ أن تعلمت لغة الدجاج والكلاب ، تخطت عيني سوء القضاء .
3330 - وفي اليوم التالي قال ذلك الكلب المحروم : أيها الديك المخرف أين حساباتك هذه التي تحدثت عنها ؟
خجل الديك أمام الكلب بسبب كذبه
في المرات الثلاث
- حتام كذبك ومكرك اخر الأمر ، فلا يطير من كنك سوي الكذب .
- قال : حاشاني وبني جنسي أن نمتحن بالكذب .
- ونحن الديكة ما دمنا المؤذنين الصادقين ، فنحن رقباء الشمس منتبهون إلي الأوقات .
- نحن مراقبون للشمس من الباطن ، حتى ولو وضعنا تحت طست مقلوب .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 343 : فحتام تتحدث بالكذب يا خالياً من الضياء ، إنك مخيض أيها الخسيس مخيض مخيض .
“ 287 “
3335 - ورقباء الشمس هم الأولياء ، وهم الواقفون من البشر علي أسرار الله .
- وأصلنا أهداه الحق إلي الإنسان من أجل أن يقوم بالأذان في سفينة “ نوح “ .
- ولو جري علينا السهو فجأة في الأذان ، لكان في ذلك مقتلنا .
- وإن قول “ حي علي الفلاح “ في غير وقت ، تجعل دمنا رخيصا مباحا .
- وذلك الذي هو معصوم وبريء من الغلط ، هو ديك روح الوحي فحسب .
3340 - لقد مات غلامه ذاك عند مشتريه ، وصار بأجمعه خسارة علي المشتري .
- لقد استطاع أن يهرب ماله لكنه سفك دمه فانتبه إلي ذلك جيدا .
- فخسارة واحدة تكون منعا لخسارات عديدة ، إن أجسادنا وأموالنا فداء لأرواحنا .
- إنك عند الملوك وقت توقيع العقاب ، تدفع المال لكي تشتري رأسك .
- فكيف صرت متجاهلا في أمور القضاء فطفقت تهرب أموالك من الحاكم ( الفرد ) .
إخبار الديك عن موت السيد
3345 - لكنه سوف يموت في الغد علي وجه اليقين ، وسوف يذبح وارثه في مأتمه بقرة .
- سوف يموت رب الدار ويمضى ، وغدا تحصل على قطع اللحم الضخمة .
- ولقيمات الخبز والزلة “ قطع اللحم “ والطعام ، سوف يجدها وسط الشارع الخاص والعام .
“ 288 “
- ولحم البقرة المذبوحة والفطائر الرقيقة ، سوف تنصب في يسر علي الكلاب والسائلين .
- إن موت الجواد والبغل وموت الغلام ، كانت فداء من القضاء لهذا الغر الساذج .
3350 - لقد هرب من خسارة الأموال وما تسببه من الام ، فزاد ماله لكنه سفك دمه .
- ولماذا تكون هذه الرياضات من الدراويش ، لأن هذه البلايا علي الجسد بقاء للأرواح .
- فإنما لا يجد السالك البقاء “ لروحه “ ، ما لم يسقم جسده ويهلكه .
- ومتى تتحرك اليد بالإِيثار والعمل ما لم تر العطاء لروحها في مقابله ؟
- وذلك الذي يعطي دون انتظار لمنفعة ، هو الله ، هو الله ، هو الله .
3355 - أو ولى الله الذي تخلق بأخلاق الله ، فصار نورا وتقبل النور المطلق .
- وأنه سبحانه وتعالي - هو الغني وغيره كلهم فقراء ، ومتي يقول فقير خذ بلا عوض ؟ ! !
- وما لم ير الطفل أن التفاح موجود ، فإنه لا يسلم البصلة المتعفنة من يده ؟ !
- وهذا السوق كله من أجل هذا الغرض كلهم جالسون في الحانوت علي أمل العوض .
- إنهم يعرضون مائة صنف من المتاع الجيد ، وتطوف امال قلوبهم حول ما يتلقونه عوضا عنها .
3360 - وأنت لا تسمع سلاما واحدا يا رجل الدين ، لا يمسك آخره بطرف ثوبك “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) أي لا يطلب منك من سلم عليك بعده شيئا .
“ 289 “
- وأنا لم أسمع سلاما واحدا من خاص أو عام دون طمع أيها الأخ والسلام .
- هذا اللهم الإسلام الحق ، فهيا ابحث عنه من منزل إلي منزل ومن موضع إلى موضع ومن شارع إلي شارع .
- لكن من لسان الإنسان حلو المشام ، سمعت رسالة الحق معها أيضا السلام .
- أما سلام الباقين فعلى على رائحة ذلك السلام لا أزال أتشربه بالقلب ، أحلى من الروح .
3365 - من ذلك الذي صار سلامه هو سلام الحق ، لأنه قد أضرم النيران في نسل “ نفسه “ .
- لقد مات عن “ نفسه “ وصار حيا بالرب ، ومن هنا تكون علي شفتيه دائما أسرار الحق .
- إن موت الجسد في الرياضة “ الصوفية “ هو الحياة ، وتعب هذا الجسد ثبات للروح .
- وكان ذلك الرجل الخبيث قد تنصت وأخذ يسمع من ديكه ذلك الحديث .
إسراع ذلك الشخص خائفا إلى موسى عندما استمع
من الديك نبوءة وفاته
- وعندما استمع هذا الحديث انطلق مسرعا قلقا مضطربا وذهب إلى باب كليم الله موسى .
3370 - أخذ يمرغ وجهه في ترابه من الخوف ، قائلا : أغثني يا كليم الله .
- فقال له : اذهب وبع نفسك وانج ، وما دمت قد أصبحت أستاذا فاقفز من هذه الورطة “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : البئر .
“ 290 “
- وإنني أرى في لبنة هذا القضاء الذي ظهر لك عيانا في المرأة .
- إن العاقل يري العاقبة منذ البداية بقلبه ، ومن يراها في اخر الأمر فهو مقل في المعرفة .
3375 - فجأر بالصراخ ثانية قلئلا : يا حميد الخصال لا تحقرني “ 1 “ ولا تصفعني علي وجهي .
- لقد بدر هذا كله مني لأنني كنت غير مستحق ، فقابل أنت إساءتي بالإحسان .
- قال : لقد انطلق السهم يا بني من الإبهام ، وليس في العادة أن يرتد إلي مبدئه .
- لكني سأطلب من الحكم العدل ، أن تصطحب معك إيمانك عندما يجيء أجلك .
- فإنك إذا اصطحبت الإيمان تكون حيا ، وعندما تمضي بإيمانك تمضي ثابتا .
3380 - وفي تلك اللحظة انقلب حال السيد وهاجت بطنه وأحضروا له الطست .
- كان هياج الموت لا هيضة الطعام ، وماذا يجديك القيء أيها التعس الساذج ؟
- فحمله أربعة أشخاص إلي منزله ، وهو يلف الساق بالساق .
- إنك لم تستمع إلي نصيحة موسي واستهنت بها ، فعرضت نفسك علي سيف فولاذي .
- ولا يستحيي هذا السيف من “ نزع “ روحك ، فهو لك أيها الأخ وجدير بك .
.
يتبع